مشاهدة النسخة كاملة : السيرة النبوية
أسمه
محمد بن عبدالله ابن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصى ابن كلاب بن مره . و أمه: آمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.
حمله
كانت السيدة آمنه بنت وهب تقول ما شعرت أني حملت و لا وجدت له ثقلاً كما يجد النساء إلا اني قد أنكرت رفع حيضتي.
مولده
ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأثنين الموافق 10 من ربيع الأول و كان قدوم أصحاف الفيل، و قيل ليلة الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول.
أسماؤه
محمد و أحمد و الماحي ( يمحو به الكفر ) و الحاشر (يقدم الناس بالحشر ) و العاقب (آخر الأنبياء ) و نبي الرحمة و نبي التوبة و نبي الملاحم ( الحروب ) و المقفي بمعنى العاقب و الشاهد و المبشر و النذير و الضحوك و القتال و المتوكل و الفاتح و الأمين و الخاتم و المصطفى و الرسول و النبي و الأمي و القثم ( المعطاء للخير ).
مرضعاته
أول من أرضعه ( ثويبه) بلبن ابن لها (مسروح ) أياماً قبل حليمة، و كانت قد ارضعت قبله حمزة رضي الله عنه, ثم جاءت حليمة السعدية و أخذته عندها لرضاعته.
وفاة والده
خرج عبدالله إلى الشام في تجارة مع جماعة من قريش، فلما رجعوا مروا بالمدينة و عبدالله مريض، فقال أتخلف عند أخوالي من بني النجار، فأقام عندهم شهراً ثم توفي بالمدينة و عمره 25 سنة. و كان ميراثه خمسة جمال و قطعة غنم فورث ذلك رسول الله و كانت أم أيمن تحضنه و اسمها بركة.
وفاة والدته
ذهبت أمه آمنة بنت وهب به إلى المدينة و عمره ست سنين إلى أخواله بن النجار تزورهم و معها أم أيمن تحضنه فأقامت عندهم شهراً ثم رجعت فتوفيت ( بالأبواء ).
صفاته
كان رسول الله ربعة ليس بالطويل و لا بالقصير و ليس بالأدم و لا شديد البياض، رجل الشعر ليس بالسبط و لا الجعد يضرب شعره منكبيه، قال أنس: ما مسست حريراً ألين من كف رسول الله، عظيم الفم، طويل شق العين، مدور الوجه، أبيض يميل إلى الإحمرار، شديد سواد العين، غليظ الأصابع واسع الجبين.
أولاده
أول من ولد له القاسم ثم زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم ولد له في الإسلام عبدالله و أمهم جميعاً خديجة و أول من مات من ولده القاسم ثم عبدالله، كما رزق إبراهيم من مارية القبطية إلا انه توفي و عمرة ستة عشرة شهراً.
من معجزاته
القرآن
تكثير الطعام
الإسراء و المعراج
أنين جذع النخلة
الإستجابة لدعائه
تسليم الحجر و الشجر عليه
الإخبار ببعض الأمور الغيبية
تفجير الماء من بين أصابعة
علاجه لأمراض الصحابة بدعائه
الأخبار ببعض الأمور المستقبلية
إنشقاق القمر
قتال الملائكة معه
و قد ذكر الشيخ عبدالعزيز السلمان في كتابه من معجزات الرسول 194 معجزة يمكن الرجوع إليها
زوجــــاته
خديجة بنت خويلد
كانت متزوجة من اثنين قبل النبي صلى الله عليه و سلم، و هي أول من أسلم، و لقد سلم الله عليها عن طريق جبريل، و لم يتزوج الرسول صلى الله عليه و سلم عليها حتى ماتت، و مكث معها 24 سنة و أشهر، و كان وفياً لها بعد موتها يبر أصدقائها و يكثر من الدعاء لها و الاستغفار لها.
سودة بنت زمعه
تزوجها النبي في السنة العاشرة و لما أسنت هم بطلاقها فقالت لا تطلقني و أنت في حل مني، فأنا أريد أن أحشر في أزواجك و إني قد وهبت يومي لعائشة فأمسكها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى توفي عنها و توفيت في آخر خلافة عمر.
(أم سلمة) عاتكــة بنت عامر
كانت أول مهاجرة من النساء، و قد أصيبت بوفاة زوجها ( أبو سلمة ) فتزوجها النبي، و كان النبي إذا صلى دخل على نسائه فيبدأ بأم سلمة لأنها أكبرهن و توفيت و عمرها 84 سنة، و كانت آخر زوجات النبي.
زينب بنت خزيمة
و تسمى أم المساكين لأنها كثيراً ما تطعم المساكين و توفيت و رسول الله صلى الله عليه و سلم حي و قد مكثت عند رسول الله ثمانية أشهر.
جويريه بنت الحارث
تزوجها النبي بعدما أعتقها حيث كانت من سبايا بنى المصطلق، و لقد أعتق الله بها مائة أهل بيت من بني المصطلق فكانت أعظم بركة على قومها و توفيت سنة 50 للهجرة.
حفصة بنت عمر ابن الخطاب
قد عرضها والدها على أبو بكر حتى يتزوجها فلم يجبه و كذلك على عثمان فلم يجبه فلبث ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر لعمر فإنه لم يمنعني من خطبتها إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكرها و لم أكن لأفشي سر رسول الله، و قد طلقها النبي ثم راجعها، و قد توفيت سنة 41 للهجرة و قد بلغت 60 سنة.
عائشة بنت أبي بكر الصديق
رآها النبي في المنام قبل أن يتزوجها مرتين، و تزوجها و هي بنت سبع سنين و زفت إليه و هي بنت تسع سنين، و توفي عنها و هي بنت 18 سنة، و كان يلعب معها و يدعو لها و قالت أنها فضلت على نساء النبي بعشر: انه لم ينكح بكر غيرها، و لم ينكح امرأة أبواها مؤمنين مهاجرين غيرها و أنزل الله براءتها من السماء، و جاء جبريل بصورتها في حريرة، و كانت تغتسل مع النبي في إناء واحد، و كان ينزل عليه الوحي و هو معها، و قبض و هو بين سحرها و نحرها ومات في الليلة التي كان الدور عليها و دفن في بيتها.
زينب بنت جحش
تزوجها النبي و عمرها 35 سنة، سنة 3 هجرية وكان قد استخار بها فقال تعالى (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) فكانت زينب تفخر على أزواج النبي و تقول زوجكن أهلوكن و زوجني الله نعالى و كانت تقية و صادقة الحديث و تكثر من صلة الرحم و تكثر من الصدقة و توفيت سنة 20 للهجرة و صلى عليها عمر بن الخطاب.
(أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان
هاجرت إلى الحبشة مع زوجها فتنصر زوجها و مات، فتزوجها النبي و هي بأرض الحبشة و أرسل للنجاشي رسول الله و أصدقها النجاشي 400 دينار عن رسول الله و أرسلها النجاشي مع شرحبيل في سنة 9 للهجرة و توفيت سنة 44 للهجرة
ميمونة بنت الحارث
و هبت نفسها للنبي، قال تعالى: (( وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ )) و تزوجها حين اعتمر بمكة و توفيت سنة 61 للهجرة.
صفية بنت حيي
كان أبوها سيد بني النضير، و جعل الرسول عتقها صداقها، و قد دخل عليها رسول الله و هي تبكي فقال له أن حفصة و عائشة ينالان مني يقولان نحن خير منك نحن بنات عم رسول الله، فقال لها النبي ألا قلت لهن كيف تكن خيراً مني و أبي هارون، و عمي موسى و زوجي محمد. و توفيت في آخر خلافة عمر
تحياتي
سحاب
مرحلة ما بين الثالثة والسادسة:
يكون الطفل في هذه المرحلة شغوفاً بالاستماع للقصص،لذا فمن المفيد أن نعرِّفه ببساطة وتشويق برسول الله صلى الله عليه وسلم،فهو الشخص الذي أرسله الله تعالى ليهدينا ويعرفنا الفرق بين الخير والشر،فمن اختار الخير فله الجنة ومن اختار الشر فله النار والعياذ بالله،ونحكي له عن عبد الله،وآمنة والدي الرسول الكريم،و قصة ولادته صلى الله عليه وسلم ،وقصة حليمة معه،ونشأته يتيماً( حين كان أترابه يلوذون بآبائهم ويمرحون بين أيديهم كطيور الحديقة بينما كان هو يقلِّب وجهه في السماء ...لم يقل قط" يا أبي" لأنه لم يكن له أب يدعوه ،ولكنه قال كثيراً ،ودائماً:" يا ربي"!!! "( 19)
ومن المهم أن نناقش الطفل ونطلب رأيه فيما يسمعه من أحداث مع توضيح ما غمض عليه منها.
ويستحب أن نحفِّظه الآيتين الأخيرتين من سورتي "التوبة"،و"الفتح"التي تتحدث عن فضائله صلى الله عليه وسلم؛ مع شرح معانيها على قدر فهمه.
كما يمكن تحفيظه كل أسبوع أحد الأحاديث الشريفة القصيرة،مع توضيح معناها ببساطة،من هذه الأحاديث مثلاً :
" من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"
"إن الله جميل يحب الجمال"
"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً ان يتقنه"
"خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه"
"إماطة الأذى عن الطريق صدقة"
"لا يدخل الجنة نمَّام"
"من لم يشكر الناس، لم يشكر الله "
"ليس مِنَّا مَن لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا"
" ا لمسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده"
"الكلمة الطيبة صدقة"
"لا تغضب، ولك الجنة"
"تَبسَُّمك في وجه أخيك صدقة"
"الراحمون يرحمهم الرحمن""
"من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"
"خير الناس أنفعهم للناس"
"الدين ا لنصيحة"
"الجنة تحت أقدام الأمهات"
"تهادوا تحابُّوا"
"التائب من الذنب كمن لا ذنب له"
"جُعلت قرة عيني في الصلاة"
"الحياء من الإيمان"
" آية المنافق ثلاث :إذا حدَّث كذب وإذا وعد اخلف ،وإذا اؤتمن خان"
اللهم اصلح اطفال المسلمين جميعا
موسى بن ربيع البلوي
12-18-2002, 03:10 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اخي الفاضل : سحاب
بارك الله فيك و في جهدك الطيب ... ما احوجنا جميعا الى تدارس سيرة نبينا العطره و الاستفاده مما فيها من دروس و عبر .
وفقك الله اخي و الى المزيد بارك الله فيك
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختي الكريمه ( ندم ) :
احسنت الاختيار بارك الله فيكي و في ما كتبتي ... فعلا اطفالنا هم باشد الحاجه الى ان نغرس في نفوسهم حب نبينا صلى الله عليه و سلم .
فعلا موضوع جيد و شيق ...
و فقك الله و الى المزيد
و تقبلوا احبتي في الله اعطر تحياتي
نـــــــــــــــــــــــــــــــــدم
كتب الله لك الاجر والثواب
كلام مفيد ونصيحه عظيمه
بارك لك وحولك وادام عليك نعمة الاسلام
اشكر لك الاطلاله المفيده والمشاركه الفاعله
تحياتي
أخي ابو نادر
اشكر لك طيب الدعاء وحسن الثناء
انت على الدوام تستثير فينا العطاء
بارك الله لك بعملك ونفعك فيما تبذل نصح وتذكير
تقبل اجمل تحيات واطيب امنيات
ســـــــــــــــــــــــــــــحاب
موسى بن ربيع البلوي
12-23-2002, 11:12 PM
وصف خلقة الرسول صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون ( أبيض مستنيراً مائلاً الى الحمرة ) واسع الجبين ، أدعج العينين (الدعج شدة سواد العينين مع سعتهما ) ، وقيل أكحل ، أهدب الأشفار ( طويل 000) ، مفلج الأسنان ( الفلج هو وجود فراغ في الثنايا العليا) ، كثّ اللحية تملاء صدره ، عظيم المنكبين ، رحب الكفين والقدمين ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد ، رَجْلَ الشعر ( في شعره حجونة أي تثنِ قليل) يضرب شعره إلى منكبيه ، إذا تكَلّم رؤي كالنور يخرجُ من بين ثناياه ضخم الرأس والكراديس ، في وجهه تدوير ، ذا مشزبة ( وهي الشعر الرقيق من الصدر إلى بالسره)ضليع الفم سميك الخدين ، حسن الصوت ، سواء الصدروالبطن ، أشعر المنكبين والذراعين وأعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة ، منهوس القبين ( أي قليل لحم العقب ) بين كتفيه خاتم النبوة كزرِّ الحجلة ، وكبيضة الحمامة ، (وقفات تربوية مع السيرة النبوية 20 - 21)- ( الشمائل المحمدية اختصار وتحقيق الألباني 13-29) - ( فتح الباري 6/651-696) -( المناقب صحيح مسلم 15/91-116) - ( الفضائل وجوامع السيرة لابن حزم 21- 22)- (ودلائل النبوة للبيهقي تحقيق د0 عبدالمعطي قلعجي 1/194-285) وهي أجمع المواضع 0
بعض الآثار التي وردت في صفاته الخلقية : -
01 عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن قال : سمعت أنس بن مالك يصف النبي صلىالله عليه وسلم قال: كان ربْعَة من القوم ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، أزهر اللون ليس بأبيض أمهت ولا آدم ، ليس بجعد قطط ولا سبط رجل ، أنزل عليه وهو ابن أربعين فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه وبالمدينة عشر سنين ، قبض وليس في رأسه ولحيته عشرون شعره بيضاء ، قال ربيعة : فرأيت شعراً من شعره فإذا هو احمرَّ فسألت فقيل : إحمرَّ من الطيب )) رواه البخاري (6/652) المناقب ومسلم (15/100) الفضائل بمعناه 0
02 وعن البراء بن عازب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ، رواه البخاري (6/652) المناقب ومسلم (5/92) الفضائل 0
03 وعن أبي إسحاق قال : سئل البراء أكان وجه النبي صل الله عليه وسلم مثل السيف ؟ قال: لا ، بل مثل القمر )) رواه البخاري (6/653) المناقب والترمذي (31/116) المناقب 0
04 وعن عبدالله بن كعب قال سمعت كعب بن حالف يُحدِث حين تخلف عن تبوك قال (( فلما سلَمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجههُ حتى كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه )) رواه البخاري (6/653) المناقب 0
05 وعن أنس بن مالك رضي الله عنه - قال : (( ما مسستُ حريرً ولا ديباجاً ألين من كفِّ النبي صلىالله عليه وسلم ، ولا شمتُ ريحاً قط ولا عرقاً قط - أطيب من ريح - أو عَرْف- النبي صلى الله عليه وسلم )) رواه البخاري (6/604) المناقب 0
06 وعن جابر بن سمرُة قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم ، أشكل العين منهوس العبين )) رواه مسلم (15/93) الفضائل والترمذي (13/120) المناقب 0
قال النووي : وأما قوله ضليع الفم فكذا قاله الأكثرون وهو الأظهر ، قالوا : والعرب تمدح بذلك وتذم صغر الفم ، وهو معنى قول ثعلب في ضليع الفم : واسع الفم ، وقال شمر : عظيم الأسنان ، وقوله أشكل العين : فهو حمرة في بياض العينين ، وأما مالمنهوس فهو قليل لحم العقبين )) باختصار من شرح النووي (15/93) 0
07 وعن أبي الطفيل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض رجل رآه غيري 0 قال ( الجريري) فقلت له : كيف رأيته ؟ قال : كان أبيض مليحاً مُقصداً )) رواه مسلم ( 15/93) الفضائل 0
08 وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير ، شثن الكفين والقدمين ، ضخم الرأس ، ضخم الكراديس ، طويل المسربة ، وإذا مشى تكفّأ تكفياً كأنما ينحط من صبب : لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم )) رواه الترمذي (13/116) في المناقب ورواه في الشمائل رقم (40) من مختصر الشمائل للألباني وصححه الألباني - رحمه الله 0
المصدر :
http://jannahway.dawwar.net/
موسى بن ربيع البلوي
06-21-2003, 12:16 AM
إن للنبي صلى الله عليه و سلم منزلة عند المولى عز وجل و رتبة أكرمه بها و لقد أنعم عليه بما لا تطيق العقول معرفة كنهه و غايته و لا تفي الأعمار بتحصيله .
و إليكم بعض ما خص الله سبحانه و تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه و سلم :
* طاعة النبي صلى الله عليه و سلم و مبايعته هي عين طاعة الله تعالى و مبايعته :
قال تعالى: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
وقال عز و جل: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [الفتح: 10] .
و قال أيضا: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32] .
* قسم الله تعالى بعظيم قدره :
قال الله تعالى : {لَعَمْرُكَ إنَّهُم لَفِي سَكْرَتِهِم يَعْمَهونَ} [الحجر: 72] .
اتفق أهل التفسير في هذا أنَّهُ قَسَمٌ من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعناه : وبقائكَ يا محمدُ، وقيل وعيشك وقيل وحياتك وهذه نهاية التعظيم وغاية البر والتشريف.
قال ابن عباس رضي الله عنه : " ما خلق الله تعالى، وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره ".
وقال تعالى: {لا أقْسِمُ بِهَذا البَلَدِ * وأنتَ حِلٌّ بِهَذَا البَلَدِ} [البلد : 1-2].
قيل: لا أُقْسِمُ به إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه، وقيل لا زائدة أي : أقسم به وأنت به يا محمدُ حَلاَلٌ أو حِلٌّ لك ما فعَلْتَ فيه على التفسيرين، والمراد بالبلد عند هؤلاء : مكة .
* اختصاصه صلى الله عليه وسلم بجواز أن يقسم على الله به :
أخرج البخاري في تاريخه، والبيهقي في الدلائل والدعوات وصححه، وأبو نعيم في المعرفة عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : ادع الله تعالى لي أن يعافيني . قال : " إن شئت أخرت ذلك وهو خير لك، وإن شئت دعوت الله . قال : فادعه، فأمره أن يتوضأ، فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه، فيقضيها لي . اللهم شفعه فيّ "، ففعل الرجل، فقام، وقد أبصر.
* الرسول صلى الله عليه و سلم أولى بالمسلمين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم يحرم نكاحهن من بعده :
قال الله تعالى : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6].
معنى " أولى بالمؤمنين من أنفسهم " أي لو كنتَ في مكان تُضرَب فيه عنقك و كان معك النبي صلى الله عليه و سلم موجوداً و خُيِّرتَ بين أن تُضرب عنقك أو تُضرب عنقه، فالواجب أن تقدِّم عنقك و تحمي عنقه، فهو أولى بنفسكَ منك . وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ما من مؤمن إلا و أنا أولى به في الدنيا و الآخرة " .
و من ولايته صلى الله عليه و سلم حِرصه على المؤمنين و تأثُّره عليهم و رأفته و رحمته بهم.
* نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الخلق :
قال الإمام تاج الدين السبكي في رسالته التي سماها " التعظيم والمِنَّةِ في لتؤمننَّ به ولتنصرنَّه " : قال الله تعالى : {وإِذ أخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّنَ لَمَآ ءَاتَيتُكُم مِن كِتَابٍ وحِكمةٍ ثُمَّ جَآءكُمْ رَسُولُُ مُصَدِّقُُ لِمَا مَعَكُم لَتُؤمِنُنَّ بِه وَلَتَنصُرُنَّهُ} [أل عمران : 81] .
قال المفسرون: الرسول -في هذه الآية- هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ما من نبي إلا أخذ الله تعالى عليه الميثاق ( أي ما من نبي إلا ورضي وقبِلَ ) أنه إن بُعِثَ محمد صلى الله عليه وسلم في زمانه لتؤمنن به ولتنصرنه، ويوصي ( أي كل نبي ) أمَّته بذلك ( أي بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبنصرته )، وفي ذلك من التنويه بفضل النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره العليّ ما لا يخفى، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسَلاً إليهم، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم : " بُعِثتُ إلى الناس كافَّة "، لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضاً، ويتبين بذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " كنتُ نبياً وآدم بين الروح والجسد " .
* النَّهي عن مناداته باسمه :
ما ناداه الله تعالى باسمه قط إلا مُكَنّى بالتكريم . و لا يُرفع صوت فوق صوته .
* استمرار الصلاة و السلام عليه صلى الله عليه و سلم في كل نفس من الأنفاس :
فلا يخلو زمان أو لحظة عن الصلاة و السلام عليه
* كان عليه الصلاة و السلام يقبل الهدية و لا يقبل الصدقة :
عن أبي هريرة و عائشة و عبد الله بن بسر رضي الله عنهم أن النبي عليه الصلاة قال :"إن الله حرَّم عليّ الصدقة و أهل بيتي " .
* لا يأكل متكئاً :
عن أبي جُحَيفة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمَّا أنا فلا آكل مُتَّكئاً " .
* الخط و الشِّعر لا يُحسِنُهما :
قال تعالى : {وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت : الآية 48]. و قال عز و جل: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69].
* أُبيح له الوِصال في الصوم دون غيره:
قال صلى الله عليه و سلم : " إنّي لست مثلكم، إنّي أُطعَم و اُسقى "، متفق على صحته .
* الزكاة حرام عليه هو و ذوي القربى :
فإنها أوساخ أموال الناس كما أخرجه مسلم عن أبي هريرة، و أُبدِلَ عنها بالغنيمة المأخوذة بطريق العز و الشرف .
* لا يأكل البصل و الثوم و الكراث و ما له رائحة كريهة من البقول :
و هذا لا يعني تحريم أكلها و لكن النبي عليه الصلاة و السلام كان يكره رائحتها .
* ماله لا يُوَرث عنه ( و كذلك سائر الأنبياء ) :
قال صلى الله عليه و سلم : " لا نورِّث، ما تركناه صدقة"، متفق على صحته . و عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لا نُوَرث ما تركناه صدقة " .
* سراج منير لا وهّاج :
إذا كانت الشمس سراجاً وهاجاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو السراج المنير فكله منافع . قال ابن الجوزي : " إن النبي صلى الله عليه وسلم سراجٌ، والسراج لا يوقَد إلا ليلاً وهو صلى الله عليه وسلم بدر والبدر لا يظهر نوره إلا بالليل ".
* رؤيته ما لا يرى غيره :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ترون قِبلتي ههنا، فوالله ما يخفى عليّ ركوعكم و لا سجودكم، إني لأراكم من وراء ظهري ". و في رواية : " فوالله ما يخفى عليَّ خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري"، أخرجه البخاري ومسلم . قال الشراح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرى من خلفه كما يرى بعيني بصره و اختلف هل كانت له جارحة يرى بها من ظهره أم لا ؟ و الأسلم أن نؤمن بما قال و نمسك عن البحث فيه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ثم انصرف فقال : يا فلان ! ألا تحسن صلاتك ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي ؟ فإنما يصلي لنفسه، وإني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي"، أخرجه مسلم. هذه الرؤية معجزة خارقة وهي من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولم تنقل إلينا في حق أي من النبيين والمرسلين . وقد اختلف في كيفية هذه الرؤية ونقل الإمام النووي عن الإمام أحمد بن حنبل وجمهور العلماء أن هذه الرؤية بالعين حقيقة انظر شرح صحيح مسلم للنووي و فتح الباري .
* بياض إبطيه :
قال الحافظ محب الدين الطبراني : " من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن الابط من جميع الناس متغير اللون غيره صلى الله عليه وسلم " و ذكر القرطبي مثله وزاد أنه لا شعر عليه وجرى على ذلك الإمام الأسنوي رحمهم الله .
* نُصِرَ بالرعب مسيرة شهر كامل :
هناك خوف يأتي من الطاعة إجلالاً و محبة و هناك خوف يأتي من الذنب قهراً و جبرا . فكان مَن أمامه صلى الله عليه و سلم إمّا أنّه يهابه خشية و إجلالاً، ليس من سطوته و إنّما من عظمة نور الهدايه الذي وضعه الله فيه، فهذا لا يسمى رعب إنما خوف . قال تعالى :{وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] .
يقول ابن القيّم أن الفرق بين المهابة و الكبر أنّ المهابة أثر من آثار امتلاء القلب بعظمة الرب و محبته و إجلاله، فإذا امتلأ القلب بذلك حل فيه النور و نزلت عليه السكينة .
و أُلبِسَ رداء الهيبة، فكلامه نور و علمه نور، إن سكت علاه الوقار و إن نطق أخذ بالقلوب و الأبصار .و أمّا الكبر فإنّه أثر من آثار امتلاء القلب بالجهل و الظلم و العُجب، فإذا امتلأ القلب بذلك ترحلت عنه العبودية، و تنزلت عليه الظلمات الغضبية، فمشيته بينهم تبختر و معاملته لهم تَكَبُّر، لا يبدأ من لَقِيَه بالسلام و إن رد عليه يريه أنّه بالغ في الإنعام، لا ينطق لهم وجهه و لا يسعهم خُلُقه . أمّا من خالط النبي عليه الصلاة و السلام معرفةً أحَبَّه أي من عاشره معاشرة معرفة أو لأجل المعرفة أحبَّه حتى يصير أحَب إليه من والديه و ولده و الناس أجمعين لظهور ما يوجب الحب من كمال حسن خُلُقه و مزيد شفقته، هذا كله فيمن خالطه معرفة، أمّا من خالطه تكبّراً كالمنافقين فلا يحبه.
و من المعلوم أنّ الذي يذنب ويسيء حينما يجد أحداً أمامه يعرف ذنبه يخاف منه وهذا كان حال اليهود الذين كانوا يخافون النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم يعرفون أنه رسول الله .
* كان قرنه خير قرون بني آدم:
فالقرن الذي كان فيه صلى الله عليه و سلم خير قرن مرَّ على الدنيا كلها . عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة و السلام قال : "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، رواه مسلم .
* حوضه :
قال صلى الله عليه و سلم : " حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيَب من المسك، و كيزانه (أي كؤوسه) كنجوم السماء، من شرب منه لا يظمأ أبداً "، رواه مسلم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
من كتاب الشمائل المحمديه للترمذي
موسى بن ربيع البلوي
09-11-2003, 01:31 AM
ب1
س1
بمشيئة الله تعالىسوف نتطرق الى سيرة الحبيب صلى الله عليه و سلم على حلقات :
الجزء الاول
النسب والمولد والنشأة
نسب النبي صلى الله عليه وسلم:-
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ واسمه شَيْبَة ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه المغيرة ـ بن قُصَىّ ـ واسمه زيد ـ بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فِهْر ـ وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة ـ بن مالك بن النَّضْر ـ واسمه قيس ـ بن كِنَانة بن خُزَيْمَة بن مُدْرِكة ـ واسمه عامـر ـ بن إلياس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ بن عدنان
وقعة الفيل:-
أن أبرهة بن الصباح الحبشى، النائب العام عن النجاشى على اليمن، لما رأي العرب يحجون الكعبة بني كنيسة كبيرة بصنعاء، وأراد أن يصرف حج العرب إليها، وسمع بذلك رجل من بني كنانة، فدخلها ليلًا فلطخ قبلتها بالعذرة. ولما علم أبرهة بذلك ثار غيظه، وسار بجيش عرمرم ـ عدده ستون ألف جندى ـ إلى الكعبة ليهدمها، واختار لنفسه فيلا من أكبر الفيلة، وكان في الجيش 9 فيلة أو 13 فيلا، وواصل سيره حتى بلغ المُغَمَّس، وهناك عبأ جيشه وهيأ فيله، وتهيأ لدخول مكة، فلما كان في وادى مُحَسِّر بين المزدلفة ومنى برك الفيل، ولم يقم ليقدم إلى الكعبة، وكانوا كلما وجهوه إلى الجنوب أو الشمال أو الشرق يقوم يهرول، وإذا صرفوه إلى الكعبة برك، فبيناهم كذلك إذ أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول. وكانت الطير أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر ثلاثة أحجار؛ حجر في منقاره، وحجران في رجليه أمثال الحمص، لا تصيب منهم أحدًا إلا صارت تتقطع أعضاؤه وهلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يموج بعضهم في بعض، فتساقطوا بكل طريق وهلكوا على كل منهل، وأما أبرهة فبعث الله عليه داء تساقطت بسببه أنامله، ولم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل الفرخ، وانصدع صدره عن قلبه ثم هلك.
وكانت هذه الوقعة في شهر المحرم قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين يومًا أو بخمسة وخمسين يومًا ـ عند الأكثر ، وكانت تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته؛ وقد وقعت هذه الوقعة في الظروف التي يبلغ نبؤها إلى معظم المعمورة المتحضرة إذ ذاك. فالحبشة كانت لها صلة قوية بالرومان، والفرس لا يزالون لهم بالمرصاد، يترقبون ما نزل بالرومان وحلفائهم؛ ولذلك سرعان ما جاءت الفرس إلى اليمن بعد هذه الوقعة، وهاتان الدولتان كانتا تمثلان العالم المتحضر في ذلك الوقت. فهذه الوقعة لفتت أنظار العالم ودلته على شرف بيت الله، وأنه هو الذي اصطفاه الله للتقديس، فإذن لو قام أحد من أهله بدعوى النبوة كان ذلك هو عين ما تقتضيه هذه الوقعة، وكان تفسيرًا للحكمة الخفية التي كانت في نصرة الله للمشركين ضد أهل الإيمان بطريق يفوق عالم الأسباب.
عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم:-
وكـان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب وأعفهم وأحبهم إليه, واختار عبد المطلب لولده عبد الله آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وهي يومئذ تعد أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا، وأبوها سيد بني زهرة نسبًا وشرفًا، فزوجه بها، فبني بها عبد الله في مكة، وبعد قليل أرسله عبد المطلب إلى المدينة يمتار لهم تمرًا، فمات بها، وله إذ ذاك خمس وعشرون سنة، وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه يقول أكثر المؤرخين.
المولـــد:-
ولـد سيـد المرسلـين صلى الله عليه وسلم بشـعب بني هاشـم بمكـة في صبيحـة يــوم الاثنين التاسع مـن شـهر ربيـع الأول، وروى ابــن سعــد أن أم رســول الله صلى الله عليه وسلم قالــت : لمــا ولـدتــه خــرج مــن فرجـى نــور أضــاءت لـه قصـور الشام. وروى أحمد والدارمى وغيرهمـا قريبـًا مـن ذلك,
وقد روى أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك الطبرى والبيهقى وغيرهما. وليس له إسناد ثابت، ولم يشهد له تاريخ تلك الأمم مع قوة دواعى التسجيل.
ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده،فجاء مستبشرًا ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له. واختار له اسم محمد ـ وهذا الاسم لم يكن معروفًا في العرب .
وأول من أرضعته من المراضع ـ وذلك بعد أمه صلى الله عليه وسلم بأسبوع ـ ثُوَيْبَة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها ، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب.
الرسول في بني سعد:-
وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم ابتعادًا لهم عن أمراض الحواضر؛ ولتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربى في مهدهم، فالتمس عبد المطلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم المراضع، واسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث.
وإخوته صلى الله عليه وسلم هناك من الرضاعة : عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة أو جذامة بنت الحارث وهي الشيماء.
ورأت حليمة من بركته صلى الله عليه وسلم ما قضت منه العجب، ولنتركها تروى ذلك مفصلًا :
قال ابن إسحاق : كانت حليمة تحدث : أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء. قالت : وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئًا، قالت : فخرجت على أتان لى قمراء، ومعنا شارف(الناقة المسنة) لنا، والله ما تَبِضّ ُبقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديى ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتانى تلك، فلقد أذَمَّتْ بالركب حتى شق ذلك عليهم، ضعفًا وعجفًا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيرى، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبى: والله، إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعًا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. قال : لا عليك أن تفعلى، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت: فذهبت إليه وأخذته،وما حملنى على أخذه إلا أنى لم أجد غيره، قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته في حجرى أقبل عليه ثديأي بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبى حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إنى لأرجو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتانى، وحملته عليها معى، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شىء من حمرهم، حتى إن صواحبى ليقلن لى: يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك! أرْبِعى علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله، إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها شأنًا، قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمى تروح علىَّ حين قدمنا به معنا شباعًا لُبَّنـًا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمى شباعًا لبنًا. فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا. قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا.
شق الصدر:-
وفي السنة الرابعة من مولده على قول المحققين وقع حادث شق صدره، روى مسلم عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طَسْت من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمَه ـ أي جمعه وضم بعضه إلى بعض ـ ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعنى ظئره ـ فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو مُنْتَقِعُ اللون ـ أي متغير اللون ـ قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.
إلى أمه الحنون:-
وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين.
ورأت آمنة ـ وفاء لذكرى زوجها الراحل ـ أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ نحو خمسمائة كيلو متر ومعها ولدها اليتيم ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ وخادمتها أم أيمن، وقيمها عبد المطلب، فمكثت شهرًا ثم قفلت، وبينما هي راجعة إذ لحقها المرض في أوائل الطريق، ثم اشتد حتى ماتت بالأبْوَاء بين مكة والمدينة
إلى جده العطوف:-
وعاد به عبد المطلب إلى مكة، ولثمانى سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى الله عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأي قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه.
ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده وقدمه عليهم واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله.
قصة بَحِيرَى الراهب:-
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة سنة ـ قيل: وشهرين وعشرة أيام ـ ارتحل به أبو طالب تاجرًا إلى الشام، حتى وصل إلى بُصْرَى ـ وهي معدودة من الشام، وقَصَبَة لحُورَان، وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلاد العربية التي كانت تحت حكم الرومان. وكان في هذا البلد راهب عرف بَبحِيرَى، واسمه ـ فيما يقال: جرجيس، فلما نزل الركب خرج إليهم، وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك، فجعل يتخلّلهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أبو طالب و أشياخ قريش: و ما علمك بذلك ؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبى، وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنا نجده في كتبنا، ثم أكرمهم بالضيافة، وسأل أبا طالب أن يرده، ولا يقدم به إلى الشام؛ خوفًا عليه من الروم واليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة.
حياة الكدح :-
ولم يكن له صلى الله عليه وسلم عمل معين في أول شبابه الا ان الروايات توالت أنه كان يرعى غنمًا ، ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين شب, وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجرًا إلى الشام في مال خديجة رضي الله عنها قال ابن إسحاق: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قومًا تجارًا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام.
زواجه بخديجة:-
ولما رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأي فيه صلى الله عليه وسلم من خلال عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، وجدت ضالتها المنشودة ـ وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبي عليهم ذلك ـ فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه، وهذه ذهبت إليه صلى الله عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضى بذلك، وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بَكْرة. وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسبًا وثروة وعقلًا، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
وكل أولاده صلى الله عليه وسلم منها سوى إبراهيم،ولدت له: أولًا القاسم ـ وبه كان يكنى ـ ثم زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وعبد الله. وكان عبد الله يلقب بالطيب والطاهر، ومات بنوه كلهم في صغرهم، أما البنات فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن،إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى الله عليه وسلم سوى فاطمة رضي الله عنها، فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به.
السيرة الإجمالية قبل النبوة:-
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات، وكان طرازًا رفيعًا من الفكر الصائب، والنظر السديد، ونال حظًا وافرًا من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف، وكان يستعين بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستكناه الحق، وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية صحائف الحياة وشئون الناس وأحوال الجماعات، فعاف ما سواها من خرافة، ونأي عنها، ثم عاشر الناس على بصيرة من أمره وأمرهم، فما وجد حسنًا شارك فيه وإلا عاد إلى عزلته العتيدة، فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل مما ذبح على النصب، ولا يحضر للأوثان عيدًا ولا احتفالًا، بل كان من أول نشأته نافرا من هذه المعبودات الباطلة، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها، وحتى كان لا يصبر على سماع الحلف باللات والعزى.
الجزء الثانى نفحات من طباع الرسول
لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟!
لأنه يحبنا ,و لولاه لهلكنا و متنا على الكفر و استحققنا الخلود فى النار..و به عرفنا مكائد الشيطان , شوّقنا الى الجنة, ما من طيب الا و ارشدنا اليه , و ما من خبيث الا و نهانا عنه, و من حقه علينا أن نحبه لانه:-
1- يحشر المرء مع من أحب
جاء أعرابى الى النبى صلى الله علية و سلم فقال : متى الساعة؟! قال رسول الله صلى الله علية و سلم : ما اعددت لها؟ قال: انى أحب الله و رسوله . قال أنت مع من أحببت.
بهذا الحب تلقى رسول الله على الحوض فتشرب الشربة المباركة التى لا ظمأ بعدها أبدا.
أبشر يا ثوبان
قال القرطبى : كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم شديد الحب قليل الصبرعنه, فأتاه ذات يوم و قد تغير لونه و نحل جسمة يعرف فى وجهه الحزن فقال له النبى صلى الله عليه و سلم : ما غير لونك ؟ قال: يا رسول الله ما بى من ضر و لا وجع غير انى اذا لم أرك اشتقت اليك و استوحشت و حشة شديدة حتى القاك , ثم ذكرت الآخرة و أخاف أن لا أراك هناك , لأنى عرفت أنك ترفع مع النبيين , و أنى ان دخلت الجنة كنت فى منزلة هى أدنى من منزلتك , و ان لم أدخل لا أراك أبدا فأنزل الله قوله ( و من يطع الله و الرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا) (النساء :69)
.
هذا و الله اعلى و اعلم
انتهى بحول من الله و قوته اول رسالة
لا تنسونا من صالح دعائكم
تم نقل المادة العلمية من كتاب الرحيق المختوم للكاتب الهندى الكبير صفى الرحمن المباركفورى الحائز على جائزة افضل بحث فى السيرة فى المسابقة العالمية التى نظمتها رابطة العالم الاسلامى0
و من كتاب و اشوقاه رسول الله للدكتور خالد ابو شادى.
و من كتاب تعالوا نحب رسول الله للاستاذ احمد
موسى بن ربيع البلوي
09-16-2003, 03:51 PM
في ظلال النبوة والرسالة
في غار حراء:0
لما تقاربت سنه صلى الله عليه وسلم الأربعين، وكانت تأملاته الماضية قد وسعت الشقة العقلية بينه وبين قومه، حبب إليه الخلاء، فكان يأخذ السَّوِيق والماء، ويذهب إلى غار حراء في جبل النور على مبعدة نحو ميلين من مكة فيقيم فيه شهر رمضان، ويقضي وقته في العبادة والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون وفيما وراءها من قدرة مبدعة، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك المهلهلة وتصوراتها الواهية.
دبر الله له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات، ينطلق في هذه العزلة شهرًا من الزمان، مع روح الوجود الطليقة، ويتدبر ما وراء الوجود من غيب مكنون، حتى يحين موعد التعامل مع هذا الغيب عندما يأذن الله
جبريل ينزل بالوحي:0
ولما تكامل له أربعون سنة ـ وهي رأس الكمال، وقيل: ولها تبعث الرسل بدأت طلائع النبوة تلوح وتلمع، فمن ذلك أن حجرًا بمكة كان يسلم عليه، ومنها أنه كان يرى الرؤيا الصادقة؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت على ذلك ستة أشهر ـ ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة ـ فلما كان رمضان من السنة الثالثة من عزلته صلى الله عليه وسلم بحراء شاء الله أن يفيض من رحمته على أهل الأرض، فأكرمه بالنبوة، وأنزل إليه جبريل بآيات من القرآن.
ولنستمع إلى عائشة الصديقة رضي الله عنها تروى لنا قصة هذه الوقعة التي كانت نقطة بداية النبوة، وأخذت تفتح دياجير ظلمات الكفر والضلال حتى غيرت مجرى الحياة، وعدلت خط التاريخ، قالت عائشة رضي الله عنها
أول ما بديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيَتَحَنَّث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ: قال: ما أنا بقارئ ، قال: فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال: اقرأ، قلت: مـا أنـا بقـارئ، قـال: فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلـغ منـى الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثـم أرسلـني فـقـال:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) العلق:1: 3، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زَمِّلُونى زملونى، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: ما لي؟ فأخبرها الخبر، لقد خشيت على نفسي ، فقالت خديجة: كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ـ وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي ـ فقالت له خديجة: يابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأي، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَعا، ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجيّ هم؟ قال:نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِىَ، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يَنْشَبْ ورقة أن توفي، وفَتَر الوحى.
جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية:0
قال ابن حجر: وكان ذلك أي انقطاع الوحي أيامًا؛ ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع، وليحصل له التشوف إلى العود، فلما حصل له ذلك وأخذ يرتقب مجىء الوحى أكرمه الله بالوحي مرة ثانية. قال: صلى الله عليه وسلم:
جاورت بحراء شهرًا فلما قضيت جوارى هبطت فلما استبطنت الوادي فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئًا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أرشيئًا، فرفعت رأسى فرأيت شيئًا، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فَجُئِثْتُ منه رعبًا حتى هويت إلى الأرض فأتيت خديجة فقلت: زملوني، زملوني، دثرونى، وصبوا على ماء باردًا، قال: فدثرونى وصبوا على ماء باردًا، فنزلت: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ )المدثر: 1: 5.
وهذه الآيات هي مبدأ رسالته صلى الله عليه وسلم وهي متأخرة عن النبوة بمقدار فترة الوحى.
وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظل قائمًا بعدها أكثر من عشرين عامًا؛ لم يسترح ولم يسكن، ولم يعـش لنفسه ولا لأهله. قام وظل قائمًا على دعوة الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، عبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى، عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عامًا؛ لا يلهيه شأن عن شأن في خلال هذا الأمد منذ أن سمع النداء العلوى الجليل، وتلقى منه التكليف الرهيب... جزاه الله عنا وعن البشرية كلها خير الجزاء.
المرحلة الأولى: من جهاد الدعوة إلي الله:0
ثلاث سنوات من الدعوة السرية:0
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول ما تقدم من آيات سورة المدثر، بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ وحيث إن قومه كانوا جفاة لا دين لهم إلا عبادة الأصنام والأوثان، ولا حجة لهم إلا أنهم ألفوا آباءهم على ذلك، ولا أخلاق لهم إلا الأخذ بالعزة والأنفة، ولا سبيل لهم في حل المشاكل إلا السيف، وكانوا مع ذلك متصدرين للزعامة الدينية في جزيرة العرب، ومحتلين مركزها الرئيس، ضامنين حفظ كيانها، فقد كان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية؛ لئلا يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم.
الرعيل الأول:0
وكان من الطبيعى أن يعرض الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام أولًا على ألصق الناس به من أهل بيته، وأصدقائه ، ودعا إليه كل من توسم فيه الخير ممن يعرفهم ويعرفونه وفي مقدمتهم زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ومولاه زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وابن عمه علي بن أبي طالب وصديقه الحميم أبو بكر الصديق. أسلم هؤلاء في أول يوم الدعوة.
ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى الإسلام ، فأسلم بدعوته عثمان بن عفان الأموى، والزبير بن العوام الأسدى، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص الزهريان، وطلحة بن عبيد الله التيمي. فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس هم الرعيل الأول وطليعة الإسلام.
هؤلاء معروفون بالسابقين الأولين، ويظهر بعد التتبع والاستقراء أن عدد الموصوفين بالسبق إلى الإسلام وصل إلى مائة وثلاثين رجلًا وامرأة، ولكن لا يعرف بالضبط أنهم كلهم أسلموا قبل الجهر بالدعوة أو تأخر إسلام بعضهم إلى الجهر بها.
المرحلـة الثانية: الدعــوة جهــارًا:0
أول أمـر بإظهار الدعـوة:0
لما تكونت جماعة من المؤمنين تقوم على الأخوة والتعاون، وتتحمل عبء تبليغ الرسالة وتمكينها من مقامها نزل الوحى يكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعالنة الدعوة، ومجابهة الباطل بالحسنى.
وأول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالى : (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ )الشعراء:214، وقد ورد في سياق ذكرت فيه أولًا قصة موسى عليه السلام، من بداية نبوته إلى هجرته مع بني إسرائيل، وقصة نجاتهم من فرعون ومن ناحية أخرى تشتمل هذه السورة على ذكر مآل المكذبين للرسل، من قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة ـ عدا ما ذكر من أمر فرعون وقومه ـ ليعلم الذين سيقومون بالتكذيب عاقبة أمرهم وما سيلقونه من مؤاخذة الله إن استمروا عليه، وليعرف المؤمنون أن حسن العاقبة لهم وليس للمكذبين.
الدعـوة في الأقربين:0
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته بني هاشم بعد نزول هذه الآية وقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إنى رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالدعوة إلى الإسلام في مجامع المشركين ونواديهم، يتلو عليهم كتاب الله، ويقول لهم ما قالته الرسل لأقوامهم:( يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ )الأعراف:59 ،وبدء يعبد الله تعالى أمام أعينهم، فكان يصلى بفناء الكعبة نهارًا جهارًا وعلى رءوس الأشهاد.
وقد نالت دعوته مزيدًا من القبول، ودخل الناس في دين الله واحدًا بعد واحد. وحصل بينهم وبين من لم يسلم من أهل بيتهم تباغض وتباعد وعناد واشمأزت قريش من كل ذلك، وساءهم ما كانوا يبصرون.
أساليب شتى لمجابهة الدعوة:0
1ـ السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب والتضحيك:
قصدوا بها تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، فرموا النبي صلى الله عليه وسلم بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، وقد أكثروا من السخرية والاستهزاء وزادوا من الطعن والتضحيك شيئًا فشيئًا حتى أثر ذلك في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) الحجر:97 ، ثم ثبته الله وأمره بما يذهب بهذا الضيق فقال:( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )الحجر:98,99
2ـ إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة:
وقد أكثروا من ذلك وتفننوا فيه بحيث لا يبقى لعامة الناس مجال للتدبر في دعوته والتفكير فيها، فكانوا يقولون عن القرآن: (أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ) الأنبياء:5 يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار، ويقولون:( بَلِ افْتَرَاهُ) من عند نفسه ويقولون (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) وأحيانا قالوا: إن له جنًا أو شيطانًا يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان. قال تعالى ردًا عليهم:( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم )الشعراء:221 أي إنها تنزل على الكذاب الفاجر المتلطخ بالذنوب، وما جرّبتم علىّ كذبًا، وما وجدتم في فسقًا، فكيف تجعلون القرآن من تنزيل الشيطان؟
3 ـ الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن، ومعارضته بأساطير الأولين:
كان المشركون بجنب إثارة هذه الشبهات يحولون بين الناس وبين سماعهم القرآن ودعوة الإسلام بكل طريق يمكن، فكانوا يطردون الناس ويثيرون الشغب والضوضاء ويتغنون ويلعبون، إذا رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يتهيأ للدعوة، أو إذا رأوه يصلى ويتلو القرآن. قال تعالى:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) فصلت: 26 حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتمكن من تلاوة القرآن عليهم في مجامعهم ونواديهم إلا في أواخر السنة الخامسة من النبوة، وذلك أيضًا عن طريق المفاجأة، دون أن يشعروا بقصده قبل بداية التلاوة.
الاضطهادات:0
أعمل المشركون الأساليب التي ذكرناها شيئًا فشيئًا لإحباط الدعوة بعد ظهورها في بداية السنة الرابعة من النبوة، ومضت على ذلك أسابيع وشهور وهم مقتصرون على هذه الأساليب لا يتجاوزونها إلى طريق الاضطهاد والتعذيب، ولكنهم لما رأوا أن هذه الأساليب لم تجد نفعًا في إحباط الدعوة الإسلامية استشاروا فيما بينهم، فقرروا القيام بتعذيب المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام، وانقض كل سيد على من اختار من عبيده طريق الإيمان.
الجزء الثانى نفحات من طباع الرسول:0
الرحمة المهداة
قال تعالى (و ما ارسلناك الا رحمة للعالمين) (الأنبياء : 107)0
لولاه لنزل العذاب بالأمة... لولاه لاستحققنا الخلود فى النار ..لولاه لضعنا.
انه رحمة لكل أحد...لكن المؤمنين قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا و اخرى , و الكفار ردوها فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم لكن لم يقبلوها , كما يقال: هذا دواء لهذا المرض فاذا لم يستعمله لم يخرج عن أن يكون دواء لذلك المرض
الجماد أحبه و أنت؟!
لمّا فقده الجذع الذى كان يخطب عليه قبل اتخاذ المنبر حنّ اليه و صاح كما يصيح الصبى, فنزل اليه فاعتنقه, فجعل يهذى كما يهذى الصبى الذى يسكن عند بكائه , فقال صلى الله عليه و سلم :"لو لم أعتنقه لحنّ الى يوم القيامة". صحيح
كان الحسن البصرى اذا حدّث بهذا الحديث بكى , و قال : هذه خشبة تحن الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فانتم أحق أن تشتاقوا اليه.
هذا و الله اعلى و اعلم
انتهى بحول من الله و قوته ثانى رسالة
لا تنسونا من صالح دعائكم
تم نقل المادة العلمية من كتاب الرحيق المختوم للكاتب الهندى الكبير صفى الرحمن المباركفورى الحائز على جائزة افضل بحث فى السيرة فى المسابقة العالمية التى نظمتها رابطة العالم الاسلامى0
و من كتاب و اشوقاه رسول الله للدكتور خالد ابو شادى.
و من كتاب تعالوا نحب رسول الله للاستاذ احمد زين
ابراهيم بن علي العثماني
03-01-2004, 11:38 PM
صلى الله عليه و سلم
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 08:45 AM
(الشبكة الإسلامية)
السيرة النبوية
أهمية دراسة التاريخ
لما كان التاريخ مرآة الأمم ، يعكس ماضيها، ويترجم حاضرها ، وتستلهم من خلاله مستقبلها، كان من الأهمية بمكان الاهتمام به، والحفاظ عليه، ونقله إلى الأجيال نقلاً صحيحاً، بحيث يكون نبراساً وهادياً لهم في حاضرهم ومستقبلهم . فالشعوب التي لا تاريخ لها لا وجود لها، إذ به قوام الأمم ، تحيى بوجوده وتموت بانعدامه .
ونظراً لأهمية التاريخ في حياة الأمم، فقد لجأ أعداء هذه الأمة - فيما لجؤوا إليه- إلى تاريخ هذه الأمة، لتفريق جمعها، وتشتيت أمرها، وتهوين شأنها، فأدخلوا فيه ما أفسد كثيراً من الحقائق، وقلب كثيراً من الوقائع، وأقاموا تاريخاً يوافق أغراضهم، ويخدم مآربهم، ويحقق ما يصبون إليه.
وهذا المقال سيكون بمثابة مدخل بسيط لهذا الموضوع نقصر القول فيه على بيان أهمية التاريخ في حياة الأمم عموماً وحياة المسلمين خصوصاً فنقول :
1- التاريخ يعين على معرفة المتعاصرين من الناس، ويسهم في تحديد الصواب من الخطأ حال تشابه الأسماء والاشتراك فيها.
2- التاريخ الموثق يُمكِّن من معرفة حقائق الأحداث والوقائع ومدى صدقها ، كما حصل في كتاب أشاعه اليهود أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط فيه الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة معاوية و سعد بن معاذ ، وعند التحقيق والتدقيق يتبين لنا أن معاوية أسلم بعد الفتح، و سعد قد مات يوم بني قريظة، قبل خيبر بسنتين، وبهذا نعلم عدم مصداقية هذا الخبر.
3- التاريخ يعين على معرفة تاريخ الرواة، من جهة وقت الطلب واللقاء، والرحلة في طلب العلم، والاختلاط والتغير، وسنة الوفاة، وحال الراوي من جهة الصدق والعدالة.
4- التاريخ له أهمية في معرفة الناسخ والمنسوخ، إذ عن طريقه، ومن خلاله يعلم الخبر المتقدم من المتأخر.
5- التاريخ تُعرف به الأحداث والوقائع وتاريخ وقوعها، وما صاحبها من تغيرات ومجريات.
6- التاريخ يعين على معرفة حال الأمم والشعوب، من حيث القوة والضعف، والعلم والجهل، والنشاط والركود، ونحو ذلك من صفات الأمم وأحوالها.
7- التاريخ الإسلامي صورة حية للواقع الذي طُبق فيه الإسلام، وبمعرفته نقف على الجوانب المشرقة في تاريخنا فنقتفي أثرها، ونقف أيضاً على الجوانب السلبية فيه فنحاول تجنبها والابتعاد عنها.
8- التاريخ فيه عظات وعبر، وآيات ودلائل، قال تعالى : { قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } (الأنعام:11).
9- التاريخ فيه استلهام للمستقبل على ضوء السنن الربانية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحدا.
10- التاريخ فيه شحذ للهمم، وبعث للروح من جديد، وتنافس في الخير والصلاح والعطاء.
11- التاريخ يبرز القدوات الصالحة التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وتركت صفحات بيضاء ناصعة، لا تُنسى على مر الأيام والسنين.
12- ومن أهم ما تفيده دراسة التاريخ معرفة أخطاء السابقين، والحذر من المزالق التي تم الوقوع فيها عبر التاريخ، أخذاً بالهدي النبوي فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ) متفق عليه.
تلك هي أبرز الجوانب التي تبين أهمية التاريخ ودراسته، سائلين الله التوفيق والسداد، والحمد لله رب العالمين.
الإثنين :12/01/2004
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 08:49 AM
(الشبكة الإسلامية)
أهداف دراسة السيرة
لما كان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم آخر رسل الله إلى البشرية جمعاء ، لزم أن تكون سيرته واضحة للجميع ، يستطيع كل أحدٍ الوصول إليها ، والنظر فيها ، والاستفادة منها . وقد قيض الله رجالاً من الصحابة ومن جاء بعدهم ، نقلوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى صارت في متناول كل راغب ومحب .
وإنّ تتبع تلك السيرة العطرة والوقوف على أحداثها ووقائعها ، وتناولها بالدراسة والتحقيق له أهداف عديدة ، يرمي لها الباحثون ، ويسعى إليها الدارسون ، أهداف يضعها المسلم نصب عينيه وهو يقلب السيرة بين يديه ، أهداف تجعل السيرة النبوية مميزة عن غيرها ، فلا تكون دراستها من أجل المتعة فحسب ، وإنما لأجل غايات أسمى ، فمن ذلك :
1-معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة شاملة ، كمعرفة نسبه ومولده ونشأته ، وأسلوب دعوته من بعثته إلى وفاته صلى الله عليه وسلم ، تلك المعرفة التي تورث القرب منه ، ومحبته التي ينبغي أن تُملأ بها القلوب بعد محبة الله عز وجل .
2-معرفة هديه صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها ، هديه في المنام والطعام والشراب والنكاح ، هديه في الحل والترحال ، هديه في السلم والحرب ، هديه في التعامل مع ربه ومع نفسه ومع المخلوقين ، هديه في التعامل مع الموافقين والمخالفين ، هديه في التربية والتعليم والدعوة والإرشاد ، هديه في كل ما يحتاجه البشر ، مما يترتب على ذلك محبته صلى الله عليه وسلم واتباعه والاقتداء به ، وتلك عبادة واجبة لا بد منها ، وهي سبيل إلى الهداية ، قال تعالى : { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين } (النور : 54) .
3-أخذ الدروس والعبر ، التي تضيء للسالك الطريق ، وتوصله إلى بر الأمان ، تلك الدروس التي تُؤخذ من سيرته صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال ، ولجميع الفئات.
.
4-الوقوف على التطبيق العملي لأحكام الإسلام التي تضمنتها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة .
5-الوقوف على دلائل معجزاته صلى الله عليه وسلم ، مما يقوي الإيمان ويزيده .
6-معرفة الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم ، حتى يميّز عن غيره ، وبالتالي تبقى السيرة صفحات بيضاء كما هي الحقيقة ، بعيدة عن غلو الغالين ، وتزييف الحاقدين .
7-بيان ما كان عليه هذا القائد العظيم من صفات وشمائل ، فلم ولن تجد سيرة أحدٍ ممن خلق الله تماثلها ، فضلاً عن أن تنافسها وتزيد عليها ، فهو قدوة في كل شيء يحتاجه الإنسان ، قال تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة}(الأحزاب : 21).
8-معرفة الإسلام ، عقيدة ، وشريعة ، وأخلاقاً .
9-الاستعانة بدراسة السيرة في تفسير القرآن الكريم ، وشرح السنة النبوية .
10-معرفة موقف الإسلام وتعامله مع جميع الناس من صديق وعدو ، مسلم وكافر، معاهد وخائن وغير ذلك .
تلك هي بعض الأهداف التي يُسعى لها وتُستفاد من دراسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلك السيرة التي لا بد من بيانها والوقوف معها ، ومعرفة عوامل تميزها عن غيرها ؛ حيث إنها سيرة باقيةٌ بقاء هذا الدين ، وشاملة بشموله ، ومحفوظة بحفظه ، وصاحبها مُتبعٌ يقتدى به إلى آخر الزمان ، فلا نبيٌّ بعده صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 08:51 AM
مصادر السيرة النبوية
(الشبكة الإسلامية) الدكتور / أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة الإسلامية )
اهتم المسلمون قديماً وحديثا بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم باعتبارها المنهج العملي للإسلام، فألف أئمة الإسلام مؤلفات عديدة وجامعة في سيرته عليه الصلاة والسلام، ودونوا كل مايتعلق بذلك، والناظر في المكتبة الإسلامية يرى ذلك جلياَ بحمد الله، وسنقف في هذا المقال على بعض هذه المصادر.
يقف القرآن الكريم في مقدمة مصادر السيرة ، ففيه بيان واضح للعقيدة والشريعة والأخلاق ، ويتضمن وصفاً للعديد من الأحداث والغزوات، وتصويراً للصراع الفكري والمادي بين الإسلام وخصومه ، وله أهمية خاصة من حيث الثبوت المطلق دينياً وتاريخياً ، حيث لا يشكك أحد فيه من الناحية التاريخية ، وإن اختلفت الآراء بين المسلمين وغيرهم حول مصدره .
ويلي القرآن في الأهمية كُتُب الحديث المتنوعة ما بين الكتب المرتبة على المسانيد والكتب المرتبة على الموضوعات الفقهية ، وهذه الكتب تقدم مادة واسعة ، وتحتوي على تفاصيل كثيرة متصلة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية ، وتوضح جذور النظم الإسلامية وكيفية تطبيق التشريعات الأولى قبل أن يحاط النص بتفسيرات الفقهاء واجتهاداتهم العديدة. وتمتاز المصادر الحديثية بأنها أوثق رواة وأدق متوناً من كتب السيرة المتخصصة، وهذا بالجملة ، وينطبق هذا الوصف بدقة على الكتب الستة وفي مقدمتها الصحيحان .
وإضافة لما سبق فإن كتب الحديث وشروحها تناولت المغازي والأحداث التاريخية ، وقدمت معلومات غزيرة في هذا المجال.
كما أن السيرة تستقي من كتب أسباب النزول والناسخ والمنسوخ في القرآن، وكتب التفسير وفي مقدمتها (( تفسير الطبري )) و (( تفسير ابن أبي حاتم الرازي )) ، حيث أن التفسيرين يسوقان الروايات بالأسانيد مما يخدم توثيق النصوص على طريق المتابعات والشواهد ، ومعرفة اختلاف المخارج بالنسبة للمراسيل .
ومن الجدير الانتباه إلى كتب علم الرجال التي تدخل ضمن كتب علوم الحديث، والتي تقدم تفاصيل مهمة عن حياة الرواة ومدى تمتعهم بثقة معاصريهم ومن بعدهم، حيث أن نقد الروايات الحديثية، وروايات كتب السيرة من الناحية الإسنادية يتوقف على هذه المؤلفات الرجالية بالإضافة إلى كتب مصطلح الحديث التي تبين بتفصيل كيفية استعمال هذه المعلومات.
ومن الجدير بالانتباه أن مصطلح التاريخ الحديث ( الميثودولوجي ) يلتقي مع منهج مصطلح الحديث في محاولة الوقوف على أحوال الرواة ودوافعهم والمؤثرات المحيطة بهم سواء أكانت شخصية أم اجتماعية .
وتمتاز كتب السيرة المتخصصة بسهولة العرض ، وتتابع الأحداث التأريخية واتصالها، ومراعاة الزمن في سردها ، كما أنها تقدم وصفاً مفصلاً للأحداث بحكم تخصصها .
وقد فقد العديد منها مثل مغازي عروة بن الزبير ، وموسى بن عقبة ، الزهري ، ولكن ما اقتبسته المصادر اللاحقة يوضح الهيكل والأسلوب ومستوى الدقة .
وتعد سيرة ابن اسحق أوثق كتب السيرة المتخصصة التي وصلت إلينا بتهذيب ابن هشام بالإضافة إلى القطع الأصلية منها ، والتي نشرت خلال العقدين الأخيرين، فهو حجة في المغازي كما صرح الذهبي ، رغم ما ذكره النقاد المحدثون من وجود المناكير والعجائب في رواياته ، إذ أنهم قبلوا من أحاديثه في أمور العقيدة والشريعة ما صرح فيها بالتحديث ولم يدلس ما لم يخالف من هو أوثق منه ، واعتبروها في مرتبة " الحسن " الذي يحتج به .
وقد حظت رواية البكائي لسيرة ابن سحق بالقبول لأنه اعتمد نسخة منقحة ، خلافاً لرواية يونس بن بكير الذي اعتمد نسخة قديمة .
أما المصدر الآخر من كتب السيرة فهو مغازي الواقدي ، وقد رفض النقاد من المحدثين قبول مروياته ، ولكن المؤرخين اهتموا بها لغزارة معلوماته، وتقديمه تفاصيل كثيرة ينفرد بها، سواء في وصف الغزوات، أو تحديد تواريخ الأحداث بدقة ، وهذه الدقة، تثير الشك في صدقه . والملاحظ من استقراء مغازيه أنه يسوق روايات كثيرة بأسانيد فيها رواة لا نجد لهم تراجم في كتب علم الرجال ، في حين أن نُقُول ابن سعد عنه في الطبقات الكبرى منتقاة . ونجد تراجم رجال الأسانيد في المصادر المعنية .
وثالث كتب السيرة المهمة هو الطبقات الكبرى لمؤلفه محمد بن سعد ( ت .230هـ) وكان كاتباً للواقدي ، مما جرَّ إلى اتهامه بسرقة مصنفاته، ولكن المحدثين النقاد رفضوا هذه الاتهامات ووثقوه ، كما أن التحقيق والاستقراء لكتابه يكشف عن كونه مؤلفاً أصيلا ، وأن رواياته عن الواقدي . - وقد صرح بالنقل عنه ـ لا تمثل معظم الكتاب الذي استقى مادته من شيوخ عديدين .
ويبغي أن يعتبر القسم الأول من أ نساب الأشراف للبلاذري هو المصدر الرابع من حيث الأهمية والقِدم . أما الطبري فإن جلَّ اعتماده على ابن اسحق ، وإن أضاف روايات من مصادر أخرى .
ومن المفيد الإشارة إلى أن مصادر متأخرة نسبياً مثل ( الدرر في اختصار المغازي والسير ) لـابن عبد البر القرطبي ( ت 463 هـ ) و ( جوامع السيرة ) لابن حزم( ت 456هـ) ليست إلا أصداء للمصادر القديمة ، ولكن المصادر التي تلتها زمنياً استقت من كتب الحديث إلى جانب كتب السيرة المتخصصة، ويبدو هذا المسلك واضحاً عند ابن سيد الناس في ( عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير ) و الذهبي في ( السيرة النبوية ) و ابن كثير في قسم السيرة من كتابه ( البداية والنهاية )، لكن الأخيرين أبديا ملحوظات نقدية مهمة عن الأسانيد والمتون .
و الاتجاه نحو الجمع الواسع -كما هو شأن المتأخرين في الحقول الثقافية الأخرى- يظهر عند محمد بن يوسف الدمشقي الشامي ( ت 942هـ) حيث انتخب من ثلاثمائة كتاب في سيرته ( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ) .
ولا ينبغي في نهاية الأمر أن نغفل أهمية كتب الدلائل والشمائل ، ومن أوسعها (دلائل النبوة ) للبيهقي ، وكذلك كتب الخصائص ، ومن أهمها كتاب ابن الملقن (غاية السول في خصائص الرسول ) وكتاب الخيضري الدمشقي ( ت 894هـ) ( اللفظ المكرم بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم ) . ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 08:53 AM
نسب النبي صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
خلق الله تعالى الإنسان وكرمه، وفضله على كثير من خلقه وعلَّمه، وكان من مظاهر ذلك التكريم أن أقام سبحانه وشائج النسب والمصاهرة بين بني الإنسان، كما بين ذلك بقوله :{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} (الفرقان:54) وكان مقصد حفظ الأنساب من المقاصد الأساسية التي اتفقت على رعايتها وحفظها جميع الشرائع السماوية، لذا وجدنا الأنساب والأعراق من أهم الأمور التي يتفاخر بها الناس، ويحرصون على إبرازها وإظهارها، وكانت العرب أشهر من اعتنى بذلك، وحرص عليه، ولذلك بعث الله رسوله من أفضل قبيلة وأشرف نسب.
وقد اقتضت حكمة الله تعالى في خلقه، أن اختار رسله إليهم من ذو الأنساب الأصيلة والأقوام العريقة، ولذلك كان أول سؤال سأل عنه هرقل أبا سفيان أن قال له كيف نسبه فيكم؟ -يقصد النبي صلى الله عليه وسلم- فأجاب أبو سفيان: هو فينا ذو نسب -أي صاحب نسب شريف معروف- ثم قال هرقل في ختام الأسئلة: سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تُبعث في نسب قومها.
فنسب النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الأنساب، كما ثبت في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) رواه مسلم
وقد اتفق أهل السير والأخبار على ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم إلى عدنان، فنسبوه بأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر - وهو قريش الذي تنسب له القبيلة_ بن مالك بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وأما ما بعد عدنان إلى إبراهيم عليه السلام فقد اختلف أهل السير في صحته، فمنهم من قال به، ومنهم من توقف فيه.
وجملة القول: إن النبي صلى الله عليه وسلم خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق.
فحريُّ بالمسلم أن يكون على علم بهذا النسب الشريف، ومقام صاحبه صلوات الله وسلامه عليه. والله نسأل أن يجعلنا من المحبين له، والمتمسكين بهديه، والحمد لله أولاً وآخرا.
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 08:56 AM
حادثة الفيل
(الشبكة الإسلامية)
إن الله تعالى يخلق ما يشاء ويختار{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار}(القصص:68) خلق الإنسان وفضل بعضه على بعض، وخلق الزمان وفضل بعضه على بعض، وخلق المكان وفضل بعضه على بعض، ومن الأماكن التي اختارها سبحانه وفضلها على سائر بقاع الأرض، مكة المكرمة، التي فيها البيت العتيق، وهو أول بيت وضع للناس، وقد حرسه الله وحماه وأحاطه برعايته ورد عنه كيد المجرمين، ومن ذلك حادثة الفيل المشهورة التي سجل الله وقائعها في القرآن الكريم فما خبر هذه الواقعة ؟ هذا ما سنقف عليه في هذه الأسطر :
ذكرت كُتب السيرة أن أبرهة الحبشي كان نائباً للنجاشي على اليمن، فرأى العرب يحجون إلى الكعبة، ويعظمونها، فلم يرق له ذلك، وأراد أن يصرف الناس عنها،فبني كنيسة كبيرة بصنعاء ، ليحج الناس إليها بدلاً من الكعبة، فلما سمع بذلك رجل من بني كنانة دخل الكنيسة ليلاً، فبال وتغوط فيها ، فلما علم أبرهة بذلك سأل عن الفاعل فقيل له، صنع هذا رجل من العرب من أهل البيت الذي تحج العرب إليه بمكة ، فغضب أبرهة وحلف أن يذهب إلى مكة ليهدمها، فجهَّز جيشاً كبيرا، وأنطلق قاصداً البيت العتيق يريد هدمه، وكان من جملة دوابهم التي يركبون عليها الفيل-الذي لا تعرفه العرب بأرضها- فأصاب العرب خوفٌ شديد،ٌولم يجد أبرهة في طريقه إلا مقاومة يسيرة من بعض القبائل العربية التي تعظم البيت، أما أهل مكة فقد تحصنوا في الجبال ولم يقاوموه.
وجاء عبد المطلب يطلب إبلاً له أخذها جيش أبرهة، فقال له أبرهة: كنتَ قد أعجبتني حين رأيتُك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أخذتها منك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئتُ لهدمه، لا تكلمني فيه ! قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت رباً يحميه، فقال أبرهة: ما كان ليمتنع مني ، قال عبد المطلب : أنت وذاك.وأنشد يقول:
لاهُمَّ إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبنَّ صليبهم ومحالهم غدواً محالك
إن كنتَ تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك
فلما أصبح أبرهة عبأ جيشه، وهيأَ فيله لدخول مكة ، فلما كان في وادي محسر-بين مزدلفة ومنى- برك الفيل، وامتنع عن التقدم نحو مكة ، وكانوا إذا وجهوه إلى الجنوب، أو الشمال ، أو الشرق،انقاد لذلك، وإذا وجهوه للكعبة برك وامتنع، وبينما هم على هذه الحالة ، إذ أرسل الله عليهم طيراً أبابيل -ومعنى أبابيل يتبع بعضها بعضاً- مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحجران في رجليه، لا تصيب منهم أحداً إلا تقطعت أعضاؤه ، وهلك.
أما أبرهة فقد أصابه الله بداء، تساقطت بسببه أنامله، فلم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل فرخ الحمام، وانصدع صدره عن قلبه فهلك شر هلكة.وقد أخبر الله تعالى بذلك في كتابه فقال:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول.} (سورة الفيل)
وقد حدثت هذه الواقعة في شهر المحرم قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين يوما تقريبا .وهو يوافق فبراير سنة 571م.
ووقعت في ظروف ساعدت على وصول خبرها إلى معظم أرجاء المعمورة المتحضرة في ذلك الزمن ، فالحبشة كانت ذات صلة قوية بالرومان ، والفرس لهم بالمرصاد يترقبون ما ينزل بهم وبحلفائهم، وهاتان الدولتان كانتا تمثلان العالم المتحضر في ذلك الزمان. فلفتت هذه الواقعة أنظار العالم إلى شرف هذا البيت ومكانته، وأنه هو البيت الذي اصطفاه الله تعالى للتقديس.
وفي الختام: ننبه إلى أن الله تعالى ناصر دينه الحق، وحامي بيته من أعدائه-مهما كانت قوتهم وجبروتهم-بما شاء من جنوده التي لا يعلمها إلا هو{وما يعلم جنود ربك إلا هو} ومن يغالب الله يُغلَب،{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}(يوسف: 21) والحمد لله رب العالمين.
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 08:58 AM
المشاركة في حياة أهل مكة
(الشبكة الإسلامية)
اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل أنبيائه ورسله بشراً كسائر البشر، إلا ما اختصهم به سبحانه من أمور تتطلبها طبيعة رسالتهم السماوية التي كلفوا بحملها.
ومع أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان أفضل خلق الله وأكرمهم عليه، إلا أنه صلى الله عليه وسلم كان كغيره من البشر، يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق ، ويعمل الأعمال التي يحتاج إليها الناس في حياتهم، ولا يستقيم أمرهم إلا بها.
وفي مقالنا هذا نحاول أن نقف على بعض أعماله التي كان يقوم بها صلى الله عليه وسلم لنستشف منها ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من فاعلية ومشاركة لأبناء قومه في أفراحهم وأتراحهم .
وأول ما يستوقف القارئ لسيرته صلى الله عليه وسلم ما نقلته لنا كتب السيرة من أنه صلى الله عليه وسلم كان في مرحلة شبابه يرعى الغنم لأهل مكة ، فعند البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( ما بعث الله نبيناً إلا ورعى الغنم، فقال الصحابة رضي الله عنهم: حتى أنت يا رسول الله ؟ قال نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) والقراريط جمع قيراط، وهو جزء من الدينار.
وكان صلى الله عليه وسلم يشارك قومه في ندواتهم واجتماعاتهم التي يعقدونها لبحث القضايا المهمة، فشارك صلى الله عليه وسلم فيما سمي بـ ( حلف الفضول) وقال عنه كما في "مسند" أحمد : ( شهدت في دارعبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت ) والحديث صححه الألباني .
وقد تم التعاقد في هذا الاجتماع والتعاهد على حماية المظلومين ودفع الظلم عنهم، وقد مدح صلى الله عليه وسلم هذا الحلف -كما جاء في الحديث - لأنه لا يدعو إلى حمية الجاهلية الأولى، وإنما إلى نصرة المظلومين، ومن كان في معناهم.
وشارك صلى الله عليه وسلم مع بني قومه في بناء الكعبة بعد أن جرفها السيل، ففي البخاري من حديث جابر أنه قال ( لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم والعباس ينقلان الحجارة ) .
ومن مشاركته صلى الله عليه وسلم هنا أنه أشار على قومه - بعد أن اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه - أشار عليهم أن يبسطوا رداء ويضعوا الحجر عليه ، ثم تحمله كل قبيلة من زاوية من زواياه، ثم يتولى هو وضعه في مكانه، وبذلك منع نزاعاً كاد ينشب بينهم .
ثم كان من أعماله صلى الله عليه وسلم التي قام بها تجارته في بعض أموال قريش، وخرج إلى الشام متاجراً في مالٍ لخديجة رضي الله عنها ..
والحق إن سيرته صلى الله عليه وسلم غنية بأمثال هذه المشاركات والأعمال التي إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى فاعليته وإيجابيته في مجتمعه، حيث إنه شاركهم في أحوالهم كافة، إلا ما كان من أعمالهم التي لا تقرها فطرته السليمة التي حفظها الله له. وهكذا فقد شاركهم في حربهم وسلمهم ، وأفراحهم وأتراحهم ، يعاني ما يعانون، ويقاسي ما يقاسون، وكأنَّ الله سبحانه كان يعده لأمر عظيم ولغاية أسمى، فجعل الله له المكانة في قومه، وحببه إلى قلوب الناس، وجعل له المهابة والاحترام، حتى أطلقوا عليه وصف "الأمين" وذلك لأمانته وصدق تعامله مع أبناء مجتمعه، فصلى الله عليه وسلم، وجعلنا الله من المسترشدين بسيرته وسنته .
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 09:01 AM
من الهجرة الى بدر
صحيفة المدينة
(الشبكة الإسلامية)
بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وإقامة قواعد المجتمع الإسلامي الجديد بين المسلمين من مهاجرين وأنصار ، كان من الضروري تنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم من أهل المدينة ؛ من أجل توفير الأمن والسلام للناس جميعاً ، لذا كانت هذه الوثيقة لتنظيم العلاقة بين المسلمين أنفسهم وتنظيمها كذلك مع من جاورهم من القبائل ، وبما أن قبائل اليهود كانت أكثر القبائل حضوراً في المدينة فقد جاءت أغلب بنود تلك الوثيقة متعلقة بتنظيم العلاقة معهم .
ومما جاء في تلك الوثيقة ما يأتي:
1- المؤمنون أمة واحدة من دون الناس ، وهم على من بغى عليهم ، ويجير على المسلمين أدناهم ، وهذا البند هو البند الأول في هذه الوثيقة ، وهو يدل على أن الإسلام هو وحده الذي يؤلف بين المسلمين ويجعلهم أمة واحدة ، ويدل كذلك على أن جميع الفوارق فيما بينهم تذوب ضمن نطاق هذه الوحدة الشاملة.
2-إنّ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم .
3-إنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة .
4-إنّ بينهم النصح والنصيحة ، والبر دون الإثم .
5-نصرة المظلوم ، ومنع الظلم والعدوان في المال والعرض وغيرهما .
6- منع الصلح المنفرد مع العدو .
7-إنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة .
8-إنّ أي خلاف بين أهل الصحيفة مرده إلى الله عز وجل ، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
9-عدم نصرة قريش ولا نصرة من والاها .
10- إنّ بينهم النصر على من عاداهم ، والإسهام في نفقة الدفاع عن الدولة .
11- إنّ هذه الوثيقة لا تحول دون ظالم أو آثم ، وتمنع إيواء المجرمين .
12-لا يخرج من يهودٍ أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم .
13- إن يهود بني عوف وغيرهم أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم .
وبنود تلك الصحيفة مبنية على نصوص ثابتة ، وعلى قواعد شرعية ، ومصالح معتبرة ، فمن تلك النصوص ، قوله تعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة : 8) . وفي الحديث : ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم ، لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ) رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
والمتأمل في بنود هذه الوثيقة يدرك مدى العدالة التي اتسمت بها معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود ، ولقد كان بالإمكان أن تؤتي هذه الوثيقة ثمارها مع اليهود لولا طبيعة الغدر والخيانة فيهم .
ومهما يكن ، فإن مما لا شك فيه أن تلك الوثيقة أقامت دعائم المجتمع الإسلامي وأرست أسس بناء الدولة ، فنظمت العلاقات على المستويات كافة .
وفي هذا -كما لا يخفى- رد على من يزعم أن الإسلام ليس إلا ديناً قوامه ما بين الإنسان وخالقه ، وليس من وراء ذلك شيء ..وقد أطلعناك أخي الكريم على بعضٍ مما جاء في بنود تلك الوثيقة ، وتَبيَّن لك أنها وَضَعت مبادئ دستورية تُعرف من خلالها الحقوق والواجبات ، وتنتظم أمور الحياة ، ويعيش الناس في ظل شريعة ربانية لم يشهد التاريخ مثلها في التسامح ، كما أنها رعت العهود والمواثيق واحترمتها ، الأمر الذي افتقدته البشرية عندما حادت عن شريعة الله عز وجل ، وباتت الأهواء تتخبط بأصحابها.
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 09:04 AM
من الهجرة الى بدر
المدينة قبل الهجرة
(الشبكة الإسلامية)
كان أول من سكن المدينة العمالقة ، وهم قوم من ولد عِمْلِـيق بن لاوَذَ بن إِرَمَ بن سامِ بن نُوح، وهم الجبابرة من بقية قوم عاد ، كانوا بالشام على عهد موسى عليه السلام ، ثم تفرقوا فـي البلاد ، فجاءوا إلى يثرب ، واستقروا بها .
ثم تغلبت عليهم بعض قبائل اليهود التي جاءت من الشام نتيجة حرب الرومان لهم ، وتفرقهم في البلاد ، فلجأت بعض قبائلهم وعلى رأسهم بنو النضير ، وبنو قريظة إلى يثرب ، وأقاموا بها .
وبقي اليهود في يثرب حتى نزحت إليهم قبائل الأوس والخزرج من بلاد اليمن نتيجة تهدم سد مأرب .
عاش اليهود والأوس والخزرج في وئام فترة من الزمان ، وتحالفوا ليأمن بعضهم بعضاً ، فلما أحس اليهود بقوة شوكة الأوس والخزرج انقلبوا عليهم ، ونقضوا الحلف معهم ، فاستنجد العرب ببني عمومتهم الغساسنة ، فأنجدوهم أَنَفَةً من تسلط اليهود عليهم .
وبقي الأوس والخزرج في وئام ، واستمروا على ذلك حتى نشبت الحرب بينهم ، وقامت حروب طويلة كان النصر في أغلب الأحيان حليف الخزرج ، مما دفع بالأوس إلى التحالف مع اليهود الذين وقفوا معهم في موقعة "بُعاث" حيث انتصر فيها الأوس على الخزرج ، بعد أن أوقعوا فيهم مقتلة عظيمة .
ثم تصالح الفريقان ، واتفقا على إقامة حكومة تعمل على استقرار الأمور بيثرب برئاسة عبد الله بن أبي سلول الخزرجي .
وبعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخل في الإسلام أفرادٌ من أهل المدينة ، وبايعوا الرسول على التأييد والنصرة ، وأخذ الإسلام ينتشر بين الأوس والخزرج ، بعدما أحسوا بطعم الإيمان وأثر التوحيد ولذة العبادة .
وعندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ودان الجميع لسلطان الإسلام ، رأى ابن أبي بن سلول أن جاهه مهدد ، وسلطانه زائل ، فأظهر إسلامه ، وأبطن كفره ونفاقه .
أما زعيم الأوس : أبو عامر بن صيفي بن النعمان ، فبقي على كفره ، وخرج إلى مكة ، ثم الطائف ، ثم التحق بالروم في الشام .
وبقيت المدينة للمسلمين الذين أقاموا فيها دولة الإسلام الأولى ، بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ينبعث منها الخير والهدى إلى أرجاء المعمورة .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 09:07 AM
من الهجرة الى بدر
سرية سيف البحر
(الشبكة الإسلامية)
بعد نزول قوله تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } (الحج:39) ، ثم الإذن بالقتال ، أخذ رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في إعداد العدة وتجهيز القوة لمواجهة الكفر وأهله ، وأراد المسلمون توجيه رسالة قوية إلى قريش من خلال حصارها سياسياً واقتصادياً .
وانطلاقاً من هذا فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أول سرية "سرية سيف البحر" في رمضان من السنة الأولى للهجرة ، وكانت في ثلاثين رجلاً من المهاجرين ، بقيادة حمزة بن عبدالمطلب ، وكان ذلك أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بهدف اعتراض عيرٍ لقريش جاءت من الشام ، فيها أبو جهل بن هشام ، فالتقى المسلمون والمشركون عند سيف البحر من ناحية العيص -موضع على ساحل البحر الأحمر بطريق قريش إلى الشام - ، واصطفوا للقتال لولا تدخل مُجدي بن عمرو الجهني ، وحيلولته دون ذلك ؛ حيث إنه كان حليفاً للفريقين ، فانفض الفريقان دون لقاء .
وعاد المسلمون بعد ذلك إلى المدينة دون خسائر والحمد لله ، ولكنهم كسبوا المهارة , والدربة لسرايا وغزوات أخرى قادمة ، وكانت هذه السرية في جملتها تهيئة للمسلمين ، وإعداداً ، وتمهيداً مهماً لغزوة بدر الكبرى.
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 09:10 AM
من الحديبية الى تبوك
غزوة الطائف
(الشبكة الإسلامية)
بعد أن كتب الله النصر للمؤمنين في غزوة حنين ، توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال عام 8هـ قاصداً الطائف يريد فتحها ، وانتدب لتلك المهمة خالد بن الوليد رضي الله عنه ؛ حيث جعله على مقدمة الجيش ، وطلب منه أن يسير أولاً لمحاصرتها .
وكانت قبيلة ثقيف - وهم أهل الطائف- قد حصنت مواقعها ، وأعدت عدتها ، وتهيأت للقتال ، والدفاع عن أرضها.
ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف نزل قريباً من الحصن ، وأقام معسكره فيه ، فانتهزت ثقيف الفرصة ، وأخذت توجه سهامها إلى معسكر المسلمين ، فأصابت منهم اثنا عشر رجلاً ، كان منهم : عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنه الذي استشهد على أثر رمية أصابت منه مقتلاً.
واستمر حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم للطائف قرابة أربعين يوماً ، تخللها العديد من المناوشات بين المسلمين والمشركين ، ورغبة في إضعاف معنويات ثقيف ، أخذ المسلمون في تحريق نخلهم ، فناشدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعها لله وللرحم ، فاستجاب لهم ، ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر" ، فخرج منهم بضعة عشر رجلاً ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفع كل رجلٍ منهم إلى رجلٍ من المسلمين ليقوم بشأنه واحتياجاته.
ولما طال الحصار ، وأصيب عدد من المسلمين استشار الرسول صلى الله عليه وسلم بعض القوم ، ثم قرر رفع الحصار والرحيل ، فعن عبد الله بن عمرو قال :حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ، فلم ينل منهم شيئا ، فقال : ( إنا قافلون إن شاء الله ، قال أصحابه : نرجع ولم نفتتحه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغدوا على القتال ، فغدوا عليه فأصابهم جراح ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا قافلون غدا ، فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم )رواه البخاري ومسلم
.
وتروي كتب السير أن بعض الصحابة أتوا رسول الله وقت الحصار ، وقالوا : يا نبي الله ، ادعُ الله على ثقيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم ).
ثم أذن مؤذن رسول الله بالرحيل ، فرحل الجيش وهم يقولون : ( آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ) .
وهكذا عاد المسلمون من غزوة الطائف ، منتصرين وإن لم يفتحوا الحصن ، منتصرين بإيمانهم ، وثباتهم ، وصبرهم ، إضافة لما حصل من استسلام بعض أهل الطائف وإسلامهم .
ومما يستفاد من هذه الغزوة سرعة استجابة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعد غزوة حنين مباشرة ساروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لنشر دعوتهم ، ومواجهة المعارضين لها ، والواقفين في سبيلها .
ويستفاد أيضاً ضرورة الأخذ بالوسائل الحربية ، والاستراتيجية ، والخطط النافعة ، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ حيث استخدم المنجنيق ، وكان أول ما رمي به في الإسلام.
ويستفاد أيضاً ضرورة التشاور وخاصة وقت المحن والشدائد ، وعدم التفرد باتخاذ القرار ، فالرسول صلى الله عليه وسلم شاور في فك الحصار ، وذلك لبيان أهمية هذا المبدأ العظيم مبدأ الشورى .
وقبل هذا وذاك نستفيد من أحداث هذه الغزوة ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من رحمة وشفقة بالآخرين ، ولو لم يكونوا مسلمين ، لأن مهمته تتمثل في هداية الآخرين وليس النيل منهم والكيد بهم ، وفي دعوته صلى الله عليه وسلم لثقيف -وليس الدعاء عليهم- أبلغ دليل على ما ذكرنا .
نسأل الله أن يوفقنا للصواب في أعمالنا وأقوالنا ، وأن يجعلنا دعاة حق لدينه ، والله الموفق ، والحمد لله رب العالمين.
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 09:14 AM
من الحديبية الى تبوك
فتح مكة
(الشبكة الإسلامية)
لما كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف المسلمين دخل ، ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل ، دخلت خزاعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، وقد كانت بين القبيلتين حروب وثارات قديمة ، فأراد بنو بكر أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم ، فأغاروا عليها ليلاً ، فاقتتلوا ، وأصابوا منهم ، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح والرجال ، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بغدر قريش وحلفائها .
وأرادت قريش تفادي الأمر ، فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة لتجديد الصلح مع المسلمين ، ولكن دون جدوى ؛ حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتهئ والاستعداد ، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة ، كما أمر بكتم الأمر عن قريش من أجل مباغتتها في دارها .
وفي رمضان من السنة الثامنة للهجرة غادر الجيش الإسلامي المدينة إلى مكة ، في عشرة آلاف من الصحابة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري رضي الله عنه .
ولما كان بالجحفة لقيه عمه العباس بن عبدالمطلب ، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراً .
وركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، يبحث عن أحد يبلغ قريشاً لكي تطلب الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل مكة .
وكان أبو سفيان ممن يخرج يتجسس الأخبار ، فوجده العباس ، فنصحه بأن يأتي معه ليطلب له الأمان من رسول الله ، فجاء به راكباً معه ، حتى أدخله على رسول الله ، فقال له الرسول : (ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ ....ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله) ، فقال العباس : ويحك أسلم ، فأسلم وشهد شهادة الحق ، ثم أكرمه الرسول فقال : (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)رواه الإمام مسلم .
ولما تحرك الجيش لدخول مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي ،حتى تمر به جنود الله فيراها ، فمرّت القبائل على أبي سفيان ، والعباس يخبره بها ، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء ، فيها المهاجرون والأنصار ، فقال أبو سفيان : سبحان الله ؟ ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة . ثم أسرع إلى قومه ، وصرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد ، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فتفرق الناس إلى دورهم ، وإلى المسجد .
ودخل رسول الله مكة متواضعاً لله الذي أكرمه بالفتح ، وكان قد وزع جيشه إلى مجموعات ، أو كتائب احتياطاً لأي مواجهة .
ودخل الجيش الإسلامي كل حسب موضعه ومهامه ، وانهزم من أراد المقاومة من قريش ، ولم يستطع الصمود أمام القوى المؤمنة ، ثم دخل رسول الله المسجد الحرام والصحابة معه ، فأقبل إلى الحجر الأسود ، فاستلمه ، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً ، فجعل يطعنها بقوس في يده ، ويكسرها ، ويقول : {جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقاً}( الإسراء :81 ) ، {قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} (سبأ : 49) ، والأصنام تتساقط على وجوهها ، ثم طاف بالبيت .
ثم دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، فأمر بها ففتحت ، فدخلها فرأى فيها الصور فمحاها ، وصلى بها ، ثم خرج وقريش صفوفاً ينتظرون ما يصنع ، فقال : يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه : {لا تثريب عليكم اليوم } اذهبوا فأنتم الطلقاء .
وأعاد المفتاح لعثمان بن طلحة ، ثم أمر بلالاً أن يصعد الكعبة فيؤذن ، وأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ دماء تسعة نفر من أكابر المجرمين ، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة .
وفي اليوم الثاني قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألقى خطبته المشهورة ، وفيها :
( إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة ،لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحلل لي قط إلا ساعة من الدهر ، لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شوكها ، ولا يختلى خلاها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد)رواه البخاري .
وخاف الأنصار بعد الفتح من إقامة الرسول بمكة ، فقال لهم : (معاذ الله ، المحيا محياكم ، والممات مماتكم)رواه مسلم .
ثم بايع الرجال والنساء من أهل مكة على السمع والطاعة ، وأقام بمكة تسعة عشر يوماً ، يجدد معالم الإسلام ، ويرشد الناس إلى الهدى ، ويكسر الأصنام .
وبهذا الفتح حصل خير كثير ، فبه أعز الله الإسلام وأهله ، ودحر الكفر وأصحابه ، وبه استنقذ مكة المكرمة ، والبيت العتيق من أيدي الكفار والمشركين ، وبه دخل الناس في دين الله أفواجاً ، وأشرقت الأرض بنور الهداية ، وهكذا يفعل الإسلام في أتباعه، ومع أعدائه ، فهو دين الرحمة ، فهل يوجد دين يماثله ، في قيمه ومبادئه وتعاليمه في السلم والحرب ، إن الإسلام هو دين الإنسانية جمعاء ، وهي تحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 09:18 AM
من الحديبية الى تبوك
غزوة الغابة
(الشبكة الإسلامية)
تعقب القراصنة ، ومطاردتهم ، وإيقافهم عند حدهم ، أمر لا بد منه لاستتاب الأمن ونشر السلام ، وهذا ما كان يسعى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وخاصة مع الأعراب ، والقبائل التي اعتادت القرصنة والاعتداء على حقوق الآخرين .
فكان سبب هذه الغزوة كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد ، أنّ عيينة بن حصن الفزاري أغار في خيل من غَطفان على إبل للنبي صلى الله عليه وسلم كانت ترعى بالغابة -موضع قرب المدينة من ناحية الشام- فأخذها ، وقتل راعيها ، وهو رجل من غفار ، واحتملوا امرأته.
فلما بلغ الخبر رسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، تأهب هو وأصحابه للجهاد ، ونودي يا خيل الله اركبي ، وكان أول ما نودي بها ، فكانت هذه الغزوة ، وهي أول غزوة بعد الحديبية وقبل خيبر .
وركب رسول الله مقنعاً في الحديد ، فكان أول من قدم إليه المقداد بن عمرو في الدرع والمغفر ، فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء في رمحه ، وقال امض حتى تلحقك الخيول ، إنا على أثرك ، واستخلف رسول الله ابن أم مكتوم على المدينة .
وأدرك سلمة بن الأكوع قوم غطفان -على رجليه- وهم يستقون الماء ، فجعل يرميهم بالنبل ، وكان رامياً ، ويقول : " خذها وأنا ابن الأكوع ، واليوم يوم الرضع " يعني : واليوم يوم هلاك اللئام ، حتى انتهى إلى ذي قرد ، وقد استنقذ منهم بعض الإبل ، وثلاثين بردة .
ثم لحق الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه سلمة بن الأكوع في المساء ، واستمر مجئ الإمداد من المدينة ، ولم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل ، حتى انتهوا إلى رسول الله بذي قرد - وهو موضع ماء على مسافة يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان- ، فلما رآهم القوم فروا هاربين ، واستعاد المسلمون الإبل كلها ، كما ثبت في الصحيحين .
وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على بعض أصحابه كما في صحيح مسلم ، فقال : (خير فرساننا اليوم أبوقتادة ، وخير رجالتنا سلمة) ، وأعطى سلمة سهمين ، سهم الفارس وسهم الراجل ، وأردفه وراءه على العضباء في الرجوع إلى المدينة ، وذلك لما امتاز به سلمة رضي الله عنه في هذه الغزوة .
ويستفاد من هذه الغزوة عدة دروس ، أبرزها : شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسرعة نجدته ، ومبادرة الصحابة عند النداء للجهاد ، إضافة إلى تفانيهم في ذلك حتى إنّ بعضهم طارد القراصنة على قدمه ، ومن الدروس إكرام الرسول لأصحاب الهمم العالية ، والتضحيات البارزة ، وكان ذلك قولاً وفعلاً ، ويؤخذ منها تأييد الرسول للتسابق بين أصحابه ؛ حيث طلب سلمة مسابقة أحد الأنصار في طريق عودتهم إلى المدينة فأجابه .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 12:44 PM
شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
رحمته بالخلق صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
جمع الله سبحانه وتعالى في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم صفات الجمال والكمال البشري، وتألّقت روحـه الطاهرة بعضيم الشمائـل والخِصال، وكريم الصفات والأفعال، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد، وتملكت هيبتهُ العدوّ والصديق، وقد صوّر لنا هذه المشاعر الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه أبلغ تصوير حينما قال :
وأجمل منك لم ترَ قط عيني وأكمل منك لم تلد النساء
خُلقت مبرأً من كل عيب كأنك قد خُلقت كما تشاء
فمن سمات الكمال ما تحلى به - صلى الله عليه وسلم - من خلق الرحمة والرأفة بالغير، كيف لا ؟ وهو المبعوث رحمة للعالمين، قال الله تعالى في حقّه : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ( الأنبياء: 107 )، وهذا شأن من خصّه ربه بالعناية والتأديب، فوهبه الله قلباً حيّاً، يرقّ للضعيف، ويحنّ على المسكين، ويعطف على الخلق أجمعين، وصارت الرحمة له سجيّة، حتى شملت الصغير والكبير، والقريب والبعيد، والمؤمن والكافر، فنال بذلك رحمة الله، والتي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) رواه أحمد .
وللرحمة مظاهر تجلّت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة ، فلنتعرف على بعضٍ من جوانب هذا الخلق الرفيع عند أكرم الخلق أجمعين.
رحمته بالأطفال
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى ولده إبراهيم رضي الله عنه يأخذه فيقبله ويشمّه، كما روى ذلك الإمام البخاري ، وجاءه أعرابي فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما فتعجب الأعرابي وقال : " تقبلون صبيانكم ؟ فما نقبلهم " فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ( أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟ ) رواه البخاري ، وأورد البخاري و مسلم أنه لما مات حفيده صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه فقال سعد بن عبادة - رضي الله عنه : " يا رسول الله ما هذا؟ " فأجابه قائلا : ( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) .
رحمته بالنساء
لمّا كان من طبيعة النساء الضعف وقلة التحمل، كانت العناية والرفق بهنّ أكثر من غيرهنّ، وقد تجلّى ذلك في خلقه وسيرته على أكمل وجه، وذلك في حثّه صلى الله عليه وسلم على حسن رعاية البنات ورحمتهنّ، فقد قال : ( من ولي من البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له سترا من النار ) رواه البخاري و مسلم ، بل إنه شدّد في الوصية بحق الزوجة والاهتمام بشؤونها فقال : ( ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) رواه أحمد و الترمذي و ابن ماجة ، وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك المثل الأعلى، وكان من أمر تلطّفه بأهله عجباً، حتى إنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رضي الله عنها رجلها على ركبته حتى تركب البعير، كما روى ذلك الإمام البخاري ، وكان عندما تأتيه ابنته فاطمة رضي الله عنها يأخذ بيدها ويقبلها، ويجلسها في مكانه الذي يجلس فيه .
رحمته بالضعفاء عموماً
هذه الفئة من المجتمع قد نالت حظاً وافراً من رحمته صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما وجّه به أصحابه من الاهتمام بالخدم والأرقاء ، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس ، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه ) ، ومن مظاهر الرحمة بهم كذلك ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه، ثم جاءه به وقد ذهب حرّه ودخانه ، فليقعده معه فليأكل، فإن كان الطعام قليلاً ، فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين ) رواه مسلم .
ولم ينس النبي صلى الله عليه وسلم حق اليتامى والأرامل، فحثّ الناس على كفالة اليتامى بقوله : ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار بالسبابة والوسطى ) ، وجعل الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل ، واعتبر وجود الضعفاء في الأمة ، والعطف عليهم سبباً من أسباب النصر على الأعداء ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أبغوني الضعفاء ؛ فإنما تنصرون وتُرزقون بضعفائكم ) رواه أصحاب السنن إلا ابن ماجـة .
رحمته بالبهائم
جاءت الكثير من النصوص النبوية تحثّ الناس على الرحمة بالبهائم والرفق بها، فمن ذلك ما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته ) ، فالأمر النبوي في الحديث واضح في الحث على إراحة الذبيحة حتى لا يطول عذابها، إنها الرحمة بالحيوانات تتجلى في أبهى صورها، فالإسلام دين الرحمة، ودين الرأفة، حتى إنه دخل مرة بستاناً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جَمَل ، فلما رأى الجملُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليه حتى سكن ، فقال : ( لمن هذا الجمل؟ ) فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله ، فقال له: ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؛ فإنه شكا لي أنك تجيعه وتتعبه ) .
رحمته بالجمادات
تروي كتب السير حادثة عجيبة تدل على ذلك، ألا وهي : حادثة حنين الجذع، والمقصود به ذلك الجذع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستند إليه عندما يقف في الناس خطيباً في مسجده، وكان قد اتّخذه بعد أن شقّ عليه طول القيام، ثم ما لبث أن صُنع له منبر، فتحول إليه وترك ذلك الجذع، فحنّ الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع الصحابة رضي الله عنهم له صوتاً كصوت البعير، فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه حتى سكن، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم : ( لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة ) رواه أحمد ، لقد امتدّت رحمته صلى الله عليه وسلم حتى شملت هذا الجذع ، والذي حنّ شوقا إلى سماع الذكر ، وألماً من فراق النبي صلى الله عليه وسلم .
رحمته بالأعداء حرباً وسلماً
على الرغم من تعدد أشكال الأذى الذي ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الكفار في العهد المكي، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قد ضرب المثل الأعلى في التعامل معهم، وليس أدلّ على ذلك من قصة إسلام الصحابي الجليل ثمامة بن أثال رضي الله عنه، وذلك لما أسره المسلمون وأتوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فربطوه بسارية من سواري المسجد، ومكث على ذلك الحال ثلاثة أيام وهو يرى المجتمع المسلم عن قرب، حتى دخل الإيمان قلبه، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاقه، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال : " أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد : والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي "، وصدق الله إذا قال : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } ( فصلت : 34 )، وسرعان ما تغير حال ثمامة فانطلق إلى قريش يهددها بقطع طريق تجارتهم ، وصار درعاً يدافع عن الإسلام والمسلمين .
وتتجلّى رحمته أيضاً في ذلك الموقف العظيم ، يوم فتح مكة وتمكين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، حينما أعلنها صريحةً واضحةً : ( اليوم يوم المرحمة ) ، وكان محقّاً فيما قاله فقد أعلن عفوه العام عن قريش التي لم تدّخر وسعاً في إلحاق الأذى بالمسلمين، وكان ذلك تفضّلاً منه ورحمةً .
هذه قبسات من أنوار رحمته صلى الله عليه وسلم؛ ذكرناها كي تكون نبراساً يضيئ لنا الطريق، فنقتفي أثره، ونسير على هديه، نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياه في مستقرّ رحمته؛ إنه جواد كريم .
الإثنين :19/04/2004
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 12:46 PM
شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
فضائل النبي صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
أكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بفضائل جمّة ، وصفات عدة، فأحسن خلْقَه وأتم خُلقه، حتى وصفه تعالى بقوله:{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم:4)، ومنحه جل وعلا فضائل عديدة، وخصائص كثيرة، تميز بها صلى الله عليه وسلم عن غيره، فضلاً عن مكانة النبوة التي هي أشرف المراتب، ونتناول في الأسطر التالية شيئاً من فضائله صلى الله عليه وسلم:
فمنها أنه خليل الرحمن فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله، ولو كنت متخذاً خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلا، إن صاحبكم خليل الله ) رواه مسلم . وهذه الفضيلة لم تثبت لأحد غير نبينا وإبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام.
ومن فضائله أنه شهيد وبشير، فعن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً، فصلى على أهل أُحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: ( إني فرط لكم - أي سابقكم - ، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ) متفق عليه.
ومن فضائله أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قال تعالى: { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } (الأحزاب:6).
قال الشوكاني في تفسيره "فتح القدير" : "فإذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم لشيء، ودعتهم أنفسهم إلى غيره، وجب عليهم أن يقدموا ما دعاهم إليه، ويؤخروا ما دعتهم أنفسهم إليه ، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم، ويقدموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم، وتطلبه خواطرهم".
ومن فضائله صلى الله عليه وسلم أنه سيد ولد بني آدم، فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة، وقال أنا سيد القوم يوم القيامة ) متفق عليه.
وهو صلى الله عليه وسلم أمان لأمته، حيث جاء في الحديث الصحيح ( النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ) رواه مسلم .
ومن فضائله صلى الله عليه وسلم أنه أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يشفع ، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع ) رواه مسلم ، وهو صاحب المقام المحمود ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا - أي جالسين على ركبهم -، كل أمة تتبع نبيها، يقولون يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود ) رواه البخاري .
تلك هي بعض فضائل نبينا الكريم، ورسولنا العظيم، الذي اختاره الله ليكون خاتم الرسل المكرمين ورحمة للخلق أجمعين، نسأل الله أن يجمعنا به، ويدخلنا مُدخله، وألا يحرمنا شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
الأحد :04/04/2004
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 12:50 PM
شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
ضحك النبي صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
الضحك صفة كمال في الإنسان كبقية الصفات التي تميزه عن الحيوان، وهي مبعث سرور، ودليل صحة، وسبب ألفة ومحبة، ووسيلة دعوة وتأثير، ولفتُ نظرٍ وشدُّ انتباهٍ للآخرين، إلا أنه لا بد من ضابط لهذه الصفة الطيبة، حتى لا تخرج عن طورها، فتنقلب إلى ضدها.
ولذلك كان ضحكه صلى الله عليه وسلم مشتملاً على كل المعاني الجميلة، والمقاصد النبيلة، فصار من شمائله الحسنة، وصفاته الطيبة، لقد كان ضحكه تربية وتوجيهاً، ودعوة ومداعبة، ومواساة وتأليفاً، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ألا يُكثر الإنسان من الضحك، ولا يبالغ فيه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا هريرة:... أقل الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وكان من صفته صلى الله عليه وسلم أنّ ضحكه كان تبسماً.
ضحكت لك الأيام يا علم الهدى واستبشرت بقدومك الأعـوام
وتوقف التـاريخ عنـدك مذعناً تملي عليه وصحبـك الأقـلام
اضحك لأنك جئت بشرى للورى في راحتيك السـلم والإسلام
اضحك فبعثتك الصعود وفجرها ميلاد جيلٍ مـا عليـه ظـلام
فدينه صلى الله عليه وسلم رحمة، ومنهجه سعادة، ودستوره فلاح، ولذلك فهو يهشّ للدعابة، ويضحك للطرفة، ويتفاعل مع أصحابه في مجريات أمورهم وأحاديثهم.
ومواقف ضحكه صلى الله عليه وسلم متعددة متنوعة:
منها ما يكون مع الأصحاب المقربين، عندما يضحك صلى الله عليه وسلم ممازحاً ومواسياً أصحابه الكرام، فهذا أبو هريرة كما في البخاري يقول: إن كنتُ لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل.
ثم مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مرّ بي أبو القاسم، فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي، وما في وجهي.
لقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحمل سراً من الأسرار، عرف أن له حاجة، فتهلل في وجهه متبسماً.
ثم أخذه معه، فوجد لبناً، فأرسله إلى أهل الصفة وأتى بهم، وسقاهم جميعاً حتى انتهى إلى النبي وقد روي القوم كلهم، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم القدح، ونظر إلى أبي هريرة فتبسم، ثم ناوله إياه، ليشرب.
ومن ضحكه صلى الله عليه وسلم ما يكون مع الأعراب الغلاظ الشداد، يضحك معهم ليشعرهم بالسعة والرحمة والنعمة التي جاء بها الإسلام، وأن الدين فيه فسحة ورفق ولين، فيقابل الإساءة بالإحسان، والعبوس بالضحك، فعن أنس بن مالك قال : ( كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء ) متفق عليه.
ومن ضحكه ما يكون فرحاً بانتشار الإسلام، وذلك عندما دخل صلى الله عليه وسلم على أم حرام بنت مِلحان وهي من محارمه، فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله، ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ( ناس من أمتي، عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج - وسط- البحر، ملوكاً على الأسِرّة، أو مثل الملوك على الأسرة ) متفق عليه.
يضحك النبي من ذلك لأنه رأى البشرى، رأى تلامذته وأتباعه وكتيبته، سيركبون البحار والمحيطات؛ غزاة في سبيل الله، ينشرون لا إله إلا الله في الآفاق، ويعبرون بها حدود الزمان والمكان.
إن قوماً عاشوا معه صلى الله عليه وسلم، ورأوا ابتسامته، وتحيته، ويسره، وسهولته، لتمنوا أن يفقدوا الآباء والأمهات والأبناء والأنفس، ولا يشاك هو بشوكة.
إن جيلاً رباه المصطفى صلى الله عليه وسلم على تلك المعالم، وهذه التعاليم، لجديرٌ بأن يفتح المعمورة، وتدين له الدنيا كلها، صغيرها وكبيرها، عزيزها وذليلها.
الخميس :18/03/2004
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 12:53 PM
شيهات حول السيرة
شبهة تلقي النبي عن أهل الكتاب
(الشبكة الإسلامية)
من الشبه المثارة حول نبينا صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة ، أنه تأثر بالأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى ؛ مثل بحيرى الراهب ، وورقة بن نوفل ، وأنه جالسهم فترة زمنية ، وتلقى عنهم ، وقد أثار هذه الشبهة وروج لها المستشرقون أمثال : بروكلمان ، وفيليب حتى ، وجولد زيهر الذي يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم تتلمذ على رهبان النصارى وأحبار اليهود الذين كانوا أساتذة له .
والإجابة على هذه الشبهة يكون من خلال الأمور التالية :
1-لو حصل ذلك لنُقل إلينا من قبل أتباعه صلى الله عليه وسلم ، الذين لم يغفلوا شيئاً من أخباره .
2-لو صح ذلك لاتخذه أعداؤه من المشركين حجة لهم ، بهدف الطعن فيه ، وهم الذين تعلقوا بأوهى التهم كزعمهم أنه تعلم من رومي حداد أعجمي ، فرد عليهم القرآن الكريم ، قال تعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } (النحل:103) .
3-أن النبي صلى الله عليه وسلم أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب ، ولم يثبت أنه رأى التوراة والانجيل أو قرأ فيهما أو نقل منهما .
4-أن القرآن الكريم فضح اليهود والنصارى ، وهتك أستارهم ، وذمهم ، كما في قوله تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً } (النساء:171) ، ولو كانوا معلِّمين للرسول لمدحهم القرآن ، وأثنى عليهم .
5-أن أحكام الشريعة الإسلامية كانت تتنزَّل متدرجة حسب الحوادث ، والوقائع ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوقف في الحكم على بعض الأمور حتى ينزل الوحي عليه ، مما يدل على أنه ليس لديه علم سابق ، ولم يسأل أهل الكتاب .
6-ومما يُرد به على هذه الشبهة كذلك وجود اختلاف مع أهل الكتاب في كثيرٍ من الأحكام ، بل إن مخالفتهم مقصدٌ شرعي حث الشرع عليه في نصوص كثيرة؛ من ذلك ما جاء في الحديث الصحيح : (خالفوا اليهود والنصارى ،فإنهم لا يصلون في خفافهم ، ولا في نعالهم ) رواه ابن حبان و أبو داود وصححه الألباني .
7-ما حصل من توافق في بعض الأحكام لا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ منهم ، وتعلم على أيديهم ، وإنما لكون اليهودية والنصرانية أصلهما صحيح يتفق مع أصول الإسلام ، لولا ما اعتراهما من تحريفٍ وتغيير وتبديل .
8-لم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى بأحد من الأحبار والرهبان غير ورقة بن نوفل ، وبحيرى الراهب، وكان اللقاء مرة واحدة بالنسبة لورقة ، ومرتين بالنسبة لبحيرى، وذلك لا يكفي للتلقي عنهم، إضافة إلى أن ورقة توفي بعد اللقاء بثلاث سنوات ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهر بدعوته بعد، أما اللقاء ببحيرى فكان في المرة الأولى أثناء دعوة طعام عندما كان مع عمه أبي طالب، والكل كان منشغلاً بالحديث والطعام، لا مجال للتعلم والتلقي، فضلاً عن صغر سن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان في الثانية عشر من عمره، وفي المرة الثانية كان النبي صلى الله عليه وسلم منشغلاً بالتجارة لخديجة ، ولم يُنقل شئ من أخبار التلقي حتى بعد رجوع القوم إلى مكة.
أما ادعاؤهم أخذه عن الحاشية اليهودية والمسيحية المسلمة، فهذا محض افتراء مردود، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يلتق بهم إلا بعد الهجرة ودخولهم في الإسلام، فالتقى بهم تابعين له آخذين عنه متعلمين منه، مؤمنين مصدقين غير مكذبين .
9-وقد تنبه لبطلان هذه الشبهة بعض المفكرين الغربيين أمثال الفرنسي "الكونت هنري دي كاستري"حيث قال : "ولقد يستحيل أن يكون هذا الاعتقاد وصل إلى النبي محمد من مطالعة التوراة والإنجيل" .
ويقول المستشرق دوزي : "أما أواسط بلاد العرب ، وفي قلب جزيرتهم ...فلم تنجح فيه الدعاية للدين المسيحي " .
وهكذا أخي الزائر نرى أن هذه الشبهة مردودة على أصحابها ، وأن الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، وأن ما يثيره هؤلاء الحاقدون إنما القصد منه إبعاد الناس عن قبول الحق واتباعه ، وأنّى لهم ذلك ، فالحق له نوره الوهّاج الذي يبدد الظلمات من طريقه ، قال تعالى : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } (الصف:8) .
الثلاثاء:28/10/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 12:59 PM
شبهات حول السيرة
اهتمامه بالدنيا والغنائم
(الشبكة الإسلامية)
من الشبه التي أثارها أعداء الإسلام ، وروَّجوا لها بهدف تشويه شخصية محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، للوصول إلى الطعن في دعوته ، وإبعاد الناس عنها ، ما يدَّعونه من أنه كان صاحب مطامع دنيوية ، لم يكن يظهرها في بداية دعوته في مكة ، ولكنه بعد هجرته إلى المدينة بدأ يعمل على جمع الأموال والغنائم من خلال الحروب التي خاضها هو وأصحابه ، ابتغاء تحصيل مكاسب مادية وفوائد معنوية .
وممن صرح بذلك "دافيد صمويل مرجليوت " المستشرق الإنجليزي اليهودي ، حيث قال : "عاش محمد هذه السنين الست بعد هجرته إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب ...وهذا يفسر لنا تلك الشهوة التي أثرت على نفس محمد ، والتي دفعته إلى شن غارات متتابعة ، كما سيطرت على نفس الإسكندر من قبل ونابليون من بعد " .
والحق، فإن الناظر في سيرته صلى الله عليه وسلم ، والمتأمل في تاريخ دعوته، يعلم علم اليقين أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسعى من وراء كل ما قام به إلى تحقيق أي مكسب دنيوي، يسعى إليه طلاب الدنيا واللاهثون وراءها ، وهذا رد إجمالي على هذه الشبهة، أما الرد التفصيلي فبيانه فيما يلي :
1-أن ما ذُكر في هذه الشبهة لا يوجد عليه دليلٌ في واقع حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ لو كان كما قيل لعاش عيش الملوك ، في القصور والبيوت الفارهة ، ولاتخذ من الخدم والحراس والحشم ما يكون على المستوى المتناسب مع تلك المطامع المزعومة ، بينما الواقع يشهد بخلاف ذلك، إذ كان في شظف من العيش، مكتفياً بما يقيم أود الحياة ، وكانت هذه حاله صلى الله عليه وسلم منذ أن رأى نور الحياة إلى أن التحق بالرفيق الأعلى.. ، يشهد لهذا أنّ بيوته صلى الله عليه وسلم كانت عبارة عن غرف بسيطة لا تكاد تتسع له ولزوجاته .
وكذلك الحال بالنسبة لطعامه وشرابه ، فقد كان يمر عليه الشهر والشهران لا توقد نارٌ في بيته ، ولم يكن له من الطعام إلا الأسودان - التمر والماء- ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت لعروة : ( ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نارٌ، فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء ) متفق عليه. وسيرته صلى الله عليه وسلم حافلة بما يدل على خلاف ما يزعمه الزاعمون .
2-ثم إن هذه الشبهة تتناقض مع الزهد الذي عُرف به النبي صلى الله عليه وسلم ، وحث عليه أصحابه ، فقد صح عنه أنه قال : ( إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ) متفق عليه ، وقرن في التحذير بين فتنة الدنيا وفتنة النساء ، فقال : ( إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم .
3-ومما يدحض هذه الشبهة وينقضها من أساسها أن أهل مكة عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المال والملك والجاه من أجل أن يتخلى عن دعوته ، فرفض ذلك كله ، وفضل أن يبقى على شظف العيش مع الاستمرار في دعوته ، ولو كان من الراغبين في الدنيا لما رفضها وقد أتته من غير عناء .
4-أنّ الوصايا التي كان يزود بها قواده تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن طالب مغنم ولا صاحب شهوة، بل كان هدفه الأوحد والوحيد إبلاغ دين الله للناس ، وإزالة العوائق المعترضة سبيل الدعوة ، فها هو يوصي معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن بقوله : ( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى ، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم ، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس ) رواه البخاري .
فهو صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أحداً ، قبل دعوته إلى الإسلام ، الذي تصان به الدماء والحرمات .
5-ومما يُرد به على هذه الفرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتحل من الدنيا ولم يكن له فيها إلا أقل القليل ، ففي الصحيح عن عمرو بن الحارث قال : ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ، ولا ديناراً ، ولا عبداً ، ولا أمة ، ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء ، وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة ) رواه البخاري ، وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد ، إلا شطر شعير في رف لي ) متفق عليه .
6-وكما قيل : فإن الحق ما شهدت به الأعداء ، فقد أجرى الله على ألسنة بعض عقلاء القوم عبارات تكذب هذه الشبهة ، من ذلك ما قاله "كارليل" : "أيزعم الكاذبون أن الطمع وحب الدنيا هو الذي أقام محمداً وأثاره ، حمق وأيـم الله ، وسخافة وهوس " .
ويقول : "لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ، ومأكله ، ومشربه ، وملبسه ، وسائر أموره وأحواله ...فحبذا محمد من رجل خشن اللباس ، خشن الطعام ، مجتهد في الله ، قائم النهار ، ساهر الليل ، دائباً في نشر دين الله ، غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر الرجال ، من رتبة ، أو دولة ، أو سلطان ، غير متطلع إلى ذكر أو شهوة " .
7-وما زعمه المستشرق اليهودي "مرجليوت" من أن انتقام رسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة كان لأسباب مصطنعة وغير كافية، فجوابه أن الواقع خلاف ذلك، إذ أبرم النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود معاهدة تقرهم على دينهم، وتؤمنهم في أنفسهم وأموالهم ، بل تكفل لهم نصرة مظلومهم ، وحمايتهم ، ورعاية حقوقهم ، ولم يكن في سياسته صلى الله عليه وسلم إبعادهم ، ومصادرة أموالهم إلا بعد نقضهم العهود والمواثيق ، ووقوعهم في الخيانة والمؤامرة .
وبعد : فلا حجة لمن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صاحب مطامع دنيوية ، يحرص عليها ، ويسعى في تحصيلها ، وإنما هي دعوة صالحة نافعة ، تعود بالخير على متبعيها في الدنيا والآخرة ، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-07-2004, 01:04 PM
شبهات حول السيرة
شبهة ...انشغاله بالنساء
(الشبكة الإسلامية)
اختار الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من بين خلقه لحمل آخر الرسالات ، وقد حباه الله من الصفات الحميدة ، والأخلاق الجليلة ما لم يحظ به أحد غيره ، إلا أنه مع ذلك لم يسلم من كيد الكائدين ، ومن كلام المغرضين ، ومن شبهات الحاقدين.
ومن الشبهات التي أثيرت حول شخصه الكريم ، أنه ميّال للنساء ، منشغل بهن ، وقد أكثر منهنّ حتى بلغن إحدى عشرة زوجة !!!ولا شك أن من يقول هذا لا حظ له من معرفة سيرته صلى الله عليه وسلم ، وليس له أدنى علم بهديه عليه الصلاة والسلام .
ونلخِّص الإجابة على هذه الشبهة الحاقدة بالنقاط الآتية :
1-أن زواجه صلى الله عليه وسلم ، لم يكن بهدف التمتع وإشباع الشهوة ، وإن كان ذلك أمراً فطريا ًسائغاً لا يعاب الإنسان به ، وقد كان ذلك سائداً بين العرب آنذاك ، ومع ذلك فإن هدف الرسول صلى الله عليه وسلم من زواجه كان أسمى من ذلك وأعلى ، إذ أراد بتعدد الزوجات الدعوة إلى الله ، ومراعاة مصالح عظيمة اقتضتها الدعوة ؛ كالترابط الأسري الذي فيه اتساع رقعة النسب معه صلى الله عليه وسلم لتنتشر الدعوة ، ومن المصالح تأليف القلوب ، وكفالة اليتامى ، والإحسان إلى الأرامل ، وتعليم النساء أمور دينهن ، ونحو ذلك مما فيه مصلحة عامة ، كما أن من الأسباب أي أسباب التعدد الرغبة في نقل أحوال النبي صلى الله عليه وسلم كافة داخل بيته وخارجه مما لا يستطيع رجل واحد ولا امرأة واحدة نقله أو حصره .
2-أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً إلا زوجة واحدة ، وهي عائشة الصديقة رضي الله عنها ، وغالب من يهدف التمتع يحرص على الأبكار .
3-أنه لم يعدد إلا بعد موت خديجة رضي الله عنها ، وقد بلغ الخمسين من عمره ، ومن أراد التمتع والشهوة فإنه يتزوج قبل هذه السن في الغالب .
4-أنّ المهام العظيمة والأعمال الجليلة التي كان يقوم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البعثة ، كانت تشغل وقته وجهده ، ولم ينشغل بالنساء والملذات عن تلك المهام ، فقد كان داعياً ، ومجاهداً ، ومعلماً ، وحاكماً ، وقاضياً ، وعابداً يقوم حتى تتفطر قدماه ، ويكثر من الصيام ، ولم يقصّر في جانب على حساب الآخر .
5-أن التعدد في الزواج ليس مما يعاب به الأنبياء ، وقد عدد الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، فإبراهيم عليه السلام تزوج سارة ثم هاجر ، ويعقوب عليه السلام تزوج بأربع نسوة ، وداود عليه السلام تزوج نساء كُثر .
6-أن فساد مثل هذه الشبه قد تنبه له بعض العقلاء من الأعداء أنفسهم ، أمثال الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل الذي قال : " وما كان محمد أخا الشهوات ، برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً ...ونخطئ إذا حسبناه رجلاً شهوانياً لا هم له إلا قضاء مآربه من الملذات ".
وهكذا - عزيزي القارئ - نجد أن هذه الشبهة لا ينهض بها دليل من عقل ولا واقع ، وهي ساقطة الاعتبار من كل وجه، ولا تأثير لها على شخصية كملت من جوانبها كافة ، ونُقلت أوصافها الدقيقة ، فمهما حاول الحاسدون فلن ينالوا منها بإذن الله ، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:01/07/2003
موسى بن ربيع البلوي
07-07-2004, 03:03 PM
الاخ الغالي :
ممدوح بن عبد الله البلوي
الشكر لك موصولا و مستمرا لهذا المجهود المميز لسيرة افضل خلق الله ..
نحن بحاجة لان نتنفس هذه السيرة دائما
اسأل الله لك الاجر و المثوبة و بارك الله فيك
::::::
تم دمج هذا الموضوع مع موضوع سابق للفائده
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:11 PM
آيات ومعجزات النبوة
شفاء الله للمرضى ببركته صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، شفاء المرضى ببركته ودعائه، وقد تكرر هذا الحدث أكثر من مرة، ومع أكثر من صحابي، مما كان له الأثر الكبير في تثبيت نفوس الصحابة رضي الله عنهم ، وزيادة إيمانهم، ولجوئهم إلى الله سبحانه وتعالى في أحوالهم كافة.
فمن ذلك مثلاً ما حصل مع الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر، فعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ( لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال: فبات الناس يدوكون - يخوضون في الحديث- ليلتهم أيهم يُعطاها؟ قال: فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب ؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأُتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية ) متفق عليه.
فقد شفى الله علياً رضي الله عنه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم ، واستلم الراية، وانطلق بها سليماً معافى.
ومن ذلك ماحصل مع تلك المرأة التي كانت تصرع، ففي الحديث أن امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: ( إن شئتِ صبرت ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها ) متفق عليه.
والدعاء له أثره العظيم والفعّال، فكيف إذا كان من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا شك أن أثره سيكون أقوى، ومما يُنقل عن الإمام ابن القيم رحمه الله في أثر الدعاء قوله: "وأن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله يفعل ما لا يناله علاج الأطباء، وأن تأثيره وفعله وتأثر الطبيعة عنه وانفعالها أعظم من تأثير الأدوية البدنية وانفعال الطبيعة عنها، وقد جربنا هذا مراراً نحن وغيرنا، وعقلاء الأطباء معترفون بأن لفعل القوى النفسية وانفعالاتها في شفاء الأمراض عجائب".
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم شفاء المصاب ببركة نفثه عليه، مثلما حصل مع الصحابي سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، فعن يزيد بن أبي عبيد قال: ( رأيت أثر ضربة في ساق سلمة ، فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة ) رواه البخاري .
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم في شفاء المرضى والمصابين، مسحه على جسد المصاب فيشفى بإذن الله عز وجل، كما حصل مع الصحابي عبد الله بن عتيك حينما انكسرت ساقه في طريق عودته من قتل أبي رافع اليهودي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( ابسط رجلك، قال: فبسطتُ رجلي، فمسحها، فكأنها لم أشتكها قط ) رواه البخاري .
تلك المواقف وغيرها تدل على ما أكرم الله عزوجل به رسوله صلى الله عليه وسلم من الكرامات العظيمة، والمنح الربانية الكثيرة، تأييداً لدعوته، وبرهاناً على صدقها، والحمد لله رب العالمين.
الخميس :06/11/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:13 PM
آيات ومعجزات النبوة
معجزة تكثير الطعام والبركة فيه
(الشبكة الإسلامية)
من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم تكثير الطعام القليل، وزيادة البركة فيه، حتى إن اليسير منه الذي لا يكاد يكفي الشخص أو الشخصين، يسد حاجة الجمع الغفير ، والعدد الكبير من القوم، وهذه المعجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تكررت في أماكن مختلفة، وفي مناسبات متعددة.
منها أنه صلى الله عليه وسلم أطعم أهل الخندق ؛ وهم قرابة ألف نفر من صاع شعير، فشبعوا وانصرفوا ؛ والطعام بقي كما كان، فقد جاء في الحديث المتفق عليه أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : رأى جوعاً شديداً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق إلى بيته، وأخرج جراباً فيه صاع من شعير، وذبح شاة، وجهز هو وزوجته طعاماً، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأهل الخندق معه، وأخبر جابراً بألا ينزل القدر، وألا يخبز الخبز، حتى يأتيه ويبارك فيه، ثم أكلوا جميعاً وشبعوا، والطعام كما هو.
ومنها : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصابهم الجوع في غزوة تبوك استأذنوه في نحر ظهورهم، فطلب منهم أن يأتوه بفضل أزوادهم، فدعا فيه بالبركة، ثم قال: ( خذوا في أوعيتكم، فأخذوا في أوعيتهم، حتى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملؤوه، فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة ) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم .
ومنها أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أباه قتل يوم أحد شهيداً وعليه دين، فاشتد الغرماء في حقوقهم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، يريد عونه، فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء إلى بستانه، ودعا في ثمره بالبركة، فقضى جابر دين أبيه، وبقي زيادة، والحديث في البخاري .
ومنها ما حصل مع أبي طلحة عندما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام في بيته، فجاء صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه، فدعا في الطعام، ثم قال: (ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأكل القوم كلهم، وشبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلا ) متفق عليه، واللفظ للبخاري .
ومن أعجب ما روي في ذلك، ما ثبت في سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات، فقلت يا رسول الله: ادع الله فيهن بالبركة، فضمهن، ثم دعا لي فيهن بالبركة، وقال: خذهن وأجعلهن في مزودك هذا، أو في هذا المزود، كلما أردت أن تأخذ منه شيئاً، فأدخل فيه يدك، فخذه ولا تنثره نثرا، قال أبو هريرة : فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله، فكنا نأكل منه ونطعم، وكان لا يفارق حقوي حتى كان يوم قتل عثمان، فإنه انقطع ) رواه الترمذي ، وحسنه الألباني.
وبعد أخي القارئ فتكثير الطعام معجزة أيد الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، شاهدها الناس، وعايشها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لها دور كبير في دخول الناس في دين الله، وأثر عظيم في نفوس المسلمين وزيادة إيمانهم، وتعلقهم بربهم، وحل مشكلاتهم وأزماتهم، فسبحان من لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء، والحمد لله رب العالمين.
الأحد :19/10/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:16 PM
آيات ومعجزات النبوة
معجزة القرآن الكريم
(الشبكة الإسلامية)
الحمد لله الذي أنعم على عباده بنعمة الخلق ، واختص الثقلين - الجن والإنس - بالتكليف، فأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، إرشاداً وبياناً وإقامة للحجة، وكان آخر رسله محمداً صلى الله عليه وسلم.
وقد أيّد الله رسله بما يناسب كل رسول من الآيات الباهرات التي هي خوارق للعادات، فكانت معجزة موسى عليه السلام العصى، ومعجزة صالح عليه السلام الناقة، ومعجزة عيسى عليه السلام إحياء الموتى بإذن الله وغيرها، وهكذا كانت معجزة كل نبي مما يتوافق مع حال قومه ، ولما كان العرب أهل فصاحةٍ وبلاغةٍ وشعرٍ وبيان، كانت معجزة محمدٍ صلى الله عليه وسلم قرآناً يتحدى به القوم فيما علموا وأتقنوا.
فالقرآن الكريم معجزة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العظمى، دالة على صدقه، قد عجز البشر عن الإتيان بمثله، وهي معجزةٌ باقية مستمرة محفوظة، ببقاء رسالة الإسلام نفسها، لكونها خاتمة الرسالات، وآخر النبوات، وهي سبيل عز المسلمين ونصرهم.
ومع أنّ حروف القرآن التي منها رُكِّبت كلماته وآياته هي نفس الحروف التي ركب منها كلام العرب ، إلا إنهم لم يستطيعوا أن يأتوا بمثله، وتحداهم الله بذلك، قال تعالى: { فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ } (الطور:34)، بل إنّ الله تحدّاهم أن يأتوا بعشرِ سورٍٍ مثله، قال تعالى :{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (هود:13)، واستمر التحدي في الإتيان بأقل من ذلك، بسورة من مثله، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (البقرة:23).
إنه القرآن العظيم المعجز في تركيبه وتنسيقه إلى جانب إعجازة في موضوعه وبيانه، مما حيَّر الفصحاء والبلغاء والشعراء، فجعلهم يذعنون له، ويستسلمون أمامه، ويعلنون عجزهم وقصورهم، يسمعه بعض القوم، فلا يملك إلا إعلان الحقيقة، فيقول مقالته المشهورة : " إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر".
ويسمعه الوليد بن المغيرة المخزومي فيقول مقسماً بالله : "فو الله ما هو بشعر، ولا بسحر، ولا بهذي من الجنون، وإنّ قوله لمن كلام الله". ويسمعه عتبة بن ربيعة فيذهل، ويسمعه الجن فيؤمنون به ويصدقونه ، قال تعالى { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً } (الجـن:1-2).
وقد جمع بعض أهل العلم إعجاز القرآن في أربعة أشياء، كما ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" :
1- حسن تأليفه ، والتئام كلمه مع الإيجاز والبلاغة .
2- صورة سياقه وأسلوبه المخالف لأساليب كلام أهل البلاغة من العرب نظماً ونثراً حتى حارت فيه عقولهم، ولم يهتدوا إلى الإتيان بشيء مثله مع توفر دواعيهم على تحصيل ذلك.
3- ما اشتمل عليه من الإخبار عما مضى من أحوال الأمم السالفة والشرائع الداثرة مما لا يُعلم كثير منه.
4- الإخبار بما هو كائنٌ في المستقبل ، سواءً مما وقع في العصر النبوي ، أو بعده.
إنه كلام الله المنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، القائل: ( ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) رواه البخاري و مسلم .
إنه كتاب الله تعالى، المتعبد بتلاوته، يقصم الله به كل جبار، من اعتصم به نجا، ومن تركه هلك، إنه قولٌ فصلٌ وليس بالهزل، لا تختلقه الألسن، ولا تفنى أعاجيبه، فيه نبأ السابقين، وفصل المتخاصمين، وخبر ما هو كائن إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:21 PM
الجزيرة العربية قبل الهجرة
عبادة الأصنام لدى العرب
(الشبكة الإسلامية)
مع أن الله سبحانه قد ميز الإنسان وكرمه على غيره من المخلوقات، وسخر له من النعم ما ظهر منها وما بطن، وفطره على فطرة نقية سليمة، إلا أن كثيراً من الناس انحرفوا عن طريق الفطرة، وأبوا إلا الضلال، واتبعوا الشيطان، العدو القديم، وعبدوا الأصنام بشتى أنواعها، وجميع أصنافها.
لقد عبدت طوائف من العرب الأصنام التي انتقلت إليهم من الأمم السابقة مثل : ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، والتي كانت في قوم نوح، وانتشرت عبادة تلك الأصنام بين القبائل العربية، كما دل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ودّ كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سُواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمْدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكَلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتَنَسَّخَ العلم عُبدَت) رواه البخاري .
وكانت العرب تعبد إضافة إلى تلك الأصنام أصنام قريش كاللاَّت، والعزَّى، ومناة، وهبل:
فصنم مناة - وهو أقدم أصنامهم - كان منصوباً على ساحل البحر من ناحية المشلل، بقديد بين مكة والمدينة . وكانت العرب تعظمه، ولم يكن أحد أشد تعظيماً له من الأوس والخزرج، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه فهدمه عام الفتح .
أما صنم اللات فقد كان في الطائف، وهو عبارة عن صخرة مربعة، وكان سدنتها ثقيف، وكانوا قد بنوا عليها بيتاً، فكان جميع العرب يعظمونها، ويسمون الأسماء بها، فكانوا يقولون: زيد اللات، وتيم اللات، وهي في موضع منارة مسجد الطائف . فلما أسلمت ثقيف، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها، وحرقها بالنار.
أما صنم العزى فإنه أحدث من اللات، وكان بوادي نخلة ، فوق ذات عرق، وبنوا عليها بيتاً، وكانوا يسمعون منها الصوت، وكانت قريش تعظمها . فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، بعث خالد بن الوليد فأتاها فعضدها، وكانت ثلاث سمرات، فلما عضد الثالثة : فإذا هو بحبشية نافشة شعرها، واضعة يدها على عاتقها، تضرب بأنيابها، وخلفها سادنها، فقال خالد : يا عز كفرانك لا سبحانك، إني رأيت الله قد أهانك، ثم ضربها ففلق رأسها، فإذا هي حممة - أي رماد-، ثم قتل السادن.
أما صنم هبل فقد كان من أعظم أصنام قريش في جوف الكعبة وحولها، وكان من عقيق أحمر على صورة الإنسان، وكانوا إذا اختصموا، أو أرادوا سفراً : أتوه، فاستقسموا بالقداح عنده . وهو الذي قال فيه أبو سفيان يوم أحد : اعل هبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : ( الله أعلى وأجل ) رواه البخاري .
ومن الأصنام التي كانت تُعبد :إساف ونائلة، قيل أصلهما : أن إسافاً رجل من جرهم، ونائلة امرأة منهم، دخلا البيت، ففجر بها فيه . فمسخهما الله فيه حجرين، فأخرجوهما فوضعوهما ليتعظ بهما الناس، فلما طال الأمد عبدا من دون الله.
ومع انتشار عبادة الأصنام بقي أناس حفظهم الله من عبادة غيره سبحانه استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام: { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ } (ابراهيم:35)، واستمرت عبادة تلك الأصنام في بلاد العرب حتى ختم الله رسالاته بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي طهر الله به البلاد، ووجه العباد إلى المعبود بحق، الذي لا يجوز أن يُعبد أحد غيره، أو يشرك في عبادته أحد، { وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } (الصف:8)، والحمد لله رب العالمين.
الثلاثاء:25/05/2004
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:23 PM
الجزيرة العربية قبل الهجرة
مكة ومنزلتها
(الشبكة الإسلامية)
الحمد لله الذي خلق البلاد والعباد، وجعل التفاضل بين خلقه أمراً سائدا، فكما فضّل بعض عباده على بعض، فضّل بعض الأمكنة على بعض، فجعل مكة أشرف البقاع وأفضلها، وخير البلاد وأكرمها، إليها تهفو القلوب، وفيها ترتاح النفوس، وعندها يحطّ الخائفون رحالهم، ونحوها يتجه العابدون فيشكون إلى الله حالهم، ويسألونه نجاتهم، هي موطن العبادة والإنابة، فيها أول بيت وضع للناس { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } (آل عمران:97،96)، بيت يثوب الناس إليه ويرجعون، فيجدون فيه الراحة والأمن ولذة العبادة للمولى سبحانه وتعالى، وهم بذلك يتذكرون الأنبياء ويقتدون بهم { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً } (البقرة:125).
مكة ذلك البلد الأمين الذي يأتيه الخير والرزق من كل مكان ، يُساق إليه، ويُجلب استجابة لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام، كما أخبر الله بذلك في كتابه العزيز، قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } (البقرة:126).
ومن فضائلها أنّ الله اختارها لمولد نبيه الخاتم ومبعثه صلى الله عليه وسلم، ففيها بدأ نزول القرآن الكريم، الكتاب الخاتم، ومنها بدأت دعوة الخير والحق، وانتشرت في الآفاق، قال تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } (الشورى:7) .
وقد أوجب الله على المستطيع من الناس الإتيان إليها من كل مكان، ودخولها بالتواضع والتخشع والتذلل، كاشفين رؤوسهم، متجردين عن لباس أهل الدنيا { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (آل عمران:97)، وجعل قصدها مكفراً للذنوب، ومُحِطاً للخطايا والذنوب، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه ) متفق عليه، واللفظ لمسلم .
ومما اختصت به مكة المكرمة أنها بلد الله الحرام، قال تعالى: { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (النمل:91)، فلا يسفك فيها دم، ولا يصاد صيد، ولا يعضد شجر، ولا يقطع نبات، ولا يلتقط لقطة إلا لتعريف، كما بين ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، حين قال: ( حرم الله مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا لأحد بعدي، أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى - أي: لا يقطع- خلاها - أي: الرطب من النبات- ، ولا يُعْضَد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا لمعرِّفٍ، فقال العباس رضي الله عنه: إلا الإذخر- نبات طيب الرائحة- لصاغتنا وقبورنا، فقال إلا الإذخر ) متفق عليه.
ومن فضائل مكة المكرمة مضاعفة الأجر والثواب بها، وأنّ الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وبها الحجر الأسود الذي ليس موضع على وجه الأرض غيره يُشرع تقبيله، وهو حجر من الجنة.
ومن خواص مكة أيضاً أنها محروسة بحفظ الله من الدجال، فلا يستطيع دخولها، ففي الحديث الذي يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال، إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج الله كل كافر ومنافق ) متفق عليه.
فمكة منزلتها عظيمة، وفضائلها جليلة، اختارها الله لتكون بلده الحرام، وبها أعظم مساجد الدنيا، الذي يتوجه إليه المسلمون في اليوم خمس مرات، يصلون لله ويعبدونه، فاللهم احفظ بلدك الحرام، واحفظ عبادك وأولياءك، والحمد لله رب العالمين.
الإثنين :06/10/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:26 PM
الجزيرة العربية قبل البعثة
بيئة الدعوة
(الشبكة الإسلامية) الدكتور / أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة )
بعث النبي صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل ، والبشرية تعج بالكفر والضلال والانحلال ، وماسبق من بحوث عن جزيرة العرب يبين هذا الأمر وفي هذا المقال سنقف على بعض النواحي التي تتعلق بالبيئة التي بدأت فيها دعوة الإسلام .
تقع مكة في بطن واد ، وتشرف عليها الجبال من جميع النواحي ، فإلى الشرق يمتد جبل أبو قبيس وإلى الغرب جبل قعيقعان . ويمتدان بشكل هلال فيحصران عمران مكة ، وتعرف المنطقة المنخفضة من الوادي بالبطحاء ويقع بها البيت العتيق ، ويحيط بها دور قريش ، أما المنطقة المرتفعة فتعرف بالمعلاة ، أما عند طرفي الهلال فتقوم دور ساذجة لقريش الظواهر وهم أعراب فقراء أصحاب قتال ، لكنهم دون قريش البطاح في التحضر والغنى والجاه .
وكانت صلات النسب بين قريش وكنانة ـ حيث أن قريشا تنتمي إلى كنانة التي تسكن قريبا من مكة ـ تعطي مكة عمقاً استراتيجياً ، وقد وثقت صلة النسب بالمحالفات أيضا ، وكان الأحابيش الذين يعيشون قريبا من مكة حلفاء لقريش أيضا ، وكانوا يستخدمون في حراسة القوافل المكية ، وامتدت الأحلاف لتشمل القبائل التي تقع على خطوط التجارة المكية إلى الشام والعراق واليمن ، والاقتصاد التجاري يحتاج إلى الأمن ، وقريش كانت تستعمل سياسة الحلم واللين وليس القوة للوصول إلى غاياتها التجارية وأمان طرقها الخارجية . ولم تدخل قريش في حروب قبل الإسلام سوى حروب الفجار الأربع التي هي حروب صغيرة ومناوشات . وقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم آخرها وهو الفجار الرابع وعمره عشرون سنة ، ولم تحرز قريش النصر على الأعراب في تلك المناوشات . وقد ساعدها على تحقيق الأمن وجود الكعبة التي يحج إليها العرب من شتى الأصقاع حيث تحبط بها أصنامهم الستون والثلاثمائة .
وقد اتسم ( الملأ ) بالمحافظة الشديدة على العقائد والتقاليد والأعراف السائد لتأكيد حقوقهم الموروثة ومكانتهم الاجتماعية ومصالحهم الاقتصادية وكل ذلك بتحقق بالمحافظة على الأوضاع السائدة ووحدة أهل مكة ، مما يفسر شدة مقاومتهم للإسلام عند ظهوره ، فقد رأوا فيه تهديدا لوحدة قريش ، وأغاظهم جدا أن يهاجر المسلمون إلى الحبشة ثم المدينة .
وقد قام أبناء قصي وأحفادهم بأعمال مهمة أدت إلى ازدهار مكة وبنفس الوقت أبرزت مكانتهم وفضلهم وشرفهم ومكنت لسيادتهم ، فإن قصيا هو الذي جمع قريشا ومكن لها في مكة ونظم شؤونها ، وأمسك أبناؤه بزمام وظائفه من بعده من السقاية والرفادة والحجابة واللواء والندوة ، وتمكن هاشم بن عبد مناف بن قصي من عقد " الايلاف " وتوسيع نطاق التجارة المكية بإخراجها من الحدود المحلية إلى الدولية ، وقام بحفر عدة آبار لخدمة قريش والحجيج معا ، وعرف المطلب أخو هاشم بالنسك والأمر بترك الظلم والبغي والحث على مكارم الأخلاق ، وعرف عبد المطلب بن هاشم بـ" الفياض " لجوده وبـ"شيبة الحمد " لكثرة حمد الناس له ، وقد اشتهر بحفر ماء زمزم التي طغت على مياه آبار مكة الأخرى .
وكان أبناء قصي قبل حفرها يأتون بالماء من آبار خارج مكة ، ولم يكن عبد المطلب أغنى رجل في قريش ولا زعيم مكة الوحيد ، لكن صلته بشؤون البيت العتيق وخدمة الحجيج جعلته من وجهاء مكة وهو الذي حادث أبرهة عندما غزا الأخير مكة .
و قبيل ظهور الإسلام تولي أبو طالب بن عبد المطلب الرفادة والسقاية ولم يكن له مال ينفقه في هذا السبيل فاستدان من أخيه العباس بن عبد المطلب عشرة آلاف درهم فأنفقها ، ولما لم يتمكن من رد المبلغ تنازل عن الرفادة والسقاية إلى العباس بن عبد المطلب . وهكذا فإن عشيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تتبوأ مكانة اجتماعية خاصة في مكة عند ظهور الإسلام ، ورغم أنهم كانوا وسطا في الثراء ، وربما كانوا دون أوساط تجار مكة .
إن أصدق مصدر يبين عقائد الجاهلية هو القرآن الكريم ، من خلال جدله الديني مع المشركين وتفنيد عقائدهم ، وقد بين الله تعالى في القرآن أن العرب المشركين كانوا يعبدون آلهة لتقربهم إلى الله زلفى ولتشفع لهم عنده . وقد أعماهم التقليد عن نقد تراثهم العقدي وتحكيم العقل والأخذ بالدليل الصحيح، واستتبع الانحراف في العقيدة انحراف في العبادة والسلوك والشعائر والشرائع ، فإذا بمناسك الحج تدخلها الوثنية، حيث وضعت الأصنام حول الكعبة ، وجرى الطواف حولها مع التعري من الثياب أحيانا ، وأصبحت قريش أخيراً لا تخرج إلى عرفات بل تقف بمزدلفة خلافا للناس.
وهكذا ابتدعوا وشرعوا ما لم يأذن به الله مع ادعائهم أنهم على شريعة أبيهم إبراهيم عليه السلام .
وكان تصورهم لله فيه قصور ونقص ، فهم ينحرفون عن الحق في أسمائه وصفاته فينكرون بعض صفاته ويسمونه بأسماء لا توقيف فيها أو بما يوهم معنى فاسداً ، وينسبون إليه النقائص كالولد والحاجة ، فزعموا أن الملائكة بنات الله ، وجعلوا الجن شركاء له سبحانه ، وجحدوا القدر واحتجوا به على الله تعالى . ومن معتقداتهم إنكار البعث ، فعبادتهم للاة وتقربهم للأصنام بالقرابين والنذور ليس من أجل الآخرة، بل لتحقيق مطالب دنيوية مثل : زيادة الأموال ودفع الشر والضرر عنهم في هذه الدنيا إذ لا علم لهم بالآخرة ، ويستثنى من عموم المنكرين للبعث عدد ممن كانوا يقولون بالبعث .
وبالجملة: فأمور الناس قبل البعثة كانت في حالة من السوء لا توصف فجاء الله بهذا الخير ، فمن قبله صلح أمره في الدنيا والآخرة، ومن رده شقي في الدنيا والآخرة ، نسأل الله الثبات على دينه والحمد لله رب العالمين.
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:29 PM
من البعثة الى الهجرة
الهجرة الثانية للحبشة
(الشبكة الإسلامية)
ذكرنا في مقال سابق أن هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة كانت خيراً للمسلمين وفتحاً جديداً للإسلام، استطاع المسلمون فيها أن يكسبوا أرضاً جديدة تكون منطلقاً لدعوتهم، واستطاعوا أن يقيموا شعائر دينهم بأمان. غير أن هذه الهجرة لم تدم طويلاً، حيث رجع المسلمون من أرض هجرتهم إلى مكة بعد أن بلغهم أن قريشاً هادنت الإسلام وتركت أهله أحراراً، إلا انهم بعد وصولهم إلى مكة وجدوا الأمر على خلاف ما ظنوه، فاضطروا إلى الهجرة مرة ثانية.فما خبر هذه الهجرة ؟ هذا ما سوف نعرفه في الأسطر التالية.
إن الإشاعة التي بلغت المؤمنين في أرض الهجرة تركت أثرها في قلوبهم ، فقرروا العودة إلى وطنهم، وكان سبب هذه الإشاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحرم وفيه جمع كبير من قريش، فقام فيهم وأخذ يتلو سورة النجم، ولم يكن المشركون قد سمعوا القرآن سماع منصت من قبل, لأن أسلوبهم المتواصل كان هو العمل بما تواصى به بعضهم بعضاً {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (فصلت:26) .
فلما فاجأهم النبي صلى الله عليه وسلم بتلاوة هذه السورة، وقرع آذنهم القرآن في روعة بيانه ، وجلالة معانيه، أعطوه سمعهم، فلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى { فاسجدوا لله واعبدوا } سجد، فلم يتمالك المشركون أنفسهم فسجدوا . وفي الحقيقة كانت روعة الحق قد صدَّعت العناد والكِبْر الذي في نفوسهم، فخروا ساجدين، فبلغ هذا الخبر مهاجري الحبشة، ولكن في صورة تختلف تماماً عن صورته الحقيقية، حيث بلغهم أن قريشاً أسلمت، فرجعوا إلى مكة آملين أن يعيشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قومهم وأهليهم آمنين، فلما وصلوا قريباً من مكة عرفوا حقيقة الأمر، وأن ما وصلهم من الأخبار غير صحيح ، بل إن قريشاً أشد وأنكى على المسلمين من ذي قبل، فرجع من رجع منهم ، ومن دخل مكة دخلها مستخفياً، أو في جوار رجل من المشركين، ثم زاد المشركون في تعذيب هؤلاء العائدين وسائر المسلمين، ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم بداً من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى ، فهي المنفذ الوحيد والمخرج بعد الله تعالى - من بلاء قريش - لما يتميز به ملِكُها النجاشي من عدل ورحمة وحسن ضيافة، وقد وجده المسلمون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لايظلم عنده أحد) .
فقرر المسلمون الهجرة مرة ثانية، ولكن الهجرة في هذه المرة كانت أشق وأصعب من سابقتها، حيث تيقظت قريش لها، وقررت إحباطها ، لكن المسلمين كانوا قد أحسنوا التخطيط والتدبير لها ويسَّر الله لهم السفر ، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن تدركهم قريش، وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلاً ، وثماني عشرة امرأة . وكما كان في الهجرة الأولى خير للإسلام والمسلمين ففي هذه الهجرة كان الخير أكثر وأكثر، فازداد عددهم وانتشر خبرهم، وكانت أرض الحبشة التي أمِنوا فيها على أنفسهم ودينهم منطلقاً للدعوة الإسلامية وملاذاً لكل مضطهد وطريد من المسلمين، والله يؤيد دينه وعباده المؤمنين بما شاء من جنوده التي لا يعلمها إلا هو ، فله الحمد في الأولى والآخرة وصلى الله وسلم على سيدنا محمد و آله .
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:33 PM
من البعثة الى الهجرة
دار الأرقم ودورها في الدعوة
(الشبكة الإسلامية)
بيَّن القرآن الكريم المنهج الأقوم للدعوة إلى الله على بصيرة ، فقال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21). فقد حددت هذه الآية طبيعة المنهج الذي على المسلم اتباعه في الدعوة إلى الله ، وأنه منهج رسول هذه الأمة، صلوات الله وسلامه عليه.
لقد كان في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهجه في الدعوة إلى الله أسوة للدعاة والسائرين على هديه ودربه، ومعلوم أن الدعوة النبوية مرت بمرحلتين أساسيتين: مرحلة الدعوة السرية، وكانت ثلاث سنين بمكة المكرمة، ومرحلة الدعوة الجهرية وهي ما بعد ذلك.
وكانت طبيعة المرحلة الأولى تتطلب سرية العمل الدعوي، ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للجهر بها، وكانت دار الأرقم، هي المكان المناسب لمثل هذه الظروف من أيام الدعوة.
كانت هذه الدار - دار الأرقم - على جبل الصفا ، ذلك الجبل المنعزل عما يدور حوله ، فهي إذن بمعزل عن أعين الأعداء والمتربصين، وكانت - فضلاً عن ذلك -للأرقم بن أبى الأرقم بن أسد بن عبد الله المخزومي وكان اسمه عبد مناف، وهو من السابقين الأولين الذين استجابوا لله والرسول، وباعوا عَرَض الدنيا لأجل الآخرة، وآثروا تحمل الأذى والعذاب على حياة الشرك والكفر، فقد توافرت - لهذه الدار - صفات عدة جعلت منها منطلقاً ومناراً لهذه الدعوة الناشئة .
ففي هذه الدار المباركة ومن خلالها التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الكرام، وتلقوا عنه تعاليم الإسلام وتوجيهاته الكريمة، كان صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم ما ينزل عليه من القرآن الكريم، ويعلمهم أمور دينهم ويباحثهم في شأن الدعوة، وما وصلت إليه ، وموقف المعرضين عنها والصادين عن سبيلها.
كان يسمع شكوى أصحابه وما يلقونه من أذى المشركين وكيدهم ، يتحسس آلامهم وآمالهم ، ويطلب منهم الصبر والمصابرة ، ويبشرهم أن العاقبة للمتقين، وأن النصر مع المؤمنين ، وأن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
لقد كانت رعاية الله وعنايته للعصبة المؤمنة واضحة جلية لا تفارقهم بحال، على الرغم مما كان ينالهم من أذى المشركين، وكان من الحكمة البالغة في بداية أمر الدعوة الابتعاد بهذه العصبة المؤمنة عن كل ما يضر بها - قدر المستطاع - وقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن تبقى دعوة الإسلام ضمن مجالها السري إلى أن هيأ الله لها من الأسباب ما مكنها من إشهار أمرها وإعلان رسالتها، وقد صدق الله إذا يقول: { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (يوسف:21) . والحمد لله رب العالمين .
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:36 PM
من البعثة الى الهجرة
أساليب قريش لمواجهة الدعوة
(الشبكة الإسلامية)
منذ أن جهر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته، وصارح قومه بضلال ما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، انفجرت مكة بمشاعر الغضب وظلت عشرة أعوام تعتبر المسلمين عصاةً متمردين على دين الآباء والأجداد، ورأت قريش أنَّه لابد من مواجهة هذه الدعوة التي جاءت بتسفيه أحلامهم وسب آلهتهم والقضاء على زعامتهم، فقرروا أن لا يألوا جهداً في محاربة الإسلام وإيذاء الداخلين فيه، واتخذوا لذلك أساليب شتى وطرقاً عديدة للمواجهة، وهذا ما سنعرفه في المقال التالي .
فمن الأساليب التي اتبعوها لمواجهة الدعوة الإسلامية وقمعها، السخرية والاستهزاء والتكذيب لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ليزهَّدوا النَّاس فيه وليضعفوا القوة المعنوية لدي المؤمنين، فتراهم تارة يصفون النبي صلى الله عليه وسلم بأنَّه مجنون {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} (الحجر:6) .
وتارة أخرى يصفونه بالسحر والكذب {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (صّ:4). وكانوا كما قصَّ الله تعالى علينا {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ* وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّون} .(المطففين:29-32).
ومن أساليب محاربة الدعوة كذلك، تشويه تعاليم الإسلام، وإثارة الشبهات حولها وبث الدعايات الكاذبة عن شخص الرسول صلى الله عليه وسلم. فكانوا يقولون عن القرآن إنه أساطير الأولين {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفرقان:5)
ويقولون كذلك { إنما يعلمه بشر}(النحل:103). ويقولون عن الرسول صلى الله عليه وسلم { مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسواق }(الفرقان:7) وكل هذه الأقاويل التي قالوها والدعايات التي بثوها ردَّ عليها القرآن ردوداً واضحة وبيَّن بطلانها وتهافتها .
ومن أساليبهم في محاربة الدعوة أيضا، معارضة القرآن بأساطير الأولين وإشغال الناس بها، فقد ورد في السير أن النضر بن الحارث قال مرة لقريش: يا معشر قريش والله لقد نزل بكم أمر عظيم ما أوتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر، لا والله ما هو بساحر ... ثم عدد لهم ما يقولونه عنه وردَّ عليهم فقال: ولا هو بمجنون ولا بشاعر ، ثم ذهب إلى الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم وأسفنديار، فكان كلَّما جلس الرسول صلى الله عليه وسلم مجلساً للتذكير بالله، جاء بعده النضر وقال لهم : والله ما محمد بأحسن حديثاً مني ، ثم يحدثهم عن ملوك فارس وخرافات رستم و أسفندبار ثم يقول بماذا محمد أحسن حديثاً مني ؟.
ومن أساليبهم في محاربة الدعوة كذلك ، مساومات حاولوا بها أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق، وذلك بأن يترك الرسول صلى الله عليه وسلم بعض ما هو عليه من الحق، ويترك المشركون بعض ما هم عليه من الباطل، فقالوا يا محمد هلمَّ فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبده خيراً مما نعبد كنَّا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد أنت، كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل الله تعالى فيهم سورة كاملة وهي قوله تعالى:{ قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون *ولا أنتم عابدون ما أعبد* ولا أنا عابد ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين}(سورة الكافرون).
ولماَّ لم تنفع تلك الأساليب كلُّها في قمع الدعوة وإسكات صوتها، لجؤوا إلى أسلوب آخر وهو تعذيب الداخلين في هذا الدين، والتنكيل بهم، ظناً منهم أنهم إذا عذبوهم وضربوهم سيتركوا ما هم عليه، فأما أصحاب المكانة في قريش كـأبي بكر و عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب وغيرهم فقد منعهم الله بقومهم ومكانتهم وأما سائر المؤمنين الضعفاء الذين ليس لهم عصبة تدافع عنهم فقد تفنَّنت قريش في تعذيبهم وكشَّرت عن أنياب الغيظ والحقد، وسلَّطت عليهم من سياط العذاب ما لو سلط على جبل لتفتت .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عن قال : (كان أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال ، والمقداد، فأمَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا - أي وافقهم في بعض ماطلبوا منه من شدة التعذيب - إلا بلالاً فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد، أحد ) رواه أحمد وابن ماجة .
وبالجملة :فإن المشركين بذلوا كل ما في وسعهم لتعويق الدعوة ومنعها من الوصول إلى الناس ، ولكن خابوا وخسروا، وأدركوا أن ما يريدونه بعيد المنال ، إنما هي المكابرة، ومن يغالب الَله يُغلب، فهذا أمرٌ أراد الله إنقاذه {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف:8) . فكان ما أراد الله تعالى من نصرة دينه ورسوله وأوليائه، وهم منصورون إلى يوم القيامة، والعاقبة للمتقين، والحمد لله رب العالمين .
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:38 PM
من بدر الي الحديبية
غزوة دومة الجندل
(الشبكة الإسلامية)
بعد غزوتي بدر و أحد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم تأمين أطراف الجزيرة العربية ، حتى تكمل السيطرة للمسلمين ، ويتم الاعتراف بدولة الإسلام ،
فتفرغ لذلك ، ثم بلغه أن قبائل حول دومة الجندل تقطع الطريق وتنهب الناس ، وقد حشدت جمعها لمهاجمة المدينة ، فبادرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخرج إليهم في ألف من المسلمين بعد أن استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري رضي الله عنه ، فكانت هذه الغزوة في السنة الخامسة للهجرة .
وكان الجيش يسير في الليل ، من أجل إخفاء الأمر ومباغتة العدو ، ويستريح في النهار ، فلما وصل جيش المسلمون ديار العدو ،هاجموا الماشية ورعاتها ، فأصابوا منها ما استطاعوا ، وهرب الباقي .
ثم نزل المسلمون منازل أهل دومة الجندل فلم يجدوا فيها أحدا ؛ حيث فر القوم وانتشروا في النواحي خوفاً من المسلمين ، ولم يكتفِ المسلمون بذلك وإنما بقي الرسول وأصحابه أياماً لتتبع القوم ، وبعث السرايا ، ولكنهم لم يعثروا على أحد منهم .
بعد ذلك عاد الجيش الإسلامي إلى المدينة منتصراً غانماً .
يقول صاحب الرحيق المختوم : "بهذه الإقدامات السريعة الحاسمة ، وبهذه الخطط الحكيمة الحازمة نجح النبي صلى الله عليه وسلم في بسط الأمن ، وتنفيذ السلام في المنطقة والسيطرة على الموقف ، وتحويل مجرى الأيام لصالح المسلمين ، وتخفيف المتاعب الداخلية والخارجية التي كانت قد توالت عليهم ، وأحاطتهم من كل جانب" .
وبذلك ظهرت قوة المسلمين ؛ فاستكان المنافقون والبدو الأعراب ، وحادت قريش عن المواجهة ، فكانت فرصة للمسلمين في نشر الإسلام وتبليغه ، ولله الحمد والمنّة .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:40 PM
من بدر الي الحديبية
مقتل ابن أبي الحقيق
(الشبكة الإسلامية)
يوجد من الناس من تمرس على المكر والكيد والظلم والعدوان ، وصار مجرم حرب لا يرجى منه خير ، وهذا النوع لا يفيد معه نصح أو تخويف ، فلا بد من تطهير المجتمع منه ومن شره ، ففي بقائه ضرر على الناس ، ومنعٌ للخير ، وجلبٌ للشر .
وسلام بن أبي الحقيق - أبو رافع- هو من هذا الصنف ؛ حيث إنه من أكابر مجرمي اليهود ، الذين حزبوا الأحزاب وأعانوهم بالمؤن والأموال ضد المسلمين ، وكان ممن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا بد من أن ينال عقابه ، ويحصد ما جنت يداه .
فبعد فراغ المسلمين من بني قريظة ، أرادت الخزرج أن يكون لها فضل التخلص منه ، كما نالت الأوس فضل التخلص من صاحبه كعب بن الأشرف .
فخرجت مجموعة رجال من بني سلمة من الخزرج بقيادة عبدالله بن عتيك بعد استئذان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتوجهوا إلى حصن أبي رافع بخيبر ، وكان ذلك في السنة الخامسة للهجرة .
فلما اقتربوا من الحصن ، وغابت الشمس ، قام عبدالله بن عتيك فدخل باب الحصن متقنعاً ، وجلس أصحابه ينتظرونه ،فلما فرغ البوّاب من غلق الأبواب ، أخذ عبدالله بن عتيك المفاتيح من الموضع الذي وضعت فيه ، وصعد إلى ابن الحقيق في أعلى الحصن من أجل القيام بعملية فدائية جريئة ، وواصل الانتقال من غرفة إلى أخرى باحثاً عن المجرم في مخبئه ، وكان كلما دخل باباً أغلقه خلفه ، حتى وصل إليه وتمكن منه ، فضربه وقتله ، ثم عاد إلى أصحابه سليماً إلا من كسر أصابه في ساقه.
فحمله أصحابه في الصباح بعد أن تأكدوا من موت أبي الحقيق ، وعادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه بالحدث ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عتيك : (ابسط رجلك ، قال : فبسطت رجلي ، فمسحها ، فكأنها لم أشتكها قط)رواه البخاري .
وتلك هي نهاية الظالمين المعتدين ، وعاقبة الخائنين الغادرين ، الذين لا يجدي معهم سوى هذا النوع من العلاج ، وبهذا تم التخلص من هذا المجرم اليهودي ، لعله يكون عبرة لغيره ، ودرساً يستفيد منه الآخرين .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:42 PM
من بدر الي الحديبية
غزوة ذات الرقاع
(الشبكة الإسلامية)
بعدما كُسرت شوكة جناحين من الأحزاب : اليهود ، ومشركي مكة من قبل المسلمين ، بقي جناح ثالث : وهم الأعراب القساة الضاربين في فيافي نجد ، والذين ما زالوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين وقت وآخر .
فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم تأديبهم ، وإخماد نار شرهم ، ولما كانوا بدواً لا بلدة أو مدينة تجمعهم ، بات لا يجدي معهم سوى حملات التأديب والتخويف ، فكانت غزوة ذات الرقاع .
وجرت أحداث هذه الغزوة في السنة السابعة من الهجرة ، بعد خيبر، كما رجحه ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد .
وبدأت حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم باجتماع قبائل : أنمار أو بني ثعلبة ، وبني محارب من غطفان ، فأسرع بالخروج إليهم بأربعمائة أو سبعمائة من الصحابة ، واستعمل على المدينة أبا ذر ، وقيل عثمان بن عفان ، وسار متوغلاً في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نخل ، ولقي جمعاً من غطفان ، فتوافقوا ولم يكن بينهم قتال ، إلا أنه صلى بالصحابة صلاة الخوف ، فعن جابر قال : (خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نخل ، فلقي جمعاً من غطفان ، فلم يكن قتال ، وأخاف الناس بعضهم بعضاً ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الخوف )رواه البخاري .
وكان لكل ستة بعير يتعاقبون على ركوبه ، حتى تمزقت خفافهم ، ولفّوا على أرجلهم الخرق ؛ ولذلك سميت الغزوة بذات الرقاع ، ففي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال : (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ، ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه ، فنقبت أقدامنا ، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري ، وكنا نلف على أرجلنا الخرق ، فسُمِّيت غزوة ذات الرقاع ؛ لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا) .
ومما صاحب هذه الغزوة قصة الأعرابي ، ففي البخاري ، عن جابر رضي الله عنه قال : (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع ، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة ، فاخترطه فقال : تخافني ، قال : لا قال فمن يمنعك مني؟ قال: الله فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقيمت الصلاة ، فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ، وللقوم ركعتان ).
وكان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة ، فلم تجترئ القبائل من غطفان أن ترفع رأسها بعدها ، بل استكانت حتى استسلمت ، وأسلمت ، حتى شارك بعضها في فتح مكة وغزوة حنين .
وبهذا تم كسر أجنحة الأحزاب الثلاثة ، وساد الأمن والسلام ربوع المنطقة ، وبدأ التمهيد لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ، لتبليغ الإسلام ونشر الخير.
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:44 PM
من تبوك الي الوفاة
حجة الوداع
(الشبكة الإسلامية)
بعد أن أتم النبي صلى الله عليه وسلم إبلاغ الرسالة ، وفُتحت مكة ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، فرض الله الحج على الناس وذلك في أواخر السنة التاسعة من الهجرة ، فعزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحج ، وأعلن ذلك ، فتسامع الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الحج هذا العام ، فقدم المدينة خلق كثير كلهم يريد أن يحج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن يأتم به ، فخرج من المدينة في الخامس والعشرين من ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة ، وانطلق بعد الظهر حتى بلغ ذي الحليفة ، فاغتسل لإحرامه وادهن وتطيب ، ولبس إزاره ورداءه ، وقلد بدنه ، ثم أهل بالحج والعمرة وقرن بينهما ، وواصل السير وهو يلبي ويقول : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) ، فلما قرب من مكة ، نزل بذي طوى ، وبات بها ليلة الأحد من اليوم الرابع من ذي الحجة ، وصلى بها الصبح ، ثم اغتسل ، ودخل مكة نهاراً من أعلاها ، فلما دخل المسجد الحرام طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، ولم يحل من إحرامه ، لأنه كان قارناً وقد ساق الهدي معه ، وأمر من لم يكن معه هدي من أصحابه أن يجعلوا إحرامهم عمرة ، فيطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم يحلوا من إحرامهم ، وأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بمكة أربعة أيام من يوم الأحد إلى يوم الأربعاء .
وفي ضحى يوم الخميس الثامن من ذي الحجة توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المسلمين إلى منى ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة - وهو موضع بالقرب من عرفات وليس من عرفات - ، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -حتى نزل بنمرة ، ولما زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، فأتى بطن وادي عرنة ، وقد اجتمع حوله الألوف من الناس ، فخطب الناس خطبة جامعة ذكر فيها أصول الإسلام ، وقواعد الدين ، وكان مما قاله -صلى الله عليه وسلم - : ( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ثلاث مرات ).
ثم أذن المؤذن ثم أقام فصلى بالناس الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى موقف عرفات ، فاستقبل القبلة ، ولم يزل واقفاً حتى غربت الشمس ، وهنالك أنزل عليه قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ( المائدة 3) .
فلما غربت الشمس أفاض من عرفات، وأركب أسامة بن زيد خلفه ، ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : ( أيها الناس عليكم السكينة ) ، حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم نام حتى أصبح ، فلما طلع الفجر صلاها في أول الوقت ، ثم ركب ، حتى أتى المشعر الحرام - وهو موضع بالمزدلفة - ، فاستقبل القبلة ، ودعا الله وكبره وهلله ووحده ، ولم يزل واقفاً حتى أسفر الصبح وانتشر ضوء ه ، ثم دفع إلى منى قبل أن تطلع الشمس ، وهو يلبي ولا يقطع التلبية ، وأمر ابن عباس أن يلتقط له حصى الجمار سبع حصيات ، فلما وصل إلى منى رمى جمرة العقبة راكباً بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة .
ثم خطب الناس خطبة بليغة أعلمهم فيها بحرمة يوم النحر وفضله عند الله وحرمة مكة على غيرها ، وأمرهم بالسمع والطاعة ، وأن يأخذوا عنه مناسكهم ، ويبلغوا عنه ، ونهاهم أن يرجعوا بعده كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض .
ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده ، ثم أمر علياً أن ينحر ما بقي من المائة .
فلما أكمل - صلى الله عليه وسلم - نحر الهدي استدعى الحلاق فحلق رأسه ، وقسم شعره بين من حوله من الناس .
ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة راكباً ، وطاف بالبيت طواف الإفاضة ، وصلى بمكة الظهر ، ثم رجع إلى منى في نفس اليوم ، فبات بها ، فلما أصبح انتظر زوال الشمس ، فلما زالت ودخل وقت الظهر أتى الجمرات ، فبدأ بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة ، يرمي كل جمرة بسبع حصيات ، ويكبر مع كل حصاة ، وفعل ذلك في بقية أيام التشريق ، وأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام التشريق بمنى يؤدي المناسك ، ويعلم الشرائع ، ويذكر الله ، ويقيم التوحيد ، ويمحو معالم الشرك .
وفي اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، نفر النبي صلى الله عليه وسلم من منى ، فنزل بخيف بني كنانة من الأبطح ، وأقام هناك بقية يومه وليلته ، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ونام نومة خفيفة ، وبعدها ركب إلى البيت ، فطاف به طواف الوداع ، ثم توجه راجعاً إلى المدينة .
وهكذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجه ، بعد أن بين للمسلمين مناسكهم ، وأعلمهم ما فرض الله عليهم في حجهم ، وما حرم عليهم ، فكانت حجة البلاغ ، وحجة الإسلام ، وحجة الوداع ، ولم يمكث بعدها أشهرا ًحتى وافاه الأجل ، فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.
الإثنين :03/02/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:47 PM
من تبوك الي الوفاة
تأملات في خطبة الوداع
(الشبكة الإسلامية)
كان تعليم مناسك الحج وأحكامه من آخر ما علمه صلى الله عليه وسلم أمته، بعد أن بلَّغ ما أُنزل إليه من ربه على أكمل وجه وأتمه؛ وقد فُرضت شعيرة الحج في السنة التاسعة من الهجرة، قُبيل مغادرة رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الدنيا لِيلحق بالرفيق الأعلى.
وكان من مقاصد تشريع هذه الفريضة غسل ما عَلِقَ بها من أدران، وما خالطها من أوهام، لإعادتها نقية صافية تشع بنور التوحيد، ولتقوم على أساس العبودية للواحد القهار، ونبذ كل ما سواه من آلهة وأوثان.
لقد كانت خطبة الوداع - التي تخللت شعائر الحج - لقاءً بين أمة ورسولها؛ كان لقاء توصية ووداع. توصيةَ رسول لأمته، لخص لهم فيه أحكام دينهم ومقاصده الأساسية في كلمة جامعة مانعة، خاطب بها صحابته والأجيال من بعدهم، بل خاطب البشرية عامة، بعد أن أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة ونصح للأمة في أمر دينها ودنيها.
وكانت الخطبة كذلك لقاءَ وداعِ رسول لأمته، وداعاً لهذه الدار الفانية إلى دار باقية، لا نَصَبَ فيها ولا تعب.
ما أروعها من ساعة تلك التي اجتمع فيها من أرسله الله رحمة للعالمين مع الجموع المؤلفة خاشعين متضرعين، وكلهم آذان صاغية لكلمات الوداع وكلمات من لا ينطق عن الهوى {إن هو إلا وحي يوحى}(النجم:4) كلمات تجد صداها عند كل من يستمع لها، لأنها تخرج من القلب إلى القلب.
لقد أنصتتِ الدنيا بأسرها - بلسان حالها ومقالها - لتسمع كلام أصدق القائلين وهو يقول: ( أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ).
لقد أنصتت الدنيا بأسرها - بلسان حالها ومقالها - لتسمع قوله صلى الله عليه وسلم وهو يُلخص لأمته - بل للبشرية جمعاء - مبادئ الرحمة والإنسانية، ويرسي لها دعائم السلم والسلام، ويقيم فيها أواصر المحبة والأخوة، ويغرس بأرضها روح التراحم والتعاون؛ وكأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم - بما أطلعه الله عليه - أنه سيأتي على الناس حين من الدهر يودِّعون فيه هذه المبادئ، ويلقونها ورائهم ظهريًا، ويسيرون في عالم تسود فيه معايير القوة والظلم - ظلم الإنسان لأخيه الإنسان - ويُقدم فيه كل ما هو مادي على ما هو إنساني.
أما ما تضمنته خطبة الوداع من مبادئ وتوصيات، فنقف عند بعضٍ منها، فيما تبقَّى من هذه السطور:
المبدأ الأول حرمة سفك الدماء بغير حق، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: ( أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وحرمة شهركم هذا..) فأين أمة الإسلام اليوم من تطبيق هذا المبدأ، وقد أخذ بعضها برقاب بعض، وتسلط القوي فيها على الضعيف، وآل أمرها إلى ما هو غير خاف على أحد، حتى أضحت في موقع لا تحسد عليه.
وقد كرر عليه الصلاة والسلام هذه الوصية في خاتمة خطبته - كما ذكر ابن هشام في سيرته - مؤكدًا ضرورة الاهتمام بها بقوله: ( تعلَمُنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين أخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب منه، فلا تظلمن أنفسكم..) .
المبدأ الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: ( ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، دماء الجاهلية موضوعة...وربا الجاهلية موضوع..) وهذا نص واضح، وتصريح صارخ أن كل ما كان عليه أمر الجاهلية قد بَطَل، ولم يبقَ له أي اعتبار، بل هو جيفة منتة، لا يمكن أن ينهض بأمة، بَلْهَ أن يبني حضارة تكون هدى للبشرية، بل هو إلى الهدم والخراب أقرب.
وثالث المبادئ في خطبته صلى الله عليه وسلم وصيته بالنساء خيرًا ( واستوصوا بالنساء خيرًا) ما أروعها من وصية، وما أحرى بالإنسانية اليوم أن تلتزم بها وتهتدي بهديها، بعد أن أذاقت المرأة أشد العذاب - تحت مسمى حرية المرأة - ودفعت بها إلى مهاوي الذل والرذيلة، وجردتها من كل معاني الكرامة والشرف، تحت شعارات مزيفة، لا تمت إلى الحقيقة في شيء.
لقد جهل أصحاب تلك الشعارات بل تجاهلوا الفرق بين كرامة المرأة وحقوقها الطبيعية التي كفلها لها شرع الله، وما نادوا به من شعارات تطالب بحرية المرأة، وهي عند التحقيق والتدقيق دعوة لاستباحة الوسائل المختلفة للتمتع بالمرأة والتلهي بها.
إن المرأة اليوم - كما لا يخفى على كل ذي بصر وبصيرة - تنجرف مع تيار كاسح يكاد يختزل المرأة وقيمتها ووظيفتها في الجسد المزوَّق، والمظهر المنمَّق، المعروض في كل مكان، والمبذول لكل راغب ومريد!!
أما المبدأ الرابع فكان وصيته عليه الصلاة والسلام لأمته التمسك بكتاب ربها والاعتصام به، مبينًا أنه سبيل العزة والنجاح ( وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله ) صدقت يا رسول لقد ضمنتَ لأمتك الأمان من كل شقاء وضلال إذا هي تمسكت بهدي هذا الكتاب. وهل وصلت أمة الإسلام إلى ما وصلت إليه إلا بهجر كتاب ربها وترك منهج نبيها، ولا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
كم هي البشرية اليوم بحاجة ماسَّة - بعد أن وصلت إلى ما وصلت إليه - إلى مراجعة نفسها وتدارك أمرها والاهتداء بهدي من أرسله الله رحمة للعالمين، فهل تفيء البشرية إلى رشدها أم تبقى في غيِّها لا تلوي على أحد، ولا تُقيم وزنًا لدين أو خلق. وفقنا الله لصالح القول العمل، وختم لنا بالحسنى، والحمد لله رب العالمين.
الأحد :17/11/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:49 PM
من تبوك الي الوفاة
غزوة تبوك
(الشبكة الإسلامية) الدكتور / أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة )
إن القتال الذي شرعه الله تعالى، وخاض معاركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، لهو أشرف أنواع الجهاد، فقد كان فريضة لحماية الحق، ورد المظالم، وقمع العدوان، وكسر الجبابرة، ومن ذلك غزوة تبوك والتي سنقف على تفصيلها في هذا المقال:
تعتبر هذه الغزوة التي وقعت في رجب من صيف عام تسع للهجرة - استجابة طبيعية لفريضة الجهاد , فالروم أقرب الناس إلى جزيرة العرب , فقد قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار , وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أن الله مع المتقين }( التوبة 123) .
وقد قضى الإسلام على الوثنية في شبه جزيرة العرب , وبقيت أمامه المجوسية في بلاد فارس والنصرانية في بلاد الشام . وتبوك تقع شمال الحجاز وتبعد عن المدينة 778 كيلا حسب الطريق المعبدة حالياً.
وقد سميت غزوة "العسرة" أيضاً لما كان أصاب المسلمين من الضيق الاقتصادي وقتها .
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على النفقة , فسارع أغنياء الصحابة وفقراءهم الى تقديم الأموال , وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه أكثرهم انفاقاً على جيش العسرة فوعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة .
وكان عدد الجيش ثلاثين ألفاً , وحاول المنافقون تثبيط الناس عن الخروج , وكان الحر شديداً , وكان الناس يفيئون إلى ظلال الأشجار , فكان المنافقون يستغلون ذلك لإشاعة التخاذل . كما كانوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلف مبدين الأعذار الكاذبة .
وقد ابتنى المنافقون مسجداً قبيل الخروج إلى تبوك , ليجتمعوا فيه مكايدةً للمسلمين , وقد طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه , فنهاه الله تعالى عن ذلك وسمّاه مسجداً "ضراراً" .
وقد تخلف معظم المنافقين عن الغزوة , ومضى بعضهم مع الجيش يقتنصون الفرص للكيد والإرجاف . ولم يتخلف من الصحابة إلا عدداً يسيراً من ذوي الأعذار سوى ثلاثة لم يكن لهم عذر . ونظراً لبعد الشقة وكثرة الأعداء فقد كشف الرسول صلى الله عليه وسلم عن وجهته للمسلمين , ليستعدوا لذلك خلافاً لنهجه في الحروب فانه لا يعلن وجهته حتى لا يصل الخبر الى عدوه فيأخذون أهبتهم ..
وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من علي بن أبي طالب أن يخلفه في أهله , فقال علي : يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى , غير أنه لا نبيّ بعدي " .
وهكذا شأن أصحاب العقيدة , لا يفرحون بالثمار والظلال , بل يؤثرون الحر والظمأ والجوع في سبيل الله , فهي غنيمتهم التي يدّخرونها لآخرتهم .
قالأبو خيثمة الأنصاري : " تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فدخلت حائطاً , فرأيت عريشاً قد رش بالماء , ورأيت زوجتي , فقلت : ما هذا بانصاب , رسول الله صلى الله عليه وسلم في السموم والحرور وأنا في الظل والنعيم , فقمت إلى ناضحٍ لي وتمرات فخرجت , فلما طلعت على العسكر فرآني الناس , قال النبي صلى الله عليه وسلم :" كن أبا خيثمة ". فجئت , فدعا لي . وبلغ الأمر بالضعفاء والعجزة ممن أقعدهم المرض أو العجز عن النفقة عن الخروج الى حد البكاء شوقاً للجهاد , وتحرجاً عن القعود حتى نزل فيهم قرآن { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج }رواه البخاري .
ولما بلغ المسلمون تبوك أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء الأعظم للصديق رضي الله عنه , وحملت كل قبيلة الرايات والألوية . وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد مع عدد من الصحابة الى دومة الجندل فأسر ملكها أكيدر بن عبد الملك الكندي , وفتح الدومة , وحاز غنائم عظيمة . ولم يقع قتال في هذه الغزوة سوى فتح الدومة , إذ لم يلق المسلمون جموع الروم والقبائل العربية المنتصرة , وآثر حكام المدن الشمالية الصلح على أن يدفعوا الجزية .
وفي طريق العودة من تبوك الى المدينة , مر المسلمون بالحجر في ديار ثمود وهم الذين امتحنوا بالناقة فنحروها , فأخذتهم الصيحة لعصيانهم . وقد سارع الناس الى دخول بيوت الحجر , فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم , أن يصيبكم ما أصابهم , الا أن تكونوا باكين " ، ثم قنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه واسرع السير حتى أجاز الوادي , كما نهاهم عن شرب الماء من بئرها أو الوضوء منه , وأن يعلفوا إبلهم ما عجنوه من عجين بمائها.
ولما اقترب الجيش من المدينة خرج الصبيان الى ثنية الوداع يتلقونه , ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , فصلّى في مسجده ركعتين , ثم جلس للناس , وجاءه المنافقون المتخلفون عن الغزوة فاعتذروا بشتى الأعذار , فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله , وجاء كعب بن مالك , وقد سبقه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع , وقد أقر الثلاثة بأنه لا عذر لهم في تخلفهم عن الغزوة .ولم يرضوا أن يضيفوا إلى ذنب التخلف ذنباً جديداً هو الكذب , فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الكلام مع الثلاثة , فاجتنبهم الناس خمسين ليلةً , وأمرت نساؤهم باعتزالهم , فذهبن عند أهلهن إلا زوجة هلال إذ كان شيخاً كبيراً , فبقيت لخدمته فقط بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم , وقد ضاقت بهم الدنيا , وحاول ملك الغساسنة استغلال الموقف فراسل كعب بن مالك ليلحق به , لكن كعباً أحرق الرسالة وذكر إنها زيادة في امتحانه .
واستمرت المقاطعة حتى تاب الله عليهم بنزول الآية { وعلى الثلاثة الذين خلّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب الله عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم }( التوبة 118) .
لقد حققت هذه الغزوة أهدافها بتوطيد سلطان الإسلام في الأقسام الشمالية من شبه الجزيرة العربية . وكانت تمهيداً لفتوح بلاد الشام.
السبت :07/09/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:52 PM
خصوصيات الرسول
جملة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
في وقفة سابقة تحدثنا عما خصَّ الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من خصائص ، وأيده به من معجزات لا يرقى إليها أحد من الأنبياء فضلاً عن بقية البشر ، وأشرنا أيضاً إلى أن خصائصه صلى الله عليه وسلم متعددة ومتنوعة ، منها ما يكون في الدنيا ، ومنها ما يكون في الآخرة ، ونحن من خلال هذا المقال نواصل الحديث عن تلك الخصائص لعلنا نزداد حباً لنبينا واتباعاًله ، عسى أن يشملنا قوله تعالى:{ وإن تطيعوه تهتدوا }(النور:54) ، وقوله تعالى : { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } (غافر :51) .
فمن خصائصه - صلى الله عليه وسلم- غير ما ذكرنا أنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ، ففي الحديث ( فأكون أول من تنشق عنه الأرض )رواه البخاري.
ومن خصائصه - صلى الله عليه وسلم- أنه أكثر الناس تبعاً يوم القيامة ، فعن أنس بن مالكرضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ) رواه مسلم .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أرجو أن يكون من يتبعني من أمتي يوم القيامة ربع أهل الجنة ، قال : فكبرنا ، قال : أرجو أن يكونوا ثلث أهل الجنة ، قال : فكبرنا ،قال : أرجو أن تكونوا الشطر ) ، رواه الإمام أحمد ، وصححه شعيب الأرنؤوط .
ثم إنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تحت لوائه -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة ، وهو سيد ولد آدم ، وبيده لواء الحمد ، كما صح في حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ ، آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر )رواه الترمذي ، وقال :حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني .
ومن خصائصه - صلى الله عليه وسلم- أنه أول من يفتح له باب الجنة فيدخلها ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( وأنا أول من يقرع باب الجنة ) رواه مسلم .
وهو صلى الله عليه وسلم أول من يشفع ، ويشفّع في الجنة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا أول الناس يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعا ) رواه مسلم.
تلك هي بعض خصائصه -صلى الله عليه وسلم- التي اختصه الله بها دون غيره من الأنبياء ، ذكرناها على وجه الإجمال لتكون على بينة من أمرها ، ونحيل تفصيل القول فيها إلى شراح الحديث . وفقنا الله جميعاً لمعرفة قدر هذا النبي ، ومكانته التي أكرمه الله بها بين خلقه ، وألهمنا سبحانه الاقتداء بـهديه ، والسير على نهجه ، ففي ذلك الفلاح والنجاح{وإن تطيعوه تهتدوا}(النور :54) والحمد لله رب العالمين .
الأربعاء:07/07/2004
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:55 PM
خصوصيات الرسول
أسماؤه - صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
في الأمثال يقولون: الاسم دال على المسمى، ويقولون أيضاً: لكل شخص من اسمه نصيب. وكثرة الأسماء في معهود العرب تدل على شرف المسمى، وعلو مكانته، والعرب من عادتها إطلاق الأسماء الكثيرة على كل من كان ذا شأن عظيم ومنزلة رفيعة..واختيار الأسماء من الأمور التي اهتم بها الإسلام وندب إليها..
وكان من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي أكرمه الله بها واختصه بها عمن سواه، تلك الأسماء العديدة، والصفات الحميدة، ذات المعاني الفريدة، فكانت أسمائه صلى الله عليه وسلم دالة كل الدلالة على معانيها، ومتجسدة حقيقة في سلوكه وشؤونه... فمن أسمائه صلى الله عليه وسلم :
01 محمد : وهو أشهرها، قد ورد في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله تعالى: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } (الفتح:29)، وبه سُمّيَ في التوراة صريحاً كما ذكره ابن القيم في: جلاء الإفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام.
02 أحمد : وهو الاسم الذي سمّاه بهِ المسيح، وجاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } (الصف:6).
والفرق بين محمد وأحمد من وجهين:
الوجه الأول : أن محمداً هو المحمود حمداً بعد حمد فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه ، وأحمد تفضيل من الحمد يدل على أنه الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره ، فمحمد زيادة حمد في الكمية وأحمد زيادة في الكيفية ، فيُحمد صلى الله عليه وسلم أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر 0
والوجه الثاني : أن محمداً هو المحمود حمداً متكرراً كما تقدم، وأحمد هو الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره، فدلَّ أحد الاسمين وهو محمد على كونه محموداً ودل الاسم الثاني وهو أحمد على كونه أحمد الحامدين لربه .
03 الحاشر : وهو الذي يحشر الناس على قدمه، فكأنه بُعِثَ ليحشر الناس 0
04 الماحي : وهو الذي محا الله به الكفر 0
05 العاقب : وهو الذي يَخْـلُفُ من كان قبله فـي الـخَيْرِ، وهو قد عقب الأنبياء، وكان آخرهم عليهم الصلاة والسلام. وقد جاء الحديث الصحيح على تلك الأسماء الخمسة، فعن جبير بن مطعم قال : سمّي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أسماء فقال : ( أنا محمد وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يُحشَرُ الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي ) رواه البخاري و مسلم .
06 المتوكل : وهو الذي يتوكل على ربه في كل حالة، وفي البخاري عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة...
07 نبي التوبة : وهو الذي فتح الله به باب التوبة على أهل الأرض.
08 نبي الرحمة : فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فرحم به أهل الأرض كلهم مؤمنهم وكافرهم، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء، فقال: أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة ) رواه مسلم .
09 نبي الملاحم : وهو الذي بعث بجهاد أعداء الله، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: ( بينما أنا أمشي في طريق المدينة قال : إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى، فسمعته يقول: أنا محمد، وأنا أحمد، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، والحاشر، والمقفى، ونبي الملاحم ) رواه أحمد 0
010 الرؤوف الرحيم: قال تعالى:{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } (التوبة:128)، وعن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر، الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، الذي ليس بعده أحد، وقد سماه الله رؤفا رحيما ) رواه مسلم .
011 الفاتح : وهو الذي فتح الله بهِ باب الهدى، وفتح بهِ الأعين العمي والآذان الصم والقلوب الغلف، وفتح الله بهِ أمصار الكفار وأبواب الجنة وطرق العلم والعمل الصالح.
ويلحق بهذه الأسماء :
سيد ولد آدم : فقد روى مسلم في صحيحه أنه قال صلى الله عليه وسلم : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ) 0
الضحوك القتّال : وهما اسمان مزدوجان لايفرد أحدهما عن الآخر فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين غير عابس ولا مقطب ، ولا غضوب ، ولا فظ ، قتّال لأعداء الله ، لا تأخذه فيهم لومة لائم، وقد ورد هذان الاسمان في التوراة على ما ذكره ابن القيم وغيره0
وأسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان :
النوع الأول : خاص به لا يشاركه فيه أحد غيره من الرسل كمحمد وأحمد والعاقب والحاشر والمقفي ونبي الملحمة 0
والنوع الثاني : ما يشاركه في معناه غيره من الرسل، ولكن له منه كماله فهو مختص منه بأكمل الأوصاف، كرسول الله ونبيه وعبده والشاهد والمبشر والنذير ، ونبي الرحمة ونبي التوبة.
كنيتـــه :
كان صلى الله عليه وسلم يكنّى أبا القاسم بولده القاسم وكان أكبر أولاده 0
فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق فقال رجل يا أبا القاسم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( سمّوا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ) رواه البخاري 0
هذا هو النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وتلك هي بعض أسمائه الطيبة الحسنة، الدالة على معانيها العظيمة الرائعة، فهو صلى الله عليه وسلم عظيم مكرم في أسمائه وصفاته وخلقه وكل شمائله، فهل يعي ذلك أتباعه، ويتدبر الأمر أعداؤه وحساده.
الأربعاء:05/05/2004
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 01:57 PM
خصوصيات الرسول
الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
من جملة خصائصه صلى الله عليه وسلم، تخصيصه بالصلاة والسلام عليه, فلا يجوز أن تُتخذ شعاراً دائماً إلا له صلى الله عليه وسلم.
ومعنى صلاة الله تعالى على نبيه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، كما ثبت ذلك عن أبي العالية رحمه الله، قال : "صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء".
والسلام معناه طلب السلامة من الآفات، فهذه الصيغة فيها سؤال الله تعالى أن يحقق الخيرات لنبيه صلى الله عليه وسلم بالثناء عليه في الملأ الأعلى وإزالة الآفات والسلامة منها.
أما المواطن التي يستحب فيها الصلاة والسلام على النبي فهي :
1- تشهد الصلاة ، لما ورد في "صحيح ابن حبان" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجل هذا ثم دعاه فقال له: ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء ) رواه أحمد و أبو داود و الترمذي وصححه الحاكم و الترمذي و ابن حبان .
2- عند ذكره وسماع اسمه ، أو كتابته، وعند الأذان : لقوله صلى الله عليه وسلم ( رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ) رواه أحمد و الترمذي .
3- يوم الجمعة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟- أي بليت- قال: إن الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام ) رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن.
4- عند دخول المسجد : فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي، وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
5 - في مقدمات الرسائل ، وما يكتب بعد البسملة والحمد.
6- بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة، لما روى مسلم في صحيحه : من حديث عبد الله بن عمرو ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ) .
7- ومن المواطن أيضاً إضافة إلى ما سبق: الصلاة عليه في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية، وفي الخطب : كخطبة الجمعة ، والعيدين ، والاستسقاء ، وغيرها.
أما كيفية الصلاة عليه والتسليم : فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية، إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله، قد عَلِمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) متفق عليه.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى صيغ الصلوات الإبراهيمية هو الأكمل، ويجوز أن نقول اللهم صل على محمد، أو صلى الله على محمد ونحو ذلك.
أما فضل الصلاة والسلام عليه فعن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ) رواه مسلم .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات ) رواه الإمام أحمد و النسائي .
فاللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
الخميس :19/02/2004
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:00 PM
زواجه صلى الله عليه وسلم وزوجاته
(الشبكة الإسلامية)
هذه وقفة من الوقفات نواصل فيها الحديث عن بعض خصائص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، تلك الخصائص التي ميزه الله بها على غيره من البشر ، مما يظهر علو قدره ، وارتفاع مكانته .
فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم ، أنه أبيح له الزواج بأكثر من أربع ، وذلك أنه معصوم من الجور الذي قد يقع فيه غيره في جانب النساء ، إضافة لما في زواجه بأكثر من أربع من مصالح عامة ، والتي منها : نشر الدعوة الإسلامية ، ونقل سيرته الخاصة عن طريق زوجاته ، والارتباط بعدد من القبائل ورجالها بالمصاهرة مما يعطي الدعوة قوة ومنعة .
وقد بلغت زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللاتي دخل بهنّ إحدى عشرة امرأة ، كما ذكر ابن حجر في "فتح الباري" وابن القيم في "زاد المعاد" .
فكانت أولاهنّ خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية رضي الله عنها ، وقد كانت له سنداً في بداية تبليغه رسالة ربه . وقد ثبت في الصحيحين أنها خير نساء زمانها ، وأنه صلى الله عليه وسلم قال فيها : (ما أبدلني الله خيراً منها).
ثم تزوج بعد موتها بأيام سودة بنت زمعة القرشية ، وهي التي وهبت يومها لعائشة .
ثم تزوج بعدها أم عبدالله عائشة بنت أبي بكر الصديق ، وكانت من أحب زوجاته إليه ، ولم يتزوج بكراً سواها .
ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب.
ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية من بني هلال بن عامر وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين .
ثم تزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية ، واسم أبي أمية حذيفة بن المغيرة ، وهي آخر نسائه موتاً وقيل آخرهن موتا صفية .
ثم تزوج زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة -وهي ابنة عمته أميمة - وهي التي نزل القرآن بحقها في قوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً } (الأحزاب:37) ، وكانت أولا عند زيد بن حارثة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبناه ، فلما طلقها زيد زوجه الله تعالى إياها لتتأسى به أمته في نكاح أزواج من تبنوهم ، وكانت تفاخر بذلك الزواج فتقول : " زوجني الله من رسوله وزوجكن آباؤكن وأقاربكن" ، وتوفيت في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وتزوج صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية وكانت من سبايا بني المصطلق ، فجاءته تستعين به على كتابتها فأدى عنها كتابتها وتزوجها .
ثم تزوج أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب القرشية الأموية.
وتزوج صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير من ولد هارون ابن عمران أخي موسى ، فهي ابنة نبي وزوجة نبي وكانت من أجمل النساء .
ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية وهي آخر من تزوج بهن .
وقيل : من أزواجه ريحانة بنت زيد النضرية وقيل القرظية سبيت يوم بني قريظة فكانت من نصيب رسول الله فأعتقها وتزوجها ثم طلقها تطليقة ثم راجعها.
ومما خصه الله به ، أن نساءه اللاتي دخل بهن ، يحرم على غيره الزواج منهن ، قال تعالى: { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً } (الأحزاب:53) ، وقد أجمع العلماء قاطبة على حرمة الزواج ممن توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه ، لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة ، ولأنهن أمهات المؤمنين .
ونقل ابن القيم في زاد المعاد عدم الخلاف في أنه صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع زوجات : عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأم سلمة وصفية وأم حبيبة وميمونة وسودة وجويرية .
وقد كان يَقْسم بين ثمانٍ منهن ، حيث إن سودة وهبت يومها لعائشة ، رضي الله عنهن جميعاً .
فصلى الله وسلم على نبينا محمد ، صاحب الخصال الحميدة ، والفضائل المجيدة ، والخصائص الفريدة ، ورضي الله عن زوجاته أمهات المؤمنين ، اللاتي أكرمهن الله بالاقتران بخير الناس أجمعين ، وجمعنا الله بهم في دار النعيم.
الأربعاء:16/04/
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:02 PM
من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
اختصَّ الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بخصائص لم تكن لأحد من الخلق قبله ولا بعده. ولا عجب في ذلك، فهو أكرم مخلوق على الله سبحانه، وهو خير نبي أرسله، وللعالمين أجمعين بعثه.
وذكر خصوصياته صلى الله عليه وسلم لا يحيط بها كتاب، فضلاً أن يستوعبها مقال، وحسبنا في مقامنا هذا أن نقف عند بعض خصوصياته التي وردت في الحديث الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت خمساً لم يُعطهن أحد قبلي، نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل، وأُحلت ليَ الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) رواه البخاري ومسلم.
فمما اُختص به نبي هذه الأمة نصرته بالرعب مسيرة شهر، وهذه الخصوصية حاصلة له صلى الله عليه وسلم على الإطلاق، فهو منصور حتى لو كان وحده من غير رجال أو عتاد. وهل هذه الخاصية حاصلة لأمته من بعده؟ قال ابن حجر: فيه احتمال. ويُرجِّح هذا الاحتمال، كون معظم الخصائص التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم كانت عامة له ولأمته.
وخُص عليه الصلاة والسلام أيضاً بجعل الأرض له مسجداً وطهوراً، وهذه الخاصية ثابتة لأمته من بعده أيضاً بنص الحديث، فكل مسلم أدركته الصلاة يصلي في المكان الذي هو فيه، وهذا خلاف ما عليه الشرائع الأخرى، حيث لا تؤدى العبادات فيها إلا في أماكن مخصوصة، لا تجوز في غيرها.
ومن خصوصياته عليه الصلاة والسلام إحلال الغنائم له، ولم تكن أُحلِّت لأحد من قبله، حيث كانت الغنائم تُجمع ثم تحرق، أو تجمع وتترك إلى أن تأتيَ نار من السماء فتأكلها، فأحلَّها الله إكراماً لخير أنبيائه، وجعل هذه الخاصية شاملة لأمته من بعده، تبعاً له صلى الله عليه وسلم.
ومن جملة ما اختص الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى، حيث يشفع في الخلائق ليريحهم من هول الموقف وطول الوقوف؛ انتظاراً للحساب يوم القيامة، بعد أن يعتذر جميع الأنبياء عن ذلك. والشفاعة العظمى - وهي المقام المحمود - ثبتت له خاصَّة - عليه الصلاة والسلام - في أحاديث عدة، بلغت مبلغ التواتر، نقتطف منها حديثاً واحداً، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع ) رواه مسلم.
والشفاعة - كما ذكر العلماء - أنواع، فمنها الشفاعة في الخلاص من هول الموقف يوم القيامة، ومنها الشفاعة في قوم يدخلون الجنة بغير حساب، ومنها الشفاعة في رفع الدرجات، ومنها الشفاعة في إخراج قوم من النار، وكل هذا وردت فيه أدلة ليس هذا مكان ذكرها.
يُضاف إلى خصوصياته - غير ما تقدم - أن دعوته صلى الله عليه وسلم كانت دعوة للناس كافة، بينما كانت دعوة من قبله من الرسل لأقوامهم خاصة، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ}(سـبأ:28) وفي رواية لمسلم:(وبعثت إلى كل أحمر وأسود) وفي رواية أخرى له: (وأرسلت إلى الخلق كافة).
ولو تأملنا في هذه الخصائص النبوية الخمس، التي أتينا على ذكرها، لوجدناها تتفق تمام الاتفاق مع هذه الشريعة المباركة - شريعة الإسلام - التي جاء بها رسولنا الكريم، فهي الرسالة الخالدة، والرسالة العامة للناس كافة، وهي الرسالة الوسط، فلا إفراط فيها ولا تفريط، وهي الرسالة الشاهدة على الناس أجمعين يوم القيامة.
هذا ما يسَّره الله لنا من ذكر بعض خصائصه صلى الله عليه وسلم، كما وردت في هذا الحديث، ولا تظن - أخي الكريم - أن خصائصه صلى الله عليه وسلم محصورة في هذه الخمس، بل إن وراء ذلك خصائص أُخر، عدَّ منها ابن حجر نحو سبع عشرة خصلة اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، يمكن الرجوع في معرفتها إلى كتب السيرة النبوية، التي تحدثت عنها بإسهاب وتفصيل، ككتاب "زاد المعاد" لـ ابن القيم، وكتاب "سبل الهدى والرشاد" لـ الصالحي، وغير ذلك من الكتب التي فصَّلت سيرته - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - أدق تفصيل.
وحاصل القول في المسألة، أن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنواع، فهناك ما اختص به عن أمته وعن غيره من الأنبياء، كالشفاعة. وهناك ما اختص به وأمته عن غيره من الأمم والأنبياء،كجعل الأرض له ولأمته مسجداً وطهوراً.
وسيكون لنا وقفات أخرى مع بعضٍ من خصوصياته، إن شاء الله، نسأله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بهدي نبيه، والسائرين على دربه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير الخلق أجمعين.
الأحد :30/06/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:03 PM
صاحب الكوثر صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
هذه وقفة أخرى مع بعض خصائص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، تلك الخصائص التي تبين مكانته العظيمة ، ومنزلته الرفيعة ، مما اختصه به سبحانه عن غيره من الأنبياء وسائر خلقه .
فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه صاحب الكوثر ، وهو النهر العظيم الذي وعده الله به في الجنة ، يُسقى منه أتباعه من أمته ، ويُبعد عنه آخرون لمخالفتهم لما جاء به ، وانحرافهم عن نهجه صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد ، إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسماً، قلنا : ما أضحكك يا رسول الله. قال : لقد أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ {إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك وانحر ، إن شانئك هو الأبتر}(الكوثر:1-3) . ثم قال أتدرون ما هو الكوثر ؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل ، عليه خير كثير ، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد منهم ، فأقول رب إنه من أمتي ، فيقول إنك لا تدري ما أحدث بعدك)رواه الإمام مسلم.
والكوثر نهر داخل الجنة يصب ماؤه في الحوض ، ويطلق على الحوض "كوثر" لكونه يُمدُّ منه ، فالنهر مادة الحوض .
قال أهل العلم : مما يجب على كل مكلف أن يعلمه ويصدق به ، أن الله خصّ نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالكوثر ، المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة المشتهرة ، التي يحصل بها العلم القطعي ، وأجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف.
ومن خصائص نهر الكوثر أنه يجري من غير شق ، وحافتاه قباب ، وترابه مسك ، وحصاه لؤلؤ ، قال-صلى الله عليه وسلم- :(بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف ، قلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر )رواه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {إنا أعطيناك الكوثر} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر يجري ، ولم يشق شقا ، فإذا حافتاه قباب اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى تربته فإذا هو مسكة ذفرة ، وإذا حصاه اللؤلؤ )رواه الإمام أحمد وصححه الألباني .
ومن خصائص هذا النهر أن له آنية كثيرة للشاربين ، ففي الحديث :( هل تدرون ما الكوثر ؟ قلنا الله ورسوله أعلم . قال : فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة ، آنيته أكثر من عدد الكواكب ) رواه النسائي ، وصححه الألباني .
ومن خصائص هذا النهر- إضافة لما تقدم - أن لونه أشد بياضاً من اللبن ، وطعمه أحلى من العسل ، ففي مسند الإمام أحمد (أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما الكوثر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو نهر أعطانيه الله في الجنة ، أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجُزُر- الإبل- ، فقال عمر بن الخطاب : إنها لناعمة يا رسول الله . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آكلوها أنعم منها)وصححه الألباني.
فهنيئاً للمتبعين لرسول الله ، المقرَّبين منه يوم القيامة ، الشاربين من حوضه ، فهم الفائزون يوم يخسر الخاسرون ، وهم السعداء يوم يحزن المحدِثُون المبدلون ، والحمد لله رب العالمين
الثلاثاء:25/02/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:06 PM
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية ، من بني النضير ، من سبط لاوي بن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، ثم من ولد هارون بن عمران ، أخي موسى عليه السلام .
كانت مع أبيها وابن عمها بالمدينة ، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر ، وقُتل أبوها مع من قُتل مِن بني قريظة .
تزوجها قبل إسلامها سلام بن أبي الحقيق ، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق ، وكانا من شعراء اليهود ، فقتل كنانة يوم خيبر ، وأُخذت هي مع الأسرى ، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، وكانت ماشطتها أم سليم التي مشطتها ، وعطرتها ، وزفتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي الصحيح عن أنس قال : ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ، فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، فخرج بها حتى بلغنا سد الروحاء حلت فبنى بها ، ثم صنع حيساً- الأَقِطُ يخـلط بالتمر والسمن- في نِطع- وعاء من جلد- صغير ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آذن من حولك ، فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ، ثم خرجنا إلى المدينة . قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحوِّي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره ، فيضع ركبته ، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب ) رواه البخاري .
ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخدها لطمة فقال: ما هذه ؟ فقالت : إني رأيت كأن القمر أقبل من يثرب، فسقط في حجري ، فقصصت المنام على ابن عمي بن أبي حقيق فلطمني ، وقال : تتمنين أن يتزوجك ملك يثرب ، فهذه من لطمته .
وكان هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم من زواجها إعزازها وإكرامها ورفع مكانتها ، إلى جانب تعويضها خيراً ممن فقدت من أهلها وقومها ، إضافة إلى إيجاد رابطة المصاهرة بينه وبين اليهود لعله يخفف عداءهم ، ويمهد لقبولهم دعوة الحق التي جاء بها .
وأدركت صفية رضي الله عنها ذلك الهدف العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجدت الدلائل والقرائن عليه في بيت النبوة ، فأحست بالفرق العظيم بين الجاهلية اليهودية ونور الإسلام ، وذاقت حلاوة الإيمان ، وتأثرت بخلق سيد الأنام ، حتى نافس حبه حب أبيها وذويها والناس أجمعين ، وعند مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم تأثرت رضي الله عنها لمرضه ، وتمنت أن لو كانت هي مكانه ، فقد جاء في كتاب الإصابة، عن زيد بن أسلم قال: "اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفى فيه، واجتمع إليه نساؤه، فقالت صفية بنت حيي: إني والله يا نبي الله لوددتُ أنّ الذي بك بي ، فتغامزت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : والله إنها لصادقة " .
كانت رضي الله عنها امرأة شريفة ، عاقلة ، ذات حسب ، وجمال، ودين ، وحلم ووقار رضي الله عنها ، ومن مواقفها الدالة على حلمها وعقلها، ما ذكرته كُتب السير من أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب فقالت : إن صفية تحب السبت ، وتصل اليهود ، فبعث عمر يسألها فقالت : أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ماحملكِ على ما صنعت ؟ قالت : الشيطان قالت : اذهبي فأنت حرة .
عايشت رضي الله عنها عهد الخلفاء الراشدين، حتى أدركت زمن معاوية، حيث كانت وفاتها سنة خمسين للهجرة ، ودفنت بالبقيع .
فرضي الله عنها ، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:23/09/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:08 PM
أزواج النبي
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين ، رملة بنت أبي سفيان، صخر بن حرب بن أمية القرشية ، أمّها صفية بنت أبي العاص بن أمية ، وأخواها معاوية وعتبة ، ولدت قبل الإسلام، وكانت تكنى أم حبيبة ، نسبة إلى ابنتها من زوجها الأول ، وقد أسلمت مع أوائل من أسلم في مكة.
تزوجت عبيد الله بن جحش الأسدي، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ، ولما ارتدَّ عن الإسلام ، أعرضت عنه وهجرته إلى أن مات . فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ليخطبها له ، وعهد للنجاشي بعقد نكاحه عليها ، ووكلت هي خالد بن سعيد بن العاص ، فأصدقها صاحب الحبشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار، وجهزها بأشياء ، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ، وكان ذلك سنة 7هـ ، وكان عمرها 36سنة ، ودخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة قبل إسلام أبيها ، وعندما جاء أبوها زائراً لها رفضت أن تجلسه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت : أنت مشرك.
وكانت من بنات عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فليس من أزواجه من هي أقرب نسباً إليه منها ، ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها ، ولا من تزوج بها وهي نائية الديار أبعد منها.
زارت أخاها معاوية في دمشق ، وقد كان لها - رضي الله عنها- حرمة وجلالة ، ولاسيما في دولة أخيها ، ولمكانه منها قيل له : خال المؤمنين.
كانت رضي الله عنها من فصيحات قريش ، ومن ذوات الرأي والحصافة ، وكانت فوق ذلك من الصابرات المجاهدات ، ويظهر جهادها وصبرها من خلال هجرتها إلى الحبشة مع زوجها ، تاركة أهلها وقومها ، ثم صبرها على الإسلام عندما تنصر زوجها ، مما أدى إلى انفصالها عنه ، فصارت وحيدة لا زوج لها ولا أهل ، وفي غربة عن الديار ، لكن الإسلام يصنع العجائب إذا لامس شغاف القلوب ، فثبتت في موطن لا يثبت فيه إلا القليل ، مما رفع قدرها ، وأعلى منزلتها في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد مواساتها بزواجه منها .
روت رضي الله عنها عدداً من الأحاديث النبوية ، منها ما جاء في "الصحيحين" : أنه لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت أم حبيبة رضي الله عنها بصفرة في اليوم الثالث ، فمسحت عارضيها وذراعيها ، وقالت إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ) .
ماتت رضي الله عنها سنة أربع وأربعين للهجرة ، وقد بلغت من العمر 72سنة .
فرضي الله عنها وأرضاها وجعل الجنة مأواها ، والحمد لله رب العالمين .
الأحد :14/09/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:11 PM
أزواج النبي
أم سلمة المخزومية رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين ، أم سلمة هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة المخزومية القرشية ، كان أبوها يُسمى : زادُ الراكب ، أحد الأجواد الكرام ، تزوجت من ابن عمِّها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ، وهي بنت عم خالد بن الوليد ، سيف الله رضي الله عنه ، وبنت عم أبي جهل بن هشام .
كانت رضي الله عنها من السابقين إلى الإسلام ، رافقت زوجها في الهجرة الأولى إلى الحبشة فراراً بدينها ، ولما عادا إلى مكة ، وأرادت الهجرة مع زوجها إلى المدينة ، صدها قومها ، وانتزعوها منه هي وابنها سلمة ، فهاجر الزوجُ وحيداً ، ثم انتزع بنو أسد آل سلمة ابنها منها بالقوة حتى خلعوا يده ، وفرقوا بين الولد وأمه ، وهكذا تفرقت الأسرة ، وابتليت بلاءً عظيماً ، فالزوج هاجر إلى المدينة ، والزوجة عند أهلها في مكة ، والولد مع أهل أبيه حُرم حنان أمه وأبيه ، فكانت أم سلمة تخرج كل يوم إلى بطحاء مكة تبكي ، وتتألم لما أصابها ، حتى شفع فيها شافع من قومها فردوا عليها ولدها ، فأخذته وانطلقت به مهاجرة إلى الله ورسوله لاحقة بزوجها في المدينة ، فاجتمع شمل الأسرة بعد شتات .
وفي غزوة أحد أُصيب زوجها بجرح عميق ، وبعد شهور تُوفي رضي الله عنه متأثراً بجرحه ، وهذا ابتلاء آخر يصيب أم سلمة ، إذ يرحل الزوج من الدنيا تاركاً أربعة من الأولاد هم: برة وسلمة، وعمر، ودرة ، فأشفق عليها صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكرالصديق - رضي الله عنه- فخطبها ، إلا أنها لم تقبل ، وصبرت مع أبنائها .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفكر في أمر تلك المرأة الكريمة ، المؤمنة الصادقة ، الوفية الصابرة ، فتقدم لها وتزوجها مكافأة ومواساة لها ، ورعاية لأبنائها .
ففي الحديث قالت رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله { إنا لله وإنا إليه راجعون } اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها ، فلما مات أبو سلمة قلت أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها ، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت: أرسل إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له ، فقلت: إن لي بنتاً وأنا غيور-أي تغار من ضرائرها من النساء - ، فقال صلى الله عليه وسلم : أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها ، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة ) رواه مسلم ، ودخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع من الهجرة.
وكانت- رضي الله عنها- من النساء العاقلات الناضجات ، وكانت تُعَدُّ من فُقهاء الصحابيات ، يشهد لهذا ما حدث يوم الحديبية ، بعد كتابة الصلح، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحلل من نسكهم ، وحثهم على النحر ثم الحلق ، فصعب ذلك على الصحابة الكرام ، ولم يفعلوا ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهو حزين، فذكر لها ما كان من أمر المسلمين وإعراضهم عن أمره، فقالت- رضي الله عنها-: يا رسول الله أتحب ذلك، اخرج فلا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك.
فقام وخرج، ولم يكلم أحداً حتى نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه. فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضاً ، والحديث في البخاري .
وفي شهر ذي القعدة من العام التاسع والخمسين للهجرة أسلمت روحها الطاهرة إلى خالقها ، وكانت قد بلغت من العمر أربعاً وثمانين سنة ، فكانت آخر أمهات المؤمنين موتاً رضي الله عنها ، عُمِّرت حتى بلغها مقتَلُ الحسين ، فوجَمَت لذلك، وحَزِنَت عليه كثيراً ، و غُشيَ عليها ، ولم تلَبث بعدهُ إلا يَسيراً .
فرضي الله عنها ، وعن جميع أمهات المؤمنين ، والحمد لله رب العالمين .
الإثنين :25/08/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:13 PM
أزواج النبي
ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين ، ميمونة بنت الحارث بن حَزْن الهلالية . أختها لبابة الكبري زوجة العباس و لبابة الصغرى زوجة الوليد بن المغيرة ، فهي خالة ابن عباس ، و خالد بن الوليد .
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من عمرة القضاء سنة سبع في ذي القعدة ، فهي آخر امرأة تزوجها ، وفي الحديث عن ميمونة بنت الحارث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال ) رواه مسلم . ودخل بها "بسرف"، وهو موضع من مكة قرب التنعيم. وكان عمرها رضي الله عنها عندئذٍ 26سنة، بينما عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم 59سنة، وقام بتزويجها زوج أختها العباس ، وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أصدقها عنه أربعمائة درهم .
وكان هدفه صلى الله عليه وسلم من هذا الزواج اتخاذ وسيلةٍ لزيادة التفاهم بينه وبين قريش ، إلى جانب مواساة ميمونة رضي الله عنها بسبب وفاة زوجها.
وكان اسمها بَرَّة ، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ميمونة .
كانت رضي الله عنها من سادات النساء ، وروت عدداً من الأحاديث عن رسول الله صلى عليه وسلم.
وكان ابن عباس رضي الله عنها يبيت عندها أحياناً في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكسب علماً ، وأدباً ، وخلقاً ، ويبثّه بين المسلمين، من ذلك قوله رضي الله عنهما: ( بت ليلة عند ميمونة بنت الحارث خالتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ بذؤابتي ، فجعلني عن يمينه ) رواه البخاري .
كانت وفاتها رضي الله عنها سنة 51 للهجرة ، عن عمرٍ بلغ 80 سنة، وكان موتها ودفنها بسرف مكان زواجها، فرضي الله عنها وأرضاها، والحمد لله رب العالمين .
الإثنين :25/08/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:15 PM
أزواج النبي
جويرية بنت الحارث المصطلقية
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة الخزاعية المصطلقية ، أُسرت لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم قومها بني المصطلق سنة خمس أو ست وسباهم ، ووقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس .
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الخامسة للهجرة ، وهي بنت عشرين سنة بعدما قضى عنها مكاتبتها ، وبسببها فك المسلمون أسراهم من قومها .
ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ( لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له ، وكاتبته على نفسها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، وقد أصابني ما لم يخف عليك ، فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسي ، فجئتك أستعينك على كتابتي ، قال: فهل لك في خير من ذلك ؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي كتابتك وأتزوجك ، قالت: نعم يا رسول الله ، قال: قد فعلت، وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث ، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلوا ما بأيديهم - أي أعتقوا- ، فأعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها ) رواه الإمام أحمد في مسنده .
وغيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها ، فعن ابن عباس قال : ( كان اسم جويرية بنت الحارث برة ، فحول النبي صلى الله عليه وسلم اسمها ، فسماها جويرية ) رواه الإمام أحمد في مسنده .
وكانت رضي الله عنها ذات صبرٍ وعبادة ، فعن ابن عباس رضي الله عنه عن جويرية بنت الحارث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليها وهي في مسجد ، ثم مر النبي صلى الله عليه وسلم بها قريباً من نصف النهار ، فقال لها : ما زلتِ على حالكِ ، فقالت: نعم ، قال ألا أعلمكِ كلماتٍ تقولينها : سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله مداد كلماته ، سبحان الله مداد كلماته ، سبحان الله مداد كلماته ) رواه الترمذي ، وصححه الألباني .
توفيت أم المؤمنين جُويرية في المدينة سنة خمسين، وقيل سنة سبع وخمسين للهجرة وعمرها 65سنة .
فرضي الله عنها ، وعن أمهات المؤمنين أجمعين والحمد لله رب العالمين .
الأربعاء:06/08/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:17 PM
أزواج النبي
حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي حفصة بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأمها زينب بنت مظعون . ولدت في مكة قبل البعثة بخمس سنوات .
تزوجها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم خُنيس بن حُذافة السهمي ، فكانت عنده إلى أن أسلما ، وهاجرت معه إلى المدينة ، وكان رضي الله عنه ممن شهد بدراً .
فلما تُوفي زوجها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة ، ولها قريب من عشرين سنة ، وذلك بعد زواجه بعائشة رضي الله عنها .
وفي "صحيح البخاري" أنه حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي ، قال عمر : لقيت عثمان بن عفان ، فعرضت عليه حفصة ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ، قال : سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي ، فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، قال عمر : فلقيت أبا بكر ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ، فصمت أبو بكر ، فلم يرجع إلي شيئاً ، فكنت عليه أوجد - أشد حزناً- مني على عثمان ، فلبثت ليالي ، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر ، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة ، فلم أرجع إليك ، قلت : نعم ، قال : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها لقبلتها .
وورد أن النّبي صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة تطليقةً ، ثم راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك ، وقال : ( إنها صوّامة ، قوّامة ، وهي زوجتك في الجنة ) رواه الحاكم ، و الطبراني ، وحسنه الألباني .
ومن مناقبها رضي الله عنها أنه جُمع عندها الصحف المكتوب فيها القرآن بعد أن كانت عند أبي بكر ثم عند عمر .
توفيت حفصة رضي الله عنها سنة إحدى وأربعين بالمدينة عام الجماعة .
ومما يستفاد من سيرة حفصة رضي الله عنها ، جواز عرض الرجل ابنته على الرجل الصالح لزواجها ، وهذا مما لا يعاب عليه الرجل ، بل مما يحمد عليه ، لأنه مطالب بتحري الزوج الصالح لمن كان تحت ولايته .
وهكذا عزيزي القارئ تجد في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أسوة وقدوة ، ودروساً وعبرة ، فصلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عن أمهات المؤمنين ، وعن الصحابة أجمعين .
الأحد :22/06/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:19 PM
أزواج النبي
سودة بنت زمعة رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية . أمها الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية ، من بني عدي بن النجار .
كانت رضي الله عنها سيدة ً جليلة نبيلة ، وتزوجت بداية من السكران بن عمرو ، أخى سهيل بن عمرو العامري ، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فراراً بدينها، ولها منه خمسة أولاد .
وبعد وفاة زوجها خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها من بطش قومها، فأراد مواساتها ، فتزوجها في شوال سنة عشر من البعثة النبوية ..
وهي أول من تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة ، ولم يتزوج معها صلى الله عليه وسلم نحواً من ثلاث سنين أو أكثر ، حتى دخل بعائشة رضي الله عنها .
وهي التي وهبت يومها لعائشة ، رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ففي صحيح البخاري ( أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها -أي جلدها- من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة ، -ومعناه تَمنَّت أن تكونَ في مثل هدْيها وطريقتها ، ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهي الحدة -قالت : فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة ، قالت يا رسول الله: قد جعلت يومي منك لعائشة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة .
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: خشِيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله، لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة ، ففعل، ونزلت هذه الآية : { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } (النساء:128) . قال ابن عباس : فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز . رواه البيهقي في "سننه" .
الأحد :25/05/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:21 PM
أزواج النبي
زينب بنت جحش رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر الأسدي ، وأمها أمية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخوها عبدالله بن جحش أول أمير في الإسلام ، وُلدت سنة 33ق هـ ، وكان اسمها "برَّة"، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب ، وكانت تكنى : أم الحكم ، وهي إحدى المهاجرات الأول .
تزوجها زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمها كتاب الله وسنة رسوله، ثم زوّجها الله من السماء لنبيه صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة ، وأنزل الله فيها قوله : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً } (الأحزاب:37) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيداً ، ودُعي "زيد بن محمد " ، فلما نزل قوله تعالى : { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } (الأحزاب:5) ، تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة زيدٍ بعد أن طلقها زيد ، وأُلغي ما كان معروفاً عند الجاهلية من التبني .
وكانت رضي الله عنها تفخرُ بذلك على أمهات المؤمنين، وتقول كما ثبت في البخاري : زوَّجكنَّ أهاليكن ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات ، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزواج "زينب" ، وأطعم عليها يومئذٍ خبزاً ولحماً .
كانت رضي الله عنها من سادة النساء ، ديناً وورعاً وجوداً ومعروفاً ، ، وكانت من أجملهن خَلْقاً وخُلقاً .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور زينب ، ويمكث معها ، ويشرب العسل عندها ، فغارت بعض نسائه ، وأردن أن يصرفنه عن ذلك ، فعن عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ، فيشرب عندها عسلا ، قالت: فتواطيت أنا و حفصة : أنَّ أيَّتـُنا ما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ، أكلت مغافير- صمغٌ حلوٌ يؤكل له رائحه غير طيبة - ، فدخل على إحداهما ، فقالت: ذلك له ، فقال: بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ، ولن أعود له ، فنزل: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}... إلى قوله... {إن تتوبا} لعائشة و حفصة {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} لقوله بل شربت عسلاً ) رواه البخاري و مسلم .
ومن مناقبها رضي الله عنها ، أنها أثنت على عائشة أم المؤمنين خيراً ، عندما استشارها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادث الإفك ، ففي الحديث ( قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري ما علمت؟ أو ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيراً ، قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني - تعاليني وتفاخرني - من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع ) رواه البخاري و مسلم .
ومن مناقبها أنها كانت ورعة قوامة، كثيرة التصدق وفعل الخير ، وكانت من صُنَّاع اليد ، فكانت تدبغ ، و تخرز ، وتتصدَّق ، وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على كثرة تصدقها وكنَّى عن ذلك بطول يدها، فعن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسرعكن لحاقاً بي أطولكنَّ يداً ، قالت : فكنَّ يتطاولن أيتهنَّ أطول يداً ، قالت : فكانت أطولنا يداً زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق ) رواه البخاري و مسلم .
قالت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم وهي تصف زينب : ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب ، وأتقى لله ، وأصدق حديثاً ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة ، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى.
وكانت حقاً أول زوجاته صلى الله عليه وسلم لحوقاً به ، حيث توفيت سنة 20 للهجرة ، وصلى عليها عمر بن الخطاب ، وهي أول امرأة صنع لها النعش ، ودُفنت بالبقيع .
فرضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين ، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:19/08/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:23 PM
أزواج النبي
زينب بنت خزيمة الهلالية رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو الهلالية ، كانت تدعى أم المساكين لرحمتها إياهم ، ورقتها بهم ، وكثرة إطعامها لهم ، وصدقتها عليهم ، ولما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عليها جزوراً ، فكثر عدد المساكين الذين حضروا ، وأكلوا .
وكان زواجه صلى الله عليه وسلم بها في رمضان من السنة الثالثة للهجرة بعد زواجه بحفصة رضي الله عنها ، وقبل زواجه بأختها لأمها ميمونة بنت الحارث ، وكان هدفه صلى الله عليه وسلم من الزواج منها مكافأتها على صلاحها ورأفتها بالمساكين ، إلى جانب مواساتها لما أصابها من فقدها لمن تعاقب عليها من الأزواج ، ومنهم شهيدان ، وكان صداقها أربعمائة درهم .
ولم تلبث في بيت النبوة طويلاً ، حيث توفيت رضي الله عنها في المدينة بعد شهرين أو ثلاثة من زواجه صلى الله عليه وسلم بها ، وهي أول أمهات المؤمنين وفاةً بالمدينة رضي الله عنها .
ولم تذكر المصادر التي ترجمت سيرتها في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا القليل من أخبارها، ولا سيما علاقاتها ببقية زوجاته ، ولعل مردّ ذلك قصر مدة إقامتها في بيت النبوة .
رضي الله عنها وعن جميع أمهات المؤمنين ، والحمد لله رب العالمين .
الأربعاء:23/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:27 PM
أزواج النبي
عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
نسبها وولادتها :
هي الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر بن قُحافة ، وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكِنَانية ، ولدت في الإسلام، بعد البعثة النبوية بأربع أو خمس سنوات ، وكانت امرأة بيضاء جميلة . ومن ثم كان يُقال لها : الحُميراء .
زواجها :
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً وهي بنت ست سنوات ، ودخل بها في شوّال من السنة الثانية للهجرة وهي بنت تسع سنوات ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين ، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين ) متفق عليه .
وقد رآها النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قبل زواجه بها ، ففي الحديث عنها رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رأيتُك في المنام ثلاث ليال ، جاء بك الملك في سرقة من حرير ، فيقول : هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه ، فأقول : إن يك هذا من عند الله يُمضه ) متفق عليه .
ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم من النساء بكراً غيرها ، وكانت تفخر بذلك ، فعنها قالت : ( يا رسول الله أرأيت لو نزلتَ وادياً وفيه شجرةً قد أُكِل منها ووجدتَ شجراً لم يؤكل منها ، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال : في التي لم يرتع منها ، تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها ) رواه البخاري .
وهي زوجته صلى الله عليه وسلم في الدنيا و الآخرة كما ثبت في الصحيح .
محبة الرسول لها ومداعبته لها :
كان لها رضي الله عنها منزلة خاصة في قلب رسول الله ، وكان يُظهر ذلك الحب ، ولا يخفيه ، حتى إن عمرو بن العاص ، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، ( أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال : عائشة قال : فمن : الرجال ؟ قال : أبوها) متفق عليه.
وفي صحيح مسلم ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : (كنت أشرب وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم ، فيضع فاه على موضع فيَّ ، فيشرب ، وأتعرق العرق وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ ، ... فيشرب) .
وكان يداعبها ، فعنها قالت : ( والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي ، والحبشة يلعبون بالحراب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم من بين أذنه وعاتقه ، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ) رواه الإمام أحمد ، وصححه الأرنؤوط.
وعنها رضي الله عنها ( أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، وهي جارية ، فقال لأصحابه: تقدموا ، فتقدموا ، ثم قال لها : تعالي أسابقك ) رواه الإمام أحمد وصححه الأرنؤوط.
علمها :
تلقت رضي الله عنها العلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت عنه علماً كثيراً طيباً ، فكانت من المكثرين في رواية الحديث ، ولا يوجد في نساء أمة محمد صلى الله عليه وسلم امرأة أعلم منها بدين الإسلام .
روى الحاكم و الدارمي عن مسروق ، أنه قيل له : هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال إي والذي نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض .
وقال الزُّهري : لو جُمعَ علمُ عائشة إلى علم جميع النساء ، لكان عِلم عائشة أفضل .
وعن أبي موسى قال : ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديثٌ قط فسألنا عائشة ، إلا وجدنا عندها منه علماً .
فضلها :
أما فضائلها فكثيرة ، من ذلك ما جاء في الصحيح عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( كمُل من الرِّجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مَريم بنتُ عمران ، و آسية امرأةُ فرعون ، وفضلُ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) متفق عليه.
وعنها رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام ، قالت : قلت وعليه السلام ورحمة الله ) متفق عليه .
بركتها :
ومن بركتها رضي الله عنها أنها كانت السبب في نزول بعض آيات القرآن ، من ذلك آية التيمم ، فعنها رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء قلادة ، فهلكت أي ضاعت ( فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أصحابه في طلبها ، فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء ، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه ، فنزلت آية التيمم ، فقال أسيد بن حضير : جزاكِ الله خيراً ، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لكِ منه مخرجاً ، وجعل للمسلمين فيه بركة ) متفق عليه .
محنتها :
ابتليت رضي الله عنها بحادث الإفك الذي اتهمت فيه بعرضها من قبل المنافقين ، وكان بلاءً عظيماً لها ولزوجها ، وأهلها ، حتى فرجه الله بإنزال براءتها من السماء قرآناً يتلى إلى يوم الدين ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ . لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ } (النور: 11-12).
وفاتها : تُوفيت رضي الله عنها سنة سبع وخمسين ، وصلى عليها أبو هريرة ، ودفنت بالبقيع ، وكان لها من العمر : ثلاث وستون سنة وأشهر .
قال القحطاني في نونيته :
أكرم بعائشة الرضى من حرة بكر مطهرة الإزار حصان
هي زوج خير الأنبياء وبكره وعروسه من جملة النسوان
هي عرسه هي أنسه هي إلفه هي حبه صدقاً بلا أدهان
أوليس والدهـا يصـافي بعلهـا وهمـا بروح الله مؤتلفـان
رضي الله عنها وعن جميع أمهات المؤمنين، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:10/06/2003
موسى بن ربيع البلوي
07-14-2004, 02:27 PM
بارك الله فيك
موضوع مميز بالفعل
ممدوح عبدالله البلوي
07-14-2004, 02:31 PM
أزواج النبي
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
من النساء الصالحات القانتات زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولى ، وأول من آمن به وصدقه ، واتبعه ، إنها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية ، وأمها فاطمة بنت زائدة ، قرشية من بني عامر بن لؤي ، ولدت بمكة ، ونشأت في بيت شرف ويسار ، كانت تدعى قبل الإسلام بالطاهرة العفيفة ، مات أبوها يوم الفِجار .
تزوجت مرتين قبل رسول الله ، أبا هالة بن زرارة بن النباش التميمي ، ثم عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم ، ولها منهما ثلاثة من الولد ، هند بنت عتيق ، وهند وهالة ابنا أبي هالة .
كانت ذات مال كثير وتجارة ، تستأجر الرجال وتدفع إليهم ما آتاها الله من مال ليتاجروا لها فيه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً من الذين تعاملوا معها، فسافر إلى الشام ومعه غلامها ميسرة ، ,وسمعت عن أمانته وخلقه وبركته الكثير ، وتضاعف ربح تجارتها ، مما دفعها لطلب الزواج منه ، فخطبها حمزة بن عبدالمطلب لابن أخيه من عمها عمرو بن أسد بن عبدالعزى ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بخمس عشرة سنة ، وكان عمره حينئذٍ 25 سنة ، وكان عمرها 40سنة ، وقيل 28سنة ، فولدت له : القاسم و عبد الله و زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة ، وكان بين كل ولدين سنة ، وكانت قابلتها سلمى ، والقابلة هي التي تقوم بتوليد المرأة وخدمتها عند الولادة .
وهي-رضي الله عنها- ممن كمُل من النساء . فكانت عاقلة جليلة ديَّنة مصونة كريمة ، من أهل الجنة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُثني عليها ، ويُفضلها على سائر أمهات المؤمنين ويُبالغ في تعظيمها ، حتى إن عائشة رضي الله عنها كانت تقول : ما غِرت من امرأة ما غِرت من خديجة ، من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها .
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها ، ورزقه الله منها عدة أولاد ، ولم يتزوج عليها قط ولا تسرَّى بجارية إلى أن قضت نحبها ، فحزن لفقدها حزناً شديداً ، فإنها كانت نعم القَرين والأنيس ، وكانت له نعم المعين والنصير.
أما مواقفها فعظيمة مشهودة تدل على رجاحة عقلها ، وقوة شخصيتها ، فها هي تقف إلى جانب زوجها عندما جاء إلى البيت خائفاً - وقد بدأ الوحي ينزل عليه - وهو يقول : ( لقد خَشِيتُ على نفسي، فقالت له : كلا ، والله لا يخزيك الله أبداً ) متفق عليه ، وذكرت خصاله الحميدة ، ثم ذهبت به إلى ورقة بن نوفل .
وكانت رضي الله عنها أول من آمن برسول الله وصدقه وآزره في دعوته ، فكان لها فضل السبق في ذلك على الرجال والنساء ، مما خفف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي "الصحيحين" ، عن عائشة ، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ) .
وبيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم فضلها بأنها خير نساء الأرض في عصرها ، حيث قال : ( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد ) متفق عليه .
قال النووي رحمه الله : كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها ، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه .
وفي مسند الإمام أحمد ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ) وصححه الألباني والأرنؤوط .
توفيت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقبل معراج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي بنت خمس وستين سنة ، ودفنت بالحجُون .
ويستفاد من سيرة خديجة رضي الله عنها أمور نجملها في النقاط التالية :
1-رغبة خديجة في الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على ما كان يتمتع به صلى الله عليه وسلم من خلق عظيم ، وصلاح كبير ، وأمانة فائقة .
2-أنه لا غضاضة في أن تبدي المرأة رغبتها في الزواج من صاحب الدين والخلق .
3-لم يكن هدف رسول الله من الزواج المتعة الجسدية ومكملاتها ، وإلا لحرص على البكر ، ومن كانت أصغر منه ، أو على الأقل من كانت في سنّه.
4-أن الله عز وجل يرزق الرجل الصالح الطيب المرأة الصالحة الطيبة ، كما قال سبحانه : { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } (النور:26).
5-إنّ الإسلام يجيز للمرأة التملك ، واستثمار الأموال والمضاربة بها وفق الضوابط الشرعية .
وهكذا - عزيزي القارئ- كانت أم المؤمنين الأولى ، مؤمنة ، صالحة ، مجاهدة ، تحملت الأعباء والمحن ، ورحلت من الدنيا بعدما تركت دروساً وعبراً لا تنسى على مرور الأيام والشهور ، والأعوام والدهور ، فرضي الله عنها، والحمد لله رب العالمين .
الأربعاء:30/04/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:35 AM
آيات ومعجزات النبوة
نطق الجماد والحيوان
(الشبكة الإسلامية)
من المعجزات والآيات التي أُعطي إياها النبي صلى الله عليه وسلم ، تأييداً لدعوته، وإكراماً له، وإعلاءً لقدره، إنطاق الجماد له، وتكلم الحيوان إليه، الأمر الذي ترك أثره في النفوس، وحرك العقول، ولفت انتباه أصحابها نحو دعوته التي جاء بها، وأثبت لهم أنها دعوة صادقة مؤيدة بالحجج والأدلة والبراهين، فلا يليق بالعقلاء إلا الاستجابة لها، واتباع هذا الدين العظيم الذي يجلب لهم النفع، ويدفع عنهم الضر، ويرقى بهم بين الأمم، ويضمن لهم سعادة الدارين.
نعم لقد نطق الجماد والحيوان حقاً، فسبّح الطعام، وسلّم الحجر والشجر، وحنَّ الجذع، واشتكى الجمل، إنها آياتٌ وعبر، حصلت وثبتت في صحيح الخبر، فلا بد من تصديقها وقبولها، وإن خالفت عقول البشر.
فمن الجمادات التي أنطقها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم الطعام الذي سبح الله وهو يُؤكل ، وقد سمع الصحابة تسبيحه ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فقلّ الماء ، فقال اطلبوا فضلة من ماء ، فجاءوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حيّ على الطهور المبارك والبركة من الله، فلقد رأيتُ الماءَ ينبع من بين أصابعِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ) رواه البخاري ، وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح تسبيح العنب والرطب والحصى .
ومن ذلك تسليم الحجر والجبال والشجر عليه صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يُسلِّم عليّ قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله ) رواه الترمذي و الدارمي ، وصححه الألباني .
ومن الجمادات التي أنطقها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يخطب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذعٍ، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحنَّ الجذع، فأتاه فمسح يده عليه ) رواه البخاري .
وفي سنن الدارمي : (خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد) ، وفي "مسند" أحمد : ( خار الجذع حتى تصدع وانشق ) .
أما نطق الحيوان، فهي معجزة وآية أخرى أكرم الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقد اشتكى الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظلم صاحبه له، فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال ( أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسرَّ إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفاً- كل ما ارتفع من بناء وغيره-، أو حائش نخل-بستان فيه نخل صغار-، قال: فدخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح ذفراه- أصل أذنيه وطرفاهما- فسكت، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه، وتدئبه- تَكُدُّهُ وتُتعبه-) رواه الإمام أحمد و أبوداود ، وصححه الألباني.
فسبحان من أنطق لنبيه الجماد والحيوان ، وصلى الله وسلم على من كان رحمة للخلق أجمعين، ورضي الله عن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:38 AM
آيات ومعجزات النبوة
الإخبار عن المغيبات
(الشبكة الإسلامية)
من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم إخباره عن الكثير من المغيبات ، سواء ما حدث منها قبل بعثته أم بعدها، أو ما تعلق بأخبار حياة البرزخ ، وأحداث يوم القيامة والجنة والنار، أو الإخبار عن العوالم الأخرى، كالجن وغيرها.
فمما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن الأمم السابقة قصة جريج العابد، التي ثبتت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان رجل في بني إسرائيل يقال له جريج يصلي، فجاءته أمه، فدعته، فأبى أن يجيبها، فقال: أجيبها أو أصلي؟ ثم أتته، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فقالت امرأة: لأفتنن جريجاً، فتعرضت له، فكلمته، فأبى، فأتت راعياً، فأمكنته من نفسها، فولدت غلاماً، فقالت: هو من جريج، فأتوه، وكسروا صومعته، فأنزلوه، وسبوه، فتوضأ، وصلى، ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب، قال: لا إلا من طين ) فهذه من الأخبار الماضية التي وقعت في الأمم السابقة وأخبر عنها صلى الله عليه وسلم.
ومن المغيبات ما بشر به صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بذكر منازلهم في الجنة، كما فعل صلى الله عليه وسلم مع الخلفاء الراشدين ، وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم جميعاً مما لا يسع المجال لذكره ، وكذلك ما بشر به صلى الله عليه وسلم بعض زوجاته ، فقال: ( بشروا خديجة ببيت من الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب ) متفق عليه. وبشر مؤذنه بلال رضي الله عنه بقوله: ( فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة ) متفق عليه.
ومن المغيبات إخباره صلى الله عليه وسلم عن أناسٍ أنهم من أهل النار، من ذلك ما ثبت في الصحاح من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة، ولا فاذة، إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقال: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه، كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، فجرح الرجل جرحاً شديداً، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه- أي طرفه- بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً، أنه من أهل النار- وذكرنا قصته - ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ) متفق عليه ، وهذا لفظ البخاري .
ومن المغيبات - غير ما تقدم- إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن وعلامات الساعة وهذا كثير؛ من ذلك ما رواه أسامة رضي الله عنه قال: ( أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم- أي حصن - من آطام المدينة، فقال: هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر ) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أحدثكم حديثاً عن الدجال، ما حدث به نبي قومه، إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه ) متفق عليه.
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم - خيمة من جلد-، فقال: اعدد ستاً بين يدي الساعة، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص- أي مثل داء يميت الدواب فجأة- الغنم، ثم استفاضة المال، حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة، تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية -راية-، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ) رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تقاتلون اليهود، حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر، فيقول يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله ) متفق عليه.
ومن المغيبات إخباره صلى الله عليه وسلم عن العوالم الأخرى؛ كالجن والملائكة وغيرها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير ) رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ) رواه مسلم .
تلك المغيبات وغيرها كثير من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، التي خُصَّ بها، كان لها من الفوائد العظيمة، والآثار الجليلة، ما جعل رسالة الإسلام مميزة على غيرها من الشرائع ، محفوظة بحفظ الله لها ومؤيدة بتأييده إياها، لا يعرفها أحد معرفة صحيحة إلا سلّم القياد لها وأذعن لحكمها، ولا ينصفها شخص إلا دخل في ركابها وسار على هديها، إنها الرسالة الخاتمة، العامة، الشاملة، اللهم اهدِ عبادك لما أكرمت به خاتم رسلك، والحمد لله رب العالمين.
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:40 AM
آيات ومعجزات النبوة
معجزة انشقاق القمر
(الشبكة الإسلامية)
من المعجزات التي أيَّد الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، معجزة انشقاق القمر إلى شقين، حتى رأى بعض الصحابة جبل حراء بينهما. وكان وقوع هذه المعجزة قبل الهجرة النبوية عندما طلب منه كفار مكة آية تدل على صدق دعوته ، ففي الحديث : ( أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما ) متفق عليه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا ) متفق عليه. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لقد رأيت جبل حراء من بين فلقتي القمر.
وهذه المعجزة إحدى علامات الساعة التي حدثت، ففي الحديث الصحيح ( خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ الدُّخَانُ وَاللِّزَامُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ وَالْقَمَرُ ) متفق عليه. واللزام: القحط، وقيل التصاق القتلى بعضهم ببعض يوم بدر، والبطشة : القتل الذي وقع يوم بدر.
وجاء ذكر هذه الحادثة في القرآن الكريم مقروناً باقتراب الساعة ، قال تعالى:{ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } (القمر:1)، ولما كان من عادة قريش التعنت والتكذيب فقد أعرضوا عما جاءهم، ووصفوا ما رأوه بأنه سحر ساحر. وقد حكى القرآن لسان حالهم ومقالهم فقال تعالى: { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } (القمر:1-2) .
واحتجاجهم ذلك شبهة مدحوضة، وقد أُجيب عن مثل هذه الشبهة قديماً، فقد نُقل عن أبي إسحاق الزجاج في معاني القرآن أنه قال: "أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر، ولا إنكار للعقل فيه لأن القمر مخلوق لله، يفعل فيه ما يشاء، كما يكوره يوم البعث ويفنيه" .
ومما احتج به البعض: أنه لو وقع ذلك الانشقاق لجاء متواتراً ، ولاشترك أهل الأرض في معرفته، ولما اختص به أهل مكة.
وجوابه أن ذلك وقع ليلاً ، وأكثر الناس نيام، والأبواب مغلقة، وقلَّ من يرصد السماء إلا النادر، وقد يقع في العادة أن يخسف القمر، وتبدو الكواكب العظام، وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها إلا الآحاد من الناس، فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقومٍ سألوا وتعنتوا، فلم يرصده غيرهم، ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذٍ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض، كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم.
ونُقل عن الخطابي قوله: "انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيءٌ من آيات الأنبياء، وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجاً من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع، فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر".
وقد أظهرت بعض الدراسات الحديثة التي اعتنت بدراسة سطح القمر أنه يوجد به آثار انشقاق وانقسام، مما كان له أثر في إسلام البعض لمـّا علم أن القرآن تكلم عن ذلك قبل قرون ، فسبحان الذي أظهر الدلائل والآيات الدالة على ألوهيته وعظيم خلقه، قال تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } (فصلت:53)، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:43 AM
آيات ومعجزات النبوة
نبع الماء من بين أصابعه
(الشبكة الإسلامية)
الماء نعمة من نعم الله العظيمة، التي وهبها الله لعباده ، أنزله من السماء ، فسالت أودية بقدرها، وأودعه الأرض وجعل منه ينابيع وأنهاراً، وجعله شراباً سائغاً ، وجعل أمر الحياة عليه قائما، قال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ } (الانبياء:30)، وإذا كان نبع الماء من الأرض آية ، ونبعه من الحجر الأصم آية أعظم ، فما ظنك إذا كان نبعه من بين الأصابع ، فذلك معجزة وكرامة .
ومعجزة نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كانت من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد تكرر حصول تلك المعجزة عدة مراتٍ ، وفي مناسبات مختلفة، رأى ذلك الصحابة الكرام، ونقلوه إلينا نقلاً واضحاً بينا .
فمن ذلك ما حدث يوم الحديبية، فيما رواه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة- إناء من جلد-، فتوضأ، فجهش-أسرع- الناس نحوه، فقال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا، وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة ) متفق عليه، واللفظ للبخاري .
ومن ذلك ما حصل بالزوراء - وهو مكان قرب السوق في المدينة - مما نقله الصحابي الجليل أنس رضي الله عنه، قال: ( أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناءٍ وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم، قال قتادة : قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة، أو زهاء ثلاثمائة ) متفق عليه، واللفظ للبخاري .
ومن ذلك أيضاً ما حدث عندما قلّ الماء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على سفر، يحدثنا عن ذلك الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ( كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فقل الماء، فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حي على الطهور المبارك، والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ) رواه مسلم .
وفي هذه المعجزة النبوية إشارة واضحة بينّة، ودلالة عظيمة شاهدة على تأييد الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم ، إذ كان لهذه المعجزة وأمثالها من المعجزات النبوية الأثر البالغ في زيادة الإيمان، وقوة التعلق بالواحد الديان من قبل الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وخاصة أنهم كانوا في ظروف صعبة، نتيجة صراعهم مع أهل الباطل من المشركين واليهود والمنافقين، فكانت مثل هذه الحوادث عوناً لهم ، وزاداً إيمانياً قوياً ، إضافة إلى ما تتركه مثل هذه المعجزات من أثرٍ في نفوس الكافرين والمعاندين، وتلفت الانتباه إلى أن الله هو القوي القادر، الذي لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء، فسبحان من لم يقدره العباد حق قدره، ولم يعبده العباد حق العبادة، وهو الغفور الرحيم ، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:46 AM
التعبد في غار حراء
(الشبكة الإسلامية)
كانت عند العرب بقايا من الحنيفية التي ورثوها من دين إبراهيم عليه السلام، فكانوا مع -ما هم عليه من الشرك- يتمسكون بأمور صحيحة توارثها الأبناء عن الآباء كابراً عن كابر، وكان بعضهم أكثر تمسكاً بها من بعض، بل كانت طائفة منهم -وهم قلة- تعاف وترفض ما كان عليه قومها من الشرك وعبادة الأوثان، وأكل الميتة، ووأد البنات، ونحو ذلك من العادات التي لم يأذن بها الله، ولم يأت بها شرع حنيف، وكان من تلك الطائفة ورقة بن نوفل و زيد بن نفيل ورسولنا صلى الله عليه وسلم ، والذي امتاز عن غيره صلى الله عليه وسلم باعتزاله الناس للتعبد والتفكُّر في غار حراء، فما هو خبره صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، هذا ما سنقف عليه في المقال التالي:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتأمل منذ صغره ما كان عليه قومه من العبادات الباطلة والأوهام الزائفة، التي لم تجد سبيلاً إلى نفسه، ولم تلق قبولاً في عقله، بسبب ما أحاطه الله من رعاية وعناية لم تكن لغيره من البشر، فبقيت فطرته على صفائها، تنفر من كل شيء غير ما فطرت عليه.
هذا الحال الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم دفع به إلى اعتزال قومه وما يعبدون من دون الله، وحبَّب الله إليه عبادته بعيداً عن أعين قومه وما كانوا عليه من عبادات باطلة، وأوهام زائفة، فكان يأخذ طعامه وشرابه ويذهب إلى غار حراء كما ثبت في الحديث المتفق عليه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (جاورت بحراء شهراً...)وحراء هو غار صغير في جبل النور على بعد ميلين من مكة، فكان يقيم فيه الأيام والليالي ذوات العدد، يقضي وقته في عبادة ربه والتفكَّر فيما حوله من مشاهد الكون، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك الباطلة، والتصورات الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق واضح ولا منهج محدد يطمئن إليه و يرضاه.
وكان اختياره لهذه العزلة والانقطاع عن الناس بعض الوقت من الأسباب التي هيأها الله تعالى له ليعده لما ينتظره من الأمر العظيم، والمهمة الكبيرة التي سيقوم بها، وهي إبلاغ رسالة الله تعالى للناس أجمعين واقتضت حكمة الله أن يكون أول ما نزل عليه الوحي في هذا الغار.
فهذا ما كان من أمر تعبده صلى الله عليه وسلم، واعتزاله قومه وما كانوا عليه من العبادات والعادات، وقد أحاطه الله سبحانه بعنايته ورعايته، وهيأ له الأسباب التي تعده لحمل الرسالة للعالمين. وهو في حاله التي ذكرنا ينطبق عليه قوله تعالى في حق موسى عليه الصلاة والسلام {ولتصنع على عيني}(طه:39)إنه الإعداد لأمر عظيم تنوء الجبال بحمله، إنها الأمانة التي كان يُعدُّ لحملها إلى الناس أجمعين، ليكون عليهم شهيداً يوم القيامة،تحقيقاً لقوله تعالى{وجئنا بك شهيداً على هولاء}(النحل:89) فجزاه الله عن أمته وعن العالمين خير الجزاء، وجمعنا معه تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، والحمد لله رب العالمين .
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:48 AM
إرهاصات وبشارات النبوة
(الشبكة الإسلامية)
النبوات والرسالات هي أفضل النعم التي تفضل الله بها على الناس، وأفضل هذه الرسالات وأعظمها وأشملها هي رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته، ولذلك أحاطها الله بعنايته، وشملها برعايته، وجعل لها دلائل باهرة، وعلامات ظاهرة، فدلت على نبوته صلى الله عليه وسلم دلائل ربانية قبل أن يبعث بل قبل أن يولد، وكانت هذه الدلائل بشائر على مبعثه صلى الله عليه وسلم، وما حملته تلك البعثة من خير للبشرية جمعاء، وهداية لها إلى الحق وإلى طريق مستقيم.فمع هذه الدلائل والبشائر على مبعثه لنا وقفة في هذا المقال.
فمن تلك الدلائل والبشارات التي بشرت بمبعثه قبل مولده صلى الله عليه وسلم، ما رواه الطبراني من حديث معاوية بن أبي سفيان عن أبيه أن أمية بن أبي الصلت قال له : إني أجد في الكتب صفة نبي يبعث من بلادنا ، وكنت أظن أني هو، ثم ظهر لي أنه من بني عبد مناف ، قال فنظرت فلم أجد فيهم من هو متصف بأخلاقه إلا عتبة بن ربيعة إلا أنه جاوز الأربعين ولم يوح إليه، فعرفت أنه غيره .قال أبو سفيان : فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم قلت لأمية عنه فقال: أَمَا إنَّه حق فاتَّبعه ، فقلت له وأنت ما يمنعك ؟ قال: الحياء من نساء ثقيف أني كنت أخبرهن أني أنا هو، ثم أصير تبعاً لفتىً من بني عبد مناف. فهذه علامة وبشارة واضحة تدل على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما منع هذا الرجل من الإيمان به بعد مبعثه -مع علمه أنه حق- إلا الكبر عياذاً بالله.
ومن الدلائل والبشائر على نبوته كذلك ما رواه الإمام أحمد من حديث سلمة بن وقش قال : كان لنا جار من اليهود بالمدينة فخرج علينا قبل البعثة بزمان فذكر الحشر والجنة والنار، فقلنا له : وما آية ذلك ؟ قال خروج نبي يبعث من هذه البلاد ـ وأشار إلى مكة ـ فقالوا متى يقع ذلك ؟ قال فرمى بطرفه إلى السماء ـ وأنا أصغر القوم فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه ، قال فما ذهبت الأيام والليالي حتى بعث الله تعالى نبيه ، وهو حي ـ أي اليهودي ـ فآمنَّا به وكفر هو بغياً وحسداً.
أما العلامات والدلائل على نبوته صلى الله عليه وسلم والتي كانت عند مولده وبعده، فمنها ما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى عليهما السلام ، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام) أخرجه أحمد بسند صحيح.
ومن هذه الإرهاصات والعلامات على نبوته بعد مولده صلى الله عليه وسلم ما جاء في قصة حليمة السعدية حيث أخبرت أنها لما أخذته من أمه، كثر اللبن في ثديها، ووجد زوجها اللبن في ناقته، وكثر اللبن في شياهها، إلى غير ذلك من الأمور التي خرجت عن مألوف العادة، والتي حصلت ببركة وجوده بينهم صلى الله عليه وسلم.
ويتوج ذلك كله حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع سنين، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج منه علقةً وقال: هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم جمعه فأعاده إلي مكانه ) وهذه الواقعة كانت من أهم البشائر على قرب مبعثه صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً.
ولا يخفى على الناظر في سيرته صلى الله عليه وسلم أن الدلائل والمبشرات بنبوته كثيرة لا يحيط بها مقام كهذا وما ذكرناه يستدل به على ما لم نذكر، والله الموفق والهادي إلى الصواب، والحمد لله أولاً وآخرا.
السبت :26/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:50 AM
السرايا قبل بدر
(الشبكة الإسلامية)
كانت سرية سيف البحر أولى السرايا التي عقد لواءها رسول صلى الله عليه وسلم ، لمواجهة قريش ومنعها مما تنوي القيام به من محاصرة الدعوة ، وتضييق الخناق عليها ، وقد تحدثنا عن تلك السرية في مقال سابق ، وفي مقالنا هذا نتابع الحديث عن بعض السرايا الأخرى التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمتابعة تحركات قريش ونشاطاتها ، فمن تلك السرايا التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1- سرية رابغ
وكانت في شوال من السنة الأولى للهجرة ، بقيادة عبيدة بن الحارث بن المطلب ، وكان عدد المسلمين فيها نحو ستين رجلاً من المهاجرين ليس فيهم أنصاري ، فالتقوا بأبي سفيان وهو في مائتين على بطن رابغ ، وترامى الفريقان بالنبل ، وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أول من رمى بسهمٍ في سبيل الله ، وانفضّ الفريقان بعد ذلك من غير قتال .
2- سرية الخرار
وقعت في ذي القعدة من السنة الأولى للهجرة ، وتتكون هذه السرية من عشرين راكباً بقيادة سعد بن أبي وقاص ، بهدف اعتراض عيرٍ لقريش ، فخرجوا مشاة يكمنون بالنهار ، ويسيرون بالليل حتى وصلوا الخرَّار وهو موضع قرب الجحفة ، فوجدوا العير قد مرت .
3- سرية نخلة
وكانت في رجب من السنة الثانية للهجرة ، وتتكون من اثني عشر رجلاً من المهاجرين بقيادة عبدالله بن جحش الأسدي ، وقد أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم كتاباً ، وأمره ألا يقرأه إلا بعد مسيرة يومين ، وتضمن الكتاب الأمر بالمُضِّي حتى وصول نخلة بين مكة والطائف ، ثم القيام برصد عيرٍ لقريش ، فساروا حتى بلغوا المكان ، فمرت العير تحمل زبيباً ، وأُدْماً ، وتجارة ، فلحق بها المسلمون حتى أدركوها في آخر يوم من رجب وهو من الأشهر الحرم ، فقتلوا ناساً من القافلة ، ولاذ البعض بالفرار ، وعادت السرية بالعير وأسيرين إلى المدينة ، فعاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتالهم في الشهر الحرام ، واستغل المشركون الحادثة ، وتحدثوا أن المسلمين قد انتهكوا الأشهر الحرم ، ثم نزل القرآن حاسماً للموقف بأنّ ما يقوم به المشركون من الصد عن دين الله ، وعن المسجد الحرام ، وإيذاء المؤمنين ، والشرك بالله ، أشد حرمة من القتال في الأشهر الحرم ، قال تعالى : { يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ }(البقرة:217).
بعد ذلك أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سراح الأسيرين ، ودفع دية المقتول إلى أوليائه .
إنّ من النتائج المترتبة على إرسال تلك السرايا والبعوث أنَّ قريشاً أدركت أنّ جانب المسلمين أصبح من المنعة بمكان ، وأنّ طريق تجارتها كذلك أصبح مهدداً من قِبَل المسلمين ، وأنّ عليها أن تفيء إلى رشدها وتذعن لأمر ربها ، أو على الأقل تمتنع من الوقوف في وجه تلك الدعوة المباركة الآخذة في الانتشار والقبول ، هذا على صعيد جانب قريش .
أما على صعيد المؤمنين فإنّ تلك السرايا والبعوث قد زادتهم يقيناً بنصر الله ، وثباتاً على الحق ، واعتقاداً بأن العاقبة للمتقين ، كيف لا وقد بشرهم الله بذلك عندما قال : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَََرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور:55) ، وقال تعالى : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }(الحج: من الآية40) . وفقنا الله لنصرة دينه ، والثبات عليه ، إنّه ولي المؤمنين والحمد لله رب العالمين.
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:51 AM
غزوة العشيرة
(الشبكة الإسلامية)
خرج المسلمون من مكة مهاجرين إلى المدينة امتثالا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذاقوا الأمرين على يد جبابرة قريش وعتاتها ، فكانت هجرتهم نصرا وفتحاً ، نظرا لما كان عليه الحال في مكة من العذاب والذل ، فتركوا أموالهم وديارهم فراراً بدينهم وعقيدتهم .
ولما استقر بهم المقام في المدينة النبوية أصبح الجو مهيأ أكثر من ذي قبل لنشر الدعوة ومواجهة الواقفين في سبيلها ، وكان من أساليب المواجهة التي نهجها النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يسمى بلغة اليوم المواجهة الاقتصادية ، إذ عمد إلى ضرب اقتصاد المشركين عن طريق التعرض لقوافلهم التجارية المترددة بين مكة والشام ، حتى يسترد المسلمون أموالهم التي سلبتها قريش ، ولتشكل هذه المواجهة ضغطا على المشركين ، يرغمهم على تعديل سياستهم في التعامل مع المسلمين .
ووفق هذه الخطة كانت غزوة العشيرة - موضع بناحية ينبع - ، والتي جرت أحداثها في أواخر جمادى الأولى من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج صلى الله عليه وسلم في نحو مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين ، معهم ثلاثون بعيرا يتناوبون على ركوبها ، وصاحب اللواء فيهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وكان الخروج في هذه الغزوة اختياريا، فمن شاء خرج ، ومن شاء لم يخرج ، وكان الغرض من الخروج اعتراض قافلة لقريش كانت ذاهبة إلى الشام .
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم العشيرة وجد قافلة قريش قد فاتته بأيام ، فاستغل صلى الله عليه وسلم فرصة وجوده في تلك الناحية ، فعقد معاهدة عدم اعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة ، ثم عاد إلى المدينة في أوائل جمادى الآخرة ، وكما كانت تلك القافلة سببا في غزوة العشيرة ، كانت كذلك سبباً في غزوة بدر ، وذلك في طريق عودتها من الشام .
لقد كانت غزوة العشيرة من أوائل الغزوات التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الهدف منها - كما بينا - ضرب اقتصاد قريش ، والغزوة وإن لم تحقق هدفها المادي وهو الاستيلاء على القافلة ، إلا أنها - وهو الأهم - قد أدت هدفها المعنوي من إبلاغ رسالة إلى قريش مفادها أننا لن نكون لكم هدفاً سهلا بعد اليوم ، وأننا سوف نواجهكم ما دمتم تقفون عائقا في وجه الدعوة، وسوف نلاحقكم كما تلاحقون المؤمنين وتضطهدونهم ، وإلا فكفوا أيديكم فهو أسلم لكم.
تلك كانت الرسالة ، وهي بلا شك قد وصلت لقريش وفهمتها جيدا ، ومن هنا ندرك حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وحنكته العسكرية ، ومدى خبرته في إدارة الصراعات ، كيف لا وهو النبي الموحى إليه من عند الله سبحانه ، نسأل المولى عز وجل أن يعيننا على السير على خطاه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .
الخميس :23/01/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:53 AM
معجزات على طريق الهجرة
(الشبكة الإسلامية) أ.د/ أكرم ضياء العمري ( خاص بالشبكة )
بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدي ودين الحق، ووعده بالنصر والتأييد، وكان تأييده تعالى لرسوله بأمور كثيرة منها المعجزات والتي هي خوارق العادات، فقد وقعت له معجزات كثيرة ، ومنها ما كان على طريق الهجرة ، وهو ما سنقف عليه في هذه الكلمات.
وقعت معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة , ولنقرأ ما سجله الصديق رضي الله عنه عن بداية الرحلة قال : ((أسرينا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة , وخلا الطريق فلا يمر فيه أحد , حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل , لم تأت عليه الشمس بعد , فنزلنا عندها فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكاناً ينام فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في ظلها ثم بسطت عليه فروة . ثم قلت : نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك , فنام)) . ثم حكى أبو بكر خبر مرور راع بهما , فطلب منه لبناً , وصادف استيقاظ الرسول صلى الله عليه وسلم فشرب ثم قال : ((ألم يأن للرحيل)) قلت : بلى . قال : فارتحلنا بعدما زالت الشمس , وأتبعنا سراقة بن مالك ونحن في جلد من الأرض .
معجزة في خيمة أم معبد :
وقد اشتهر في كتب السيرة والحديث خبر نزول الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بخيمة أم معبد بقديد طالبين القرى , فاعتذرت لهم لعدم وجود طعام عندها إلا شاة هزيلة لا تدرّ لبناً , فأخذ الشاة فمسح ضرعها بيده , ودعا الله , وحلب في إناء حتى علت الرغوة , وشرب الجميع , ولكن هذه الرواية طرقها ما بين ضعيفة وواهية . إلا طريقاً واحدة يرويها الصحابي قيس بن النعمان السكوني ونصها ((لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يستخفيان نزلا بأبي معبد فقال : والله مالنا شاة , وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسبه - فما تلك الشاة ؟ فأتى بها . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة عليها , ثم حلب عسّاً فسقاه , ثم شربوا , فقال : أنت الذي يزعم قريش أنك صابيء ؟ قال : إنهم ليقولون . قال : أشهد أن ما جئت به حق . ثم قال : أتبعك . قال : لا حتى تسمع أناّ قد ظهرنا . فاتّبعه بعد)) . وهذا الخبر فيه معجزة حسية للرسول صلى الله عليه وسلم شاهدها أبو معبد فأسلم .
قصة سراقة بن معبد :
ولندع رواية سراقة بن مالك تكمل الخبر التاريخي ففيها تفاصيل تكشف عن المعجزة النبوية . قال سراقة : ((لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً إلى المدينة جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم . قال : فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا حتى وقف علينا فقال : والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا عليّ آنفاً إني لأراهم محمداً وأصحابه . قال : فأومأت إليه بعيني أن اسكت . ثم قلت : إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم , قال : لعلّه , ثم سكت)) .
ثم ذكر سراقة خروجه في أثرهم , وأن فرسه ساخت به حتى طلب الدعاء له من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : قل له وما تبتغي منا ؟ فقال لي ذلك أبو بكر . قال قلت : تكتب لي كتاباً يكون آية بيني وبينك . قال : اكتب له يا أبا بكر .
فكتب لي كتاباً في عظم أو في رقعة أو في خزفة , ثم ألقاه إلي , فأخذته فجعلته في كنانتي , ثم رجعت فسكت , فلم أذكر شيئاً مما كان)) . ثم حكى خبر لقائه برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وإسلامه .
وقد ذكر سراقة في رواية صحيحة أنه اقترب من الاثنين حتى سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت , وأبو بكر يكثر الالتفات , كما ذكر أنه عرض عليهما الزاد والمتاع فلم يأخذا منه شيئاً , وأن وصيته كانت : اخف عنا .
وتذكر رواية صحيحة أنه صار آخر النهار مسلمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كان جاهداً عليه أوله . وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي دعا عليه فصرعه الفرس . وقد احتاط الاثنان في الكلام مع الناس الذين يقابلونهم في الطريق , فإذا سئل أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا الرجل يهديني السبيل , فيحسب الحاسب إنه إنما يعني الطريق , وإنما يعني سبيل الخير . وقد صح أن الدليل أخذ بهم طريق السواحل
وبالجملة: فإن المعجزات جند من جنود الله تعالى أيد بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأكرمه بها، فله الحمد في الأولى والآخرة، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
السبت :11/05/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:55 AM
بناء المسجد النبوي
(الشبكة الإسلامية) الدكتور / أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة )
إن المساجد في الإسلام لها شأن عظيم، ومكانة رفيعة، ففيها يعبد الله تعالى ويذكر فيها اسمه، { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح لها فيها بالغدو والآصال رجال...) ولم يكن هديه صلى الله عليه وسلم في المسجد قاصرا على الصلاة فحسب، بل كما كان مكان للعبادة فهو مكان للحكم والقضاء، وإدارة الدولة وسياستها، وتجييش الجيوش وغير ذلك من المهام . ولما كان المسجد بهذه المكانة فأول أمر بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم بعد وصوله المدينة بناء المسجد وهذا ما سنقف عليه في المقال التالي:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وصوله إلى المدينة المنورة يصلي حيث أدركته الصلاة ، ثم أمر ببناء المسجد في أرض كان فيها نخل لغلامين يتيمين ، من بني النجار ، وقد أشترها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام المسلمون بتسويتها ، وقطع نخيلها ، وصفوا الحجارة في قبلة المسجد التي كانت تتجه نحو بيت المقدس آنذاك ، وما أعظم سرورهم وهم يعملون في بنائه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل معهم ، وهم يرتجزون .
وكانت سواريه من جذوع النخل وأعلاه مظلل بجريد النخل ، ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين . ثم أعيد بناء المسجد سنة 7هـ حيث اشترك في بنائه أبو هريرة ، وطلق بن علي الحنفي ـ أسلما سنة 7هـ وقد جرت توسعة المسجد عند إعادة بنائه هذه.
وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم موقع المنبر : وبنى بيوت أزواجه بحيث تحد المسجد من جهة الشمال والشرق والجنوب ،وتحدد موقع مصلاه بدقة حيث اتخذ محرابا من بعده ، وكانت ثمة اسطوانة تحدد موقعه ، وصارت تمسى باسطوانة المخلفَّة والقرعة ، وهي الآن في ظهر المحراب القديم ، وقد وضع المصحف في صندوق عند هذه الاسطوانة في جيل الصحابة ، وعرف المكان ما بين بيت عائشة رضي الله عنها والمنبر باسم " الروضة ". و تحددت في زمنه صلى الله عليه وسلم اسطوانة التوبة داخل الروضة ، وهي الاسطوانة الرابعة شرق المنبر ، وكان مصلى العيد في زمنه صلى الله عليه وسلم في موقع مسجد الغمامة اليوم ، وكان ما بينه وبين المسجد النبوي مبلطا بالحجارة ويعرف بالبلاط حيث بنى كثير من المهاجرين بيوتهم في جهته. ولم يوقد في حياته صلى الله عليه وسلم في المسجد قنديل ، ولا بسط فيه حصير .
وللمسجد أهمية عظيمة في المجتمع الإسلامي ، فهم يجتمعون فيه للصلاة خمس أوقات كل يوم يتقربون إلى الله بالعبادة ، ويتعرفون على أحوال إخوانهم
ويتعاونون على البر والتقوى . ثم إن المسجد كان مركزا للقضاء بين الناس ومنطلقا لقوافل الجهاد حيث يعلن فيه النفير .
وقد احتل المسجد مكاناً هاماً في تعليم المسلمين وتثقيفهم ، وتلاوة ما ينزل من قرآن ، وقد جلس فيه معلمون لتعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة .
وهكذا تنوع النشاط الذي احتضنه المسجد النبوي ما بين عبادة وعلم وخدمة اجتماعية وثقافية وعسكرية ، كما صار المسجد النبوي بالمدينة مناراً ومرشدا ومعلما بارزا في الحياة الإسلامية ، وتابعته المساجد الأخرى التي بنيت في المدن والأمصار الإسلامية على مر العصور.
الإثنين :01/04/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:56 AM
من نتائج الهجرة قيام الدولة الإسلامية
(الشبكة الإسلامية) الدكتور / أكرم ضياء العمري (خاص بالشبكة )
لقد تغلب المهاجرون على المشكلات العديدة , واستقروا في الأرض الجديدة , مغلبين مصالح العقيدة ومتطلبات الدعوة , بل صارت الهجرة واجبة على كل مسلم لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم , ومواساته بالنفس , حتى كان فتح مكة فأوقفت الهجرة ؛ لأن سبب الهجرة ومشروعيتها نصرة الدين وخوف الفتنة من الكافرين . وأبرز نتائج الهجرة تتمثل في قيام الدولة الإسلامية الأولى , وهي أول دولة أقامها نبي في الأرض , وذلك لأن دين الإسلام يجمع ما بين العبادة والتشريع والحكم .
وقد هيأت الهجرة الأمة والأرض لإقامة دولة نموذجية تهدف إلى إيجاد ظروف ملائمة لتحقيق العبودية الخالصة لله وحده , ولبناء مجتمع تسوده الأخوة الدينية وينأى عن العصبية الجاهلية , وكانت طاعة الله ورسوله هي الوسيلة لبناء المجتمع والدولة على أسس جديدة . وفيما يلي توضيح لنتائج الهجرة وقيام الدولة الإسلامية .
من أسس الدولة :
أ- تحقيق العبودية الخالصة لله وحده .
أحدث الإسلام نقلة عميقة وشاملة في عالم العقيدة , فلم يعد ثمة مجال لعبادة الأصنام والكواكب والأوهام , ولا لممارسة السحر والكهانة , ولا للتشبث بالتمائم والرقى , بل اتجه سكان الدولة الإسلامية إلى توحيد الله في التصور والعبادة والسلوك , فالله واحد { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}) (البقرة: من الآية163) وهو { لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ } (الأنعام: من الآية103) ولا يشبه شيئاً من المخلوقات , وقد وصف نفسه بصفات السمع والبصر والعلم والحياة وغيرها من الصفات التي وردت في القرآن والسنة ؛ لكن هذه الصفات لا تماثل صفات المخلوقين{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير } (الشورى: من الآية11) .
وأحدث الإسلام انقلاباً جذرياً في حياة الفرد والجماعة , بحيث تغيّر سلوك الأفراد اليومي وعاداتهم المتأصلة تغيراً كلياً , كما تغيرت مقاييسهم وأحكامهم ونظرتهم إلى الكون والحياة . وكذلك تغيرت بنية المجتمع بصورة واضحة , فاختلفت مظاهر وصور , وبرزت معالم وظواهر جديدة . فالنقلة كبيرة بين ما كان عليه الإنسان في جاهليته , وما صار إليه في إسلامه . إذ لم يعد العربي متفلتاً من الضوابط في معاملاته وعلاقاته الاجتماعية , بل صار منضبطاً بضوابط الشريعة الإسلامية في جزئيات حياته من أخلاق وعادات كالنوم والاستيقاظ , والطعام والشراب , والزواج والطلاق , والبيع والشراء , ولا شك أن العادات تتحكم في الإنسان , ويصعب عليه التخلص منها واكتساب عادات وصفات جديدة , ولكن ما ولّده الإسلام في أنفسهم من إيمان عميق مكّنهم من الانخلاع من الشخصية الجاهلية بكل ملامحها واكتساب الشخصية الإسلامية بكل مقوماتها , فاعتادوا على عبادة الله تعالى وحده , بالصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد , وقصده بكل أعمال الخير الأخرى , والتقرب إليه بالذكر والشكر , والصبر على البلوى , والإنابة إليه , والدعاء إليه , والرغبة في فضله ورحمته , وامتلاء القلب بالتوحيد والإخلاص والرجاء .
واعتادوا أيضاً على استحضار النية لله في نشاطهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ؛ لان العبادة في الإسلام مفهومها واسع يمتد لكل عمل يقوم به الإنسان إذا قصد به وجه الله وطاعته . وإلى جانب الاعتياد على الطاعات , فإن المسلمين تخلصوا من العادات المتأصلة التي نهى عنها الإسلام كشرب الخمر و الأنكحة الجاهلية والربا ومنكرات الأخلاق من الكذب والخيانة والغش والغيبة والحسد والكبر والظلم ... وهكذا فإن الدولة الإسلامية التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة كونت مجتمعاً ربانياً يسعى أفراده في العمران الأدبي والمادي للأرض ويتطلعون إلى ما عند الله من النعيم المقيم .
ب- الأخوة ووحدة الصف :
إن الأساس الذي بنيت عليه العلاقات في مجتمع الدولة الإسلامية هو الاخوة الإيمانية التي حددتها الآية الكريمة { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (الحجرات: من الآية10) ,
فالأخوة الصادقة لا تكون إلا بين المؤمنين , وهم يقفون صفاً واحداً للجهاد في سبيل الله ولبناء قوة الدولة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية , وذلك برص صفوفهم , والتعاون فيما بينهم , وشيوع المحبة والألفة في مجتمعهم . قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } (الصف:4)
ج- الطاعة بالمعروف في المنشط والمكره :
اتسم جيل الصحابة رضوان الله عليهم بالطاعة الكاملة لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم , فقد كانوا يقرؤون القرآن وكأنه ينزل على كل واحد منهم - رجلاً كان أم امرأة - غضاً طرياً , وكانت لغة التخاطب بينهم هي الفصحى التي نزل بها القرآن , وقد أعانهم ذلك على فهم الخطاب الإلهي بسهولة ويسر , كما ولّد الأثر القوي في نفوسهم , وسرعة الاستجابة التامة لتعاليمه وأحكامه . فكان جيل الصحابة قادراًُ على التخلص من عادات الجاهلية وتقاليدها وأعرافها , حتى لو كانت العادات قد استقرت منذ قرون , وصارت عرفاً مشروعاً وتقليداً مقبولاً . فمن ذلك أنه لما نزل قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ والأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (المائدة:90)
خرجت الأنصار بدنان الخمر إلى الأزقة وأراقوها وقالوا : انتهينا ربنا انتهينا ربنا . وشرب الخمر الذي أقلعوا عنه كان عادة متأصلة في حياة الفرد والمجتمع , والخمر الذي أراقوه كان مالاً ضحوا به تسليما لله رب العالمين .
ومن ذلك أن قوماً من المسلمين وفدوا على رسول الله صلى الله عيه وسلم في أول النهار , فإذا هم عراة حفاة يلبسون أكسية الصوف وعليهم السيوف ,
فتغيّر وجه الرسول صلى الله عليه وسلم إشفاقا عليهم , وجمع الناس , وحثّهم على الصدقة , وقرأ عليهم الآيات في ذلك ومنها { اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد } (الحشر: من الآية18) فتتابع الناس حتى جمعوا كومين من طعام وثياب , فتهلّل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم فرحاً بمبادرة الصحابة إلى معونة إخوانهم وطاعة ربهم وكذلك بادرت الصحابيات إلى طاعة أمر الله تعالى , قالت عائشة رضي الله عنها : "يرحم الله نساء المهاجرات الأول , لما أنزل الله { وليضربن بخمرهن على جيوبهن }( النور 31) شققن مروطهنّ فاختمرن به" رواه البخاري .
لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يلتزمون بالبيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء الراشدين من بعده , وكان للبيعة قيمة عالية , فهي التزام حرّ , وتعاقد بين الطرفين , وقد دللّوا دائما على صدق التزامهم فلبّوا داعي الجهاد , وخاضوا غمار المعارك في أماكن نائية عن ديارهم , ودفن كثير منهم في أطراف الأرض , وما عرفوا القعود عن الجهاد , والحفاظ على الكرامة ' والذود عن العقيدة . فجزاهم الله عن هذه الامة وهذا الدين خير الجزاء، وسلك بنا سبيلهم، وحشرنا في زمرتهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إنه خير مسؤول، والحمد لله أولاً وآخرا.
السبت :23/03/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:58 AM
الغزوات قبل بدر
(الشبكة الإسلامية)
أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعائم دولة الإسلام في المدينة بعد مهاجره من مكة المكرمة ، ثم شرع في متابعة تبليغ دعوته لقبائل العرب ، وكان من الطبيعي أن يلقى معارضة ممن يكيد لهذا الدين ولا يريد أن تقوم له قائمة . وكانت موقعة بدر من المواقع الحاسمة في تاريخ الدعوة الإسلامية ، نصر الله فيها الحق على الباطل ، والإيمان على الشرك ، وقد تقدمها بعض الوقائع التي كانت بمنزلة التمهيد والإعداد لهذه المعركة الفاصلة ، وكان مما تقدمها الغزوات الآتية :
1- غزوة الأبْواء (وَدّان)
كانت في صفر من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلاً من المهاجرين بعد أن استخلف سعد بن عبادة على المدينة بهدف اعتراض عيرٍ لقريش ، وهي أول غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان حامل لواء هذه الغزوة حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وفيها عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفاً مع بني ضمرة على ألا يغزوهم ولا يغزوه ، ولا يعينوا عليه أحدا ، ولم يحدث قتال في هذه الغزوة .
2- غزوة بُوَاط
وكانت في ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة ، وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه بعد أن استخلف سعد بن معاذ على المدينة ، وكان الهدف من الغزوة اعتراض عيرٍ لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي ، ومائة رجل من قريش ، وألفان وخمسمائة بعير ، وكان حامل اللواء في هذه الغزوة سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه، وقد رجع المسلمون من غير قتال حين لم يعثروا على القافلة ، "وبواط" جبال من جبال جهينة من ناحية رضوى .
3- غزوة سَفَوان
وكانت كذلك في شهر ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع سبعين رجلاً في طلب كُرْز بن جابر الفِهْري الذي أغار على مراعي المدينة ، في قوات من المشركين ، ونهب المواشي ، فطارده المسلمون حتى بلغوا وادياً يقال له : سفوان من ناحية بدر ، ولذلك تسمى هذه الغزوة : "بدر الأولى" .
وقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على المدينة زيد بن حارثة ، وكان حامل لوائها علي بن أبي طالب .
ورجع المسلمون من هذه الغزوة دون حرب ؛ حيث أنهم لم يدركوا كُرز الفهري .
4- غزوة ذي العشيرة
وكانت في جمادى الأولى والآخرة من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في خمسين ومائة من المهاجرين ، على ثلاثين بعيراً ، بهدف اعتراض عيرٍ لقريش ذاهبة إلى الشام ، فلما بلغ الجيش ذا العشيرة وجدوا العير قد فاتتهم بأيام ، وقد طلبها المسلمون أثناء عودتها من الشام ، فكانت سبب غزوة بدر الكبرى ، وقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، وحمل لواء هذه الغزوة حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه.
وكان من نتائج هذه الغزوة عقد معاهدة عدم اعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني النضير .
من خلال هذه الغزوات استفاد المسلمون فوائد متعددة ، منها ما يتعلق بتخويف العدو ، وبعث رسالة للواقفين في وجه الدعوة الإسلامية ، ومنها ما يتعلق بتقوية جيش المسلمين ، وتدريبه على القتال ، والصبر ، والقيادة ، ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم ، يعطي اللواء في كل مرة لقائد من القواد ، فتتنقل الراية من حمزة إلى سعد بن أبي وقاص ، إلى علي ، ثم تعود إلى حمزة مرة أخرى - رضي الله عنهم جميعاً - ، وكان يُنوِّع في الاستخلاف على المدينة ، فمرة سعد بن عبادة ، وأخرى سعد بن معاذ ، وثالثة زيد بن حارثة ، ورابعة أبا سلمة المخزومي ، وهذا فيه دلالة عظيمة على حنكة القائد ، وفطنته ، وفيه تدريب على تحمل المسؤولية ، والاستفادة من قدرات الجميع وإمكاناتهم ، وفيه إشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يربي قادة ، ويعلم أمة ، ويرسم منهاجاً ، فهل يعي المسلمون ذلك ؟ خاصة أنهم في أمس الحاجة إلى النظر والتدبر في سيرة قائدهم ، وأسوتهم صلى الله عليه وسلم .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 10:59 AM
أوائل المهاجرين
(الشبكة الإسلامية) الدكتور /أكرم ضيار العمري ( خاص للشبكة )
اشتد الأذى بالمؤمنين في مكة حتي صارت جحيماً لايطاق، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة حتي يأمنوا على أنفسهم، ويقيموا شعائر دينهم، فاستجاب المؤمنون لله ورسوله فهاجروا، وكان منهم سابقون إلى الهجرة، فمن أول من هاجر من الصحابة؟ هذا ما سنستعرضه في مقالنا التالي
يتفق موسى بن عقبة وابن إسحاق على أن أبا سلمة بن عبد الأسد هو أول من هاجر من مكة إلى المدينة بعد أن آذته قريش إثر عودته من هجرة الحبشة , فتوجه إلى المدينة قبل بيعة العقبة بسنة .
وكذلك فإن مصعب بن عمير وابن مكتوم كانا من أوائل المهاجرين حيث كانا يقرئان الناس القرآن .
وقد تتابع المهاجرون فقدم المدينة بلال بن رباح وسعد ابن أبي وقاص وعمار بن ياسر ثم عمر بن الخطاب في عشرين من الصحابة .
وقد سعت قريش بشتى الطرق إلى عرقلة الهجرة إلى المدينة , وإثارة المشاكل أمام المهاجرين , مرة بحجز أموالهم ومنعهم من حملها , ومرة بحجز زوجاتهم وأطفالهم , وثالثة بالاحتيال لإعادتهم إلى مكة، لكن شيئاً من ذلك كله لم يعق موكب الهجرة , فالمهاجرون كانوا على أتم الاستعداد للانخلاع عن أموالهم وأهليهم ودنياهم كلها تلبية لداعي العقيدة .
قالت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها : ( لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره , ثم حملني عليه , وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري , ثم خرج بي يقود بعيره ، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو ابن مخزوم قاموا إليه فقالوا : هذه نفسك غلبتنا عليها , أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد ؟ قالت : فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه ، قالت : وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة . قالوا : لا والله لاتترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا ، قالت : فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده ، وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسني بنو المغيرة عندهم , وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة ، قالت : ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني ، قالت : فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح , فما أزال أبكي حتى أمسي , سنة أو قريباً منها ، حتى مرّ بي رجل من بني عمي - أحد بني المغيرة - فرأى مابي , فرحمني , فقال لبني المغيرة : ألا تخرجون هذه المسكينة فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها ؟ قالت : فقالوا لي : الحقي بزوجك إن شئت ، قالت : وردّ بنو عبد الأسد إليّ عند ذلك ابني .
قالت : فارتحلت بعيري , ثم أخذت ابني فوضعته في حجري , ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة , وما معي أحد من خلق الله . قالت : فقلت : أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي . حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار , فقال لي : إلى أين يا بنت أبي أمية ؟ قالت : فقلت : أريد زوجي بالمدينة . قال : أو معك أحد ؟ قالت : فقلت : لا والله إلا الله وبنيّ هذا . قال : والله مالك من مترك فأخذ بخطام البعير . فانطلق معي يهوي بي , فوالله ماصحبت رجلاً من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه , كان إذا بلغ المنزل أناخ بي , ثم استأخر عني , حتى إذا نزلت عنه استأخر ببعيري فحط عنه , ثم قيده في الشجرة , ثم تنحّى إلى الشجرة فاضطجع تحتها , فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدّمه فرحّله ، ثم استأخر عني فقال : اركبي , فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه , فقاد بي حتى ينزل بي , فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال : زوجك في هذه القرية - وكان أبوسلمة بها نازلاً - فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعاً إلى مكة . قال فكانت تقول : والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة . وما رأيت صاحباً قط أكرم من عثمان بن طلحة ).
وقد سقت الخبر بطوله لما فيه من دلالة على الصعوبات التي واجهها المهاجرون وهي تشير إلى أصر العصبية في اتخاذ العشائر القرشية مواقفها من الأحداث ، فقد انحاز قوم أبي سلمة إليه رغم مخالفتهم له في العقيدة , ثم إن الخبر يكشف عن صورة من صور المروءة التي عرفها المجتمع القرشي قبل الإسلام تتمثل في موقف عثمان بن طلحة وتطوعه في مصاحبة المرأة وإحسان معاملتها مما يدل على سلامة الفطرة التي قادته أخيراً إلى الإسلام بعد صلح الحديبية , ولعل إضاءة قلبه بدأت منذ تلك الرحلة مع المرأة المسلمة .
وثمة صورة تاريخية لحدث آخر هو هجرة عمر بن الخطاب كما حدّث بها بنفسه قال : ( اتعدت - لما أردنا الهجرة إلى المدينة - أنا وعياش بن أبي ربيعة , وهشام بن العاص بن وائل السهمي التناضب - موضع - من أضاءة بني غفار فوق سرف , وقلنا أينا لا يصبح عندها فقد حبس , فليمض صاحباه .قال : فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة التناضب , وحبس عنها هشام , وفتن فافتتن .
فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء , وخرج أبو جهل بن هشام , والحارث بن هشام إلى عياش ابن أبي ربيعة - وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما - حتى قدما علينا المدينة - ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة - فكلماه وقالا : إن أمك قد نذرت ألا يمسّ رأسها مشط حتى تراك , فرقّ لها . فقلت له : يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم .
فقال : أبرّ قسم أمي , ولي هناك مال فآخذه .
فقلت : والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً , فلك نصف مالي ولا تذهب معهما . فأبى عليّ إلا أن يخرج معهما . فلما أبى إلا ذلك قلت : أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول , فالزم ظهرها , فإن رابك من القوم ريب فانج عليها , فخرج عليها معهما . حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل : والله يا أخي لقد استغلظت بعيري هذا , أفلا تعقبني على ناقتك هذه ؟ قال : بلى . قال : فأناخ وأناخ ليتحول عليها , فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه , ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن .
قال : فكنا نقول : ما الله بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبةً ؛ قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم .
قال : وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم , وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون . واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون } ( الزمر 53-55) .
قال عمر بن الخطاب : فكتبتها بيدي في صحيفة , وبعثت بها إلى هشام بن العاص .
قال فقال هشام : فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوّب ولا أفهمها . حتى قلت : اللهم فهمنيها . قال : فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول لأنفسنا ويقال فينا . قال : فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما ما روي من إعلان عمر لهجرته وتهديده من يلحق به بثكل أمه فلم يصح .
وهكذا وصلت طلائع الهجرة إلى المدينة المنورة، ووجدوا الأمن والأمان، والأخوة الصادقة من الأنصار، وأقاموا شعائر دينهم، فلله الحمد والمنة.
الثلاثاء:10/09/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 11:01 AM
وصول رسول الله إلى المدينة
(الشبكة الإسلامية) أ.د/ أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة )
كان المسلمون في المدينة قد سمعوا بخروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة , فكانوا يغدون كل غداة إلى ظاهر المدينة ينتظرونه , حتى إذا اشتد الحر عليهم عادوا إلى بيوتهم , حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه انتظروه حتى لم يبق ظل يستظلون به فعادوا , وقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وقد دخلوا بيوتهم , فبصر به يهودي فناداهم , فخرجوا فاستقبلوه , وكانت فرحتهم به غامرة ، فقد حملوا أسلحتهم وتقدموا نحو ظاهر الحرة فاستقبلوه .
وقد نزل الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء .
ولما عزم رسول الله صلى عليه وسلم أن يدخل المدينة أرسل إلى زعماء بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم .
وقد سجلت رواية أن عدد الذين استقبلوه خمسمائة من الأنصار ، فأحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأبي بكر وهما راكبان , ومضى الموكب داخل المدينة , ( وقيل في المدينة : جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم ) . وقد صعد الرجال والنساء فوق البيوت , وتفرق الغلمان في الطرق ينادون : يا محمد يا رسول الله , يا رسول الله .
قال الصحابي البراء بن عازب - وهو شاهد عيان - :" ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم "
أما تلك الروايات التي تفيد استقباله بنشيد (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع) فلم ترد بها رواية صحيحة .
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب الأنصاري فتساءل : أي بيوت أهلنا أقرب ؟ فقال أبو أيوب : أنا يا نبي الله , هذه داري وهذا بابي . فنزل في داره .
وقد ورد في كتب السيرة أن زعماء الأنصار تطلعوا إلى استضافة الرسول صلى الله عليه وسلم , فكلما مر بأحدهم دعاه للنزول عنده , فكان يقول لهم : دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب ، وكان داره طابقين , قال أبو أيوب الأنصاري : ((لما نزل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السّفل وأنا وأم أيوب في العلو , فقلت له : يا نبي الله - بأبي أنت وأمي - إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك , وتكون تحتي , فاظهر أنت في العلو , وننزل نحن فنكون في السفل . فقال : يا أبا أيوب : إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت.
قال : فلقد انكسر حبّ لنا فيه ماء , فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا مالنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفاً أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه)).
وقد أفادت رواية ابن سعد أن مقامه صلى الله عليه وسلم بدار أبي أيوب سبعة أشهر .
وقد اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين , وآثروهم على أنفسهم , فنالوا من الثناء العظيم الذي خلّد ذكرهم على مرّ الدهور وتتالي الأجيال , إذ ذكر الله مأثرتهم في قرآن يتلوه الناس : {والذين تبوّأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فألئك هم المفلحون} ( الحشر9) .
وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار ثناء عظيماً فقال : (لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار) و (لو سلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم) .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة , ثم أمر ببناء المسجد في أرض كان فيها نخل لغلامين يتيمين من بني النجار .
وقد اشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقام المسلمون بتسويتها وقطع نخيلها وصفوا الحجارة في قبلة المسجد , وما أعظم سرورهم وهم يعملون في بنائه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل معهم وهم يرتجزون :
اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة .
وقد بناه أولاً بالجريد ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين، وقد واجه المهاجرون من مكة صعوبة اختلاف المناخ , فالمدينة بلدة زراعية , تغطي أراضيها بساتين النخيل , ونسبة الرطوبة في جوها أعلى من مكة , وقد أصيب العديد من المهاجرين بالحمى منهم أبو بكر وبلال .
فأخبرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ((اللهم حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكة أو أشدّ , وصححها , وبارك لنا في صاعها ومدّها , وانقل حمّاها فاجعلها بالجحفة)). وقال : ((اللهم امض لأصحابي هجرتهم , ولا تردهم على أعقابهم)) .
لقد تغلب المهاجرون على المشكلات العديدة , واستقروا في الأرض الجديدة مغلبين مصالح العقيدة ومتطلبات الدعوة , بل صارت الهجرة واجبة على كل مسلم لنصرة النبي عليه الصلاة والسلام ومواساته بالنفس , حتى كان فتح مكة فأوقفت الهجرة لأن سبب الهجرة ومشروعيتها نصرة الدين وخوف الفتنة من الكافرين . والحكم يدور مع علته , ومقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه , وإلا وجبت . ومن ثم قال الماوردي : إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر , فقد صارت البلد به دار إسلام , فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الإسلام .
وعندما دون التاريخ في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتخذت مناسبة الهجرة بداية التاريخ الإسلامي , لكنهم أخروا ذلك من ربيع الأول الى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم , إذ بيعة العقبة الثانية وقعت في أثناء ذي الحجة , وهي مقدمة الهجرة . فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم , فناسب أن يجعل مبتدأ التاريخ الإسلامي. والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.
الثلاثاء:02/04/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 11:02 AM
نظرة في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
(الشبكة الإسلامية) أ.د/ أكرم ضياء العمري ( خاص بالشبكة )
إن رباط الأخوة في الإسلام رباط عظيم ولذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأكده، وكان من أوائل الأمور التي قام بها بعد وصوله المدينة أن آخى بين المهاجرين والأنصار.
ويبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر يؤاخي بين أصحابه مؤاخاة مواساة وتعاون وتناصح دون أن يترتب على ذلك حق التوارث بين المتآخين ،
وهكذا وردت أخبار تفيد أنه آخى بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي مع أن سلمان أسلم بين أحد والخندق مما جعل الواقدي والبلاذري ينكران ذلك .
وكذلك أنكر ابن كثير مؤاخاة جعفر بن أبي طالب لمعاذ بن جبل لأن جعفراً قدم في فتح خيبر أول سنة 7هـ .
ومثل ذلك مؤاخاة الحتات مع معاوية بن أبي سفيان ؛ لأن معاوية أسلم بعد فتح مكة سنة 8هـ .
وكذلك فإن الحتات قدم المدينة في وفد تميم في العام التاسع للهجرة ، وإذا اعتبرنا المؤاخاة مستمرة إلا ما يتعلق بحق التوارث الذي أبطل بعد بدر فلا موجب لهذا الاعتراض والإنكار الذي أبداه المؤرخون تجاه هذه الروايات .
وكذلك إذا قبلنا وقوع مؤاخاة دون إرث قبل وبعد تشريع المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فإن ذلك سوف يفسر الالتباس الذي وقع فيه ابن إسحق عندما أورد في قائمة المتآخين خبر مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بن حارثة وكلهم مهاجرون في حين أن سائر الأسماء الأخرى التي وردت في قائمته توضح أن المؤاخاة كانت بين مهاجري وأنصار .
وقد عقب ابن كثير على مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بأنه لا معنى لهذه المؤاخاة إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل مصلحة علي إلى غيره فإنه كان ممن ينفق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من صغره . وإلا أن يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة فآخاه بهذا الاعتبار .
ولكن هذا التعليل الذي قدمه ابن كثير غير مقبول لأن المصادر ذكرت مؤاخاة حمزة ابن عبد المطلب لكلثوم بن الهدم وغيره , كما ذكرت مؤاخاة زيد بن حارثة لأسيد بن حضير .
كما أن المؤاخاة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعلي تقتضي التوارث , والنبي لا يورث كما جاء في الحديث , كما أن البلاذري ذكر مؤاخاة علي لسهل بن حنيف .
وكذلك فإن البلاذري ذكر وقوع مؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وحمزة وزيد بمكة
ونخلص من ذلك إلى أن هذه المؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وبين حمزة وزيد إذا كانت قد وقعت , فإنها مؤاخاة تقتضي المؤازرة والرفقة دون حقوق التوارث وأنها جرت في غير الوقت الذي أعلن فيه نظام المؤاخاة في دار أنس بن مالك .
وأخيراً فإن المؤاخاة التي شرعت بين المؤمنين باقية لم تنسخ سوى ما يترتب عليها من توارث فإنه منسوخ , وبوسع المؤمنين في كل عصر أن يتأخوا بينهم على المواساة والارتفاق والنصيحة ويترتب على مؤاخاتهم حقوق أخص من المؤاخاة العامة بين المؤمنين. والله نسأل ان يؤلف بين المؤمنين ويجعلهم أخوة متحابين متناصرين. والحمد لله رب العالمين.
الإثنين :25/03/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 11:05 AM
تشريع الجهاد
(الشبكة الإسلامية) الدكتور / أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة )
شرع الجهاد لأول مرة في العهد المدني ، وقبل ذلك كان المسلمون مأمورين بعدم استعمال القوة في مواجهة المشركين وأذاهم، فكان الشعار المعلن ( كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة ) (النساء :77) . فقد كانت الدعوة في المرحلة المكية جديدة مثل النبتة الصغيرة تحتاج إلى الماء والغذاء والوقت لترسخ جذورها وتقوى على مواجهة العواصف ، فلو واجهت الدعوة آنذاك المشركين بحد السيف فإنهم يجتثونها ويقضون عليها من أول الأمر ، فكانت الحكمة تقتضي أن يصبر المسلمون على أذى المشركين ، وأن يتجهوا إلى تربية أنفسهم ونشر دعوتهم.
فلما قامت للإسلام دولة في المدينة، شرع الله الجهاد دفاعاً عن النفس فقط في أول الأمر: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(الحج:39) . (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190) ثم أذن بمبادرة العدو للتمكين للعقيدة من الانتشار دون عقبات، ولصرف الفتنة عن الناس ليتمكنوا من اختيار الدين الحق بإرادتهم الحرة (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) (البقرة:193) .
وقد التزم المقاتلون المسلمون بضوابط الحق والعدل والرحمة، فسجل التاريخ لهم انضباطهم الدقيق، حيث لم ترد أية إشارة إلى القيام بمجازر، أو سلب الأموال، أو الاعتداء على الأعراض في المناطق المفتوحة مما يقع عادة في الحروب المدنية خلال مراحل التأريخ المختلفة . وقبل ذلك كله لم تفرض العقيدة الإسلامية بالقوة على سكان المناطق المفتوحة ، بل سمح لأهل الكتاب بالمحافظة على أديانهم الأخرى ، ولا زالوا يعيشون بأديانهم حتى الوقت الحاضر بسبب السماحة الدينية.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين للمسلمين ضرورة اقتران النية بالجهاد ، وأن لا يكون الدافع إلى القتال الحصول على الغنائم، أو الرغبة في الشهرة والمجد الشخصي، أو الوطني، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) رواه مسلم
بل لا بد من إخلاص النية لله بأن لا يقترن القصد من الجهاد بأي غرض دنيوي لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتغي به وجهه .
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تضمَّن الله لمن خرج في سبيله ، لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي ، وإيماناً بي ، وتصديقاً برسلي ، فهو عليَّ ضامن أن أدخله الجنة ، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة ، والذي نفس محمد بيده ما من كلم ـ جرح ـ يكلم في سبيل الله إلا ما جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم ، لونه لون دم ، وريحه مسك ، والذي نفس محمد بيده ، ! لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً ، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ، ولا يجدون سعة ، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني ، والذي نفس محمد بيده ! لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ) رواه مسلم.
ومن الصعب تقديم النماذج الكثيرة التي توضح أثر هذه التوجيهات النبوية على نفسية المقاتل المسلم ، ولكن يمكن اختيار نموذجين لمقاتلين من عامة الجند ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين أثناء القتال في غزوة أحد : ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ، فسمعه عمير بن الحمام الأنصاري فقال : يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض !؟ قال: نعم فقال بخ بخ ـ كلمة تقال لتعظيم الأمر في الخير ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن كون من أهلها . قال : فإنك من أهلها . فأخرج تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، قال : فرمي بما كان معه من التمر وقاتلهم حتى قتل ) رواه مسلم .
فهذا النموذج الأول.
وأما الثاني : فقد صح أن أعرابياً شهد فتح خبير، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أثناء المعركة أن يقسم له قسماً وكان غائبا ، فلما حضر أعطوه ما قسم له ، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما على هذا اتبعتك ، ولكني اتبعتك على أرمي هاهنا ـ وأشار إلى حلقه ـ بسهم فأدخل الجنة . قال : ( إن تصدق الله يصدقك ) قال : فلبثوا قليلا ، ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم بجبته ، وصلى الله عليه ودعا له ، فكان مما قال : ( اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيدا ، وأنا عليه شهيد ) مصنف عبد الرازق
فهذه الرواية شاهد قوي على ما يبلغه الإيمان من نفس أعرابي ألف حياة الغزوة والسلب والنهب في الجاهلية فإذا به لا يقبل ثمنا لجهاده إلا الجنة ، فكيف يبلغ الإيمان إذاً من نفوس الصفوة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! .
أقسام الجهاد
يكون الجهاد بالكلمة ، وبالمال ، وبالنفس ، وفيما يلي تعريف بكل قسم من هذه الأقسام :
الجهاد بالكلمة
إن المقصود بالجهاد بالكلمة هو الدعوة إلى الله تعالى ، ببيان العقيدة والشريعة وتربية الناس وفقها ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وتوجيه النصح للحاكم، وخاصة إذا كان جائراً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ) رواه أبو داود وقال : ( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) . أبو داود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ، وذلك لأن الناس تهاب الظالم ولا تنصحه مما يؤدي إلى الطغيان والانحراف عن الاستقامة والمخالفة لدين الله ، فكان أجر من يسعى إلى تقويم الحاكم الجائر عظيماً ، لأن عودته إلى الاستقامة وطاعة الله تعالى تؤدي إلى إحياء فريضة الجهاد في المجتمع، وتهيئة الأمة روحياً وجسمياً وفكرياً لمتطلباته .
الجهاد بالمال:
حض الإسلام على الجهاد بالمال ، لما له من أثر كبير في تجهيز الجيوش بالسلاح والأدوات والتدريب ، مما يقتضي صرف الأموال الوفيرة ، وتقوم الدولة في الوقت الحاضر بهذا الواجب، فتصرف من الموارد العامة على إعداد الجيوش ، وعند الحاجة، أو نقص الموارد، فيجب على أغنياء المسلمين دعم الجهاد بأموالهم ، قال تعالى : (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (التوبة:41) .
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أفضل ؟ فقال : ( مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ) رواه البخاري.
الجهاد بالنفس:
يحرص الإسلام على السلم ، ويدعو الناس إلى الدخول فيه ، كما يحرص على هدايتهم ، بالبيان والترغيب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ل علي رضي الله عنه . حين وجهه لقتال يهود خبير : ( لئن يهدي الله بك رجلا خبر من أن يكون لك حمر النعم ) رواه مسلم
ولكن الإسلام يحث أيضا على القتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الدين ، أو الدفع عن أرض المسلمين إذا هوجموا من عدوهم ، والجهاد بالنفس من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، إلا عندما تغزى أرض المسلمين فإنه يصبح فرض عين يقوم به كل قادر على القتال، قال تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات:15).
وخاتمة القول: إن الجهاد شرع في الوقت المناسب، وشرع لإقامة الحق والعدل، ونشر رسالة الإسلام وإزاحة العوائق من أمام هذه الرسالة لتصل للناس أجمعين، والله نسأله أن يرفع راية الجهاد وينصر المجاهدين في كل مكان والحمد لله رب العالمين.
الأحد :17/03/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 11:07 AM
الهجرة النبوية ومنعطف التأريخ
(الشبكة الإسلامية) أ.د/ أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة )
تطلق "الهجرة" على الترك والتخلي عن الشيء , فالمهاجر من هجر ما نهى الله عنه - كما في الحديث الشريف - , وهي بهذا المعنى مطلقة من قيود الزمان والمكان , إذ بوسع كل مسلم أن يكون مهاجراً بالالتزام بأوامر الله والهجر للمعاصي .
لكن الهجرة النبوية تتعلق بترك الموطن والانخلاع عن المكان بالتحول عنه الى موطن آخر ابتغاء مرضاة الله رغم شدة تعلق الانسان بموطنه وألفته للبيئة الطبيعية والاجتماعية فيه , وقد عبّر المهاجرون عن الحنين الى مكة بقوة وخاصة في أيامهم الأولى حيث تشتد لوعتهم .
وتحتاج الهجرة الى القدرة على التكيف مع الوسط الجديد "المدينة المنورة" حيث يختلف مناخها عن مناخ مكة فأصيب بعض المهاجرين بالحمى , كما يختلف اقتصادها الزراعي عن اقتصاد مكة التجاري , فضلاً عن ترك المهاجرين لاموالهم ومساكنهم بمكة . لكن الاستجابة للهجرة كانت أمراً إلهياً لابد من طاعته , واحتمال المشاق من أجل تنفيذه . فقد اختار الله مكان الهجرة , كما في الحديث الشريف "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة الى أرض بها نخل , فذهب وهلي الى أنها اليمامة أو هجر , فاذا هي المدينة يثرب" .
وما أن بدأ التنفيذ حتى مضت مواكب المهاجرين تترى نحو الموطن الجديد .. دار الهجرة .. وقد شاركت المرأة في حدث الهجرة المبارك منهن أم سلمة هند بنت أبي أمية التي تعرضت لأذى بالغ من المشركين الذين أرادوا منعها من الهجرة ثم استلوا ابنها الرضيع منها حتى خلعوا يده ..
لكنها صممت على الهجرة ونجحت في ذلك رغم الاخطار والمصاعب . وخلدت أسماء بنت أبي بكر ذكرها في التأريخ وحازت لقب ذات النطاقين عندما شقت نطاقها نصفين لتشد طعام المهاجرَين , رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وقد تتابعت هجرة النساء في الاسلام حتى شرعت في القرآن {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} - الممتحنة 10 - ونزلت الآيات الكريمة تأمر بالهجرة وتوضح فضلها منذ السنة التي وقعت فيها لغاية سنة 8هـ عند أوقفت الهجرة بعد فتح مكة واعلان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله ( لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة وإذا استنفرتم فانفروا ) .
والأمر بالهجرة الى المدينة لانها صارت مأرز الايمان وموطن الاسلام , وشرع فيها الجهاد لمواجهة الاعداء المتربصين بها من قريش واليهود والأعراب , فكان لابد من امدادها بالطاقة البشرية الكافية مما يفسر سبب نزول القرآن بهذه الآيات الواعدة للمهاجرين : {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله} - البقرة 218 - {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة} - النحل 41 - {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة} - النساء 100 - .
وقد حاز المهاجرون شرفاً عظيماً في الدنيا فضلاً عن ثواب الله ووعده الكريم , فقد اعتبروا اهل السبق في تأسيس دولة الاسلام فنالوا رضى الله والقربى منه {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم } - التوبة 100 - . وهكذا خلد الله ذكرهم في القرآن الذي يتعبد المسلمون بتلاوته الى آخر الزمان .
الهجرة من سنن النبيين عليهم السلام
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أول نبي يهاجر في سبيل الله بل مرّ بهذا الامتحان كثير من الانبياء .. وقد أخبرنا الله تعالى بأن ابراهيم عليه السلام هاجر من موطنه الى مصر وغيرها داعياً الى التوحيد , وأن يعقوب ويوسف عليهما السلام هاجرا من فلسطين الى مصر وأن لوطاً هجر قريته لفسادها وعدم استجابتها لدعوته . وأن موسى عليه السلام هاجر بقومه من مصر الى سيناء فراراً بدينه من طغيان فرعون .
وهكذا فان الهجرة من سنن النبيين , وقد كانت هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام خاتمة لهجرات النبيين . وكانت نتائجها عميقة شكلت منعطفاً تاريخياً حاسماً .
المنعطف الحاسم
لقد أدت الهجرة الى قيام دولة الاسلام في المدينة , والتي أرست ركائز المجتمع الاسلامي على أساس من الوحدة والمحبة والتكافل والتآخي والحرية والمساواة وضمان الحقوق , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو رئيس هذه الدولة وقائد جيوشها وكبير قضاتها ومعلمها الأول . وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم شريعة الاسلام , وكان القرآن ينزل بها منجماً , فكان الصحابة يدرسون ما ينزل ويطبقونه على أنفسهم , ويتعلمون تفسيره وبيانه من النبي صلى الله عليه وسلم فتكون جيل رباني تمكن من الجمع بين عبادة الله وعمران الحياة وعمل تحت شعار : اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا .
وفي خلال عقد واحد توحد معظم الجزيرة العربية في ظل الإسلام ، ثم انتشر في خلال عقود قليلة تالية ليعم منطقة واسعة امتدت من السند شرقاً الى المحيط الأطلسي غرباً حيث آمن الناس بالاسلام ، واستظلوا بشريعته العادلة واقاموا حضارة زاهرة آتت أكلها قروناً طويلة في حقول التشريع والتربية وعلوم الكون والطبيعة , فكانت أعظم آية . والحمد لله رب العالمين.
الجمعة :15/03/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 11:09 AM
أحداث بين غزوة الطائف وغزوة تبوك
(الشبكة الإسلامية)
كانت حياته صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه حياة جِدِّ وعمل ، ومما يدل على ذلك أحداث السيرة العطرة ، التي يراها الناظر متتابعة متلاحقة في إنجازاتها العظيمة التي تدل ولا شك على عظمة القائد ، وجَلده وصبره في تبليغ الحق الذي جاء به ، والثبات عليه مهما كانت الصعاب والعقبات ، ومعه في ذلك الطريق أصحابه الكرام .
فبعد غزوة الطائف التي كانت في شوال سنة 8هـ ، لحقتها عدة أحداث نوجزها باختصار :
1-قدوم وفد هوازن
حيث أقبلوا مسلمين طائعين مبايعين ، وكان عددهم أربعة عشر رجلاً ، ويرأسهم زهير بن صُرَد ، وفيهم أبو بُرْقَان عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، وكان من جملة ما طلبوا من الرسول أن يعيد إليهم السبايا التي أصابها المسلمون منهم ، فأجابهم النبي الكريم إلى ذلك بعد استشارة أصحابه ، واستطابة خاطرهم .
2-أداء العمرة
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقسمة غنائم حنين في الجعرانة ، حيث أخّر قسمتها ، أملاً في قدوم وفد هوازن تائبين ، فتُعاد إليهم ، ولما لم يأته أحد قسمها ، ثم أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة منها ، وبعد انتهاء العمرة انصرف من مكة عائداً إلى المدينة بعد تولية عتّاب بن أسيد على مكة ، وكان دخوله المدينة أواخر ذي القعدة سنة 8هـ .
3-البعوث
بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، بدأ أوائل سنة 9هـ في بعث الوفود إلى القبائل ، فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم ، ويزيد بن الحصين إلى أسلم وغفار ، وعباد بن بشر الأشهلي إلى سُليم ومزينة ، ورافع بن مكيث إلى جهينة ، وعمرو بن العاص إلى بني فزارة ، والضحاك بن سفيان إلى بني كلاب ، وبشير بن سفيان إلى بني كعب ، وابن اللّتبية الأزدي إلى بني ذبيان ، والمهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء ، وزياد بن لبيد إلى حضرموت ، وعدي بن حاتم إلى طيئ وبني أسد ، ومالك بن نويرة إلى بني حنظلة ، والزِّبْرِقَان بن بدر وقيس بن عاصم إلى بني سعد ، والعلاء بن الحضرمي إلى البحرين ، وعلي بن أبي طالب إلى نجران .
وكانت هذه البعوث تقوم بالدعوة إلى الله ، وتعليم الناس أمور دينهم ، وجمع الصدقات ، وأخذ الجزية .
4-السرايا
وكما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم البعوث ذات الطابع السِّلمي ، أرسل السرايا التي يغلب عليها الطابع العسكري الجهادي من أجل الوقوف بحزم مع أولئك الذين يثيرون القلاقل بين حين وآخر :
فكانت سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم ، في خمسين فارساً .
وسرية قُطبة بن عامر إلى حي من خثعم ، في عشرين رجلاً .
وسرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب .
وسرية علقمة بن مُجزِّر المُدلجي إلى سواحل جُدَّة ، في ثلاثمائة .
وسرية علي بن أبي طالب إلى صنم لطيئ من أجل هدمه ، في خمسين ومائة .
وكانت نتائج هذه السرايا انتصار المسلمين ، وكسب الغنائم ، مع نيل الشهادة لبعض القادة والمقودين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
تلك بعض الأحداث التي كانت بين غزوتي الطائف وتبوك ، وهي تدل على الصبر والجلد عند أولئك الرجال العظام ، وكيف أنهم كانوا يواصلون الخير والعطاء ، ونشر الهداية بين الناس ، والجهاد في سبيل الله باللسان والسنان دون كلل أو ملل ، وفي ذلك درسٌ عظيم لأمة الإسلام كي تنهض من كبوتها ، وتأخذ بهدي نبيها ، عسى الله أن يجعل لها من بعد عُسرها يُسرا ، والله ولي المؤمنين والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 11:11 AM
الكتب والرسائل
(الشبكة الإسلامية)
صلح الحديبية بين المسلمين وقريش أتاح فرصة عظيمة للمسلمين للتوجه نحو النشاط الدعوي ، وبداية مرحلة جديدة ، وهي نقل الدعوة الإسلامية إلى أكبر عدد من الناس عن طريق مخاطبة الملوك والأمراء .
وبدأت هذه المرحلة من أواخر السنة السادسة ؛ حيث انطلق الرسل يحملون الخير ، ونور الهداية ، من خلال رسائل وخطابات مختومة بختم النبي صلى الله عليه وسلم ، وموجهة إلى الزعماء ، تدعوهم إلى الإسلام والدخول فيه ، لينالوا ملك الدنيا والآخرة ، ويسعدوا بالسعادة الحقيقية ، التي لا تكون إلا بالعبودية لله بحق ، والبعد عن عبادة غيره ، أو الشرك به ، وهذه هي دعوة الله للناس جميعاً ، قال تعالى : {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(النحل : 36) .
فتوجهت الكتب والرسائل إلى النجاشي ملك الحبشة ، وإلى المقوقس ملك مصر ، وإلى كسرى ملك فارس ، وإلى قيصر ملك الروم ، وإلى المنذر بن ساوى حاكم البحرين ، وإلى هوذة بن علي صاحب اليمامة ، وإلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق ، وإلى ملك عُمان جيفر بن الجلندي
.
وكانت تلك الخطابات تحمل في طيّاتها الرأفة ومحبة الخير والهداية لهم ، فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على إسلامهم حرصه على بلوغهم الدعوة الربانية الصافية من كل شائبة ؛ ولذلك عمل بالوسائل الممكنة والمتاحة من انتقاء الرسل ، واختيار الأسلوب المناسب لمضمون كل خطاب .
ومع ذلك تبقى الهداية فضلاً من الله يؤتيه من يشاء ، ويمنعه عمن يشاء ، فآمن بعض الملوك ، واتبع الهدى ، فأنقذ نفسه وقومه من ظلمات الكفر ، وبقي البعض على الكفر يتخبط في ظلامه ، طمعاً في جاهٍ زائل ، أو حرصاً على دنيا فانية ، أو خوفاً من حاشيته وقومه، قال تعالى : {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين }(القصص : 56) .
وبذلك يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد نقل دعوته المباركة إلى ملوك الأرض ، وعرفهم بالدين الجديد الذي يكفل لأتباعه سعادة الدارين .
ومن خلال هذا المنبر ندعو الناس جميعاً للدخول في الإسلام ، الذي جاء بالأمن والسلام ، والسعادة والاطمئنان ، والحذر من الشرك بالله {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما}(النساء : 48) .
السبت :15/02/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 11:12 AM
غزوة حنين
(الشبكة الإسلامية)
كان فتح مكة أعظم فتح لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فبهذا الفتح أحكم المسلمون السيطرة على الجزيرة العربية عموماً، وأصبحوا سادتها، ومن ثَمَّ انزعجت القبائل المجاورة لقريش من انتصار المسلمين ، خاصة هوازن و ثقيف فإنهما فزعتا من أن تكون الضربة القادمة من نصيبهم، فقالوا: لِنغزوا محمداً قبل أن يغزونا، واستعانت هاتان القبيلتان بالقبائل المجاورة ، وقرروا أن يكون مالك بن عوف - سيد بني هوازن - قائد جيوش هذه القبائل التي ستحارب المسلمين.
ثم بدأ مالك في إعداد العدة والتخطيط لخوض الحرب ضد المسلمين، وكان مالك شجاعاً مقداماً، لكنه سقيم الرأي، قليل التجربة، فقد جعل من ضمن خطته أن يخرج معهم النساء والأطفال والمواشي والأموال ويجعلوهم في آخر الجيش، ليشعر كل رجل وهو يقاتل أن ثروته وحرمته وراءه فلا يفر عنها. وهذا من جهله، فإن الهارب من ساحة القتال لا يرده شيء وقد انخلع قلبه وخاف، ولكن أراد الله أن تكون نساؤهم وأموالهم غنيمة للمسلمين.
ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك خرج إليهم في أصحابه وكان ذلك في شهر شوال من العام الثامن للهجرة، وكان عدد المسلمين اثني عشر ألفاً من المجاهدين، عشرة آلاف من الذين شهدوا فتح مكة ، وألفان ممن أسلموا بعد الفتح من قريش .
ونظر المسلمون إلى جيشهم الكبير فاغتروا بالكثرة، وقالوا لن نغلب اليوم من قلة، لأنهم وهم قلة كانوا يكسبون المعارك، فكيف وهم اليوم يخرجون في عدد لم يجمعوا مثله من قبل، حيث بلغ عددهم اثنا عشر ألفاً، ولكنْ أراد الله لهم أن يعرفوا أن الغلبة ليست بالكثرة، قال تعالى: {ويومَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعجبتْكم كَثْرَتكُمْ فلم تُغنِ عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأَرض بما رحُبت ثمَّ ولَّيْتُمْ مُدْبرين} (التوبة:25)
وبلغ العدو خبر خروج المسلمين إليهم، فأقاموا كميناً للمسلمين عند مدخل الوادي، وكان عددهم عشرين ألفاً .
وأقبل الرسول صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى نزلوا بالوادي . وكان الوقت قبيل الفجر ، والظلام يخيم على وادي حنين. وفوجئ المسلمون عند دخول الوادي بوابل من السهام تنهال عليهم من كل مكان . فطاش صواب طائفة من الجيش ، واهتزت صفوفهم، وفر عددٌ منهم . ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم تراجع بعض المسلمين نادى فيهم بقوله:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم العباس أن ينادي في الناس ، فقال : يا معشر الأنصار، يا معشر المهاجرين، يا أصحاب الشجرة - أي أصحاب البيعة - . فحركت هذه الكلمات مشاعر الإيمان والشجاعة في نفوس المسلمين ، فأجابوه : لبيك يا رسول الله لبيك .
وانتظم الجيش مرةً أخرى ، واشتد القتال . وأشرف الرسول صلى الله عليه وسلم على المعركة وقال (الآن حمي الوطيس) رواه مسلم - أي اشتدت الحرب - . وما هي إلا ساعة حتى انهزم المشركون ، وولوا الأدبار تاركين غنائم هائلة من النساء والأموال والأولاد، حتى إن عدد الأسرى من الكفار بلغ في ذلك اليوم ستة آلاف أسير، وهكذا تحولت الهزيمة إلى نصر بفضل الله تعالى ورحمته، ومرت الأيام فإذا بوفد من هوازن يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يعلن ولاءه للإسلام ، وجاء وفد من ثقيف أيضاً يعلن إسلامه . وأصبح الذين اقتتلوا بالأمس إخواناً في دين الله.
وكانت حنين درساً استفاد منه المسلمون، فتعلموا أن النصر ليس بكثرة العدد والعدة، وأن الاعتزاز بذلك ليس من أخلاق المسلمين، وإنما الاعتماد على الله وحده، والثقة بنصره بعد فعل الأسباب، وأن ينصروا الله تعالى، فمن ينصر الله ينصره، قال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}. (محمد:7). والحمد لله رب العالمين.
الثلاثاء:17/09/2002
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 11:13 AM
حركات جهادية بين مؤته وفتح مكة
(الشبكة الإسلامية)
بعد أن قويت شوكة الإسلام وأرسى دعائم دولته ، دخلت فيه بعض القبائل ، ولَمّا يتمكن الإيمان من قلوبها ، ولم تكن مهيأة بعد لاحتمال مشاق الدعوة وعقبات الطريق ...وإن شئت قل : إن دخول تلك القبائل في الإسلام لم يكن موقفاً خالياً من المصالح الذاتية التي بدت لهم ، ولذلك نجدهم يتراجعون عند أول صدمة ، بل ينتهزون الفرص لبث الفوضى ، وإثارة القلاقل ، وتأليب الناس على المسلمين . وهذا ما كان من شأن قبائل قُضاعة .
فبعد عودة المسلمين من غزوة مؤتة إلى المدينة ، جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً يتكون من ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار بقيادة عمرو بن العاص إلى "ذات السلاسل" - بمشارف الشام- بهدف تأديب قبائل قُضاعة التي غرّها ما أصاب المسلمين في مؤته ، مما دفعها إلى التعاون مع الروم ، والعمل على مهاجمة المدينة .
وعندما وصل عمرو إلى القوم ورأى كثرة تجمعهم ، أرسل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يخبره بأمرهم ، فأمدّه بمائتي مجاهد بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ، فاتحدوا جميعاً ، واتجهوا إلى بلاد قُضاعة ، حتى أتوا على أقصى البلاد ، وفرقوا جمعهم ، وحمل المسلمون على من بقي منهم فلم يثبتوا أمام المؤمنين ، وفروا هاربين منهزمين ، وكتب الله النصر لعباده ، ونجح المسلمون في إرجاع هيبة الإسلام بأطراف الجزيرة الشمالية ، ناحية الشام ، مما كان له الأثر في عودة القبائل إلى أحلافها مع المسلمين ، وإسلام الكثيرين من بني عبس وذبيان ومرة وفزارة ، ثم تبعهم بنو سُليم وعلى رأسهم العباس بن مرداس ، وبنو أشجع ، حتى قوي شأن المسلمين ، ووافق بعث هذه السرية في جمادى الآخرة سنة 8 هـ .
وفي رجب من العام نفسه لحقتها سرية الخبط ، بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ، في ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار ، وزودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جراباً من تمر ، فكان أبو عبيدة يقبض لهم قبضة ثم تمرة تمرة ، فكان أحدهم يلوكها ، ويشرب عليها الماء ، فلما نفد ما عندهم أكلوا الخبط - ورق السمر- ، وأصابهم جوع شديد ، ثم أنعم الله عليم بحوت ضخم ، يقال له "العنبر" ، ألقى به البحر إليهم ميتاً ، فأكلوا منه حتى شبعوا ، وأحضروا منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الصحيح : ( كلوا رزقاً أخرجه الله ، أطعمونا إن كان معكم ، فأتاه بعضهم بعضو ، فأكله ) متفق عليه .
وفي شعبان من العام نفسه لحقتها سرية " أبي قتادة " ومعه عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة ، لكسر شوكة قيس بن رفاعة الذي كان يريد جمع قيسٍ على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عدد السرية خمسة عشر رجلاً ، فتم قتل زعيمهم ، وشُرِّد أتباعه ، وعاد المسلمون إلى المدينة منتصرين غانمين .
وفي أول شهر رمضان سنة 8هـ اتجهت سرية لأبي قتادة إلى بطن إِضَم - موضع ماء بين مكة واليمامة - ، في ثمانية نفر ، بهدف التمويه على قريش ، لتذهب الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجه إلى تلك الناحية .
تلك البعوث الجهادية وغيرها يؤخذ منها دروس وعبر ، تتعلق بتدريب القادة العظام ، وتأهيل المجاهدين الأفذاذ , والتربية على الصبر والطاعة ، والعمل على تأمين حدود دولة الإسلام ، وإعادة ضعاف القلوب إلى الإسلام ، وإيقاف من تسول له نفسه المساس بالمسلمين عند حده ، فأهل الإسلام قد يُبتلون في بعض المواقف ، كما كان الأمر في غزوة أحد ومؤته ، لكنهم سرعان ما يعودون إلى كسب النصر والتأييد والتمكين ، بتوفيق الله لهم وإنجاز وعده .
وذلك لأنهم أصحاب الدين الخاتم ، الذي يحمل للإنسانية الخير والسعادة ، فهم يهدفون في كل تحركاتهم نفع الناس ، بدعوتهم إلى توحيد الله وعبادته واتباع دينه ، قال تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إلا عَلَى الظَّالِمِينَ } (البقرة:193) ، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:01/07/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 11:16 AM
فوائد من فتح مكة ( 1 )
(الشبكة الإسلامية)
كان فتح مكة أهم فتح للإسلام والمسلمين ، أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم خاصة والمسلمين عامة ، فقد جاء هذا الفتح المبارك بعد سنوات متواصلة من الدعوة والجهاد لتبليغ رسالة الإسلام ، فتوج مرحلة مهمة من مراحل الدعوة الإسلامية ، وكان أشبه ما يكون بنهاية المطاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الدار ، وبداية المطاف لمن بعده لإتمام مهمة نشر الدعوة في أرجاء الأرض كافة .
ولا نبعد عن الصواب إذا قلنا : إن فتح مكة يحمل من الدلالات والفوائد والعبر ما لا يحيط به كتاب فضلا أن يحيط به مقال كهذا ، وحسبنا في هذا المقام أن نقف عند بعض الفوائد والدلائل التي حملها ذلك الحدث التاريخي ، لنعرف أهميته في تاريخ الإسلام ، وندرك مكانته في مسيرة الدعوة إلى الله سبحانه .
إن من أولى فوائد فتح مكة أنه انتزع تلك البقعة المباركة من براثن الشرك، وضمها لحمى التوحيد . فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فكان من أول ما فعل أن كسَّر الأصنام المنصوبة حول الكعبة المشرفة، وهو يردد قوله تعالى:{ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} ( الإسراء : 81 ) وقوله : { قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }(سـبأ:49) ، وصعد بلال على سطح الكعبة وصدح بالأذان ، فكانت كلماته تتردد في أرجاء مكة معلنة انتهاء عهد الخرافة والشرك ، وبدء عصر النور والتوحيد .
وقد كان من فوائد فتح مكة رفعُ سيف الكفر المسلط على رقاب المستضعفين من أهل مكة - سواء ممن أسلم ، أو ممن كان يرغب في الإسلام - الذين أرهبهم سيف قريش ، وسَلَبَ حقهم في اختيار الدين الحق ، فجاء ذاك الفتح ليرفع السيف عن رقابهم وليدخلوا في دين الله دون خوف أو وجل .
ومما أسفر عنه هذا الفتح العظيم تحطيم وإزالة رهبة قريش من قلوب قبائل العرب ، التي كانت تؤخر إسلامها لترى ما يؤول إليه حال قريش من نصر أو هزيمة، روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة : " أن العرب كانت تَلَوَّمُ - تنتظر - بإسلامها الفتح ، يقولون انظروا فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم " .
وكان من فوائد هذا النصر المبارك زيادة إيمان المؤمنين بتحقق وعد ربهم ، دخول البيت والطواف به ، بعد أن منعهم منه المشركون، فقال سبحانه { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُون }( الفتح: من الآية27) .
ومن فوائد فتح مكة اكتساب المسلمين شرف حماية البيت وخدمته ، مما جعل لهم من المكانة عند العرب نظير ما كان لقريش من قبل ، بل وأعظم .
ومن فوائد فتح مكة تضعضع مركز الكفر والشرك في جزيرة العرب ، وتحول رؤوس الكفر إلى القتال على جبهات ليس لها منزلة ولا مكانة عند العرب كثقيف وهوازن ، وما هي إلا جولة أو جولتان حتى خضعت جزيرة العرب للحكم الإسلامي ، وأصبحت الجزيرة مركزاً لنشر الدين الجديد وانطلقت الجيوش المسلمة الفاتحة لتدك عروش كسرى وقيصر ، ولتخضع أكبر إمبراطوريات الشر لحكم الدين الإسلامي.
ومن أهم الدلالات التي أفصح عنها فتح مكة موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها الذين ناصبوه العداء منذ أن بدأ بتبليغ دعوته ، فبعد أن أكرمه الله عز وجل بدخول مكة توجه إلى أهلها ليقول لهم ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) رواه البيهقي فيا له من موقف كريم يليق بمن أرسله الله رحمة للعالمين .
هذه بعض فوائد فتح مكة ، ذلكم الفتح الذي ليس ثمة فتح يوازيه في مكانته وأهميته ، حتى سماه العلماء الفتح العظيم ، وذلك لما ترتب عليه من نتائج عظيمة ليس أقلها إعادة أعظم بقعة في الأرض من براثن الشرك إلى حمى التوحيد ، وليس أدناها اقتران هذا الفتح المبارك بدخول الناس في دين الله أفواجاً ، كما قال تعالى { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } ( النصر:1-3 ) ، نسأل الله أن يفتح لهذه الأمة سبل العزة والكرامة ويدفع عنها ما يراد بها ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الأحد :12/01/2003
ممدوح عبدالله البلوي
07-20-2004, 11:18 AM
غزوة مؤتة
(الشبكة الإسلامية)
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي رسولاً إلى ملك بصرى من أرض الشام يدعوه إلى الإسلام ، فما كان من ملك بصرى إلا أن قتل رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس للخروج ومقاتلة الروم ، فسرعان ما اجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف مقاتل ، فعقد الراية لثلاثة منهم وجعل إمرتهم بالتناوب ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ) رواه البخاري ومسلم ، فتجهز الناس وخرجوا ، وكان ذلك يوم الجمعة من السنة الثامنة للهجرة النبوية ، وودعهم المسلمون قائلين : " صحبكم الله ، ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين ، فقال عبد الله بن رواحة :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبــدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
وسار المسلمون حتى نزلوا معانا - اسم قرية - من أرض الشام ، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ، وانضم إليه مائة ألف أخرى من القبائل العربية الموالية له كلخم ، وجذام ، وبلقين ، وبهراء ، فاجتمع لهرقل مائتي ألف مقاتل ، فعقد المسلمون مجلسا للتشاور ، فقال بعضهم : نكتب للنبي صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له ، فقام عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، وقال لهم : يا قوم والله للذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة ، ما نقاتل الناس بعدد ، ولا عدة ، ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور ، وإما شهادة ، فقال الناس : صدق والله ابن رواحة ، فمضوا حتى إذا قاربوا البلقاء - منطقة بالشام - ، لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية يقال لها مشارف ، فدنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة وتسمى اليوم بالكرك ، فالتقى الناس عندها ، فتجهز المسلمون وجعلوا على ميمنة الجيش قطبة بن قتاة رجل من بني عذرة ، وعلى الميسرة عباية بن مالك رجل من الأنصار .
والتحم الجيشان وحمي الوطيس ، واقتتلوا قتالا شديداً ، وقتل أول قادة المسلمين زيد بن حارثة رضي الله عنه ، مقبلاً غير مدبر ، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب بيمينه ، وأخذ ينشد :
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
علي إن لا قيتها ضرابها
فقطعت يمينه رضي الله عنه ، فأخذ الراية بشماله فقطعت ، فاحتضنها بعضديه حتى قتل رضي الله عنه ، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، ثم تقدم بها على فرسه فجعل يستنزل نفسه ، ويقول :
أقسمت يا نفس لتنزلن لتنزلنه أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة ما لي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنة هل أنت إلا نطفة في شنة
ثم تقدم رضي الله عنه فقاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية ثابت بن أرقم فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، فقالوا : أنت فقال : ما أنا بفاعل ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد .
وبعد أن استلم الإمرة خالد انتهج خطة جديدة في مواجهة العدو حيث حوَّل الميسرة ميمنة ، والميمنة ميسرة ، والمؤخرة مقدمة والعكس ، فظن الروم أن المسلمين جاءهم مدد ، فلما حمل عليهم المسلمون هزموهم بإذن الله ، غير أن خالدا لم يتبع أدبارهم بل رجع بالجيش إلى المدينة وهناك عاتبهم المسلمون ، قائلين لهم : لهم أنتم الفرار فقال صلى الله عليه وسلم بل هم الكرار إن شاء الله .
هذه هي غزوة مؤتة تكاد تتفجر عظة وعبرة ، فما إن يقرأ القارئ هذه الأحداث إلا ويجد الإعجاب قد عقد لسانه ، فأي بشر هؤلاء ، يقفون بجيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل أمام جيش هائل قوامه مائتي ألف مقاتل ، إن تصورا سريعا للقوتين ليعطي نتائج حاسمة بانتصار الجيش الكبير على الجيش المقابل ، ومع ذلك يتقدم المسلمون على قلة عددهم ، وضعف عُدَدَهِم - آلة الحرب - ليضربوا أعظم صور التضحية والفداء ، بل ولينتصروا على ذلك العدو ، في أعظم مهزلة يتعرض لها جيش الإمبراطورية الرومانية ، إن غزوة مؤتة بكل المقاييس العسكرية معجزة من المعجزات ، وكرامة من الكرامات ، لقد وضعت معركة مؤتة القاعدة العسكرية الإسلامية في مواجهة العدو ، فنحن لا نقاتل بعدد ولا عدة ولكن نقاتل بهذا الدين ، فإذا تمحض قتالنا نصرة لدين الله ، وقمنا - ما استطعنا - بما أوجبه الله علينا من الأخذ بالأسباب الظاهرة ، كان النصر حليفنا بإذن الله .
إن ما يتمتع به المسلم من حب البذل والتضحية بالنفس والمال في سبيل هذا الدين نابع من إيمانه بالله ويقينه بما عنده ، فهل تُحيا في الأمة هذه البسالة ، وهل نستخلص من غزوة مؤتة - خاصة - وتاريخ المسلمين الجهادي - عامة - دروسا تزرع التضحية والفداء في قلوب فتيانه حتى يعود للأمة سابق مجدها وغابر عزها ، نسأل المولى الكريم أن يردنا إلى ديننا ردا جميلا إن ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.
السبت :22/06/2002
أحمد بن حمودالعرادي
05-30-2005, 06:32 PM
شكراً لك على هذا المشاركة
ماهر سالم العرادي
06-13-2005, 04:25 PM
جزاكم الله خير الجزاء
vBulletin® v4.2.5, Copyright ©2000-2024, تصميم الوتين (عبدالمنعم البلوي )watein.com