ماجد سليمان البلوي
02-11-2020, 09:59 PM
حكايا يرويها البلوي "معمّر" من مدينة العلا في 100 عام..؟؟
خطوط وتجاعيد حفرها الزمن على وجهه، كانت شاهدة على أحداث غيرت تاريخ المنطقة، وواكبت التطور الذي دخل مدينة العلا السعودية على مر السنين، لتجعل من "أبو بشير" راويا في جعبته تفاصيل وحكايا تعود لأكثر من 100 عام.
بـ"جلسة عربية" وضحكة بشوشة، استقبل علي البلوي، الشهير بـ"أبو بشير"، أحد أكبر المعمرين في العلا، في منزله، ليتحدث بكل طلاقة عن ذكريات طفولته وشبابه، ويكشف طبيعة الحياة في المدينة كما عرفها هو.
بدأ أبو بشير حواره بالإشارة إلى عمره، مؤكدا أنه يبلغ من العمر 101 عاما، وليتطرق بعدها إلى طفولته، قائلا: "عشت حياة بدوية، فمنذ طفولتي كنت راعيا للأغنام، واعتدت الصيد البري أيضا"، قبل أن يضيف بفخر أنه كان بارعا في "صيد الذئاب" وقد اصطاد 10 منها.
وبالرغم من صغر سنه، فإن الظروف أجبرت أبو بشير على تحمل مسؤولية كبيرة بعد وفاة والده، لتبدأ رحلته الشاقة بحثا عن لقمة العيش.
وتابع أبو بشير قائلا: "توفي والدي تاركا 5 أولاد وبنت، وكنت ثاني أكبر إخوتي، فكان لا بد لي من البحث عن مصدر رزق، ومن هنا بدأت رحلة عملي في الأردن وفلسطين".
وكانت تجربة أبو بشير الأولى مع الغربة، في الأردن، حيث اعتاد الذهاب إلى هناك على مدار 12 عاما خلال موسم الحصاد، ليعمل مقابل الحصول على القمح.
واستطرد أبو بشير في الحديث عن هذه التجربة قائلا: "كان الرزق هنا قليلا وكنا نعاني الفقر، لذا ذهبت إلى الأردن حيث كنت عاملا في مصنع لاستخراج الملح من البحر الميت، ومقابل عملي كنت أحصل على القمح الذي يتم تحميله على 3 من الإبل في رحلة العودة".
وكانت الرحلة الواحدة إلى الأردن، التي تكررت على مدار سنوات، تستمر لنحو 4 أشهر، لا يحصل فيها العامل إلا على القمح، والطريقة الوحيدة التي تخوله للحصول على المال، هو بيع بعض القمح أو المنتجات التي حصل عليها، في حال زادت عن الكمية التي سيكون قادرا على تحميلها على الإبل.
وبكل حماس، تطرق أبو بشير إلى عمله في فلسطين عام 1940، قائلا: "في فترة ما ضاقت مصادر الرزق هنا (في العلا) وفي الأردن أيضا، فاتجهت إلى فلسطين، حيث كنت عاملا هناك".
وهنا استذكر الرجل مشهدا يعكس صعوبة الحياة التي عاشها، قائلا: "أذكر أننا اضطررنا للمشي 9 أيام على أقدامنا، نحمل طعامنا على ظهورنا".
ونوه أبو بشير إلى أن عمله في فلسطين لم يستمر سوى لموسم واحد، وأنه لم يعد إلى هناك بعد تلك المرة.
الحياة في العلا..
ولدى سؤاله عن طبيعة الحياة في العلا قديما، أكد المعمر أنها كانت بسيطة بالرغم من صعوبتها، مضيفا: "كانت الديرة (البلدة القديمة) هي سكن معظم أهل العلا، وكنا نعتمد على رعي الأغنام، ونذهب لصيد الغزلان في منطقة عشار (موقع مسرح مرايا حاليا)".
وكان أهالي العلا يعتمدون بشكل كامل على "العيون" (المياه الجوفية)، للحصول على احتياجاتهم من الماء وسقي مواشيهم وزراعة أراضيهم.
واسترسل قائلا: "كنا نعتمد على اللبن والتمر ولحوم المواشي في الأكل، بينما نأتي بالقمح من الأردن لنصنع منه الخبز".
أما عن "التبادل التجاري"، أو الطريقة التي اعتادوا الحصول بها على المنتجات من سوق العلا، فقال: "كنا نأخذ الأغنام أو السمن الذي نصنعه إلى السوق، لنحصل في المقابل على التمر".
وفيما يتعلق بالمرأة ودورها في الحياة البدوية، أكد أبو بشير على أنها "عماد المجتمع"، نظرا للمهام الكبيرة التي أوكلت إليها.
وأشار إلى أن: "المرأة كانت هي من تبني البيت، الذي كان عبارة عن خيمة من صوف الماعز، وكان يقع على عاتقها جمع الحطب، وإحضار الماء من العيون، ومخض الحليب لإنتاج الزبدة، وتحضير الطعام، ورعاية الأبناء".
أما عن طبيعة دور الرجل، فقال: "كان الرجل يغيب بحكم العمل لمدة لا تزيد عن 4 أشهر كل سنة. كان يجب عليه أن يعمل لتوفير الرزق"، وأضاف ضاحكا: "القهوة أيضا لا يحضرها إلا الرجل، توارثنا هذا عن أجدادنا، فتحضير القهوة من تخصص الرجال".
وأوضح أبو بشير أنه تزوج 3 مرات، ورزق بـ7 أولاد و8 بنات، كما أن لديه 100 حفيد، مشيرا إلى أن انتشار مرض السل قديما كان يفتك بحياة الصغار.
ولدى سؤاله عن طريقة تربيته لأبنائه، أكد على أنه لم يكن شديدا معهم، وأنه لم يضرب أيا منهم طيلة حياته.
وبالرغم من أن "أبو بشير" لا يدرك تماما حجم التطور الذي شهده قطاع السياحة في مدينة العلا، فإن كرم الضيافة وعادات البدو كانت ولا تزال حاضرة في المدينة.
وعندما توجهنا له بسؤال عن ردة فعله إذا طرق ضيوف أجانب بابه، قال: "ما أخليهم إلا أضيفهم"، مؤكدا أن أي بيت ينزل به ضيوف يصبح بيتهم، ليأكلوا من طعام أهل البيت ويشربوا من شرابهم، كما أنه مرحب بهم للنوم عدد ما يريدون من أيام داخل المنزل".
واعتبر أبو بشير مدائن صالح من أهم معالم العلا، مشير إلى أن "الناس قديما لم يعرفوها ولم يكن يأتينا أحد، أما إذا جاء الأجانب الآن فأهلا ومرحبا بهم".
واختتم أبو بشير حديثه بإثبات أن كرم الضيافة غالب بالفعل على أهل العلا، مشددا على ضرورة تحويل لقاء قصير إلى مأدبة عشاء، لتكون هذه لمحة عما ينتظر السائح في هذه المدينة الخلابة..
ولكم تحيات
ماجد البلوي
خطوط وتجاعيد حفرها الزمن على وجهه، كانت شاهدة على أحداث غيرت تاريخ المنطقة، وواكبت التطور الذي دخل مدينة العلا السعودية على مر السنين، لتجعل من "أبو بشير" راويا في جعبته تفاصيل وحكايا تعود لأكثر من 100 عام.
بـ"جلسة عربية" وضحكة بشوشة، استقبل علي البلوي، الشهير بـ"أبو بشير"، أحد أكبر المعمرين في العلا، في منزله، ليتحدث بكل طلاقة عن ذكريات طفولته وشبابه، ويكشف طبيعة الحياة في المدينة كما عرفها هو.
بدأ أبو بشير حواره بالإشارة إلى عمره، مؤكدا أنه يبلغ من العمر 101 عاما، وليتطرق بعدها إلى طفولته، قائلا: "عشت حياة بدوية، فمنذ طفولتي كنت راعيا للأغنام، واعتدت الصيد البري أيضا"، قبل أن يضيف بفخر أنه كان بارعا في "صيد الذئاب" وقد اصطاد 10 منها.
وبالرغم من صغر سنه، فإن الظروف أجبرت أبو بشير على تحمل مسؤولية كبيرة بعد وفاة والده، لتبدأ رحلته الشاقة بحثا عن لقمة العيش.
وتابع أبو بشير قائلا: "توفي والدي تاركا 5 أولاد وبنت، وكنت ثاني أكبر إخوتي، فكان لا بد لي من البحث عن مصدر رزق، ومن هنا بدأت رحلة عملي في الأردن وفلسطين".
وكانت تجربة أبو بشير الأولى مع الغربة، في الأردن، حيث اعتاد الذهاب إلى هناك على مدار 12 عاما خلال موسم الحصاد، ليعمل مقابل الحصول على القمح.
واستطرد أبو بشير في الحديث عن هذه التجربة قائلا: "كان الرزق هنا قليلا وكنا نعاني الفقر، لذا ذهبت إلى الأردن حيث كنت عاملا في مصنع لاستخراج الملح من البحر الميت، ومقابل عملي كنت أحصل على القمح الذي يتم تحميله على 3 من الإبل في رحلة العودة".
وكانت الرحلة الواحدة إلى الأردن، التي تكررت على مدار سنوات، تستمر لنحو 4 أشهر، لا يحصل فيها العامل إلا على القمح، والطريقة الوحيدة التي تخوله للحصول على المال، هو بيع بعض القمح أو المنتجات التي حصل عليها، في حال زادت عن الكمية التي سيكون قادرا على تحميلها على الإبل.
وبكل حماس، تطرق أبو بشير إلى عمله في فلسطين عام 1940، قائلا: "في فترة ما ضاقت مصادر الرزق هنا (في العلا) وفي الأردن أيضا، فاتجهت إلى فلسطين، حيث كنت عاملا هناك".
وهنا استذكر الرجل مشهدا يعكس صعوبة الحياة التي عاشها، قائلا: "أذكر أننا اضطررنا للمشي 9 أيام على أقدامنا، نحمل طعامنا على ظهورنا".
ونوه أبو بشير إلى أن عمله في فلسطين لم يستمر سوى لموسم واحد، وأنه لم يعد إلى هناك بعد تلك المرة.
الحياة في العلا..
ولدى سؤاله عن طبيعة الحياة في العلا قديما، أكد المعمر أنها كانت بسيطة بالرغم من صعوبتها، مضيفا: "كانت الديرة (البلدة القديمة) هي سكن معظم أهل العلا، وكنا نعتمد على رعي الأغنام، ونذهب لصيد الغزلان في منطقة عشار (موقع مسرح مرايا حاليا)".
وكان أهالي العلا يعتمدون بشكل كامل على "العيون" (المياه الجوفية)، للحصول على احتياجاتهم من الماء وسقي مواشيهم وزراعة أراضيهم.
واسترسل قائلا: "كنا نعتمد على اللبن والتمر ولحوم المواشي في الأكل، بينما نأتي بالقمح من الأردن لنصنع منه الخبز".
أما عن "التبادل التجاري"، أو الطريقة التي اعتادوا الحصول بها على المنتجات من سوق العلا، فقال: "كنا نأخذ الأغنام أو السمن الذي نصنعه إلى السوق، لنحصل في المقابل على التمر".
وفيما يتعلق بالمرأة ودورها في الحياة البدوية، أكد أبو بشير على أنها "عماد المجتمع"، نظرا للمهام الكبيرة التي أوكلت إليها.
وأشار إلى أن: "المرأة كانت هي من تبني البيت، الذي كان عبارة عن خيمة من صوف الماعز، وكان يقع على عاتقها جمع الحطب، وإحضار الماء من العيون، ومخض الحليب لإنتاج الزبدة، وتحضير الطعام، ورعاية الأبناء".
أما عن طبيعة دور الرجل، فقال: "كان الرجل يغيب بحكم العمل لمدة لا تزيد عن 4 أشهر كل سنة. كان يجب عليه أن يعمل لتوفير الرزق"، وأضاف ضاحكا: "القهوة أيضا لا يحضرها إلا الرجل، توارثنا هذا عن أجدادنا، فتحضير القهوة من تخصص الرجال".
وأوضح أبو بشير أنه تزوج 3 مرات، ورزق بـ7 أولاد و8 بنات، كما أن لديه 100 حفيد، مشيرا إلى أن انتشار مرض السل قديما كان يفتك بحياة الصغار.
ولدى سؤاله عن طريقة تربيته لأبنائه، أكد على أنه لم يكن شديدا معهم، وأنه لم يضرب أيا منهم طيلة حياته.
وبالرغم من أن "أبو بشير" لا يدرك تماما حجم التطور الذي شهده قطاع السياحة في مدينة العلا، فإن كرم الضيافة وعادات البدو كانت ولا تزال حاضرة في المدينة.
وعندما توجهنا له بسؤال عن ردة فعله إذا طرق ضيوف أجانب بابه، قال: "ما أخليهم إلا أضيفهم"، مؤكدا أن أي بيت ينزل به ضيوف يصبح بيتهم، ليأكلوا من طعام أهل البيت ويشربوا من شرابهم، كما أنه مرحب بهم للنوم عدد ما يريدون من أيام داخل المنزل".
واعتبر أبو بشير مدائن صالح من أهم معالم العلا، مشير إلى أن "الناس قديما لم يعرفوها ولم يكن يأتينا أحد، أما إذا جاء الأجانب الآن فأهلا ومرحبا بهم".
واختتم أبو بشير حديثه بإثبات أن كرم الضيافة غالب بالفعل على أهل العلا، مشددا على ضرورة تحويل لقاء قصير إلى مأدبة عشاء، لتكون هذه لمحة عما ينتظر السائح في هذه المدينة الخلابة..
ولكم تحيات
ماجد البلوي