ماجد سليمان البلوي
11-09-2015, 04:46 PM
مكانة اللحية وتقديرها قديمآ في البادية..؟؟
السلام عليكم
كانت زمان للحية مكانة وتقدير وهيبة ووقار..
وعندما يغضب الرجل من شخص ما يقول :
[ في لحيتي بأنك ستندم ] ..
وحينما يريد التأكيد على أمر ما يقول :
[ عيب على لحيتي ] أي العار بلحيتي إذا أخلفت أو لم انفذ هذا الأمر .
وحينما يريد شتم شخص آخر يقول : [ لعنة الله لحيتك ] ..
عبارات كثيرة جدا كانت وما تزال تردد على السنة الناس يوميا في مجتمعنا ..
وتدور كلها حول اللحية بطريقة أو بأخرى ..
والشخص العادي وخاصة في هذا الزمن
قد يرى في تلك العبارات نوع من السذاجة حيث أنها لا تدل على ما يتطابق مع صيغتها..
أو بالأحرى لم تعد تتطابق مع واقع الحال .
في الواقع لقد كان للحية في الماضي شأن وأي شأن ..
لقد كانت رمز للرجولة والشرف والوفاء ,
وكان من اكبر العيوب في البادية أن يحلق الرجل لحيته ..
ولذا فقد كان حلق اللحية قديمآ يعد نوع من العقاب الصارم
والرادع الذي كان يطبق في الأزمان الغابرة ..
فالرجل الذي يقترف عملا دنيئا كان اكبر عقاب يطبق عليه هو حلق لحيته
بشفرة غير حادة امام الملأ ..
وللتعزير كان يطلى الذقن بعد الحلاقة بنوع من الطلاء الأسود المسمى ( ذيفان )..
ولذا فقد جاء في الأمثال قولهم :
[ حلق الله لحية – فلان - وطلاها بذيفان ] .
أو قولهم [ فلان طلى لحيتو بذيفان ] . أي اقترف عملا شنيعا معيب جدا .
::اللحية والرجولة::
من المعروف إن من أكبر الفوارق بين الرجل والمرأة ظاهريا
هو وجود الشعر الكثيف في الرجل بخلاف المرأة .
وكان الرجل يحرص على رعاية شعر لحيته على وجه الخصوص ,
والعناية بها , محاولا الظهور بالمظهر الخشن المنافي للمرأة ,
وكلما كان يبدو أكثر تنافرا مع طبيعة المرأة شكلا ومضمونا
كلما كان أكثر هيبة واحتراما في عيون الآخرين .
::اللحية بمثابة قسم::
حينما يقول الرجل في مجتمعنا [ إنك في لحيتي ] أو مثل هذه العبارة ..
فكأنه قد أقسم قسما غليظا ..
وهذا يعني – أيضا - بأنه لن يتراجع في قوله مهما كانت النتائج ,
وما قال تلك الكلمة إلا وهو عازم على تنفيذ وعده أو تهديده ..
فإن كان وعدا لن يتراجع حتى يتنازل المستفيد ..
أما إذا كان تهديدا فلن يتراجع أيضا إلا تحت ضغط شديد من المجتمع
أو من فئة تهدف إلى الإصلاح ..
ففي هذه الحالة يلزم طرف ما بما يسمى بـ ( الترضية ) ..
أي ترضية لهذا الشخص ..
وكنوع من إعلام الآخرين بأنه لم يتراجع إلا بعد أن حصل على ما يرضي خاطره
ويهدئ غضبه . .
::اللحية والأمان::
قد يحدث بأن يقترف شخص ما عمل يستوجب عقابه أو الانتقام منه ..
وفي هذه الحالة لن يهدأ أصحاب الثأر أو يتراجعون إلا إذا وجد هذا المذنب الأمان
من شخص ذو مكانة أو سطوة ومهابة .
فإذا لجأ هذا المذنب لشخص يمتاز بتلك الصفات ..
وقال أنا في وجهك يا فلان , أو في لحيتك ..
عندها يخرج المجير إلى الملأ قائلا :
( ترون فلان في وجهي ولحيتي ) ..
ومن يؤذيه فقد آذاني ..
عندها لن يجرؤ احد على أذية هذا الشخص , وبالطبع فالمجير لابد إن يبذل
كل ما في وسعه في سبيل الإصلاح بين اللائذ به وبين خصومه .
كما لا يتوقف الأمر عند إجارة شخص فقط , فقد يجيرهذا الشخص – المشهور -
أسرة أو عشيرة كاملة ,, بل قد يفصل بين قبيلتين متحاربتين ..
ويكون ( الضامن والكفيل) على قبيلته كلها بأن لا تخرق هدنة اتفق عليها ..
فأحيانا قد تنشب الحرب بين قبيلتين ..
وتعقد هدنة بين الجانبين ..
ثم لا يبقى إلا ضمانة شخص بأن لا تعتدي إحدى القبيلتين على الأخرى في فترة الهدنة ,
ولذا يتم اختيار شخص من كل قبيلة ليضمن قبيلته ..
وعندها يقول الضامن عند موافقته :
[ الحاضر يخبر الغايب تروني ضامن في لحيتي ما احد من قبيلتنا يعتدي
على قبيلة كذا وكذا حتى يوم كذا وكذا , ومن يقطع في هذه الضمانة لا يلوم إلا نفسه ] .
وهكذا يتم الصلح ..
ويستتب الأمن طوال فترة الهدنة أو [ الأمان ] ..
وإذا ما قام شخص من القبيلة بعمل عدائي ضد الطرف الآخر ..
ففي هذه الحالة يسمى الأمر [ تعييب وتقطيع للوجه ] للشخص الضامن ..
وإذا كان الضامن ذو سطوة قوية – فحتما لن ينجو من قطع وجهه من الانتقام الرادع .
ولكن ذلك نادرا ما يحدث حيث ينبغي على الجميع الالتزام بما التزم به كفيلهم ..
ويعتير تعيييبه هو عيب بالقبيلة كلها .
::اللحية كعقد وفاء::
وكان قديمآ يضطر شخص ما لطلب سلفة أو قرض حسن من
أحد الأشخاص يفك به ضائقة مالية يمر بها ..
وبدلا من طلب شهود وكتابة عقود ..
لا يطلب الدائن من المدين إلا أن يشير على لحيته ويقول:
[ لك في لحيتي هذه بأن أسددك في الوقت الفلاني ] ..
أو يطلب الدائن من المدين – إذا كان المبلغ كبيرا - عدة شعيرات من لحية المدين .
ثم يعطيه ما طلب من مال , ويحتفظ بتلك الشعرات حتى يأتي موعد السداد ,
فإذا لم يبادر المدين بسداد دينه – وذلك نادرا ما يحدث -
عندها يمضى إليه الدائن حاملا معه تلك الشعيرات ..
ثم يقول له :
[ جئت لك بأمانتك التي عندي ] , ثم يريه تلك الشعيرات ..
فيفهم المدين القصد , فيدبر المبلغ المطلوب فورا , ثم يسلمه لدائنه .
ويسترجع تلك الشعيرات .
أو يطلب مهلة قصيرة ويدبر له المبلغ المطلوب ..
نعم كان للحية مكانة عظيمة في البادية وتقدير..
ولكم تحيات
ماجد البلوي
السلام عليكم
كانت زمان للحية مكانة وتقدير وهيبة ووقار..
وعندما يغضب الرجل من شخص ما يقول :
[ في لحيتي بأنك ستندم ] ..
وحينما يريد التأكيد على أمر ما يقول :
[ عيب على لحيتي ] أي العار بلحيتي إذا أخلفت أو لم انفذ هذا الأمر .
وحينما يريد شتم شخص آخر يقول : [ لعنة الله لحيتك ] ..
عبارات كثيرة جدا كانت وما تزال تردد على السنة الناس يوميا في مجتمعنا ..
وتدور كلها حول اللحية بطريقة أو بأخرى ..
والشخص العادي وخاصة في هذا الزمن
قد يرى في تلك العبارات نوع من السذاجة حيث أنها لا تدل على ما يتطابق مع صيغتها..
أو بالأحرى لم تعد تتطابق مع واقع الحال .
في الواقع لقد كان للحية في الماضي شأن وأي شأن ..
لقد كانت رمز للرجولة والشرف والوفاء ,
وكان من اكبر العيوب في البادية أن يحلق الرجل لحيته ..
ولذا فقد كان حلق اللحية قديمآ يعد نوع من العقاب الصارم
والرادع الذي كان يطبق في الأزمان الغابرة ..
فالرجل الذي يقترف عملا دنيئا كان اكبر عقاب يطبق عليه هو حلق لحيته
بشفرة غير حادة امام الملأ ..
وللتعزير كان يطلى الذقن بعد الحلاقة بنوع من الطلاء الأسود المسمى ( ذيفان )..
ولذا فقد جاء في الأمثال قولهم :
[ حلق الله لحية – فلان - وطلاها بذيفان ] .
أو قولهم [ فلان طلى لحيتو بذيفان ] . أي اقترف عملا شنيعا معيب جدا .
::اللحية والرجولة::
من المعروف إن من أكبر الفوارق بين الرجل والمرأة ظاهريا
هو وجود الشعر الكثيف في الرجل بخلاف المرأة .
وكان الرجل يحرص على رعاية شعر لحيته على وجه الخصوص ,
والعناية بها , محاولا الظهور بالمظهر الخشن المنافي للمرأة ,
وكلما كان يبدو أكثر تنافرا مع طبيعة المرأة شكلا ومضمونا
كلما كان أكثر هيبة واحتراما في عيون الآخرين .
::اللحية بمثابة قسم::
حينما يقول الرجل في مجتمعنا [ إنك في لحيتي ] أو مثل هذه العبارة ..
فكأنه قد أقسم قسما غليظا ..
وهذا يعني – أيضا - بأنه لن يتراجع في قوله مهما كانت النتائج ,
وما قال تلك الكلمة إلا وهو عازم على تنفيذ وعده أو تهديده ..
فإن كان وعدا لن يتراجع حتى يتنازل المستفيد ..
أما إذا كان تهديدا فلن يتراجع أيضا إلا تحت ضغط شديد من المجتمع
أو من فئة تهدف إلى الإصلاح ..
ففي هذه الحالة يلزم طرف ما بما يسمى بـ ( الترضية ) ..
أي ترضية لهذا الشخص ..
وكنوع من إعلام الآخرين بأنه لم يتراجع إلا بعد أن حصل على ما يرضي خاطره
ويهدئ غضبه . .
::اللحية والأمان::
قد يحدث بأن يقترف شخص ما عمل يستوجب عقابه أو الانتقام منه ..
وفي هذه الحالة لن يهدأ أصحاب الثأر أو يتراجعون إلا إذا وجد هذا المذنب الأمان
من شخص ذو مكانة أو سطوة ومهابة .
فإذا لجأ هذا المذنب لشخص يمتاز بتلك الصفات ..
وقال أنا في وجهك يا فلان , أو في لحيتك ..
عندها يخرج المجير إلى الملأ قائلا :
( ترون فلان في وجهي ولحيتي ) ..
ومن يؤذيه فقد آذاني ..
عندها لن يجرؤ احد على أذية هذا الشخص , وبالطبع فالمجير لابد إن يبذل
كل ما في وسعه في سبيل الإصلاح بين اللائذ به وبين خصومه .
كما لا يتوقف الأمر عند إجارة شخص فقط , فقد يجيرهذا الشخص – المشهور -
أسرة أو عشيرة كاملة ,, بل قد يفصل بين قبيلتين متحاربتين ..
ويكون ( الضامن والكفيل) على قبيلته كلها بأن لا تخرق هدنة اتفق عليها ..
فأحيانا قد تنشب الحرب بين قبيلتين ..
وتعقد هدنة بين الجانبين ..
ثم لا يبقى إلا ضمانة شخص بأن لا تعتدي إحدى القبيلتين على الأخرى في فترة الهدنة ,
ولذا يتم اختيار شخص من كل قبيلة ليضمن قبيلته ..
وعندها يقول الضامن عند موافقته :
[ الحاضر يخبر الغايب تروني ضامن في لحيتي ما احد من قبيلتنا يعتدي
على قبيلة كذا وكذا حتى يوم كذا وكذا , ومن يقطع في هذه الضمانة لا يلوم إلا نفسه ] .
وهكذا يتم الصلح ..
ويستتب الأمن طوال فترة الهدنة أو [ الأمان ] ..
وإذا ما قام شخص من القبيلة بعمل عدائي ضد الطرف الآخر ..
ففي هذه الحالة يسمى الأمر [ تعييب وتقطيع للوجه ] للشخص الضامن ..
وإذا كان الضامن ذو سطوة قوية – فحتما لن ينجو من قطع وجهه من الانتقام الرادع .
ولكن ذلك نادرا ما يحدث حيث ينبغي على الجميع الالتزام بما التزم به كفيلهم ..
ويعتير تعيييبه هو عيب بالقبيلة كلها .
::اللحية كعقد وفاء::
وكان قديمآ يضطر شخص ما لطلب سلفة أو قرض حسن من
أحد الأشخاص يفك به ضائقة مالية يمر بها ..
وبدلا من طلب شهود وكتابة عقود ..
لا يطلب الدائن من المدين إلا أن يشير على لحيته ويقول:
[ لك في لحيتي هذه بأن أسددك في الوقت الفلاني ] ..
أو يطلب الدائن من المدين – إذا كان المبلغ كبيرا - عدة شعيرات من لحية المدين .
ثم يعطيه ما طلب من مال , ويحتفظ بتلك الشعرات حتى يأتي موعد السداد ,
فإذا لم يبادر المدين بسداد دينه – وذلك نادرا ما يحدث -
عندها يمضى إليه الدائن حاملا معه تلك الشعيرات ..
ثم يقول له :
[ جئت لك بأمانتك التي عندي ] , ثم يريه تلك الشعيرات ..
فيفهم المدين القصد , فيدبر المبلغ المطلوب فورا , ثم يسلمه لدائنه .
ويسترجع تلك الشعيرات .
أو يطلب مهلة قصيرة ويدبر له المبلغ المطلوب ..
نعم كان للحية مكانة عظيمة في البادية وتقدير..
ولكم تحيات
ماجد البلوي