سحاب
12-10-2005, 07:49 AM
متى نخرج من شرك الاقتصاد الريعي؟
كتب الدكتور. مقبل صالح أحمد الذكير
استاذ الاقتصاد . جامعة الملك عبدالعزيز
يدلنا التاريخ الاقتصادي أن القرن التاسع عشر كان قرن "بريطانيا العظمى" كقوة اقتصادية عالمية رائدة. وقد بلغت بريطانيا تلك المنزلة آنذاك لتوافرها على مورد طبيعي مهم "الفحم" ولسبقها في تقنية ذاك الزمان "الآلة البخارية، دولاب الغزل، وفرن بسمر للصلب"، لكن بريطانيا لم تحافظ على المقدمة مع بداية القرن العشرين، لأنها تجاهلت حقيقة الانحسار العام في منتجاتها من الصناعات التحويلية، ولم تحفل كثيرا بما يفعله المنافسون الجدد في بقية أنحاء العالم.
وسيذكر التاريخ أن القرن العشرين هو قرن الولايات المتحدة كقوة اقتصادية رائدة، لتمتعها بموارد طبيعية هائلة ورخيصة، ولسلامة أصولها الرأسمالية من آثار الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولبنائها واستحواذها على أعظم النظم التعليمية! مما جعل الدخل الفردي الحقيقي فيها هو الأعلى في العالم خلال القرن العشرين، على الرغم من المنافسة الجادة التي أبدتهما ألمانيا واليابان في العقود الأخيرة.
لكن ما كان صحيحا في الماضي لا يشترط أن يظل كذلك في الحاضر، إذ لم يعد توافر الموارد الطبيعية طريقا مضمونا للثراء لأي مجتمع، بل حتى التقنية انقلبت فيها الأمور رأسا على عقب، إذ ما عادت القدرة على تصنيع منتجات جديدة هي العامل الأول في المنافسة، بل الثاني. ومع أن الدول اليوم تتنافس على تسويق المعرفة المكثفة التي تحول الموارد الطبيعية إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية، إلا أن العامل الأول والحاسم في المنافسة أصبح هو المنهج التقني "التكنولوجي" أو تطوير العمليات التكنولوجية.
لقد أضحى جليا يوما بعد آخر أن مستوى التعليم ونوعية المهارات المكتسبة ستقوم بالدور الحاسم في مسألة التنافس العالمي في القرن الحادي والعشرين. والمراقبون يعتقدون أن الصناعات المربحة والرائدة في القرن الحالي ستنحصر تقريبا في سبع مجالات: الإلكترونيات الدقيقة، التكنولوجيا الحيوية، صناعة المواد الجديدة، الاتصالات السلكية واللاسلكية، الطيران المدني، الإنسان الآلي والآلات الصناعية، الحاسبات الآلية وبرامج التشغيل. والناظر يرى أن هذه الصناعات تعتمد في استحواذها على "العقل" وليس على توافر الموارد الطبيعية. ليس هذا فقط، بل إن النجاح اليوم لن يكون من نصيب من يبتكر منتجات جديدة بقدر ما سيكون لمن يملك ناصية المنهج التكنولوجي أو القدرة على تطوير عمليات التكنولوجيا.
خلال العقود الخمسة الماضية أنفق الأمريكان ثلثي أموال البحث والتطوير على "المنتجات" الجديدة، والثلث فقط على "العمليات" الجديدة. وقام اليابانيون بعمل العكس تماما، إذ أنفقوا الثلث على "المنتجات" الجديدة والثلثين على "العمليات" التكنولوجية الجديدة.
كانت استراتيجية أمريكا ناجحة قبل 50 عاما، لأنها امتلكت الريادة في تقنية المنتجات الجديدة ولم يكن هناك منافسون أقوياء، لكن عندما دخلت اليابان ساحة المنافسة ركزت جهودها على بحوث تطوير العمليات التكنولوجية وهذا مكّنها الآن من كسب السباق. انظر مثلا إلى ثلاثة منتجات جديدة دخلت إلى الأسواق الاستهلاكية في العقدين الأخيرين مثل: كاميرات ومسجلات الفيديو، الفاكس، والأسطوانات المدمجة CD.
لقد اخترع الأمريكان الفيديو والفاكس، بينما اخترع الهولنديون الأسطوانات المدمجة، لكن جميع هذه المنتجات الثلاثة أصبحت منتجات يابانية سواء من حيث المبيعات أو العمالة أو الأرباح.
وحدث الشيء ذاته بين أمريكا واليابان في صناعة الصلب، فالأمريكان لم يستثمروا قبل 30 عاما في أفران الأوكسجين وعمليات الصب المستمر ولا في إدخال المراقبة بالحاسبات الآلية، بينما فعل اليابانيون ذلك، لذلك يرى المراقبون أن صناعة الصلب اليابانية أصبحت متقدمة على الأمريكية بنحو سبع سنوات، ما كلف الأمريكان فقد جزء كبير من السوق.
والمغزى واضح: من يستطع أن يطور بحوث العمليات لينتج السلع بتكلفة أقل سيكون بمقدوره انتزاعها من مخترعها.
وتكررت القصة نفسها في صناعة برامج الكومبيوتر Software Industry، فقد نجحت الهند وهي ذات متوسط دخل فردى منخفض من مزاحمة دهاقنة هذه الصناعة في العالم. وأصبحت كبرى الشركات العالمية تتسابق صوب قريتي "بنجالور" و"بونا" في الهند للحصول على هذه الخدمات بدلا من ضاحية وادي السيلكون في كاليفورنيا. والعلة واضحة مرة أخرى، فإن تدافع الشركات العالمية صوب القرية الإلكترونية الهندية سببه أن العاملين في هذه القرية تخرجوا من جامعات هندية رفيعة المستوى، يجيد المتخرج منها علوم التقنية الحديثة ويفهم اللغة العالمية السائدة، والأهم أنهم أرخص تكلفة من نظرائهم في الدول الصناعية. وهذا ما حدا بالمتحدث باسم شركة الخطوط السويسرية هانس كرومر للقول: إن سبب ذهابنا للهند هو أننا بالأجر الذي ندفعه للسويسري نستطيع تشغيل ثلاثة هنود لإنجاز أعمالنا.
كان ولا يزالهدفنا القديم والمتكرر في كل خطط التنمية الثمانية هو تنويع مصادر الدخل.
إن منأهم طرق تنويع مصادر الدخل على الأمد الطويل الاستثمار في التعليم من خلال برامجمحددة وموصوفة بدقة، وليس فقط من خلال اعتماد نفقات إضافية سنوية لمؤسسات تعليميةتقليدية قائمة. إن الاستثمار في التعليم يقتضى أن تكون لدينا رؤية واضحة لنوعيةالتعليم المناسب لعالمنا المعاصر. ومن يتأمل صناعات المنافسة العالمية السبعالمذكورة أعلاه، يرى كم نحن بحاجة إلى مؤسسات تعليمية تكنولوجية راقية تستطيع أنتستقطب أفضل خريجي الثانوية العامة من أبنائنا. بحيث تركز برامجها التعليمية علىمواد التكنولوجيا الحديثة دون الغث مما تحفل به برامج التعليم العالي في جامعاتنا،وأن تتم الدراسة فيها باللغة العالمية، وأن تدار بكفاءة عالية وبشفافية وبصورةمستقلة عن الروتين الحكومي، من خلال اتفاقيات تعاون مع أرقى المعاهد والجامعاتالتكنولوجية العالمية، وأن تستقطب لها الكفاءات العالية جدا، محلية كانت أمأجنبية.
وعند إعادة النظر في نظامنا التعليمي يمكن أن نستفيد من تجربة اليابانالتي تملك أفضل نظام تعليمي للصفوف الـ 12 الأولى "التعليم العام"، ومن تجربةأمريكا التي لديها أفضل نظام تعليمي جامعي.
لقد أدركت بعض دول الجوار الأهمية القصوى لمسألة الاستثمار في التعليم فعمدت إلى استثمار عوائد النفط المتزايدة في الفترة الأخيرة في برامج طموحة من هذا القبيل، فهي تخطط لإقامة مدن تعليمية وأخرى صحية كبيرة لتسوق الفائض من هذه الخدمات للراغبين من سكان دول المنطقة. وهو مشروع طموح وخلاق، فبالإضافة لتأهيل القادرين من أبنائها فإن تسويق خدمات هذه المدن التعليمية والصحية سيعمل على تنويع مصادر دخلها جنبا إلى جنب مع مشروعها الطموح الآخر في مجال الغاز الطبيعي، ما سيجعل من هذه الإمارة الصغيرة منطقة جذب تعليمي وصحي.
وفي العقود الأخيرة لاحظنا تراخي في نوعية برامج التعليم الطموحة في بلادنا، على الرغم من أننا كنا السباقين في هذا المجال في منتصف الستينيات ميلادي من القرن العشرين من خلال كلية البترول والمعادن. وكأن مسألة التعليم أضحت قضية ترفيهية كمالية تتأخر عندنا في ترتيب أولويات خطط الإنفاق العام، بل إن عوائق البيروقراطية الحكومية كبّلت حتى محاولات القطاع الخاص ولوج هذا القطاع الحيوي المهم.
لذا فإن هذه البرامج التعليمية النوعية يجب أن تحظى بعناية خاصة في خطط التنمية لدينا.
أما في الأجل القصير فيجب إعادة إحياء برامج الابتعاث التي لمس الجميع فوائدها وأثرها المفيد على المجتمع خلال العقود الأربعة الماضية، لتسير متوازية وداعمة لهذه الخطة.
لقد بدأت كوريا الجنوبية طريق التنمية في أوائل الستينيات ميلادي من القرن الماضي من اقتصاد زراعي بسيط ومتوسط دخل فردى متدن (230 دولارا في السنة)، وأصبحت اليوم الدولة الثالثة عشر من حيث مستوى مساهمتها في حجم التجارة الدولية. وقد نحت عدد من دول شرق آسيا على المنوال نفسه، وإن كان بدرجات متفاوتة، لكنها جميعها حققت نجاحا ملحوظا في ظرف أربعة عقود حتى أطلق عليها المراقبون مسمى النمور الآسيوية.
إن الصورة التي عليها دول العالم اليوم لن تبقى كما هي، لأن الصورة التي كانت سائدة قبل 50 عاما ليست هي السائدة اليوم. أين كانت الصين والهند في الترتيب العالمي قبل 40 سنة؟ وأين هما الآن؟
لو حكم الناس علىمستقبلهم من خلال حاضرهم ما تقدمت أمة قيد أنملة! إن طريق الألف ميل يبدأ بخطوةمدروسة واحدة.
تحياتي واطيب امنياتي
سحاب
كتب الدكتور. مقبل صالح أحمد الذكير
استاذ الاقتصاد . جامعة الملك عبدالعزيز
يدلنا التاريخ الاقتصادي أن القرن التاسع عشر كان قرن "بريطانيا العظمى" كقوة اقتصادية عالمية رائدة. وقد بلغت بريطانيا تلك المنزلة آنذاك لتوافرها على مورد طبيعي مهم "الفحم" ولسبقها في تقنية ذاك الزمان "الآلة البخارية، دولاب الغزل، وفرن بسمر للصلب"، لكن بريطانيا لم تحافظ على المقدمة مع بداية القرن العشرين، لأنها تجاهلت حقيقة الانحسار العام في منتجاتها من الصناعات التحويلية، ولم تحفل كثيرا بما يفعله المنافسون الجدد في بقية أنحاء العالم.
وسيذكر التاريخ أن القرن العشرين هو قرن الولايات المتحدة كقوة اقتصادية رائدة، لتمتعها بموارد طبيعية هائلة ورخيصة، ولسلامة أصولها الرأسمالية من آثار الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولبنائها واستحواذها على أعظم النظم التعليمية! مما جعل الدخل الفردي الحقيقي فيها هو الأعلى في العالم خلال القرن العشرين، على الرغم من المنافسة الجادة التي أبدتهما ألمانيا واليابان في العقود الأخيرة.
لكن ما كان صحيحا في الماضي لا يشترط أن يظل كذلك في الحاضر، إذ لم يعد توافر الموارد الطبيعية طريقا مضمونا للثراء لأي مجتمع، بل حتى التقنية انقلبت فيها الأمور رأسا على عقب، إذ ما عادت القدرة على تصنيع منتجات جديدة هي العامل الأول في المنافسة، بل الثاني. ومع أن الدول اليوم تتنافس على تسويق المعرفة المكثفة التي تحول الموارد الطبيعية إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية، إلا أن العامل الأول والحاسم في المنافسة أصبح هو المنهج التقني "التكنولوجي" أو تطوير العمليات التكنولوجية.
لقد أضحى جليا يوما بعد آخر أن مستوى التعليم ونوعية المهارات المكتسبة ستقوم بالدور الحاسم في مسألة التنافس العالمي في القرن الحادي والعشرين. والمراقبون يعتقدون أن الصناعات المربحة والرائدة في القرن الحالي ستنحصر تقريبا في سبع مجالات: الإلكترونيات الدقيقة، التكنولوجيا الحيوية، صناعة المواد الجديدة، الاتصالات السلكية واللاسلكية، الطيران المدني، الإنسان الآلي والآلات الصناعية، الحاسبات الآلية وبرامج التشغيل. والناظر يرى أن هذه الصناعات تعتمد في استحواذها على "العقل" وليس على توافر الموارد الطبيعية. ليس هذا فقط، بل إن النجاح اليوم لن يكون من نصيب من يبتكر منتجات جديدة بقدر ما سيكون لمن يملك ناصية المنهج التكنولوجي أو القدرة على تطوير عمليات التكنولوجيا.
خلال العقود الخمسة الماضية أنفق الأمريكان ثلثي أموال البحث والتطوير على "المنتجات" الجديدة، والثلث فقط على "العمليات" الجديدة. وقام اليابانيون بعمل العكس تماما، إذ أنفقوا الثلث على "المنتجات" الجديدة والثلثين على "العمليات" التكنولوجية الجديدة.
كانت استراتيجية أمريكا ناجحة قبل 50 عاما، لأنها امتلكت الريادة في تقنية المنتجات الجديدة ولم يكن هناك منافسون أقوياء، لكن عندما دخلت اليابان ساحة المنافسة ركزت جهودها على بحوث تطوير العمليات التكنولوجية وهذا مكّنها الآن من كسب السباق. انظر مثلا إلى ثلاثة منتجات جديدة دخلت إلى الأسواق الاستهلاكية في العقدين الأخيرين مثل: كاميرات ومسجلات الفيديو، الفاكس، والأسطوانات المدمجة CD.
لقد اخترع الأمريكان الفيديو والفاكس، بينما اخترع الهولنديون الأسطوانات المدمجة، لكن جميع هذه المنتجات الثلاثة أصبحت منتجات يابانية سواء من حيث المبيعات أو العمالة أو الأرباح.
وحدث الشيء ذاته بين أمريكا واليابان في صناعة الصلب، فالأمريكان لم يستثمروا قبل 30 عاما في أفران الأوكسجين وعمليات الصب المستمر ولا في إدخال المراقبة بالحاسبات الآلية، بينما فعل اليابانيون ذلك، لذلك يرى المراقبون أن صناعة الصلب اليابانية أصبحت متقدمة على الأمريكية بنحو سبع سنوات، ما كلف الأمريكان فقد جزء كبير من السوق.
والمغزى واضح: من يستطع أن يطور بحوث العمليات لينتج السلع بتكلفة أقل سيكون بمقدوره انتزاعها من مخترعها.
وتكررت القصة نفسها في صناعة برامج الكومبيوتر Software Industry، فقد نجحت الهند وهي ذات متوسط دخل فردى منخفض من مزاحمة دهاقنة هذه الصناعة في العالم. وأصبحت كبرى الشركات العالمية تتسابق صوب قريتي "بنجالور" و"بونا" في الهند للحصول على هذه الخدمات بدلا من ضاحية وادي السيلكون في كاليفورنيا. والعلة واضحة مرة أخرى، فإن تدافع الشركات العالمية صوب القرية الإلكترونية الهندية سببه أن العاملين في هذه القرية تخرجوا من جامعات هندية رفيعة المستوى، يجيد المتخرج منها علوم التقنية الحديثة ويفهم اللغة العالمية السائدة، والأهم أنهم أرخص تكلفة من نظرائهم في الدول الصناعية. وهذا ما حدا بالمتحدث باسم شركة الخطوط السويسرية هانس كرومر للقول: إن سبب ذهابنا للهند هو أننا بالأجر الذي ندفعه للسويسري نستطيع تشغيل ثلاثة هنود لإنجاز أعمالنا.
كان ولا يزالهدفنا القديم والمتكرر في كل خطط التنمية الثمانية هو تنويع مصادر الدخل.
إن منأهم طرق تنويع مصادر الدخل على الأمد الطويل الاستثمار في التعليم من خلال برامجمحددة وموصوفة بدقة، وليس فقط من خلال اعتماد نفقات إضافية سنوية لمؤسسات تعليميةتقليدية قائمة. إن الاستثمار في التعليم يقتضى أن تكون لدينا رؤية واضحة لنوعيةالتعليم المناسب لعالمنا المعاصر. ومن يتأمل صناعات المنافسة العالمية السبعالمذكورة أعلاه، يرى كم نحن بحاجة إلى مؤسسات تعليمية تكنولوجية راقية تستطيع أنتستقطب أفضل خريجي الثانوية العامة من أبنائنا. بحيث تركز برامجها التعليمية علىمواد التكنولوجيا الحديثة دون الغث مما تحفل به برامج التعليم العالي في جامعاتنا،وأن تتم الدراسة فيها باللغة العالمية، وأن تدار بكفاءة عالية وبشفافية وبصورةمستقلة عن الروتين الحكومي، من خلال اتفاقيات تعاون مع أرقى المعاهد والجامعاتالتكنولوجية العالمية، وأن تستقطب لها الكفاءات العالية جدا، محلية كانت أمأجنبية.
وعند إعادة النظر في نظامنا التعليمي يمكن أن نستفيد من تجربة اليابانالتي تملك أفضل نظام تعليمي للصفوف الـ 12 الأولى "التعليم العام"، ومن تجربةأمريكا التي لديها أفضل نظام تعليمي جامعي.
لقد أدركت بعض دول الجوار الأهمية القصوى لمسألة الاستثمار في التعليم فعمدت إلى استثمار عوائد النفط المتزايدة في الفترة الأخيرة في برامج طموحة من هذا القبيل، فهي تخطط لإقامة مدن تعليمية وأخرى صحية كبيرة لتسوق الفائض من هذه الخدمات للراغبين من سكان دول المنطقة. وهو مشروع طموح وخلاق، فبالإضافة لتأهيل القادرين من أبنائها فإن تسويق خدمات هذه المدن التعليمية والصحية سيعمل على تنويع مصادر دخلها جنبا إلى جنب مع مشروعها الطموح الآخر في مجال الغاز الطبيعي، ما سيجعل من هذه الإمارة الصغيرة منطقة جذب تعليمي وصحي.
وفي العقود الأخيرة لاحظنا تراخي في نوعية برامج التعليم الطموحة في بلادنا، على الرغم من أننا كنا السباقين في هذا المجال في منتصف الستينيات ميلادي من القرن العشرين من خلال كلية البترول والمعادن. وكأن مسألة التعليم أضحت قضية ترفيهية كمالية تتأخر عندنا في ترتيب أولويات خطط الإنفاق العام، بل إن عوائق البيروقراطية الحكومية كبّلت حتى محاولات القطاع الخاص ولوج هذا القطاع الحيوي المهم.
لذا فإن هذه البرامج التعليمية النوعية يجب أن تحظى بعناية خاصة في خطط التنمية لدينا.
أما في الأجل القصير فيجب إعادة إحياء برامج الابتعاث التي لمس الجميع فوائدها وأثرها المفيد على المجتمع خلال العقود الأربعة الماضية، لتسير متوازية وداعمة لهذه الخطة.
لقد بدأت كوريا الجنوبية طريق التنمية في أوائل الستينيات ميلادي من القرن الماضي من اقتصاد زراعي بسيط ومتوسط دخل فردى متدن (230 دولارا في السنة)، وأصبحت اليوم الدولة الثالثة عشر من حيث مستوى مساهمتها في حجم التجارة الدولية. وقد نحت عدد من دول شرق آسيا على المنوال نفسه، وإن كان بدرجات متفاوتة، لكنها جميعها حققت نجاحا ملحوظا في ظرف أربعة عقود حتى أطلق عليها المراقبون مسمى النمور الآسيوية.
إن الصورة التي عليها دول العالم اليوم لن تبقى كما هي، لأن الصورة التي كانت سائدة قبل 50 عاما ليست هي السائدة اليوم. أين كانت الصين والهند في الترتيب العالمي قبل 40 سنة؟ وأين هما الآن؟
لو حكم الناس علىمستقبلهم من خلال حاضرهم ما تقدمت أمة قيد أنملة! إن طريق الألف ميل يبدأ بخطوةمدروسة واحدة.
تحياتي واطيب امنياتي
سحاب