سالم مسلم حمدان البلوي
06-12-2012, 03:14 PM
السلام عليكم ورحمة الله وركاته
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد...
فلاشك أن من أحب دنياه وانشغل بها وجعلها أكبر همه ومبلغ علمه فإنه ينسى الدار الآخرة، ولا يعمل لها،
قال بعض السلف: (من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى)، فالإنسان عليه أن يبدأ بحظه من الآخرة، حتى يأتيه ما قدر الله له وما يحتاج إليه من الدنيا،
يقول بعض السلف: (يا ابن آدم: أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الدنيا فاتك نصبك من الآخرة، وإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر على نصيبك من الدنيا فانتظمه انتظامًا)، فالإنسان يشتغل بحظه من الدنيا في الأوقات التي يجد فيها سعة، ومع ذلك لا ينسى الدار الآخرة، فإذا اشتغل في تجارته أو حرثه أو حرفته أو ماشيته، لم يغفل عن ذكر ربه، ولا عن دعائه، واشتغل بالتسبيح والتكبير والتوبة والاستغفار، فحصل التوفيق بين الدنيا والآخرة، وإذا دخل وقت العبادة، كأوقات الصلوات، ترك ما كان فيه من الدنيا وقام إلى العبادة.
ولاشك أن الكثير قد طغوا وبغوا لما فتحت عليهم الدنيا، وتحقق قول الله تعالى: ((كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى(6)أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)) العلق:6-7، فيقال لهؤلاء: اربعوا على أنفسكم، اقنعوا من الدنيا بما تيسر، ولا تشغلكم دنياكم عن العمل للدار الآخرة، فإن من فعل ذلك أصبح عبدًا لدنياه.
فمن تزينت له الدنيا وأكب عليها وتمادى في الانشغال بها، فلابد أنه ينسى أو يتناسى نهايتها، مع أن ذلك واقع ومشاهد، فإن كثيرًا من أهل الدنيا قد جعلوها شغلهم الشاغل، وقطعوا في متابعتها أعمارهم، فجاءهم الأجل وهم غافلون عن الآخرة، فخرجوا من الدنيا مفاليس، لأنهم لم يتفكروا في نهاية الدنيا، وصدق عليهم قول الله تعالى: ((بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) الأعلى:16-17، مع ما يشاهدونه من تقلب الدنيا بأهلها، حيث يشاهدون بعض الناس ينشغلون بالدنيا، ويستكثرون من جمع الأموال من حلال أو حرام، ويتهالكون في حب المال، ويصدق عليهم قول الله تعالى: ((وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)) الفجر:20، وقوله تعالى: ((وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)) العاديات:8.
فتأتيهم الآجال وهم مفرطون، لم يقدموا لآخرتهم ما يكون سببًا في سعادتهم عند الله سبحانه وتعالى، ويشاهدون أيضًا من تبسط عليه الدنيا ثم تسلب منه بين عشية وضحاها، فيصبح غنيًا عنده الأموال الطائلة، ويمسي فقيرًا قد لا يجد قوت ليلته، مما يدل على تقلب الدنيا بأهلها، ولا يعتبر بذلك الآخرون الذين أنهكوا أبدانهم وشغلوا أعمالهم في جمع الحطام الفاني، وهم يعرفون أنهم سوف يفارقونه وينتفع به غيرهم، وقد يجمعونه من حرام أو من مشتبه، ويكون كما قال بعض السلف في الدنيا: (حلالها حساب، وحرامها عذاب)، بمعنى أنه يحاسب على المال، كما قال النبي : "لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به".
فعليه أن يعد للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا،ويتذكر قول بعض الواعظين فيمن جمع المال وخلفه:
سيأخذه الوارث من غير تعب
ويسأل جامعه من أين اكتسب
فمـا اكتسـب إلا الشـوك
له وللـــوارث الــرطــب
وقد وقعت وقائع كثيرة تدل على تغير الدنيا بأهلها وتقلبها بهم، حيث إنهم لما فتحت عليهم الدنيا طغوا وبغوا وتكبروا وتجبروا، وسول لهم الشيطان وأملى لهم، وزين لهم ما هم عليه من الاستمرار في الاستكثار من جمع المال من حل أو حرام، ثم أوقعهم ذلك في الانهماك في الشهوات والملذات، وتجاوز المباحات إلى المحرمات، فوقعوا في المسكرات والمخدرات، وخيل إليهم أن هذا من إعطاء النفس ما تتمناه وما تهواه أو تلتذ به، وجرهم ذلك إلى أن ثقلت عليهم الطاعات، فتركوا الصلوات، ومنعوا الواجبات، وتجاوزوا الشبهات إلى المحذورات، ونسوا الله فأنساهم أنفسهم.
نسأل الله أن يغنينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه.
والله تعالى أعلم.
العلامة ابن جبرين رحمه الله
منقول
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد...
فلاشك أن من أحب دنياه وانشغل بها وجعلها أكبر همه ومبلغ علمه فإنه ينسى الدار الآخرة، ولا يعمل لها،
قال بعض السلف: (من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى)، فالإنسان عليه أن يبدأ بحظه من الآخرة، حتى يأتيه ما قدر الله له وما يحتاج إليه من الدنيا،
يقول بعض السلف: (يا ابن آدم: أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الدنيا فاتك نصبك من الآخرة، وإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر على نصيبك من الدنيا فانتظمه انتظامًا)، فالإنسان يشتغل بحظه من الدنيا في الأوقات التي يجد فيها سعة، ومع ذلك لا ينسى الدار الآخرة، فإذا اشتغل في تجارته أو حرثه أو حرفته أو ماشيته، لم يغفل عن ذكر ربه، ولا عن دعائه، واشتغل بالتسبيح والتكبير والتوبة والاستغفار، فحصل التوفيق بين الدنيا والآخرة، وإذا دخل وقت العبادة، كأوقات الصلوات، ترك ما كان فيه من الدنيا وقام إلى العبادة.
ولاشك أن الكثير قد طغوا وبغوا لما فتحت عليهم الدنيا، وتحقق قول الله تعالى: ((كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى(6)أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)) العلق:6-7، فيقال لهؤلاء: اربعوا على أنفسكم، اقنعوا من الدنيا بما تيسر، ولا تشغلكم دنياكم عن العمل للدار الآخرة، فإن من فعل ذلك أصبح عبدًا لدنياه.
فمن تزينت له الدنيا وأكب عليها وتمادى في الانشغال بها، فلابد أنه ينسى أو يتناسى نهايتها، مع أن ذلك واقع ومشاهد، فإن كثيرًا من أهل الدنيا قد جعلوها شغلهم الشاغل، وقطعوا في متابعتها أعمارهم، فجاءهم الأجل وهم غافلون عن الآخرة، فخرجوا من الدنيا مفاليس، لأنهم لم يتفكروا في نهاية الدنيا، وصدق عليهم قول الله تعالى: ((بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) الأعلى:16-17، مع ما يشاهدونه من تقلب الدنيا بأهلها، حيث يشاهدون بعض الناس ينشغلون بالدنيا، ويستكثرون من جمع الأموال من حلال أو حرام، ويتهالكون في حب المال، ويصدق عليهم قول الله تعالى: ((وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)) الفجر:20، وقوله تعالى: ((وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)) العاديات:8.
فتأتيهم الآجال وهم مفرطون، لم يقدموا لآخرتهم ما يكون سببًا في سعادتهم عند الله سبحانه وتعالى، ويشاهدون أيضًا من تبسط عليه الدنيا ثم تسلب منه بين عشية وضحاها، فيصبح غنيًا عنده الأموال الطائلة، ويمسي فقيرًا قد لا يجد قوت ليلته، مما يدل على تقلب الدنيا بأهلها، ولا يعتبر بذلك الآخرون الذين أنهكوا أبدانهم وشغلوا أعمالهم في جمع الحطام الفاني، وهم يعرفون أنهم سوف يفارقونه وينتفع به غيرهم، وقد يجمعونه من حرام أو من مشتبه، ويكون كما قال بعض السلف في الدنيا: (حلالها حساب، وحرامها عذاب)، بمعنى أنه يحاسب على المال، كما قال النبي : "لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به".
فعليه أن يعد للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا،ويتذكر قول بعض الواعظين فيمن جمع المال وخلفه:
سيأخذه الوارث من غير تعب
ويسأل جامعه من أين اكتسب
فمـا اكتسـب إلا الشـوك
له وللـــوارث الــرطــب
وقد وقعت وقائع كثيرة تدل على تغير الدنيا بأهلها وتقلبها بهم، حيث إنهم لما فتحت عليهم الدنيا طغوا وبغوا وتكبروا وتجبروا، وسول لهم الشيطان وأملى لهم، وزين لهم ما هم عليه من الاستمرار في الاستكثار من جمع المال من حل أو حرام، ثم أوقعهم ذلك في الانهماك في الشهوات والملذات، وتجاوز المباحات إلى المحرمات، فوقعوا في المسكرات والمخدرات، وخيل إليهم أن هذا من إعطاء النفس ما تتمناه وما تهواه أو تلتذ به، وجرهم ذلك إلى أن ثقلت عليهم الطاعات، فتركوا الصلوات، ومنعوا الواجبات، وتجاوزوا الشبهات إلى المحذورات، ونسوا الله فأنساهم أنفسهم.
نسأل الله أن يغنينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه.
والله تعالى أعلم.
العلامة ابن جبرين رحمه الله
منقول