نواف النجيدي
12-25-2005, 11:56 PM
نقلا عن الكاتب : فتى الأدغال
الكتابُ الأوّل : موت الغرب
<LI dir=rtl>
المؤلف : باتريك جيه . بوكانن
<LI dir=rtl>
ترجمهُ : محمد محمود التوبة ، وراجعه : محمد بن حامد الأحمري
الناشر : مكتبة العبيكان
يعتبرُ هذا الكتابُ أحدَ أكثرَ الكتبِ التي أثارتْ جدلاً في الغربِ في الآونةِ الأخيرةِ ، فهو فضلاً عن تقديمهِ لرؤيةٍ غيرِ مألوفةٍ لدى شرائحَ واسعةٍ من الشعوبِ الغربيّةِ ، يضيفُ كمّاً هائلاً وواسعاً من المعلوماتِ المُبهرةِ الدقيقةِ ، ويقدّمها كدليلٍ وبرهانٍ على آراءهِ الخاصّةِ في كتابهِ .
خلاصةُ الكتابِ هي أنَّ الغربَ يشهدُ الآن فترةَ احتضارٍ قد تطولُ إلا أنّ نهايتها حتميّةٌ ، وأنَّ الحضارةَ الغربيّةَ المُحكمةَ القويّةَ في ظاهرِها ، والتي تتربّعُ على موقعِ القمّةِ فيها الولاياتُ المُتحدّةُ الأمريكيّةُ ، كلُّ ذلكَ سوف ينقرضُ قريباً ، وهي تعيشُ الآن فصولها التأريخيّةَ الأخيرةَ ، فالغربُ نفسهُ لا يريدُ لحضارتهِ أن تدومَ وتتواصلَ بحسبِ رأي الكاتبِ .
ويبرهن الكاتبُ باتريك بوكانن – وهو أمريكيٌّ عملَ مُستشاراً لثلاثةِ رؤساءَ ومرشّحٌ رئاسيٌّ سابقٌ لعامِ 2000 - على كلامهِ بمعطياتٍ عدّةٍ ، تُشيرُ كلُّ واحدةٍ منها إلى خطرٍ داهمٍ يُهدّدُ الحضارةَ الغربيّةَ ، فما بينَ خطرِ انكماشِ عددِ المواليدِ من السكانِ الأصليينَ وتوسّعِ حركاتِ الهجرةِ إلى الدولِ الغربيّةِ ، إلى انتشارِ موجاتِ الرذيلةِ والدعواتِ إلى الإجهاضِ مما تسبّبَ في انهيارِ العائلةِ وتفّككِ المُجتمعِ ، مروراً بتفشّي الإلحادِ وانحسارِ التديّنِ وهو أعظمُ أسبابِ زوالِ الحضاراتِ ، وظهور وتنامي الحركاتِ المناهضةِ للثقافات الغربيّةِ إلى حدِّ الهيمنةِ عليها ، ويأتي على رأسِ هذه الحركاتِ الدينُ الإسلاميُّ ، والذي يشهد صحوةً عظيمةً كما يعبرُ عن ذلك الكاتبُ ، إضافةً إلى أنَّ الغربَ يشهدُ حركةَ تشرذمٍ فظيعةً ، أدّتْ بهِ إلى الانقسامِ الداخليِّ والخارجيِّ .
يحتوي الكتابُ على أرقامٍ وإحصائياتٍ موثقةٍ ، عن تدنّي عددِ المواليدِ في الغربِ ، وفي المقابلِ يشهدُ العالمُ الإسلاميُّ تزايداً مُذهلاً في عددِ المواليدِ ، وهو ما يعبرُ عنهُ الكاتبُ بقولهِ : " ومن الصعبِ اليومَ أن تجدُ أمّةً غربيّةً لا يموتُ فيها السكّانُ المحلّيونَ ، ومن الصعبِ على الغرارِ نفسهِ أن تجدَ أمّةً إسلاميّةً لا ينفجرُ فيها عددُ السكّانِ المحليينَ " ص 229 .
كما يُشيرُ الكاتبُ إلى صحوةٍ عظيمةٍ للإسلامِ والمسلمينَ ، تمثّلتْ في وصولِ الجماعاتِ الإسلاميّةِ إلى سُدّةِ الحكمِ في بعضِ الدولِ ، كما أنّهُ قامَ بعقدِ مقارنةٍ بينَ حركةِ التديّنِ النصرانيِّ في الشارعِ الأوروبيِّ ، ومظاهرِ التديّنِ في أوساطِ المسلمينَ هناكَ ، ليخرجَ بنتيجةٍ تؤكّدُ على قوّةِ الإسلامِ وعودتهِ من جديدٍ ، بل يذكرُ أنَّ الكنائسَ في أوروبا تكادُ تكونُ فارغةً والصلواتُ تموتُ ، بينما تمتلئُ المساجدُ بالمسلمينَ في الصلواتِ هناكَ .
الكتابُ مُذهلٌ بحقٍّ ، لا يمكنُ للباحثِ الاستغناءُ عنهُ ، لاسيّما من يبحثُ في شئونِ الفكرِ الإسلاميِّ وعلاقةِ التواصلِ أو التصادمِ مع الغربِ ، وما بأيدينا من موعودِ اللهِ تباركَ وتعالى بالنصرِ والتمكينِ لأوليائهِ في الأرضِ ، وخذلانِ أعدائهِ ، يُسطّرُ هذا الكاتبُ بعضهُ في كتابهِ ، ليُعلنَ أنَّ الغربَ يواجهُ مخاطرَ عظيمةً جداً ، وليسَ لهُ قدرةٌ على تجاوزها ، وهذه المخاطرُ سوفُ تئولُ بهِ إلى الموتِ والاندثارِ .
كما أنَّ هذا الكتابَ صفعةٌ في وجهِ دعاةِ التغريبِ والتحرّرِ الأخلاقيِّ والتقليلِ من شأنِ التديّنِ من الليبراليينَ والعلمانيينَ ، ودعاةِ التلاقي الفكريِّ والثقافيِّ وإذابةِ الولاءِ والبراءِ ودمجِ الآخرِ في المُجتمعِ !! ، فسيجدونَ فيهِ رداً على أحلامهم وأوهامهم ، عندما يقرأونَ لكاتبِ غربيٍّ مخضرمٍ يؤكّدُ لهم أنَّ الحلَّ في بقاءِ الأممِ هو الفضيلةُ والحصانةُ الفكريّةُ والثقافيّةُ على شعوبِها ومجتمعاتِها ، وأنَّ غزواتِ المهاجرينَ وانقطاعِ الصلةِ بالماضي والتراثِ يودّي كلُّ ذلك إلى موتِ الحضارةِ وتلاشي الأممِ .
الكتابُ الثاني : مذكرات الدكتور معروف الدواليبي
http://www.obeikanbookshops.com/pics/books/6001019.gif
<LI dir=rtl>
المؤلف : الدكتور معروف الدواليبي
<LI dir=rtl>
إعداد : الدكتور عبد القدوس أبو صالح ، وتحرير الدكتور محمد علي الهاشمي
الناشر : مكتبة العبيكان
عادةً ما تأخذُ المذكراتُ أهميّتها من أهمّيةِ الشخصيّةِ التي تكتبُها ، ودورِهِ في الأحداثِ الاجتماعيّةِ أو السياسيّةِ ، وبقدرِ ما تكبرُ أدوارهُ تكونُ لمذكراتهِ قيمةٌ وشأنٌ .
الدكتور محمد معروف الدواليبي – بلَّ اللهُ ثراهُ بمزونِ الرحمةِ - هو أحدُ هؤلاءِ الذين إذا كتبوا مذكراتِهم ملئوها بالأحداثِ والفصولِ المهمّةِ ، لاسيّما والرّجلُ عاشَ فترةً طويلةً يعملُ في ميادينِ السياسةِ ، فقد شهدَ عصرَ انحسارِ الاستعمارِ الخارجيِّ عن كثيرٍ من بلدانِ العالمِ الإسلاميِّ ، لتقعَ فيما بعدُ ضحيّةً للاستعمارِ الداخليِّ وقوى الاستبدادِ والتسلّطِ والطغيانِ ، فقد كان أولئكَ الطغاةُ لا تهدأ لهم ساكنةٌ إلا بانقلابٍ جديدٍ وثورةٍ عسكريةٍ تدكُّ الشعوبَ .
كما أنّهُ عايشَ عن قربٍ ضراوةَ الحربِ الباردةِ ، ومحاولةَ السيطرةِ على العالمِ العربيِّ والإسلاميِّ وثرواتِهما ، ونشرَ فصولاً مهمّةً عن تلك الحقبةِ .
يقولُ علي الطنطاويُّ – رحمهُ اللهُ في شأنِ الدواليبيِّ ومذكراتهِ " : و أنا اقترحُ علي الجريدةِ أن تبعثَ إليه من يسمعُ منه هذا الحديثَ و يكتبهُ ، و كيف نجا على يدهِ مفتي فلسطينَ الحاج أمين الحسيني - رحمه اللهُ - من براثنِ الحلفاءِ - تجدها كاملةً في مذكراتِ الدّواليبيِّ ص 76 وما بعدها - ، و ما صنعَ مما هو أقربُ إلى الأساطيرِ منهُ إلى الواقعِ ، و إن شئتم ما هو خيرٌ في ذلك و أجدى على الجريدةِ و قرّائها , و أنفعُ للتاريخِ , فاستكتبوهُ مذكراتهِ و ستجدونها من أغنى الذكرياتِ بالمعلوماتِ " ذكريات علي الطنطاوي 5/113.
لدى الدكتور الدواليبي الكثيرُ ممّا يمكنُ قولهُ ، ربّما أكثرَ بمراحلَ ممّا سطّرهُ وكتبهُ في مذكراتهِ ، لكنَّ حسبهُ أنّهُ بدأ وعلّقَ الجرسَ ، وكشفَ خيوطَ الكثيرِ من المؤامراتِ على بلادِ المسلمينَ ، كما كشفَ حقيقةَ بعضِ الذين كانوا رموزاً وطنيّةً في الظاهرِ ، بينما حقيقتها في الباطنِ خلافُ ذلك .
يذكرُ الدكتور معروف في هذا الكتابِ أنَّ الثوراتِ في البلدانِ العربيّةِ بما فيها من الرجالِ الذين يبدون وكأنّهم وطنيّونَ أحرارٌ إنّما كانوا يُدارونَ في حقيقةِ الأمرِ من الخارجِ ! أو أناسٌ نفعيّونُ لا يمتلكونَ قيماً حقّةً يمشونَ عليها ، حقائقُ مذهلةٌ واللهِ ، لم تكدْ تصدّقها عيني وهي تقرأ .
في ص 162 وص 195 يشيرُ الدكتورُ الدواليبي إلى أنَّ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيّةَ كانتْ قد اتفقتْ في السرِّ مع جمال عبدِ الناصرِ ليحتلَّ المملكةَ واليمنَ والأردنَّ وسوريّا ولبنانَ ، مع أنَّ الظاهرَ للجميعِ في ذلك الوقتِ أنَّ عبدَ الناصر كانَ ضدَّ أمريكا ، بل ويدعو في كلِّ مناسبةِ إلى الوحدةِ بينَ العربِ !! .
الكتابُ مليءٌ بالغرابِ والعجائبِ والحوادثِ ، لا تقطعُ فصلاً دونَ أن تشدهكَ ما فيهِ من الحقائقِ الدامغةِ ، وفيهِ فصولٌ أخرى ممتعةٌ على ما فيها من البؤسِ والحزنِ ، كما في ص 48 إذ يذكرُ قصّةً غريبةً تدلٌّ على وحشيّةِ الإنسانِ وجبروتهِ ، عندما قامَ الجنودُ بإعدامِ قريةٍ كاملةٍ رمياً بالرصاصِ واحداً إثرَ واحدٍ ، ولم ينجُ من تلكَ الحادثةِ إلا الدواليبي ، في قصّةٍ تصلحُ أن تُضافَ إلى قصصِ الفرجِ بعد الشدّةِ ، وانظرْ بقيّتها في الصفحةِ المُشارِ إليها من الكتابِ .
وفي ص 77 قصّةٌ طريفةٌ جداً ومؤلمةٌ في ذاتِ الوقتِ ، يتحدّثُ فيها عن إمامِ أحدِ الجوامعِ في فرنسا ، وقد كانَ عميلاً للفرنسيينَ يتجسّسُ على المسلمينَ لصالحِهم ، وانظروا بقيّةَ القصّةِ هناكَ ، فهي واللهِ من طرائفِ الأخبارِ ونوادرِ القصصِ .
أمّا أمتعُ فصولِ الكتابِ فهي حديثُهُ عن الملكِ فيصل – رحمهُ اللهُ – في ص 196 ، فقد تحدّثَ عنهُ وعن مواقفهِ وصفاتهِ حديثاً شيّقاً عذباً ، تحدّثَ عن دورِ الملك فيصل في إقناع ديغول للوقوفِ مع العربِ والمسلمين – ص 201 - ، كذلك تحدّثَ عن تأسيسِ الملك فيصل لنظامٍ شوريٍّ يشتركُ فيهِ الشعبُ في التعبيرِ عن رأيهِ وذلك بوضعِ دستورٍ شاملٍ، والملك فيصل من الرجالاتِ النّوادرِ ، كما هو الحالُ مع الدواليبي ، وهذا الصنفُ من البشرِ عزيزُ الوجودِ نادرُ المثالِ .
وفي ص 206 كلامٌ عالِ الكعبِ في وصفِ العلاّمةِ محمّد بن إبراهيمَ – رحمهُ اللهُ - ، ويتضمّنُ إنصافَ الدّواليبيِّ لهُ ووصفهُ بسعةِ العلمِ والحفظِ ، وتتضمّنُ كذلك قصّةَ مناقشةٍ علميّةٍ جرتْ بينهما ، وهي من محاسنِ أهلِ العلمِ وفضائلِهم ، وتستحقُّ منكَ أخي القارئ أن تقرأها وتتأمّلَ فصولها طويلاً .
الكتابُ كلّهُ أحداثٌ سردها الدواليبي سرداً رائعاً ، وفيهِ من الحقائقِ التي كانتْ يوما من الأيّامَ ضرباً من الممنوعِ ، باتتِ الآن مبذولةً لكلِّ قارئ ، أرجو أن تقرأوا ما كتبهُ الدواليبي ، وأن تروا كيف كانت الأممُ العربيّةُ والإسلاميّةُ تحترقُ تحتَ شعاراتِ القوميّةِ والوطنيّةِ والبعثيّةِ ، ولمّا زالَ عنها جميعها الستارَ تبيّنَ للنّاسِ أنهم لم يكونوا سوى حفنةٍ تُدارُ من الاستعمارِ الخارجيِّ ، لقد علّمنا الدواليبي في مذكراتهِ أنَّ الحقيقةَ لا بدَّ لها من الظهورَ حتماً ، مهما حاولَ الطغاةَ سترها والتحايلَ عليها .
ولئن سعدنا بما كتبهُ الدواليبي ، إلا أنّنا لا زلنا نعيشُ فترةَ التعتيمِ التاريخيِّ ، وتأريخنا المعاصرُ مليءٌ بأحداثٍ تستحقُّ الكشفَ وإزالةَ الغموضِ الذي يلفّها ، وهو ما ننتظرهُ من الرجالاتِ الذين عايشوا هذه المرحلةَ ، ليكملوا مسيرة الدواليبي بعد رحيلهِ عن هذه الدارِ الفانيةِ .
الكتابُ الثالث : لماذا يكرهُ العالم أمريكا ؟
http://www.obeikanbookshops.com/pics/books/6001025.gif
<LI dir=rtl>
المؤلفان : ضياء الدين سردار وميريل وين ديفيز
<LI dir=rtl>
ترجمهُ : مُعين الإمام
الناشر : مكتبة العبيكان
يعتبرُ هذا الكتابُ أحدَ أكثرِ الكتبِ مبيعاً في العالمِ ، فهو يتطرّقُ إلى قضيّةٍ باتتْ من المسلّماتِ لدى أغلبِ شعوبِ العالمِ ، بل وإرثاً إنسانيّاً مُشتركاً ، ألا وهي قضيّةُ الكرهِ الشديدِ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّةِ وسياساتِها .
يُقدّمُ الباحثانِ : ضياءُ الدين سردار ، وميريل وين ديفيز ، عرضاً فلسفيّاً وسرديّاً سلساً ، لقضيّةِ الكرهِ المتنامي في العالم للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّةِ ، ويبحثانِ في ركامِ التأريخِ الماضي القريبِ وإفرازاتِ الواقعِ الكئيبِ ، أسباباً منطقيّةً تدعو شعوبَ العالمَ إلى كراهيّةِ أمريكا .
هذا الكتابُ على غرارِ كثيرٍ من المؤلفاتِ التي صدرتْ مؤخراً وتتحدّثُ عن الهيمنةِ والفوقيّةِ الأمريكيّةِ ، من أمثالِ كتابِ " أمريكا التوليتاريا " وكتابِ " الدولُ المارقة " وكتابِ " أمريكا التي تعلّمنا الديمقراطيّة " وكتابِ " أمريكا طليعة الانحطاطِ " وغيرِها ، إلا أنّهُ يمتازُ عنهم بتقديمِ رؤىً فلسفيّةً لموضوعِ الكراهةِ المتصاعدةِ لأمريكا ، ولا يكتفي بسردِ الأحداثِ فحسب ، بل يقرأ ويُحلّلُ ، ويزيدُ رصيداً معرفيّاً جديداً للقارئ لم يكنْ وقفَ عليهِ في قراءاتهِ السابقةِ عن أمريكا .
يكشفُ الباحثانِ عن الوجهِ الحقيقيِّ للدعاوى الأمريكيّةِ ، لاسيّما منها دعاوى الديمقراطيّةِ والرّخاءِ والعدلِ والمساواةِ ، ويبيّنانِ كيفَ أن معظمَ تلكَ الدعاوى هي من قبيلِ ذرِّ الرمادِ في العيونِ ، بينما تُشيرُ الحقائقُ والأرقامُ إلى أنَّ أمريكا توسعُ الهوّةَ بينها وبينَ العالمِ عبرَ توسيعِ نفوذها وهيمنتها المُطلقةِ على مقدراتِ القوّةِ والمالِ والطاقةِ ، وتتركُ لبقيّةِ العالمِ نزراً يسيراً .
في ص 148 معلوماتٌ كارثيّةٌ عن الأساليبِ الدنيئةِ التي تستخدمها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيّةُ للسيطرةِ على اقتصادِ العالمِ ، ويُشيرُ فيها الباحثانِ إلى ثمانيةِ أنواعٍ من أساليبِ المناورةِ التجاريّةِ الماكرةِ تجعلُ أمريكا تستحوذُ على ثروةِ العالمِ ، وهي معلوماتٌ مهمّةٌ جداً ، أرجو من القرّاءِ الكرامِ مطالعتها ليقفوا على ما يُذهلُ العقلَ ، لأنَّ عرضها يضيقُ في هذه القراءةِ السريعةِ .
والباحثانِ كما يقدّمانِ عرضاً فلسفيّاً تنظيريّاً مُدعّماً بالحُججِ المنطقيّةِ المُحكمةِ ، إلا أنّهم لم يغفلوا كذلك الطابعَ السرديَّ ، خاصّةً ذلكَ المتعلّقَ بالجرائمِ الأمريكيّةِ المأساويّةِ ضدَّ شعوبَ العالمِ أجمع ، ففي ص 184 سردٌ لعشراتِ الكوارثِ التي لحقتِ دولَ العالمِ بسببِ التدخّلِ الأمريكيِّ السافرِ في شئونها وغالباً ما يكونَ التدخّلُ عسكريّاً مباشراً .
أحدُ الأسبابِ المهمّةِ في نظرِ الباحثَينِ لتنامي الكراهيّةِ لأمريكا هو أنّها تعملُ بمعاييرَ مزدوجةً ، مثل حديثِها عن قيمِ العدلِ والحرّيةِ والديمقراطيّةِ وغيرِها ، وهذه الازدواجيّةُ في المعاييرِ لا تكلّفُ الشعوبَ كثيراً للبرهنةِ عليها ، وذلك لأنّها واضحةٌ وضوحَ الشمسِ في رابعةِ النهارِ ، وانظرْ في ص 218 فصلاً رائعاً في السياقِ التبريري لكرهِ الشعوبِ لأمريكا بسببِ ازدواجِ المعاييرِ وتقديمِ أمثلةٍ حيّةٍ على ذلكَ .
ويذهبُ الباحثانِ بعيداً حينما يتحدّثانِ عن صناعةِ الثقافةِ الأمريكيّةِ وتلقينِ الأفكارِ وغرسها في الشعوبِ عبرَ شطائرِ الهامبورجر ، ويقدّمانِ في ذلك عرضاً فلسفيّاً ممتعاً وشيّقاً للغايةِ لا يمكنُ تجاوزهُ دون تسجيلِ الإعجابِ بهِ والإفادةِ منهُ ، تجدهُ أخي القارئ الكريم في ص 229 .
ومن الأرقامِ والإحصائياتِ المروّعةِ أنَّ أمريكا وحدها فرضتْ في عام 1998 فقط عقوباتٍ مختلفةً على أكثرَ من 75 بلداً ، تضمُّ في مجملِها 52% من سكّانِ العالم ! .
لم تعد شعوبُ العالمِ البسيطةُ في حاجةٍ إلى قناعاتِ أيدلوجيةٍ لتكرهَ أمريكا ، بل كلُّ ما عليهم فعلهُ هو النظرُ في تصرفاتِها لتنكشفَ لهم عشراتُ الأسبابِ الموجبةِ للكراهيّةِ ، وهو ما حاولَ الباحثانِ توظيفهُ في كتابهم الممتعِ ، فقد حاولوا تقديمَ رؤيةٍ فلسفيّةٍ تنظيريّةٍ لسببِ الكرهِ ، محاولينَ في الوقتِ ذاتهِ رصدَ مظاهرَ هذا الكرهِ في العالمِ .
الكتابُ جديرٌ بالمطالعةِ والقراءةِ إن لم نقلْ أنّهُ أحدُ الكتبِ التي ينبغي أن لا تخلوَ منهُ مكتبةٌ ، وحتماً ستجدُ فيه أخي القارئ مادّةً صالحةً لإضافتها إلى رصيدك المعرفيِّ ، ومؤلّفاهُ غربيّانِ ، لكن يجمعهم مع أغلبِ شعوبِ العالمِ الحرِّ الكرهُ الشديدُ للسياساتِ القذرةِ الأمريكيّةِ ، على عكسِ ما يُحاولُ الليبراليّونَ والعلمانيّونَ العربُ تسويقهُ في المنطقةِ زاعمينَ فيهِ أنَّ أمريكا رائدةَ العالمِ الحرِّ وقائدةَ المنطقةِ للديمقراطيّةِ !! ، وهذا الكتابُ صالحٌ تماماً في الردِّ عليهم وبيانِ حقيقةِ تلكَ الدولةِ الظالمةِ .
الكتابُ الرابع : ملامح المستقبل
http://www.obeikanbookshops.com/pics/books/6001014.gif
<LI dir=rtl>
المؤلف : الدكتور محمد بن حامد الأحمري
الناشر : مكتبة العبيكان
شهادتي في هذا الكتابِ مجروحةٌ من جهتينِ :
أمّا أولاهما فالكتابُ عرفهُ المثقّفونَ والمفكّرونَ قبلي ، وأثنوا عليهِ ثناءً عاطراً ، وذلك لما لمسوهُ فيهِ من مادّةٍ غزيرةٍ وأسلوبٍ سلسٍ عذبٍ في تقديمِ المعلومةِ ، كما يتصفُ الكتابُ بالرؤيةِ الاستشرافيّةِ المتفائلةِ لمستقبلِ الإسلامِ والمسلمينَ ، ويقرأ الحاضرَ قراءةً واعيةً ، بعيدةً عن سياقِ الانفعالِ أو متاهاتِ التبريرِ للوهنِ والعجزِ ، فهو مفيدٌ جداً لكلِّ من رغِبَ أن يدفعَ عن نفسهِ وقلبهِ أسبابِ الإحباطِ وموجباتِ اليأسِ والقنوطِ .
وأمّا ثانيهما فهو أنَّ مؤلّفَ الكتابِ هو أستاذي وقرّة عيني محمّد بن حامد الأحمري – متّعهُ اللهُ بالعافيةِ وأسعدَ أيّامهُ - ، وشهادةُ الطالبِ في أستاذهِ مجروحةٌ ، ولو كتبتُ ما كتبتهُ عن أستاذي لما وفيتهُ بعضَ حقّهِ عليَّ ، فقد أفادني إفاداتٍ قلَّ نظيرهُ عند غيرهِ ، ووجدتهُ بحراً لا ساحلَ لهُ في المعرفةِ والعلمِ ، خاصّةً ما يتصلُ منها بالاطلاعِ على حضارةِ الغربِ وفكرهم وعلومِ التأريخِ والاجتماعِ ومدارسِها .
ولئن أثنيتُ على شيخي بصالحٍ من الأخلاقِ والأفعالِ ، إلا أنَّ فيهِ خصلةً عظيمةً ، عزّتْ كثيراً في هذه الأيّامِ ، ألا وهي الإنصافُ وهضمُ النفسِ ، وعدمُ الزهوِّ أو الاستطالةِ والتزيّدِ في الدعاوى ، لقد اختلفتُ معهُ واتفقتُ ، جمعتنا مسائلُ وفرّقتنا أخرى ، وفي كلِّ ذلكَ وجدتهُ على طبيعةٍ واحدةٍ من الاعتدالِ ورضا النفسِ ، ذلك أنَّ نفسهُ توّاقةٌ للمعرفةِ وتحصيلِ العلمِ لا غيرَ ، واللهُ يعلمُ كم يحرصُ على الإفادةِ منّي على الرغمِ من ضعفِ الآلةِ ، وقلّةِ التحصيلِ ، إلا أنَّ إنصافهُ وسموّهُ يحملانهِ على أن يبحثَ عن الفائدةِ أينَ وجدتْ .
ولأستاذِنا علمٌ وافرٌ بالكتبِ ، فهو قارئٌ من الطرازِ الأوّلِ ، يقرأ بالعربيّةِ والإنجليزيّةِ ، ولا أظنّهُ يفرحُ بشيءٍ من مُتعِ الدّنيا كفرحهِ بكتابٍ جديدٍ أو قطعةٍ تراثيّةٍ نادرةٍ ، وإذا شئتَ طريقاً معبّدةً إلى قلبهِ وروحهِ فمفتاحُ ذلك كلّهِ المعرفةُ والكتبُ ، يتلمّسُ روائعها ويبحثُ عن نوادرِها ويحرصُ على مجالسةِ أهلِ الخبرةِ فيها .
ولئن قُدّرَ لكَ – أيّها القارئُ العزيزُ – أنَّ تحظى بمجلسٍ يتحدّثُ فيهِ أُستاذُنا ، فسوفُ ترى عجباً ، بدايةً من جلسةِ السكينةِ والتؤدةِ ، مروراً بكاريزما صوتهِ الخفيضِ الساحرِ ، وانتهاءً بالسيلِ الهادرِ من طوفانِ المعرفةِ والعلمِ ، ما تتمنّى معهُ أن لا يسكتَ ولا يُغادرَ ذلكَ الحديثَ المُبهرَ المهيبَ ، ولا تكادُ تُفارقُ تلكَ الروضةَ الأريضةَ من مجلسهِ العامرِ ، إلا ووجدتَ في نفسكَ من الهمّةِ والعزيمةِ ما يحدوكَ على السيرِ في دربِ النابهينِ والتحاشي عن سلوكِ طريقِ أهلِ التواني والبطالةِ .
أتمنّى أن تقرأوا تحفتهُ وسفرهُ المُتقنَ " ملامحُ المستقبلِ " ، ليسَ لأنّهُ شيخي ومُعلّمي ، وإن كانَ من حقّهِ عليَّ ووفائي لهُ أن أدلَّ النّاسَ على معينهِ ونبعهِ ، ولكنْ لما حواهُ الكتابُ من الفصولِ التي تهمي على القلوبِ الظامئةِ الصاديةِ فترويها بسلسبيلِ اليقينِ وحُسنِ الظنِّ باللهِ ، ما تثمرُ معهُ عملاً دؤوباً لخدمةِ الدّينِ ، وتستنهضُ بهِ الهممَ القاصرةَ عن العملِ بحُجّةِ فسادِ الزمانِ وتسلّطِ البُغاةِ .
اقرأوهُ يا سادة ، وسوف ترونَ كيف أبدعَ أُستاذُنا في اقتناصِ المعلوماتِ من ثنايا مئاتِ الكتبِ ليوظّفها في منظومةٍ مترابطةٍ من الأفكارِ المتآلفةِ .
اقرأوا وستجدوا أنّي كنتُ مُقصّراً في وصفِ الأستاذِ وسفرهِ الماتعِ ، وحسبي منكم شهادتكم في ذلك . يتبعُ لاحقاً - إن شاءَ اللهُ - عرضٌ آخرُ للمزيدِ من المؤلفاتِ النافعةِ .
الكتابُ الأوّل : موت الغرب
<LI dir=rtl>
المؤلف : باتريك جيه . بوكانن
<LI dir=rtl>
ترجمهُ : محمد محمود التوبة ، وراجعه : محمد بن حامد الأحمري
الناشر : مكتبة العبيكان
يعتبرُ هذا الكتابُ أحدَ أكثرَ الكتبِ التي أثارتْ جدلاً في الغربِ في الآونةِ الأخيرةِ ، فهو فضلاً عن تقديمهِ لرؤيةٍ غيرِ مألوفةٍ لدى شرائحَ واسعةٍ من الشعوبِ الغربيّةِ ، يضيفُ كمّاً هائلاً وواسعاً من المعلوماتِ المُبهرةِ الدقيقةِ ، ويقدّمها كدليلٍ وبرهانٍ على آراءهِ الخاصّةِ في كتابهِ .
خلاصةُ الكتابِ هي أنَّ الغربَ يشهدُ الآن فترةَ احتضارٍ قد تطولُ إلا أنّ نهايتها حتميّةٌ ، وأنَّ الحضارةَ الغربيّةَ المُحكمةَ القويّةَ في ظاهرِها ، والتي تتربّعُ على موقعِ القمّةِ فيها الولاياتُ المُتحدّةُ الأمريكيّةُ ، كلُّ ذلكَ سوف ينقرضُ قريباً ، وهي تعيشُ الآن فصولها التأريخيّةَ الأخيرةَ ، فالغربُ نفسهُ لا يريدُ لحضارتهِ أن تدومَ وتتواصلَ بحسبِ رأي الكاتبِ .
ويبرهن الكاتبُ باتريك بوكانن – وهو أمريكيٌّ عملَ مُستشاراً لثلاثةِ رؤساءَ ومرشّحٌ رئاسيٌّ سابقٌ لعامِ 2000 - على كلامهِ بمعطياتٍ عدّةٍ ، تُشيرُ كلُّ واحدةٍ منها إلى خطرٍ داهمٍ يُهدّدُ الحضارةَ الغربيّةَ ، فما بينَ خطرِ انكماشِ عددِ المواليدِ من السكانِ الأصليينَ وتوسّعِ حركاتِ الهجرةِ إلى الدولِ الغربيّةِ ، إلى انتشارِ موجاتِ الرذيلةِ والدعواتِ إلى الإجهاضِ مما تسبّبَ في انهيارِ العائلةِ وتفّككِ المُجتمعِ ، مروراً بتفشّي الإلحادِ وانحسارِ التديّنِ وهو أعظمُ أسبابِ زوالِ الحضاراتِ ، وظهور وتنامي الحركاتِ المناهضةِ للثقافات الغربيّةِ إلى حدِّ الهيمنةِ عليها ، ويأتي على رأسِ هذه الحركاتِ الدينُ الإسلاميُّ ، والذي يشهد صحوةً عظيمةً كما يعبرُ عن ذلك الكاتبُ ، إضافةً إلى أنَّ الغربَ يشهدُ حركةَ تشرذمٍ فظيعةً ، أدّتْ بهِ إلى الانقسامِ الداخليِّ والخارجيِّ .
يحتوي الكتابُ على أرقامٍ وإحصائياتٍ موثقةٍ ، عن تدنّي عددِ المواليدِ في الغربِ ، وفي المقابلِ يشهدُ العالمُ الإسلاميُّ تزايداً مُذهلاً في عددِ المواليدِ ، وهو ما يعبرُ عنهُ الكاتبُ بقولهِ : " ومن الصعبِ اليومَ أن تجدُ أمّةً غربيّةً لا يموتُ فيها السكّانُ المحلّيونَ ، ومن الصعبِ على الغرارِ نفسهِ أن تجدَ أمّةً إسلاميّةً لا ينفجرُ فيها عددُ السكّانِ المحليينَ " ص 229 .
كما يُشيرُ الكاتبُ إلى صحوةٍ عظيمةٍ للإسلامِ والمسلمينَ ، تمثّلتْ في وصولِ الجماعاتِ الإسلاميّةِ إلى سُدّةِ الحكمِ في بعضِ الدولِ ، كما أنّهُ قامَ بعقدِ مقارنةٍ بينَ حركةِ التديّنِ النصرانيِّ في الشارعِ الأوروبيِّ ، ومظاهرِ التديّنِ في أوساطِ المسلمينَ هناكَ ، ليخرجَ بنتيجةٍ تؤكّدُ على قوّةِ الإسلامِ وعودتهِ من جديدٍ ، بل يذكرُ أنَّ الكنائسَ في أوروبا تكادُ تكونُ فارغةً والصلواتُ تموتُ ، بينما تمتلئُ المساجدُ بالمسلمينَ في الصلواتِ هناكَ .
الكتابُ مُذهلٌ بحقٍّ ، لا يمكنُ للباحثِ الاستغناءُ عنهُ ، لاسيّما من يبحثُ في شئونِ الفكرِ الإسلاميِّ وعلاقةِ التواصلِ أو التصادمِ مع الغربِ ، وما بأيدينا من موعودِ اللهِ تباركَ وتعالى بالنصرِ والتمكينِ لأوليائهِ في الأرضِ ، وخذلانِ أعدائهِ ، يُسطّرُ هذا الكاتبُ بعضهُ في كتابهِ ، ليُعلنَ أنَّ الغربَ يواجهُ مخاطرَ عظيمةً جداً ، وليسَ لهُ قدرةٌ على تجاوزها ، وهذه المخاطرُ سوفُ تئولُ بهِ إلى الموتِ والاندثارِ .
كما أنَّ هذا الكتابَ صفعةٌ في وجهِ دعاةِ التغريبِ والتحرّرِ الأخلاقيِّ والتقليلِ من شأنِ التديّنِ من الليبراليينَ والعلمانيينَ ، ودعاةِ التلاقي الفكريِّ والثقافيِّ وإذابةِ الولاءِ والبراءِ ودمجِ الآخرِ في المُجتمعِ !! ، فسيجدونَ فيهِ رداً على أحلامهم وأوهامهم ، عندما يقرأونَ لكاتبِ غربيٍّ مخضرمٍ يؤكّدُ لهم أنَّ الحلَّ في بقاءِ الأممِ هو الفضيلةُ والحصانةُ الفكريّةُ والثقافيّةُ على شعوبِها ومجتمعاتِها ، وأنَّ غزواتِ المهاجرينَ وانقطاعِ الصلةِ بالماضي والتراثِ يودّي كلُّ ذلك إلى موتِ الحضارةِ وتلاشي الأممِ .
الكتابُ الثاني : مذكرات الدكتور معروف الدواليبي
http://www.obeikanbookshops.com/pics/books/6001019.gif
<LI dir=rtl>
المؤلف : الدكتور معروف الدواليبي
<LI dir=rtl>
إعداد : الدكتور عبد القدوس أبو صالح ، وتحرير الدكتور محمد علي الهاشمي
الناشر : مكتبة العبيكان
عادةً ما تأخذُ المذكراتُ أهميّتها من أهمّيةِ الشخصيّةِ التي تكتبُها ، ودورِهِ في الأحداثِ الاجتماعيّةِ أو السياسيّةِ ، وبقدرِ ما تكبرُ أدوارهُ تكونُ لمذكراتهِ قيمةٌ وشأنٌ .
الدكتور محمد معروف الدواليبي – بلَّ اللهُ ثراهُ بمزونِ الرحمةِ - هو أحدُ هؤلاءِ الذين إذا كتبوا مذكراتِهم ملئوها بالأحداثِ والفصولِ المهمّةِ ، لاسيّما والرّجلُ عاشَ فترةً طويلةً يعملُ في ميادينِ السياسةِ ، فقد شهدَ عصرَ انحسارِ الاستعمارِ الخارجيِّ عن كثيرٍ من بلدانِ العالمِ الإسلاميِّ ، لتقعَ فيما بعدُ ضحيّةً للاستعمارِ الداخليِّ وقوى الاستبدادِ والتسلّطِ والطغيانِ ، فقد كان أولئكَ الطغاةُ لا تهدأ لهم ساكنةٌ إلا بانقلابٍ جديدٍ وثورةٍ عسكريةٍ تدكُّ الشعوبَ .
كما أنّهُ عايشَ عن قربٍ ضراوةَ الحربِ الباردةِ ، ومحاولةَ السيطرةِ على العالمِ العربيِّ والإسلاميِّ وثرواتِهما ، ونشرَ فصولاً مهمّةً عن تلك الحقبةِ .
يقولُ علي الطنطاويُّ – رحمهُ اللهُ في شأنِ الدواليبيِّ ومذكراتهِ " : و أنا اقترحُ علي الجريدةِ أن تبعثَ إليه من يسمعُ منه هذا الحديثَ و يكتبهُ ، و كيف نجا على يدهِ مفتي فلسطينَ الحاج أمين الحسيني - رحمه اللهُ - من براثنِ الحلفاءِ - تجدها كاملةً في مذكراتِ الدّواليبيِّ ص 76 وما بعدها - ، و ما صنعَ مما هو أقربُ إلى الأساطيرِ منهُ إلى الواقعِ ، و إن شئتم ما هو خيرٌ في ذلك و أجدى على الجريدةِ و قرّائها , و أنفعُ للتاريخِ , فاستكتبوهُ مذكراتهِ و ستجدونها من أغنى الذكرياتِ بالمعلوماتِ " ذكريات علي الطنطاوي 5/113.
لدى الدكتور الدواليبي الكثيرُ ممّا يمكنُ قولهُ ، ربّما أكثرَ بمراحلَ ممّا سطّرهُ وكتبهُ في مذكراتهِ ، لكنَّ حسبهُ أنّهُ بدأ وعلّقَ الجرسَ ، وكشفَ خيوطَ الكثيرِ من المؤامراتِ على بلادِ المسلمينَ ، كما كشفَ حقيقةَ بعضِ الذين كانوا رموزاً وطنيّةً في الظاهرِ ، بينما حقيقتها في الباطنِ خلافُ ذلك .
يذكرُ الدكتور معروف في هذا الكتابِ أنَّ الثوراتِ في البلدانِ العربيّةِ بما فيها من الرجالِ الذين يبدون وكأنّهم وطنيّونَ أحرارٌ إنّما كانوا يُدارونَ في حقيقةِ الأمرِ من الخارجِ ! أو أناسٌ نفعيّونُ لا يمتلكونَ قيماً حقّةً يمشونَ عليها ، حقائقُ مذهلةٌ واللهِ ، لم تكدْ تصدّقها عيني وهي تقرأ .
في ص 162 وص 195 يشيرُ الدكتورُ الدواليبي إلى أنَّ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيّةَ كانتْ قد اتفقتْ في السرِّ مع جمال عبدِ الناصرِ ليحتلَّ المملكةَ واليمنَ والأردنَّ وسوريّا ولبنانَ ، مع أنَّ الظاهرَ للجميعِ في ذلك الوقتِ أنَّ عبدَ الناصر كانَ ضدَّ أمريكا ، بل ويدعو في كلِّ مناسبةِ إلى الوحدةِ بينَ العربِ !! .
الكتابُ مليءٌ بالغرابِ والعجائبِ والحوادثِ ، لا تقطعُ فصلاً دونَ أن تشدهكَ ما فيهِ من الحقائقِ الدامغةِ ، وفيهِ فصولٌ أخرى ممتعةٌ على ما فيها من البؤسِ والحزنِ ، كما في ص 48 إذ يذكرُ قصّةً غريبةً تدلٌّ على وحشيّةِ الإنسانِ وجبروتهِ ، عندما قامَ الجنودُ بإعدامِ قريةٍ كاملةٍ رمياً بالرصاصِ واحداً إثرَ واحدٍ ، ولم ينجُ من تلكَ الحادثةِ إلا الدواليبي ، في قصّةٍ تصلحُ أن تُضافَ إلى قصصِ الفرجِ بعد الشدّةِ ، وانظرْ بقيّتها في الصفحةِ المُشارِ إليها من الكتابِ .
وفي ص 77 قصّةٌ طريفةٌ جداً ومؤلمةٌ في ذاتِ الوقتِ ، يتحدّثُ فيها عن إمامِ أحدِ الجوامعِ في فرنسا ، وقد كانَ عميلاً للفرنسيينَ يتجسّسُ على المسلمينَ لصالحِهم ، وانظروا بقيّةَ القصّةِ هناكَ ، فهي واللهِ من طرائفِ الأخبارِ ونوادرِ القصصِ .
أمّا أمتعُ فصولِ الكتابِ فهي حديثُهُ عن الملكِ فيصل – رحمهُ اللهُ – في ص 196 ، فقد تحدّثَ عنهُ وعن مواقفهِ وصفاتهِ حديثاً شيّقاً عذباً ، تحدّثَ عن دورِ الملك فيصل في إقناع ديغول للوقوفِ مع العربِ والمسلمين – ص 201 - ، كذلك تحدّثَ عن تأسيسِ الملك فيصل لنظامٍ شوريٍّ يشتركُ فيهِ الشعبُ في التعبيرِ عن رأيهِ وذلك بوضعِ دستورٍ شاملٍ، والملك فيصل من الرجالاتِ النّوادرِ ، كما هو الحالُ مع الدواليبي ، وهذا الصنفُ من البشرِ عزيزُ الوجودِ نادرُ المثالِ .
وفي ص 206 كلامٌ عالِ الكعبِ في وصفِ العلاّمةِ محمّد بن إبراهيمَ – رحمهُ اللهُ - ، ويتضمّنُ إنصافَ الدّواليبيِّ لهُ ووصفهُ بسعةِ العلمِ والحفظِ ، وتتضمّنُ كذلك قصّةَ مناقشةٍ علميّةٍ جرتْ بينهما ، وهي من محاسنِ أهلِ العلمِ وفضائلِهم ، وتستحقُّ منكَ أخي القارئ أن تقرأها وتتأمّلَ فصولها طويلاً .
الكتابُ كلّهُ أحداثٌ سردها الدواليبي سرداً رائعاً ، وفيهِ من الحقائقِ التي كانتْ يوما من الأيّامَ ضرباً من الممنوعِ ، باتتِ الآن مبذولةً لكلِّ قارئ ، أرجو أن تقرأوا ما كتبهُ الدواليبي ، وأن تروا كيف كانت الأممُ العربيّةُ والإسلاميّةُ تحترقُ تحتَ شعاراتِ القوميّةِ والوطنيّةِ والبعثيّةِ ، ولمّا زالَ عنها جميعها الستارَ تبيّنَ للنّاسِ أنهم لم يكونوا سوى حفنةٍ تُدارُ من الاستعمارِ الخارجيِّ ، لقد علّمنا الدواليبي في مذكراتهِ أنَّ الحقيقةَ لا بدَّ لها من الظهورَ حتماً ، مهما حاولَ الطغاةَ سترها والتحايلَ عليها .
ولئن سعدنا بما كتبهُ الدواليبي ، إلا أنّنا لا زلنا نعيشُ فترةَ التعتيمِ التاريخيِّ ، وتأريخنا المعاصرُ مليءٌ بأحداثٍ تستحقُّ الكشفَ وإزالةَ الغموضِ الذي يلفّها ، وهو ما ننتظرهُ من الرجالاتِ الذين عايشوا هذه المرحلةَ ، ليكملوا مسيرة الدواليبي بعد رحيلهِ عن هذه الدارِ الفانيةِ .
الكتابُ الثالث : لماذا يكرهُ العالم أمريكا ؟
http://www.obeikanbookshops.com/pics/books/6001025.gif
<LI dir=rtl>
المؤلفان : ضياء الدين سردار وميريل وين ديفيز
<LI dir=rtl>
ترجمهُ : مُعين الإمام
الناشر : مكتبة العبيكان
يعتبرُ هذا الكتابُ أحدَ أكثرِ الكتبِ مبيعاً في العالمِ ، فهو يتطرّقُ إلى قضيّةٍ باتتْ من المسلّماتِ لدى أغلبِ شعوبِ العالمِ ، بل وإرثاً إنسانيّاً مُشتركاً ، ألا وهي قضيّةُ الكرهِ الشديدِ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّةِ وسياساتِها .
يُقدّمُ الباحثانِ : ضياءُ الدين سردار ، وميريل وين ديفيز ، عرضاً فلسفيّاً وسرديّاً سلساً ، لقضيّةِ الكرهِ المتنامي في العالم للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّةِ ، ويبحثانِ في ركامِ التأريخِ الماضي القريبِ وإفرازاتِ الواقعِ الكئيبِ ، أسباباً منطقيّةً تدعو شعوبَ العالمَ إلى كراهيّةِ أمريكا .
هذا الكتابُ على غرارِ كثيرٍ من المؤلفاتِ التي صدرتْ مؤخراً وتتحدّثُ عن الهيمنةِ والفوقيّةِ الأمريكيّةِ ، من أمثالِ كتابِ " أمريكا التوليتاريا " وكتابِ " الدولُ المارقة " وكتابِ " أمريكا التي تعلّمنا الديمقراطيّة " وكتابِ " أمريكا طليعة الانحطاطِ " وغيرِها ، إلا أنّهُ يمتازُ عنهم بتقديمِ رؤىً فلسفيّةً لموضوعِ الكراهةِ المتصاعدةِ لأمريكا ، ولا يكتفي بسردِ الأحداثِ فحسب ، بل يقرأ ويُحلّلُ ، ويزيدُ رصيداً معرفيّاً جديداً للقارئ لم يكنْ وقفَ عليهِ في قراءاتهِ السابقةِ عن أمريكا .
يكشفُ الباحثانِ عن الوجهِ الحقيقيِّ للدعاوى الأمريكيّةِ ، لاسيّما منها دعاوى الديمقراطيّةِ والرّخاءِ والعدلِ والمساواةِ ، ويبيّنانِ كيفَ أن معظمَ تلكَ الدعاوى هي من قبيلِ ذرِّ الرمادِ في العيونِ ، بينما تُشيرُ الحقائقُ والأرقامُ إلى أنَّ أمريكا توسعُ الهوّةَ بينها وبينَ العالمِ عبرَ توسيعِ نفوذها وهيمنتها المُطلقةِ على مقدراتِ القوّةِ والمالِ والطاقةِ ، وتتركُ لبقيّةِ العالمِ نزراً يسيراً .
في ص 148 معلوماتٌ كارثيّةٌ عن الأساليبِ الدنيئةِ التي تستخدمها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيّةُ للسيطرةِ على اقتصادِ العالمِ ، ويُشيرُ فيها الباحثانِ إلى ثمانيةِ أنواعٍ من أساليبِ المناورةِ التجاريّةِ الماكرةِ تجعلُ أمريكا تستحوذُ على ثروةِ العالمِ ، وهي معلوماتٌ مهمّةٌ جداً ، أرجو من القرّاءِ الكرامِ مطالعتها ليقفوا على ما يُذهلُ العقلَ ، لأنَّ عرضها يضيقُ في هذه القراءةِ السريعةِ .
والباحثانِ كما يقدّمانِ عرضاً فلسفيّاً تنظيريّاً مُدعّماً بالحُججِ المنطقيّةِ المُحكمةِ ، إلا أنّهم لم يغفلوا كذلك الطابعَ السرديَّ ، خاصّةً ذلكَ المتعلّقَ بالجرائمِ الأمريكيّةِ المأساويّةِ ضدَّ شعوبَ العالمِ أجمع ، ففي ص 184 سردٌ لعشراتِ الكوارثِ التي لحقتِ دولَ العالمِ بسببِ التدخّلِ الأمريكيِّ السافرِ في شئونها وغالباً ما يكونَ التدخّلُ عسكريّاً مباشراً .
أحدُ الأسبابِ المهمّةِ في نظرِ الباحثَينِ لتنامي الكراهيّةِ لأمريكا هو أنّها تعملُ بمعاييرَ مزدوجةً ، مثل حديثِها عن قيمِ العدلِ والحرّيةِ والديمقراطيّةِ وغيرِها ، وهذه الازدواجيّةُ في المعاييرِ لا تكلّفُ الشعوبَ كثيراً للبرهنةِ عليها ، وذلك لأنّها واضحةٌ وضوحَ الشمسِ في رابعةِ النهارِ ، وانظرْ في ص 218 فصلاً رائعاً في السياقِ التبريري لكرهِ الشعوبِ لأمريكا بسببِ ازدواجِ المعاييرِ وتقديمِ أمثلةٍ حيّةٍ على ذلكَ .
ويذهبُ الباحثانِ بعيداً حينما يتحدّثانِ عن صناعةِ الثقافةِ الأمريكيّةِ وتلقينِ الأفكارِ وغرسها في الشعوبِ عبرَ شطائرِ الهامبورجر ، ويقدّمانِ في ذلك عرضاً فلسفيّاً ممتعاً وشيّقاً للغايةِ لا يمكنُ تجاوزهُ دون تسجيلِ الإعجابِ بهِ والإفادةِ منهُ ، تجدهُ أخي القارئ الكريم في ص 229 .
ومن الأرقامِ والإحصائياتِ المروّعةِ أنَّ أمريكا وحدها فرضتْ في عام 1998 فقط عقوباتٍ مختلفةً على أكثرَ من 75 بلداً ، تضمُّ في مجملِها 52% من سكّانِ العالم ! .
لم تعد شعوبُ العالمِ البسيطةُ في حاجةٍ إلى قناعاتِ أيدلوجيةٍ لتكرهَ أمريكا ، بل كلُّ ما عليهم فعلهُ هو النظرُ في تصرفاتِها لتنكشفَ لهم عشراتُ الأسبابِ الموجبةِ للكراهيّةِ ، وهو ما حاولَ الباحثانِ توظيفهُ في كتابهم الممتعِ ، فقد حاولوا تقديمَ رؤيةٍ فلسفيّةٍ تنظيريّةٍ لسببِ الكرهِ ، محاولينَ في الوقتِ ذاتهِ رصدَ مظاهرَ هذا الكرهِ في العالمِ .
الكتابُ جديرٌ بالمطالعةِ والقراءةِ إن لم نقلْ أنّهُ أحدُ الكتبِ التي ينبغي أن لا تخلوَ منهُ مكتبةٌ ، وحتماً ستجدُ فيه أخي القارئ مادّةً صالحةً لإضافتها إلى رصيدك المعرفيِّ ، ومؤلّفاهُ غربيّانِ ، لكن يجمعهم مع أغلبِ شعوبِ العالمِ الحرِّ الكرهُ الشديدُ للسياساتِ القذرةِ الأمريكيّةِ ، على عكسِ ما يُحاولُ الليبراليّونَ والعلمانيّونَ العربُ تسويقهُ في المنطقةِ زاعمينَ فيهِ أنَّ أمريكا رائدةَ العالمِ الحرِّ وقائدةَ المنطقةِ للديمقراطيّةِ !! ، وهذا الكتابُ صالحٌ تماماً في الردِّ عليهم وبيانِ حقيقةِ تلكَ الدولةِ الظالمةِ .
الكتابُ الرابع : ملامح المستقبل
http://www.obeikanbookshops.com/pics/books/6001014.gif
<LI dir=rtl>
المؤلف : الدكتور محمد بن حامد الأحمري
الناشر : مكتبة العبيكان
شهادتي في هذا الكتابِ مجروحةٌ من جهتينِ :
أمّا أولاهما فالكتابُ عرفهُ المثقّفونَ والمفكّرونَ قبلي ، وأثنوا عليهِ ثناءً عاطراً ، وذلك لما لمسوهُ فيهِ من مادّةٍ غزيرةٍ وأسلوبٍ سلسٍ عذبٍ في تقديمِ المعلومةِ ، كما يتصفُ الكتابُ بالرؤيةِ الاستشرافيّةِ المتفائلةِ لمستقبلِ الإسلامِ والمسلمينَ ، ويقرأ الحاضرَ قراءةً واعيةً ، بعيدةً عن سياقِ الانفعالِ أو متاهاتِ التبريرِ للوهنِ والعجزِ ، فهو مفيدٌ جداً لكلِّ من رغِبَ أن يدفعَ عن نفسهِ وقلبهِ أسبابِ الإحباطِ وموجباتِ اليأسِ والقنوطِ .
وأمّا ثانيهما فهو أنَّ مؤلّفَ الكتابِ هو أستاذي وقرّة عيني محمّد بن حامد الأحمري – متّعهُ اللهُ بالعافيةِ وأسعدَ أيّامهُ - ، وشهادةُ الطالبِ في أستاذهِ مجروحةٌ ، ولو كتبتُ ما كتبتهُ عن أستاذي لما وفيتهُ بعضَ حقّهِ عليَّ ، فقد أفادني إفاداتٍ قلَّ نظيرهُ عند غيرهِ ، ووجدتهُ بحراً لا ساحلَ لهُ في المعرفةِ والعلمِ ، خاصّةً ما يتصلُ منها بالاطلاعِ على حضارةِ الغربِ وفكرهم وعلومِ التأريخِ والاجتماعِ ومدارسِها .
ولئن أثنيتُ على شيخي بصالحٍ من الأخلاقِ والأفعالِ ، إلا أنَّ فيهِ خصلةً عظيمةً ، عزّتْ كثيراً في هذه الأيّامِ ، ألا وهي الإنصافُ وهضمُ النفسِ ، وعدمُ الزهوِّ أو الاستطالةِ والتزيّدِ في الدعاوى ، لقد اختلفتُ معهُ واتفقتُ ، جمعتنا مسائلُ وفرّقتنا أخرى ، وفي كلِّ ذلكَ وجدتهُ على طبيعةٍ واحدةٍ من الاعتدالِ ورضا النفسِ ، ذلك أنَّ نفسهُ توّاقةٌ للمعرفةِ وتحصيلِ العلمِ لا غيرَ ، واللهُ يعلمُ كم يحرصُ على الإفادةِ منّي على الرغمِ من ضعفِ الآلةِ ، وقلّةِ التحصيلِ ، إلا أنَّ إنصافهُ وسموّهُ يحملانهِ على أن يبحثَ عن الفائدةِ أينَ وجدتْ .
ولأستاذِنا علمٌ وافرٌ بالكتبِ ، فهو قارئٌ من الطرازِ الأوّلِ ، يقرأ بالعربيّةِ والإنجليزيّةِ ، ولا أظنّهُ يفرحُ بشيءٍ من مُتعِ الدّنيا كفرحهِ بكتابٍ جديدٍ أو قطعةٍ تراثيّةٍ نادرةٍ ، وإذا شئتَ طريقاً معبّدةً إلى قلبهِ وروحهِ فمفتاحُ ذلك كلّهِ المعرفةُ والكتبُ ، يتلمّسُ روائعها ويبحثُ عن نوادرِها ويحرصُ على مجالسةِ أهلِ الخبرةِ فيها .
ولئن قُدّرَ لكَ – أيّها القارئُ العزيزُ – أنَّ تحظى بمجلسٍ يتحدّثُ فيهِ أُستاذُنا ، فسوفُ ترى عجباً ، بدايةً من جلسةِ السكينةِ والتؤدةِ ، مروراً بكاريزما صوتهِ الخفيضِ الساحرِ ، وانتهاءً بالسيلِ الهادرِ من طوفانِ المعرفةِ والعلمِ ، ما تتمنّى معهُ أن لا يسكتَ ولا يُغادرَ ذلكَ الحديثَ المُبهرَ المهيبَ ، ولا تكادُ تُفارقُ تلكَ الروضةَ الأريضةَ من مجلسهِ العامرِ ، إلا ووجدتَ في نفسكَ من الهمّةِ والعزيمةِ ما يحدوكَ على السيرِ في دربِ النابهينِ والتحاشي عن سلوكِ طريقِ أهلِ التواني والبطالةِ .
أتمنّى أن تقرأوا تحفتهُ وسفرهُ المُتقنَ " ملامحُ المستقبلِ " ، ليسَ لأنّهُ شيخي ومُعلّمي ، وإن كانَ من حقّهِ عليَّ ووفائي لهُ أن أدلَّ النّاسَ على معينهِ ونبعهِ ، ولكنْ لما حواهُ الكتابُ من الفصولِ التي تهمي على القلوبِ الظامئةِ الصاديةِ فترويها بسلسبيلِ اليقينِ وحُسنِ الظنِّ باللهِ ، ما تثمرُ معهُ عملاً دؤوباً لخدمةِ الدّينِ ، وتستنهضُ بهِ الهممَ القاصرةَ عن العملِ بحُجّةِ فسادِ الزمانِ وتسلّطِ البُغاةِ .
اقرأوهُ يا سادة ، وسوف ترونَ كيف أبدعَ أُستاذُنا في اقتناصِ المعلوماتِ من ثنايا مئاتِ الكتبِ ليوظّفها في منظومةٍ مترابطةٍ من الأفكارِ المتآلفةِ .
اقرأوا وستجدوا أنّي كنتُ مُقصّراً في وصفِ الأستاذِ وسفرهِ الماتعِ ، وحسبي منكم شهادتكم في ذلك . يتبعُ لاحقاً - إن شاءَ اللهُ - عرضٌ آخرُ للمزيدِ من المؤلفاتِ النافعةِ .