ماجد سليمان البلوي
01-30-2014, 12:20 AM
رحلة الدانماركي (نيبور) الى العراق في القرن الثامن عشر (ح 1)..؟؟
السلام عليكم
القسم الأول
لعل من اقدم الرحلات التي قام بها رجل اوربي الى العراق وادقها واكثرها علمية وقدرة على الغوص في تاريخ واثار وبشر ارض ما بين النهرين هي تلك الرحلة التي قام بها المستكشف الدانماركي ( كارستن نيبور ) بتكليف من ملك الدانمارك والتي امتدت ست سنوات طوال على امتداد الفترة ( 1761 – 1767 ) .
هذه الرحلة العلمية الرائعة ابتدأت من كوبنهاغن ثم استمرت عبر اسطنبول ومصر وجدة واليمن والهند وبعد ذلك عبر بلاد الفارس والعراق والشام .
ان ما هو مذهل في هذه الرحلة ان ذلك الرجل الدقيق والدأووب و المتمسك بقدسية عمله وعلميته استطاع ان يختلط بالناس البسطاء وان يحصل منهم على معلومات ثره عن مناطقهم وعاداتهم وتقاليدهم وسجل كل ذلك بدقة ونزاهة قلً نظيرها .
لقد بلغت الروح العلمية بهذا المستكشف الحريص انه سجل اسماء كل القرى والأنهار على خرائط رسمها خصيصا اضافة الى اسماء العشائر والحكام وطراز حياة الناس وكل شاردة وواردة وكل ما يخطروما لا يخطر على بال احد .
بل يقيس عرض الأنهار ومناسيبها مثل النيل وشط العرب ودجلة والفرات في مختلف المناطق في ذلك الوقت الذي كانت تنعدم فيه الأجهزة والمعدات العلمية الدقيقة كما يقيس خطوط الطول والعرض ودرجات الحرارة الخ .
بل ويسجل اسماء الحكام الحاليين والسابقين في كل بلد حسب ما يحصل عليه من معلومات اضافة الى الأساطير والقصص والحكايات الرائجة عن هؤلاء وغيرهم سواء رجال الدين او الشخصيات الشعبية . وكذلك يرسم الخرائط ورسوم الأبنية والأزياء وكل ما يشاهده من اثار ونقوش وكتابات .
يخرج ( نيبور ) مع مجموعة علمية مرافقة من ميناء ( كوبنهاغن ) في تاريخ 4 كانون الثاني 1761 ولكنه لا يصل الى العراق عن طريق شط العرب والبصرة الا في سنة 1766 وذلك عن طريق جزيرة خرج في الخليج والتي كانت محتلة من قبل الهولنديين .
يقول نيبور ان عدد سكان البصرة كان لا يتجاوز 50 الف نسمة وكان الحاكم هو كريم خان ممثل السلطة التركية .
وفي الجهة الشرقية لشط العرب كان تقيم قبيلة ( كعب ) العربية والتي يحكمها الشيخ سلمان الخاضع للنفوذ الفارسي وكان هناك صراع دائم بين سلطان البصرة وشيخ قبيلة كعب ، ويقول ان البصرة القديمة واثارها تقع على بعد عدة اميال غرب البصرة الجديدة حيث ان فيها قبور بعض الصحابة التي يزورها الناس ويدفنون موتاهم بقربها .
وكانت السلطات التركية تسعى الى التهدئة مع قبيلة كعب لأنها كانت تخشى انه في حالة اشتداد الصراع معها ان تهاجمها قبيلة المنتفك الساكنة على الفرات في الطريق الى بغداد .
ويتحدث عن فساد الجيش الإنكشاري التركي الذي يتقاضى الرشاوي ويمارس الإبتزاو ضد المواطنين البصريين .
يشير نيبور الى كثافة بساتين النخيل في البصرة وانواع التمور التي يذكرها بالإسم مثل المكتوم والبريم والخضراوي والأشرسي والإبراهيمي الذي يصنع منه الدبس الذي يأكله العرب مع الخبز كما يقول .
يسافر الى بغداد عبر نهر الفرات بواسطة المراكب التي يسحبها العمال بين محطات محددة . ويرسم خارطة نهر الفرات بين البصرة والحلة واسماء القرى الواقعة عليها . وتسيطر قبيلة المنتفك على نهر الفرات فيما يلي البصرة في حين تسيطر قبيلة بني لام على دجلة واللتين تتقاضيان الضرائب من المراكب العابرة .
تأتي بعد قبيلة المنتفك قبيلة بني جحيم وهو يسميها
( بني حاكم ) وتليها قبيلة الخزاعل ..
ويصنف العرب الى صنفين الصنف الأول هو الذي يعمل في تربية الجمال وهم البدو ويسكنون الخيام ويطلق عليهم التسمية المحلية المتداولة انذاك وهي ( اهل البعر ) اما الصنف الأخر فهم الذين يعملون في تربية الأبقار والجاموس ويعملون في الزراعة فيطلق عليهم اسم ( المعدان ) ويسكنون الأكواخ المبنية من الطين والقصب .
لا توجد مدينة مهمة على الفرات بين البصرة والحلة في ذلك الوقت سوى مدينة صغيرة هي ( السماوة ) التي ساهم في تأسيسها ( كما ذكرت ذلك فيما بعد تقارير المخابرات البريطانية ) في بداية القرن الثامن عشر كل من عائلتي آل سيد منصور التي تسيطر على الجزء الشرقي من المدينة وعائلة آل عثمان التي تسيطر على الجانب الغربي .
اما مدينتي الناصرية والديوانية فلم يكن لهما وجود انذاك . فمدينة الناصرية تم تأسيسها بعد حوالي قرن من تاريخ وصول الرحالة الدانماركي من قبل ناصر السعدون . اما مدينة الديوانية فقد تنامت بعد ازدياد بناء الأكواخ قرب ديوان حمد آل حمود شيخ الخزاعل .
وكانت هناك قرية صغيرة بدلا منها الى الجنوب من المدينة الحالية تسمى قرية ( الملوم ) تسكنها عشيرة الخزاعل . والديوانية الحالية كانت انذاك مرسى صغيرا لتوقف المراكب . وقد كان هناك مدينة مهمة الى الغرب منها تسمى ( الرماحية )اندرست اثارها بسب جفاف نهرها في نهاية القرن التاسع عشر..
وتفرق اهلها بين قرى ومدن الفرات الأوسط . فقد تحول نهر الفرات من مجرى نهر الحلة الى مجرى جديد سمي ب ( الهندية ) وقبل انشاء سدة الهندية في بداية القرن العشرين مما ادى الى جفاف كثير من الأنهار في منطقة الديوانية الحالية وحدوث الهجرة الكبرى لعشائرها الى مناطق اخرى وابرز مثال على ذلك هو جفاف نهر الفوار الكائن بين الديوانية وعفك وهجرة عشائر آل فتلة والجبور وخفاجة وبني حسن وكريط وغيرهم بإتجاه الحلة والهندية .
استغرقت الرحلة في المركب بين البصرة والملوم واحدا وعشرين يوما حافلة بالمصاعب ويستغرب ( نيبور ) من وجود الأراضي الزراعية الخصبة ووفرة المياه من ناحية والبؤس الذي يعيش فيه السكان من ناحية ثانية بسبب عدم استغلال تلك الإمكانات الهائلة..
توجه المستكشف الدانماركي الى النجف الأشرف من الملوم
ويطلق عليها ( مشهد علي ) وهي التسمية التي كانت سائدة بين السكان انذاك .
وقد استمر الكثير من العراقيين حتى منتصف القرن الماضي يطلقون تسمية ( المشهد ) على النجف الأشرف . ويصف المسجد والقبب الذهبية للضريح ولكنه لم يستطع الدخول خشية العقوبة لأنه اجنبي ومسيحي..
كما يزور مشهد الحسين ( كربلاء ) ويقول انها تمتاز بكثرة بساتينها
وهي اكبر من النجف وبيوتها افضل بناءً ..؟؟
*د. عبد الجبار منديل
* اكاديمي عراقي / كوبنهاغن
( يتبع الجزء الثاني والأخير )
ولكم تحيات
ماجد البلوي
السلام عليكم
القسم الأول
لعل من اقدم الرحلات التي قام بها رجل اوربي الى العراق وادقها واكثرها علمية وقدرة على الغوص في تاريخ واثار وبشر ارض ما بين النهرين هي تلك الرحلة التي قام بها المستكشف الدانماركي ( كارستن نيبور ) بتكليف من ملك الدانمارك والتي امتدت ست سنوات طوال على امتداد الفترة ( 1761 – 1767 ) .
هذه الرحلة العلمية الرائعة ابتدأت من كوبنهاغن ثم استمرت عبر اسطنبول ومصر وجدة واليمن والهند وبعد ذلك عبر بلاد الفارس والعراق والشام .
ان ما هو مذهل في هذه الرحلة ان ذلك الرجل الدقيق والدأووب و المتمسك بقدسية عمله وعلميته استطاع ان يختلط بالناس البسطاء وان يحصل منهم على معلومات ثره عن مناطقهم وعاداتهم وتقاليدهم وسجل كل ذلك بدقة ونزاهة قلً نظيرها .
لقد بلغت الروح العلمية بهذا المستكشف الحريص انه سجل اسماء كل القرى والأنهار على خرائط رسمها خصيصا اضافة الى اسماء العشائر والحكام وطراز حياة الناس وكل شاردة وواردة وكل ما يخطروما لا يخطر على بال احد .
بل يقيس عرض الأنهار ومناسيبها مثل النيل وشط العرب ودجلة والفرات في مختلف المناطق في ذلك الوقت الذي كانت تنعدم فيه الأجهزة والمعدات العلمية الدقيقة كما يقيس خطوط الطول والعرض ودرجات الحرارة الخ .
بل ويسجل اسماء الحكام الحاليين والسابقين في كل بلد حسب ما يحصل عليه من معلومات اضافة الى الأساطير والقصص والحكايات الرائجة عن هؤلاء وغيرهم سواء رجال الدين او الشخصيات الشعبية . وكذلك يرسم الخرائط ورسوم الأبنية والأزياء وكل ما يشاهده من اثار ونقوش وكتابات .
يخرج ( نيبور ) مع مجموعة علمية مرافقة من ميناء ( كوبنهاغن ) في تاريخ 4 كانون الثاني 1761 ولكنه لا يصل الى العراق عن طريق شط العرب والبصرة الا في سنة 1766 وذلك عن طريق جزيرة خرج في الخليج والتي كانت محتلة من قبل الهولنديين .
يقول نيبور ان عدد سكان البصرة كان لا يتجاوز 50 الف نسمة وكان الحاكم هو كريم خان ممثل السلطة التركية .
وفي الجهة الشرقية لشط العرب كان تقيم قبيلة ( كعب ) العربية والتي يحكمها الشيخ سلمان الخاضع للنفوذ الفارسي وكان هناك صراع دائم بين سلطان البصرة وشيخ قبيلة كعب ، ويقول ان البصرة القديمة واثارها تقع على بعد عدة اميال غرب البصرة الجديدة حيث ان فيها قبور بعض الصحابة التي يزورها الناس ويدفنون موتاهم بقربها .
وكانت السلطات التركية تسعى الى التهدئة مع قبيلة كعب لأنها كانت تخشى انه في حالة اشتداد الصراع معها ان تهاجمها قبيلة المنتفك الساكنة على الفرات في الطريق الى بغداد .
ويتحدث عن فساد الجيش الإنكشاري التركي الذي يتقاضى الرشاوي ويمارس الإبتزاو ضد المواطنين البصريين .
يشير نيبور الى كثافة بساتين النخيل في البصرة وانواع التمور التي يذكرها بالإسم مثل المكتوم والبريم والخضراوي والأشرسي والإبراهيمي الذي يصنع منه الدبس الذي يأكله العرب مع الخبز كما يقول .
يسافر الى بغداد عبر نهر الفرات بواسطة المراكب التي يسحبها العمال بين محطات محددة . ويرسم خارطة نهر الفرات بين البصرة والحلة واسماء القرى الواقعة عليها . وتسيطر قبيلة المنتفك على نهر الفرات فيما يلي البصرة في حين تسيطر قبيلة بني لام على دجلة واللتين تتقاضيان الضرائب من المراكب العابرة .
تأتي بعد قبيلة المنتفك قبيلة بني جحيم وهو يسميها
( بني حاكم ) وتليها قبيلة الخزاعل ..
ويصنف العرب الى صنفين الصنف الأول هو الذي يعمل في تربية الجمال وهم البدو ويسكنون الخيام ويطلق عليهم التسمية المحلية المتداولة انذاك وهي ( اهل البعر ) اما الصنف الأخر فهم الذين يعملون في تربية الأبقار والجاموس ويعملون في الزراعة فيطلق عليهم اسم ( المعدان ) ويسكنون الأكواخ المبنية من الطين والقصب .
لا توجد مدينة مهمة على الفرات بين البصرة والحلة في ذلك الوقت سوى مدينة صغيرة هي ( السماوة ) التي ساهم في تأسيسها ( كما ذكرت ذلك فيما بعد تقارير المخابرات البريطانية ) في بداية القرن الثامن عشر كل من عائلتي آل سيد منصور التي تسيطر على الجزء الشرقي من المدينة وعائلة آل عثمان التي تسيطر على الجانب الغربي .
اما مدينتي الناصرية والديوانية فلم يكن لهما وجود انذاك . فمدينة الناصرية تم تأسيسها بعد حوالي قرن من تاريخ وصول الرحالة الدانماركي من قبل ناصر السعدون . اما مدينة الديوانية فقد تنامت بعد ازدياد بناء الأكواخ قرب ديوان حمد آل حمود شيخ الخزاعل .
وكانت هناك قرية صغيرة بدلا منها الى الجنوب من المدينة الحالية تسمى قرية ( الملوم ) تسكنها عشيرة الخزاعل . والديوانية الحالية كانت انذاك مرسى صغيرا لتوقف المراكب . وقد كان هناك مدينة مهمة الى الغرب منها تسمى ( الرماحية )اندرست اثارها بسب جفاف نهرها في نهاية القرن التاسع عشر..
وتفرق اهلها بين قرى ومدن الفرات الأوسط . فقد تحول نهر الفرات من مجرى نهر الحلة الى مجرى جديد سمي ب ( الهندية ) وقبل انشاء سدة الهندية في بداية القرن العشرين مما ادى الى جفاف كثير من الأنهار في منطقة الديوانية الحالية وحدوث الهجرة الكبرى لعشائرها الى مناطق اخرى وابرز مثال على ذلك هو جفاف نهر الفوار الكائن بين الديوانية وعفك وهجرة عشائر آل فتلة والجبور وخفاجة وبني حسن وكريط وغيرهم بإتجاه الحلة والهندية .
استغرقت الرحلة في المركب بين البصرة والملوم واحدا وعشرين يوما حافلة بالمصاعب ويستغرب ( نيبور ) من وجود الأراضي الزراعية الخصبة ووفرة المياه من ناحية والبؤس الذي يعيش فيه السكان من ناحية ثانية بسبب عدم استغلال تلك الإمكانات الهائلة..
توجه المستكشف الدانماركي الى النجف الأشرف من الملوم
ويطلق عليها ( مشهد علي ) وهي التسمية التي كانت سائدة بين السكان انذاك .
وقد استمر الكثير من العراقيين حتى منتصف القرن الماضي يطلقون تسمية ( المشهد ) على النجف الأشرف . ويصف المسجد والقبب الذهبية للضريح ولكنه لم يستطع الدخول خشية العقوبة لأنه اجنبي ومسيحي..
كما يزور مشهد الحسين ( كربلاء ) ويقول انها تمتاز بكثرة بساتينها
وهي اكبر من النجف وبيوتها افضل بناءً ..؟؟
*د. عبد الجبار منديل
* اكاديمي عراقي / كوبنهاغن
( يتبع الجزء الثاني والأخير )
ولكم تحيات
ماجد البلوي