ذيب قضاعة
06-04-2012, 07:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
من الأمثلة السائدة عند العامة قولهم " من حفر حفرة لأخيه وقع فيها" وبعضهم يذكره بلفظ آخر حيث يقول " من حفر بئرا لأخيه وقع فيه"
أما الميداني صاحب كتاب " مجمع الأمثال" فقد ذكر المثل بلفظ آخر وهو " من حفر مغواة وقع فيها"
والمغواة : بضم الميم وفتح الغين وفتح الواو المشددة ، وهى حفرة ، تحفر وتغطى للضبع والذئب ويجعل فيهاجدى.
وخير من ذلك كله وأجمع وألذ في الأسماع وأمتع قول الحق تبارك وتعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) فاطر (43)
ومن القصص العجيبة الغريبة الشاهدة على هذا المعني ، ما جاء في أخبار يحي بن عبد الله بن حسن بن حسن بن على بن أبي طالب وهو أخٌ لمحمد بن عبد الله بن حسن ذي النفس الزكية ، وكان محمدٌ هذا خرج في زمن أبي جعفر المنصور سنة (145هـ) ثم قُتِل رحمه الله وعفا عنه ، أما أخوه يحي فخرج في زمن هارون الرشيد سنة ( 176هـ) وكان ظهوره في بلاد الديلم فاتَّبَعه خلق كثير وجم غفير وقويت شوكته و ارتحل إليه الناس من الكور والأمصار ، فانزعج لذلك الرشيد واغتم و قلق من أمره ، فندب إليه الفضل بن يحي بن خالد بن برمك في خمسين ألفا ، فخرج الفضل في أبهة عظيمة وجيش كثيف ، و رسائل الخليفة الرشيد تلحقه في كل منزلة مع أنواع من التحف والبر.
فاتبع الفضل بن يحي سياسة الترغيب مع يحي بن عبد الله بن حسن فكتب إليه يعده ويمنِّيه ويؤمله ويرجيه ويبسط أمله ، إن هو خرج إليه أن يقيم له العذر عند الرشيد ، فامتنع يحي أن يخرج إليهم حتى يكتب له الرشيد كتابَ أمانٍ بيده ، فكتب الفضل إلى الرشيد بذلك ، ففرح الرشيد ووقع منه موقعا عظيما وكتب الأمان بيده ، وأشهد عليه القضاة والفقهاء ومشيخة بنى هاشم ، وبعث الأمان وأرسل معه جوائز وتحفا كثيرة جدا ، فلما وصلت إلى الفضل بعثها بكمالها إلى يحي بن عبد الله ، فخرج يحي بن عبد الله إليهم فسار به الفضل ،فدخل به بغداد ، وتلقاه الرشيد وأكرمه وأجزل له العطاء ، وخدمه آل برمك خدمة عظيمة بحيث إن يحي بن خالد والد الفضل و وزير الدولة الأول وكان أبا للرشيد من الرضاعة كان يخدم يحي بن عبد الله بن حسن بنفسه .
ثم إن هارون الرشيد تنكر ليحي بن عبد الله وتغير عليه ويقال : إنه سجنه ، ثم استحضره الرشيد وعنده القاضيان محمد بن الحسن الشيباني وأبو البختري ، وعنده جماعات من الهاشميين وغيرهم ، وأحضر الأمان الذي كان بعثه إليه ، فسأل الرشيد محمد بن الحسن عن هذا الأمان أصحيح هو ؟ قال نعم . فتغيظ الرشيد عليه . وقال أبو البختري : ليس هو بصحيح ، فاحكم فيه بما شئت . ومزق الأمان .
وأقبل الرشيد على يحي بن عبد الله فقال : هيه هيه . وهو يتبسم تبسم المغضب ،وقال : إن الناس يزعمون أنا سممناك ـ وكان يظهر عليه الضعف ـ فقال له يحي : يا أميرالمؤمنين ، إن لنا قرابة ورحما وحقا ، فعلام تعذبني وتحبسني ؟ فرَّق له الرشيد .فاعترض بكار بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وكان الرشيد ولاه إمرة المدينة، فقال : يا أمير المؤمنين ، لا يغرنك كلام هذا ـ يعنى يحي بن عبد الله ـ فإنه عاص شاق ، وإنما هذا منه مكر وخبث ، وقد أفسد علينا مدينتا ـ يعنى المدينة النبوية ـوأظهر فيها العصيان. فقال له يحي : ومن أنتم عافاكم الله ؟ وإنما هاجر أبوك إلى المدينة بآبائى وآباء هذا ـ يعنى الرشيد ـ ثم قال يحي : يا أمير المؤمنين إنما الناس نحن وأنتم ، والله يا أمير المؤمنين ، لقد جاء إلى هذا حين قتل أخي محمد بن عبد الله ـ ذي النفس الزكية الذي قتل على يد العباسيين ـ فقال : لعن الله قاتله .
وأنشدني فيه مرثية نحواً من عشرين بيتًا ، وقال : إن تحركت في هذا الأمر فأنا أول من يبايعك ، وما يمنعك أن تلحق بالبصرة وأيدينا مع يدك ؟ قال : فتغير وجه الزبيري ، وأنكر وشرع يحلف بالأيمان المغلظة : إنه لكاذب في ذلك . وتنمر الرشيد ،وقال ليحي : أتحفظ شيئًا من المرثية ؟ قال : نعم وأنشده منها جانبا ً . فازداد الزبيري في الإنكار ، فقال له يحي بن عبد الله : فقل : إن كنت كاذبا فقد برئت من حول الله وقوته ، و وكلني إلى حولي وقوتي . فامتنع من الحلف بذلك ، فعزم عليه الرشيد، وتغيظ عليه ، فحلف له ، فما كان إلا أن خرج من عند الرشيد فرماه الله بالفالج ،فمات من ساعته.
هكذا ساق هذه القصة الحافظ بن كثير في تاريخه " البداية والنهاية " ، وأوردها قبله الحافظ بن جرير الطبري في تاريخه بوجوه متعددة خلاصتها أن بكار بن مصعب الزبيري ـ عفا الله عنه ـ أراد المكر بحيي بن عبد الله فمكر الله به، وجعل الدائرة عليه كما قال ربنا تبارك وتعالى ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ )
إنها عظة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد فاعتبروا يا أولى الأبصار .
اللهم ! من مكر بنا وحاربنا في السر أو في العلن ، اللهم فاجعل كيده في نحره وادفع عنا شره ومكره ، أنت ربى لا إله إلا أنت عليك توكلت وإليك أنيب.
منقول من موقع الشيخ عبد الحميد الجهني
من الأمثلة السائدة عند العامة قولهم " من حفر حفرة لأخيه وقع فيها" وبعضهم يذكره بلفظ آخر حيث يقول " من حفر بئرا لأخيه وقع فيه"
أما الميداني صاحب كتاب " مجمع الأمثال" فقد ذكر المثل بلفظ آخر وهو " من حفر مغواة وقع فيها"
والمغواة : بضم الميم وفتح الغين وفتح الواو المشددة ، وهى حفرة ، تحفر وتغطى للضبع والذئب ويجعل فيهاجدى.
وخير من ذلك كله وأجمع وألذ في الأسماع وأمتع قول الحق تبارك وتعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) فاطر (43)
ومن القصص العجيبة الغريبة الشاهدة على هذا المعني ، ما جاء في أخبار يحي بن عبد الله بن حسن بن حسن بن على بن أبي طالب وهو أخٌ لمحمد بن عبد الله بن حسن ذي النفس الزكية ، وكان محمدٌ هذا خرج في زمن أبي جعفر المنصور سنة (145هـ) ثم قُتِل رحمه الله وعفا عنه ، أما أخوه يحي فخرج في زمن هارون الرشيد سنة ( 176هـ) وكان ظهوره في بلاد الديلم فاتَّبَعه خلق كثير وجم غفير وقويت شوكته و ارتحل إليه الناس من الكور والأمصار ، فانزعج لذلك الرشيد واغتم و قلق من أمره ، فندب إليه الفضل بن يحي بن خالد بن برمك في خمسين ألفا ، فخرج الفضل في أبهة عظيمة وجيش كثيف ، و رسائل الخليفة الرشيد تلحقه في كل منزلة مع أنواع من التحف والبر.
فاتبع الفضل بن يحي سياسة الترغيب مع يحي بن عبد الله بن حسن فكتب إليه يعده ويمنِّيه ويؤمله ويرجيه ويبسط أمله ، إن هو خرج إليه أن يقيم له العذر عند الرشيد ، فامتنع يحي أن يخرج إليهم حتى يكتب له الرشيد كتابَ أمانٍ بيده ، فكتب الفضل إلى الرشيد بذلك ، ففرح الرشيد ووقع منه موقعا عظيما وكتب الأمان بيده ، وأشهد عليه القضاة والفقهاء ومشيخة بنى هاشم ، وبعث الأمان وأرسل معه جوائز وتحفا كثيرة جدا ، فلما وصلت إلى الفضل بعثها بكمالها إلى يحي بن عبد الله ، فخرج يحي بن عبد الله إليهم فسار به الفضل ،فدخل به بغداد ، وتلقاه الرشيد وأكرمه وأجزل له العطاء ، وخدمه آل برمك خدمة عظيمة بحيث إن يحي بن خالد والد الفضل و وزير الدولة الأول وكان أبا للرشيد من الرضاعة كان يخدم يحي بن عبد الله بن حسن بنفسه .
ثم إن هارون الرشيد تنكر ليحي بن عبد الله وتغير عليه ويقال : إنه سجنه ، ثم استحضره الرشيد وعنده القاضيان محمد بن الحسن الشيباني وأبو البختري ، وعنده جماعات من الهاشميين وغيرهم ، وأحضر الأمان الذي كان بعثه إليه ، فسأل الرشيد محمد بن الحسن عن هذا الأمان أصحيح هو ؟ قال نعم . فتغيظ الرشيد عليه . وقال أبو البختري : ليس هو بصحيح ، فاحكم فيه بما شئت . ومزق الأمان .
وأقبل الرشيد على يحي بن عبد الله فقال : هيه هيه . وهو يتبسم تبسم المغضب ،وقال : إن الناس يزعمون أنا سممناك ـ وكان يظهر عليه الضعف ـ فقال له يحي : يا أميرالمؤمنين ، إن لنا قرابة ورحما وحقا ، فعلام تعذبني وتحبسني ؟ فرَّق له الرشيد .فاعترض بكار بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وكان الرشيد ولاه إمرة المدينة، فقال : يا أمير المؤمنين ، لا يغرنك كلام هذا ـ يعنى يحي بن عبد الله ـ فإنه عاص شاق ، وإنما هذا منه مكر وخبث ، وقد أفسد علينا مدينتا ـ يعنى المدينة النبوية ـوأظهر فيها العصيان. فقال له يحي : ومن أنتم عافاكم الله ؟ وإنما هاجر أبوك إلى المدينة بآبائى وآباء هذا ـ يعنى الرشيد ـ ثم قال يحي : يا أمير المؤمنين إنما الناس نحن وأنتم ، والله يا أمير المؤمنين ، لقد جاء إلى هذا حين قتل أخي محمد بن عبد الله ـ ذي النفس الزكية الذي قتل على يد العباسيين ـ فقال : لعن الله قاتله .
وأنشدني فيه مرثية نحواً من عشرين بيتًا ، وقال : إن تحركت في هذا الأمر فأنا أول من يبايعك ، وما يمنعك أن تلحق بالبصرة وأيدينا مع يدك ؟ قال : فتغير وجه الزبيري ، وأنكر وشرع يحلف بالأيمان المغلظة : إنه لكاذب في ذلك . وتنمر الرشيد ،وقال ليحي : أتحفظ شيئًا من المرثية ؟ قال : نعم وأنشده منها جانبا ً . فازداد الزبيري في الإنكار ، فقال له يحي بن عبد الله : فقل : إن كنت كاذبا فقد برئت من حول الله وقوته ، و وكلني إلى حولي وقوتي . فامتنع من الحلف بذلك ، فعزم عليه الرشيد، وتغيظ عليه ، فحلف له ، فما كان إلا أن خرج من عند الرشيد فرماه الله بالفالج ،فمات من ساعته.
هكذا ساق هذه القصة الحافظ بن كثير في تاريخه " البداية والنهاية " ، وأوردها قبله الحافظ بن جرير الطبري في تاريخه بوجوه متعددة خلاصتها أن بكار بن مصعب الزبيري ـ عفا الله عنه ـ أراد المكر بحيي بن عبد الله فمكر الله به، وجعل الدائرة عليه كما قال ربنا تبارك وتعالى ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ )
إنها عظة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد فاعتبروا يا أولى الأبصار .
اللهم ! من مكر بنا وحاربنا في السر أو في العلن ، اللهم فاجعل كيده في نحره وادفع عنا شره ومكره ، أنت ربى لا إله إلا أنت عليك توكلت وإليك أنيب.
منقول من موقع الشيخ عبد الحميد الجهني