نساي
06-06-2011, 10:41 PM
من: د. سعد بن مطر العتيبي <>
المشكل اليوم جعلها نقطة استعادة (لحنين!!) أخرى ، مع ارتباط أكثر وضوحا بالأجنبي !
وإلا فقيادة المرأة للسيارة ، من مسائل السياسة الشرعية التي لم تمنع لذاتها في بلادنا ، فهي من قبيل المحرم لغيره لا لذاته ؛ بمعنى إمكانية السماح بها إذا انتفى مانعه الشرعي ، وهو : طغيان مفاسدها على مصالحها في مجتمعنا الذي يشكو - للأسف - ضعف نضج ، في أكثر من مسار ذي علاقة .
غير أن المشكل الأكبر هذه الأيام جعلها نقطة استعادة (لحنين) أخرى ، ليس إلا !
وهذه مقالة في الموضوع كتبتها قبل بضع سنين ، نشرت أولا في موقع المسلم ، ثم في شبكة القلم ، ثم تم تداولها في مواقع أخرى عديدة ، وأضعها هنا كما نشرت أول مرة دون أي تعديل :
--------------
المرأة والطارة بين ابتغاء المصلحة! ومغالطات الإثارة؟
(زوايا أخرى)
د. سعد بن مطر العتيبي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد؛
فالطارة: اسم يطلق على مقود السيارة الذي يمسكه السائق؛ وهي ليست بعيدة من العربية، بل هي محرفة عن (إطار) وهو: كل شيء محيط بالشيء؛ ولذلك يقال: طارة المنخل والغربال، يعنون الخشب أو الحديد المحيط بهما؛ ومنه في الأصيل: إطار الدف، والتأطر: لزوم المرأة لبيتها حتى لا تبرح! ومنه قول الشاعر يصف قرار النسوة في البيوت:
تأطَّرن حتى قلتُ لسن بوارحاً *** وذبن كما ذاب السديف المسرهد
وعلى كل حال فالطارة: أقرب للرمز إلى قيادة السيارة، ولذلك يعاب من لا يحسنها، عند العامة بقولهم: فلان ما يعرف يمسك الطارة!
لعل في هذه الالتفاتة مدخلاً لبقية العنوان، فأقول:
1) كم من القضايا تثوَّر وتثار ثم يتحول النقاش حولها إلى سفسطة، ونخرج بعدد من الضحايا، ليس أقلها الهدر العمري (الزمن) والهدر المالي، ثم أذيال الإثارة التي قد ندرك منطلقها ولكننا قد نعجز عن استشراف منتهاها.. ويبقى من يَعدّ نفسه خاسراً يُنَفِّس عنها بأنَّ المسألة مسألة وقت؟! وهو بهذا ربما يلتقي مع الطرف الآخر في أن قضية النقاش يحكمها أمور خارجة عن ذاتها.
2) في كل نقاش يجب أن ننطلق من ثوابت متفق عليها، وإلا فلا قيمة للنقاش، ولا نتيجة يمكن التسليم بها من طرف لآخر، ويبقى الطرح بلا منطلق نوعَ سفسطة إن لم يكن صورة من صور الاستئصال الممقوت.
والثوابت، يجب أن تبقى محفوظة عن جهل الجاهل، وغفلة المستغفل، وكيد العدو.
ولنا أن تتساءل من أين جاءت فكرة طرح مسألة قيادة المرأة للاقتراع التي نادى بها البعض في خضم الخوض في الموضوع؟ ليس التساؤل، لأن نتيجة الاقتراع معروفة سلفاً بتقبل أو رفض؛ كلا، ولكن لأنَّ مبدأ طرح الموضوع للاقتراع حيدة عن الطريق الشرعي في بيان الأحكام، والتسليم للشرع، وفق قول الباري جل وتقدس: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) فهل كل المقترعين من أهل الذكر؟ أم أن الواجب عليهم سؤال أهل الذكر؟
3) مسألة قيادة المرأة للسيارة التي تطرح على أنها قضية، مثال صارخ لما نحن بصدد الحديث عنه، ليس إلا؟
فأين الثوابت عند مناقشة هذه القضية؟ هل هي في طرح الموضوع دون عناية بمعرفة الحكم الشرعي للمسألة في بلد شريعته الشريعة؟ أو في طرح الموضوع مع العلم بما صدر فيه من فتاوى من جهات علمية رسمية معتبرة، في بلد يرعى الحكم الشرعي وينطلق منه؟ أو هي في عدم الاستناد إلى نص شرعي من مؤهلٍ للاستدلالِ عالمٍ بالحال؟ أو في عدم الاستناد على مادة نظامية أو دستورية مُسنِدة كأي مشروع في أي دولة قانونية؟ وهي أقل ما يمكن لقبول مشروع يخدم مصلحة الأمة، بلْه ما هو دون ذلك.كيف والقرار الرسمي قد حسم الموضوع من قبل؟!
أم أن من يطالب بذلك لديه إشكال في التسليم بهذه الثوابت والمسلمات لدى أهل الإيمان و الإسلام؟ و لو من قبيل الجهل فيُعلَّم وتكشف شبهته، وهلَّا سألوا إذ لم يعلموا، ولا سيما وهم من حملة الشهادات العالية!
كيف ننطلق نحو أفق نافع نكسبه بعد حوارات جادة في قضايا حقيقية، يتطلبها المجتمع، في حين أنَّ الطرح يفتقد إلى الثوابت التي يجب أن ينطلق منها الطارح في بيان شرعية الطرح، لا أن يكون المطروح معيار صحة الثوابت؛ وإلا فإننا حينها نتحدث عن موضوع ندَّعي شرعيته أو وطنيته أو هُما معاً، في الوقت الذي لا يهم البعض فيه إن كان داخل دائرة المشروع أو خارج دائرة الوطن!
4) وإذا أردنا أن نطبق نظرية المشروعية على الموضوع إيَّاه؛ فلننطلق من قواعد النظام الأساسي للحكم، إذ هو نظام يقدس المشروعية العليا، وينطلق منها حتى في نقد ذاته، كما في نص المادة الأولى منه، التي جاءت على النحو التالي: (المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم)؛ ففي هذه المادة تأكيد لالتزام الدولة بالدين الإسلامي، واتخاذ مصادره الأصلية (الكتاب والسنة) دستورا أعلى يحكم الدستور؛ وهذا ما تؤكده المادة السابعة وتبينه على نحو لا يحتمل التأويل، ونصها: (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله.. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة). فهي صريحة في أن ما خالف الكتاب والسنة فهو مستبعد حتى على فرض صدور نظام به؟
كما نجد أن السياسة التي تدار بها الأمة ومصالحها في وطننا، هي السياسة الشرعية؛ ومرجع التحقق من وصف الشرعية في بلدنا إنما هي فتاوى علماء الشريعة فيه، بنص الكتاب العزيز، كما أسلفت. وهو ما جاء واضحاً في (المادة الخامسة والأربعون) من النظام الأساسي للحكم: (مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية..كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم).
وجاء نص (المادة الخامسة والخمسون) من هذا النظام في غاية الصراحة والوضوح؛ إذ تلزم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية؛ فقد نصت على ما يلي: (يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقا لأحكام الإسلام ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها) ومرجع التحقق من وصف الشرعية في بلدنا هو فتاوى علماء الشريعة فيه، والمادتان السابقتان واضحتان في تأكيد ذلك.
5) وإذا نظرنا إلى مسألة قيادة المرأة للسيارة، فلا شك أنها مسألة قد صدر بشأنها فتاوى شرعية (مثال ليس إلا: فتاوى اللجنة الدائمة:17/239-248) وقرار رسمي؛ وهي بلا شك من مسائل السياسة الشرعية، إذ هي من المسائل العامة التي لم تمنع لذاتها، إذ هي من قبيل المحرم لغيره، والجدال في هذه القضية على أنها من قبيل المحرم لذاته خروج عن الموضوع إن لم يكن تلبيساً على من لا يدرك الفرق بين الأمرين.
وهذا الفرق واضح في فتوى المنع؛ فإنما منع من ذلك في الفتاوى الصادرة بخصوصه: من أجل ما يترتب عليها في بلدنا من المفاسد المؤكَّدة أو التي يغلب على الظن وقوعها على أقل تقدير؛ ومثل هذا النوع من القضايا يمكن إعادة النظر فيه وفق الآلية السليمة فتوىً ونظاماً، والنظر فيه يستند إلى اعتبارات من أهمها التحقق من انتفاء العلة التي منع من أجلها (وهي أمر يمكن التحقق من بقائه أو زواله).
فإذا كان الحال يتطلب نظراً شرعياً جديداً؛ فيجب أن تطرح المسألة على الجهة ذاتها التي أصدرت الحكم الشرعي المانع؛ لما أنها قضية غير جديدة من حيث هي، وترتبط بعدد من المصالح والمفاسد الخاصة والعامة، وتحتاج – على أقل تقدير – إلى تحديد المصالح المعتبرة شرعا، وإلى إخراج المصالح الملغاة شرعا، وإلى تحديد المفاسد المدفوعة شرعا، ووصف الشرعية لا يجوز أن يصف به ويثبته أو يصف بضده وينفيه إلا من كان عالما بالقرآن والسنة، وهم من أحال الله عز وجل إليهم في ذلك بقوله: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) (النحل: 43، 44)؛ ثم تأتي بعد ذلك عملية الموازنة بين ما تبقى من المصالح والمفاسد المتقابلة أو ما زاد عنها، ليُقرِِّر أهل الاختصاص الشرعي - بعد ذلك - الحكمَ الشرعي وفق معطيات هذه الموازنة.
وإنَّ أمراً كهذا لا يجوز أن يتكلم فيه من الناحية الشرعية أحد خارج دائرة التخصص.
6) نعم لا بأس أن يُعمِل الجميع عقله في تعداد ما يراه مصالح أو مفاسد لموضوع ما، في عملية عصف ذهني واسع ليس إلا، لكن البأس كل البأس أن يحكم بشرعية مصلحة أو مفسدة ما مَن لا يملك الأداة الشرعية للتفريق بين المصلحة المنصوصة، والمصلحة المرسلة، والمصلحة الملغاة.. فالزنا فيه مصلحة للزانيين من جهة ما يحصل لهما من اللذة بالحرام، ولكن هل يمكن لعاقل أن يصف هذه المصلحة بأنها شرعية؟ وأن قضيتهما قضية اجتماعية تلبي حاجة شريحة من المجتمع، ولو بالاستناد إلى ما يعرف بالقانون الطبيعي الذي يحمل الناس في البلدان الإباحية على تسمية هذا النوع من الانحراف فضيحة تقدح في المرشحين للمناصب؟! وهكذا الشأن في كل مجرم، فمروجوا المخدرات وشاربوا الخمور لهم مصالح في فعلهم، بل قد نص القرآن الكريم على أن في الخمر منافع: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس)! فهل لهذه المنافع أي اعتبار؟ كلا، فأي اعتبار لهذه المنافع وقد ألغاها الشارع الحكيم في قوله: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاحتنبوه)؟
7) و يقال لمن يطرح هذا الموضوع من حاملي الألقاب الأكاديمية: أين الدراسات التي يتطلبها ما هو دون الموضوع المطروح من الإشكالية؟ وهي قضية تفتقد إلى الدراسات العلمية المجردة، التي تنطلق من ثوابت الأمة، وإن شئت فقل: التي تنطلق من التأصيل الشرعي والنظامي، ثم من الجدوى من النقاش حولها.. هل هناك دراسات كافية لطرح الموضوع بجميع جوانبه: الاجتماعية، والتنظيمية، والأمنية، والاقتصادية، والتربوية، والاستشرافية.. إلخ.. في بلدنا؟!
أين الحقيقة في ظل الإحصاءات الصادقة؟ هل حقا لدينا مليون سائق أم أنه التهويل، وإن يكن، فلِمَ إذن؟! للأسف أن هذا الرقم - الذي أعلنه بعضهم - لا يقترب من الإحصاء العلمي إلا بعد حذف نصفه في البحر الأحمر وحذف ما يقارب نصف النصف في الخليج العربي!
ولنفترض جدلا أنه رقم إحصاءٍ صادق، فلم لا يكون هذا الخبر اكتشافا يستحق التقدير إذاً، إذ إنَّه قد يؤمِّن لنا مليون وظيفة في متناول السلطتين التنظيمية والتنفيذية للكادحين من الكهول في أعمال تشق على مثلهم، مما سيوفر بطبيعة الحال وظائف للعاطلين من الشباب ليحلوا محلهم؟! ثم لم لا ينظر في حل المشكلة المفترضة من زوايا شرعية أكثر نفعاً، من مثل: تفعيل واجب الولاية الذي حصره بعض الأولياء في مهمة تضخيم رصيده المالي من كد موليَّتة أو حتى زوجته!؟ وكذلك واجب الأخ أو الإخوة تجاه الأيامى من أخواتهم. فأين التماسك الاجتماعي الذي لا زلنا نرى شيئاً من بقاياه، وطالما حدثنا عنه شموله من قبلُ آباؤنا؟! أم أنَّه لا خيار في حل مشكلة السائقين، إلا أن تقبع من تُنَشَّأُ في الحلية خلف مقود العربة ترواح بين قدميها، وكأنَّها من أمَّة لا ترعى للمرأة حقا ولو بأصل الرقة في الخلقة، أو أن يقف من هو في الخصام غير مبين عند كل حادث أو مخالفة تخصه، يحاجج في مدى استحقاقه لقسيمة المخالفة، أو في مدى تمتعه بالتأمين و التحقق من إجراءاته التي أرهقت أشداء الرجال؟!
وهل نظرنا في الدول التي قادت نساؤها السيارات: هل قلَّ فيها عدد السائقين، أو هو في زيادة؟! ولا سيما بعد أن ملَّت الفتياتُ المِقود، وحلت محلها – عندهن - موضة السائق؟! أو كسلت عنها العجائز، فاستقدمن من يخفف من معاناتهن مع الطارة وضريبة التفرد بالسيارة من صيانة ونحوها؟! ولو من باب المساواة بالرجال الشيوخ في المسألة إيَّاها..
ولم لا تقدم دراسات توضع فيها الخيارات الممكنة، التي لا تتولد عنها مشكلات جديدة أشد وطأة، كالازدحام مثلا، وهو مشكلة تعيشها مدننا الكبيرة؟ ووضعت لها بعض الحلول في التخطيط المستقبلي في مدينة الرياض ومنها: تطبيق فكرة التنقل الجماعي بالقطارات. وفي بعض البلاد الغربية رأينا السيارات التي تنقل فردا واحدا لا يحق لها السير في المسار الأيسر الأسرع؛ تنفيرا من التنقل الفردي، وتشجيعاً على التنقل الجماعي، بوصفه وسيلة من وسائل تخفيف التزاحم، وفك الاختناقات المرورية! مع في ذلك من تقليل نسبة التلوث البيئي!
فهل تُوجد مشكلة من لا قضية؟ وقد نبه الله عز وجل في كتابه إلى أن من الظلم طلب إيجاد مشكلة لا وجود لها: (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم)!
فهل ينقصنا الوعي بالثوابت؟ أم أن لدى بعضنا أزمة قناعة بها؟ أم أن مصالح الأمة تحرك وفق إملاءات الآخر، الذي لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة؟ ولو بدعاوى الإصلاح زعموا؟ وسؤال أخير أجدني أطرحه من قبيل العصف الذهني المستند إلى النظر في أزمنة الطرح، ألا وهو: هل ثمة علاقة بين طرح هذه الموضوعات وأمثالها، وبين الأزمات والشائعات والحملات المغرضة ضد بلادنا؟ وإذا كان الأمر كذلك؛ فأين صدق الانتماء ودعاوى الوطنية ممن يصنع مثل هذه الإثارة؟
وسؤال قد لا يقل أهمية: لماذا لم تتقدم النساء اللاتي يشعرن بمشكلة لا حل لها غير قيادتهن السيارة إلى أهل العلم ليتبنوا موضوعهن - كعادتهم رعاهم الله - في حمْل ما يطرح عليهم من مشاكل تستلزم الفتوى إلى ولاة الأمر وفقهم الله؟! أما أنا فلم أسمع من أحد من مشايخنا من هيئة كبار العلماء مثلاً أن واحدة قد اشتكت إليه هذه المشكلة كما تراها! اللهم إلا بعض من نساء البوادي و المزارع القروية التي تأمَن فيها النساء، فالحركات والسكنات البدوية والقروية،كلها تحت نظر الربع من ربعة بيوتهم الشَّعْرية أو (دكَّات) مجالسهم الريفية التي يمتد منها النظر، مع الرفقة الملازمة في غير اختلاط؛ فوق ما في تلك الأجواء من تحرز عظيم في شأن الحرمات والأعراض، ولو من باب:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها
وعلى كل حال فهو وضع لا يقاس عليه إلا ما كان مثله؛ بل ربما رآها بعض أهل العلم داخلة في ما يعرف بقضايا الأعيان؛ وهي مسائل يفتى في كل حالة منها – بعد دراستها - على حدة؛ ولا يجوز تعميم الفتوى فيها، فضلا عن استصدار قرار عام أو نظام.
أسئلة تعرض نفسها على العقلاء في كل إثارة من هذا النوع، وتدعم نفسها بطريقة الطرح الإعلامي المتناغم في الخارج قبل الداخل؟! ليس على المستوى المحلي فقط، ولا العربي فحسب.
8) ولما بسط شيخنا محمد بن عثيمين - رحمه الله - بيان حكم قيادة المرأة للسيارة في بلدنا، وبين المفاسد المترتبة عليها، ختم ذلك بقوله: " واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة، والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها؛ وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويستظلون برايتنا. قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق، تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة " انتهى الشاهد من كلامه رحمه الله.
9) وقبل أن أدع لوحة المفاتيح، وحتى لا يساء بي الظن دعوني أُعَرِّف (المرأة)، نعم (المرأة)، ولو في آخر المقال، ولتعذروني في هذا التصرف؛ فأقول: المرأة: هي ذلك المخلوق اللطيف، الذي يحاول البعض أن يكتشفه لنا.. مع أنه المخلوق الذي خلق من أبينا آدم، وهو هو الذي عَبَرْنا – نحن بني آدم ذكورا وإناثاً - من خلاله إلى هذا الكون.. ولا أحب أن أطيل في تعريفه، فهي مسألة غريبة أن نتعرض لتعريفه أصلا، لكن حتى لا يظن أنه مخلوق يعيش في كوكب آخر، أو أن يَظُنّ بعضُ الكتاب أو المعجبين بهم من قرائهم أن بيوت الآخرين لا يوجد فيها (امرأة)! أما أو أختا أو بنتا أو حفيدة أو زوجة أو خادمة آفاقية! ومن المؤسف أنها كثيراً من تظلم في ظل القوانين الوضعية والعادات البشرية، حتى في ظل تمثال الحرية لا تحصِّل المرأة مرتباً مثل زميلها في العمل؟! وقد فصَّل لنا بعض غرائب معاناتها هناك مايكل مور - هداه الله – في بعض كتبه، وهو - بلا شك - أصدق لهجة من الكتاب بالوكالة.
بقي أن أقول بهذا الخصوص إن (المرأة) لو عبرت عن ذاتها وفطرتها والتزامها بدينها! لما التفت أدعياء حريتها إلى تعبيرها عن نفسها.. لأنها ربما كانت – في نظرهم - في حال شرود ذهني، أو أنها إنما تسطر اعترافات تحت وطأة سلب الحرية. نعم حتى لو كانت ابنة بعض المتلوثين بالأفكار الأجنبية، فيجب في فهمه للحرية أن تخلع الحجاب قبل أن تعبِّر عن وجوب لبسها له في شريعة ربها! وما عليك إلا أن تزور موقعاً إسلاميا - موثوقاً - يقدم الفتوى الشرعية، لتقرأ سؤالَ فتاةٍ تتأذى فيه من قسوة أبيها عليها في لبسها للحجاب، وأخرى تتأذى من مضايقة وبيعا لها حتى في أدائها للصلاة.. وأرجو أن لا يُتهم أصحاب الفضيلة المشايخ، من قبل القوم – إياهم – بتهمة تحريض الفتيات على التمرد الأسري بالتي هي أحسن!
وختاماً: الحديث في هذا الباب ذو شجون، ولكن هذه خواطر، رأيت أنها تحتاج إلى تأمل ونظر؛ فهل لنا أن نقدم مصالح الأمة العامة، بعيدا عن المزايدات الأجنبية على خصوصياتنا ببعض القضايا التي لا ترقى إلى درجة جعلها قضية؟! وهل لنا أن نرى توثيقا علمياً وفرزاً حقيقياً للقضايا، وفق فقه الأولويات؟ وحلولا شرعية للمشكلات المستجدة في مجتمعنا نتميز بها، كما هو شأننا في الكثير من القضايا المتعلقة بخصوصياتنا؛ فنحن أمة مسلمة عربية تقود بإسلامها الأمم الأخرى التي تتجه صوبها في كل صلاة مفروضة؟! وتأتي إليها في كل حجة؟ وتتطلع إلى تجربتها في كل نظام ومشروع تحتاجه الشعوب المسلمة والأنظمة المتطلعة لما يعرف بالأسلمة؟!
هذا والله أسأل أن يحفظ لنا أمننا وإيماننا، ويثبتنا على الحق إلى أن نلقاه؛ وأن يهدي ضالنا من فتيان وفتيات وشيب وعجائز.
المشكل اليوم جعلها نقطة استعادة (لحنين!!) أخرى ، مع ارتباط أكثر وضوحا بالأجنبي !
وإلا فقيادة المرأة للسيارة ، من مسائل السياسة الشرعية التي لم تمنع لذاتها في بلادنا ، فهي من قبيل المحرم لغيره لا لذاته ؛ بمعنى إمكانية السماح بها إذا انتفى مانعه الشرعي ، وهو : طغيان مفاسدها على مصالحها في مجتمعنا الذي يشكو - للأسف - ضعف نضج ، في أكثر من مسار ذي علاقة .
غير أن المشكل الأكبر هذه الأيام جعلها نقطة استعادة (لحنين) أخرى ، ليس إلا !
وهذه مقالة في الموضوع كتبتها قبل بضع سنين ، نشرت أولا في موقع المسلم ، ثم في شبكة القلم ، ثم تم تداولها في مواقع أخرى عديدة ، وأضعها هنا كما نشرت أول مرة دون أي تعديل :
--------------
المرأة والطارة بين ابتغاء المصلحة! ومغالطات الإثارة؟
(زوايا أخرى)
د. سعد بن مطر العتيبي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد؛
فالطارة: اسم يطلق على مقود السيارة الذي يمسكه السائق؛ وهي ليست بعيدة من العربية، بل هي محرفة عن (إطار) وهو: كل شيء محيط بالشيء؛ ولذلك يقال: طارة المنخل والغربال، يعنون الخشب أو الحديد المحيط بهما؛ ومنه في الأصيل: إطار الدف، والتأطر: لزوم المرأة لبيتها حتى لا تبرح! ومنه قول الشاعر يصف قرار النسوة في البيوت:
تأطَّرن حتى قلتُ لسن بوارحاً *** وذبن كما ذاب السديف المسرهد
وعلى كل حال فالطارة: أقرب للرمز إلى قيادة السيارة، ولذلك يعاب من لا يحسنها، عند العامة بقولهم: فلان ما يعرف يمسك الطارة!
لعل في هذه الالتفاتة مدخلاً لبقية العنوان، فأقول:
1) كم من القضايا تثوَّر وتثار ثم يتحول النقاش حولها إلى سفسطة، ونخرج بعدد من الضحايا، ليس أقلها الهدر العمري (الزمن) والهدر المالي، ثم أذيال الإثارة التي قد ندرك منطلقها ولكننا قد نعجز عن استشراف منتهاها.. ويبقى من يَعدّ نفسه خاسراً يُنَفِّس عنها بأنَّ المسألة مسألة وقت؟! وهو بهذا ربما يلتقي مع الطرف الآخر في أن قضية النقاش يحكمها أمور خارجة عن ذاتها.
2) في كل نقاش يجب أن ننطلق من ثوابت متفق عليها، وإلا فلا قيمة للنقاش، ولا نتيجة يمكن التسليم بها من طرف لآخر، ويبقى الطرح بلا منطلق نوعَ سفسطة إن لم يكن صورة من صور الاستئصال الممقوت.
والثوابت، يجب أن تبقى محفوظة عن جهل الجاهل، وغفلة المستغفل، وكيد العدو.
ولنا أن تتساءل من أين جاءت فكرة طرح مسألة قيادة المرأة للاقتراع التي نادى بها البعض في خضم الخوض في الموضوع؟ ليس التساؤل، لأن نتيجة الاقتراع معروفة سلفاً بتقبل أو رفض؛ كلا، ولكن لأنَّ مبدأ طرح الموضوع للاقتراع حيدة عن الطريق الشرعي في بيان الأحكام، والتسليم للشرع، وفق قول الباري جل وتقدس: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) فهل كل المقترعين من أهل الذكر؟ أم أن الواجب عليهم سؤال أهل الذكر؟
3) مسألة قيادة المرأة للسيارة التي تطرح على أنها قضية، مثال صارخ لما نحن بصدد الحديث عنه، ليس إلا؟
فأين الثوابت عند مناقشة هذه القضية؟ هل هي في طرح الموضوع دون عناية بمعرفة الحكم الشرعي للمسألة في بلد شريعته الشريعة؟ أو في طرح الموضوع مع العلم بما صدر فيه من فتاوى من جهات علمية رسمية معتبرة، في بلد يرعى الحكم الشرعي وينطلق منه؟ أو هي في عدم الاستناد إلى نص شرعي من مؤهلٍ للاستدلالِ عالمٍ بالحال؟ أو في عدم الاستناد على مادة نظامية أو دستورية مُسنِدة كأي مشروع في أي دولة قانونية؟ وهي أقل ما يمكن لقبول مشروع يخدم مصلحة الأمة، بلْه ما هو دون ذلك.كيف والقرار الرسمي قد حسم الموضوع من قبل؟!
أم أن من يطالب بذلك لديه إشكال في التسليم بهذه الثوابت والمسلمات لدى أهل الإيمان و الإسلام؟ و لو من قبيل الجهل فيُعلَّم وتكشف شبهته، وهلَّا سألوا إذ لم يعلموا، ولا سيما وهم من حملة الشهادات العالية!
كيف ننطلق نحو أفق نافع نكسبه بعد حوارات جادة في قضايا حقيقية، يتطلبها المجتمع، في حين أنَّ الطرح يفتقد إلى الثوابت التي يجب أن ينطلق منها الطارح في بيان شرعية الطرح، لا أن يكون المطروح معيار صحة الثوابت؛ وإلا فإننا حينها نتحدث عن موضوع ندَّعي شرعيته أو وطنيته أو هُما معاً، في الوقت الذي لا يهم البعض فيه إن كان داخل دائرة المشروع أو خارج دائرة الوطن!
4) وإذا أردنا أن نطبق نظرية المشروعية على الموضوع إيَّاه؛ فلننطلق من قواعد النظام الأساسي للحكم، إذ هو نظام يقدس المشروعية العليا، وينطلق منها حتى في نقد ذاته، كما في نص المادة الأولى منه، التي جاءت على النحو التالي: (المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم)؛ ففي هذه المادة تأكيد لالتزام الدولة بالدين الإسلامي، واتخاذ مصادره الأصلية (الكتاب والسنة) دستورا أعلى يحكم الدستور؛ وهذا ما تؤكده المادة السابعة وتبينه على نحو لا يحتمل التأويل، ونصها: (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله.. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة). فهي صريحة في أن ما خالف الكتاب والسنة فهو مستبعد حتى على فرض صدور نظام به؟
كما نجد أن السياسة التي تدار بها الأمة ومصالحها في وطننا، هي السياسة الشرعية؛ ومرجع التحقق من وصف الشرعية في بلدنا إنما هي فتاوى علماء الشريعة فيه، بنص الكتاب العزيز، كما أسلفت. وهو ما جاء واضحاً في (المادة الخامسة والأربعون) من النظام الأساسي للحكم: (مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية..كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم).
وجاء نص (المادة الخامسة والخمسون) من هذا النظام في غاية الصراحة والوضوح؛ إذ تلزم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية؛ فقد نصت على ما يلي: (يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقا لأحكام الإسلام ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها) ومرجع التحقق من وصف الشرعية في بلدنا هو فتاوى علماء الشريعة فيه، والمادتان السابقتان واضحتان في تأكيد ذلك.
5) وإذا نظرنا إلى مسألة قيادة المرأة للسيارة، فلا شك أنها مسألة قد صدر بشأنها فتاوى شرعية (مثال ليس إلا: فتاوى اللجنة الدائمة:17/239-248) وقرار رسمي؛ وهي بلا شك من مسائل السياسة الشرعية، إذ هي من المسائل العامة التي لم تمنع لذاتها، إذ هي من قبيل المحرم لغيره، والجدال في هذه القضية على أنها من قبيل المحرم لذاته خروج عن الموضوع إن لم يكن تلبيساً على من لا يدرك الفرق بين الأمرين.
وهذا الفرق واضح في فتوى المنع؛ فإنما منع من ذلك في الفتاوى الصادرة بخصوصه: من أجل ما يترتب عليها في بلدنا من المفاسد المؤكَّدة أو التي يغلب على الظن وقوعها على أقل تقدير؛ ومثل هذا النوع من القضايا يمكن إعادة النظر فيه وفق الآلية السليمة فتوىً ونظاماً، والنظر فيه يستند إلى اعتبارات من أهمها التحقق من انتفاء العلة التي منع من أجلها (وهي أمر يمكن التحقق من بقائه أو زواله).
فإذا كان الحال يتطلب نظراً شرعياً جديداً؛ فيجب أن تطرح المسألة على الجهة ذاتها التي أصدرت الحكم الشرعي المانع؛ لما أنها قضية غير جديدة من حيث هي، وترتبط بعدد من المصالح والمفاسد الخاصة والعامة، وتحتاج – على أقل تقدير – إلى تحديد المصالح المعتبرة شرعا، وإلى إخراج المصالح الملغاة شرعا، وإلى تحديد المفاسد المدفوعة شرعا، ووصف الشرعية لا يجوز أن يصف به ويثبته أو يصف بضده وينفيه إلا من كان عالما بالقرآن والسنة، وهم من أحال الله عز وجل إليهم في ذلك بقوله: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) (النحل: 43، 44)؛ ثم تأتي بعد ذلك عملية الموازنة بين ما تبقى من المصالح والمفاسد المتقابلة أو ما زاد عنها، ليُقرِِّر أهل الاختصاص الشرعي - بعد ذلك - الحكمَ الشرعي وفق معطيات هذه الموازنة.
وإنَّ أمراً كهذا لا يجوز أن يتكلم فيه من الناحية الشرعية أحد خارج دائرة التخصص.
6) نعم لا بأس أن يُعمِل الجميع عقله في تعداد ما يراه مصالح أو مفاسد لموضوع ما، في عملية عصف ذهني واسع ليس إلا، لكن البأس كل البأس أن يحكم بشرعية مصلحة أو مفسدة ما مَن لا يملك الأداة الشرعية للتفريق بين المصلحة المنصوصة، والمصلحة المرسلة، والمصلحة الملغاة.. فالزنا فيه مصلحة للزانيين من جهة ما يحصل لهما من اللذة بالحرام، ولكن هل يمكن لعاقل أن يصف هذه المصلحة بأنها شرعية؟ وأن قضيتهما قضية اجتماعية تلبي حاجة شريحة من المجتمع، ولو بالاستناد إلى ما يعرف بالقانون الطبيعي الذي يحمل الناس في البلدان الإباحية على تسمية هذا النوع من الانحراف فضيحة تقدح في المرشحين للمناصب؟! وهكذا الشأن في كل مجرم، فمروجوا المخدرات وشاربوا الخمور لهم مصالح في فعلهم، بل قد نص القرآن الكريم على أن في الخمر منافع: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس)! فهل لهذه المنافع أي اعتبار؟ كلا، فأي اعتبار لهذه المنافع وقد ألغاها الشارع الحكيم في قوله: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاحتنبوه)؟
7) و يقال لمن يطرح هذا الموضوع من حاملي الألقاب الأكاديمية: أين الدراسات التي يتطلبها ما هو دون الموضوع المطروح من الإشكالية؟ وهي قضية تفتقد إلى الدراسات العلمية المجردة، التي تنطلق من ثوابت الأمة، وإن شئت فقل: التي تنطلق من التأصيل الشرعي والنظامي، ثم من الجدوى من النقاش حولها.. هل هناك دراسات كافية لطرح الموضوع بجميع جوانبه: الاجتماعية، والتنظيمية، والأمنية، والاقتصادية، والتربوية، والاستشرافية.. إلخ.. في بلدنا؟!
أين الحقيقة في ظل الإحصاءات الصادقة؟ هل حقا لدينا مليون سائق أم أنه التهويل، وإن يكن، فلِمَ إذن؟! للأسف أن هذا الرقم - الذي أعلنه بعضهم - لا يقترب من الإحصاء العلمي إلا بعد حذف نصفه في البحر الأحمر وحذف ما يقارب نصف النصف في الخليج العربي!
ولنفترض جدلا أنه رقم إحصاءٍ صادق، فلم لا يكون هذا الخبر اكتشافا يستحق التقدير إذاً، إذ إنَّه قد يؤمِّن لنا مليون وظيفة في متناول السلطتين التنظيمية والتنفيذية للكادحين من الكهول في أعمال تشق على مثلهم، مما سيوفر بطبيعة الحال وظائف للعاطلين من الشباب ليحلوا محلهم؟! ثم لم لا ينظر في حل المشكلة المفترضة من زوايا شرعية أكثر نفعاً، من مثل: تفعيل واجب الولاية الذي حصره بعض الأولياء في مهمة تضخيم رصيده المالي من كد موليَّتة أو حتى زوجته!؟ وكذلك واجب الأخ أو الإخوة تجاه الأيامى من أخواتهم. فأين التماسك الاجتماعي الذي لا زلنا نرى شيئاً من بقاياه، وطالما حدثنا عنه شموله من قبلُ آباؤنا؟! أم أنَّه لا خيار في حل مشكلة السائقين، إلا أن تقبع من تُنَشَّأُ في الحلية خلف مقود العربة ترواح بين قدميها، وكأنَّها من أمَّة لا ترعى للمرأة حقا ولو بأصل الرقة في الخلقة، أو أن يقف من هو في الخصام غير مبين عند كل حادث أو مخالفة تخصه، يحاجج في مدى استحقاقه لقسيمة المخالفة، أو في مدى تمتعه بالتأمين و التحقق من إجراءاته التي أرهقت أشداء الرجال؟!
وهل نظرنا في الدول التي قادت نساؤها السيارات: هل قلَّ فيها عدد السائقين، أو هو في زيادة؟! ولا سيما بعد أن ملَّت الفتياتُ المِقود، وحلت محلها – عندهن - موضة السائق؟! أو كسلت عنها العجائز، فاستقدمن من يخفف من معاناتهن مع الطارة وضريبة التفرد بالسيارة من صيانة ونحوها؟! ولو من باب المساواة بالرجال الشيوخ في المسألة إيَّاها..
ولم لا تقدم دراسات توضع فيها الخيارات الممكنة، التي لا تتولد عنها مشكلات جديدة أشد وطأة، كالازدحام مثلا، وهو مشكلة تعيشها مدننا الكبيرة؟ ووضعت لها بعض الحلول في التخطيط المستقبلي في مدينة الرياض ومنها: تطبيق فكرة التنقل الجماعي بالقطارات. وفي بعض البلاد الغربية رأينا السيارات التي تنقل فردا واحدا لا يحق لها السير في المسار الأيسر الأسرع؛ تنفيرا من التنقل الفردي، وتشجيعاً على التنقل الجماعي، بوصفه وسيلة من وسائل تخفيف التزاحم، وفك الاختناقات المرورية! مع في ذلك من تقليل نسبة التلوث البيئي!
فهل تُوجد مشكلة من لا قضية؟ وقد نبه الله عز وجل في كتابه إلى أن من الظلم طلب إيجاد مشكلة لا وجود لها: (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم)!
فهل ينقصنا الوعي بالثوابت؟ أم أن لدى بعضنا أزمة قناعة بها؟ أم أن مصالح الأمة تحرك وفق إملاءات الآخر، الذي لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة؟ ولو بدعاوى الإصلاح زعموا؟ وسؤال أخير أجدني أطرحه من قبيل العصف الذهني المستند إلى النظر في أزمنة الطرح، ألا وهو: هل ثمة علاقة بين طرح هذه الموضوعات وأمثالها، وبين الأزمات والشائعات والحملات المغرضة ضد بلادنا؟ وإذا كان الأمر كذلك؛ فأين صدق الانتماء ودعاوى الوطنية ممن يصنع مثل هذه الإثارة؟
وسؤال قد لا يقل أهمية: لماذا لم تتقدم النساء اللاتي يشعرن بمشكلة لا حل لها غير قيادتهن السيارة إلى أهل العلم ليتبنوا موضوعهن - كعادتهم رعاهم الله - في حمْل ما يطرح عليهم من مشاكل تستلزم الفتوى إلى ولاة الأمر وفقهم الله؟! أما أنا فلم أسمع من أحد من مشايخنا من هيئة كبار العلماء مثلاً أن واحدة قد اشتكت إليه هذه المشكلة كما تراها! اللهم إلا بعض من نساء البوادي و المزارع القروية التي تأمَن فيها النساء، فالحركات والسكنات البدوية والقروية،كلها تحت نظر الربع من ربعة بيوتهم الشَّعْرية أو (دكَّات) مجالسهم الريفية التي يمتد منها النظر، مع الرفقة الملازمة في غير اختلاط؛ فوق ما في تلك الأجواء من تحرز عظيم في شأن الحرمات والأعراض، ولو من باب:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها
وعلى كل حال فهو وضع لا يقاس عليه إلا ما كان مثله؛ بل ربما رآها بعض أهل العلم داخلة في ما يعرف بقضايا الأعيان؛ وهي مسائل يفتى في كل حالة منها – بعد دراستها - على حدة؛ ولا يجوز تعميم الفتوى فيها، فضلا عن استصدار قرار عام أو نظام.
أسئلة تعرض نفسها على العقلاء في كل إثارة من هذا النوع، وتدعم نفسها بطريقة الطرح الإعلامي المتناغم في الخارج قبل الداخل؟! ليس على المستوى المحلي فقط، ولا العربي فحسب.
8) ولما بسط شيخنا محمد بن عثيمين - رحمه الله - بيان حكم قيادة المرأة للسيارة في بلدنا، وبين المفاسد المترتبة عليها، ختم ذلك بقوله: " واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة، والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها؛ وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويستظلون برايتنا. قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق، تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة " انتهى الشاهد من كلامه رحمه الله.
9) وقبل أن أدع لوحة المفاتيح، وحتى لا يساء بي الظن دعوني أُعَرِّف (المرأة)، نعم (المرأة)، ولو في آخر المقال، ولتعذروني في هذا التصرف؛ فأقول: المرأة: هي ذلك المخلوق اللطيف، الذي يحاول البعض أن يكتشفه لنا.. مع أنه المخلوق الذي خلق من أبينا آدم، وهو هو الذي عَبَرْنا – نحن بني آدم ذكورا وإناثاً - من خلاله إلى هذا الكون.. ولا أحب أن أطيل في تعريفه، فهي مسألة غريبة أن نتعرض لتعريفه أصلا، لكن حتى لا يظن أنه مخلوق يعيش في كوكب آخر، أو أن يَظُنّ بعضُ الكتاب أو المعجبين بهم من قرائهم أن بيوت الآخرين لا يوجد فيها (امرأة)! أما أو أختا أو بنتا أو حفيدة أو زوجة أو خادمة آفاقية! ومن المؤسف أنها كثيراً من تظلم في ظل القوانين الوضعية والعادات البشرية، حتى في ظل تمثال الحرية لا تحصِّل المرأة مرتباً مثل زميلها في العمل؟! وقد فصَّل لنا بعض غرائب معاناتها هناك مايكل مور - هداه الله – في بعض كتبه، وهو - بلا شك - أصدق لهجة من الكتاب بالوكالة.
بقي أن أقول بهذا الخصوص إن (المرأة) لو عبرت عن ذاتها وفطرتها والتزامها بدينها! لما التفت أدعياء حريتها إلى تعبيرها عن نفسها.. لأنها ربما كانت – في نظرهم - في حال شرود ذهني، أو أنها إنما تسطر اعترافات تحت وطأة سلب الحرية. نعم حتى لو كانت ابنة بعض المتلوثين بالأفكار الأجنبية، فيجب في فهمه للحرية أن تخلع الحجاب قبل أن تعبِّر عن وجوب لبسها له في شريعة ربها! وما عليك إلا أن تزور موقعاً إسلاميا - موثوقاً - يقدم الفتوى الشرعية، لتقرأ سؤالَ فتاةٍ تتأذى فيه من قسوة أبيها عليها في لبسها للحجاب، وأخرى تتأذى من مضايقة وبيعا لها حتى في أدائها للصلاة.. وأرجو أن لا يُتهم أصحاب الفضيلة المشايخ، من قبل القوم – إياهم – بتهمة تحريض الفتيات على التمرد الأسري بالتي هي أحسن!
وختاماً: الحديث في هذا الباب ذو شجون، ولكن هذه خواطر، رأيت أنها تحتاج إلى تأمل ونظر؛ فهل لنا أن نقدم مصالح الأمة العامة، بعيدا عن المزايدات الأجنبية على خصوصياتنا ببعض القضايا التي لا ترقى إلى درجة جعلها قضية؟! وهل لنا أن نرى توثيقا علمياً وفرزاً حقيقياً للقضايا، وفق فقه الأولويات؟ وحلولا شرعية للمشكلات المستجدة في مجتمعنا نتميز بها، كما هو شأننا في الكثير من القضايا المتعلقة بخصوصياتنا؛ فنحن أمة مسلمة عربية تقود بإسلامها الأمم الأخرى التي تتجه صوبها في كل صلاة مفروضة؟! وتأتي إليها في كل حجة؟ وتتطلع إلى تجربتها في كل نظام ومشروع تحتاجه الشعوب المسلمة والأنظمة المتطلعة لما يعرف بالأسلمة؟!
هذا والله أسأل أن يحفظ لنا أمننا وإيماننا، ويثبتنا على الحق إلى أن نلقاه؛ وأن يهدي ضالنا من فتيان وفتيات وشيب وعجائز.