ماجد سليمان البلوي
01-04-2012, 12:52 PM
قصص احتكار السلع عند التجار في الماضي ..؟؟
يروى أن غلاماً من أهل مكة كان ملازماً للمسجد، فافتقده ابن عمر، فمشى إلى بيته، فقالت أمه: هو على طعام له يبيعه؛ فلقيه فقال له: يا بني! مالك وللطعام؟ فهلا إبلاً، فهلاً بقراً، فهلا غنماً! إن صاحب الطعام يحب المحل، وصاحب الماشية يحب الغيث.
كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يكرهون الاتجار في أقوات الناس مخافة الوقوع في المحذور وهو الاحتكار، من باب سد الذريعة، ولأن التاجر في أي سلعة من السلع يحب غلاء سعر ما يبيع، وغالب الذين يتاجرون في الأقوات كالذرة، والقمح، والأرز، ونحوها يحبون المحل ولا يرغبون في نزول المطر حتى تغلوا أسعار الغُلة، ولا يهمهم الضيق على خلق الله، إلا من رحم الله وقليل ما هم، على العكس والنقيض مما كان عليه التجار في الماضي.
كان أحد السلف "بواسط"، فجهز سفينة حنطة إلى البصرة، وكتب إلى وكيله: بع الطعام يوم تدخل السفينة البصرة، ولا تؤخرها إلى غدٍ؛ فوافق سعة في السعر، فقال التجار1 للوكيـل: إن أخرته جمعة ـ أسبوعاً ـ ربحتَ فيه أضعافه؛ فأخَّره جمعة فربح فيه أمثاله، فكتب إلى صاحبه بذلك، فكتب إليه صاحب الطعام: يا هذا! إنا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا، وقد جنيت علينا جناية، فإذا أتاك كتابي هذا فخذ المال وتصدق به على فقراء البصرة، وليتني أنجو من الاحتكار كفافاً لا عليَّ ولا لي.
وحكى لي بعض التجار أن أباه حذره من الاتجار في سلعتين، هما الذرة والبر لأنهما قوت الناس، و"السجاير" لأنه من الخبائث.
وأعرف رجلاً كان لأبيه كمية من الذرة، وكان هذا في بداية فصل الخريف، وكان يلمح عن تأخير نزول الأمطار وعن شحها في هذا الفصل، فعلم مراد أبيه وحبه للمحل ليغلو سعر ما يخزنه من ذرة، فقال لأبيه: لا تقل هذا يا أبي، بل طمئن الناس وبشرهم، ولا تخوفهم وتنذرهم بالقحط والجفاف؛ فغضب عيله أبوه وزجره لنصحه إياه.
فالاحتكار في كل السلع ممنوع، ومن أهل العلم من منعه في أقوات الناس دون غيرها وهو الراجح، فمن كان عنده شيء من الطعام واحتاجه الناس وجب عليه إخراجه وبيعه بسعر المثل، إذ لا ضرر ولا ضرار، وهذا واجب رجال الحسبة.
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من احتكر فهو مخطئ"، وفي رواية: "لا يحتكر إلا خاطئ"2.
قيل لسعيد بن المسيِّب وهو راوي هذا الحديث عن معمر: فإنك تحتكر؟ـ كان يحتكر الزيت ـ فقال: إن معمراً الذي كان يحدث هذا الحديث كان يحتكر.
قال الإمام الخطابي رحمه الله: (قوله: "ومعمر كان يحتكر"، يدل على أن المحظور فيه نوع دون نوع، ولا يجوز على سعيد بن المسيِّب في علمه وفضله أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ثم يخالفه كفاحاً، وهو على الصحابي ـ معمر ـ أقل جوازاً وأبعد مكاناً).3
هناك فرق بين الاحتكار والادخار، فيجوز للمرء أن يدخر لنفسه ما يكفيه وعياله، فقد صحَّ أن سيد الخلق وهو إمام المتوكلين صلى الله عليه وسلم كان يدخر لنسائه قوت عامهم.
صحَّ عن أنس عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم.4
وليس حراماً أن يتاجر الإنسان في الطعام وأن يخزن منه كميات كبيرة أوقليلة، ولكن الحرام أن يحبسه ويخفيه مع حاجة الناس إليه، أما إذا أخرجه عند الحاجة وباعه بسعر المثل ولم يغالي في سعره فليس هذا بمحتكر، والله أعلم.
روى الحسن قائلاً: ثقل معقل بن يسار فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده، فقال: هل تعلم يا معقل أني سفكت دماً حراماً؟ قال: ما علمت؛ قال: أجلسوني؛ ثم قال: اسمع يا عبيد الله حتى أحدثك شيئاً لم أسمعهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ولا مرتين، سمعته يقول: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقاً على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة"؛ قال: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، غير مرة ولا مرتين.5
وعن الحسن كذلك عن الحكم عن عبد الرحمن بن قيس قال: قال قيس: "قد أحرق لي عليٌّ بيادر بالسواد ـ العراق، وذلك لخضرة أشجاره ـ كنتُ قد احتكرتها، لو تركها لربحت بها مثل عطاء الكوفة".6
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك , وبفضلك عمن سواك، يا واسع المغفرة، وصلى الله وسلم على إمام الموحدين، وسيد المتوكلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحابته والتابعين..
تحيات
ماجد البلوي
يروى أن غلاماً من أهل مكة كان ملازماً للمسجد، فافتقده ابن عمر، فمشى إلى بيته، فقالت أمه: هو على طعام له يبيعه؛ فلقيه فقال له: يا بني! مالك وللطعام؟ فهلا إبلاً، فهلاً بقراً، فهلا غنماً! إن صاحب الطعام يحب المحل، وصاحب الماشية يحب الغيث.
كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يكرهون الاتجار في أقوات الناس مخافة الوقوع في المحذور وهو الاحتكار، من باب سد الذريعة، ولأن التاجر في أي سلعة من السلع يحب غلاء سعر ما يبيع، وغالب الذين يتاجرون في الأقوات كالذرة، والقمح، والأرز، ونحوها يحبون المحل ولا يرغبون في نزول المطر حتى تغلوا أسعار الغُلة، ولا يهمهم الضيق على خلق الله، إلا من رحم الله وقليل ما هم، على العكس والنقيض مما كان عليه التجار في الماضي.
كان أحد السلف "بواسط"، فجهز سفينة حنطة إلى البصرة، وكتب إلى وكيله: بع الطعام يوم تدخل السفينة البصرة، ولا تؤخرها إلى غدٍ؛ فوافق سعة في السعر، فقال التجار1 للوكيـل: إن أخرته جمعة ـ أسبوعاً ـ ربحتَ فيه أضعافه؛ فأخَّره جمعة فربح فيه أمثاله، فكتب إلى صاحبه بذلك، فكتب إليه صاحب الطعام: يا هذا! إنا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا، وقد جنيت علينا جناية، فإذا أتاك كتابي هذا فخذ المال وتصدق به على فقراء البصرة، وليتني أنجو من الاحتكار كفافاً لا عليَّ ولا لي.
وحكى لي بعض التجار أن أباه حذره من الاتجار في سلعتين، هما الذرة والبر لأنهما قوت الناس، و"السجاير" لأنه من الخبائث.
وأعرف رجلاً كان لأبيه كمية من الذرة، وكان هذا في بداية فصل الخريف، وكان يلمح عن تأخير نزول الأمطار وعن شحها في هذا الفصل، فعلم مراد أبيه وحبه للمحل ليغلو سعر ما يخزنه من ذرة، فقال لأبيه: لا تقل هذا يا أبي، بل طمئن الناس وبشرهم، ولا تخوفهم وتنذرهم بالقحط والجفاف؛ فغضب عيله أبوه وزجره لنصحه إياه.
فالاحتكار في كل السلع ممنوع، ومن أهل العلم من منعه في أقوات الناس دون غيرها وهو الراجح، فمن كان عنده شيء من الطعام واحتاجه الناس وجب عليه إخراجه وبيعه بسعر المثل، إذ لا ضرر ولا ضرار، وهذا واجب رجال الحسبة.
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من احتكر فهو مخطئ"، وفي رواية: "لا يحتكر إلا خاطئ"2.
قيل لسعيد بن المسيِّب وهو راوي هذا الحديث عن معمر: فإنك تحتكر؟ـ كان يحتكر الزيت ـ فقال: إن معمراً الذي كان يحدث هذا الحديث كان يحتكر.
قال الإمام الخطابي رحمه الله: (قوله: "ومعمر كان يحتكر"، يدل على أن المحظور فيه نوع دون نوع، ولا يجوز على سعيد بن المسيِّب في علمه وفضله أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ثم يخالفه كفاحاً، وهو على الصحابي ـ معمر ـ أقل جوازاً وأبعد مكاناً).3
هناك فرق بين الاحتكار والادخار، فيجوز للمرء أن يدخر لنفسه ما يكفيه وعياله، فقد صحَّ أن سيد الخلق وهو إمام المتوكلين صلى الله عليه وسلم كان يدخر لنسائه قوت عامهم.
صحَّ عن أنس عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم.4
وليس حراماً أن يتاجر الإنسان في الطعام وأن يخزن منه كميات كبيرة أوقليلة، ولكن الحرام أن يحبسه ويخفيه مع حاجة الناس إليه، أما إذا أخرجه عند الحاجة وباعه بسعر المثل ولم يغالي في سعره فليس هذا بمحتكر، والله أعلم.
روى الحسن قائلاً: ثقل معقل بن يسار فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده، فقال: هل تعلم يا معقل أني سفكت دماً حراماً؟ قال: ما علمت؛ قال: أجلسوني؛ ثم قال: اسمع يا عبيد الله حتى أحدثك شيئاً لم أسمعهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ولا مرتين، سمعته يقول: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقاً على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة"؛ قال: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، غير مرة ولا مرتين.5
وعن الحسن كذلك عن الحكم عن عبد الرحمن بن قيس قال: قال قيس: "قد أحرق لي عليٌّ بيادر بالسواد ـ العراق، وذلك لخضرة أشجاره ـ كنتُ قد احتكرتها، لو تركها لربحت بها مثل عطاء الكوفة".6
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك , وبفضلك عمن سواك، يا واسع المغفرة، وصلى الله وسلم على إمام الموحدين، وسيد المتوكلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحابته والتابعين..
تحيات
ماجد البلوي