سحاب
01-21-2006, 09:12 AM
كتب محمد عبد الحكم دياب
تبدو الإدارة الأمريكية تعد لضرب سورية، خلال الربيع القادم. وظهر ذلك جاليا في ثنايا مقال لجيفري ستينبرغ، أوردته نشرة المعلومات الخاصة Executive Intelligence Review، الصادرة أمس الجمعة، وفيه يشير إلي مرور ديك شيني، نائب الرئيس الأمريكي، بتل أبيب في الحادي عشر من هذا الشهر، وأن هذا المرور كان بهدف دعم بنيامين نتنياهو ليكون رئيس وزراء الدولة الصهيونية القادم، وإعادة حزب الليكود إلي الحكم، استعدادا لضرب سورية، فنتنياهو متحمس لأداء هذه المهمة استكمالا لخطة معروفة باسم كلين بريك ، وترجمته الكسر النظيف ، وهي خطة أعدت لنتنياهو في تموز (يوليو) 1996 بواسطة جماعة المحافظين الأمريكيين الجدد، المتحالفة مع ديك شيني، وضمت أخطر مجموعة يهودية صهيونية معادية للعرب، من بينهم ريتشارد بيرل، وديفيد فورمستر، ودوغلاس فيث. وقامت الخطة علي البدء بإزاحة نظام صدام حسين، ويلي ذلك اسقاط نظم الحكم السورية والإيرانية والمصرية. وديفيد فورمستر، الأكثر تحمسا لإزاحة نظام دمشق هو الآن أبرز معاوني نائب الرئيس الأمريكي.
هذا جانب من التحرك علي الجبهة الأمريكية الصهيونية، يواجه بجبهة عربية رسمية مهلهلة، لا تملك من أمر نفسها شيئا غائبة عن الفعل تماما. لهذا يحتل الوضع الداخلي السوري أهمية قصوي في مثل هذه الظروف. وإن كان انشقاق عبد الحليم خدام، النائب السابق لرئيس الجمهورية أحدث شرخا في الأوساط الرسمية العليا، وكان ذلك واضحا في الهيستيريا التي انتابتها، ولكن يبدو أن هذا الإنشقاق بدأ يصب في صالح الرئيس السوري، وقد لوحظ، في الأسابيع الأخيرة، أن كثيرا من العرب، غير السوريين. صاروا أكثر تسامحا مع سياساته، وأكثر استعدادا لإتاحة فرصة جديدة أمامه، لترتيب أوضاعه الداخلية والإقليمية والدولية. وقد شعرت بتحول ملحوظ في الرأي العام المصري لصالحه، أثناء زيارتي الأخيرة لمصر، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. فأثناءها ألقي الرئيس بشار الأسد خطابا بدا فيه متشددا ومتحديا للضغوط الخارجية، ولقي ذلك التشدد قبولا واستحسانا بين المصريين، منهم أناس بسطاء للغاية. يتطلعون، بفطرتهم، إلي وقفة عز، في بلد شقيق، بعد أن فقدوا هذه الإمكانية بين ساستهم وحكامهم، بمواقفهم التي أصبحت مصدر خجل بالغ لهم.
وسورية وهي تمر بمخاض صعب، ذلك يأتي في ظروف استثنائية، من المفترض أن تتهيأ له أفضل السبل لولادة صحية وصحيحة، وهو ما يدفعنا إلي التعرف علي أحوال ومواقف القوي السياسية، الموالية للحكم والمعارضة له، فقد يتم من خلال ذلك حساب حركتها بالدقة اللازمة، في ظروف جادة لا تتحمل إلا كل ما هو جاد. فعلي مستوي الموالاة لا يستطيع المرء أن يتجاهل القاعدة الاجتماعية والسياسية التي يرتكز عليها الحكم في عاصمة الأمويين. تحالف من تجار ورجال أعمال، وشركاء له بين أروقة الحكم والدولة. يستند علي نخبة عسكرية، ذات تأثير واضح علي كل بيت وأسرة تقريبا. فطبيعة الوضع السوري، ونوعية المهام الموكولة لهذه النخبة، علي مستويات الأمن الداخلي وغير الداخلي، تجعلها محط الأنظار. ويتوفر لهذا التحالف غطاء سياسي علي شكل حزب متشعب ومنتشر، شديد المركزية، له سيطرة علي العديد من الكيانات والمنظمات، السياسية والنقابية والجماهيرية والإعلامية، تسنده شبكة واسعة من المصالح، متشعبة وممتدة في كل ركن وحي. وداخل هذا الغطاء السياسي توجد الجبهة القومية التقدمية .
وهناك من يتحفظ علي الادعاء الذي يقول بأن هذه الجبهة تحكم سورية، ويري أنها لا تمثل أكثر من إدارات ملحقة بـ الحزب القائد ، تسعد في فرحه، وتأسي لحزنه، وتقبل بقيوده، التي لا تسمح بالعمل السياسي في أوساط الشباب والطلاب، ولهذا لا تخرج عن تركيبة الموالاة، ولا يمكن حسابها ضمن المعارضة بحال من الأحوال، وهي تتكون من جماعات صغيرة، قومية وناصرية ويسارية، تبدأ بالاتحاد الاشتراكي العربي، جماعة صفوان قدسي، مرورا بتنظيم الوحدويين الاشتراكيين، جماعة فائز اسماعيل، وانتهاء بجماعات قومية وبعثية ويسارية سابقة.
في المقابل هناك معارضة، تتحرك علي محورين. أحدهما داخلي، يتألف من ناصريين وقوميين ويساريين ومستقلين، انضوي أغلبهم، في السنوات الأخيرة، تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي ، يمثل فيه حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، الذي أسسه الراحل جمال الأتاسي، ويقوده الآن حسن عبد العظيم، الفصيل الأقوي والأكثر تأثيرا، ومعه حزب الشعب الديمقراطي، جماعة الشيوعي السابق رياض الترك، والحزب العربي الاشتراكي. أو ما يعرف بجماعة الحورانيين ، نسبة إلي الراحل أكرم الحوراني، نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة، إبان الوحدة المصرية السورية، وهو مؤسسه في أربعينات القرن الماضي، قبل الاندماج في حزب البعث، وتغيير اسمه ليصبح حزب البعث العربي الاشتراكي، ويضم كذلك الحزب العربي الديمقراطي، جماعة صلاح جديد، والمجموعات الموقعة علي بيان دمشق. ويتخذ التجمع الوطني الديمقراطي موقفا شاملا من التغيير، وترك الباب مفتوحا لدخول القوي السياسية الأخري فيه.
وبرنامج هذا التجمع يركز،علي تغيير البنية الأساسية للنظام السياسي برمته، لأنه يري أن الفرصة، التي أتيحت للرئيس بشار الأسد، لاكتساب شرعية حقيقية، كإبن لسورية وليس إبنا لحافظ الأسد، حسب تصريح أحد الموقعين علي بيان دمشق لكاتب هذه السطور، يري أن هذه الفرصة قد ضاعت ولن تعوض. فالأسد الإبن رفض دعوة وجهها التجمع له، من ثلاث سنوات، لعقد مؤتمر وطني برئاسته، يضع وعود الإصلاح موضع التنفيذ. وبذلك أسقط التجمع رهانه علي إمكانية التغيير من داخل النظام السياسي أو به، وهذا من أهم أسباب قطع كل علاقة له مع السلطة، وهو يعد لمؤتمر وطني، يدرس إمكانية اختيار رئيس مجلس الشعب رئيسا مؤقتا للبلاد، لمرحلة انتقالية، والدعوة لتحييد القوات المسلحة، وتشكيل جمعية وطنية تضع دستورا جديدا، يكون أساسا لانتخابات حرة، كخطوة ضرورية لبناء نظام جمهوري برلماني.
ومع التطورات، التي جرت مؤخرا علي الساحة اللبنانية، رفض التجمع الوطني الديمقراطي ، تصريحات وليد جنبلاط، المحرضة علي غزو سورية، والمطالبة بنزع سلاح المقاومة، في الجنوب وبين المخيمات الفلسطينية. ويقيم التجمع معادلته علي قاعدة الربط بين متطلبات التغيير الديمقراطي وحماية التراب الوطني، والذي يستلزم بدوره تغيير بنية النظام السياسي الحالي. ولا يمكن الحديث عن فصائل المعارضة الداخلية دون الإشارة إلي دور الأكراد السوريين. وتري أوساط مطلعة أن الأحزاب الكردية السورية لها قوة لا يستهان بها. حافظت علي وجودها بالعمل مع السلطة، إلا أن مشكلتها في غلبة النزوع الانفصالي عليها، بشكل يثير قلق كثيرين من خطر ذلك علي وحدة لتراب الوطني، وهذا ترك ظلاله علي العلاقات البينية بين القوي السياسية. وبالطبع هناك الاستثناءات فمن بين الأكراد السوريين من يحرص علي وحدة التراب الوطني، في ظل نظام ديمقراطي يقوم علي التعددية، ويعتمد مبدأ التداول السلمي للسلطة.
وإذا ما انتقلنا إلي الخارج، نجد أن شخصيات وجماعات سورية معارضة تتوزع علي أكثر من بلد أوروبي وغربي، وتفاجئنا نشرة المعلومات، التي أشرنا إليها في مطلع هذه السطور، حيث ورد فيها أن حزب الإصلاح السوري ، ومقره واشنطن، يحظي برعاية المحافظين الجدد، في الإدارة الأمريكية، ويمثل ديك تشيني أحد أبرز صقورها، وأبرز حلفائه في الدولة الصهيونية هو بنيامين نتنياهو، ويقود هذا الحزب فريد الغادري وتشير النشرة إلي أنه نسخة سورية من أحمد الجلبي . أما في أوروبا فالمعارضة السورية موزعة علي بلدان شرق ووسط وغرب أوروبا. منها جماعات اليسار في باريس، وجماعة الإخوان المسلمين في لندن، وأحزاب التجمع القومي الموحد ، الموزعة علي أكثر من دولة أوروبية، ويري مراقبون مطلعون أن جماعات فرنسا أقرب إلي أندية المثقفين، وتتخذ من النشاط التطوعي الخاص بحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات مجالا لحركتها. وتتعدد الجماعات والشخصيات السورية في فرنسا. بينهم ناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي، فاروق سبع الليل، ونشطاء منظمات المجتمع المدني، من الشيوعيين وجماعات اليسار القدامي، كهيثم مناع، القريب من معارضة الداخل، ومثقفون وأكاديميون مستقلون، مثل الباحث الاستراتيجي المقدم هيثم الأيوبي، والأستاذ الجامعي برهان غليون. أما الإسلاميون، خاصة جماعة الإخوان المسلمين السورية، اللندنية مشكلتهم أنهم في صراع بين براغماتية حائرة، وقيد أيديولوجي صارم، والتزام تاريخي مع الغرب معتل.
يمثل الإخوان المسلمون السوريون، في بريطانيا، الفصيل الأكبر بين الإسلاميين. وتأثيرهم الخارجي واضح، إلا أنهم، حسب أوثق المصادر، لا يتمتعون بقوة حقيقية في الداخل. ومن الصعب مقارنة قوتهم بقوة ولا إمكانيات الإخوان المسلمين المصريين، لأسباب سياسية وتاريخية وتنظيمية. والضعف الداخلي مصدر قلق لكثيرين. لأنه قد يغريهم بالرهان علي التدخل الأجنبي، ويأخذ البعض تأييدهم لانشقاق عبد الحليم خدام علي هذا المحمل، وأنه علامة ضعف أكثر منه معلم قوة.
وقد لوحظ، في الفترة الأخيرة، أن شبكة الأخبار العربية الفضائية، المعروفة بـANN، بدأت تبث البيانات والنداءات والبرامج باسم التجمع القومي الموحد ، الذي يرأسه نائب رئيس الجمهورية الأسبق رفعت الأسد. شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد، وعم الرئيس الحالي بشار الأسد. وتطالب البيانات والنداءات، بتغيير سلمي، وتداول ديمقراطي للحكم، وتخاطب القوات المسلحة من أجل حماية التراب الوطني، ودائمة الحض علي عودة زعيمه إلي الداخل، ليشارك في صياغة المرحلة القادمة. وتركز الحملة علي الديمقراطية، كطريق للمصالحة الوطنية، وتطالب بتصحيح العلاقة مع لبنان.
كانت هذه قراءة سريعة، سمح بها الحيز المتاح. قراءة لأوضاع الموالاة والمعارضة. قد تلقي ضوءا علي الصراع في سورية وحول سورية، وإذا ما جمعنا ذلك مع أطراف الضغوط الداخلية والخارجية، في وقت يبدو فيه التحرك الجاد، من قبل النخبة الحاكمة لتغيير حقيقي، شبه غائب.
وهذا هو الذي يجعل سورية تتقلب علي جمر ملتهب، وتسير علي حد نصل حاد، وسط حقل لا محدود من الألغام، منها ما هو ظاهر ومرئي، ومنها ما هو مطمور وخفي. قد تبين هذه القراءة أن وضع المولاة والمعارضة مختلف نوعيا عن وضع نظائرها في عراق ما قبل الغزو الصهيو أنكلو أمريكي، فالمحرضون علي التدخل الخارجي أقل عددا وعدة وتأثيرا بين السوريين، والنزوع الطائفي أخف حدة، وأبرد حرارة، وأقل سخونة. بالإضافة إلي أن قاعدة المعارضة الداخلية أكثر وزنا وتأثيرا عن مثيلتها في الخارج، ولو وعت النخبة الحاكمة هذا لخففت كثيرا من وطأة التردي والارتباك الراهن.
اطيب التحيات والامنيات
تبدو الإدارة الأمريكية تعد لضرب سورية، خلال الربيع القادم. وظهر ذلك جاليا في ثنايا مقال لجيفري ستينبرغ، أوردته نشرة المعلومات الخاصة Executive Intelligence Review، الصادرة أمس الجمعة، وفيه يشير إلي مرور ديك شيني، نائب الرئيس الأمريكي، بتل أبيب في الحادي عشر من هذا الشهر، وأن هذا المرور كان بهدف دعم بنيامين نتنياهو ليكون رئيس وزراء الدولة الصهيونية القادم، وإعادة حزب الليكود إلي الحكم، استعدادا لضرب سورية، فنتنياهو متحمس لأداء هذه المهمة استكمالا لخطة معروفة باسم كلين بريك ، وترجمته الكسر النظيف ، وهي خطة أعدت لنتنياهو في تموز (يوليو) 1996 بواسطة جماعة المحافظين الأمريكيين الجدد، المتحالفة مع ديك شيني، وضمت أخطر مجموعة يهودية صهيونية معادية للعرب، من بينهم ريتشارد بيرل، وديفيد فورمستر، ودوغلاس فيث. وقامت الخطة علي البدء بإزاحة نظام صدام حسين، ويلي ذلك اسقاط نظم الحكم السورية والإيرانية والمصرية. وديفيد فورمستر، الأكثر تحمسا لإزاحة نظام دمشق هو الآن أبرز معاوني نائب الرئيس الأمريكي.
هذا جانب من التحرك علي الجبهة الأمريكية الصهيونية، يواجه بجبهة عربية رسمية مهلهلة، لا تملك من أمر نفسها شيئا غائبة عن الفعل تماما. لهذا يحتل الوضع الداخلي السوري أهمية قصوي في مثل هذه الظروف. وإن كان انشقاق عبد الحليم خدام، النائب السابق لرئيس الجمهورية أحدث شرخا في الأوساط الرسمية العليا، وكان ذلك واضحا في الهيستيريا التي انتابتها، ولكن يبدو أن هذا الإنشقاق بدأ يصب في صالح الرئيس السوري، وقد لوحظ، في الأسابيع الأخيرة، أن كثيرا من العرب، غير السوريين. صاروا أكثر تسامحا مع سياساته، وأكثر استعدادا لإتاحة فرصة جديدة أمامه، لترتيب أوضاعه الداخلية والإقليمية والدولية. وقد شعرت بتحول ملحوظ في الرأي العام المصري لصالحه، أثناء زيارتي الأخيرة لمصر، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. فأثناءها ألقي الرئيس بشار الأسد خطابا بدا فيه متشددا ومتحديا للضغوط الخارجية، ولقي ذلك التشدد قبولا واستحسانا بين المصريين، منهم أناس بسطاء للغاية. يتطلعون، بفطرتهم، إلي وقفة عز، في بلد شقيق، بعد أن فقدوا هذه الإمكانية بين ساستهم وحكامهم، بمواقفهم التي أصبحت مصدر خجل بالغ لهم.
وسورية وهي تمر بمخاض صعب، ذلك يأتي في ظروف استثنائية، من المفترض أن تتهيأ له أفضل السبل لولادة صحية وصحيحة، وهو ما يدفعنا إلي التعرف علي أحوال ومواقف القوي السياسية، الموالية للحكم والمعارضة له، فقد يتم من خلال ذلك حساب حركتها بالدقة اللازمة، في ظروف جادة لا تتحمل إلا كل ما هو جاد. فعلي مستوي الموالاة لا يستطيع المرء أن يتجاهل القاعدة الاجتماعية والسياسية التي يرتكز عليها الحكم في عاصمة الأمويين. تحالف من تجار ورجال أعمال، وشركاء له بين أروقة الحكم والدولة. يستند علي نخبة عسكرية، ذات تأثير واضح علي كل بيت وأسرة تقريبا. فطبيعة الوضع السوري، ونوعية المهام الموكولة لهذه النخبة، علي مستويات الأمن الداخلي وغير الداخلي، تجعلها محط الأنظار. ويتوفر لهذا التحالف غطاء سياسي علي شكل حزب متشعب ومنتشر، شديد المركزية، له سيطرة علي العديد من الكيانات والمنظمات، السياسية والنقابية والجماهيرية والإعلامية، تسنده شبكة واسعة من المصالح، متشعبة وممتدة في كل ركن وحي. وداخل هذا الغطاء السياسي توجد الجبهة القومية التقدمية .
وهناك من يتحفظ علي الادعاء الذي يقول بأن هذه الجبهة تحكم سورية، ويري أنها لا تمثل أكثر من إدارات ملحقة بـ الحزب القائد ، تسعد في فرحه، وتأسي لحزنه، وتقبل بقيوده، التي لا تسمح بالعمل السياسي في أوساط الشباب والطلاب، ولهذا لا تخرج عن تركيبة الموالاة، ولا يمكن حسابها ضمن المعارضة بحال من الأحوال، وهي تتكون من جماعات صغيرة، قومية وناصرية ويسارية، تبدأ بالاتحاد الاشتراكي العربي، جماعة صفوان قدسي، مرورا بتنظيم الوحدويين الاشتراكيين، جماعة فائز اسماعيل، وانتهاء بجماعات قومية وبعثية ويسارية سابقة.
في المقابل هناك معارضة، تتحرك علي محورين. أحدهما داخلي، يتألف من ناصريين وقوميين ويساريين ومستقلين، انضوي أغلبهم، في السنوات الأخيرة، تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي ، يمثل فيه حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، الذي أسسه الراحل جمال الأتاسي، ويقوده الآن حسن عبد العظيم، الفصيل الأقوي والأكثر تأثيرا، ومعه حزب الشعب الديمقراطي، جماعة الشيوعي السابق رياض الترك، والحزب العربي الاشتراكي. أو ما يعرف بجماعة الحورانيين ، نسبة إلي الراحل أكرم الحوراني، نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة، إبان الوحدة المصرية السورية، وهو مؤسسه في أربعينات القرن الماضي، قبل الاندماج في حزب البعث، وتغيير اسمه ليصبح حزب البعث العربي الاشتراكي، ويضم كذلك الحزب العربي الديمقراطي، جماعة صلاح جديد، والمجموعات الموقعة علي بيان دمشق. ويتخذ التجمع الوطني الديمقراطي موقفا شاملا من التغيير، وترك الباب مفتوحا لدخول القوي السياسية الأخري فيه.
وبرنامج هذا التجمع يركز،علي تغيير البنية الأساسية للنظام السياسي برمته، لأنه يري أن الفرصة، التي أتيحت للرئيس بشار الأسد، لاكتساب شرعية حقيقية، كإبن لسورية وليس إبنا لحافظ الأسد، حسب تصريح أحد الموقعين علي بيان دمشق لكاتب هذه السطور، يري أن هذه الفرصة قد ضاعت ولن تعوض. فالأسد الإبن رفض دعوة وجهها التجمع له، من ثلاث سنوات، لعقد مؤتمر وطني برئاسته، يضع وعود الإصلاح موضع التنفيذ. وبذلك أسقط التجمع رهانه علي إمكانية التغيير من داخل النظام السياسي أو به، وهذا من أهم أسباب قطع كل علاقة له مع السلطة، وهو يعد لمؤتمر وطني، يدرس إمكانية اختيار رئيس مجلس الشعب رئيسا مؤقتا للبلاد، لمرحلة انتقالية، والدعوة لتحييد القوات المسلحة، وتشكيل جمعية وطنية تضع دستورا جديدا، يكون أساسا لانتخابات حرة، كخطوة ضرورية لبناء نظام جمهوري برلماني.
ومع التطورات، التي جرت مؤخرا علي الساحة اللبنانية، رفض التجمع الوطني الديمقراطي ، تصريحات وليد جنبلاط، المحرضة علي غزو سورية، والمطالبة بنزع سلاح المقاومة، في الجنوب وبين المخيمات الفلسطينية. ويقيم التجمع معادلته علي قاعدة الربط بين متطلبات التغيير الديمقراطي وحماية التراب الوطني، والذي يستلزم بدوره تغيير بنية النظام السياسي الحالي. ولا يمكن الحديث عن فصائل المعارضة الداخلية دون الإشارة إلي دور الأكراد السوريين. وتري أوساط مطلعة أن الأحزاب الكردية السورية لها قوة لا يستهان بها. حافظت علي وجودها بالعمل مع السلطة، إلا أن مشكلتها في غلبة النزوع الانفصالي عليها، بشكل يثير قلق كثيرين من خطر ذلك علي وحدة لتراب الوطني، وهذا ترك ظلاله علي العلاقات البينية بين القوي السياسية. وبالطبع هناك الاستثناءات فمن بين الأكراد السوريين من يحرص علي وحدة التراب الوطني، في ظل نظام ديمقراطي يقوم علي التعددية، ويعتمد مبدأ التداول السلمي للسلطة.
وإذا ما انتقلنا إلي الخارج، نجد أن شخصيات وجماعات سورية معارضة تتوزع علي أكثر من بلد أوروبي وغربي، وتفاجئنا نشرة المعلومات، التي أشرنا إليها في مطلع هذه السطور، حيث ورد فيها أن حزب الإصلاح السوري ، ومقره واشنطن، يحظي برعاية المحافظين الجدد، في الإدارة الأمريكية، ويمثل ديك تشيني أحد أبرز صقورها، وأبرز حلفائه في الدولة الصهيونية هو بنيامين نتنياهو، ويقود هذا الحزب فريد الغادري وتشير النشرة إلي أنه نسخة سورية من أحمد الجلبي . أما في أوروبا فالمعارضة السورية موزعة علي بلدان شرق ووسط وغرب أوروبا. منها جماعات اليسار في باريس، وجماعة الإخوان المسلمين في لندن، وأحزاب التجمع القومي الموحد ، الموزعة علي أكثر من دولة أوروبية، ويري مراقبون مطلعون أن جماعات فرنسا أقرب إلي أندية المثقفين، وتتخذ من النشاط التطوعي الخاص بحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات مجالا لحركتها. وتتعدد الجماعات والشخصيات السورية في فرنسا. بينهم ناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي، فاروق سبع الليل، ونشطاء منظمات المجتمع المدني، من الشيوعيين وجماعات اليسار القدامي، كهيثم مناع، القريب من معارضة الداخل، ومثقفون وأكاديميون مستقلون، مثل الباحث الاستراتيجي المقدم هيثم الأيوبي، والأستاذ الجامعي برهان غليون. أما الإسلاميون، خاصة جماعة الإخوان المسلمين السورية، اللندنية مشكلتهم أنهم في صراع بين براغماتية حائرة، وقيد أيديولوجي صارم، والتزام تاريخي مع الغرب معتل.
يمثل الإخوان المسلمون السوريون، في بريطانيا، الفصيل الأكبر بين الإسلاميين. وتأثيرهم الخارجي واضح، إلا أنهم، حسب أوثق المصادر، لا يتمتعون بقوة حقيقية في الداخل. ومن الصعب مقارنة قوتهم بقوة ولا إمكانيات الإخوان المسلمين المصريين، لأسباب سياسية وتاريخية وتنظيمية. والضعف الداخلي مصدر قلق لكثيرين. لأنه قد يغريهم بالرهان علي التدخل الأجنبي، ويأخذ البعض تأييدهم لانشقاق عبد الحليم خدام علي هذا المحمل، وأنه علامة ضعف أكثر منه معلم قوة.
وقد لوحظ، في الفترة الأخيرة، أن شبكة الأخبار العربية الفضائية، المعروفة بـANN، بدأت تبث البيانات والنداءات والبرامج باسم التجمع القومي الموحد ، الذي يرأسه نائب رئيس الجمهورية الأسبق رفعت الأسد. شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد، وعم الرئيس الحالي بشار الأسد. وتطالب البيانات والنداءات، بتغيير سلمي، وتداول ديمقراطي للحكم، وتخاطب القوات المسلحة من أجل حماية التراب الوطني، ودائمة الحض علي عودة زعيمه إلي الداخل، ليشارك في صياغة المرحلة القادمة. وتركز الحملة علي الديمقراطية، كطريق للمصالحة الوطنية، وتطالب بتصحيح العلاقة مع لبنان.
كانت هذه قراءة سريعة، سمح بها الحيز المتاح. قراءة لأوضاع الموالاة والمعارضة. قد تلقي ضوءا علي الصراع في سورية وحول سورية، وإذا ما جمعنا ذلك مع أطراف الضغوط الداخلية والخارجية، في وقت يبدو فيه التحرك الجاد، من قبل النخبة الحاكمة لتغيير حقيقي، شبه غائب.
وهذا هو الذي يجعل سورية تتقلب علي جمر ملتهب، وتسير علي حد نصل حاد، وسط حقل لا محدود من الألغام، منها ما هو ظاهر ومرئي، ومنها ما هو مطمور وخفي. قد تبين هذه القراءة أن وضع المولاة والمعارضة مختلف نوعيا عن وضع نظائرها في عراق ما قبل الغزو الصهيو أنكلو أمريكي، فالمحرضون علي التدخل الخارجي أقل عددا وعدة وتأثيرا بين السوريين، والنزوع الطائفي أخف حدة، وأبرد حرارة، وأقل سخونة. بالإضافة إلي أن قاعدة المعارضة الداخلية أكثر وزنا وتأثيرا عن مثيلتها في الخارج، ولو وعت النخبة الحاكمة هذا لخففت كثيرا من وطأة التردي والارتباك الراهن.
اطيب التحيات والامنيات