أحمد علي
11-09-2023, 05:34 PM
هل الخمر نجسة ؟
السؤال:
هذه عدة أسلة بعث بها السائل ع. م. ص. من الزلفي يقول: هل الخمر نجسة كسائر النجاسات؟ وإذا كانت كذلك هل يحلق بها الكولونيا بمعنى لو أصابت البدن أو الثوب يجب غسل الجزء الذي أصابته أو لا؟
الجواب:
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين. هذه المسألة وهي نجاسة الخمر إن أريد بالنجاسة النجاسة المعنوية فإن العلماء مجمعون على ذلك؛ فإن الخمر نجس وخبيث ومن أعمال الشيطان. وإن أريد به النجاسة الحسية فإن المذاهب الأربعة وعامة الأمة على النجاسة، وأنها نجسةٌ يجب التنزه منها وغسل ما أصابته من ثوبٍ أو بدن. وذهب بعض أهل العلم إلى أنها ليست نجسةً نجاسة حسية وأن نجاستها معنوية عملية. فالذين قالوا أنها نجسة نجاسةً حسية ومعنوية استدلوا بقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء﴾ ...إلخ. والرجس هو النجس لقوله تعالى: ﴿قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فإنه رجس﴾ ولحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة أن ينادي: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس. فالرجس بالآية والحديث بمعنى النجس نجاسةً حسية، فكذلك هي في آية الخمر بمعنى نجس نجاسةً حسية. وأما الذين قالوا بطهارة الخمر طهارةً حسية؛ أي أن الخمر نجسٌ نجاسةً معنوية لا حسية فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى قيد في سورة المائدة ذلك الرجس ﴿رجسٌ من عمل الشيطان﴾ فهو رجسٌ معنويٌ وليس رجساً عينياً ذاتياً بدليل أنه قال: ﴿إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام﴾ ومن المعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسةً نجاسةً حسية، فقرنوا هذه الأربعة الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في وصفٍ واحد، الأصل أن تتفق فيه، فإذا كانت الثلاثة نجاستها معنوية فكذلك الخمر نجاسته معنوية؛ لأنه من عمل الشيطان. وقالوا أيضاً: إنه ثبت لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق، ولو كانت نجسةً ما جازت إراقتها في الأسواق؛ لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم لا يجوز. وقالوا أيضاً: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حرمت الخمر لم يأمر بغسل الأواني منها، ولو كانت نجسة لأمر بغسل الأواني منها كما أمر بغسلها حين حرمت الحمر. قالوا: وقد ثبت في صحيح مسلم أن رجلاً أتى براوية من خمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهداها إليه فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: أما علمت أنها قد حرمت. ثم سره رجل -أي كلم صاحب الراية رجلٌ بكلامٍ سر- فقال: ماذا قلت؟ قال: قلت يبيعها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه. فأخذ الرجل بفم الراوية فأراق الخمر. ولم يأمره النبي عليه الصلاة والسلام بغسلها منه، ولا منعه من إراقتها هناك. قالوا: فهذا دليل على أنه -أي الخمر- ليس نجساً نجاسةً حسية. وقالوا أيضاً: الأصل في الأشياء الطهارة حتى يوجد دليلٌ بيِّن يدل على النجاسة، وحيث لم يوجد دليل بين يدل على النجاسة فإن الأصل أنه طاهر، لكنه خبيثٌ من الناحية العملية المعنوية. وبناءً على ذلك نقول في الكولونيا وشبهها أنها ليست بنجسة؛ لأن الخمر ذاته ليس بنجس على هذا الوجه الذي ذكرنا أدلته، فتكون هذه الكولونيا وشبهها ليست بنجسٍ أيضاً، وإذا لم تكن نجساً فإنه لا يجب تطهير الثياب منها. ولكن يبقى النظر هل يحرم استعمال هذه الكولونيا كطيبٍ يتطيب به الإنسان أو لا تحرم. لننظر؛ يقول الله تعالى في الخمر: ﴿فاجتنبوه﴾. وهذا الاجتناب مطلق، لم يقل اجتنبوه شرباً أو استعمالاً أو ما شابه ذلك، أمر أمراً مطلق بالاجتناب، فهل يشمل ذلك ما لو استعمله الإنسان كطيب؟ أو نقول: إن الاجتناب المأمور به هو ما علل به الحكم وهو اجتناب شربه لقوله: ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون﴾ وهذه العلة لا تثبت فيما إذا استعمله الإنسان لغير الشرب. ولكننا نقول: إن الأحوط للإنسان أن يتجنبه حتى للتطيب، وأن نبتعد عنه لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة. إلا أننا نرجع مرةً ثانية إلى هذه الأطياب هل النسبة التي فيها نسبةٌ تؤدي إلى الإسكار أو أنها نسبة قليلة لا تؤدي إلى الإسكار؟ لأنه إذا اختلط الخمر بشيء ثم لم يظهر له أثر ولو أكثر الإنسان منه فإنه لا يوجب تحريم ذلك المخلوط به؛ لأنه لما لم يظهر له أثر لم يكن له حكم؛ إذ إن العلة -علة الحكم- هي الموجبة له، فإذا فقدت العلة فقد الحكم. فإذا كان هذا الخلط لا يؤثر في المخلوط فإنه لا أثر لهذا الخلط ويكون الشيء مباحاً. فالنسبة القليلة في الكولونيا وغيرها إذا كانت لا تؤدي إلى الإسكار ولو أكثر الإنسان مثلاً من شربه فإنه ليس بخمر ولا يثبت له حكم الخمر، كما أنه لو سقطت قطرةٌ من بول في ماءٍ ولم يتغير بها فإنه يكون طاهراً، فكذلك إذا سقطت قطرةٌ من خمر في شيء لا يتأثر بها فإنه لا يكون خمراً، وقد نص على ذلك أهل العلم في باب حد المسكر. ثم إنني أنبه هنا على مسألةٍ تشتبه على بعض الطلبة؛ وهي أنهم يظنون أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ما أسكر كثيره فقليله حرام. يظنون أن معنى الحديث أنه إذا اختلط القليل من الخمر بالكثير من غير الخمر فإنه يكون حراماً. وليس هذا معنى الحديث، بل معنى الحديث أن الشيء إذا كان لا يسكر إلا الكثير منه فإن القليل الذي لا يسكر منه يكون حراماً؛ مثل لو فرضنا أن هذا الشراب إن شربت منه عشر قوارير سكرت، وإن شربت قارورة لم تسكر، فإن هذه القارورة وإن لم تسكرك تكون حراماً. هذا معنى ما أسكر كثيره فقليله حرام. وليس المعنى ما اختلط به شيءٌ من المسكر فهو حرام؛ لأنه إذا اختلط المسكر بشيء ولم يظهر له أثر فإنه يكون حلالاً لعدم وجود العلة التي هي مناط الحكم، فينبغي أن يُتنبه لذلك. ولكني مع هذا لا أستعمل هذه الأطياب الكولونيا ولا أنهى عنها؛ إلا أنه إذا أصابنا شيءٌ من الجروح أو شبهها واحتجنا إلى ذلك فإننا نستعمله؛ لأنه عند الاشتباه يزول الحكم مع الحاجة إلى هذا الشيء المشتبه، فإن الحاجة أمرٌ داعٍ إلى الفعل، والاشتباه إنما يدعو إلى الترك على سبيل التورع والاحتياط، ولا ينبغي للإنسان أن يحرم نفسه شيئاً احتاج إليه وهو لم يجزم بمنعه وتحريمه. وقد ذكر أهل العلم هذه القاعدة بأن المشتبه إذا احتيج إليه فإنه يزول حكم الاشتباه.
https://binothaimeen.net/content/7696
السؤال:
هذه عدة أسلة بعث بها السائل ع. م. ص. من الزلفي يقول: هل الخمر نجسة كسائر النجاسات؟ وإذا كانت كذلك هل يحلق بها الكولونيا بمعنى لو أصابت البدن أو الثوب يجب غسل الجزء الذي أصابته أو لا؟
الجواب:
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين. هذه المسألة وهي نجاسة الخمر إن أريد بالنجاسة النجاسة المعنوية فإن العلماء مجمعون على ذلك؛ فإن الخمر نجس وخبيث ومن أعمال الشيطان. وإن أريد به النجاسة الحسية فإن المذاهب الأربعة وعامة الأمة على النجاسة، وأنها نجسةٌ يجب التنزه منها وغسل ما أصابته من ثوبٍ أو بدن. وذهب بعض أهل العلم إلى أنها ليست نجسةً نجاسة حسية وأن نجاستها معنوية عملية. فالذين قالوا أنها نجسة نجاسةً حسية ومعنوية استدلوا بقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء﴾ ...إلخ. والرجس هو النجس لقوله تعالى: ﴿قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فإنه رجس﴾ ولحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة أن ينادي: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس. فالرجس بالآية والحديث بمعنى النجس نجاسةً حسية، فكذلك هي في آية الخمر بمعنى نجس نجاسةً حسية. وأما الذين قالوا بطهارة الخمر طهارةً حسية؛ أي أن الخمر نجسٌ نجاسةً معنوية لا حسية فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى قيد في سورة المائدة ذلك الرجس ﴿رجسٌ من عمل الشيطان﴾ فهو رجسٌ معنويٌ وليس رجساً عينياً ذاتياً بدليل أنه قال: ﴿إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام﴾ ومن المعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسةً نجاسةً حسية، فقرنوا هذه الأربعة الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في وصفٍ واحد، الأصل أن تتفق فيه، فإذا كانت الثلاثة نجاستها معنوية فكذلك الخمر نجاسته معنوية؛ لأنه من عمل الشيطان. وقالوا أيضاً: إنه ثبت لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق، ولو كانت نجسةً ما جازت إراقتها في الأسواق؛ لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم لا يجوز. وقالوا أيضاً: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حرمت الخمر لم يأمر بغسل الأواني منها، ولو كانت نجسة لأمر بغسل الأواني منها كما أمر بغسلها حين حرمت الحمر. قالوا: وقد ثبت في صحيح مسلم أن رجلاً أتى براوية من خمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهداها إليه فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: أما علمت أنها قد حرمت. ثم سره رجل -أي كلم صاحب الراية رجلٌ بكلامٍ سر- فقال: ماذا قلت؟ قال: قلت يبيعها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه. فأخذ الرجل بفم الراوية فأراق الخمر. ولم يأمره النبي عليه الصلاة والسلام بغسلها منه، ولا منعه من إراقتها هناك. قالوا: فهذا دليل على أنه -أي الخمر- ليس نجساً نجاسةً حسية. وقالوا أيضاً: الأصل في الأشياء الطهارة حتى يوجد دليلٌ بيِّن يدل على النجاسة، وحيث لم يوجد دليل بين يدل على النجاسة فإن الأصل أنه طاهر، لكنه خبيثٌ من الناحية العملية المعنوية. وبناءً على ذلك نقول في الكولونيا وشبهها أنها ليست بنجسة؛ لأن الخمر ذاته ليس بنجس على هذا الوجه الذي ذكرنا أدلته، فتكون هذه الكولونيا وشبهها ليست بنجسٍ أيضاً، وإذا لم تكن نجساً فإنه لا يجب تطهير الثياب منها. ولكن يبقى النظر هل يحرم استعمال هذه الكولونيا كطيبٍ يتطيب به الإنسان أو لا تحرم. لننظر؛ يقول الله تعالى في الخمر: ﴿فاجتنبوه﴾. وهذا الاجتناب مطلق، لم يقل اجتنبوه شرباً أو استعمالاً أو ما شابه ذلك، أمر أمراً مطلق بالاجتناب، فهل يشمل ذلك ما لو استعمله الإنسان كطيب؟ أو نقول: إن الاجتناب المأمور به هو ما علل به الحكم وهو اجتناب شربه لقوله: ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون﴾ وهذه العلة لا تثبت فيما إذا استعمله الإنسان لغير الشرب. ولكننا نقول: إن الأحوط للإنسان أن يتجنبه حتى للتطيب، وأن نبتعد عنه لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة. إلا أننا نرجع مرةً ثانية إلى هذه الأطياب هل النسبة التي فيها نسبةٌ تؤدي إلى الإسكار أو أنها نسبة قليلة لا تؤدي إلى الإسكار؟ لأنه إذا اختلط الخمر بشيء ثم لم يظهر له أثر ولو أكثر الإنسان منه فإنه لا يوجب تحريم ذلك المخلوط به؛ لأنه لما لم يظهر له أثر لم يكن له حكم؛ إذ إن العلة -علة الحكم- هي الموجبة له، فإذا فقدت العلة فقد الحكم. فإذا كان هذا الخلط لا يؤثر في المخلوط فإنه لا أثر لهذا الخلط ويكون الشيء مباحاً. فالنسبة القليلة في الكولونيا وغيرها إذا كانت لا تؤدي إلى الإسكار ولو أكثر الإنسان مثلاً من شربه فإنه ليس بخمر ولا يثبت له حكم الخمر، كما أنه لو سقطت قطرةٌ من بول في ماءٍ ولم يتغير بها فإنه يكون طاهراً، فكذلك إذا سقطت قطرةٌ من خمر في شيء لا يتأثر بها فإنه لا يكون خمراً، وقد نص على ذلك أهل العلم في باب حد المسكر. ثم إنني أنبه هنا على مسألةٍ تشتبه على بعض الطلبة؛ وهي أنهم يظنون أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ما أسكر كثيره فقليله حرام. يظنون أن معنى الحديث أنه إذا اختلط القليل من الخمر بالكثير من غير الخمر فإنه يكون حراماً. وليس هذا معنى الحديث، بل معنى الحديث أن الشيء إذا كان لا يسكر إلا الكثير منه فإن القليل الذي لا يسكر منه يكون حراماً؛ مثل لو فرضنا أن هذا الشراب إن شربت منه عشر قوارير سكرت، وإن شربت قارورة لم تسكر، فإن هذه القارورة وإن لم تسكرك تكون حراماً. هذا معنى ما أسكر كثيره فقليله حرام. وليس المعنى ما اختلط به شيءٌ من المسكر فهو حرام؛ لأنه إذا اختلط المسكر بشيء ولم يظهر له أثر فإنه يكون حلالاً لعدم وجود العلة التي هي مناط الحكم، فينبغي أن يُتنبه لذلك. ولكني مع هذا لا أستعمل هذه الأطياب الكولونيا ولا أنهى عنها؛ إلا أنه إذا أصابنا شيءٌ من الجروح أو شبهها واحتجنا إلى ذلك فإننا نستعمله؛ لأنه عند الاشتباه يزول الحكم مع الحاجة إلى هذا الشيء المشتبه، فإن الحاجة أمرٌ داعٍ إلى الفعل، والاشتباه إنما يدعو إلى الترك على سبيل التورع والاحتياط، ولا ينبغي للإنسان أن يحرم نفسه شيئاً احتاج إليه وهو لم يجزم بمنعه وتحريمه. وقد ذكر أهل العلم هذه القاعدة بأن المشتبه إذا احتيج إليه فإنه يزول حكم الاشتباه.
https://binothaimeen.net/content/7696