احمد عبد الرحيم
12-18-2013, 02:44 AM
[center]بسم الله الرحمن الرحيم
للورع أربع درجات :
الدرجة الأولى :
ترك المحرّمات : واجتناب المعاصي والمخالفات والتي بارتكابها يقع المرء في الفسوق والعصيان وبسببها يستوجب عذاب النار وتسقط عدالته وتزول مروءته والمحرّمات هي كل ما حرّمته الشريعة المطهرة ويعاقب الله على فعله وتحاسب الشريعة على عمله وهو ورع العدول من المؤمنين
الدرجة الثانية :
اجتناب الشبهات : وهى الأمور المشتبه فيها والتي لم يظهر أمرها واضحا مثل الحلال البيّن الذي حكم الدين بحلّه ولا مثل الحرام البيّن الذي حكم الشرع بحرمته فهي تقع بين الحلال والحرام وتخفى على كثير من المسلمين وإليها الإشارة بالحديث الشريف
{الحلالُ بيّنٌ والحرامُ بيّنٌ وبينَهُمَا مشتَبِهاتٌ لا يعلَمُهَا كثيرٌ منَ الناسِ فمنِ اتَّقَى الشبهاتِ استبرأَ لعرضِهِ ودينِهِ ومنْ وقَعَ في الشبهاتِ وَقَعَ في الحرامِ كالراعي يرعَى حولَ الحِمَى فيوشِكُ أنْ يواقِعَهُ وإنَّ لكلّ مَلِكٍ حمىً وإنَّ حمَى اللَّهِ محارمُهُ}[1]
وهذه الأمور يقع الخلاف بين العلماء المسلمين في حكمها فمنهم من يحلّ ومنهم من يحرّم وقد كان كثير من السلف الصالح يتورع عن فعل هذه الأشياء التي اختلف فيها خوفا من مظنّة الوقوع في الإثم
وفى ذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام وحُكي عن ابن سيرين أنه ترك لشريك له أربعة آلاف درهم لأنه حاك في قلبه شيء مع اتفاق العلماء على أنه لا بأس به
وقد ظهر في هذا العصر صور كثيرة لهذه الشبهات ذكر معظمها الشيخ محمد على سلامة رضي الله عنه في كتابه {قطرات من بحار المعرفة} ومنها على سبيل المثال
{النبيذ، قبلة الرجل لزوجته وهو صائم، سرقة الابن من مال أبيه أو أمه، شهادات الاستثمار (أ، ب )، فوائد البنوك، التأمين على الحياة والتأمين على الكوارث، ثمن الكَلب، العمولة أو السمسرة، بول وروث الحيوانات والطيور التي يؤكل لحمها، لبس جلود السباع و النمور ونحوها من الوحوش، بيع اللبن في الضرع والسمك في الماء والجنين في بطن أمه، والثمار قبل ظهور صلاحها، ما لا يعلم الإنسان أصل ملكيته، بيع التوريه [وهو أن يبيع إنسان لآخر شيئا ما وعند التسليم يسلمه شيئا آخر مشابها له ويقول له كنت أقصد بالبيع هذا الشيء] وبيع العيّنة [وهو أن يبيع تاجر سلعة للمشترى بعشرة جنيهات في ذمته يدفعها له بعد ستة أشهر من تاريخ البيع وقبل انتهاء الأجل اشتراها البائع منه بستة جنيهات مثلا ودفعها فورا إليه عند حلول الأجل] بيع شيء مخلوط بشيء محرم}[2]
كل هذه الأشياء وغيرها من الأشياء التي يتفق العلماء على حكمها واختلفوا في حلّها وتحريمها يتورع المؤمن الطالب لرضوان الله عن إتيانها وإن كان لم يثبت تحريمها وهذا ورع الصالحين
الدرجة الثالثة :
اجتناب المباحات خوفا من الوقوع في المحذورات والورع هنا يكون في شيء أصله حلال ولكنه يتورع عنه خوفا أن يجرّه إلى معصية أو إثم ، ومن ذلك الإقلال من الأكل واستعمال الزينة للمتعزب خوفا من تحرك دواعي الشهوة عنده ومن ذلك أيضا الامتناع عن النظر إلى أثاث ورياش ودور الأغنياء حتى لا يتهيج على العبد الحرص وتدعوه نفسه إلى طلب مثله وربما لا يستطيع الوصول إلى ذلك إلا بارتكاب ما لا يحل ّفي تحصيله
وأيضا الامتناع عن بعض اللهو المباح خوفا من الوقوع في الغفلة عن الله فكل هذه الأشياء مباحة ولا حرمة في فعلها ولكن الذي يتركها إنما يدفعه لذلك خوفا من أن تجرّه إلى ما لا يجوز في حقّه ومما يروى في ذلك أن عمر رضي الله عنه لما ولى الخلافة كانت له زوجة يحبها فطلقها خيفة أن تشير عليه بشفاعة في باطل فيعطيها ويطلب رضاها وهذا كله من باب قوله صلى اله عليه وسلم {لا يَبْلُغُ العبدُ أَنْ يكونَ من المُتَّقِيْنَ حتَّى يَدَعَ ما لا بَأْسَ بِهِ حَذَراً لِمَا بِهِ البَأْسُ}[3]
ومن هنا قالوا لمن أراد الوصول إلى درجة المتقين : لابد من ترك فضول المنام لاغتنام بركات القيام ولابد من ترك فضول الطعام لتحل عليه بركات الطعام ولابد من ترك فضول الكلام اشتغالا بذكر الملك العلام ليتهنى بالإكرام والإنعام ويدخل في معية القوم الكرام جعلنا الله بفضله معهم في الجنة في دار السلام
الدرجة الرابعة :
وهو ورع الصديقين وهم الذين يتورعون عن الدخول في شيء أو تناول شيء لحظّ في أنفسهم أو لشهوة بداخلهم بل كل شيء يأخذونه من الله ويتناولونه بالله ويطلبون به رضا حضرة الله
فالحلال عندهم كل ما لا تتقدم في أسبابه معصية ولا يستعان به على معصية ولا يقصد منه في الحال والمآل قضاء وطر بل يتناول لله تعالى فقط وللتقوّى على عبادته واستبقاء الحياة لأجله وهؤلاء هم الذين يرون كل ما ليس لله حراما امتثالا لقوله تعالى {قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} الأنعام91
وهذه رتبه الموحدين المتجرّدين عن حظوظ أنفسهم المنفردين لله تعالى بالقصد وهؤلاء القوم لا يعملون عملا ولو مباحا إلا إذا استحضروا فيه نية طيبة لله ويتورعون عن القيام بأي عمل لا يسبقه نية لله في فعله
ومن ذلك ما روى عن يحيى بن كثير أنه شرب الدواء فقالت له امرأته لو تمشيت في الدار قليلا حتى يعمل الدواء؟ فقال : هذه مشية لا أعرفها وأنا أحاسب نفسي منذ ثلاثين سنة فكأنه لم تحضره نية في هذه المشية تتعلق بالدين فلم يجز الإقدام عليها
وعن السري رحمة الله أنه قال : انتهيت إلى حشيش في جبل وماء يخرج منه فتناولت من الحشيش وشربت من الماء وقلت في نفسي إن كنت قد أكلت يوما حلالا طيبا فهو هذا اليوم فهتف بي هاتف : إن القوة التي أوصلتك إلى هذا الموضع من أين هي؟ فرجعت وندمت
ومن هذا ما روى عن ذي النون المصري : أنه كان جائعا محبوسا فبعثت إليه امرأة صالحة طعاما حلالا على يد السجان فلم يأكل ثم اعتذر وقال : جاءني على طبق ظالم يعنى أن القوة التي وصّلت الطعام إلىّ لم تكن طيبة وهذه الغاية القصوى في الورع وهكذا تتفاوت المنازل في الآخرة بحسب تفاوت هذه الدرجات في الورع فإذا احتطت فلنفسك وإذا ترخّصت فعلى نفسك
[1] رواه أحمد والبخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه
[2] قطرات من بحار المعرفة للشيخ محمد على سلامة صـ54 وما بعدها
[3] رواه ابن ماجه عن عطية بن سعد
للورع أربع درجات :
الدرجة الأولى :
ترك المحرّمات : واجتناب المعاصي والمخالفات والتي بارتكابها يقع المرء في الفسوق والعصيان وبسببها يستوجب عذاب النار وتسقط عدالته وتزول مروءته والمحرّمات هي كل ما حرّمته الشريعة المطهرة ويعاقب الله على فعله وتحاسب الشريعة على عمله وهو ورع العدول من المؤمنين
الدرجة الثانية :
اجتناب الشبهات : وهى الأمور المشتبه فيها والتي لم يظهر أمرها واضحا مثل الحلال البيّن الذي حكم الدين بحلّه ولا مثل الحرام البيّن الذي حكم الشرع بحرمته فهي تقع بين الحلال والحرام وتخفى على كثير من المسلمين وإليها الإشارة بالحديث الشريف
{الحلالُ بيّنٌ والحرامُ بيّنٌ وبينَهُمَا مشتَبِهاتٌ لا يعلَمُهَا كثيرٌ منَ الناسِ فمنِ اتَّقَى الشبهاتِ استبرأَ لعرضِهِ ودينِهِ ومنْ وقَعَ في الشبهاتِ وَقَعَ في الحرامِ كالراعي يرعَى حولَ الحِمَى فيوشِكُ أنْ يواقِعَهُ وإنَّ لكلّ مَلِكٍ حمىً وإنَّ حمَى اللَّهِ محارمُهُ}[1]
وهذه الأمور يقع الخلاف بين العلماء المسلمين في حكمها فمنهم من يحلّ ومنهم من يحرّم وقد كان كثير من السلف الصالح يتورع عن فعل هذه الأشياء التي اختلف فيها خوفا من مظنّة الوقوع في الإثم
وفى ذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام وحُكي عن ابن سيرين أنه ترك لشريك له أربعة آلاف درهم لأنه حاك في قلبه شيء مع اتفاق العلماء على أنه لا بأس به
وقد ظهر في هذا العصر صور كثيرة لهذه الشبهات ذكر معظمها الشيخ محمد على سلامة رضي الله عنه في كتابه {قطرات من بحار المعرفة} ومنها على سبيل المثال
{النبيذ، قبلة الرجل لزوجته وهو صائم، سرقة الابن من مال أبيه أو أمه، شهادات الاستثمار (أ، ب )، فوائد البنوك، التأمين على الحياة والتأمين على الكوارث، ثمن الكَلب، العمولة أو السمسرة، بول وروث الحيوانات والطيور التي يؤكل لحمها، لبس جلود السباع و النمور ونحوها من الوحوش، بيع اللبن في الضرع والسمك في الماء والجنين في بطن أمه، والثمار قبل ظهور صلاحها، ما لا يعلم الإنسان أصل ملكيته، بيع التوريه [وهو أن يبيع إنسان لآخر شيئا ما وعند التسليم يسلمه شيئا آخر مشابها له ويقول له كنت أقصد بالبيع هذا الشيء] وبيع العيّنة [وهو أن يبيع تاجر سلعة للمشترى بعشرة جنيهات في ذمته يدفعها له بعد ستة أشهر من تاريخ البيع وقبل انتهاء الأجل اشتراها البائع منه بستة جنيهات مثلا ودفعها فورا إليه عند حلول الأجل] بيع شيء مخلوط بشيء محرم}[2]
كل هذه الأشياء وغيرها من الأشياء التي يتفق العلماء على حكمها واختلفوا في حلّها وتحريمها يتورع المؤمن الطالب لرضوان الله عن إتيانها وإن كان لم يثبت تحريمها وهذا ورع الصالحين
الدرجة الثالثة :
اجتناب المباحات خوفا من الوقوع في المحذورات والورع هنا يكون في شيء أصله حلال ولكنه يتورع عنه خوفا أن يجرّه إلى معصية أو إثم ، ومن ذلك الإقلال من الأكل واستعمال الزينة للمتعزب خوفا من تحرك دواعي الشهوة عنده ومن ذلك أيضا الامتناع عن النظر إلى أثاث ورياش ودور الأغنياء حتى لا يتهيج على العبد الحرص وتدعوه نفسه إلى طلب مثله وربما لا يستطيع الوصول إلى ذلك إلا بارتكاب ما لا يحل ّفي تحصيله
وأيضا الامتناع عن بعض اللهو المباح خوفا من الوقوع في الغفلة عن الله فكل هذه الأشياء مباحة ولا حرمة في فعلها ولكن الذي يتركها إنما يدفعه لذلك خوفا من أن تجرّه إلى ما لا يجوز في حقّه ومما يروى في ذلك أن عمر رضي الله عنه لما ولى الخلافة كانت له زوجة يحبها فطلقها خيفة أن تشير عليه بشفاعة في باطل فيعطيها ويطلب رضاها وهذا كله من باب قوله صلى اله عليه وسلم {لا يَبْلُغُ العبدُ أَنْ يكونَ من المُتَّقِيْنَ حتَّى يَدَعَ ما لا بَأْسَ بِهِ حَذَراً لِمَا بِهِ البَأْسُ}[3]
ومن هنا قالوا لمن أراد الوصول إلى درجة المتقين : لابد من ترك فضول المنام لاغتنام بركات القيام ولابد من ترك فضول الطعام لتحل عليه بركات الطعام ولابد من ترك فضول الكلام اشتغالا بذكر الملك العلام ليتهنى بالإكرام والإنعام ويدخل في معية القوم الكرام جعلنا الله بفضله معهم في الجنة في دار السلام
الدرجة الرابعة :
وهو ورع الصديقين وهم الذين يتورعون عن الدخول في شيء أو تناول شيء لحظّ في أنفسهم أو لشهوة بداخلهم بل كل شيء يأخذونه من الله ويتناولونه بالله ويطلبون به رضا حضرة الله
فالحلال عندهم كل ما لا تتقدم في أسبابه معصية ولا يستعان به على معصية ولا يقصد منه في الحال والمآل قضاء وطر بل يتناول لله تعالى فقط وللتقوّى على عبادته واستبقاء الحياة لأجله وهؤلاء هم الذين يرون كل ما ليس لله حراما امتثالا لقوله تعالى {قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} الأنعام91
وهذه رتبه الموحدين المتجرّدين عن حظوظ أنفسهم المنفردين لله تعالى بالقصد وهؤلاء القوم لا يعملون عملا ولو مباحا إلا إذا استحضروا فيه نية طيبة لله ويتورعون عن القيام بأي عمل لا يسبقه نية لله في فعله
ومن ذلك ما روى عن يحيى بن كثير أنه شرب الدواء فقالت له امرأته لو تمشيت في الدار قليلا حتى يعمل الدواء؟ فقال : هذه مشية لا أعرفها وأنا أحاسب نفسي منذ ثلاثين سنة فكأنه لم تحضره نية في هذه المشية تتعلق بالدين فلم يجز الإقدام عليها
وعن السري رحمة الله أنه قال : انتهيت إلى حشيش في جبل وماء يخرج منه فتناولت من الحشيش وشربت من الماء وقلت في نفسي إن كنت قد أكلت يوما حلالا طيبا فهو هذا اليوم فهتف بي هاتف : إن القوة التي أوصلتك إلى هذا الموضع من أين هي؟ فرجعت وندمت
ومن هذا ما روى عن ذي النون المصري : أنه كان جائعا محبوسا فبعثت إليه امرأة صالحة طعاما حلالا على يد السجان فلم يأكل ثم اعتذر وقال : جاءني على طبق ظالم يعنى أن القوة التي وصّلت الطعام إلىّ لم تكن طيبة وهذه الغاية القصوى في الورع وهكذا تتفاوت المنازل في الآخرة بحسب تفاوت هذه الدرجات في الورع فإذا احتطت فلنفسك وإذا ترخّصت فعلى نفسك
[1] رواه أحمد والبخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه
[2] قطرات من بحار المعرفة للشيخ محمد على سلامة صـ54 وما بعدها
[3] رواه ابن ماجه عن عطية بن سعد