ماجد سليمان البلوي
04-02-2017, 11:13 PM
بحث طويل لمن يحب القراءة عن ملحمة عيد النيروز..؟؟
المقدمة:
اغلب الباحثين المختصين بعالم الأساطير والتاريخ القديم يتفقون على أن نوروز، هو احد أقدم الأعياد في تاريخ البشرية، وفي التاريخ القديم لبلاد ما بين النهرين، يشير أكاديمي مختص بالأساطير الى ان عيد (ديموز) المعروف لدى السومريين هو ذاته عيد نوروز، وهنالك أجماعاً لدى علماء الآثار والتاريخ، بان السومريين قد نزحوا من كردستان الى جنوب ما بين النهرين، ويستدل للرابط بين (ديموز) و(نوروز) بان الاثنان يقامان في نفس اليوم حسب التقويم الشمسي، ولهما نفس الأبعاد الدلالية من حيث اعتبارهما اليوم الأول من العام الجديد وبداية فصل الربيع.
(نيروژ) أو نوروز أو روژا نوى،أصل كلمة نوروز هو من الأفستية (الأفيستة لغة كتب بها الكتاب المقدس لدى الزردشتيين ) وتتكون من nava يعني "جديد" وrəzaŋh أي (يوم) أو (ضوء الصباح) مما يعني يوم جديد أو (ضوء جديد) وهذه الكلمة لها نفس المعنى بالكوردية وبالفارسية وكل الشعوب الآرية (نو= جديد + روز= يوم، أي يوم جديد).
نوروز الذي يصادف اليوم الأول للسنة الكوردية (21 اذار) ، هو العيد القومي لدى الشعب الكوردي وعدد من شعوب شرق آسيا، وهو من الأعياد القديمة التي يحتفل بها الكورد والفرس وكل الشعوب الآرية، والذي يصادف التحول الطبيعي في المناخ والدخول في شهر الربيع الذي هو شهر الخصب وتجدد الحياة في ثقافات عدد من الشعوب الآسيوية، لكنه يحمل لدى الكورد بعداً قومياً وصفة خاصة مرتبطة بقضية التحرر من الظلم، وفق الأسطورة التي تشير إلى ان إشعال النار كان رمزاً للانتصار والخلاص من الظلم الذي كان مصدره أحد الحكام المتجبرين.
يحتفل بهذا العيد اضافة الى الكورد )الفرس والأذربيجانيون والأرمن والبلوج والأفغان والطاجيك والأوزبك والتركمان والكازاخ) ، وهنالك شعوب أخرى تعتبر هذه المناسبة عيداً (قومياً،وطنياً)، ولكن لا مبالغة ان الكورد من أكثر الشعوب التصاقاً بنوروز، والعثمانيين طوال فترة حكمهم للقسم الأكبر من كوردستان حاربوا نوروز وتقاليده بعنف، في حين ان المسلمين في عصور الراشدين والأمويين والعباسيين لم يعادوا نوروز، بل تقبلوه ولم يبادروا الى منعه لدى المعتقدين به، إلا ان الأمة الكوردية لم تنسى تراث نوروز، فهنالك اعتقاد شعبي راسخ تتجه الكثير من الأبحاث لتأصيله وتعميقه، يقال بان نشأة هذا العيد وتقاليده يعود بأصله الى جغرافية كوردستان، وأقوام زاكروس هي أولى الأقوام التي احتفلت بنوروز وواصلت الاحتفال به.
يحتفل متحدثو اللغة الفارسية في إيران (الفرس) وأفغانستان (الطاجيك والباشتون) بعيد نوروز، حيث أن للعيد تقاليد خاصة مثل مائدة عيد النوروز والتي تدعى هفت سين والتي تتكون من 7 أشياء تبدأ بحرف السين باللغة الفارسية وهي مرتبطة بالديانة الزرادشتية، وحين تحل ساعة الصفر وبدء السنة الجديدة يجلس أفراد كل أسرة حول مائدة (سفرة) توضع فيها سبعة أشياء أو أطعمة، تبدأ أسماؤها بحرف السين باللغة الفارسية، وهي غالبا من الفواكه والمكسرات، فضلا عن وضع كمية من النقود المعدنية ونسخة من القرآن الكريم، وآنية فيها سمكة ملونة ومرآة ..
وكمية من الحنطة المنقوعة بالماء بضعة أيام حتى صارت كأنها قطعة من بستان.
ويتناقل الايرانيون اساطير وروايات مختلفة فيما يتعلق بمائدة السينات السبع فمن الروايات التي يذكرونها بأن حرف السين هو اختصار لكلمة (سيني)..
او الطبق حيث كان الايرانيون قديما يحضرون انواع الاطعمة ويضعونها على
اطباق نحاسية مزينة ليأكل منها الملائكة السبعة الذين يحضرون الى كل منزل في ليلة العيد، اضافة الى ان العدد (7) بالنسبة للإيرانيين كما عند الكثير من شعوب العالم هو عدد مقدس .
ويقوم الاطفال بالتعبير عن فرحهم بحلول النوروز بشراء الاسماك الملونة واخذ (العيدية) من الوالدين، بينما ينشغل الايرانيون بتبادل الزيارات في ايام العيد ويستفيدون من العطلة التي تستمر اسبوعين للسفر الى المناطق السياحية داخل او خارج ايران للاستجمام والاسترخاء.
نوروز والأسطورة:
هناك الكثير من الاساطير ولكن هذه الاسطورة الاهم والمتداولة بين بين ابناء الشعب الكوردي وكثيرين من أصدقائهم في العالم، يقال باختصار: في قديم الزمان كان هناك ملكُ شريّرُ يسمى (الضحاك،كان هذا الملك ومملكته قد لُعِنا بسبب شرِّه، والشمس رَفضتْ الشروق وكان من المستحيلَ نَمُو أيّ نبات،.هذا الملك(الضحاك) كَانَ عِنْدَهُ لعنةُ إضافيةُ وهي امتلاك أفعيين رَبطتا بأكتافه كلما جاعت الأفاعي كَانَ يشعر بألمِ عظيم، والشيء الوحيد الذي يَرضي جوعَ الأفاعي أكل أدمغةَ الأطفالِ، لذا كُلّ يوم يقتل اثنان من أطفالِ القُرى المحليّةِ وتقدم أدمغتهم إلى الأفاعي.
أما (كاوه) الحدادَ الذي كُرِهَ الملكَ بعد قتل 16 مِنْ أطفالِه الـ 17 الذين كَانوا قَدْ ضحى بهم لأفاعي الملكَ، عندما علم ان طفلَه الأخيرَ وهي بنت، سوف تقتل جاءَ بخطة لإنقاذها، بدلاً مِنْ أنْ يَضحّي ببنتِه، ضَحّى(كاوه) بخروفِ وأعطىَ دماغَ الخِروفَ إلى الملكِ، لَمْ يُلاحظْ الاختلاف، عندما سمع الآخرون عن خدعة (كاوه) عَمِلوا جميعاً نفس الشيء ، وكانوا في الليل يُرسلونَ أطفالَهم إلى الجبالِ مَع(كاوه) حيث سَيَكُونونَ بأمان معه، كبر الأطفال في الجبالِ وأصبح مع (كاوه) جيشاً مِنْ الأطفالِ جهزه لإنْهاء عهدِ الملكِ الشريّرِ، عندما أصبحت أعدادهم عظيمة بما فيه الكفاية، نَزلوا مِنْ الجبالِ واقتحموا القلعةَ..
وقام كاوه بنفسه باختيار الضربةَ القاتلةَ للملكِ الشريّر (الضحاك)، ولإيصال الأخبار إلى شعب بلاد ما بين النهرينِ بَنى مشعلا كبيرا أضاءَ الحبال وطهّرَ البلاد من شر عهدِ (الضحاك). في صباح اليوم التالي بَدأَت الشمسُ بالشروق ثانيةً، والنباتات بَدأَت بالنَمُو مرةً أخرى، هذه هي البِداية ليوم جديد أَو نيروژ (نهوروز) كما يتهجى في اللغةِ الكورديةِ.
تعتبر نار نوروز رمزا للإصرار على الحياة الحرة ، لذلك يحرص كل كوردي على إحياء نوروز وإشعال النار مهما كانت العراقيل والمخاطر، للنار مكانة هامة في تاريخ الشعوب الآرية والشرقية عموماً والشعب الكوردي بشكل خاص فيرمز به إلى النور و يستخدمونه للاهتداء وللدفء والتقرب من الرب فـ زرادشت حين وحد بين إلهي الخير والشر في شخصية الإله الواحد عبر عن ذلك بإشعال النيران،
و الميديين هم أول من استخدموا السهام النارية في حروبهم ضد الأعداء بعد طلائها بالزيت والنفط ورميها بسرعة معينة، ويرمز النار بالغة الكوردية إلى النشاط والحركة بمعنى فلان نشيط وسريع كاللهب، كما يرمز به إلى الحزن واللوعة بمعنى أن موت فلان احرق القلب، حتى أن موقد النار في البيت الكوردي كان يتميز في البيوت الأخرى فيجد الجالسون حوله متعة في تحريك الجمر والحطب وكذلك الرماد.
يسمي العراقيون العرب في جنوب العراق يوم النوروز (الدخول)
اي دخول سنة جديدة بدايتها الربيع (حسب التقويم الفارسي )..
ويحتفلون بالنوروز بتزيين البيوت وعمل الخبز المحلي والحلوى الصفراء (زرده)،ولبس ملابس جديدة والخروج من المدن والقرى الى شواطئ الانهار ويزورون قبور الائمة والسادات ويقوم اهل الريف بسباقات الخيل وممارسة الاهازيج التي يسمونها (الهوسات) في الفضاء قرب قبور السادات في الريف.
وفي المجال الرسمي فالدول العربية مثل العراق والأردن يسمون النوروز (عيد الشجرة) حيث هو مناسبة لغرس الاشجار، وفي مصر فللربيع عيد يسمونه (عيد شم النسيم) في الاسبوع الاول من شهر نيسان ولعله يصادف يوم الطبيعة في ايران اليوم الثالث عشر من ابتداء النوروز.
طقوس نوروز في ثقافة الكورد هي مأثرة قومية ومعلم إنساني، يجسد شموخهم في وجه الظلم الذي لم يبرح حياتهم بعد، وتحديا متجددا في وجه الظالمين، نوروز دعوة للالتقاء واللقاء ورمز لانتصار الحق على الباطل، وبداية لعهد الخير والحرية و بالازدهار في ربوع المنطقة وعبر القرون والأجيال ترسخ نوروز في عرف وثقافة الشعب الكوردي وتحول إلى كرنفال سنوي يجسد حبه للطبيعة وشوقه إلى الحرية، وحاجته للقاء الناس والخلان على دفئ شمس آذار في الحادي والعشرين من كل عام ، يستعد الكوردي للقاء نوروز منذ مطلع آذار فيشرق وجهه ويطيب لقياه ويتدفق الدم في عروقه كما يتدفق النسغ في أغصان النبات ليورق ويزهر..
ينشغل الأطفال والشباب بتحضير ملابس العيد والكبار يدعون السماء أن تمطر خيرا كل يوم، وتنقشع الغيوم يوم نوروز لتشرق الشمس ويطيب العيد يوم العشرين من آذار، وبعد مغيب الشمس تجري العادة أن يتسلق الشبان والشابات الجبال والروابي، في القرى والأرياف الكوردستانية ويشعلون النيران في الأمكنة المرتفعة والمرئية للناس، الذين يخرجون بدورهم إلى الشرفات والساحات لمشاهدتها إيذانا بقدوم نوروز، ومن أراد لفت الانتباه أكثر ابتعد وتسلق إلى القمم أو كتب بالنيران كلمة يعشقها الكورد مثل: ازادي أي الحرية ، أو كردستان ، نوروز.
كان ملوك الفرس والعجم والساسانيين والأقوام الشرقية، يحتفلون بمراسيم العيد بشكل اسطورى ، يذكر الفردوسي في ملحمة الشاهنامة أنه في بدء الخليقة كان هناك ملك اسمه جيومرث (الاسم كردي ويعني رجل الجبل)، حباه الله بعناية فائقة أقام في الجبال، وبسببه انتشرت الحضارة في الأرض إلخ. وتستمر الملحمة بذكر إبن جيومرث وأحفاده حتى تأتي على ذكر جمشيد الذي حمل الجن مركبته إلى جميع أطراف الأرض وكان ذلك في يوم أصبح عرفاً مقدساً عند الاريين وهو يوم نوروز أي اليوم الجديد، فكان موكب الملك جمشيد يحمل على عربة منذ ساعات الفجر الأولى ويتقدم الموكب ألف فارس يرتدون مآزر بيضاء وخوذات من ذهب ويركبون أحصنة بيضاء، وكان الكهنة أيضاً يرتدون الثياب البيضاء ويرافقهم (365) فتى بعدد أيام السنة..
نوروز والشعراء:
لـ نوروز طقوس في الأدب الفارسي والعربي وفي العهد الأموي والعباسي وفي الأدب العربي الحديث، فقد تغنى الشعراء الفرس والأتراك والكورد والعرب بفصل الربيع، ونظموا قصائد سموها بقصائد بهارية، نسبة إلى كلمة بهار وتعني الربيع باللغة الفارسية والكوردية، وفي العهد الإسلامي بدؤوا بتهنئة الأمراء السامانيين وغيرهم بعيد نوروز.
وقد هنأ الشاعر الشريف الرضي بهاء الدولة بالنوروز في قوله :
وأنعم بذا النيروز زوراً نازلاً ومنتظره - آل بويهٍ أنتم الأمطار والناس الخضره
وقال الطبري في حوادث سنة 282 هـ بشأن ایقاد النار وصب الماء.
لما رأیت النوروز سنته ـ صبّ میاه وشب نیران
نوروزت وحدي والشوق یقلقني ـ بنار قلبي وماء اجفان
تشير الوقائع التاريخية في العهدين الأموي والعباسي الى ان خلفاء الدولة العباسية والأموية قد احتفلوا بعيد النوروز حيث كان الخلفاء والأمراء يتلقون الهدايا ويتبادلونها، ويعتبر الحجاج بن يوسف الثقفي أول من قدم هدايا النوروز في الإسلام، واستمر ذلك إلى عهد أحمد بن يوسف الكاتب الذي أهدى للمأمون سفطاً من الذهب، فیه عود هندي في طوله وعرضه وكتب معها هذا یوم جرت فیه العادة بألطاف العید والسعادة فقال:
علی العبدِ حقٌّ فهوَ لابدَّ فاعلِهِ ـ وإن عظِمَ المولی وجلَت فضائلُهُ
الم تَرنا نُهدي إلی الله ماله ـ وَإن كان عنَهُ ذا غني فهوَ قابلهُُ
ومن السنن الفارسیة القدیمة هي تقدیم الهدایا یوم النوروز من جمیع طبقات الناس إلی الملك وكذلك العكس، وعادت تلك السنة القدیمة إلی الظهور في العصر العباسي، وبدأ الأمراء والشعراء والخطباء یهدون الهدایا الثمینة إلی الخلفاء وكان الخلفاء یقابلونهم بهدایا أكر كانت ذات تأثیر أكبر في نفوسهم ، وبلغت قيمة الهدايا التي حملت إلى معاوية بالشام عشرة ملايين درهم .
كما قال الشاعر في وصف الهدیة.
إن الهدَّیة حلوةٌ ـ كالسَّحرِ تَجتَلِبُ قلوباً
توني البغیض من الهوی ـ حتّی تصّیره قریباً
وتُعیدُ مضطَغِنّ العدا ـ وَة بعد نقرته جسیاً ..
تغنى شعراء كثيرون في العهد العباسي بعيد النوروز أمثال البحتري، الشريف الرضي، والمتنبي وابن الرومي، أبو تمام وابن المعتز وغيرهم.فمثلا الشاعر الوليد البحتري الذي أعجب بالطبيعة يقرن النوروز بالربيع وبالورد والجمال والفرح والأنس ويعبر عن الربيع بالنيروز يقول في مدح الهيثم الغنوي.
أتاك الربيع الطلق يختاك ضاحكا ـ من الحُسن حتى كاد أن يتكلّما
وقد نبه النوروز في غسق الدجى ـ أوائل ورد كُن بالأمس نوما
يُفتقها برد الندى فكأنه ـ يبُث حديثا كان قبلُ مُكتما
ومن شجر ردّ الربيع لباسه ـ عليه كما نشرت وشياً منمنما
أحلّ فأبدى للعيون بشاشة ـ وكان قذى في العين او كان مُجرما
ورق نسيم الريح حتى حسبته ـ يجيء بانفاس الاحبة نُعما
مما يحبسُ الراح التي انت خلّها ـ وما يمنع الاوتار ان تترنما
وهنّأ ابن الرومي عبید الله بن عبد الله بمناسبة عید النوروز فأنشده:
یوَم الثلُاثاءِ: ما یوَمَ الثلُاثاء؟ ـ في ذرُوةٍ من ذرُا الأیامِ علیاءِ
كأنَّها هو في الأسبُوعِ واسطةٌ ـ في سمطِ دُرِّ یُحلّ جید حَسناءِ
ما طابق الله نیروز الامیر بهِ ـ الاّ لِتلقءُ فیه كلُّ سَّاءِ
لا سیمَّا في ربیع مُمرع غدَِقٍ ـ ما اَنفَك یُتبعُ انواءً بأنواءِ..
وقال عبد الصمد بن بابك يخاطب الصاحب بن عباد وزير عضد الدولة البويهي الديلمي، كتب وصف جميل للنيروز والربيع وهذه قصيدة طويلة مدح بها ذلك الامير.مطلعها:
لقد نشر النيروز وشياً على الربى ـ من النور لم تظفر به كف راقم
كأن بن عباد سقى المزن نشره ـ فجاد برشاش من الوبل ساجم
كأن الصاحب بن عباد سقى الغيوم من كرمه وجوده فهذا السحاب الممطر بهذا الوابل من المطر كأنه متأثر بجود ابن عباد وهذا مدح واضح.
اما ابن الرومي فهو يهنئ عبيد الله بن عبد الله بيوم المهرجان يقول:
ما رأت مثل مهرجانك عينا ـ اردشير ولا انوشيروان
مهرجان كأنما صورته كيف ـ شاءت مخيرات الاماني
واديل السرور واللهو فيه ـ من جميع الهموم والاحزان..
وإغتنم شعراء العرب والفرس قدوم النوروز، لكي ینظموا قصائد في مدح خلیفة
أو تهنئة امیر وذلك لأجل تمكین الصلة وتوطید أواصر الصداقة.
وهنأ ابو تمام أبا دلف القاسم بن عیسی بسلامة من علة لحقته فأنشد:
قد شَّرَد الصبّحُ هذا اللیل عن أُفقِه ـ وسوَّغ الدّهرِ ماقد كان مِن شَرَقِه
سِیقَت إلی الخلقِ في النَّیروزِ عافیَةٌ ـ بها شَفاهُم جدیدُ الدَّهرِ مِن خَلَقِه
شبه ابو تمام ابا دلف بالصبح، والصبح رمز للضیاء والنور، هذا النور قضی علی الظلام الذي تمثّل في شخصیة الافشین، الذي عبر عنه ابو تمام باللیل.
وكشف المتنبي في هذه القصیدة عن مشاعره وإحساساته، وبین ما في نفسه في صراحة وصدق، علی إن النوروز خیر صلة بین الأمتین العربیة والفارسیة وشارك إخوانه الفرس وهو في أرض فارس بهذا العید السعید. والصنوبري شاعرالطبیعة، صوّر لنا جمال الربیع في أروع قصیدة انشدها في وصف الربیع بقوله:
ما الدَّهرُ الاّ الرّبیعُ المُستَنیرُ إذا ـ أتی الرّبیعُ أتاك النوَّر والنوُر
الأرضُ یاقوتةٌ، والجوُّ لؤلؤةٌ ـ والنبتُ فیروزجٌ، والماءُ بلوّرُ
ما یعدمُ النبتُ كأساً من سحائبه ـ فالنبتُ ضربان: سكرانٌ ومخمورُ
تظلُّ تن شُ فیه السُّحبُ لؤلؤَها ـ فالأرضُ ضاحكةً، والطیر مسرورُ
حیث التفتَّ فقمريٌّ و فاختةٌ ـ فیه تغنّي شفنینٌ وزرزورُ
إذا الهزاران فیه صَوَّتا فهما ـ السّورنايُ، بل عودٌ و طنبورُ
تبارك الله احلي الرَّبیعَ فلاـ تُغرَر فقائسُهُ بالصَّیفَ مغرُور
منَ شَمَّ ریحَ تحَیّاتِ الربّیع یقَلُ ـ لا المسك مسك ولا الكافوُر كافورُ.
ووصف ابو نواس جمال الربیع ،ومجالس جماعات السكارى الشاربین
تحت باقات من الزهور، فقال:
یُباكرُنا النُّوروزُ في غَلَسِ الدُّجی ـ بنورٍ علی الأغصانِ كالانجم الزُّهرِ
یلوحُ كأعلامِ المطارفِ وشیُهُ ـ من الصُّقر فوق البیضِ والخُضر والحُمرِ
ادا قابَلتَهُ الریّحُ أو ما برأسهِ ـ إلی ال شَّبِ أن سُُّوا ومالَ إلی السُّكر
ومسمعةٍ جاءَت بأخَرَس ناطقٍ ـ بغیر لسانٍ ظلّ ینطقُ بالسّحرِ
لتبديَ سرّ العاشقین بصوتِهِ ـ كما تنطِقُ الاقلامُ تجهر بالسَِّّ
تَری فَخُذ الألواح فیها كأنّها ـ إلی قَدَم نیطَت تضجُّ ألی الزَّمرِ..
عندما كانت تشعل النيران ليلا ابتهاجاً باحتفال يوم النوروز في العراق قديما، تصنع الحلوى وتضاء الأسواق، وللشاعر أبي الحسن محمد بن عبد الله ألسلامي قصيدة يذكر فيها تلك النار التي كانت تشعل في زمانه ويستأنس بها ويتمنى لو يلقى فيها بأنفس أعضائه ليكون حطبا حين خبا لهبها لتستعر من جديد ويستأنس بها مع الناس إذ قال:
لا زلت اشتاق نارا أوقدت لهباً ـ حتى ظننت عذاب النار قد عذُبا
يعلو الدخان بسود من ذوائبها ـ قد عط فيها قناعُ التبر واستُلبا
قد كلُلّت عنبراً بالمسك ممتزجاً ـ وطُوقت جُلُناراً واكتست ذهبا
فالنور يلعب في أطرافها مرحا ـ والجمرُ يرعد في أكنافها رهبا
وطار عنها شرارُ لو جرى معهُ ـ برق دنا أو تلقى كوكباً لكبا
لو كان وقت نثار خلّته دُرراً ـ أو كان وقت انتصار خلُته شُهبا
والليل عُريانُ فيه من ملابسه ـ نشوانُ قد شَقّ أثواب الدجى طربا
أقسمت بالطرف لو أشرفت حين خبث ـ جعلت أنفس أعضائي لها حطبا..
وفي الأدب العربي الحديث استخدم بعض الشعراء مناسبة نوروز، رمزاً كفاحياً وتحررياً للشعوب ضد الاستعمار وأعوانه، ومن هؤلاء الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته (وحي النيروز)، داعيا إلى تكاتف الشعبين الكوردي والعربي ضد مخططات الاستعمار في المنطقة، وثورة الفقراء الكادحين على الظلم الذي كانوا يعانون منه، ويذكر بالظلم الواقع على الفقراء العرب والكورد في العراق إذ قال:
يا شعب كاوه سل الحداد كيف هوى ـ صرح على الساعد المفتول ينهارُ
وكيف اهوت على الطاغي يدُ نفضت ـ عنها الغبار وكيف انقض ثوار
والجاعل الكير يوم الهول مشعله ـ ينصب منه على الافاق انوارُ
«شيرين» يا جبلّ الاحرار ما غفلت عن حقها الضائع المسلوب احرار
«كاوه» ك«يعرب» مظلوم يمد يداً ـ الى اخيه فما ان يهدر الثار
والمستغلان في سهل وفي ـ جبل يدميهما بالسياط الحمر غدار
سالت دماؤهما في الوسط وامتزجت ـ فلن يفرقها بالدس اشرار
واغمد الغدر في الصدرين مخلبه ـ فجمعت بالدم الجرجين اظفار
وقرّب القيد من شعبين شدّهما ـ ووجهت من خطى الشعبين افكار
ووحّد الجوع عزم الجائعين على ـ أن يقودهما الاّ تخمد النارُ نوروز..
فنجد الشاعر بدر شاكر السيّاب ينظم عن النوروز قصيدة ثانية ليعبر عن كون هذا العيد هو عيد البشر جميعاً فهو لكافة الأجناس البشرية كرد وعرب وترك وفرس ففيه ميلاد ربيع أرض تتسع للجميع فيقول :
حلوُ الشباب من الدنيا اوائله ـ بدء الربيع من الايام نوروز
صباح الخير يا تاراً صباح الخير يا عبلة ـ عبير النرجس عطر وزي الخلق استبرق
هنيئاً يا ابنة كاوة هنيئا يا ابنة عنتر ـ فهذا العيد حيانا وذاك النور قد اشرق
وهبت من صبا نجد نسائم نحو اهلينا ـ ولاقتها بأرض العز شمول غيمها ابرق
وفاح النرجس البرّاق في الرّوض وفي الأفق ـ وفي نشوة احساس قرير العين يستغرق
وفاضت من عيون الارض انهار بوادينا ـ وهامت في فضاء الجو طيور الحب تشوق
فاخضرت جبال العز وازدانت سهول ـ الخير بالخضرة والبهجة كمال الحسن يزوق
وصات البُلبل الصداح الحانا بالحان ـ وماج الرّوض بالاطيار نعم الصاحب الارفق
و للشاعر منير محمد خلف قصيدة نوروز
نام الربيعُ على دمي، فرأى على شطآنِ صوتي عاشقاُ منهارا،
فتَّحْتَ قلبي ياربيعُ ولم أكنْ من قبل عيدِكَ أَعشقُ الأزهارا
فتّحتَ لي فرحاً فصارَ ملوّناً مثل الشموسِ تُكحِّلُ الأسرارا،
عمَّرْتَ لي حُلُماً وكان محطَّماً وأعدتَ لي وطناً وكان غُبارا،
فأنا وأنتَ كعاشقينِ كلاهما يزدادُ في لغةِ الأصابعِ نارا.
أنهارُ فجركَ في عروقي فجَّرَتْ لبلابَ عشقٍ ينزلُ الأقمارا،
هل أنت صوتي أم ظلاُلكَ في دمي بين المرايا توقِظُ الأمطارا؟!
الآن أدركُ أنني طفلٌ على أطرافِ عُمري أنزف الأطيارا.
للشاعرة العراقية أفراح الكبيسي قصيدة
الطبيعةُ الأمْ.. الأنثى المقدسة
في محاريبِ الفصولْ
يتزوجونها تباعاً
الشتاءْ.. هذا الفضُّ المتعجرفْ
يأمرها بألا تغادرَ محرابه
ويعاملها كجارية
وهي تتحمّلُ بصمتٍ عواصفهُ المدويّة
ضامةً أبناءَها إلى حضنها
لئلا يُصيبَهمْ بعضُ شرّه
الصيفْ.. هذا المتحرّرُ اللعوبْ
يأخذُها في نزهاتٍ متتالية
يباهي بها أصدقاءَه
يغمرُها بالهدايا
يحرّضُ أولادها على مغادرةِ حجرها
والانطلاقِ نحو الحياة
الخريفْ.. هذا المتقلبُ المزاجْ
يُبقيها في حيرةٍ لا منتهية
وفي رحلةِ شكٍ بين حزنهِ وقلقه
أولادها يفرّونَ منه
بطريقةٍ تشبهُ لعبةَ الاختباءْ
الربيعْ.. هذا المرحُ المتفائلْ
يجعلُ ابتسامتها لا تغادرُ شفتيها
ويعطيها دوافعَ للاستمرارْ
وينقلُ عدوى البهجةِ إلى أبنائها
الربيعْ.. هذا الكريمُ السخيّ
أعطاها يوماً للحرية
وأنْ تكونَ كما هي.. دون تأثيرِ رجالها
أنْ تُظهرَ اعتدالها وجمالها
حكمتها ورزانتها
رقتها وأنوثتها
دفئها وألقها
خيراتها ومباهجها
فكانَ النوروزْ .
حاز هذا اليوم التاريخي الكبير الذي يعتز به الكورد على اهتمام الشعراء الكورد على مر العصور والأزمان وتغنوا به حتى الوقت الحاضر، وانعكست معاني ورموز نوروز في قصائدهم وكتبوا عنه اجمل الابيات الشعرية.
فالشاعر الكبير ملايي جزيري (1407-1481) يذكر في قصيدة له بخصوص (نوروز) حيث يشير إلى توهج نارها البهي في القلوب و نورها المضيء يدل على مناسبة رأس السنة .
ئه ف نارى سيقالا دله دايم ل وى قالا دله ـ نوروز و سه رسالا دله وقتى هاتينه ئه و سيراج
اما أمير الشعراء وصاحب ملحمة (مه م وزين) أحمدي خاني (1650-1706) يشيد بهذه المناسبة التي تعكس آمال وطموحات الكورد في الحرية والاستقلال، ويشير إلى خروج الناس إلى الطبيعة للاحتفال والتنزه وانشراح القلوب.
روزا كو دبويه عيدى نه رووز ـ تعظيم ز بو دمال دل ئه فروز
اما الشاعر مولوى (1806-1882) المعروف بحبه وعشقه للطبيعة والمعروف بشاعر الحب والطبيعة فهو يقول عن
نوروز انه علامة على بداية الربيع والخير.
نيشانه ى نه وروز واده ى بوه هار ه ن ـ يا نيشانه ى ئاماى نامه ى نيكَاره ن
وفي قصيدة (نوروز) للشاعر وفائى (1841-1902) شاعر الغزل والهيام نجد بأنه يرى في حلول الربيع وإطلالة (نوروز) انتعاش الهوى والحب بين العشاق وتبادل الرسائل القلبية بينهم.
نه سيمى بادى نه وروزى شه ميمى عه بهه ر ى هينا ـ به ريدى عاشقان ديسان به يامى دلبه رى هينا
اما الشاعر جكرخوين (1903-1984) فيرحب بنوروز في قصيدته (نوروز كيو) نسبة الى البطل الميدي كيوخسرو، و الذي يعتبر مجيء نوروز احياء للطبيعة ولجمال الوطن في شهر آذار، وعيداً لكوردستان .
ئاداره ئاداره نوروز و بهاره
ئاداره ره نكينه ده م و به نكا زينه
نابى وه ك نيسانى جزنا كوردستانى
هذا غيض من فيض، مما كتب عن هذه المناسبة فقد تناولها شعراء قدماء آخرين من الكورد ولا يتسع المجال لسردهم جميعاً، ناهيك عن ما كتبه الشعراء المعاصرين عن معاني هذا اليوم و دلالته، ولم يبقى شاعر كوردي إلا وتناول موضوع نوروز وكتب عنه، وكذلك لم يبقى مطرب وفنان كوردي إلا وله اغنية او نشيد على هذا اليوم الموعود الذي يجتمع فيه قلوب الكورد معاً، و يرفعون مشعل الحرية عالياً وينشدون معاً اغنية (نوروز) المشهورة للفنان الراحل حسن زيرك، ومن كلمات الشاعر بيره ميرد. وتعد قصيدة الشاعر الكردي المعروف بيرميرد، عن نوروز من القصائد التي بقيت خالدة في نفوس الشعب الكردي منذ عام 1948 وحتى الآن وغدت أنشودة جماهيرية ترددها الحناجر وتصدح بها في احتفالات نوروز كل عام.
ولد الشاعر بيرميرد في مدينة السليمانية سنة 1867 وتوفى سنة 1950 ودفن في تلة (مامه يارة) في نفس المدينة. اما دور (بيره ميرد) في اقامة احتفالات نوروز نجد له اهتماماً منقطع النظير بهذه المناسبة فهو كان حريصاً أكثر من غيره على احياء ذكرى نوروز في منطقة (كاريزى وه ستا شريف) عند مرتفع (مامه ياره) الشهير في مدينة السليمانية وكان يهيئ ويعد العدة لها بأعداد الاناشيد والأغاني النوروزية في مدرسة زانستى التي كان استاذا و مديراً لفترة من الزمن مشجعاً طلاب المدرسة بأداء تلك الأناشيد بشكل جيد، ومشاركتهم الفعالة في احياء مناسبة نوروز بملابسهم الشعبية الجميلة، لتقديم أجمل الدبكات الفولكلورية، وكان قبل ايام يقيم مخيماً هناك لاستقبال المحتفلين من اهالي السليمانية.
وأحياناً كان يطبع كارتات خاصة بنوروز لتبادل التبريكات، وكان يستغل صحيفته المشهورة (ژين) لخدمة هذه المناسبة، وتشجيع أبناء شعبه للاحتفال بعيد نوروز في الهواء الطلق،
ولا يخفى بأن بيره ميرد عانى من مواقف الرجعيين الكورد وأزلام السلطة الذين كانوا يعارضونه، ويوجهون له شتى الأباطيل بهتاناً لكونه كان مجداً وناشطاً كبيراً من بين مثقفي أبناء امته، واليوم يُمجد (بيره ميرد) من خلال مواقفه تلك، وقصيدته المشهورة (نوروز) التي لحنها الفنان الكبير قادر ديلان
وأنشدها الشاعر الفنان الكبير محمد صالح ديلان، أصبحت رمزاً من رموز هذه المناسبة العظيمة واقترنت بها، فيقدم في بداية كل حفل نوروزي كنشيد نوروز لما يعبر الشاعر في مضمونها، من الإشارة إلى التضحيات الجسام التي قدمها أبناء شعبه، شباباً وشابات من اجل الحرية وهم أحياء مخلدون في ذاكرة الامة، وليسوا بحاجة إلى اقامة مجالس المآتم والأحزان لهم لأنهم لن يموتوا، ولكنه يرى بإطلالة (نوروز) آفاق المستقبل المشرق تشع من على سفوح جبال كوردستان مبشرة باليوم الجديد تسود فيه الحرية والسعادة لأبناء شعبه.
هذا اليوم من السنة الجديدة ـ نوروز ـ قد عاد عيد الكورد القديم بالفرح والخير عاد .
منذ سنين ووردة أملنا ذابلة حتى العام الماضي ـ حيث كانت دماء الشباب هي وردة الربيع الحمراء
كان ذلك اللون ألأحمر المطل من أفق الكورد العالي ـ بشير الشعوب القريبة والبعيدة بانجلاء الصباح
نـوروز هو الذي أجج في قلوب الشباب نارا ـ تجعلهم يستقبلون الموت بعشق ومحبة .
ها قد طلعت الشمس من ثنايا الوطن العالية ـ أن لون الشفق المشع هو لون دم الشهيد
لم يحدث في التأريخ والى آلآن ـ أن يكون صدر الفتيات ترس الرصاص في الوثبة
لا ينبغي البكاء على شهداء الوطن ـ أنهم لن يموتوا فأنهم أحياء في القلوب ،عاش الكورد وكوردستان.
كان للنوروز اثر بارز في الأدب العربي كما ترك العلماء والادباء تراثا قیّما من روائع الشعر والنثر عند حلوله في كلّ
عام، اذا تفحصنا التراث نجد النوروز اكثر الأعیاد شهرة في التاریخ، و أقواها تأثيرا في الشعوب ، ذلك العید الذي
خلقته البیئة والطبيعة منذ أقدم العصور و ظلّ خالدا علی الدهر في العهود..
** المصادر :
1.جريدة التآخي
2.عيد نوروز أو نيروز الأغر في الشعر العربي /محمد الكوفي/ أبو جاسم.
3.( موقع سما كرد ) يحاور الأدباء حول نوروز (بوابة نركال).
4.مجلة الوحدة العدد 358 اذار 2017
5.البيرونى، ابو الريحان محمد بن احمد، الاثار الباقية عن القرون الخالية، طبعة لايدن، 1923، ص31-33
6.الفردوسي، الشاهنامة، ملحمة الفرس الكبرى، ترجمة سميرمالطي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، 1979، ص9-10 (ملاحظة: الملحمة كتبت شعراً والترجمة العربية نثراً ومختصرة)..
ولكم تحيات
ماجد البلوي
المقدمة:
اغلب الباحثين المختصين بعالم الأساطير والتاريخ القديم يتفقون على أن نوروز، هو احد أقدم الأعياد في تاريخ البشرية، وفي التاريخ القديم لبلاد ما بين النهرين، يشير أكاديمي مختص بالأساطير الى ان عيد (ديموز) المعروف لدى السومريين هو ذاته عيد نوروز، وهنالك أجماعاً لدى علماء الآثار والتاريخ، بان السومريين قد نزحوا من كردستان الى جنوب ما بين النهرين، ويستدل للرابط بين (ديموز) و(نوروز) بان الاثنان يقامان في نفس اليوم حسب التقويم الشمسي، ولهما نفس الأبعاد الدلالية من حيث اعتبارهما اليوم الأول من العام الجديد وبداية فصل الربيع.
(نيروژ) أو نوروز أو روژا نوى،أصل كلمة نوروز هو من الأفستية (الأفيستة لغة كتب بها الكتاب المقدس لدى الزردشتيين ) وتتكون من nava يعني "جديد" وrəzaŋh أي (يوم) أو (ضوء الصباح) مما يعني يوم جديد أو (ضوء جديد) وهذه الكلمة لها نفس المعنى بالكوردية وبالفارسية وكل الشعوب الآرية (نو= جديد + روز= يوم، أي يوم جديد).
نوروز الذي يصادف اليوم الأول للسنة الكوردية (21 اذار) ، هو العيد القومي لدى الشعب الكوردي وعدد من شعوب شرق آسيا، وهو من الأعياد القديمة التي يحتفل بها الكورد والفرس وكل الشعوب الآرية، والذي يصادف التحول الطبيعي في المناخ والدخول في شهر الربيع الذي هو شهر الخصب وتجدد الحياة في ثقافات عدد من الشعوب الآسيوية، لكنه يحمل لدى الكورد بعداً قومياً وصفة خاصة مرتبطة بقضية التحرر من الظلم، وفق الأسطورة التي تشير إلى ان إشعال النار كان رمزاً للانتصار والخلاص من الظلم الذي كان مصدره أحد الحكام المتجبرين.
يحتفل بهذا العيد اضافة الى الكورد )الفرس والأذربيجانيون والأرمن والبلوج والأفغان والطاجيك والأوزبك والتركمان والكازاخ) ، وهنالك شعوب أخرى تعتبر هذه المناسبة عيداً (قومياً،وطنياً)، ولكن لا مبالغة ان الكورد من أكثر الشعوب التصاقاً بنوروز، والعثمانيين طوال فترة حكمهم للقسم الأكبر من كوردستان حاربوا نوروز وتقاليده بعنف، في حين ان المسلمين في عصور الراشدين والأمويين والعباسيين لم يعادوا نوروز، بل تقبلوه ولم يبادروا الى منعه لدى المعتقدين به، إلا ان الأمة الكوردية لم تنسى تراث نوروز، فهنالك اعتقاد شعبي راسخ تتجه الكثير من الأبحاث لتأصيله وتعميقه، يقال بان نشأة هذا العيد وتقاليده يعود بأصله الى جغرافية كوردستان، وأقوام زاكروس هي أولى الأقوام التي احتفلت بنوروز وواصلت الاحتفال به.
يحتفل متحدثو اللغة الفارسية في إيران (الفرس) وأفغانستان (الطاجيك والباشتون) بعيد نوروز، حيث أن للعيد تقاليد خاصة مثل مائدة عيد النوروز والتي تدعى هفت سين والتي تتكون من 7 أشياء تبدأ بحرف السين باللغة الفارسية وهي مرتبطة بالديانة الزرادشتية، وحين تحل ساعة الصفر وبدء السنة الجديدة يجلس أفراد كل أسرة حول مائدة (سفرة) توضع فيها سبعة أشياء أو أطعمة، تبدأ أسماؤها بحرف السين باللغة الفارسية، وهي غالبا من الفواكه والمكسرات، فضلا عن وضع كمية من النقود المعدنية ونسخة من القرآن الكريم، وآنية فيها سمكة ملونة ومرآة ..
وكمية من الحنطة المنقوعة بالماء بضعة أيام حتى صارت كأنها قطعة من بستان.
ويتناقل الايرانيون اساطير وروايات مختلفة فيما يتعلق بمائدة السينات السبع فمن الروايات التي يذكرونها بأن حرف السين هو اختصار لكلمة (سيني)..
او الطبق حيث كان الايرانيون قديما يحضرون انواع الاطعمة ويضعونها على
اطباق نحاسية مزينة ليأكل منها الملائكة السبعة الذين يحضرون الى كل منزل في ليلة العيد، اضافة الى ان العدد (7) بالنسبة للإيرانيين كما عند الكثير من شعوب العالم هو عدد مقدس .
ويقوم الاطفال بالتعبير عن فرحهم بحلول النوروز بشراء الاسماك الملونة واخذ (العيدية) من الوالدين، بينما ينشغل الايرانيون بتبادل الزيارات في ايام العيد ويستفيدون من العطلة التي تستمر اسبوعين للسفر الى المناطق السياحية داخل او خارج ايران للاستجمام والاسترخاء.
نوروز والأسطورة:
هناك الكثير من الاساطير ولكن هذه الاسطورة الاهم والمتداولة بين بين ابناء الشعب الكوردي وكثيرين من أصدقائهم في العالم، يقال باختصار: في قديم الزمان كان هناك ملكُ شريّرُ يسمى (الضحاك،كان هذا الملك ومملكته قد لُعِنا بسبب شرِّه، والشمس رَفضتْ الشروق وكان من المستحيلَ نَمُو أيّ نبات،.هذا الملك(الضحاك) كَانَ عِنْدَهُ لعنةُ إضافيةُ وهي امتلاك أفعيين رَبطتا بأكتافه كلما جاعت الأفاعي كَانَ يشعر بألمِ عظيم، والشيء الوحيد الذي يَرضي جوعَ الأفاعي أكل أدمغةَ الأطفالِ، لذا كُلّ يوم يقتل اثنان من أطفالِ القُرى المحليّةِ وتقدم أدمغتهم إلى الأفاعي.
أما (كاوه) الحدادَ الذي كُرِهَ الملكَ بعد قتل 16 مِنْ أطفالِه الـ 17 الذين كَانوا قَدْ ضحى بهم لأفاعي الملكَ، عندما علم ان طفلَه الأخيرَ وهي بنت، سوف تقتل جاءَ بخطة لإنقاذها، بدلاً مِنْ أنْ يَضحّي ببنتِه، ضَحّى(كاوه) بخروفِ وأعطىَ دماغَ الخِروفَ إلى الملكِ، لَمْ يُلاحظْ الاختلاف، عندما سمع الآخرون عن خدعة (كاوه) عَمِلوا جميعاً نفس الشيء ، وكانوا في الليل يُرسلونَ أطفالَهم إلى الجبالِ مَع(كاوه) حيث سَيَكُونونَ بأمان معه، كبر الأطفال في الجبالِ وأصبح مع (كاوه) جيشاً مِنْ الأطفالِ جهزه لإنْهاء عهدِ الملكِ الشريّرِ، عندما أصبحت أعدادهم عظيمة بما فيه الكفاية، نَزلوا مِنْ الجبالِ واقتحموا القلعةَ..
وقام كاوه بنفسه باختيار الضربةَ القاتلةَ للملكِ الشريّر (الضحاك)، ولإيصال الأخبار إلى شعب بلاد ما بين النهرينِ بَنى مشعلا كبيرا أضاءَ الحبال وطهّرَ البلاد من شر عهدِ (الضحاك). في صباح اليوم التالي بَدأَت الشمسُ بالشروق ثانيةً، والنباتات بَدأَت بالنَمُو مرةً أخرى، هذه هي البِداية ليوم جديد أَو نيروژ (نهوروز) كما يتهجى في اللغةِ الكورديةِ.
تعتبر نار نوروز رمزا للإصرار على الحياة الحرة ، لذلك يحرص كل كوردي على إحياء نوروز وإشعال النار مهما كانت العراقيل والمخاطر، للنار مكانة هامة في تاريخ الشعوب الآرية والشرقية عموماً والشعب الكوردي بشكل خاص فيرمز به إلى النور و يستخدمونه للاهتداء وللدفء والتقرب من الرب فـ زرادشت حين وحد بين إلهي الخير والشر في شخصية الإله الواحد عبر عن ذلك بإشعال النيران،
و الميديين هم أول من استخدموا السهام النارية في حروبهم ضد الأعداء بعد طلائها بالزيت والنفط ورميها بسرعة معينة، ويرمز النار بالغة الكوردية إلى النشاط والحركة بمعنى فلان نشيط وسريع كاللهب، كما يرمز به إلى الحزن واللوعة بمعنى أن موت فلان احرق القلب، حتى أن موقد النار في البيت الكوردي كان يتميز في البيوت الأخرى فيجد الجالسون حوله متعة في تحريك الجمر والحطب وكذلك الرماد.
يسمي العراقيون العرب في جنوب العراق يوم النوروز (الدخول)
اي دخول سنة جديدة بدايتها الربيع (حسب التقويم الفارسي )..
ويحتفلون بالنوروز بتزيين البيوت وعمل الخبز المحلي والحلوى الصفراء (زرده)،ولبس ملابس جديدة والخروج من المدن والقرى الى شواطئ الانهار ويزورون قبور الائمة والسادات ويقوم اهل الريف بسباقات الخيل وممارسة الاهازيج التي يسمونها (الهوسات) في الفضاء قرب قبور السادات في الريف.
وفي المجال الرسمي فالدول العربية مثل العراق والأردن يسمون النوروز (عيد الشجرة) حيث هو مناسبة لغرس الاشجار، وفي مصر فللربيع عيد يسمونه (عيد شم النسيم) في الاسبوع الاول من شهر نيسان ولعله يصادف يوم الطبيعة في ايران اليوم الثالث عشر من ابتداء النوروز.
طقوس نوروز في ثقافة الكورد هي مأثرة قومية ومعلم إنساني، يجسد شموخهم في وجه الظلم الذي لم يبرح حياتهم بعد، وتحديا متجددا في وجه الظالمين، نوروز دعوة للالتقاء واللقاء ورمز لانتصار الحق على الباطل، وبداية لعهد الخير والحرية و بالازدهار في ربوع المنطقة وعبر القرون والأجيال ترسخ نوروز في عرف وثقافة الشعب الكوردي وتحول إلى كرنفال سنوي يجسد حبه للطبيعة وشوقه إلى الحرية، وحاجته للقاء الناس والخلان على دفئ شمس آذار في الحادي والعشرين من كل عام ، يستعد الكوردي للقاء نوروز منذ مطلع آذار فيشرق وجهه ويطيب لقياه ويتدفق الدم في عروقه كما يتدفق النسغ في أغصان النبات ليورق ويزهر..
ينشغل الأطفال والشباب بتحضير ملابس العيد والكبار يدعون السماء أن تمطر خيرا كل يوم، وتنقشع الغيوم يوم نوروز لتشرق الشمس ويطيب العيد يوم العشرين من آذار، وبعد مغيب الشمس تجري العادة أن يتسلق الشبان والشابات الجبال والروابي، في القرى والأرياف الكوردستانية ويشعلون النيران في الأمكنة المرتفعة والمرئية للناس، الذين يخرجون بدورهم إلى الشرفات والساحات لمشاهدتها إيذانا بقدوم نوروز، ومن أراد لفت الانتباه أكثر ابتعد وتسلق إلى القمم أو كتب بالنيران كلمة يعشقها الكورد مثل: ازادي أي الحرية ، أو كردستان ، نوروز.
كان ملوك الفرس والعجم والساسانيين والأقوام الشرقية، يحتفلون بمراسيم العيد بشكل اسطورى ، يذكر الفردوسي في ملحمة الشاهنامة أنه في بدء الخليقة كان هناك ملك اسمه جيومرث (الاسم كردي ويعني رجل الجبل)، حباه الله بعناية فائقة أقام في الجبال، وبسببه انتشرت الحضارة في الأرض إلخ. وتستمر الملحمة بذكر إبن جيومرث وأحفاده حتى تأتي على ذكر جمشيد الذي حمل الجن مركبته إلى جميع أطراف الأرض وكان ذلك في يوم أصبح عرفاً مقدساً عند الاريين وهو يوم نوروز أي اليوم الجديد، فكان موكب الملك جمشيد يحمل على عربة منذ ساعات الفجر الأولى ويتقدم الموكب ألف فارس يرتدون مآزر بيضاء وخوذات من ذهب ويركبون أحصنة بيضاء، وكان الكهنة أيضاً يرتدون الثياب البيضاء ويرافقهم (365) فتى بعدد أيام السنة..
نوروز والشعراء:
لـ نوروز طقوس في الأدب الفارسي والعربي وفي العهد الأموي والعباسي وفي الأدب العربي الحديث، فقد تغنى الشعراء الفرس والأتراك والكورد والعرب بفصل الربيع، ونظموا قصائد سموها بقصائد بهارية، نسبة إلى كلمة بهار وتعني الربيع باللغة الفارسية والكوردية، وفي العهد الإسلامي بدؤوا بتهنئة الأمراء السامانيين وغيرهم بعيد نوروز.
وقد هنأ الشاعر الشريف الرضي بهاء الدولة بالنوروز في قوله :
وأنعم بذا النيروز زوراً نازلاً ومنتظره - آل بويهٍ أنتم الأمطار والناس الخضره
وقال الطبري في حوادث سنة 282 هـ بشأن ایقاد النار وصب الماء.
لما رأیت النوروز سنته ـ صبّ میاه وشب نیران
نوروزت وحدي والشوق یقلقني ـ بنار قلبي وماء اجفان
تشير الوقائع التاريخية في العهدين الأموي والعباسي الى ان خلفاء الدولة العباسية والأموية قد احتفلوا بعيد النوروز حيث كان الخلفاء والأمراء يتلقون الهدايا ويتبادلونها، ويعتبر الحجاج بن يوسف الثقفي أول من قدم هدايا النوروز في الإسلام، واستمر ذلك إلى عهد أحمد بن يوسف الكاتب الذي أهدى للمأمون سفطاً من الذهب، فیه عود هندي في طوله وعرضه وكتب معها هذا یوم جرت فیه العادة بألطاف العید والسعادة فقال:
علی العبدِ حقٌّ فهوَ لابدَّ فاعلِهِ ـ وإن عظِمَ المولی وجلَت فضائلُهُ
الم تَرنا نُهدي إلی الله ماله ـ وَإن كان عنَهُ ذا غني فهوَ قابلهُُ
ومن السنن الفارسیة القدیمة هي تقدیم الهدایا یوم النوروز من جمیع طبقات الناس إلی الملك وكذلك العكس، وعادت تلك السنة القدیمة إلی الظهور في العصر العباسي، وبدأ الأمراء والشعراء والخطباء یهدون الهدایا الثمینة إلی الخلفاء وكان الخلفاء یقابلونهم بهدایا أكر كانت ذات تأثیر أكبر في نفوسهم ، وبلغت قيمة الهدايا التي حملت إلى معاوية بالشام عشرة ملايين درهم .
كما قال الشاعر في وصف الهدیة.
إن الهدَّیة حلوةٌ ـ كالسَّحرِ تَجتَلِبُ قلوباً
توني البغیض من الهوی ـ حتّی تصّیره قریباً
وتُعیدُ مضطَغِنّ العدا ـ وَة بعد نقرته جسیاً ..
تغنى شعراء كثيرون في العهد العباسي بعيد النوروز أمثال البحتري، الشريف الرضي، والمتنبي وابن الرومي، أبو تمام وابن المعتز وغيرهم.فمثلا الشاعر الوليد البحتري الذي أعجب بالطبيعة يقرن النوروز بالربيع وبالورد والجمال والفرح والأنس ويعبر عن الربيع بالنيروز يقول في مدح الهيثم الغنوي.
أتاك الربيع الطلق يختاك ضاحكا ـ من الحُسن حتى كاد أن يتكلّما
وقد نبه النوروز في غسق الدجى ـ أوائل ورد كُن بالأمس نوما
يُفتقها برد الندى فكأنه ـ يبُث حديثا كان قبلُ مُكتما
ومن شجر ردّ الربيع لباسه ـ عليه كما نشرت وشياً منمنما
أحلّ فأبدى للعيون بشاشة ـ وكان قذى في العين او كان مُجرما
ورق نسيم الريح حتى حسبته ـ يجيء بانفاس الاحبة نُعما
مما يحبسُ الراح التي انت خلّها ـ وما يمنع الاوتار ان تترنما
وهنّأ ابن الرومي عبید الله بن عبد الله بمناسبة عید النوروز فأنشده:
یوَم الثلُاثاءِ: ما یوَمَ الثلُاثاء؟ ـ في ذرُوةٍ من ذرُا الأیامِ علیاءِ
كأنَّها هو في الأسبُوعِ واسطةٌ ـ في سمطِ دُرِّ یُحلّ جید حَسناءِ
ما طابق الله نیروز الامیر بهِ ـ الاّ لِتلقءُ فیه كلُّ سَّاءِ
لا سیمَّا في ربیع مُمرع غدَِقٍ ـ ما اَنفَك یُتبعُ انواءً بأنواءِ..
وقال عبد الصمد بن بابك يخاطب الصاحب بن عباد وزير عضد الدولة البويهي الديلمي، كتب وصف جميل للنيروز والربيع وهذه قصيدة طويلة مدح بها ذلك الامير.مطلعها:
لقد نشر النيروز وشياً على الربى ـ من النور لم تظفر به كف راقم
كأن بن عباد سقى المزن نشره ـ فجاد برشاش من الوبل ساجم
كأن الصاحب بن عباد سقى الغيوم من كرمه وجوده فهذا السحاب الممطر بهذا الوابل من المطر كأنه متأثر بجود ابن عباد وهذا مدح واضح.
اما ابن الرومي فهو يهنئ عبيد الله بن عبد الله بيوم المهرجان يقول:
ما رأت مثل مهرجانك عينا ـ اردشير ولا انوشيروان
مهرجان كأنما صورته كيف ـ شاءت مخيرات الاماني
واديل السرور واللهو فيه ـ من جميع الهموم والاحزان..
وإغتنم شعراء العرب والفرس قدوم النوروز، لكي ینظموا قصائد في مدح خلیفة
أو تهنئة امیر وذلك لأجل تمكین الصلة وتوطید أواصر الصداقة.
وهنأ ابو تمام أبا دلف القاسم بن عیسی بسلامة من علة لحقته فأنشد:
قد شَّرَد الصبّحُ هذا اللیل عن أُفقِه ـ وسوَّغ الدّهرِ ماقد كان مِن شَرَقِه
سِیقَت إلی الخلقِ في النَّیروزِ عافیَةٌ ـ بها شَفاهُم جدیدُ الدَّهرِ مِن خَلَقِه
شبه ابو تمام ابا دلف بالصبح، والصبح رمز للضیاء والنور، هذا النور قضی علی الظلام الذي تمثّل في شخصیة الافشین، الذي عبر عنه ابو تمام باللیل.
وكشف المتنبي في هذه القصیدة عن مشاعره وإحساساته، وبین ما في نفسه في صراحة وصدق، علی إن النوروز خیر صلة بین الأمتین العربیة والفارسیة وشارك إخوانه الفرس وهو في أرض فارس بهذا العید السعید. والصنوبري شاعرالطبیعة، صوّر لنا جمال الربیع في أروع قصیدة انشدها في وصف الربیع بقوله:
ما الدَّهرُ الاّ الرّبیعُ المُستَنیرُ إذا ـ أتی الرّبیعُ أتاك النوَّر والنوُر
الأرضُ یاقوتةٌ، والجوُّ لؤلؤةٌ ـ والنبتُ فیروزجٌ، والماءُ بلوّرُ
ما یعدمُ النبتُ كأساً من سحائبه ـ فالنبتُ ضربان: سكرانٌ ومخمورُ
تظلُّ تن شُ فیه السُّحبُ لؤلؤَها ـ فالأرضُ ضاحكةً، والطیر مسرورُ
حیث التفتَّ فقمريٌّ و فاختةٌ ـ فیه تغنّي شفنینٌ وزرزورُ
إذا الهزاران فیه صَوَّتا فهما ـ السّورنايُ، بل عودٌ و طنبورُ
تبارك الله احلي الرَّبیعَ فلاـ تُغرَر فقائسُهُ بالصَّیفَ مغرُور
منَ شَمَّ ریحَ تحَیّاتِ الربّیع یقَلُ ـ لا المسك مسك ولا الكافوُر كافورُ.
ووصف ابو نواس جمال الربیع ،ومجالس جماعات السكارى الشاربین
تحت باقات من الزهور، فقال:
یُباكرُنا النُّوروزُ في غَلَسِ الدُّجی ـ بنورٍ علی الأغصانِ كالانجم الزُّهرِ
یلوحُ كأعلامِ المطارفِ وشیُهُ ـ من الصُّقر فوق البیضِ والخُضر والحُمرِ
ادا قابَلتَهُ الریّحُ أو ما برأسهِ ـ إلی ال شَّبِ أن سُُّوا ومالَ إلی السُّكر
ومسمعةٍ جاءَت بأخَرَس ناطقٍ ـ بغیر لسانٍ ظلّ ینطقُ بالسّحرِ
لتبديَ سرّ العاشقین بصوتِهِ ـ كما تنطِقُ الاقلامُ تجهر بالسَِّّ
تَری فَخُذ الألواح فیها كأنّها ـ إلی قَدَم نیطَت تضجُّ ألی الزَّمرِ..
عندما كانت تشعل النيران ليلا ابتهاجاً باحتفال يوم النوروز في العراق قديما، تصنع الحلوى وتضاء الأسواق، وللشاعر أبي الحسن محمد بن عبد الله ألسلامي قصيدة يذكر فيها تلك النار التي كانت تشعل في زمانه ويستأنس بها ويتمنى لو يلقى فيها بأنفس أعضائه ليكون حطبا حين خبا لهبها لتستعر من جديد ويستأنس بها مع الناس إذ قال:
لا زلت اشتاق نارا أوقدت لهباً ـ حتى ظننت عذاب النار قد عذُبا
يعلو الدخان بسود من ذوائبها ـ قد عط فيها قناعُ التبر واستُلبا
قد كلُلّت عنبراً بالمسك ممتزجاً ـ وطُوقت جُلُناراً واكتست ذهبا
فالنور يلعب في أطرافها مرحا ـ والجمرُ يرعد في أكنافها رهبا
وطار عنها شرارُ لو جرى معهُ ـ برق دنا أو تلقى كوكباً لكبا
لو كان وقت نثار خلّته دُرراً ـ أو كان وقت انتصار خلُته شُهبا
والليل عُريانُ فيه من ملابسه ـ نشوانُ قد شَقّ أثواب الدجى طربا
أقسمت بالطرف لو أشرفت حين خبث ـ جعلت أنفس أعضائي لها حطبا..
وفي الأدب العربي الحديث استخدم بعض الشعراء مناسبة نوروز، رمزاً كفاحياً وتحررياً للشعوب ضد الاستعمار وأعوانه، ومن هؤلاء الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته (وحي النيروز)، داعيا إلى تكاتف الشعبين الكوردي والعربي ضد مخططات الاستعمار في المنطقة، وثورة الفقراء الكادحين على الظلم الذي كانوا يعانون منه، ويذكر بالظلم الواقع على الفقراء العرب والكورد في العراق إذ قال:
يا شعب كاوه سل الحداد كيف هوى ـ صرح على الساعد المفتول ينهارُ
وكيف اهوت على الطاغي يدُ نفضت ـ عنها الغبار وكيف انقض ثوار
والجاعل الكير يوم الهول مشعله ـ ينصب منه على الافاق انوارُ
«شيرين» يا جبلّ الاحرار ما غفلت عن حقها الضائع المسلوب احرار
«كاوه» ك«يعرب» مظلوم يمد يداً ـ الى اخيه فما ان يهدر الثار
والمستغلان في سهل وفي ـ جبل يدميهما بالسياط الحمر غدار
سالت دماؤهما في الوسط وامتزجت ـ فلن يفرقها بالدس اشرار
واغمد الغدر في الصدرين مخلبه ـ فجمعت بالدم الجرجين اظفار
وقرّب القيد من شعبين شدّهما ـ ووجهت من خطى الشعبين افكار
ووحّد الجوع عزم الجائعين على ـ أن يقودهما الاّ تخمد النارُ نوروز..
فنجد الشاعر بدر شاكر السيّاب ينظم عن النوروز قصيدة ثانية ليعبر عن كون هذا العيد هو عيد البشر جميعاً فهو لكافة الأجناس البشرية كرد وعرب وترك وفرس ففيه ميلاد ربيع أرض تتسع للجميع فيقول :
حلوُ الشباب من الدنيا اوائله ـ بدء الربيع من الايام نوروز
صباح الخير يا تاراً صباح الخير يا عبلة ـ عبير النرجس عطر وزي الخلق استبرق
هنيئاً يا ابنة كاوة هنيئا يا ابنة عنتر ـ فهذا العيد حيانا وذاك النور قد اشرق
وهبت من صبا نجد نسائم نحو اهلينا ـ ولاقتها بأرض العز شمول غيمها ابرق
وفاح النرجس البرّاق في الرّوض وفي الأفق ـ وفي نشوة احساس قرير العين يستغرق
وفاضت من عيون الارض انهار بوادينا ـ وهامت في فضاء الجو طيور الحب تشوق
فاخضرت جبال العز وازدانت سهول ـ الخير بالخضرة والبهجة كمال الحسن يزوق
وصات البُلبل الصداح الحانا بالحان ـ وماج الرّوض بالاطيار نعم الصاحب الارفق
و للشاعر منير محمد خلف قصيدة نوروز
نام الربيعُ على دمي، فرأى على شطآنِ صوتي عاشقاُ منهارا،
فتَّحْتَ قلبي ياربيعُ ولم أكنْ من قبل عيدِكَ أَعشقُ الأزهارا
فتّحتَ لي فرحاً فصارَ ملوّناً مثل الشموسِ تُكحِّلُ الأسرارا،
عمَّرْتَ لي حُلُماً وكان محطَّماً وأعدتَ لي وطناً وكان غُبارا،
فأنا وأنتَ كعاشقينِ كلاهما يزدادُ في لغةِ الأصابعِ نارا.
أنهارُ فجركَ في عروقي فجَّرَتْ لبلابَ عشقٍ ينزلُ الأقمارا،
هل أنت صوتي أم ظلاُلكَ في دمي بين المرايا توقِظُ الأمطارا؟!
الآن أدركُ أنني طفلٌ على أطرافِ عُمري أنزف الأطيارا.
للشاعرة العراقية أفراح الكبيسي قصيدة
الطبيعةُ الأمْ.. الأنثى المقدسة
في محاريبِ الفصولْ
يتزوجونها تباعاً
الشتاءْ.. هذا الفضُّ المتعجرفْ
يأمرها بألا تغادرَ محرابه
ويعاملها كجارية
وهي تتحمّلُ بصمتٍ عواصفهُ المدويّة
ضامةً أبناءَها إلى حضنها
لئلا يُصيبَهمْ بعضُ شرّه
الصيفْ.. هذا المتحرّرُ اللعوبْ
يأخذُها في نزهاتٍ متتالية
يباهي بها أصدقاءَه
يغمرُها بالهدايا
يحرّضُ أولادها على مغادرةِ حجرها
والانطلاقِ نحو الحياة
الخريفْ.. هذا المتقلبُ المزاجْ
يُبقيها في حيرةٍ لا منتهية
وفي رحلةِ شكٍ بين حزنهِ وقلقه
أولادها يفرّونَ منه
بطريقةٍ تشبهُ لعبةَ الاختباءْ
الربيعْ.. هذا المرحُ المتفائلْ
يجعلُ ابتسامتها لا تغادرُ شفتيها
ويعطيها دوافعَ للاستمرارْ
وينقلُ عدوى البهجةِ إلى أبنائها
الربيعْ.. هذا الكريمُ السخيّ
أعطاها يوماً للحرية
وأنْ تكونَ كما هي.. دون تأثيرِ رجالها
أنْ تُظهرَ اعتدالها وجمالها
حكمتها ورزانتها
رقتها وأنوثتها
دفئها وألقها
خيراتها ومباهجها
فكانَ النوروزْ .
حاز هذا اليوم التاريخي الكبير الذي يعتز به الكورد على اهتمام الشعراء الكورد على مر العصور والأزمان وتغنوا به حتى الوقت الحاضر، وانعكست معاني ورموز نوروز في قصائدهم وكتبوا عنه اجمل الابيات الشعرية.
فالشاعر الكبير ملايي جزيري (1407-1481) يذكر في قصيدة له بخصوص (نوروز) حيث يشير إلى توهج نارها البهي في القلوب و نورها المضيء يدل على مناسبة رأس السنة .
ئه ف نارى سيقالا دله دايم ل وى قالا دله ـ نوروز و سه رسالا دله وقتى هاتينه ئه و سيراج
اما أمير الشعراء وصاحب ملحمة (مه م وزين) أحمدي خاني (1650-1706) يشيد بهذه المناسبة التي تعكس آمال وطموحات الكورد في الحرية والاستقلال، ويشير إلى خروج الناس إلى الطبيعة للاحتفال والتنزه وانشراح القلوب.
روزا كو دبويه عيدى نه رووز ـ تعظيم ز بو دمال دل ئه فروز
اما الشاعر مولوى (1806-1882) المعروف بحبه وعشقه للطبيعة والمعروف بشاعر الحب والطبيعة فهو يقول عن
نوروز انه علامة على بداية الربيع والخير.
نيشانه ى نه وروز واده ى بوه هار ه ن ـ يا نيشانه ى ئاماى نامه ى نيكَاره ن
وفي قصيدة (نوروز) للشاعر وفائى (1841-1902) شاعر الغزل والهيام نجد بأنه يرى في حلول الربيع وإطلالة (نوروز) انتعاش الهوى والحب بين العشاق وتبادل الرسائل القلبية بينهم.
نه سيمى بادى نه وروزى شه ميمى عه بهه ر ى هينا ـ به ريدى عاشقان ديسان به يامى دلبه رى هينا
اما الشاعر جكرخوين (1903-1984) فيرحب بنوروز في قصيدته (نوروز كيو) نسبة الى البطل الميدي كيوخسرو، و الذي يعتبر مجيء نوروز احياء للطبيعة ولجمال الوطن في شهر آذار، وعيداً لكوردستان .
ئاداره ئاداره نوروز و بهاره
ئاداره ره نكينه ده م و به نكا زينه
نابى وه ك نيسانى جزنا كوردستانى
هذا غيض من فيض، مما كتب عن هذه المناسبة فقد تناولها شعراء قدماء آخرين من الكورد ولا يتسع المجال لسردهم جميعاً، ناهيك عن ما كتبه الشعراء المعاصرين عن معاني هذا اليوم و دلالته، ولم يبقى شاعر كوردي إلا وتناول موضوع نوروز وكتب عنه، وكذلك لم يبقى مطرب وفنان كوردي إلا وله اغنية او نشيد على هذا اليوم الموعود الذي يجتمع فيه قلوب الكورد معاً، و يرفعون مشعل الحرية عالياً وينشدون معاً اغنية (نوروز) المشهورة للفنان الراحل حسن زيرك، ومن كلمات الشاعر بيره ميرد. وتعد قصيدة الشاعر الكردي المعروف بيرميرد، عن نوروز من القصائد التي بقيت خالدة في نفوس الشعب الكردي منذ عام 1948 وحتى الآن وغدت أنشودة جماهيرية ترددها الحناجر وتصدح بها في احتفالات نوروز كل عام.
ولد الشاعر بيرميرد في مدينة السليمانية سنة 1867 وتوفى سنة 1950 ودفن في تلة (مامه يارة) في نفس المدينة. اما دور (بيره ميرد) في اقامة احتفالات نوروز نجد له اهتماماً منقطع النظير بهذه المناسبة فهو كان حريصاً أكثر من غيره على احياء ذكرى نوروز في منطقة (كاريزى وه ستا شريف) عند مرتفع (مامه ياره) الشهير في مدينة السليمانية وكان يهيئ ويعد العدة لها بأعداد الاناشيد والأغاني النوروزية في مدرسة زانستى التي كان استاذا و مديراً لفترة من الزمن مشجعاً طلاب المدرسة بأداء تلك الأناشيد بشكل جيد، ومشاركتهم الفعالة في احياء مناسبة نوروز بملابسهم الشعبية الجميلة، لتقديم أجمل الدبكات الفولكلورية، وكان قبل ايام يقيم مخيماً هناك لاستقبال المحتفلين من اهالي السليمانية.
وأحياناً كان يطبع كارتات خاصة بنوروز لتبادل التبريكات، وكان يستغل صحيفته المشهورة (ژين) لخدمة هذه المناسبة، وتشجيع أبناء شعبه للاحتفال بعيد نوروز في الهواء الطلق،
ولا يخفى بأن بيره ميرد عانى من مواقف الرجعيين الكورد وأزلام السلطة الذين كانوا يعارضونه، ويوجهون له شتى الأباطيل بهتاناً لكونه كان مجداً وناشطاً كبيراً من بين مثقفي أبناء امته، واليوم يُمجد (بيره ميرد) من خلال مواقفه تلك، وقصيدته المشهورة (نوروز) التي لحنها الفنان الكبير قادر ديلان
وأنشدها الشاعر الفنان الكبير محمد صالح ديلان، أصبحت رمزاً من رموز هذه المناسبة العظيمة واقترنت بها، فيقدم في بداية كل حفل نوروزي كنشيد نوروز لما يعبر الشاعر في مضمونها، من الإشارة إلى التضحيات الجسام التي قدمها أبناء شعبه، شباباً وشابات من اجل الحرية وهم أحياء مخلدون في ذاكرة الامة، وليسوا بحاجة إلى اقامة مجالس المآتم والأحزان لهم لأنهم لن يموتوا، ولكنه يرى بإطلالة (نوروز) آفاق المستقبل المشرق تشع من على سفوح جبال كوردستان مبشرة باليوم الجديد تسود فيه الحرية والسعادة لأبناء شعبه.
هذا اليوم من السنة الجديدة ـ نوروز ـ قد عاد عيد الكورد القديم بالفرح والخير عاد .
منذ سنين ووردة أملنا ذابلة حتى العام الماضي ـ حيث كانت دماء الشباب هي وردة الربيع الحمراء
كان ذلك اللون ألأحمر المطل من أفق الكورد العالي ـ بشير الشعوب القريبة والبعيدة بانجلاء الصباح
نـوروز هو الذي أجج في قلوب الشباب نارا ـ تجعلهم يستقبلون الموت بعشق ومحبة .
ها قد طلعت الشمس من ثنايا الوطن العالية ـ أن لون الشفق المشع هو لون دم الشهيد
لم يحدث في التأريخ والى آلآن ـ أن يكون صدر الفتيات ترس الرصاص في الوثبة
لا ينبغي البكاء على شهداء الوطن ـ أنهم لن يموتوا فأنهم أحياء في القلوب ،عاش الكورد وكوردستان.
كان للنوروز اثر بارز في الأدب العربي كما ترك العلماء والادباء تراثا قیّما من روائع الشعر والنثر عند حلوله في كلّ
عام، اذا تفحصنا التراث نجد النوروز اكثر الأعیاد شهرة في التاریخ، و أقواها تأثيرا في الشعوب ، ذلك العید الذي
خلقته البیئة والطبيعة منذ أقدم العصور و ظلّ خالدا علی الدهر في العهود..
** المصادر :
1.جريدة التآخي
2.عيد نوروز أو نيروز الأغر في الشعر العربي /محمد الكوفي/ أبو جاسم.
3.( موقع سما كرد ) يحاور الأدباء حول نوروز (بوابة نركال).
4.مجلة الوحدة العدد 358 اذار 2017
5.البيرونى، ابو الريحان محمد بن احمد، الاثار الباقية عن القرون الخالية، طبعة لايدن، 1923، ص31-33
6.الفردوسي، الشاهنامة، ملحمة الفرس الكبرى، ترجمة سميرمالطي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، 1979، ص9-10 (ملاحظة: الملحمة كتبت شعراً والترجمة العربية نثراً ومختصرة)..
ولكم تحيات
ماجد البلوي