تركي سليم الهرفي
10-02-2005, 02:53 PM
حُرْمَة.. أجلّكم الله!!!!
الأحد 2 أكتوبر . ديمة جمعة السّمّان
يتصدّر البيت شيخ عجوز.. قاسي الملامح.. قسمات وجهه تنطق بالعنف والشّدّة.. يجلس متربّعا على فراش عربي وتير.. تحيط به الوسائد من كل جانب.. من وراء ظهره.. وعن يمينه وعن يساره.. يستجدي الجميع رضاءه.. ويقف على أهبة الإستعداد يلبّي الأوامر.
لفّتُه واسعة.. تبلع الرأس.. وتغطّي الحاجب.. لحيته بيضاء.. شديدة النّقاء.. تتدلّى من ذقنه.. وتنام في حجره.. وعند زوايا الفم يختلط شعر اللحية بالشّارب.. فوضى.. لا تهذيب ولا ترتيب.. فالشارب غليظ.. متطفّل.. يعشّش بين الشّفتين.. وإذا تحدث يتعثّر به الكلام.
دوما يملّس لحيته بيده.. ويوزّع نظرات الهيبة يمينا ويسارا على الحضور.. فهو شيخ العشيرة المتصرف بأمرها.
علا صوته: " أدخلوا عفاف، زوجة الشّهيد راكان."
عفاف أم لثلاثة أطفال.. في الثلاثين من عمرها.. ترتدي السّواد.. وقد زادها الحزن هيبة ووقار. جلست عفاف مقابل الشّيخ حسن، بعد أن أذن لها بالجلوس.
جلست على حصيرة يحيط بها أهل الشّهيد ورجال العشيرة.. كأنّها سجين يُخشى عليه من الهرب. قال وفي لهجته استغراب:
- " لماذا ترتدين السّواد يا ابنتي؟ "
نظرت إليه مقهورة.. تعترض على السّؤال :
- " أرملة.. وثلاثة أطفال يتامى.. ومستقبل مجهول لا يعلمه إلا الله.. ولا تريدني أن أحزن؟!!
نظر إليها الشيخ يستهين بمشاعرها : " أم الشّهيد تزغرد.. وزوجته تحزن!! لا أفهم!! من هذا الذي لا يفرح لحبيب فتح الله له أبواب الجنّة..؟!"
- " إنّه الفراق يا شيخ حسن.. والوحدة.. وعبء ثلاثة أطفال لم يغطّي الريش لحمهم بعد.. الله أكبر.."
- قال وفي لهجته ملامة: " من قال أنّك ستعيشين مع الوحدة؟"
تنهّدت : " كيف وقد مات الغالي؟!"
- " سيكون لك شقيقه الأكبر (سالم) زوجا.
قالت وقد أذهلتها المفاجأة : " من قال هذا؟"
أجاب بلهجة القرار القاطع : " أنا".
قالت تستنكر القرار: " أنا أتزوج بعد راكان! والله أنّه ليوم أغبر."
وأغمي عليها. فقال الشّيخ.. وما شعر وما قدّر:
- " خذوها.. بعد ثلاثة أيّام سيكون لنا جلسة الفصل.. فالظاهر أنها بتقاليد العشيرة جاهلة.. لا تعي ولا تفهم."
بعد ثلاثة أيام.. عاد الشّيخ حسن إلى مجلسه.. وجلسـت عفاف أمامه تشكو وتتظلّم :
- " يا شيخنا.. اتق الله فيّ.. شقيق زوجي شيخ يكبرني بعقود.. هدّه المرض.. وأضناه السّقم.. لا يقو على تحمّل مسؤوليّة بيت.. فالأمر أجلّ وأكبر وأخطر."
- " إنّه ابن عمّك.. وأولى الناس بك.. كفّي عن التّظلّم.. فالله منّ عليك بالعريس وكان أكرم."
- " ولكنّه متخلّف عقليا.. لا يصلح أن يكون الأب القدوة.. ولا المربّي الأمثل.. الأطفال يرهبونه.. ".
- " يا ابنتي.. أنت لا زلت في ريعان الشّباب.. غدا تترصّدك العيون.. وتنتشر الإشاعات.. ونحن عشيرة تتغنّى بالعفّة والطّهر والشّرف.. فإن طار كلام الشك وانتشر.. فنحن قوم لا نرحم."
- " يا شيخي.. أنت رجل دين وشرع.. إذا كان الله يحاسب على ما في الصّدور.. فإنّ سلفي شقيق زوجي أخي.. هكذا تراه عيني.. وهذه مكانته في قلبي.. وعلى هذا يشهد ربّي.. ولا يجوز أن يتزوّج رجل من أخته."
غضب الشّيخ : " إنّ ما تقولينه لهو الكفر بعينه.. كيف يكون أخوك ولم تسكنا رحما واحدا.. ولا ينطبق عليكما أيّ بند من بنود الشّرع الذي يحرّم عليكما الزّواج؟"
علا صوتها فاقدة لوعيها: " الكفر أن تزوّجني من مجنون ".
غضب الرجال.. وعلت أصواتهم ، يستغربون ويستنكرون : ( حرمة_ أجلّكم الله _ ترفع صوتها فوق صوت شيخنا؟!!! هذا كثير.. قسما أنّ عقابها سيكون عسيرا".
ارتفع صوت الشّيخ يزجر الرجال.. ويمنعهم من إيذائها: " دعوها.
ثمّ التفت إليها يدلي بقراره الأخير :
- " هو خيار واحد لا بديل.. لا ينفع معه بكاء ولا عويل.. أخو الشّهيد زوج لك.. لا تحاولي.. لا تقولي مستحيل.. سيعيش الأولاد في كنف عمهم.. فهو المكان الأمين.. وبعد مضيّ العدّة ، شئت أم أبيت سنزفّك عروسا لسلفك سليم.. هذا هو قراري الأخير."
مضت أيام العدّة.. وزفّت عفاف عروسا لسلفها سليم.. وعاشت وأولادها جحيم جنون سليم لسنة كاملة..وبعدها مات سليم.
وتمر أيام العدّة.. ليصبح جائزا حسب الشّرع زواج عفاف للمرة الثالثة.
جمع الشّيخ رجال العشيرة : " أجمعكم اليوم من أجل أن نبحث في أمر ابنة العشيرة عفاف..كان الله لها معين.. الزواج سُترة.. وهي لا زالت شابّة تطمع فيها العيون ".
علا صوت شيخ في مثل سن الشيخ حسن : " عفاف باتت اليوم شؤم.. لا يجرؤ أحد أن يقدم على الزواج منها.. فلا تضحّي بالثالث يا شيخ.. فيكون لك عند الله ذنب وخطيئة.
ثمّ من هذا الذي يتزوّج امرأة وثلاثة أفواه جائعة.. والبنات البكارى يملأن العشيرة؟!
غضب الشيخ حسن ونهره:
- " لا تقل هذا يا رجل.. فالموت والحياة بيد الله.. لقد انتهى أجلهما.. وما لإنسان أمام الموت حيلة.. أنا لا زلت أتوسّم من شاب شهم من شباب العشيرة أن يتقدّم للزواج منها.. ليضمّ تحت جناحه ثلاثة أطفال يتامى يدخل بهم الجنّة."
مضى على ذلك الإجتماع أسبوعان.. لم يجرؤ أحد على التقدم للزواج من عفاف.
دعا الشيخ حسن إلى اجتماع آخر.. وقال: " أمّا وقد سيطر الشّؤم على رجال العشيرة.. ولم يجرؤ أحد أن يتقدم للزواج منها.. وبما أنني مسؤول أمام الله عن كل صغير وكبير فيها.. فقد قررت أن أتزوج أنا منها.. طالبا الثواب من الله تعالى.. طامعا أن أدخل الجنّة بأطفالها الأيتام ".
فاجأ الخبر عفاف.. وسألت : " كيف وزوجاته أربعة؟؟"
فجاءها الجواب أن زوجته الرابعة انتقلت إلى رحمته تعالى قبل حوالي ثلاثة أشهر.
أجهشت بالبكاء.. وعزّت عليها نفسها.. ( أفبعد راكان أكون حليلة لشيخ أكل منه الزمان الشحم واللحم وبات قفّة عظام؟! كلّ كلمة يقولها مغموسة بالسّعال. والدواء دوما أمامه أكوام وأكوام؟؟!"
لم يسعد زوجانه الثلاثة أن تكون لهنّ ضرّة رابعة.. خصوصا كريمة.. التي عرفت ظلم الزواج من الشيخ الهرم.. وقد تصدّى لها الضمير.. وعزّ عليها أن تكون شابّة أخرى في مثل سنّها ضحيّة.. فالسّرّ في صدرها انفجر.. وذهبت من فورها إلى الشرطة تبريء نفسها أمام الله بما يثقل ضميرها.. فسليم زوج عفاف مات بالسّم.. والشّيخ حسن هو القاتل.
وتطوّر التحقيق مع الشّيخ.. واستخرج رفاة زوجته صبحة من القبر.. وخضعت للتحاليل المخبرية.. ليثبت أنها ماتت غدرا بنفس نوع السّمّ.
الأحد 2 أكتوبر . ديمة جمعة السّمّان
يتصدّر البيت شيخ عجوز.. قاسي الملامح.. قسمات وجهه تنطق بالعنف والشّدّة.. يجلس متربّعا على فراش عربي وتير.. تحيط به الوسائد من كل جانب.. من وراء ظهره.. وعن يمينه وعن يساره.. يستجدي الجميع رضاءه.. ويقف على أهبة الإستعداد يلبّي الأوامر.
لفّتُه واسعة.. تبلع الرأس.. وتغطّي الحاجب.. لحيته بيضاء.. شديدة النّقاء.. تتدلّى من ذقنه.. وتنام في حجره.. وعند زوايا الفم يختلط شعر اللحية بالشّارب.. فوضى.. لا تهذيب ولا ترتيب.. فالشارب غليظ.. متطفّل.. يعشّش بين الشّفتين.. وإذا تحدث يتعثّر به الكلام.
دوما يملّس لحيته بيده.. ويوزّع نظرات الهيبة يمينا ويسارا على الحضور.. فهو شيخ العشيرة المتصرف بأمرها.
علا صوته: " أدخلوا عفاف، زوجة الشّهيد راكان."
عفاف أم لثلاثة أطفال.. في الثلاثين من عمرها.. ترتدي السّواد.. وقد زادها الحزن هيبة ووقار. جلست عفاف مقابل الشّيخ حسن، بعد أن أذن لها بالجلوس.
جلست على حصيرة يحيط بها أهل الشّهيد ورجال العشيرة.. كأنّها سجين يُخشى عليه من الهرب. قال وفي لهجته استغراب:
- " لماذا ترتدين السّواد يا ابنتي؟ "
نظرت إليه مقهورة.. تعترض على السّؤال :
- " أرملة.. وثلاثة أطفال يتامى.. ومستقبل مجهول لا يعلمه إلا الله.. ولا تريدني أن أحزن؟!!
نظر إليها الشيخ يستهين بمشاعرها : " أم الشّهيد تزغرد.. وزوجته تحزن!! لا أفهم!! من هذا الذي لا يفرح لحبيب فتح الله له أبواب الجنّة..؟!"
- " إنّه الفراق يا شيخ حسن.. والوحدة.. وعبء ثلاثة أطفال لم يغطّي الريش لحمهم بعد.. الله أكبر.."
- قال وفي لهجته ملامة: " من قال أنّك ستعيشين مع الوحدة؟"
تنهّدت : " كيف وقد مات الغالي؟!"
- " سيكون لك شقيقه الأكبر (سالم) زوجا.
قالت وقد أذهلتها المفاجأة : " من قال هذا؟"
أجاب بلهجة القرار القاطع : " أنا".
قالت تستنكر القرار: " أنا أتزوج بعد راكان! والله أنّه ليوم أغبر."
وأغمي عليها. فقال الشّيخ.. وما شعر وما قدّر:
- " خذوها.. بعد ثلاثة أيّام سيكون لنا جلسة الفصل.. فالظاهر أنها بتقاليد العشيرة جاهلة.. لا تعي ولا تفهم."
بعد ثلاثة أيام.. عاد الشّيخ حسن إلى مجلسه.. وجلسـت عفاف أمامه تشكو وتتظلّم :
- " يا شيخنا.. اتق الله فيّ.. شقيق زوجي شيخ يكبرني بعقود.. هدّه المرض.. وأضناه السّقم.. لا يقو على تحمّل مسؤوليّة بيت.. فالأمر أجلّ وأكبر وأخطر."
- " إنّه ابن عمّك.. وأولى الناس بك.. كفّي عن التّظلّم.. فالله منّ عليك بالعريس وكان أكرم."
- " ولكنّه متخلّف عقليا.. لا يصلح أن يكون الأب القدوة.. ولا المربّي الأمثل.. الأطفال يرهبونه.. ".
- " يا ابنتي.. أنت لا زلت في ريعان الشّباب.. غدا تترصّدك العيون.. وتنتشر الإشاعات.. ونحن عشيرة تتغنّى بالعفّة والطّهر والشّرف.. فإن طار كلام الشك وانتشر.. فنحن قوم لا نرحم."
- " يا شيخي.. أنت رجل دين وشرع.. إذا كان الله يحاسب على ما في الصّدور.. فإنّ سلفي شقيق زوجي أخي.. هكذا تراه عيني.. وهذه مكانته في قلبي.. وعلى هذا يشهد ربّي.. ولا يجوز أن يتزوّج رجل من أخته."
غضب الشّيخ : " إنّ ما تقولينه لهو الكفر بعينه.. كيف يكون أخوك ولم تسكنا رحما واحدا.. ولا ينطبق عليكما أيّ بند من بنود الشّرع الذي يحرّم عليكما الزّواج؟"
علا صوتها فاقدة لوعيها: " الكفر أن تزوّجني من مجنون ".
غضب الرجال.. وعلت أصواتهم ، يستغربون ويستنكرون : ( حرمة_ أجلّكم الله _ ترفع صوتها فوق صوت شيخنا؟!!! هذا كثير.. قسما أنّ عقابها سيكون عسيرا".
ارتفع صوت الشّيخ يزجر الرجال.. ويمنعهم من إيذائها: " دعوها.
ثمّ التفت إليها يدلي بقراره الأخير :
- " هو خيار واحد لا بديل.. لا ينفع معه بكاء ولا عويل.. أخو الشّهيد زوج لك.. لا تحاولي.. لا تقولي مستحيل.. سيعيش الأولاد في كنف عمهم.. فهو المكان الأمين.. وبعد مضيّ العدّة ، شئت أم أبيت سنزفّك عروسا لسلفك سليم.. هذا هو قراري الأخير."
مضت أيام العدّة.. وزفّت عفاف عروسا لسلفها سليم.. وعاشت وأولادها جحيم جنون سليم لسنة كاملة..وبعدها مات سليم.
وتمر أيام العدّة.. ليصبح جائزا حسب الشّرع زواج عفاف للمرة الثالثة.
جمع الشّيخ رجال العشيرة : " أجمعكم اليوم من أجل أن نبحث في أمر ابنة العشيرة عفاف..كان الله لها معين.. الزواج سُترة.. وهي لا زالت شابّة تطمع فيها العيون ".
علا صوت شيخ في مثل سن الشيخ حسن : " عفاف باتت اليوم شؤم.. لا يجرؤ أحد أن يقدم على الزواج منها.. فلا تضحّي بالثالث يا شيخ.. فيكون لك عند الله ذنب وخطيئة.
ثمّ من هذا الذي يتزوّج امرأة وثلاثة أفواه جائعة.. والبنات البكارى يملأن العشيرة؟!
غضب الشيخ حسن ونهره:
- " لا تقل هذا يا رجل.. فالموت والحياة بيد الله.. لقد انتهى أجلهما.. وما لإنسان أمام الموت حيلة.. أنا لا زلت أتوسّم من شاب شهم من شباب العشيرة أن يتقدّم للزواج منها.. ليضمّ تحت جناحه ثلاثة أطفال يتامى يدخل بهم الجنّة."
مضى على ذلك الإجتماع أسبوعان.. لم يجرؤ أحد على التقدم للزواج من عفاف.
دعا الشيخ حسن إلى اجتماع آخر.. وقال: " أمّا وقد سيطر الشّؤم على رجال العشيرة.. ولم يجرؤ أحد أن يتقدم للزواج منها.. وبما أنني مسؤول أمام الله عن كل صغير وكبير فيها.. فقد قررت أن أتزوج أنا منها.. طالبا الثواب من الله تعالى.. طامعا أن أدخل الجنّة بأطفالها الأيتام ".
فاجأ الخبر عفاف.. وسألت : " كيف وزوجاته أربعة؟؟"
فجاءها الجواب أن زوجته الرابعة انتقلت إلى رحمته تعالى قبل حوالي ثلاثة أشهر.
أجهشت بالبكاء.. وعزّت عليها نفسها.. ( أفبعد راكان أكون حليلة لشيخ أكل منه الزمان الشحم واللحم وبات قفّة عظام؟! كلّ كلمة يقولها مغموسة بالسّعال. والدواء دوما أمامه أكوام وأكوام؟؟!"
لم يسعد زوجانه الثلاثة أن تكون لهنّ ضرّة رابعة.. خصوصا كريمة.. التي عرفت ظلم الزواج من الشيخ الهرم.. وقد تصدّى لها الضمير.. وعزّ عليها أن تكون شابّة أخرى في مثل سنّها ضحيّة.. فالسّرّ في صدرها انفجر.. وذهبت من فورها إلى الشرطة تبريء نفسها أمام الله بما يثقل ضميرها.. فسليم زوج عفاف مات بالسّم.. والشّيخ حسن هو القاتل.
وتطوّر التحقيق مع الشّيخ.. واستخرج رفاة زوجته صبحة من القبر.. وخضعت للتحاليل المخبرية.. ليثبت أنها ماتت غدرا بنفس نوع السّمّ.