هب النسيم
02-11-2006, 12:32 AM
جاءت الرسالة مبللة بالدموع ...الصلاة على (.......) في جامع الملك فهد بعد صلاة الظهر...
لم تكن المرة الأولى التي تفجعني فيها هذه الرسائل بحبيب أو قريب...
فكلماتها المتكررة.... وحجمها القليل... قد أقتحم جوالي أكثر من مرة...
هي الرسائل الوحيدة التي لا ينتظر منك مرسلها الرد.. أو الاتصال..!!
كل الذي يوده منك....أن تكسب أجر القيراط.... أو القيراطين..
ذهبت للجامع فإذا بالزحام شديد.... فلم أجد لسيارتي موقفاً إلا بصعوبة بالغة..
كان عدد المصلين كثيراً في المسجد... فهناك أكثر من جنازة لمحت ذلك من خلف
الغطاء الخشبي ...
بعد الصلاة توجهنا للمقبرة..
وقبل أن ندلف مع المنعطف الأخير الذي يقود إليها
قرأت لوحة صغيرة كتب عليها بخط بئيس جدا..( مقبرة تبوك)
عجبت من هذا الخط ومن هذه اللوحة المتهالكة...
التي تحكي ألف عبرة وعبرة..
فبعد أروع المساكن وأفخم الأحياء.... سوف يكون المصير
إلى مكان لا يكلف الكثير من المال.... ولا الكثير من البناء
ولا التفنن في المداخل... ولا البحث عن آخر الموضات في المفارش..
وما هذه اللوحة... وما هذا الخط البائس... إلا دليل ذلك..
قطعت هذا التفكير الذي سبحت في خياله... عندما دخلنا المقبرة..
قطعته... لأعيش المفاجأة التي لم أتوقعها أبداً...
ولم تخطر على بالي ولم تقترب ولو قليلاً من خيالي..
تسائلت عندها يا ترى هل هذه هي المقبرة التي أعرف..؟
هل هذه هي المقبرة الكبيرة العظيمة.... التي بالكاد تلمح زواياها..؟؟
مالها اليوم قد تغيرت...؟
ما هذه الأعداد الهائلة من القبور...
متى حدث هذا... ؟
اقتربت من أحد أصدقائي.... والذي قرأت الذهول في وجهه...!!
(أبو أحمد.... أنت معاي... تلاحظ اللي أنا ملاحظه..
المقبرة امتلأت ....)
عندها أشار بيده إلى وسط هذه القبور.... وقال متعجباً والله قبل أشهر قليلة دفنا أحد الأقارب هناك )
سبحان الله....
رددت ذلك وأنا لا أكاد أصدق ما رأت عيني....
ثم قلت لنفسي وأنا أتأمل هذه القبور:... لقد تخطاك الموت كثيراً كثيراً أيتها النفس
وما أعداد هذه القبور الهائلة إلا برهان ذلك..
فأرجوك تأملي ذلك ..!!
أرجوك أعدي لهذا المنزل عدته...!!
تعالت الأصوات بعد ذلك ونادت...
هاتوا الجنازة......
( سبحان الله... حتى الاسم الذي كان ينادى به الميت في
هذه الدنيا فقده.... ليسمى جنازة!!! .....
هاتوا الجنازة.... صلوا على الجنازة.... أدخلوا الجنازة...
(كلنا نشترك بهذا الاسم..... في ذلك المكان)...!!
عندما أنزلوا الجنازة إلى القبر.... أخرج أحدهم القطعة الخشبية
التي كان يحمل الميت فوقها...
هذه القطعة الخشبية هي ( السرير الأخير)...في هذه الدنيا
لا يهم كيف شكله ولونه...
ولا يهم هل صنع في السعودية أو في غيرها..
ولن تجد حوله النقوش...
وليس مهماً أن يفرش بأفخم الأقمشة وأغلاها
وفي كل ذلك .... دليل صارخ يستجدي بقايا تفكير ...
وبقايا إحساس ... وعقل
ثم يعود بعد ذلك ذليلاً.. صاغراً.... يهمهم.... بلقد أسمعت.............)
عندما وضع الميت في قبرة ...
تكررت الأمور التي لا أحبها....
والتي أتمنى أن لا أراها في مقابرنا....
فهذا يرفع صوته بلا سبب يذكر....
وذاك يريد الأمر كما يحب ويشتهي...
والآخر يرى الجميع على خطأ... فتراه يرفع صوته مطالباً بالتصحيح...
وهكذا.... تشعر أنك في سوق تجاري....لا في مقبرة..!!!
مع أن الأمر أسهل بكثير... ولا يحتاج لمثل هذا الضجيج...!!
بعد أن أتم الجميع الدفن.... دعي للميت... وذكر بعضهم قائلاً:
إنه الآن يســـــــــــــأل....!!
قف ما شئت من الزمن أمام هذه الكلمة...
قف.. مذهولاً....!!
قف.. مصعوقاً..!!
قف.. مبهوراً..!!
الآن يـــسأل...!!
ما أسرع الحيـــــــــــاة.....
وما أتفه الدنيــــــــا...
كان يسمع عن امتحان القبر...
وعن منكر ونكير.....
يظن ذلك بعيداً جداً...
فإذا هو وهذا المشهد في زمان واحد.. ومكان واحد...
أسرع مما كان يظن ويأمل..
فيختفي سراب... ( بعيد جدا)
حين يلوح ( قريب جداً) في أفق الغفلة السادرة...
زاد هذا المشهد حضوراً في نفسي كلمات صديقي حسن
الذي أقترب مني هامساً: أتدري كم بيننا وبين الآخرة...
لم يمهلني ليسمع جوابي...وقال: متـــــر واحد , وأشار للقبر الذي دفن
الأمر قريب إذن... وخطير... والزاد قليل ... بل مسروق
نعم.... مسروق
سرقه ....( التسويف)
وسرقته ....( الغفلة)
في زحام المعزين ... وقفت أبحث أجر .....( من فرج عن مؤمن كربة....)
كان العدد كثيراً...
أتعجب كل العجب.... ممن يوزع الابتسامات في هذا الموقف...
وتراه يبحث عن الأصدقاء في هذا الزحام....
(فرقتهم الدنيا... وجمعتهم المقابر.... معادلة غريبة.)!!
ولربما قال لصديقه.... ناسياً أو غافلاً.... ( فرصة سعيدة)!!
وقريب الميت على بعد....أمتار يقال له... جبر الله مصابكم...!!
كل ذلك.... قد يتسامح فيه... ويتغافل عنه....
إلا ما كان من أحد المعزين الذي لم يستطع الصبر ولم يطق الانتظار
عندما وجد صديقاً... يبدو أنه مسوؤل في دائرة حكومية..
فراح يصف له معاناته في إحدى القضايا
ورفع صوته فجأة وقال......( المعاملة موجودة في البلدية)
عندها..... رأيت الحسن البصري
يكتب بدموعه....( في المقبرة لا تدري من تعزي
فكل الذين تراهم تحسبهم أهل الميت...
من تأثرهم بمشهد الرحيل....)
المعاملة موجودة في البلدية....
وللتو سمع .... إنه الآن يـــــسأل...!!
المعاملة في البلدية....
والقلب في بورصة الأسهم...
والهم.... يصول ويجول حول حطام زائف حقير...!!
والحسن ينادي العابرين...
الدنيا (حلم)
والآخرة ( يقظة)
والمتوسط بينهما ( الموت)
والعباد في أضغاث أحلام...!!
يارب أكشف هذه القسوة...... وأزل هذا الران
هب النسيم
الخميس... عاشوراء..... 1427
لم تكن المرة الأولى التي تفجعني فيها هذه الرسائل بحبيب أو قريب...
فكلماتها المتكررة.... وحجمها القليل... قد أقتحم جوالي أكثر من مرة...
هي الرسائل الوحيدة التي لا ينتظر منك مرسلها الرد.. أو الاتصال..!!
كل الذي يوده منك....أن تكسب أجر القيراط.... أو القيراطين..
ذهبت للجامع فإذا بالزحام شديد.... فلم أجد لسيارتي موقفاً إلا بصعوبة بالغة..
كان عدد المصلين كثيراً في المسجد... فهناك أكثر من جنازة لمحت ذلك من خلف
الغطاء الخشبي ...
بعد الصلاة توجهنا للمقبرة..
وقبل أن ندلف مع المنعطف الأخير الذي يقود إليها
قرأت لوحة صغيرة كتب عليها بخط بئيس جدا..( مقبرة تبوك)
عجبت من هذا الخط ومن هذه اللوحة المتهالكة...
التي تحكي ألف عبرة وعبرة..
فبعد أروع المساكن وأفخم الأحياء.... سوف يكون المصير
إلى مكان لا يكلف الكثير من المال.... ولا الكثير من البناء
ولا التفنن في المداخل... ولا البحث عن آخر الموضات في المفارش..
وما هذه اللوحة... وما هذا الخط البائس... إلا دليل ذلك..
قطعت هذا التفكير الذي سبحت في خياله... عندما دخلنا المقبرة..
قطعته... لأعيش المفاجأة التي لم أتوقعها أبداً...
ولم تخطر على بالي ولم تقترب ولو قليلاً من خيالي..
تسائلت عندها يا ترى هل هذه هي المقبرة التي أعرف..؟
هل هذه هي المقبرة الكبيرة العظيمة.... التي بالكاد تلمح زواياها..؟؟
مالها اليوم قد تغيرت...؟
ما هذه الأعداد الهائلة من القبور...
متى حدث هذا... ؟
اقتربت من أحد أصدقائي.... والذي قرأت الذهول في وجهه...!!
(أبو أحمد.... أنت معاي... تلاحظ اللي أنا ملاحظه..
المقبرة امتلأت ....)
عندها أشار بيده إلى وسط هذه القبور.... وقال متعجباً والله قبل أشهر قليلة دفنا أحد الأقارب هناك )
سبحان الله....
رددت ذلك وأنا لا أكاد أصدق ما رأت عيني....
ثم قلت لنفسي وأنا أتأمل هذه القبور:... لقد تخطاك الموت كثيراً كثيراً أيتها النفس
وما أعداد هذه القبور الهائلة إلا برهان ذلك..
فأرجوك تأملي ذلك ..!!
أرجوك أعدي لهذا المنزل عدته...!!
تعالت الأصوات بعد ذلك ونادت...
هاتوا الجنازة......
( سبحان الله... حتى الاسم الذي كان ينادى به الميت في
هذه الدنيا فقده.... ليسمى جنازة!!! .....
هاتوا الجنازة.... صلوا على الجنازة.... أدخلوا الجنازة...
(كلنا نشترك بهذا الاسم..... في ذلك المكان)...!!
عندما أنزلوا الجنازة إلى القبر.... أخرج أحدهم القطعة الخشبية
التي كان يحمل الميت فوقها...
هذه القطعة الخشبية هي ( السرير الأخير)...في هذه الدنيا
لا يهم كيف شكله ولونه...
ولا يهم هل صنع في السعودية أو في غيرها..
ولن تجد حوله النقوش...
وليس مهماً أن يفرش بأفخم الأقمشة وأغلاها
وفي كل ذلك .... دليل صارخ يستجدي بقايا تفكير ...
وبقايا إحساس ... وعقل
ثم يعود بعد ذلك ذليلاً.. صاغراً.... يهمهم.... بلقد أسمعت.............)
عندما وضع الميت في قبرة ...
تكررت الأمور التي لا أحبها....
والتي أتمنى أن لا أراها في مقابرنا....
فهذا يرفع صوته بلا سبب يذكر....
وذاك يريد الأمر كما يحب ويشتهي...
والآخر يرى الجميع على خطأ... فتراه يرفع صوته مطالباً بالتصحيح...
وهكذا.... تشعر أنك في سوق تجاري....لا في مقبرة..!!!
مع أن الأمر أسهل بكثير... ولا يحتاج لمثل هذا الضجيج...!!
بعد أن أتم الجميع الدفن.... دعي للميت... وذكر بعضهم قائلاً:
إنه الآن يســـــــــــــأل....!!
قف ما شئت من الزمن أمام هذه الكلمة...
قف.. مذهولاً....!!
قف.. مصعوقاً..!!
قف.. مبهوراً..!!
الآن يـــسأل...!!
ما أسرع الحيـــــــــــاة.....
وما أتفه الدنيــــــــا...
كان يسمع عن امتحان القبر...
وعن منكر ونكير.....
يظن ذلك بعيداً جداً...
فإذا هو وهذا المشهد في زمان واحد.. ومكان واحد...
أسرع مما كان يظن ويأمل..
فيختفي سراب... ( بعيد جدا)
حين يلوح ( قريب جداً) في أفق الغفلة السادرة...
زاد هذا المشهد حضوراً في نفسي كلمات صديقي حسن
الذي أقترب مني هامساً: أتدري كم بيننا وبين الآخرة...
لم يمهلني ليسمع جوابي...وقال: متـــــر واحد , وأشار للقبر الذي دفن
الأمر قريب إذن... وخطير... والزاد قليل ... بل مسروق
نعم.... مسروق
سرقه ....( التسويف)
وسرقته ....( الغفلة)
في زحام المعزين ... وقفت أبحث أجر .....( من فرج عن مؤمن كربة....)
كان العدد كثيراً...
أتعجب كل العجب.... ممن يوزع الابتسامات في هذا الموقف...
وتراه يبحث عن الأصدقاء في هذا الزحام....
(فرقتهم الدنيا... وجمعتهم المقابر.... معادلة غريبة.)!!
ولربما قال لصديقه.... ناسياً أو غافلاً.... ( فرصة سعيدة)!!
وقريب الميت على بعد....أمتار يقال له... جبر الله مصابكم...!!
كل ذلك.... قد يتسامح فيه... ويتغافل عنه....
إلا ما كان من أحد المعزين الذي لم يستطع الصبر ولم يطق الانتظار
عندما وجد صديقاً... يبدو أنه مسوؤل في دائرة حكومية..
فراح يصف له معاناته في إحدى القضايا
ورفع صوته فجأة وقال......( المعاملة موجودة في البلدية)
عندها..... رأيت الحسن البصري
يكتب بدموعه....( في المقبرة لا تدري من تعزي
فكل الذين تراهم تحسبهم أهل الميت...
من تأثرهم بمشهد الرحيل....)
المعاملة موجودة في البلدية....
وللتو سمع .... إنه الآن يـــــسأل...!!
المعاملة في البلدية....
والقلب في بورصة الأسهم...
والهم.... يصول ويجول حول حطام زائف حقير...!!
والحسن ينادي العابرين...
الدنيا (حلم)
والآخرة ( يقظة)
والمتوسط بينهما ( الموت)
والعباد في أضغاث أحلام...!!
يارب أكشف هذه القسوة...... وأزل هذا الران
هب النسيم
الخميس... عاشوراء..... 1427