النزيه
10-01-2005, 11:22 AM
لطالما اعجبت بكتابات هذا الرجل .. ووقعت عيناي على هذا المقال
في الشرق الاوسط .. ولأنه من شخصية لها قامتها العلمية والادبية!
احببت ان يشاركني الجميــــع في القراءة والتعليـــق ...
واليـــــكم المقال .. لكاتبه الاستاذ : زين العابدين الركابي.....
.................................................. ..................
الشماته
نقض عاهة (الشماتة).. بالمنهج الخلقي في الإسلام
خلاصة الإسلام ومجامع أمره: (الخلق الثابت الرفيع): الثابت الذي لا يتقلب، والرفيع الذي لا يتدنى.. وليست العقيدة ولا العمل ولا العبادة ولا القضاء.. و.. و إلا طرائق وذرائع ومعارج متعددة متنوعة إلى (الخلق الثابت الرفيع).. مثلا: بين المسلمين وبين رمضان أيام معدودة. وما إن يهل هلاله حتى يصومه المسلمون.. فما الحكمة العليا من الصيام؟.. هي (الخلق السامي).. وهذا هو البرهان المبين من السنة:
أ ـ «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
ب ـ «ليس الصيام من الأكل والشرب. إنما الصيام من اللغو، والرفث، فإن سابك أحد، أو جهل عليك، فقل: إني صائم، إني صائم».
لهذا، يلزم أن تكون قضية الخلق (حاضرة) في كل شأن ذي علاقة بالإنسان، ذلك ان مثل هذه الشؤون حين تناقش بمعزل عن الخلق، تبدو وكأنها تستدبر الهدف. وتطرح الغاية وراء ظهرها، وتجرد الموضوع من معناه وجدواه، فإذا هو شكل بلا مضمون، وطلاء بلا حقيقة.
ضربت أعاصير كاترينا وريتا عددا من الولايات المتحدة الأميركية.. ولقد خاض الناس في تفسيرات كثيرة ـ دينية ودنيوية ـ تنزع الى تعليل ما حدث.. ومن حق الناس: أن يسألوا عند كل حدث كوني أو بشري: لماذا؟.. فالإنسان بطبعه: متشوف مستطلع تواق. وليس من حق أحد أن يصادر هذه الخصائص الانسانية. واذا كان من حق الناس أن يسألوا، فمن الواجب العلمي والأخلاقي: الاجتهاد في تقديم جواب صحيح.
وبداية: أن (الشماتة) لم تكن جوابا صحيحا، ولا تفسيرا سليما، ولا سلوكا أخلاقيا قويما تجاه تلك المصائب. بل ثبت بعشرات الأدلة:
1 ـ ان الأصل هو (محبة الخير والسعادة) للناس: جميع الناس، وإلا لما تنزلت الكتب، وبعثت الرسل؟.. ان الله ليس في حاجة إلى الناس، فتؤكد ـ من ثم ـ ان الدين هو لخير الناس وسعادتهم ورحمتهم وإزالة الشقوة عنهم.. ومما لا ريب فيه ان الشماتة بهم: لكرب نزل بهم، سلوك متناقض مع هذا الأصل أو المقصد الديني العظيم.
2 ـ كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستقبل يومه بهذا الدعاء الأواب الرباني الانساني اللطيف: «اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك».. إن هذا النبي اللطيف الرؤوف الرحيم الذي اتسع قلبه للبشرية كلها: يشكر ربه بالنيابة عن كل الناس ـ وكل مخلوق ـ على كل نعمة أسبغها الله على كل انسان، وكل مخلوق.. فإن تعبير (أو بأحد من خلقك): ينتظم جميع الناس، وهم المقصود الأول.. نعم. جميع الناس: مسلمهم وكافرهم، فالله رب الناس أجمعين، لا رب المسلمين وحدهم. ولكل انسان حظ من الربوبية في الايجاد والامداد والانعام.. والنبي هو ابلغ البلغاء، بلا ريب، وحين يقول (أو بأحد من خلقك)، فإنه يقصد المفهوم الإنساني العام بالضبط والتحديد.. وشكرا لله على النعم الذي يزجيها للناس كافة، لا تبوه الا تعبيرا صدوقا عن محبة الخير والعافية والسعادة للبشرية كلها.. والنبي الذي يشكر الله على كل نعمة نالها إنسان: أتراه يشمت بمن نزل به ضر وكرب من الناس؟.. لا.. لا. مائة ترليون مرة. فقلب: هذا صفاؤه، وهذه رحمته لا يتسع للتشفي والشماتة.. يضم الى ذلك معنى فلسفي جد عميق وهو: ان الفرحة بكل نعمة يسبغها الله على أي انسان: مقترنة بما يضادها في الشعور والتصور والقصد وهو: كراهية ان يحيق بالناس كرب أو بلاء أو تعاسة، وليست تجتمع الرحمة الغامرة، والقسوة الشامتة في قلب واحد.
3 ـ وبمناسبة الرحمة: لنجلس الى النبي، ولنستمع اليه وهو يقول: «لا يرحم الله من لا يرحم الناس».. يقول ابن بطال في شرح هذا الحديث ـ كما في فتح الباري ـ: «فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق، فيدخل المؤمن والكافر والبهائم: المملوك منها وغير المملوك».. ومن المقطوع به: أن الرحمة بالناس، والشماتة بهم (وهي الفرحة بأحزان الآخرين): نقيضان لا يجتمعان.
4 ـ ان نجدة الناس وانقاذهم: من العزائم الأخلاقية في منهج الاسلام.. ويستحيل أن يباشر الشامت هذه الاخلاق الوضيئة النافعة الرفيعة، لأن منطقة وموقفه هما: إذا نزل بغير المسلم كرب فلا تفرج عنه، بل انتظر حتى يهلك لتشمت فيه.. واذا أصاب غير المسلم مرض فلا تعالجه، بل انتظر حتى يزداد مرضا لكي يتسنى لك التمتع بالشماتة فيه.. واذا كنت سباحا او غطاسا ورأيت غير مسلم يغرق، فلا تنجده او تنقذه، بل اتركه يغرق لكي تشمت فيه.. واذا رأيت مسكينا او يتيما قصمت ظهره الحاجة فلا تقدم له عونا، بل تسلى برؤية حاله: على سبيل الشماتة.. وهذا كله تنكيس لدلالة آيات النجدة والعون في القرآن، ومنها ـ مثلا ـ: آية: «فلا اقتحم العقبة. وما ادراك ما العقبة. فك رقبة. او اطعام في يوم ذي مسغبة. يتيما ذا مقربة. او مسكينا ذا متربة».
5 ـ نعلم من القرآن: ان الشماتة او الفرحة بمصائب الآخرين هي من اخلاق غير الاسوياء من غير المسلمين: أولئك الذين اعتلت نفوسهم واختلت مقاييسهم فطفقوا يحترفون الابتهاج بمصائب الآخرين: «ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها».
فكيف يكون المسلمون ارقى اخلاقيا من غير الاسوياء هؤلاء اذا هم قلدوهم في هذا الشعور الغريب المعيب: شعور الفرحة بمصائب الآخرين؟.. وشعور الاكتئاب بسبب نعمة اسداها الله الى اخرين؟
6 ـ في الشماتة معنى خبيث من معاني الحسد.. يقول ابو حامد الغزالي: «وهذا أشد أبواب الحسد، فان من آذاه شخص بسبب من الاسباب، وخالفه في غرض بوجه من الوجوه: أبغضه قلبه، وغضب عليه، ورسخ في نفسه الحقد.. والحقد يقتضى التشفي والانتقام، فان عجز عن ان يتشفى بنفسه أحب ان يتشفى منه الزمان «!!!». وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى، فمهما اصابت عدوه بلّية فرح بها، وظنها مكافأة له من جهة الله على بغضه، وانها لأجله، ومهما اصابته نعمة ساءه ذلك لانه ضد مراده».
ومن المعلوم في دين الاسلام ـ بالضرورة ـ: ان الحسد محرم: بواعثه وصوره ومقاصده.. ولو لم يكن في الشماتة الا معنى الحسد: لوجب على المسلم التحرر والتطهر منها: في الشعور واللفظ.
7 ـ للدعوة الى الاسلام (مداخل ومفاتح): نفسية وخلقية، في مقدمتها: اللين واللطف والشعور الانساني النبيل الراقي، والكلمة المبشرة الواعدة، والتبسم، والبشاشة، ودفء العاطفة، والاكتراث الجم بهموم الناس ومشكلاتهم والتفاعل الصادق معها.. والشامت محروم ـ قطعا ـ من هذه المحامد والمكارم والمراقي، فهو لذلك لا يستطيع ان يدعو الى الله، لانه ـ في حقيقة الأمر ـ يصد عن سبيل الله بسد تلك المداخل والمفاتح: بغلظة حسه وشعوره.
8 ـ حكى النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، شيئا من ذكرياته المريرة في مكة المكرمة، فقال لها: «لقد لقيت من قومك. وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، اذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلاب، فلم يجبني الى ما اردت، فانطلقت وانا مهموم على وجهي، فلم استفق الا وانا بقرن الثعالبة، فرفعت رأسي، فاذا بسحابة اظلتني، فنظرت فاذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: ان الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شيءت فيهم. فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد ان الله قد سمع قول قومك لك، وانا ملك الجبال، وقد بعثني ربي اليك لتأمرني بأمرك. فما شيءت. ان شيءت ان اطبقت عليهم الأخشبين (جبلين عظيمين بمكة المكرمة). فقال النبي: بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا».
لقد جاء النبي: النصر الكوني وهو في ساعة العسرة.. وقد كانت فرصة للانتقام من مضطهديه وظالميه.. كان المتوقع ـ والظروف هذه ـ: ان يتمنى لهؤلاء الشر والهلاك لكي يشمت بهم بعد ان يحيق بهم. بيد ان صاحب الخلق العظيم الذي جاء لحياة الناس وسعادتهم: ابى ان يباد مناوئوه، وترفع عن يراهم هلكى، وعن ان يشمت بهم وهم هالكون، لان (رحمة العالمين) لا يعرف الا الرحمة: على كل حال.
9 ـ أُمر المسلمون بالخطاب الجميل الحسن الى الآخرين:
أ ـ «وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن».
ب ـ «ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».
ج ـ «وقولوا للناس حسنا».
ومن المؤكد: ان الشماتة ليست من القول الحسن الجميل الذي الزمهم الاسلام به في التعامل مع الناس.
10 ـ حرم الاسلام الفرحة بأذية الغير، وان كان هذا الغير ليس انسانا، اي حيوانا، فلا يجوز في دين الاسلام: الابتهاج بأحزان الثيران والكلاب والديكة وهي تتهاوش وتتصارع وتتألم، فهل يحرم الاسلام الفرحة بأذية الحيوان ويقر الفرحة بما ينزل بالناس من أذى وكرب وكوارث وأعاصير وآلام؟!
11 ـ أرقى مقامات التوحيد: اثنان: عبادة الله وحده لا شريك له.. والإحسان إلى خلقه.. والشماتة ليست إحسانا إلى الخلق، بل هي إساءة إليهم، فهي ـ من ثم ـ سقوط شنيع عن مقام عال من مقامات التوحيد والايمان.. وللربط التكاملي بين المقامين: اقترنت تقوى الله «اتق الله حيثما كنت»، بالإحسان إلى الناس «وخالق الناس بخلق حسن». فالمقامان وردا في سياق حديث نبوي واحد.
.................................................. ...........
منقوووول
في الشرق الاوسط .. ولأنه من شخصية لها قامتها العلمية والادبية!
احببت ان يشاركني الجميــــع في القراءة والتعليـــق ...
واليـــــكم المقال .. لكاتبه الاستاذ : زين العابدين الركابي.....
.................................................. ..................
الشماته
نقض عاهة (الشماتة).. بالمنهج الخلقي في الإسلام
خلاصة الإسلام ومجامع أمره: (الخلق الثابت الرفيع): الثابت الذي لا يتقلب، والرفيع الذي لا يتدنى.. وليست العقيدة ولا العمل ولا العبادة ولا القضاء.. و.. و إلا طرائق وذرائع ومعارج متعددة متنوعة إلى (الخلق الثابت الرفيع).. مثلا: بين المسلمين وبين رمضان أيام معدودة. وما إن يهل هلاله حتى يصومه المسلمون.. فما الحكمة العليا من الصيام؟.. هي (الخلق السامي).. وهذا هو البرهان المبين من السنة:
أ ـ «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
ب ـ «ليس الصيام من الأكل والشرب. إنما الصيام من اللغو، والرفث، فإن سابك أحد، أو جهل عليك، فقل: إني صائم، إني صائم».
لهذا، يلزم أن تكون قضية الخلق (حاضرة) في كل شأن ذي علاقة بالإنسان، ذلك ان مثل هذه الشؤون حين تناقش بمعزل عن الخلق، تبدو وكأنها تستدبر الهدف. وتطرح الغاية وراء ظهرها، وتجرد الموضوع من معناه وجدواه، فإذا هو شكل بلا مضمون، وطلاء بلا حقيقة.
ضربت أعاصير كاترينا وريتا عددا من الولايات المتحدة الأميركية.. ولقد خاض الناس في تفسيرات كثيرة ـ دينية ودنيوية ـ تنزع الى تعليل ما حدث.. ومن حق الناس: أن يسألوا عند كل حدث كوني أو بشري: لماذا؟.. فالإنسان بطبعه: متشوف مستطلع تواق. وليس من حق أحد أن يصادر هذه الخصائص الانسانية. واذا كان من حق الناس أن يسألوا، فمن الواجب العلمي والأخلاقي: الاجتهاد في تقديم جواب صحيح.
وبداية: أن (الشماتة) لم تكن جوابا صحيحا، ولا تفسيرا سليما، ولا سلوكا أخلاقيا قويما تجاه تلك المصائب. بل ثبت بعشرات الأدلة:
1 ـ ان الأصل هو (محبة الخير والسعادة) للناس: جميع الناس، وإلا لما تنزلت الكتب، وبعثت الرسل؟.. ان الله ليس في حاجة إلى الناس، فتؤكد ـ من ثم ـ ان الدين هو لخير الناس وسعادتهم ورحمتهم وإزالة الشقوة عنهم.. ومما لا ريب فيه ان الشماتة بهم: لكرب نزل بهم، سلوك متناقض مع هذا الأصل أو المقصد الديني العظيم.
2 ـ كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستقبل يومه بهذا الدعاء الأواب الرباني الانساني اللطيف: «اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك».. إن هذا النبي اللطيف الرؤوف الرحيم الذي اتسع قلبه للبشرية كلها: يشكر ربه بالنيابة عن كل الناس ـ وكل مخلوق ـ على كل نعمة أسبغها الله على كل انسان، وكل مخلوق.. فإن تعبير (أو بأحد من خلقك): ينتظم جميع الناس، وهم المقصود الأول.. نعم. جميع الناس: مسلمهم وكافرهم، فالله رب الناس أجمعين، لا رب المسلمين وحدهم. ولكل انسان حظ من الربوبية في الايجاد والامداد والانعام.. والنبي هو ابلغ البلغاء، بلا ريب، وحين يقول (أو بأحد من خلقك)، فإنه يقصد المفهوم الإنساني العام بالضبط والتحديد.. وشكرا لله على النعم الذي يزجيها للناس كافة، لا تبوه الا تعبيرا صدوقا عن محبة الخير والعافية والسعادة للبشرية كلها.. والنبي الذي يشكر الله على كل نعمة نالها إنسان: أتراه يشمت بمن نزل به ضر وكرب من الناس؟.. لا.. لا. مائة ترليون مرة. فقلب: هذا صفاؤه، وهذه رحمته لا يتسع للتشفي والشماتة.. يضم الى ذلك معنى فلسفي جد عميق وهو: ان الفرحة بكل نعمة يسبغها الله على أي انسان: مقترنة بما يضادها في الشعور والتصور والقصد وهو: كراهية ان يحيق بالناس كرب أو بلاء أو تعاسة، وليست تجتمع الرحمة الغامرة، والقسوة الشامتة في قلب واحد.
3 ـ وبمناسبة الرحمة: لنجلس الى النبي، ولنستمع اليه وهو يقول: «لا يرحم الله من لا يرحم الناس».. يقول ابن بطال في شرح هذا الحديث ـ كما في فتح الباري ـ: «فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق، فيدخل المؤمن والكافر والبهائم: المملوك منها وغير المملوك».. ومن المقطوع به: أن الرحمة بالناس، والشماتة بهم (وهي الفرحة بأحزان الآخرين): نقيضان لا يجتمعان.
4 ـ ان نجدة الناس وانقاذهم: من العزائم الأخلاقية في منهج الاسلام.. ويستحيل أن يباشر الشامت هذه الاخلاق الوضيئة النافعة الرفيعة، لأن منطقة وموقفه هما: إذا نزل بغير المسلم كرب فلا تفرج عنه، بل انتظر حتى يهلك لتشمت فيه.. واذا أصاب غير المسلم مرض فلا تعالجه، بل انتظر حتى يزداد مرضا لكي يتسنى لك التمتع بالشماتة فيه.. واذا كنت سباحا او غطاسا ورأيت غير مسلم يغرق، فلا تنجده او تنقذه، بل اتركه يغرق لكي تشمت فيه.. واذا رأيت مسكينا او يتيما قصمت ظهره الحاجة فلا تقدم له عونا، بل تسلى برؤية حاله: على سبيل الشماتة.. وهذا كله تنكيس لدلالة آيات النجدة والعون في القرآن، ومنها ـ مثلا ـ: آية: «فلا اقتحم العقبة. وما ادراك ما العقبة. فك رقبة. او اطعام في يوم ذي مسغبة. يتيما ذا مقربة. او مسكينا ذا متربة».
5 ـ نعلم من القرآن: ان الشماتة او الفرحة بمصائب الآخرين هي من اخلاق غير الاسوياء من غير المسلمين: أولئك الذين اعتلت نفوسهم واختلت مقاييسهم فطفقوا يحترفون الابتهاج بمصائب الآخرين: «ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها».
فكيف يكون المسلمون ارقى اخلاقيا من غير الاسوياء هؤلاء اذا هم قلدوهم في هذا الشعور الغريب المعيب: شعور الفرحة بمصائب الآخرين؟.. وشعور الاكتئاب بسبب نعمة اسداها الله الى اخرين؟
6 ـ في الشماتة معنى خبيث من معاني الحسد.. يقول ابو حامد الغزالي: «وهذا أشد أبواب الحسد، فان من آذاه شخص بسبب من الاسباب، وخالفه في غرض بوجه من الوجوه: أبغضه قلبه، وغضب عليه، ورسخ في نفسه الحقد.. والحقد يقتضى التشفي والانتقام، فان عجز عن ان يتشفى بنفسه أحب ان يتشفى منه الزمان «!!!». وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى، فمهما اصابت عدوه بلّية فرح بها، وظنها مكافأة له من جهة الله على بغضه، وانها لأجله، ومهما اصابته نعمة ساءه ذلك لانه ضد مراده».
ومن المعلوم في دين الاسلام ـ بالضرورة ـ: ان الحسد محرم: بواعثه وصوره ومقاصده.. ولو لم يكن في الشماتة الا معنى الحسد: لوجب على المسلم التحرر والتطهر منها: في الشعور واللفظ.
7 ـ للدعوة الى الاسلام (مداخل ومفاتح): نفسية وخلقية، في مقدمتها: اللين واللطف والشعور الانساني النبيل الراقي، والكلمة المبشرة الواعدة، والتبسم، والبشاشة، ودفء العاطفة، والاكتراث الجم بهموم الناس ومشكلاتهم والتفاعل الصادق معها.. والشامت محروم ـ قطعا ـ من هذه المحامد والمكارم والمراقي، فهو لذلك لا يستطيع ان يدعو الى الله، لانه ـ في حقيقة الأمر ـ يصد عن سبيل الله بسد تلك المداخل والمفاتح: بغلظة حسه وشعوره.
8 ـ حكى النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، شيئا من ذكرياته المريرة في مكة المكرمة، فقال لها: «لقد لقيت من قومك. وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، اذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلاب، فلم يجبني الى ما اردت، فانطلقت وانا مهموم على وجهي، فلم استفق الا وانا بقرن الثعالبة، فرفعت رأسي، فاذا بسحابة اظلتني، فنظرت فاذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: ان الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شيءت فيهم. فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد ان الله قد سمع قول قومك لك، وانا ملك الجبال، وقد بعثني ربي اليك لتأمرني بأمرك. فما شيءت. ان شيءت ان اطبقت عليهم الأخشبين (جبلين عظيمين بمكة المكرمة). فقال النبي: بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا».
لقد جاء النبي: النصر الكوني وهو في ساعة العسرة.. وقد كانت فرصة للانتقام من مضطهديه وظالميه.. كان المتوقع ـ والظروف هذه ـ: ان يتمنى لهؤلاء الشر والهلاك لكي يشمت بهم بعد ان يحيق بهم. بيد ان صاحب الخلق العظيم الذي جاء لحياة الناس وسعادتهم: ابى ان يباد مناوئوه، وترفع عن يراهم هلكى، وعن ان يشمت بهم وهم هالكون، لان (رحمة العالمين) لا يعرف الا الرحمة: على كل حال.
9 ـ أُمر المسلمون بالخطاب الجميل الحسن الى الآخرين:
أ ـ «وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن».
ب ـ «ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».
ج ـ «وقولوا للناس حسنا».
ومن المؤكد: ان الشماتة ليست من القول الحسن الجميل الذي الزمهم الاسلام به في التعامل مع الناس.
10 ـ حرم الاسلام الفرحة بأذية الغير، وان كان هذا الغير ليس انسانا، اي حيوانا، فلا يجوز في دين الاسلام: الابتهاج بأحزان الثيران والكلاب والديكة وهي تتهاوش وتتصارع وتتألم، فهل يحرم الاسلام الفرحة بأذية الحيوان ويقر الفرحة بما ينزل بالناس من أذى وكرب وكوارث وأعاصير وآلام؟!
11 ـ أرقى مقامات التوحيد: اثنان: عبادة الله وحده لا شريك له.. والإحسان إلى خلقه.. والشماتة ليست إحسانا إلى الخلق، بل هي إساءة إليهم، فهي ـ من ثم ـ سقوط شنيع عن مقام عال من مقامات التوحيد والايمان.. وللربط التكاملي بين المقامين: اقترنت تقوى الله «اتق الله حيثما كنت»، بالإحسان إلى الناس «وخالق الناس بخلق حسن». فالمقامان وردا في سياق حديث نبوي واحد.
.................................................. ...........
منقوووول