مشعل عوده
10-22-2011, 11:34 AM
الكاتب : ابن القيم (http://www.wathakker.net/articles/writer.php?id=168)
إياك والكذب فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس، فإن الكذب يصور المعدوم موجودا والموجود معدوما، والحق باطلا والباطل حقا، والخير شرا والشر خيرًا، فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له. ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه. ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم، مؤثرة للباطل. وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التي هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الأفعال وسرى حكم الكذب إليها فصار صدورها عنه كمصدر الكذب عن اللسان، فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله.
ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار» [ورد الحديث في البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي بألفاظ مختلفة]، ولفظه عند مالك: إن عبد الله بن مسعود كان يقول: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ألا ترى أنه يقال: صدق وبر، وكذب وفجر». (الموطأ- الحديث 1814- طبعة دار النفائس). وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة إن لم يتدراكه الله بدواء الصدق يقلع المادة من أصلها.
ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق، وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب، فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق. وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب. والله -تعالى- يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته، فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق، ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب. وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، وقال -تعالى-: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119]، وقال: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد:21]، وقال: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 90].
كتاب الفوائد- ابن القيم
من موقع وذكر (http://www.wathakker.net/)
إياك والكذب فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس، فإن الكذب يصور المعدوم موجودا والموجود معدوما، والحق باطلا والباطل حقا، والخير شرا والشر خيرًا، فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له. ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه. ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم، مؤثرة للباطل. وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التي هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الأفعال وسرى حكم الكذب إليها فصار صدورها عنه كمصدر الكذب عن اللسان، فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله.
ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار» [ورد الحديث في البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي بألفاظ مختلفة]، ولفظه عند مالك: إن عبد الله بن مسعود كان يقول: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ألا ترى أنه يقال: صدق وبر، وكذب وفجر». (الموطأ- الحديث 1814- طبعة دار النفائس). وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة إن لم يتدراكه الله بدواء الصدق يقلع المادة من أصلها.
ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق، وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب، فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق. وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب. والله -تعالى- يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته، فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق، ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب. وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، وقال -تعالى-: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119]، وقال: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد:21]، وقال: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 90].
كتاب الفوائد- ابن القيم
من موقع وذكر (http://www.wathakker.net/)