ماجد سليمان البلوي
06-14-2013, 02:21 AM
شهادة وبراءة أسد البحر..البحار شهاب الدين أحمد إبن ماجد..؟؟
هو شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمرو السعدي النجدي الملقب بـ"أسد البحر"، عالم بحار مشهور. ولد ونشأ في جلفار حالياً (رأس الخيمة) وهي اليوم إحدى الإمارات العربية المتحدة بالخليج العربي. عاش في ظفار في النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي / القرن التاسع الهجري ، وعمّر إلى مطلع القرن السادس عشر.
عرف البحر منذ نعومة أظافره ، إذ نشأ في أسرة ربابنة فقد كان أبوه رباناً يلقب بربان البرين (أي البر والبحر)، وكان جده هو الآخر ملاحاً مشهوراً. ولقد هيئت هذه الظروف لابن ماجد تولي قيادة المركب تحت رعاية أبيه وهو بعد حدث صغير لم يتجاوز سن العاشرة. وكان أبوه دائماً يحثه على مراقبة عامل الدفة. ولما جاوز السابعة عشر من عمره تولى مسؤولية المركب والقياس مسؤولية تامة.
تحصل ابن ماجد على قسط نافع من علوم الحساب الهندي والعربي والزنجي، وحساب أهل جاوة والصين منذ أن كان حدثاً يافعاً، مما مكنه من مقارنة قياسات الآخرين. وكان نشاطه مرموقاً على ساحل الزنج وفي جزر الهند، حتى أصبح اسم ابن ماجد فيه على لسان ربابنة المحيط الهندي والخليج العربي.
واشتهر بعلمه في شؤون البحار وفي كل ما يتصل بعلم الملاحة والفلك، وخلف الكثير من أعماله في مختلف العلوم الملاحية والفلكية، وهو أول من طور البوصلة الملاحية بالمفهوم الحديث ، وقد وضع الإيطاليون بوصلة من هذا النوع وبهذا الاسم بعد عصر ابن ماجد بخمسين عاماً.
وذكر ابن ماجد في مؤلفاته أسماء الجزر والبلدان والسواحل والقياسات البحرية ومطالع النجوم وطريقة استخراج القبلة، وشرح المسالك البحرية بين ساحل وآخر، ودون علمه ومعرفته في أراجيز عديدة وفي مؤلفات منها كتاب (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد) وهو من أكبر أعماله، و يشتمل على عدة مواضيع في الملاحة وعلم الفلك وأهمها الطرق الملاحية في البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي وأرخبيل الهند الشرقية (الملايو وأندونيسيا) ، وفيه يفصل الكلام على الجانبين النظري والعملي للمسائل الملاحية معتمداً على من سبقوه في هذا المضمار وعلى تجاربه الشخصية بصورة خاصة.
ومن آثاره ما تمت صياغته شعراً على شكل أراجيز أهمها
(حاوية الاختصار في علم البحار)، و قصائد في وصف شواطئ جزيرة العرب.
براءة ابن ماجد:
إن من ثمرات دراسة التاريخ دراسة علمية، إنصاف أهل الفضل والعلم الذين قد تمتد إليهم بعض الألسن والأقلام ، بتشويه تاريخهم ، وتلطيخ سيرتهم؛ ولعل البحار العربي أحمد بن ماجد رحمه الله أحد هؤلاء الذين جارت عليهم أقلام بعض المؤرخين ، حيث اتهم ابن ماجد بأنه الشخص الذي أرشد القائد الصليبي البرتغالي (فاسكو داجاما) في الفترة (1497 – 1499م) إلى الطريق البحري الآمن ما بين السواحل الشرقية لأفريقيا والهند ، وذلك إبان المشروع التوسعي الصليبي البرتغالي الرامي إلى تطويق المسلمين وخنقهم اقتصادياً ، وهو المشروع الذي ازدهر في أعقاب سقوط غرناطة في 21 محرم 897 هـ /25 نوفمبر 1491م.
على أية حال فقد تصدى لهذه الفرية التي ألصقت بالبحار أحمد بن ماجد ، مؤرخ أصيل ، وناقد بصير ، لم تشغله أعباء السياسة والحكم عن أداء واجبه العلمي ، ألا وهو سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة ، حيث قام بمناقشة هذه التهمة نقاشاً علمياً هادئاً ، التزم فيه الموضوعية والإنصاف والأدب الجم- وهي بضاعة عزيزة في هذه الأيام - بعد ذلك نشر هذا الجهد العلمي في رسالة لطيفة أسماها (بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد) ، وقد بين في مقدمتها السبب الذي دفعه إلى بحث هذه القضية فقال : ( في العام الدراسي المنصرم 1999-2000م ، وبينما كنت ألقي محاضراتي كأستاذ لتاريخ الخليج العربي الحديث في جامعة الشارقة ، ذكرت أن الذي أوصل "فاسكو داجاما" من الساحل الشرقي الأفريقي إلى الهند ، هو غجراتي من الهند ، وليس البحار العربي أحمد بن ماجد.
قيل لي بعدها : إن بعضاً من أساتذة التاريخ يرفضون ذلك المنطق ، ويتشبثون برأيهم بأن أحمد بن ماجد هو الذي أوصل "فاسكو داجاما" إلى الهند.
كما علمت أن منهج وزارة التربية والتعليم في المدارس الحكومية في دولة الإمارات العربية المتحدة يتضمن تلك الفكرة الخاطئة ، أن أحمد بن ماجد هو الذي أوصل البرتغاليين إلى الهند؛ وهنا قررت أن أصحح تلك المغالطة بالإثباتات العلمية الموثقة).
هذا وقد ناقش الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، هذه القضية عبر ثلاثة محاور:
المحور الأول : قام فيه باستقراء كتابات المؤرخين البرتغاليين في القرن السادس عشر الميلادي الذين عاصروا (فاسكو داجاما) فلم يجد أي ذكر أو أي اتهام للبحار ابن ماجد في إرشاد (فاسكو داجاما) ، بل وجد أولئك المؤرخين يشيرون إلى أن الذي أرشد (فاسكو داجاما) شخص غجراتي من الهند اسمه (كانا) أو (كاناكا).
وفي ذلك يقول : (إن جميع المؤرخين البرتغاليين في القرن السادس عشر قد أجمعوا أن "فاسكو داجاما" قد استفاد من مساعدة مرشد غجراتي عندما أبحر من شرق أفريقيا إلى الهند عام 1498م ، وهي المرحلة الأخيرة من رحلته المشهورة من البرتغال إلى الهند ، والتي دلت القوى الأوروبية للدخول مباشرة إلى المحيط الهندي والخليج العربي).
المحور الثاني : قام فيه باستعراض جذور هذه التهمة من خلال عرضه لجهود أحد المؤرخين المعاصرين في هذا الباب فقال : ( لم يقتنع كثير من المؤرخين العرب بتلك الحقائق السالفة الذكر ، وأصروا على اتهام أحمد بن ماجد بإيصال البرتغاليين إلى الهند... ]وقد[ تصدى لهم الأستاذ الدكتور إبراهيم خوري في كتابه "أحمد بن ماجد" ودحض كل تلك الاتهامات).
هذا وقد توصل الدكتور إبراهيم خوري ، إلى أن أول من ذكر اتهام أحمد بن ماجد بإرشاد (فاسكو داجاما) هو المؤرخ (قطب الدين النهروالي) المتوفى سنة (988هـ) في كتابه (البرق اليماني في الفتح العثماني) وفيما يلي نص تلك التهمة كما وردت عند المؤرخ النهروالي : ( فلا زالوا يتوصلون إلى معرفة هذا البحر ، إلى أن دلهم شخص ماهر من أهل البحر ، يقال له أحمد بن ماجد ، صاحَبه كبير الفرنج ، وكان يقال له الملندي [ يقصد فاسكو داجاما ] وعاشره في السّكر ، فعلمه الطريق في حال سكره ، وقال لهم : لا تقربوا الساحل من ذلك المكان ، وتوغلوا في البحر ثم عودوا ، فلا تنالكم الأمواج).
بعد ذلك ذكر الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، أهم المآخذ التي أوردها الدكتور إبراهيم خوري ، حول كلام المؤرخ النهروالي ، ومن ذلك ما يلي :
1- أن وثيقة النهروالي قد كتبت بعد مرور ثمانين عاماً تقريباً من وصول البرتغاليين إلى الهند.
2- أن وثيقة النهروالي تتعارض مع ثناء أمير البحر العثماني علي بن الحسين الملقب (بعلي شلبي) على البحار أحمد بن ماجد ، ولا يتهمه بإرشاد الفرنج. وقد كان الأميرال علي شلبي هو قائد الحملة العثمانية ضد البرتغاليين في خليج عمان ، وهو الذي أمر بترجمة كتاب (المحيط) لأحمد بن ماجد ، وقد كان ذلك قبل تأليف النهروالي كتابه (البرق اليماني) بربع قرن.
3- وهذه النقطة قد أضافها الدكتور سلطان القاسمي : (هناك كتاب ، ربما لم يطلع عليه الأستاذ إبراهيم خوري ، وهو "تحفة المجاهدين في ذكر أحوال البرتغال الملاعين" لزين الدين المعبري المليباري المتوفى بعد سنة 991هـ ، وهو معاصر للنهروالي ؛ فلم يذكر المليباري أي شيء عن أحمد بن ماجد؛ ولكن للأسف عندما قام ... [ محقق الكتاب ] بتحقيقه والتعليق عليه، زج باسم أحمد بن ماجد في التعليقات والشروح).
المحور الثالث : وفي هذا المحور قام الدكتور سلطان القاسمي ، بنسف هذه التهمة بالكلية ، حيث تمكن بعد جهود مضنية ، من الحصول على يوميات الرحلة التي قام بها (فاسكو داجاما) ، ومخطوطة هذه اليوميات كانت في الأصل تخص دير (سانتا كروز) في مدينة (كويمبرا) في البرتغال ، وقد نقلت مع مخطوطات ثمينة أخرى إلى المكتبة العامة في مدينة (أوبورتو) في البرتغال.
وعن مخطوطة اليوميات يواصل الدكتور سلطان القاسمي كلامه بقوله : (إن الفضل في نشر مخطوطة اليوميات يرجع للسيدين "ديوغو كوبك" والدكتور "انطونيو داكوستا بايفا"... وقد ذكر "كوبك" في نشره للمخطوطة أنه لا توجد رواية قد كتبت قط ، وأن ما قدمه "فاسكو داجاما" لا يعدو إلا تقارير رسمية عن الحوادث التي قابلها... لقد توصل "كوبك" إلى مؤلف يوميات الرحلة وهو "ألفارو فيلهو" الجندي الذي كان على السفينة "أس . رافائيل" والتي كانت بقيادة "بولو داجاما" شقيق "فاسكو داجاما").
ويواصل الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حديثه عن يوميات تلك الرحلة فيقول : (ما يهمنا من تلك المخطوطة هو المرحلة الأخيرة من تلك الرحلة ، من الساحل الشرقي الأفريقي إلى ساحل الهند الغربي ، وقد ألحقتُ ذلك الجزء من المخطوطة بهذه الدراسة ، ووضعت له ترجمة عربية ، وأخرى إنجليزية).
بعد ذلك قام الدكتور سلطان القاسمي ، بذكر دليل براءة أحمد بن ماجد ، بإيراده للفقرة الخاصة بالشخص الذي أرشد "فاسكو داجاما" من خلال تلك اليوميات. وفيما يلي النص المترجم لتلك الفقرة :
( في يوم الأحد التالي ، والذي صادف 22 أبريل ، صعد أمين سر الملك ] أي الحاكم المسلم في مدينة مالندي[ من السفينة ظافرة إلى ظهر السفينة ]التي يوجد بها فاسكو داجاما[ ، ولأنه لم يكن أحد قد اقترب من سفننا خلال اليومين السابقين ، فقد قام القائد ]أي فاسكو داجاما[ باعتقاله ، وأرسل إلى الملك طالباً منه إرسال المرشدين الذين وعد بإرسالهم إليه. وفور تسلم الملك الرسالة أرسل له مرشداً مسيحياً ، فأطلق القائد بعدئذ سراح الرجل النبيل الذي كان قد احتجزه في سفينته،ولقد سررنا كثيراً بالمرشد المسيحي الذي أرسله الملك لنا).
وهنا أحب أن أشير إلى قضية مهمة تتعلق بالحكام المسلمين في شرق إفريقيا ، الذين أبدوا شيئاً من التعاون مع الصليبيين بقيادة (فاسكو داجاما) وهي عدم إلمامهم بالمشروع الصليبي البرتغالي الذي يرمي إلى تطويق المسلمين ، وخنقهم اقتصادياً ،هذا فضلاً
عن أن (فاسكو داجاما) قد مارس معهم شتى أنواع التهديد والابتزاز ، خاصة الاستيلاء على السفن المدنية المحملة بالركاب المسلمين، وأسرهم ، ومن ثم المساومة عليهم ، من أجل إمداده بما يريد من معلومات ، وتموين. ومن ذلك ما حصل مع أحد الحكام المسلمين في مدينة (مالندي) القريبة من مدينة (ممباسا) على سواحل (كينيا) وهي المدينة التي أخذ منها (فاسكو داجاما) المرشد البحري الذي قاده عبر المحيط إلى الهند.
وقد ختم الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بحثه بقوله :
( وبذلك يكون مرشد "فاسكو داجاما" في رحلته من الساحل الأفريقي إلى الهند، مسيحياً غجراتياً).
وفي ختام هذا العرض للبحث القيم الذي أتحف به المكتبة العربية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي جزاه الله خيراً أود أن أشير إلى أن ما يسمى - زوراً وبهتاناً - بالكشوف الجغرافية الأوروبية، ما هو إلا رأس حربة للموجة الجديدة من الحملات الصليبية الأوروبية على العالم الإسلامي الذي لا زالت تعاني منه الأمة الإسلامية إلى الآن..؟
لكم تحيات
ماجد البلوي
هو شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمرو السعدي النجدي الملقب بـ"أسد البحر"، عالم بحار مشهور. ولد ونشأ في جلفار حالياً (رأس الخيمة) وهي اليوم إحدى الإمارات العربية المتحدة بالخليج العربي. عاش في ظفار في النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي / القرن التاسع الهجري ، وعمّر إلى مطلع القرن السادس عشر.
عرف البحر منذ نعومة أظافره ، إذ نشأ في أسرة ربابنة فقد كان أبوه رباناً يلقب بربان البرين (أي البر والبحر)، وكان جده هو الآخر ملاحاً مشهوراً. ولقد هيئت هذه الظروف لابن ماجد تولي قيادة المركب تحت رعاية أبيه وهو بعد حدث صغير لم يتجاوز سن العاشرة. وكان أبوه دائماً يحثه على مراقبة عامل الدفة. ولما جاوز السابعة عشر من عمره تولى مسؤولية المركب والقياس مسؤولية تامة.
تحصل ابن ماجد على قسط نافع من علوم الحساب الهندي والعربي والزنجي، وحساب أهل جاوة والصين منذ أن كان حدثاً يافعاً، مما مكنه من مقارنة قياسات الآخرين. وكان نشاطه مرموقاً على ساحل الزنج وفي جزر الهند، حتى أصبح اسم ابن ماجد فيه على لسان ربابنة المحيط الهندي والخليج العربي.
واشتهر بعلمه في شؤون البحار وفي كل ما يتصل بعلم الملاحة والفلك، وخلف الكثير من أعماله في مختلف العلوم الملاحية والفلكية، وهو أول من طور البوصلة الملاحية بالمفهوم الحديث ، وقد وضع الإيطاليون بوصلة من هذا النوع وبهذا الاسم بعد عصر ابن ماجد بخمسين عاماً.
وذكر ابن ماجد في مؤلفاته أسماء الجزر والبلدان والسواحل والقياسات البحرية ومطالع النجوم وطريقة استخراج القبلة، وشرح المسالك البحرية بين ساحل وآخر، ودون علمه ومعرفته في أراجيز عديدة وفي مؤلفات منها كتاب (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد) وهو من أكبر أعماله، و يشتمل على عدة مواضيع في الملاحة وعلم الفلك وأهمها الطرق الملاحية في البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي وأرخبيل الهند الشرقية (الملايو وأندونيسيا) ، وفيه يفصل الكلام على الجانبين النظري والعملي للمسائل الملاحية معتمداً على من سبقوه في هذا المضمار وعلى تجاربه الشخصية بصورة خاصة.
ومن آثاره ما تمت صياغته شعراً على شكل أراجيز أهمها
(حاوية الاختصار في علم البحار)، و قصائد في وصف شواطئ جزيرة العرب.
براءة ابن ماجد:
إن من ثمرات دراسة التاريخ دراسة علمية، إنصاف أهل الفضل والعلم الذين قد تمتد إليهم بعض الألسن والأقلام ، بتشويه تاريخهم ، وتلطيخ سيرتهم؛ ولعل البحار العربي أحمد بن ماجد رحمه الله أحد هؤلاء الذين جارت عليهم أقلام بعض المؤرخين ، حيث اتهم ابن ماجد بأنه الشخص الذي أرشد القائد الصليبي البرتغالي (فاسكو داجاما) في الفترة (1497 – 1499م) إلى الطريق البحري الآمن ما بين السواحل الشرقية لأفريقيا والهند ، وذلك إبان المشروع التوسعي الصليبي البرتغالي الرامي إلى تطويق المسلمين وخنقهم اقتصادياً ، وهو المشروع الذي ازدهر في أعقاب سقوط غرناطة في 21 محرم 897 هـ /25 نوفمبر 1491م.
على أية حال فقد تصدى لهذه الفرية التي ألصقت بالبحار أحمد بن ماجد ، مؤرخ أصيل ، وناقد بصير ، لم تشغله أعباء السياسة والحكم عن أداء واجبه العلمي ، ألا وهو سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة ، حيث قام بمناقشة هذه التهمة نقاشاً علمياً هادئاً ، التزم فيه الموضوعية والإنصاف والأدب الجم- وهي بضاعة عزيزة في هذه الأيام - بعد ذلك نشر هذا الجهد العلمي في رسالة لطيفة أسماها (بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد) ، وقد بين في مقدمتها السبب الذي دفعه إلى بحث هذه القضية فقال : ( في العام الدراسي المنصرم 1999-2000م ، وبينما كنت ألقي محاضراتي كأستاذ لتاريخ الخليج العربي الحديث في جامعة الشارقة ، ذكرت أن الذي أوصل "فاسكو داجاما" من الساحل الشرقي الأفريقي إلى الهند ، هو غجراتي من الهند ، وليس البحار العربي أحمد بن ماجد.
قيل لي بعدها : إن بعضاً من أساتذة التاريخ يرفضون ذلك المنطق ، ويتشبثون برأيهم بأن أحمد بن ماجد هو الذي أوصل "فاسكو داجاما" إلى الهند.
كما علمت أن منهج وزارة التربية والتعليم في المدارس الحكومية في دولة الإمارات العربية المتحدة يتضمن تلك الفكرة الخاطئة ، أن أحمد بن ماجد هو الذي أوصل البرتغاليين إلى الهند؛ وهنا قررت أن أصحح تلك المغالطة بالإثباتات العلمية الموثقة).
هذا وقد ناقش الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، هذه القضية عبر ثلاثة محاور:
المحور الأول : قام فيه باستقراء كتابات المؤرخين البرتغاليين في القرن السادس عشر الميلادي الذين عاصروا (فاسكو داجاما) فلم يجد أي ذكر أو أي اتهام للبحار ابن ماجد في إرشاد (فاسكو داجاما) ، بل وجد أولئك المؤرخين يشيرون إلى أن الذي أرشد (فاسكو داجاما) شخص غجراتي من الهند اسمه (كانا) أو (كاناكا).
وفي ذلك يقول : (إن جميع المؤرخين البرتغاليين في القرن السادس عشر قد أجمعوا أن "فاسكو داجاما" قد استفاد من مساعدة مرشد غجراتي عندما أبحر من شرق أفريقيا إلى الهند عام 1498م ، وهي المرحلة الأخيرة من رحلته المشهورة من البرتغال إلى الهند ، والتي دلت القوى الأوروبية للدخول مباشرة إلى المحيط الهندي والخليج العربي).
المحور الثاني : قام فيه باستعراض جذور هذه التهمة من خلال عرضه لجهود أحد المؤرخين المعاصرين في هذا الباب فقال : ( لم يقتنع كثير من المؤرخين العرب بتلك الحقائق السالفة الذكر ، وأصروا على اتهام أحمد بن ماجد بإيصال البرتغاليين إلى الهند... ]وقد[ تصدى لهم الأستاذ الدكتور إبراهيم خوري في كتابه "أحمد بن ماجد" ودحض كل تلك الاتهامات).
هذا وقد توصل الدكتور إبراهيم خوري ، إلى أن أول من ذكر اتهام أحمد بن ماجد بإرشاد (فاسكو داجاما) هو المؤرخ (قطب الدين النهروالي) المتوفى سنة (988هـ) في كتابه (البرق اليماني في الفتح العثماني) وفيما يلي نص تلك التهمة كما وردت عند المؤرخ النهروالي : ( فلا زالوا يتوصلون إلى معرفة هذا البحر ، إلى أن دلهم شخص ماهر من أهل البحر ، يقال له أحمد بن ماجد ، صاحَبه كبير الفرنج ، وكان يقال له الملندي [ يقصد فاسكو داجاما ] وعاشره في السّكر ، فعلمه الطريق في حال سكره ، وقال لهم : لا تقربوا الساحل من ذلك المكان ، وتوغلوا في البحر ثم عودوا ، فلا تنالكم الأمواج).
بعد ذلك ذكر الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، أهم المآخذ التي أوردها الدكتور إبراهيم خوري ، حول كلام المؤرخ النهروالي ، ومن ذلك ما يلي :
1- أن وثيقة النهروالي قد كتبت بعد مرور ثمانين عاماً تقريباً من وصول البرتغاليين إلى الهند.
2- أن وثيقة النهروالي تتعارض مع ثناء أمير البحر العثماني علي بن الحسين الملقب (بعلي شلبي) على البحار أحمد بن ماجد ، ولا يتهمه بإرشاد الفرنج. وقد كان الأميرال علي شلبي هو قائد الحملة العثمانية ضد البرتغاليين في خليج عمان ، وهو الذي أمر بترجمة كتاب (المحيط) لأحمد بن ماجد ، وقد كان ذلك قبل تأليف النهروالي كتابه (البرق اليماني) بربع قرن.
3- وهذه النقطة قد أضافها الدكتور سلطان القاسمي : (هناك كتاب ، ربما لم يطلع عليه الأستاذ إبراهيم خوري ، وهو "تحفة المجاهدين في ذكر أحوال البرتغال الملاعين" لزين الدين المعبري المليباري المتوفى بعد سنة 991هـ ، وهو معاصر للنهروالي ؛ فلم يذكر المليباري أي شيء عن أحمد بن ماجد؛ ولكن للأسف عندما قام ... [ محقق الكتاب ] بتحقيقه والتعليق عليه، زج باسم أحمد بن ماجد في التعليقات والشروح).
المحور الثالث : وفي هذا المحور قام الدكتور سلطان القاسمي ، بنسف هذه التهمة بالكلية ، حيث تمكن بعد جهود مضنية ، من الحصول على يوميات الرحلة التي قام بها (فاسكو داجاما) ، ومخطوطة هذه اليوميات كانت في الأصل تخص دير (سانتا كروز) في مدينة (كويمبرا) في البرتغال ، وقد نقلت مع مخطوطات ثمينة أخرى إلى المكتبة العامة في مدينة (أوبورتو) في البرتغال.
وعن مخطوطة اليوميات يواصل الدكتور سلطان القاسمي كلامه بقوله : (إن الفضل في نشر مخطوطة اليوميات يرجع للسيدين "ديوغو كوبك" والدكتور "انطونيو داكوستا بايفا"... وقد ذكر "كوبك" في نشره للمخطوطة أنه لا توجد رواية قد كتبت قط ، وأن ما قدمه "فاسكو داجاما" لا يعدو إلا تقارير رسمية عن الحوادث التي قابلها... لقد توصل "كوبك" إلى مؤلف يوميات الرحلة وهو "ألفارو فيلهو" الجندي الذي كان على السفينة "أس . رافائيل" والتي كانت بقيادة "بولو داجاما" شقيق "فاسكو داجاما").
ويواصل الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حديثه عن يوميات تلك الرحلة فيقول : (ما يهمنا من تلك المخطوطة هو المرحلة الأخيرة من تلك الرحلة ، من الساحل الشرقي الأفريقي إلى ساحل الهند الغربي ، وقد ألحقتُ ذلك الجزء من المخطوطة بهذه الدراسة ، ووضعت له ترجمة عربية ، وأخرى إنجليزية).
بعد ذلك قام الدكتور سلطان القاسمي ، بذكر دليل براءة أحمد بن ماجد ، بإيراده للفقرة الخاصة بالشخص الذي أرشد "فاسكو داجاما" من خلال تلك اليوميات. وفيما يلي النص المترجم لتلك الفقرة :
( في يوم الأحد التالي ، والذي صادف 22 أبريل ، صعد أمين سر الملك ] أي الحاكم المسلم في مدينة مالندي[ من السفينة ظافرة إلى ظهر السفينة ]التي يوجد بها فاسكو داجاما[ ، ولأنه لم يكن أحد قد اقترب من سفننا خلال اليومين السابقين ، فقد قام القائد ]أي فاسكو داجاما[ باعتقاله ، وأرسل إلى الملك طالباً منه إرسال المرشدين الذين وعد بإرسالهم إليه. وفور تسلم الملك الرسالة أرسل له مرشداً مسيحياً ، فأطلق القائد بعدئذ سراح الرجل النبيل الذي كان قد احتجزه في سفينته،ولقد سررنا كثيراً بالمرشد المسيحي الذي أرسله الملك لنا).
وهنا أحب أن أشير إلى قضية مهمة تتعلق بالحكام المسلمين في شرق إفريقيا ، الذين أبدوا شيئاً من التعاون مع الصليبيين بقيادة (فاسكو داجاما) وهي عدم إلمامهم بالمشروع الصليبي البرتغالي الذي يرمي إلى تطويق المسلمين ، وخنقهم اقتصادياً ،هذا فضلاً
عن أن (فاسكو داجاما) قد مارس معهم شتى أنواع التهديد والابتزاز ، خاصة الاستيلاء على السفن المدنية المحملة بالركاب المسلمين، وأسرهم ، ومن ثم المساومة عليهم ، من أجل إمداده بما يريد من معلومات ، وتموين. ومن ذلك ما حصل مع أحد الحكام المسلمين في مدينة (مالندي) القريبة من مدينة (ممباسا) على سواحل (كينيا) وهي المدينة التي أخذ منها (فاسكو داجاما) المرشد البحري الذي قاده عبر المحيط إلى الهند.
وقد ختم الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بحثه بقوله :
( وبذلك يكون مرشد "فاسكو داجاما" في رحلته من الساحل الأفريقي إلى الهند، مسيحياً غجراتياً).
وفي ختام هذا العرض للبحث القيم الذي أتحف به المكتبة العربية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي جزاه الله خيراً أود أن أشير إلى أن ما يسمى - زوراً وبهتاناً - بالكشوف الجغرافية الأوروبية، ما هو إلا رأس حربة للموجة الجديدة من الحملات الصليبية الأوروبية على العالم الإسلامي الذي لا زالت تعاني منه الأمة الإسلامية إلى الآن..؟
لكم تحيات
ماجد البلوي