ماجد سليمان البلوي
04-21-2016, 12:56 PM
الطابور الهش..؟؟
السلام عليكم
أسطورة قديمة تحكي أن إله المطر قرر منح عصاته (التي يأمر بها السحاب)
إلى مجموعة من القرويين كي يسقوا مزارعهم بأنفسهم..
وقبل أن يفعل ذلك اشترط عليهم وضع نظام لسقيا الماء
كي لا يختلفوا ويحصل بينهم تصادم..
فرح القرويون وبدأوا باستمطار السحاب بالتناوب وبحسب الوقت والكمية المتفق عليها..
وشيئا فشيئا لاحظ المزارعون أن أحدهم "يغش" ويعصر السحب أكثر
من اللازم ويحتكر لنفسه مياها أكثر من الجميع..
وبسبب الغيرة والتحاسد بدأ الجميع يفرط في استهلاك المياه ولسان حاله يقول :
(ولماذا أنا من يأخذ الحصة الأقل؟)..
كان الترتيب السابق كافياً للجميع ولكن الطمع والحسد جعلا كل طرف
يحرص على نيل الحصة الأكبر..
وهكذا أصبح الجميع يغش ويعتدي على حصة الآخر حتى نشبت بينهم نزاعات مسلحة، وحتى اشتكى السحاب لآلهة المطر استعاد من البشر عصاه فابتسم السحاب وقال لهم:
لهذا السبب ترفض الآلهة ترك أمور الحياة بأيديكم ..
**- ماذا نستفيد من هذه القصة؟
.. أربعة أشياء
الأول: أن تحكّم الناس بكافة أقدارهم يخلق الطغيان والنزاعات بينهم..
والثاني: أن كوارث القدر أرحم بكثير من ظلم البشر..
والثالث: أن الناس لا يتقيدون بالأنظمة والعهود
(ليس بسبب نقص احتياجاتهم) بل بسبب طمعهم وحرصهم على المزيد..
أما الرابع: فهو أن الاتفاقيات البشرية هشة وسهلة الانفراط (وتحدث حتى بسبب الشك والظنون المتبادلة)؛ فما أن تعتقد المجموعة أن أحد أعضائها يغش ويحتال
حتى يفعلون مثله ولسان حالهم يقول "ولماذا أنا وحدي من يتقيد بالقانون"!
يمكنك تمثيل الأمر بطابور يقف فيه الناس بانتظام وصبر واحترام حتى يبدأ أحد
الواقفين محاولة التجاوز والتقدم فيغضب الجميع وتعم الفوضى ويأكل القوي الضعيف
(وهذا ما أدعوه بنظرية الطابور الهش في المجتمعات)!
.. تخيل معي قصة أخرى عن ستة إخوة يملكون مزرعة كبيرة
تركها لهم والدهم المتوفى..
اتفقوا على عدم بيعها والاكتفاء بتقاسم ثمارها وبيعها في السوق..
اتفقوا على أن يخصصوا يوما في الاسبوع لكل شقيق يأخذ من ثمارها
ما يملأ شاحنة المزرعة فقط (في حين يظل يوم الجمعة راحة للجميع)..
إن استمر العمل بهذا الترتيب لن يختلف الإخوة وستستمر المزرعة في الانتاج..
غير أن أحدهم بدأ يُحضر شاحنة جديدة - بجانب الشاحنة القديمة -
ويملأ الاثنتين بالثمار..
تنبه له أحد الإخوة وطالبه بالتقيد بما اتفق عليه الجميع..
ترتفع حدة النقاش بينهما لدرجة التهديد والتصارع بالأيدي..
يسارع لإخبار إخوته الآخرين الذين يذهبون للتحدث مع شقيقهم الغشاش..
غير أنه يستمر على موقفه الأمر الذي دعا أحد الأشقاء إلى الحضور يوم الجمعة
(يوم الراحة) لتحميل شاحنة إضافية..
اتسعت دائرة الشقاق وتحول تعاون الأشقاء إلى تنازع
وتنافس لنهب المزرعة وتحميل شاحنتين وثلاث في اليوم..
أشجار المزرعة أصبحت ضعيفة وعقيمة ووصل التنافس بين الإخوة
حد قطعها هي نفسها وبيعها في سوق الحطب -
وفي النهاية أصبحت المزرعة أرضا بورا وأصبح الإخوة فقراء...
ومرة أخرى نستفيد من هذه القصة ما يلي:
- إنْ تقيَّد الجميع بالنظام ستستمر المزرعة في الانتاج وسد احتياجات الجميع.
- إنع انفرط النظام تظهر حالات سرقة واختلاس يصعب إيقافها
رغم معرفة الجميع بضررها.
- "انفراط الطابور" لا تمنعه أي روابط إنسانية (حتى بين الإخوة)
بل الحزم في تطبيق القوانين..
- إنّ الجشع (وليس الحاجة أو الفقر) هو ما دفع الإخوة لتدمير مزرعتهم بأيديهم..
وتحديدا حين تحول همهم الأساسي إلى (لن يأخذ أحد أكبر من حصتي)!..
تتضح أهمية وجود سلطة رسمية ترعى الاتفاق وتحافظ على تطبيقه
كون الاتفاقات الأخلاقية، والالتزامات الشفهية، هشة وسريعة الانفراط
ولا تحتاج لأكثر من رجل مغرور يعتقد أنه فوق الجميع-!.
ولكم تحيات
ماجد البلوي
السلام عليكم
أسطورة قديمة تحكي أن إله المطر قرر منح عصاته (التي يأمر بها السحاب)
إلى مجموعة من القرويين كي يسقوا مزارعهم بأنفسهم..
وقبل أن يفعل ذلك اشترط عليهم وضع نظام لسقيا الماء
كي لا يختلفوا ويحصل بينهم تصادم..
فرح القرويون وبدأوا باستمطار السحاب بالتناوب وبحسب الوقت والكمية المتفق عليها..
وشيئا فشيئا لاحظ المزارعون أن أحدهم "يغش" ويعصر السحب أكثر
من اللازم ويحتكر لنفسه مياها أكثر من الجميع..
وبسبب الغيرة والتحاسد بدأ الجميع يفرط في استهلاك المياه ولسان حاله يقول :
(ولماذا أنا من يأخذ الحصة الأقل؟)..
كان الترتيب السابق كافياً للجميع ولكن الطمع والحسد جعلا كل طرف
يحرص على نيل الحصة الأكبر..
وهكذا أصبح الجميع يغش ويعتدي على حصة الآخر حتى نشبت بينهم نزاعات مسلحة، وحتى اشتكى السحاب لآلهة المطر استعاد من البشر عصاه فابتسم السحاب وقال لهم:
لهذا السبب ترفض الآلهة ترك أمور الحياة بأيديكم ..
**- ماذا نستفيد من هذه القصة؟
.. أربعة أشياء
الأول: أن تحكّم الناس بكافة أقدارهم يخلق الطغيان والنزاعات بينهم..
والثاني: أن كوارث القدر أرحم بكثير من ظلم البشر..
والثالث: أن الناس لا يتقيدون بالأنظمة والعهود
(ليس بسبب نقص احتياجاتهم) بل بسبب طمعهم وحرصهم على المزيد..
أما الرابع: فهو أن الاتفاقيات البشرية هشة وسهلة الانفراط (وتحدث حتى بسبب الشك والظنون المتبادلة)؛ فما أن تعتقد المجموعة أن أحد أعضائها يغش ويحتال
حتى يفعلون مثله ولسان حالهم يقول "ولماذا أنا وحدي من يتقيد بالقانون"!
يمكنك تمثيل الأمر بطابور يقف فيه الناس بانتظام وصبر واحترام حتى يبدأ أحد
الواقفين محاولة التجاوز والتقدم فيغضب الجميع وتعم الفوضى ويأكل القوي الضعيف
(وهذا ما أدعوه بنظرية الطابور الهش في المجتمعات)!
.. تخيل معي قصة أخرى عن ستة إخوة يملكون مزرعة كبيرة
تركها لهم والدهم المتوفى..
اتفقوا على عدم بيعها والاكتفاء بتقاسم ثمارها وبيعها في السوق..
اتفقوا على أن يخصصوا يوما في الاسبوع لكل شقيق يأخذ من ثمارها
ما يملأ شاحنة المزرعة فقط (في حين يظل يوم الجمعة راحة للجميع)..
إن استمر العمل بهذا الترتيب لن يختلف الإخوة وستستمر المزرعة في الانتاج..
غير أن أحدهم بدأ يُحضر شاحنة جديدة - بجانب الشاحنة القديمة -
ويملأ الاثنتين بالثمار..
تنبه له أحد الإخوة وطالبه بالتقيد بما اتفق عليه الجميع..
ترتفع حدة النقاش بينهما لدرجة التهديد والتصارع بالأيدي..
يسارع لإخبار إخوته الآخرين الذين يذهبون للتحدث مع شقيقهم الغشاش..
غير أنه يستمر على موقفه الأمر الذي دعا أحد الأشقاء إلى الحضور يوم الجمعة
(يوم الراحة) لتحميل شاحنة إضافية..
اتسعت دائرة الشقاق وتحول تعاون الأشقاء إلى تنازع
وتنافس لنهب المزرعة وتحميل شاحنتين وثلاث في اليوم..
أشجار المزرعة أصبحت ضعيفة وعقيمة ووصل التنافس بين الإخوة
حد قطعها هي نفسها وبيعها في سوق الحطب -
وفي النهاية أصبحت المزرعة أرضا بورا وأصبح الإخوة فقراء...
ومرة أخرى نستفيد من هذه القصة ما يلي:
- إنْ تقيَّد الجميع بالنظام ستستمر المزرعة في الانتاج وسد احتياجات الجميع.
- إنع انفرط النظام تظهر حالات سرقة واختلاس يصعب إيقافها
رغم معرفة الجميع بضررها.
- "انفراط الطابور" لا تمنعه أي روابط إنسانية (حتى بين الإخوة)
بل الحزم في تطبيق القوانين..
- إنّ الجشع (وليس الحاجة أو الفقر) هو ما دفع الإخوة لتدمير مزرعتهم بأيديهم..
وتحديدا حين تحول همهم الأساسي إلى (لن يأخذ أحد أكبر من حصتي)!..
تتضح أهمية وجود سلطة رسمية ترعى الاتفاق وتحافظ على تطبيقه
كون الاتفاقات الأخلاقية، والالتزامات الشفهية، هشة وسريعة الانفراط
ولا تحتاج لأكثر من رجل مغرور يعتقد أنه فوق الجميع-!.
ولكم تحيات
ماجد البلوي