معتز الشمالي
07-09-2013, 09:30 PM
كم هو جميل أن نحظى برحلةٍ كهذه..على الرغم من تكرارها..إلا أن لها هذه المرة طعماً آخر..فلقد قطعنا الوعود تلو الوعود وعقدنا الأمنيات تلو الأمنيات بأن نستفيد من رحلتنا هذه قدر المستطاع..ففي المرة السابقة..لم نحسن التصرف..وانتهت رحلتنا كما بدأت..فلم نستفد..ولم نستمتع..لذا كان لزاماً علينا أن نتجاوز أخطائنا التي ارتكبناها وأن نحاول ألا نعيدها مرة أخرى..
أخذ ربان السفينة بالنداء للطاقم للإستعداد للإبحار..فلقد حانت الرحلة..نظرة سريعة للإطمئنان على أن جميع الأمور تسير على مايرام..انفردت الأشرعة..واندفعت السفينة..تمخر عباب البحر..فيالروعة انطلاقتها..وهي تشمر عن ساعديها تلاطم الأمواج ..وتلكمها..فكأنها في صراعٍ معها..وبالرغم من ذلك ..إلا أنها تداعبها .. وتحاكيها. بنبرة الواثق: سأبحر فوق ظهرِك..وسأرشف مائك المالح..شئت أم أبيت..!!..
مرت الرحلة في بدايتها بسلام..الكل متفائل برحلة جميلة..يسودها الأمن..وتردد أنغامها طيور النورس التي أبت إلا أن تشارك الجميع روعة الأجواء..نظر قبطان السفينة الى خريطته البحرية..وهو يقيس حجم مسافة الرحلة..أدار برأسه ..وأخذ يفرك ذقنه..ويعبث بشعر لحيته الكث..فأومأ برأسه محدثاً نفسه..وطوى خريطته ووضعها جانباً..ثم اتجه الى سطح السفينة..وقال منادياً: ياقوم..ارعوني سمعكم..فاشرأبت أعناق الطاقم تجاه صوت قبطانهم..فاستطرد قائلاً: بعد دراستي لخط سير سفينتنا..وقياس المسافة لرحلتنا هذه..قررت بأن أقسم رحلتنا الى ثلاثة أقسام..القسم الأول هو مرسانا الذي ابحرنا منه..والقسم الثاني مرفأ يبعد عن مرسانا الأول مسافة عشرة أيام.والقسم الثالث..والذي سيكون خاتمة رحلتنا.ستفصله عن المرفأ الثاني مسافة عشرة أيام..لذا..وددت بأن أطلعكم على خطة سيرنا هذه..قال هذه الكلمات وقفل راجعاً الى مقصورته..وكأنه يخبرنا بأن هذا الأمر سيكون رغماً عنا..فلا جدوى من مناقشتنا له ..
لم يكن وقع كلمات القبطان على أسماع الطاقم مشابهاً لبعضه..فبعضهم استكثر المدة..وبعضهم سعيد بذلك..وبعضهم لم يكترث سواءً قصرت الرحلة أو طالت..فسيقضي رحلته نائماً في مقصورته..
مر اليوم الأول..الفئة السعيدة بقرار القبطان قضته في همةٍ ونشاط..فهذا يفرد الأشرعة..وهذا ينظف السفينة..وهذا يرتبها..وآخر يساعد قبطانها..الكل في حركة دؤوب..وهمة عالية..وعزيمة قوية..لم تغرب شمس هذا اليوم الا والكل قائم بمهمته..ومؤديها على اتم وجه..نظر أصحاب الفئة الممتعضة لهؤلاء القوم..فقال بعضهم: يا أيها الحمقى..هاقد مر اليوم ونحن في سخطٍ على المدة التي سوف نقضيها في رحلتنا هذه..لم نستفد شيء..إلا بتقطب الجبين..ونرفزة الاعصاب..فلم نزداد الا غماً..فغر أحدهم فاه متسائلاً: وماذا تريدنا ان نفعل يا صاحب الرأي الحصيف؟..فرد عليه مباشرةً: من الغد..سنعمل مع القوم..ونساعدهم..بالنسبة الي..لا أستطيع أن أطوي يداي على بعضهما وأنا أراقب همة القوم ونشاطهم..فلا بد من أن أكون معهم..هذا هو قراري النهائي الذي لارجعة فيه..فمن منكم يساندني؟!!..ساد الصمت برهةً.. والقوم يديرون بأبصارهم بينهم..وصاحبهم ينظر اليهم..ينتظر منهم أن يجاوبوه..رفع أحدهم بصره اليه..وقال.: حسناً..وهو كذلك..سأكون معك..تهللت أسارير صاحبه..ونظر اليه نظرة الممتن ..وهو يدير براسه الى البقية..وكأنه يستجديهم عطفهم..فقال آخر: أنا كذلك..سأكون معكم..وقال الذي بجانبه : وأنا أيضاً..وما لبث أن بدأ الحماس يدب في نفوس البقية..فأخذ الكل يسابق صاحبه في إعلان إنضمامه مع صاحبهم..حتى أعلنوا عن بكرة أبيهم رغبتهم الاكيدة في أن يبدئوا يومهم التالي في همة ونشاط..
أما الذين لم يكترثوا ..فلقد أمضوا يومهم في خوض مسابقةٍ لاعلى صوت شخيرٍ بينهم..فلم يروا صبح ذلك اليوم..ولم يلقوا التحية الى شمس ظهره..ولم يودعوها وهي غارقة في أفق البحر..حتى إذا خيم الليل.. واطبق على البحر بنواجذه..بدأوا بالإستيقاظ فرداً فرداً..وكأنهم ضمن روزنامة زمنية.. تجري وفق مخطط زمني دقيق..حتى إذا افاقوا..قال احدهم..: آآآي..لقد آلمني ظهري..فرد عليه صاحبه..: حسناً..اخلد الى النوم مرة أخرى..فأنا اعتقد بانك لم تنم بما فيه الكفاية..وهذ الذي يجعلك تشعر بالم في ظهرك..لم يستوعب صاحبه الكلام الذي قيل له..فعيناه مازالتا ملتصقتين ببعضهما..ولكنه أجابه وهو يفرك عينيه : صدقت..ولكن ..!! أشعر باني أحتاج الى بعض الطعام..فأنا جائع...لم ينتهي صاحبنا من نطق كلمة جائع حتى انفتحت الأعين المغلقة.. مخلفةً رموش اصحابها على وجناتهم..: ماذا؟ طعام؟..أين؟!!فاستدركوا الأمر..وأيقنوا بانهم في حاجة ملحةِ الى تناول بعض الطعام..فوثبوا من فورهم وهم يتسابقون الى مطبخ السفينة..فلما دخلوه..لم تمض سوى هنيهات قليلة..إلا وكأن سرباً من الجراد قد هجم على حقلٍ من الذرة..فلم يتركوا دسماً ولا ناشفاً الا واتوا عليه..بإخلاص نادرٍ.. وهمة عالية..أكملوا واجبهم..والعرق يقطر منهم قطراً..ويبلل ملابسهم..فكأنهم للتو قد ركضوا مسافة خمسة اميال ..ولم يدر القوم بانهم ركضوا بأرجل بطونهم مسافة تزيد على الالف ميل..!!وهذا سبب تعرقهم وشعورهم بالظمأ..
وبعد ليلة عنفوانية مع انواع الطعام والشراب..أخذوا يجرون ارجلهم بثقلٍ وكسل..وهم بين تأوهٍ وتجشؤ..زائغةً أبصارهم..كالحة وجوههم..بطيئة أنفاسهم..أخذوا بالإنحدار تجاه أسرتهم..فلهم معها واجبٌ لم يكملوه في ليلتهم السابقة..ولعلهم أن ينيخوا ركاب بطونهم.. ويتركوها تتأرجح معهم..فلم تعد بطونهم ذلك الجزء الملتصق من اجسادهم..فكل بطن اصبح له كينونته الخاصة..واستقلاليته المنفردة..مما يحتم على أن يصبح لكل بطن سرير مستقل له..بجانب صاحبه..
مرت العشرة أيام الاولى..ووصلت السفينة الى مرساها الثاني بأمن وسلام..لم يشعر الجميع بمدة الرحلة..فلقد كانت جميلة..هادئة..قبطانها ادار دفتها بحنكة وفطنة.. .أصحاب الهمة العالية ازداد عددهم..حتى أضحى الطاقم الى فريقين ..فريق رشيق..والآخر يغط في سبات عميق..مرت الأيام العشر..ولكن البعض ممن كان ممتعضاَ ..وبعد ان عمل مع القوم..ارتابه شعور من الملل..فقال في نفسه: الكل يعمل هنا..والعمل يسير على اتم وجه وأكمله..ومعنا في سفينتنا من لاهم له سوى النوم والأكل..!!والسفينة تجري بدونهم..وأنا فرد واحد..ولا أعتقد من ان أصحابي بحاجة الي..!!!
..يتبع..
أخذ ربان السفينة بالنداء للطاقم للإستعداد للإبحار..فلقد حانت الرحلة..نظرة سريعة للإطمئنان على أن جميع الأمور تسير على مايرام..انفردت الأشرعة..واندفعت السفينة..تمخر عباب البحر..فيالروعة انطلاقتها..وهي تشمر عن ساعديها تلاطم الأمواج ..وتلكمها..فكأنها في صراعٍ معها..وبالرغم من ذلك ..إلا أنها تداعبها .. وتحاكيها. بنبرة الواثق: سأبحر فوق ظهرِك..وسأرشف مائك المالح..شئت أم أبيت..!!..
مرت الرحلة في بدايتها بسلام..الكل متفائل برحلة جميلة..يسودها الأمن..وتردد أنغامها طيور النورس التي أبت إلا أن تشارك الجميع روعة الأجواء..نظر قبطان السفينة الى خريطته البحرية..وهو يقيس حجم مسافة الرحلة..أدار برأسه ..وأخذ يفرك ذقنه..ويعبث بشعر لحيته الكث..فأومأ برأسه محدثاً نفسه..وطوى خريطته ووضعها جانباً..ثم اتجه الى سطح السفينة..وقال منادياً: ياقوم..ارعوني سمعكم..فاشرأبت أعناق الطاقم تجاه صوت قبطانهم..فاستطرد قائلاً: بعد دراستي لخط سير سفينتنا..وقياس المسافة لرحلتنا هذه..قررت بأن أقسم رحلتنا الى ثلاثة أقسام..القسم الأول هو مرسانا الذي ابحرنا منه..والقسم الثاني مرفأ يبعد عن مرسانا الأول مسافة عشرة أيام.والقسم الثالث..والذي سيكون خاتمة رحلتنا.ستفصله عن المرفأ الثاني مسافة عشرة أيام..لذا..وددت بأن أطلعكم على خطة سيرنا هذه..قال هذه الكلمات وقفل راجعاً الى مقصورته..وكأنه يخبرنا بأن هذا الأمر سيكون رغماً عنا..فلا جدوى من مناقشتنا له ..
لم يكن وقع كلمات القبطان على أسماع الطاقم مشابهاً لبعضه..فبعضهم استكثر المدة..وبعضهم سعيد بذلك..وبعضهم لم يكترث سواءً قصرت الرحلة أو طالت..فسيقضي رحلته نائماً في مقصورته..
مر اليوم الأول..الفئة السعيدة بقرار القبطان قضته في همةٍ ونشاط..فهذا يفرد الأشرعة..وهذا ينظف السفينة..وهذا يرتبها..وآخر يساعد قبطانها..الكل في حركة دؤوب..وهمة عالية..وعزيمة قوية..لم تغرب شمس هذا اليوم الا والكل قائم بمهمته..ومؤديها على اتم وجه..نظر أصحاب الفئة الممتعضة لهؤلاء القوم..فقال بعضهم: يا أيها الحمقى..هاقد مر اليوم ونحن في سخطٍ على المدة التي سوف نقضيها في رحلتنا هذه..لم نستفد شيء..إلا بتقطب الجبين..ونرفزة الاعصاب..فلم نزداد الا غماً..فغر أحدهم فاه متسائلاً: وماذا تريدنا ان نفعل يا صاحب الرأي الحصيف؟..فرد عليه مباشرةً: من الغد..سنعمل مع القوم..ونساعدهم..بالنسبة الي..لا أستطيع أن أطوي يداي على بعضهما وأنا أراقب همة القوم ونشاطهم..فلا بد من أن أكون معهم..هذا هو قراري النهائي الذي لارجعة فيه..فمن منكم يساندني؟!!..ساد الصمت برهةً.. والقوم يديرون بأبصارهم بينهم..وصاحبهم ينظر اليهم..ينتظر منهم أن يجاوبوه..رفع أحدهم بصره اليه..وقال.: حسناً..وهو كذلك..سأكون معك..تهللت أسارير صاحبه..ونظر اليه نظرة الممتن ..وهو يدير براسه الى البقية..وكأنه يستجديهم عطفهم..فقال آخر: أنا كذلك..سأكون معكم..وقال الذي بجانبه : وأنا أيضاً..وما لبث أن بدأ الحماس يدب في نفوس البقية..فأخذ الكل يسابق صاحبه في إعلان إنضمامه مع صاحبهم..حتى أعلنوا عن بكرة أبيهم رغبتهم الاكيدة في أن يبدئوا يومهم التالي في همة ونشاط..
أما الذين لم يكترثوا ..فلقد أمضوا يومهم في خوض مسابقةٍ لاعلى صوت شخيرٍ بينهم..فلم يروا صبح ذلك اليوم..ولم يلقوا التحية الى شمس ظهره..ولم يودعوها وهي غارقة في أفق البحر..حتى إذا خيم الليل.. واطبق على البحر بنواجذه..بدأوا بالإستيقاظ فرداً فرداً..وكأنهم ضمن روزنامة زمنية.. تجري وفق مخطط زمني دقيق..حتى إذا افاقوا..قال احدهم..: آآآي..لقد آلمني ظهري..فرد عليه صاحبه..: حسناً..اخلد الى النوم مرة أخرى..فأنا اعتقد بانك لم تنم بما فيه الكفاية..وهذ الذي يجعلك تشعر بالم في ظهرك..لم يستوعب صاحبه الكلام الذي قيل له..فعيناه مازالتا ملتصقتين ببعضهما..ولكنه أجابه وهو يفرك عينيه : صدقت..ولكن ..!! أشعر باني أحتاج الى بعض الطعام..فأنا جائع...لم ينتهي صاحبنا من نطق كلمة جائع حتى انفتحت الأعين المغلقة.. مخلفةً رموش اصحابها على وجناتهم..: ماذا؟ طعام؟..أين؟!!فاستدركوا الأمر..وأيقنوا بانهم في حاجة ملحةِ الى تناول بعض الطعام..فوثبوا من فورهم وهم يتسابقون الى مطبخ السفينة..فلما دخلوه..لم تمض سوى هنيهات قليلة..إلا وكأن سرباً من الجراد قد هجم على حقلٍ من الذرة..فلم يتركوا دسماً ولا ناشفاً الا واتوا عليه..بإخلاص نادرٍ.. وهمة عالية..أكملوا واجبهم..والعرق يقطر منهم قطراً..ويبلل ملابسهم..فكأنهم للتو قد ركضوا مسافة خمسة اميال ..ولم يدر القوم بانهم ركضوا بأرجل بطونهم مسافة تزيد على الالف ميل..!!وهذا سبب تعرقهم وشعورهم بالظمأ..
وبعد ليلة عنفوانية مع انواع الطعام والشراب..أخذوا يجرون ارجلهم بثقلٍ وكسل..وهم بين تأوهٍ وتجشؤ..زائغةً أبصارهم..كالحة وجوههم..بطيئة أنفاسهم..أخذوا بالإنحدار تجاه أسرتهم..فلهم معها واجبٌ لم يكملوه في ليلتهم السابقة..ولعلهم أن ينيخوا ركاب بطونهم.. ويتركوها تتأرجح معهم..فلم تعد بطونهم ذلك الجزء الملتصق من اجسادهم..فكل بطن اصبح له كينونته الخاصة..واستقلاليته المنفردة..مما يحتم على أن يصبح لكل بطن سرير مستقل له..بجانب صاحبه..
مرت العشرة أيام الاولى..ووصلت السفينة الى مرساها الثاني بأمن وسلام..لم يشعر الجميع بمدة الرحلة..فلقد كانت جميلة..هادئة..قبطانها ادار دفتها بحنكة وفطنة.. .أصحاب الهمة العالية ازداد عددهم..حتى أضحى الطاقم الى فريقين ..فريق رشيق..والآخر يغط في سبات عميق..مرت الأيام العشر..ولكن البعض ممن كان ممتعضاَ ..وبعد ان عمل مع القوم..ارتابه شعور من الملل..فقال في نفسه: الكل يعمل هنا..والعمل يسير على اتم وجه وأكمله..ومعنا في سفينتنا من لاهم له سوى النوم والأكل..!!والسفينة تجري بدونهم..وأنا فرد واحد..ولا أعتقد من ان أصحابي بحاجة الي..!!!
..يتبع..