عبداللطيف الزبني
12-21-2005, 12:09 AM
ب1
منذ الجاهليه كان الشعر هو الفن والوسيله لدى العرب التي يعبرون به من خلاله عن قيمهم ومبادئهم واخبارهم .. ويستدل على قيمة الشعر في الجاهليه والمكانه الرفيعه له .. من موقف القبيله عند نبوغ شاعر بينهم .. تأتي القبائل فتهنىء قبيلته ..فتقام على شرفه الولائم , احتفاءهم بالشاعر نابع من استهوائهم لألقاب القوه والمجد فكانوا يطمعون بتعداده مآثر قبيلتهم ويدافع عنهم وعن اعراضهم .. فيجزلون له العطاء والأكرام والهبات السخيه لأسترضائه رغبة في المدح وخوف من الذم واتقاء التشهير ..
ويستدل من ذلك مدى حب واهتمام العرب بالشعر تقديرهم للقصائد الطوال التي سميت معلّقات ..
فالكلمه التي صاغ بها شعراء الجاهليه أفكارهم ومشاعرهم قبل أن تلامس قلوبهم أشعة الوحي .. ليست هي نفس الكلمه التي صاغ بها الشعراء بعد ذلك معانيهم الإسلاميه بسبب التغير الجذري الذي تناول به الأسلام هذه النفوس بتبديل فهمهم للحياة .. التي أدت إلى انقلابات في المفهوم الأخلاقي تبعه انقلاباً في مهمة وأغراض الكلمه ..تحررت على أثرها القيود المتحجره التي تركّزعلى الترانيم الوثنيه وأناشيد حربيه تشيد بالمجرمين والقتله , وأساطير صنعها الأنسان الضائع من الحجر والخشب والطين .. لتصبح أشبه بهجرة عقليه وروحيه من ظلمات الجاهليه التي تقدّس المألوف من تقاليد القوم والذوبان في أفكار الأباء التائهه إلى رحاب الهدايه ليتفاعل مع الخير والحق ..
رسالة الكلمه أنطلقت من الأسلام فكانت وسيلتهم البليغه إلى فطرة الأنسان يفجّرون المواهب القابله للتفاعل السامي مع الحق لتمضي ألسنة أعوانهم إلى الناس تحيي موتى القلوب وتضيء بصائر البشر وتقيم حجة الله على الخلق .. حتى أن حسان بن ثابت أجاب عندما سُئل عن سبب تفاوت شعره الجاهلي وشعره الأسلامي .. رد بان البيان في الشعر كان يسخّر للشر ومنها إثارة الفتنه لمجرد التفوق القبلى ..بينما في ظل التربيه الأسلاميه يطغى تيار روحي وصياغه لم يشهدها الشعر تركّز حول العقائد والدين ..
فقد كانت سلاحاً من أسلحة المعارك ضد الكفار وذلك بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينه ..
وفي هذا يذكر قصة وفد تميم التي كانت من أسباب النزول لسورة الحجرات ..
حيث تلقى زعماء تميم نبأ الرساله المحمديه بتصور الجاهليه الذي لايعدوا نطاق المفاخره .. فتحركت نخوتهم وأخذتهم العزه بالأثم , ثم جاءوا بخطيبهم وشاعرهم ليقارعوا النبي, ولم يتريثوا حتى يخرج إليهم رسول الله , بل ذهبوا ينادونه من وراء الحجرات لايقيمون للموازين الأجتماعيه اعتباراً ..حتى تأذى الرسول من اصواتهم ..
وأعلنوا للرسول رغبتهم في مفاخرته .. وبروح الحكيم أجابهم إلى مطلبهم .. وترك لهم زمام المبادره وحجتهم بالتعالي بالطعام والقوه .. وانهم ابطال الحروب .. ينزلون الذّل بمن عاداهم , ويوفرون الكرامة لمن ناصرهم ..
حتى إذا شبع خطيبهم من الثرثره , وشاعرهم من الجعجعه , امر صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس فأخرس خطيبهم , ودعا بشاعر الإسلام حسان بن ثابت .. فنقض قصيدة شاعرهم بما أفحمه .. ثم أنتهت المعركه بانتصار النور الذي أضاء جوانحهم , فأدركوا لفورهم أن الأمر ليس أمر زعامه أو منافره , بل هو فوق ذلك كله , أنه أمر النبوه المنقذه لهم من تلك العبثيات .
ولنتأمل بعض ماقال الشاعرين ..
قال الزبرقان شاعر تميم :
نحن الكرام فلا حي يعادلنا = منا الملوك وفينا تقسم الربعُ
وكم قسرنا من الأحياء كلهم = عند النهابِ , وفضل العز يتبع
ونحن نطعم عند القحط مُطْعِمَنا = من الشِواء إذا لم يُؤْنس القَزَع
ثم ترى الناس تأتينا سراتهم = من كل أرض هويًّاً ثم تصطنع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فأجب الرجل
وكان رد حسان هذه الأبيات ..
إن الذوائب من فِهرٍ وإخوتهم = قد بينوا سنة للناس تتبعُ
يرضى بها كل من كانت سريرتُه = تقوىالإله , وبالأمرالذى شرعوا
.. قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم = أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
أعطوا نبىّ الهدى والبرِ طاعتهم = فما ونى نصرهم عنه ولا نزعوا
أكرِم بقوم رسولُ الله شيعتهم = إذا تفاوتت الأهواء والشَّيع
حتى قال الأقرع بن حابس التميمي " وأبي , أن هذا الرجل أخطب من خطيبنا , ولشاعره أشعر من شاعرنا , ولأصواته أعلى من أصواتنا , ما أنتصفنا ولا قاربنا " ثم أسلم ..
وحتى نتعرف على موقف الدين الأسلامي والقرآن من الشعر .. لابد من حصر الآيات التي تطرق إليها عن الشعر والشعراء ..
فقد ورد الشعر في القرآن لأول مره في سورة ياسين في قوله تعالى: " وما علمناه الشعر وما ينبغي له 0 إن هو إلا ذكر وقرآن مبين "
في هذه السوره توضح مهمة الرسول عليه الصلاة والسلام بأن الله بعثه مبشراً ومنذراً .. من خلال معجزته بآيات بينات في القرآن الكريم , وقد تعجّب عليه الصلاة والسلام من أعراض الكافرين وصدودهم عن القرآن والأيمان بما جاء به لأحتجاجهم بأنه شعر , يوضح سبحانه في هذه الآيه ايضاً .. ولذا لاينبغي لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يتعلم الشعر حتى يوقن الكافرون أنه لاصله بين مايوحى لرسوله وبين الشعر ..
وفي الحديث الشريف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً "
والشعر كما لاحظه المفسرون .. لايخلو من زخرف وأهمها الوزن والقافيه بل يراد به إثارة الطرب أو الأعجاب , والقرآن تنزّه عن ذلك فلا يجري على نسق واحد كأوزان الشعر وله فواصل ولكن لاتلتزم بالقوافي يراد به التأثير في النفس بالتذكير والتنبيه ..فهو بيان وبلاغ ورساله وفرقان يميز بين الحق والباطل ذكر يوقظ , وليس غناءً يترنم ومبالغه وأدعاء وأثاره ..
نستنتج من ذلك أن القرآن لايحط من مكانة الشعر بل فرّق بينه وبين كلام الله
وتوضيح اللبس الذي يقع فيه الكفار لما يحمله من سحر وبلاغه ..
كلمة " شعر " في القرآن الكريم لم ترد مرة أخرى بل ورد كلمة شاعر لبيان في صورة الصافات قوله تعالى " إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ." وذلك لبيان تصورالمشركين ومزاعمهم
" ويقولون أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون "
وفي سورة الأنبياء وردت كلمة شاعر .. قوله تعالى " بل قالوا أضغاث أحلام بل أفتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون "
وبعدما تغير وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوي جانبه وضعف جانب الكفار .. وردت كلمة شاعر في قوله تعالى " فذكّر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون0 أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون "
وفي ذلك أشاره لما روي عن الوليد بن المغيره حين سمع من رسوال الله صلى الله عليه وسلم صورة السجده , خرج من عنده " سمعت من محمد كلاماً ليس من كلام الإنس ولا من كلام الجن .. وقد رُدت تلك المزاعم في سورة الحاقه وفي آخر آيه وردت لكلمة شاعر في مكه.. توضح للكفار مدى خلطهم بين الشعر والسحر والكهنه وبأنه مرتبط بغيبيات وقوه سحريه خارقه للعاده .. وتأكيد لهم في قوله تعالى في سورة الحاقه " إنه لقول رسول كريم . وماهو بقول شاعر قليلاً ماتؤمنون . ولا بقول كاهن قليلاٍ ماتذكرون . تنزيل من رب العالمين "
وقد انتهت تصورات الكافرين ودخل كثير منهم للأسلام , فوقف الشعراء يدافعون عن الأسلام بالكلمه كما دافعوا بالسيف حتى عُرف في صدر الأسلام نوعين من الشعراء , أصحاب الضلاله والكذب , والشعراء المسلمين الذين جندوا موهبتهم للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولتوضيح اللبس لمن يشكك ويكره الشعر أستناداً للآيه الكريمه " والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم ترأنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون مالا يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ماظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "
ولمن يحتج بها دون أدنى معرفه أو البحث عن تفسيرها بسوء تأويلها .. فالمقصود بها شعراء المشركين الذين تناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء ومسوه بالأذى
أما المؤمنين فقد أستثناهم الله سبحانه وتعالى وشدّد عليهم بقوله " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات "
.. وإلا بماذا نفسربأن هنالك شعراء من الأنصار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سخّروا الكلمه في الشعر للأنتصار لرسول الله في الإجابة عنه .. مثل حسان بن ثابت , كعب مالك , عبدالله بن رواحه , وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " هؤلاء النفر أشد على قريش من نضح النبل " ومنهم ايضاً الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن التابعين الأمام الشافعي .. وفي الوقت الحاضر الداعيه الشيخ عايض القرني ..
وقد بارك عليه الصلاة والسلام استعداد كل من يدافع عن الأسلام بسيفه , ودعا الشعراء إلى ذكر مواطن الضعف في خصوم الدعوه حتى يشددوا عليهم الهجاء موضحاً أثره .. بقوله لرائد الشعر الأسلامي حسان بن ثابت : " أهجهم _ يعني قريشاً _ فوالله أن لهجاؤك عليهم أشد من وقع السهام في غلس الظلام "
ومن أهمية الشعر لدى كفار قريش انهم كانوا يجزعزن منه بعد أسلامهم لأنه كان يعيّرهم بكفرهم .. ليصبح مذّمه ..
إذن الشعرفي الأسلام رساله من الشاعر والتزام في الحرص على الصدق واللين ومعاني الخير بما يخدم المبادىء والأهداف ..
وهذا مما دعا عمر بن الخطاب أن يستحسن شعر زهير في رواية ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وقد سأله عمر : هل تروي لشاعر الشعراء ؟ قال ابن عباس : ومن هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : ابن أبي سلمى. قلت: وبم صار كذلك ؟ قال : لأنه لايتبع حواشي الكلام , ولا يعاضل من المنطق , ولا يمتدح الرجل إلا بما يكون فيه .
ويروى أن عمر _ رضي الله عنه _ تحدث عن الشعر مرة مع وفد من غطفان فسألهم أي شعرائكم الذي يقول :
أتيتك عارياً خلقاً ثيابي = على خوف تظنُّ بي الظنون ُ
فقالوا النابغه , فسألهم , أي شعرائكم الذي يقول :
حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً = وليس وراء الله للمرء مذهبُ
قالوا: النابغه , قال أي شعرائكم الذي يقول
فإنك كالليل الذي هو مدركي = وإن خلت أن المنتأى عنك واسعُ ..
قالوا النابغه , قال : هذا أشعر شعرائكم
وكان لعمررضي الله عنه موقف صارم من الهجاء والهجائين , فلم يكن الأسلام ليسمح بسبّ أعراض المسلمين , وقد حبس الحطيئه حين هجا الزبرقان بن بدر , ثم أطلقه على ألا يعود إلى الهجاء , وأشترى منه أعراض المسلمين بمبلغ من المال .
ويستدل من ذلك إن الأسلام أيّد وأثرى الشعر وأنطقه على لسان بعض الشعراء لأغراض ساميه .. فأحيا بذلك أشكالاً واغراض من الشعر تتحد مع الأسلام عاطفة وفكرا وأسلوبا . بعيداً عن اغراض الغزل الفاحش .. الشعر الماجن .. المديح الكاذب .. الفخر الذي يثير الأحقاد والضغائن .. والهجاء والثأر والظلم والعدوان ..
فكرت في البحث والتقصّي من عدة مراجع وكتابة الموضوع لما تردد كثيراً من أن الشعر حرام وأن شاعراً ترك الشعر لأنه ألتزم ..
لم أجد أي تعارض بين الشعر والألتزام أستناداً للآيات وتفسيرها وبعض المواقف التي تؤكد مشروعية الشعر الملتزم والحريص على معاني الخير والبعيد عن بعض الأغراض خاصة التي تمس اعراض المسلمين ..
عذراً لأطالة الموضوع ولكن موضوع كأهميته لايحتمل الأختصار ..
يتطلب مزيد من الأدله التي تنتظر مشاركاتكم وإفادتنا حول هذا الموضوع ..
تقبلوا تحياتـــــــــــــي,,,,
منذ الجاهليه كان الشعر هو الفن والوسيله لدى العرب التي يعبرون به من خلاله عن قيمهم ومبادئهم واخبارهم .. ويستدل على قيمة الشعر في الجاهليه والمكانه الرفيعه له .. من موقف القبيله عند نبوغ شاعر بينهم .. تأتي القبائل فتهنىء قبيلته ..فتقام على شرفه الولائم , احتفاءهم بالشاعر نابع من استهوائهم لألقاب القوه والمجد فكانوا يطمعون بتعداده مآثر قبيلتهم ويدافع عنهم وعن اعراضهم .. فيجزلون له العطاء والأكرام والهبات السخيه لأسترضائه رغبة في المدح وخوف من الذم واتقاء التشهير ..
ويستدل من ذلك مدى حب واهتمام العرب بالشعر تقديرهم للقصائد الطوال التي سميت معلّقات ..
فالكلمه التي صاغ بها شعراء الجاهليه أفكارهم ومشاعرهم قبل أن تلامس قلوبهم أشعة الوحي .. ليست هي نفس الكلمه التي صاغ بها الشعراء بعد ذلك معانيهم الإسلاميه بسبب التغير الجذري الذي تناول به الأسلام هذه النفوس بتبديل فهمهم للحياة .. التي أدت إلى انقلابات في المفهوم الأخلاقي تبعه انقلاباً في مهمة وأغراض الكلمه ..تحررت على أثرها القيود المتحجره التي تركّزعلى الترانيم الوثنيه وأناشيد حربيه تشيد بالمجرمين والقتله , وأساطير صنعها الأنسان الضائع من الحجر والخشب والطين .. لتصبح أشبه بهجرة عقليه وروحيه من ظلمات الجاهليه التي تقدّس المألوف من تقاليد القوم والذوبان في أفكار الأباء التائهه إلى رحاب الهدايه ليتفاعل مع الخير والحق ..
رسالة الكلمه أنطلقت من الأسلام فكانت وسيلتهم البليغه إلى فطرة الأنسان يفجّرون المواهب القابله للتفاعل السامي مع الحق لتمضي ألسنة أعوانهم إلى الناس تحيي موتى القلوب وتضيء بصائر البشر وتقيم حجة الله على الخلق .. حتى أن حسان بن ثابت أجاب عندما سُئل عن سبب تفاوت شعره الجاهلي وشعره الأسلامي .. رد بان البيان في الشعر كان يسخّر للشر ومنها إثارة الفتنه لمجرد التفوق القبلى ..بينما في ظل التربيه الأسلاميه يطغى تيار روحي وصياغه لم يشهدها الشعر تركّز حول العقائد والدين ..
فقد كانت سلاحاً من أسلحة المعارك ضد الكفار وذلك بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينه ..
وفي هذا يذكر قصة وفد تميم التي كانت من أسباب النزول لسورة الحجرات ..
حيث تلقى زعماء تميم نبأ الرساله المحمديه بتصور الجاهليه الذي لايعدوا نطاق المفاخره .. فتحركت نخوتهم وأخذتهم العزه بالأثم , ثم جاءوا بخطيبهم وشاعرهم ليقارعوا النبي, ولم يتريثوا حتى يخرج إليهم رسول الله , بل ذهبوا ينادونه من وراء الحجرات لايقيمون للموازين الأجتماعيه اعتباراً ..حتى تأذى الرسول من اصواتهم ..
وأعلنوا للرسول رغبتهم في مفاخرته .. وبروح الحكيم أجابهم إلى مطلبهم .. وترك لهم زمام المبادره وحجتهم بالتعالي بالطعام والقوه .. وانهم ابطال الحروب .. ينزلون الذّل بمن عاداهم , ويوفرون الكرامة لمن ناصرهم ..
حتى إذا شبع خطيبهم من الثرثره , وشاعرهم من الجعجعه , امر صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس فأخرس خطيبهم , ودعا بشاعر الإسلام حسان بن ثابت .. فنقض قصيدة شاعرهم بما أفحمه .. ثم أنتهت المعركه بانتصار النور الذي أضاء جوانحهم , فأدركوا لفورهم أن الأمر ليس أمر زعامه أو منافره , بل هو فوق ذلك كله , أنه أمر النبوه المنقذه لهم من تلك العبثيات .
ولنتأمل بعض ماقال الشاعرين ..
قال الزبرقان شاعر تميم :
نحن الكرام فلا حي يعادلنا = منا الملوك وفينا تقسم الربعُ
وكم قسرنا من الأحياء كلهم = عند النهابِ , وفضل العز يتبع
ونحن نطعم عند القحط مُطْعِمَنا = من الشِواء إذا لم يُؤْنس القَزَع
ثم ترى الناس تأتينا سراتهم = من كل أرض هويًّاً ثم تصطنع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فأجب الرجل
وكان رد حسان هذه الأبيات ..
إن الذوائب من فِهرٍ وإخوتهم = قد بينوا سنة للناس تتبعُ
يرضى بها كل من كانت سريرتُه = تقوىالإله , وبالأمرالذى شرعوا
.. قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم = أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
أعطوا نبىّ الهدى والبرِ طاعتهم = فما ونى نصرهم عنه ولا نزعوا
أكرِم بقوم رسولُ الله شيعتهم = إذا تفاوتت الأهواء والشَّيع
حتى قال الأقرع بن حابس التميمي " وأبي , أن هذا الرجل أخطب من خطيبنا , ولشاعره أشعر من شاعرنا , ولأصواته أعلى من أصواتنا , ما أنتصفنا ولا قاربنا " ثم أسلم ..
وحتى نتعرف على موقف الدين الأسلامي والقرآن من الشعر .. لابد من حصر الآيات التي تطرق إليها عن الشعر والشعراء ..
فقد ورد الشعر في القرآن لأول مره في سورة ياسين في قوله تعالى: " وما علمناه الشعر وما ينبغي له 0 إن هو إلا ذكر وقرآن مبين "
في هذه السوره توضح مهمة الرسول عليه الصلاة والسلام بأن الله بعثه مبشراً ومنذراً .. من خلال معجزته بآيات بينات في القرآن الكريم , وقد تعجّب عليه الصلاة والسلام من أعراض الكافرين وصدودهم عن القرآن والأيمان بما جاء به لأحتجاجهم بأنه شعر , يوضح سبحانه في هذه الآيه ايضاً .. ولذا لاينبغي لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يتعلم الشعر حتى يوقن الكافرون أنه لاصله بين مايوحى لرسوله وبين الشعر ..
وفي الحديث الشريف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً "
والشعر كما لاحظه المفسرون .. لايخلو من زخرف وأهمها الوزن والقافيه بل يراد به إثارة الطرب أو الأعجاب , والقرآن تنزّه عن ذلك فلا يجري على نسق واحد كأوزان الشعر وله فواصل ولكن لاتلتزم بالقوافي يراد به التأثير في النفس بالتذكير والتنبيه ..فهو بيان وبلاغ ورساله وفرقان يميز بين الحق والباطل ذكر يوقظ , وليس غناءً يترنم ومبالغه وأدعاء وأثاره ..
نستنتج من ذلك أن القرآن لايحط من مكانة الشعر بل فرّق بينه وبين كلام الله
وتوضيح اللبس الذي يقع فيه الكفار لما يحمله من سحر وبلاغه ..
كلمة " شعر " في القرآن الكريم لم ترد مرة أخرى بل ورد كلمة شاعر لبيان في صورة الصافات قوله تعالى " إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ." وذلك لبيان تصورالمشركين ومزاعمهم
" ويقولون أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون "
وفي سورة الأنبياء وردت كلمة شاعر .. قوله تعالى " بل قالوا أضغاث أحلام بل أفتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون "
وبعدما تغير وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوي جانبه وضعف جانب الكفار .. وردت كلمة شاعر في قوله تعالى " فذكّر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون0 أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون "
وفي ذلك أشاره لما روي عن الوليد بن المغيره حين سمع من رسوال الله صلى الله عليه وسلم صورة السجده , خرج من عنده " سمعت من محمد كلاماً ليس من كلام الإنس ولا من كلام الجن .. وقد رُدت تلك المزاعم في سورة الحاقه وفي آخر آيه وردت لكلمة شاعر في مكه.. توضح للكفار مدى خلطهم بين الشعر والسحر والكهنه وبأنه مرتبط بغيبيات وقوه سحريه خارقه للعاده .. وتأكيد لهم في قوله تعالى في سورة الحاقه " إنه لقول رسول كريم . وماهو بقول شاعر قليلاً ماتؤمنون . ولا بقول كاهن قليلاٍ ماتذكرون . تنزيل من رب العالمين "
وقد انتهت تصورات الكافرين ودخل كثير منهم للأسلام , فوقف الشعراء يدافعون عن الأسلام بالكلمه كما دافعوا بالسيف حتى عُرف في صدر الأسلام نوعين من الشعراء , أصحاب الضلاله والكذب , والشعراء المسلمين الذين جندوا موهبتهم للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولتوضيح اللبس لمن يشكك ويكره الشعر أستناداً للآيه الكريمه " والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم ترأنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون مالا يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ماظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "
ولمن يحتج بها دون أدنى معرفه أو البحث عن تفسيرها بسوء تأويلها .. فالمقصود بها شعراء المشركين الذين تناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء ومسوه بالأذى
أما المؤمنين فقد أستثناهم الله سبحانه وتعالى وشدّد عليهم بقوله " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات "
.. وإلا بماذا نفسربأن هنالك شعراء من الأنصار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سخّروا الكلمه في الشعر للأنتصار لرسول الله في الإجابة عنه .. مثل حسان بن ثابت , كعب مالك , عبدالله بن رواحه , وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " هؤلاء النفر أشد على قريش من نضح النبل " ومنهم ايضاً الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن التابعين الأمام الشافعي .. وفي الوقت الحاضر الداعيه الشيخ عايض القرني ..
وقد بارك عليه الصلاة والسلام استعداد كل من يدافع عن الأسلام بسيفه , ودعا الشعراء إلى ذكر مواطن الضعف في خصوم الدعوه حتى يشددوا عليهم الهجاء موضحاً أثره .. بقوله لرائد الشعر الأسلامي حسان بن ثابت : " أهجهم _ يعني قريشاً _ فوالله أن لهجاؤك عليهم أشد من وقع السهام في غلس الظلام "
ومن أهمية الشعر لدى كفار قريش انهم كانوا يجزعزن منه بعد أسلامهم لأنه كان يعيّرهم بكفرهم .. ليصبح مذّمه ..
إذن الشعرفي الأسلام رساله من الشاعر والتزام في الحرص على الصدق واللين ومعاني الخير بما يخدم المبادىء والأهداف ..
وهذا مما دعا عمر بن الخطاب أن يستحسن شعر زهير في رواية ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وقد سأله عمر : هل تروي لشاعر الشعراء ؟ قال ابن عباس : ومن هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : ابن أبي سلمى. قلت: وبم صار كذلك ؟ قال : لأنه لايتبع حواشي الكلام , ولا يعاضل من المنطق , ولا يمتدح الرجل إلا بما يكون فيه .
ويروى أن عمر _ رضي الله عنه _ تحدث عن الشعر مرة مع وفد من غطفان فسألهم أي شعرائكم الذي يقول :
أتيتك عارياً خلقاً ثيابي = على خوف تظنُّ بي الظنون ُ
فقالوا النابغه , فسألهم , أي شعرائكم الذي يقول :
حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً = وليس وراء الله للمرء مذهبُ
قالوا: النابغه , قال أي شعرائكم الذي يقول
فإنك كالليل الذي هو مدركي = وإن خلت أن المنتأى عنك واسعُ ..
قالوا النابغه , قال : هذا أشعر شعرائكم
وكان لعمررضي الله عنه موقف صارم من الهجاء والهجائين , فلم يكن الأسلام ليسمح بسبّ أعراض المسلمين , وقد حبس الحطيئه حين هجا الزبرقان بن بدر , ثم أطلقه على ألا يعود إلى الهجاء , وأشترى منه أعراض المسلمين بمبلغ من المال .
ويستدل من ذلك إن الأسلام أيّد وأثرى الشعر وأنطقه على لسان بعض الشعراء لأغراض ساميه .. فأحيا بذلك أشكالاً واغراض من الشعر تتحد مع الأسلام عاطفة وفكرا وأسلوبا . بعيداً عن اغراض الغزل الفاحش .. الشعر الماجن .. المديح الكاذب .. الفخر الذي يثير الأحقاد والضغائن .. والهجاء والثأر والظلم والعدوان ..
فكرت في البحث والتقصّي من عدة مراجع وكتابة الموضوع لما تردد كثيراً من أن الشعر حرام وأن شاعراً ترك الشعر لأنه ألتزم ..
لم أجد أي تعارض بين الشعر والألتزام أستناداً للآيات وتفسيرها وبعض المواقف التي تؤكد مشروعية الشعر الملتزم والحريص على معاني الخير والبعيد عن بعض الأغراض خاصة التي تمس اعراض المسلمين ..
عذراً لأطالة الموضوع ولكن موضوع كأهميته لايحتمل الأختصار ..
يتطلب مزيد من الأدله التي تنتظر مشاركاتكم وإفادتنا حول هذا الموضوع ..
تقبلوا تحياتـــــــــــــي,,,,