القناص أبو خلف
04-18-2013, 11:18 AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله:
اتقوا الله حق التقوى، فالله ولي من اتقاه، ومن اعتمد عليه كفاه، ومن لاذ به وقاه.
عباد الله:
إن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها، وتكرر في العين شهودها، ذهبت من الصدور وحشتها، وسلبت من القلوب نورها، ومن تمام سعادة الأمة أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لهداية الخلق وإرشادهم إلى طريق الحق، لتظل حدوده قائمة، وأعلامه ظاهرة، والمرء في حياته معرض للزلة والهفوة ولا غنى له عن من يقوم عوجه ويصلح أمره، وأعلى الناس قدرا وأرفعهم شرفا من أصلح نفسه، ثم امتد بالإصلاح والخير إلى غيره، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ هو من أعظم قواعد الإسلام، وألزم واجبات الشرائع، جعله الله من أخص صفات خليله محمد عليه الصلاة والسلام، فقال جل وعلا: -( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )- [الأعراف/157].
وهذه الصفة جعلت هذه الأمة غُرة في جبين الأمم، وتاجا على علو هامها به سمت وعلت -(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنمو في المجتمعات الآداب والفضائل، وتختفي المنكرات والرذائل، مدح الله به المؤمنين وجعل تركه من أبرز صفات المنافقين قال جل وعلا: -(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)
وقال -(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ )
التعبد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة بلا مال، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر صدقة يكفر الذنوب ويمحو الخطايا.
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ»( ).
إن الذنوب والآثام آفات متلازمة، بعضها يأخذ برقاب بعض، ولا يفتها سوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: (من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سلط الله عليه من يأمره وينهاه بما يضاد الشريعة).
عباد الله:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حصن الإسلام المنيع، يحجز عن الأمة الفتن وشرور المعاصي، ويحمي أهل الإسلام من نزوات الشيطان و نزغات الهوى، وهو البناء المتين الذي تتماسك به عرى الدين، يحفظ العقائد والسلوك والأخلاق، ويدرأ المحن والرذائل، أوجبه الله على عموم الرجال والنساء، في القيام به صلاح الأمم، وحفظ النعم، ووفرة الأمن، وإجابة الدعاء، وصرف كيد الأعداء، مع رفعة الدرجات والإحسان إلى الخلق.
قيل لابن مسعود: من ميت الأحياء قال: (الذي لا ينكر منكرا).
عباد الله:
يحجم أقوام عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لنيل العيش والمعاشرة وحفظ الود وإرضاء الخلق، وذا قد استوجب مودتهم بالمعصية وسوى بين الخبيث والطيب في معاملاته، وآثر حظوظه الذاتية وتلك مخالة منقطعة، فمن التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخافة المخلوقين، نُزِعت منه الطاعة، وزالت عنه المهابة، فاحذر المداهنة فهي باب من الذل والهوان عريض، ولا تأسف على من قلاك ولا من فارقك لأمرك أو نهيك له، واقطع أطماعك من الخلق وثق بكفالة رب الخلق، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقا ولا يقرب أجلا.
يقول الشافعي رحمه الله: (رضى الناس غير مقدور عليه ولا مطلوب، والله ورسوله أحق أن يُرضوه إن كانوا مؤمنين).
ولا يسقط النهي عن المنكر عن المكلف بسلب النفع فيه بالتخيل، بل عليه الأداء وعلى الرب الهداية، وفي تبليغه معذرة وإنذار وإقامة الحجة وإظهار الشعيرة، ومن رأى منكرا ولم ينهه فقد أعانه عليه بالتخلية بينه وبين معصيته، والسكوت عن الذنب تزيين للمعصية بالصدور، ومجانبة المنكر من مقتضيات الإنكار بالقلب، وتوقي الذنب ليس شرطا في الناهي بل ينهى العصاة بعضهم بعضا، ويلزم المسلم الأمر بالمعروف وإن لم يمتثله، ويلزمه النهي عن المنكر وإن ارتكبه، وتبقى ثلمة مخالفة الفعل للقول.
عباد الله
إن أقواما توهموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدح في الحريات الشخصية، وهذا من مجانبة للصواب في فهم نصوص الشريعة، بل هو حفظ لحقوق الآخرين من انتهاكها، فاحذر الازدراء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، أو التنقص من قدرهم أو أذيتهم بالفعال أو المقال، فهم حراس الدين صوان الأعراض، بهم بإذن الله تعلو رتب الفضائل، وتوصد الفتن، ويُدفع البلاء.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ»( ).
عباد الله:
إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر معرض للأذى من بعض الورى، فمن أقامه فلا يستوحش من سلوك طريقه، وليجعل له من الصبر حصنا متينا، واثقا بالثواب مما يتلقى من المشاق.
يقول ابن كثير الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى وإياك وإياك وأهل التخذيل أو الركون إلى الضعف وقف مع البلاء بالإيمان والتوكل واصبر واحتسب وواصل وخاطب الناس على ضوء قوله تعالى: -(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
واعلم أنه ليس في كل أمر أو نهي إزالة المحذور فزمام الاستقامة بيد الهادي -(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )
والأمر المعروف والنهي عن المنكر مسؤولية المسلمين جميعا وليس خاصا بآحاد المكلفين -(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله:
اتقوا الله تعالى واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الشريعة، وقاعدة من قواعد الأمن في المجتمع، ولو طُوي بساطه وأُهمل عمله لاضمحلت الديانة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة، وخربت البلاد وعم الفساد، واستعجلوا بالعذاب.
يقول الحسن البصري رحمه الله: (مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وإلا كنتم موعظة لغيركم).
إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض.
والمجتمع الذي لا ينهى عن المنكر معرض للعنة الله ومقته نعوذ بالله، وما ينشأ عنها من الذل والخذلان وتنوع الفتن قال جل وعلا : -(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ*كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ -
وقال النووي رحمه الله: (واعلم أن هذا الباب أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضُيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبقى منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أو شك أن يعمهم الله تعالى بعقابه -( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
فينبغي لطال الآخرة والساعي في تحصيل رضى الله أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم، لا سيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى يقول: -(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
وقال تعالى: -(وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
وقال تعالى: -(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )
وقال تعالى: -(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)
واعلم أن الأجر على قدر النصب، ولا يتاركه أيضا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقا، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه) اهـ كلام النووي رحمه الله.
عباد الله:
-(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
أما بعد: عباد الله:
اتقوا الله حق التقوى، فالله ولي من اتقاه، ومن اعتمد عليه كفاه، ومن لاذ به وقاه.
عباد الله:
إن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها، وتكرر في العين شهودها، ذهبت من الصدور وحشتها، وسلبت من القلوب نورها، ومن تمام سعادة الأمة أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لهداية الخلق وإرشادهم إلى طريق الحق، لتظل حدوده قائمة، وأعلامه ظاهرة، والمرء في حياته معرض للزلة والهفوة ولا غنى له عن من يقوم عوجه ويصلح أمره، وأعلى الناس قدرا وأرفعهم شرفا من أصلح نفسه، ثم امتد بالإصلاح والخير إلى غيره، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ هو من أعظم قواعد الإسلام، وألزم واجبات الشرائع، جعله الله من أخص صفات خليله محمد عليه الصلاة والسلام، فقال جل وعلا: -( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )- [الأعراف/157].
وهذه الصفة جعلت هذه الأمة غُرة في جبين الأمم، وتاجا على علو هامها به سمت وعلت -(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنمو في المجتمعات الآداب والفضائل، وتختفي المنكرات والرذائل، مدح الله به المؤمنين وجعل تركه من أبرز صفات المنافقين قال جل وعلا: -(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)
وقال -(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ )
التعبد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة بلا مال، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر صدقة يكفر الذنوب ويمحو الخطايا.
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ»( ).
إن الذنوب والآثام آفات متلازمة، بعضها يأخذ برقاب بعض، ولا يفتها سوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: (من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سلط الله عليه من يأمره وينهاه بما يضاد الشريعة).
عباد الله:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حصن الإسلام المنيع، يحجز عن الأمة الفتن وشرور المعاصي، ويحمي أهل الإسلام من نزوات الشيطان و نزغات الهوى، وهو البناء المتين الذي تتماسك به عرى الدين، يحفظ العقائد والسلوك والأخلاق، ويدرأ المحن والرذائل، أوجبه الله على عموم الرجال والنساء، في القيام به صلاح الأمم، وحفظ النعم، ووفرة الأمن، وإجابة الدعاء، وصرف كيد الأعداء، مع رفعة الدرجات والإحسان إلى الخلق.
قيل لابن مسعود: من ميت الأحياء قال: (الذي لا ينكر منكرا).
عباد الله:
يحجم أقوام عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لنيل العيش والمعاشرة وحفظ الود وإرضاء الخلق، وذا قد استوجب مودتهم بالمعصية وسوى بين الخبيث والطيب في معاملاته، وآثر حظوظه الذاتية وتلك مخالة منقطعة، فمن التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخافة المخلوقين، نُزِعت منه الطاعة، وزالت عنه المهابة، فاحذر المداهنة فهي باب من الذل والهوان عريض، ولا تأسف على من قلاك ولا من فارقك لأمرك أو نهيك له، واقطع أطماعك من الخلق وثق بكفالة رب الخلق، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقا ولا يقرب أجلا.
يقول الشافعي رحمه الله: (رضى الناس غير مقدور عليه ولا مطلوب، والله ورسوله أحق أن يُرضوه إن كانوا مؤمنين).
ولا يسقط النهي عن المنكر عن المكلف بسلب النفع فيه بالتخيل، بل عليه الأداء وعلى الرب الهداية، وفي تبليغه معذرة وإنذار وإقامة الحجة وإظهار الشعيرة، ومن رأى منكرا ولم ينهه فقد أعانه عليه بالتخلية بينه وبين معصيته، والسكوت عن الذنب تزيين للمعصية بالصدور، ومجانبة المنكر من مقتضيات الإنكار بالقلب، وتوقي الذنب ليس شرطا في الناهي بل ينهى العصاة بعضهم بعضا، ويلزم المسلم الأمر بالمعروف وإن لم يمتثله، ويلزمه النهي عن المنكر وإن ارتكبه، وتبقى ثلمة مخالفة الفعل للقول.
عباد الله
إن أقواما توهموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدح في الحريات الشخصية، وهذا من مجانبة للصواب في فهم نصوص الشريعة، بل هو حفظ لحقوق الآخرين من انتهاكها، فاحذر الازدراء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، أو التنقص من قدرهم أو أذيتهم بالفعال أو المقال، فهم حراس الدين صوان الأعراض، بهم بإذن الله تعلو رتب الفضائل، وتوصد الفتن، ويُدفع البلاء.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ»( ).
عباد الله:
إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر معرض للأذى من بعض الورى، فمن أقامه فلا يستوحش من سلوك طريقه، وليجعل له من الصبر حصنا متينا، واثقا بالثواب مما يتلقى من المشاق.
يقول ابن كثير الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى وإياك وإياك وأهل التخذيل أو الركون إلى الضعف وقف مع البلاء بالإيمان والتوكل واصبر واحتسب وواصل وخاطب الناس على ضوء قوله تعالى: -(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
واعلم أنه ليس في كل أمر أو نهي إزالة المحذور فزمام الاستقامة بيد الهادي -(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )
والأمر المعروف والنهي عن المنكر مسؤولية المسلمين جميعا وليس خاصا بآحاد المكلفين -(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله:
اتقوا الله تعالى واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الشريعة، وقاعدة من قواعد الأمن في المجتمع، ولو طُوي بساطه وأُهمل عمله لاضمحلت الديانة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة، وخربت البلاد وعم الفساد، واستعجلوا بالعذاب.
يقول الحسن البصري رحمه الله: (مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وإلا كنتم موعظة لغيركم).
إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض.
والمجتمع الذي لا ينهى عن المنكر معرض للعنة الله ومقته نعوذ بالله، وما ينشأ عنها من الذل والخذلان وتنوع الفتن قال جل وعلا : -(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ*كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ -
وقال النووي رحمه الله: (واعلم أن هذا الباب أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضُيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبقى منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أو شك أن يعمهم الله تعالى بعقابه -( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
فينبغي لطال الآخرة والساعي في تحصيل رضى الله أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم، لا سيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى يقول: -(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
وقال تعالى: -(وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
وقال تعالى: -(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )
وقال تعالى: -(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)
واعلم أن الأجر على قدر النصب، ولا يتاركه أيضا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقا، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه) اهـ كلام النووي رحمه الله.
عباد الله:
-(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)