ناصر عياد الوابصي
01-16-2006, 03:06 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منذ أيامٍ قليلة توفى أبو أحد الزملاء .
وجاءنا الخبر فجأة في صبيحة أحد أيام
فقررنا أن نذهب إلى المقبرة للصلاة
على الميت ودفنه والدعاء له ولسائر موتى المسلمين.
بعدما انتهينا من الصلاة على الميت أخذناه إلى الحفرة التي تنتظرنا كلنا.
نعم، هي نفس الحفرة التي احتضنت أجساد أسلافنا ونحن بإذن الله بهم لاحقون.
يال هيبة هذه الحفرة
مع أنها ليست كبيرة إلاّ نها كبيرة.
سامحوني على التعبير الفقير،
نعم هي ليست كبيرة في وسعها ولكنها كبيرة بما يحصل فيها
من أهوال أو بما فيها من خير للصالحين،
فهي إما أن تكون روضةً من رياض الجنان أو حفرةً من حفر النيران.
ونسأل الله أن نكون من الصالحين حتى تكون لنا
روضةً من رياض الجنة سعتها مد البصر ويملؤها النور بإذن الله تعالى.
بدأ أهل الميت بالدفن السريع وانهال التراب على تلك الحفرة.
وأثناء ذلك (الدفن) شد انتباهي أحد الموجودين.
كان مبتسماً، لا دعوني أكون واضحاًً أكثر
كان يضحك مع أحد الموجودين ولكن بصوتٍ خفيف.
كنت قريباً منهما فسمعت مادار بينهما
ولم أكن الوحيد الذي سمعت ذلك فقد كان بقربنا أناسٌ آخرين سمعوا ما سمعت.
أتدرون ماذا كان يقول لصاحبه؟؟؟!!!!!
كان يقول له (بالعامية): ها!!! شخبار البيت؟؟ بنيته والا لين الحين؟؟؟
وصج اشصار في هذيك الأرض اللي جنب بيتك!!
الأرض اللي كنت تبي تشتريها!!! ها!! اشتريتها والا ماقدرت؟؟!!
واستمر في الضحك وبصوتٍ سمعه الكثير من الحاضرين.
الأغرب من هذا كله أن المتحدث كان عمره لا يقل عن الستين سنة (60 سنة).
كنت سأقول له وبصوت عالٍ: اتق الله يا رجل
فوالله إنّ أحدنا لا يضمن الخروج من هذه البقعة ماشياً
أو أنه يكون محمولاً على الأكتاف حتى يدفن جنب هؤلاء القوم.
فترددت قليلاً ثم سكت، ولا أدري مالذي أسكتني
ولكني بصراحة خشيت أن يعلو الصوت والصراخ في ذاك المكان
خاصةً وأن الرجل كبير في السن، وأنا في عمر أولاده على الأقل فلن يقبل مني هذا.
قارنت هذا الموقف بموقف حصل منذ فترة
وكان الموقف مع شخص باكستاني يعمل في نفس المقبرة.
فأثناء دفن أحد الميتين انزلقت رجل ذلك الرجل الباكستاني فوقع في الحفرة التي وراءه.
ولكن هذا الرجل الباكستاني قال:
لا تجزعوا ولاتخافوا، فإن لم أدخل هذه الحفرة اليوم سأدخلها في يوم آخر.
لقد قالها بإيمان وبصدق بدى على وجهه التأثر، مع أنه في نفس عمر ذاك الشخص الذي كان يضحك.
انتهت القصة.
هل نحن مستعدين؟؟؟؟!!! الحفرة موجودة، نعم والله إن الحفرة موجودة.
إذا زرتم المقابر انظروا لها، فإنها محفورة ولكن لا نعلم من سيدخلها أولاً وهذا الكلام للرجال.
قد لا تدري الكثير من النساء عن هذا وذلك لأنهم ليس من الواجب عليهم زيارة المقابر
.
قال تعالى: -
"بسم الله الرحمن الرحيم
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)" صدق الله العظيم.
وإذا أردتم العضة والنصيحة من شخص عابد فاقرأوا ماقاله زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم.
لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ= واليَمَـنِإِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحـدِ والكَفَـنِ
إِنَّ الغَريِـبَ لَـهُ حَـقٌّ لِغُرْبَـتِـهِ=على الْمُقيمينَ في الأَوطانِ والسَّكَنِ
سَفَري بَعيـدٌ وَزادي لَـنْ يُبَلِّغَنـي=وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـي
وَلي بَقايا ذُنـوبٍ لَسْـتُ أَعْلَمُهـا=الله يَعْلَمُهـا فـي السِّـرِ والعَلَـنِ
مَا أَحْلَمَ اللهَ عَنـي حَيْـثُ أَمْهَلَنـي=وقَدْ تَمادَيْتُ في ذَنْبـي ويَسْتُرُنِـي
تَمُرُّ ساعـاتُ أَيَّامـي بِـلا نَـدَمٍ=ولا بُكـاءٍ وَلاخَـوْفٍ ولا حَـزَنِ
أَنَا الَّذِي أُغْلِـقُ الأَبْـوابَ مُجْتَهِـداً=عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي
يَا زَلَّةً كُتِبَتْ فـي غَفْلَـةٍ ذَهَبَـتْيَا =حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُنـي
دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسـي وَأَنْدِبُهـا=وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَـزَنِ
كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهـلِ مُنطَرِحَـاً=عَلـى الفِـراشِ وَأَيْديهِـمْ تُقَلِّبُنـي
وَقد أَتَوْا بِطَبيـبٍ كَـيْ يُعالِجَنـي=وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هذا اليـومَ يَنْفَعُنـي
واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها=مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَـوَنِ
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِه=اوصَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفو=ابَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَـنِ
وَقامَ مَنْ كانَ حِبَّ لنّاسِ في عَجَـلٍ=نَحْـوَ المُغَسِّـلِ يَأْتينـي يُغَسِّلُنـي
وَقالَ يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِـلاً حَذِقـاً=حُراً أَرِيبـاً لَبِيبـاً عَارِفـاً فَطِـنِ
فَجاءَنـي رَجُـلٌ مِنْهُـمْ فَجَرَّدَنـي=مِنَ الثِّيـابِ وَأَعْرَانـي وأَفْرَدَنـي
وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحـاً=وَصَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُنـي
وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَنـ=يغُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَـوْمَ بِالكَفَـنِ
وَأَلْبَسُونـي ثِيابـاً لا كِمـامَ لهـا=وَصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيـا فَـوا أَسَفـاً=عَلـى رَحِيـلٍ بِـلا زادٍ يُبَلِّغُنـي
وَحَمَّلوني على الأْكتـافِ أَربَعَـةٌ=مِنَ الرِّجالِ وَخَلْفِي مَـنْ يُشَيِّعُنـي
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفـو=اخَلْفَ الإِمَامِ فَصَلَّـى ثـمّ وَدَّعَنـي
صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكـوعَ لهـا=ولا سُجـودَ لَعَـلَّ اللهَ يَرْحَمُـنـي
وَأَنْزَلوني إلى قَبري علـى مَهَـل=وَقَدَّمُـوا واحِـداً مِنهـم يُلَحِّدُنـي
وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني=وَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَنـي
فَقـامَ مُحتَرِمـاً بِالعَـزمِ مُشْتَمِـلاً=وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفارَقَنـي
وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِمـو=احُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظُلْمَةِ القبـرِ لا أُمٌّ هنـاك = ولاأَبٌ شَفـيـقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّـسُـنـي
فَرِيـدٌ وَحِيـدُ القبـرِ، يـا أَسَفـاً=عَلى الفِراقِ بِـلا عَمَـلٍ يُزَوِّدُنـي
وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ=مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَنـي
مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقـولُ لهـم=قَدْ هَالَني أَمْرُهُـمْ جِـداً فَأَفْزَعَنـي
وَأَقْعَدوني وَجَـدُّوا فـي سُؤالِهِـمُ=مَالِي سِوَاكَ إِلهي مَـنْ يُخَلِّصُنِـي
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنـك يـا أَمَلـي=فَإِنَّنـي مُوثَـقٌ بِالذَّنْـبِ مُرْتَهَـنِ
تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُـو=اوَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني
واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لها بَدَلـي=وَحَكَّمَتْهُ فِـي الأَمْـوَالِ والسَّكَـنِ
وَصَيَّرَتْ وَلَـدي عَبْـداً لِيَخْدُمَهـا=وَصَارَ مَالي لهم حِـلاً بِـلا ثَمَـنِ
فَـلا تَغُرَّنَّـكَ الدُّنْيـا وَزِينَتُـهـاوانْظُرْ= إلى فِعْلِها في الأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِهاهَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَـنِ
خُذِ القَنَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِهـا=لَوْ لم يَكُنْ لَـكَ إِلا رَاحَـةُ البَـدَنِ
يَا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَـراًيَا =زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ
يَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي=فِعْلاً جميـلاً لَعَـلَّ اللهَ يَرحَمُنـي
يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً=عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَـنِ
ثمَّ الصلاةُ على الْمُختـارِ سَيِّدِنـامَا= وَصَّا البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَـنِ
والحمـدُ لله مُمْسِينَـا وَمُصْبِحِنَـابِالخَيْرِ= والعَفْوْ والإِحْسـانِ وَالمِنَـنِ
منذ أيامٍ قليلة توفى أبو أحد الزملاء .
وجاءنا الخبر فجأة في صبيحة أحد أيام
فقررنا أن نذهب إلى المقبرة للصلاة
على الميت ودفنه والدعاء له ولسائر موتى المسلمين.
بعدما انتهينا من الصلاة على الميت أخذناه إلى الحفرة التي تنتظرنا كلنا.
نعم، هي نفس الحفرة التي احتضنت أجساد أسلافنا ونحن بإذن الله بهم لاحقون.
يال هيبة هذه الحفرة
مع أنها ليست كبيرة إلاّ نها كبيرة.
سامحوني على التعبير الفقير،
نعم هي ليست كبيرة في وسعها ولكنها كبيرة بما يحصل فيها
من أهوال أو بما فيها من خير للصالحين،
فهي إما أن تكون روضةً من رياض الجنان أو حفرةً من حفر النيران.
ونسأل الله أن نكون من الصالحين حتى تكون لنا
روضةً من رياض الجنة سعتها مد البصر ويملؤها النور بإذن الله تعالى.
بدأ أهل الميت بالدفن السريع وانهال التراب على تلك الحفرة.
وأثناء ذلك (الدفن) شد انتباهي أحد الموجودين.
كان مبتسماً، لا دعوني أكون واضحاًً أكثر
كان يضحك مع أحد الموجودين ولكن بصوتٍ خفيف.
كنت قريباً منهما فسمعت مادار بينهما
ولم أكن الوحيد الذي سمعت ذلك فقد كان بقربنا أناسٌ آخرين سمعوا ما سمعت.
أتدرون ماذا كان يقول لصاحبه؟؟؟!!!!!
كان يقول له (بالعامية): ها!!! شخبار البيت؟؟ بنيته والا لين الحين؟؟؟
وصج اشصار في هذيك الأرض اللي جنب بيتك!!
الأرض اللي كنت تبي تشتريها!!! ها!! اشتريتها والا ماقدرت؟؟!!
واستمر في الضحك وبصوتٍ سمعه الكثير من الحاضرين.
الأغرب من هذا كله أن المتحدث كان عمره لا يقل عن الستين سنة (60 سنة).
كنت سأقول له وبصوت عالٍ: اتق الله يا رجل
فوالله إنّ أحدنا لا يضمن الخروج من هذه البقعة ماشياً
أو أنه يكون محمولاً على الأكتاف حتى يدفن جنب هؤلاء القوم.
فترددت قليلاً ثم سكت، ولا أدري مالذي أسكتني
ولكني بصراحة خشيت أن يعلو الصوت والصراخ في ذاك المكان
خاصةً وأن الرجل كبير في السن، وأنا في عمر أولاده على الأقل فلن يقبل مني هذا.
قارنت هذا الموقف بموقف حصل منذ فترة
وكان الموقف مع شخص باكستاني يعمل في نفس المقبرة.
فأثناء دفن أحد الميتين انزلقت رجل ذلك الرجل الباكستاني فوقع في الحفرة التي وراءه.
ولكن هذا الرجل الباكستاني قال:
لا تجزعوا ولاتخافوا، فإن لم أدخل هذه الحفرة اليوم سأدخلها في يوم آخر.
لقد قالها بإيمان وبصدق بدى على وجهه التأثر، مع أنه في نفس عمر ذاك الشخص الذي كان يضحك.
انتهت القصة.
هل نحن مستعدين؟؟؟؟!!! الحفرة موجودة، نعم والله إن الحفرة موجودة.
إذا زرتم المقابر انظروا لها، فإنها محفورة ولكن لا نعلم من سيدخلها أولاً وهذا الكلام للرجال.
قد لا تدري الكثير من النساء عن هذا وذلك لأنهم ليس من الواجب عليهم زيارة المقابر
.
قال تعالى: -
"بسم الله الرحمن الرحيم
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)" صدق الله العظيم.
وإذا أردتم العضة والنصيحة من شخص عابد فاقرأوا ماقاله زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم.
لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ= واليَمَـنِإِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحـدِ والكَفَـنِ
إِنَّ الغَريِـبَ لَـهُ حَـقٌّ لِغُرْبَـتِـهِ=على الْمُقيمينَ في الأَوطانِ والسَّكَنِ
سَفَري بَعيـدٌ وَزادي لَـنْ يُبَلِّغَنـي=وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـي
وَلي بَقايا ذُنـوبٍ لَسْـتُ أَعْلَمُهـا=الله يَعْلَمُهـا فـي السِّـرِ والعَلَـنِ
مَا أَحْلَمَ اللهَ عَنـي حَيْـثُ أَمْهَلَنـي=وقَدْ تَمادَيْتُ في ذَنْبـي ويَسْتُرُنِـي
تَمُرُّ ساعـاتُ أَيَّامـي بِـلا نَـدَمٍ=ولا بُكـاءٍ وَلاخَـوْفٍ ولا حَـزَنِ
أَنَا الَّذِي أُغْلِـقُ الأَبْـوابَ مُجْتَهِـداً=عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي
يَا زَلَّةً كُتِبَتْ فـي غَفْلَـةٍ ذَهَبَـتْيَا =حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُنـي
دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسـي وَأَنْدِبُهـا=وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَـزَنِ
كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهـلِ مُنطَرِحَـاً=عَلـى الفِـراشِ وَأَيْديهِـمْ تُقَلِّبُنـي
وَقد أَتَوْا بِطَبيـبٍ كَـيْ يُعالِجَنـي=وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هذا اليـومَ يَنْفَعُنـي
واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها=مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَـوَنِ
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِه=اوصَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفو=ابَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَـنِ
وَقامَ مَنْ كانَ حِبَّ لنّاسِ في عَجَـلٍ=نَحْـوَ المُغَسِّـلِ يَأْتينـي يُغَسِّلُنـي
وَقالَ يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِـلاً حَذِقـاً=حُراً أَرِيبـاً لَبِيبـاً عَارِفـاً فَطِـنِ
فَجاءَنـي رَجُـلٌ مِنْهُـمْ فَجَرَّدَنـي=مِنَ الثِّيـابِ وَأَعْرَانـي وأَفْرَدَنـي
وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحـاً=وَصَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُنـي
وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَنـ=يغُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَـوْمَ بِالكَفَـنِ
وَأَلْبَسُونـي ثِيابـاً لا كِمـامَ لهـا=وَصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيـا فَـوا أَسَفـاً=عَلـى رَحِيـلٍ بِـلا زادٍ يُبَلِّغُنـي
وَحَمَّلوني على الأْكتـافِ أَربَعَـةٌ=مِنَ الرِّجالِ وَخَلْفِي مَـنْ يُشَيِّعُنـي
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفـو=اخَلْفَ الإِمَامِ فَصَلَّـى ثـمّ وَدَّعَنـي
صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكـوعَ لهـا=ولا سُجـودَ لَعَـلَّ اللهَ يَرْحَمُـنـي
وَأَنْزَلوني إلى قَبري علـى مَهَـل=وَقَدَّمُـوا واحِـداً مِنهـم يُلَحِّدُنـي
وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني=وَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَنـي
فَقـامَ مُحتَرِمـاً بِالعَـزمِ مُشْتَمِـلاً=وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفارَقَنـي
وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِمـو=احُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظُلْمَةِ القبـرِ لا أُمٌّ هنـاك = ولاأَبٌ شَفـيـقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّـسُـنـي
فَرِيـدٌ وَحِيـدُ القبـرِ، يـا أَسَفـاً=عَلى الفِراقِ بِـلا عَمَـلٍ يُزَوِّدُنـي
وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ=مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَنـي
مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقـولُ لهـم=قَدْ هَالَني أَمْرُهُـمْ جِـداً فَأَفْزَعَنـي
وَأَقْعَدوني وَجَـدُّوا فـي سُؤالِهِـمُ=مَالِي سِوَاكَ إِلهي مَـنْ يُخَلِّصُنِـي
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنـك يـا أَمَلـي=فَإِنَّنـي مُوثَـقٌ بِالذَّنْـبِ مُرْتَهَـنِ
تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُـو=اوَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني
واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لها بَدَلـي=وَحَكَّمَتْهُ فِـي الأَمْـوَالِ والسَّكَـنِ
وَصَيَّرَتْ وَلَـدي عَبْـداً لِيَخْدُمَهـا=وَصَارَ مَالي لهم حِـلاً بِـلا ثَمَـنِ
فَـلا تَغُرَّنَّـكَ الدُّنْيـا وَزِينَتُـهـاوانْظُرْ= إلى فِعْلِها في الأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِهاهَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَـنِ
خُذِ القَنَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِهـا=لَوْ لم يَكُنْ لَـكَ إِلا رَاحَـةُ البَـدَنِ
يَا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَـراًيَا =زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ
يَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي=فِعْلاً جميـلاً لَعَـلَّ اللهَ يَرحَمُنـي
يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً=عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَـنِ
ثمَّ الصلاةُ على الْمُختـارِ سَيِّدِنـامَا= وَصَّا البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَـنِ
والحمـدُ لله مُمْسِينَـا وَمُصْبِحِنَـابِالخَيْرِ= والعَفْوْ والإِحْسـانِ وَالمِنَـنِ