ابن بطيحــان الجذلي
02-13-2006, 12:07 AM
من روائع الدكتور * د. إحسان الأمين
كان مجتمع الجاهلية الذي واجهه الاسلام عند بزوغه من أشدّ المجتمعات قسوة وأكثرها حقداً تجاه المرأة، يكفي أنهم كانوا يدفنون البنت الوليدة وهي حية تخلصاً مما يعتقدونه عاراً يلحق بهم، أو تملّصاً من نفقتها، وما كانوا يتصورونه من الفقر والفاقة التي تسببها لهم، وفي هذه الأجواء جاء الاسلام العظيم ليدفع عن المرأة هذا الظلم الكبير، وهاهو القرآن يئنّ ويصرخ لحالها مستظلماً: (وإذا الموؤودة سئلت * بأي ذنب قتلت) التكوير/ 8-9.
ويصف القرآن الكريم هذه الحالة المأساوية التي كانت تمرّ بها المرأة في آيات أخرى: (وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسوداً وهو كظيم) النحل/ 58.
ويصفه بأنه كان خطأً كبيراً: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأً كبيراً) الإسراء/ 31.
وينقل التاريخ لنا صوراً مأساوية من أوضاع المرأة في الجاهلية، والواقع المر الذي كانت تواجهه، وهذه الصور تساعدنا في معرفة النقلة النوعية التاريخية التي حققها الاسلام في ذلك المجتمع، إذ ينتقل بالمرأة من واقعها السيئ هذا، إلى مستوى الإكرام والإجلال والمساهمة في مسيرة الرسالة الفكرية، والاجتماعية والسياسية بأعلى المستويات.
* المخلوق المكرّم :
انطلق الاسلام في تعامله مع المرأة على أساس إنسانيتها ومساواتها في مصدر الخلق والتكوين مع الرجل، من غير تمييز في ذلك، بين الذكر والأنثى، فهما معاً: المخلوق المكرّم العزيز عند الله تعالى، الذي أكرمه الله تعالى بالعلم والمعرفة، وسخّر له السماوات والأرض، وكل ما وجد من حوله، ليستخلف الله تعالى في أرضه، قال تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الإسراء/ 70.
وهما قد خلقا من نفسٍ واحدة، فلا تفاضل لأحدهما على الآخر، ولا مرتبة عُليا ولا دُنيا، بل هما من مصدر واحد سواء فيه، قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) النساء/ 1.
وبذلك ينفي الاسلام كل الأوهام السخيفة المتداولة حول خلق المرأة؛ من قدم الإله، أو من فضل خَلقِ الانسان.. أو غيرهما مما تعجّ به العقائد المنحرفة.
* البنت المباركة:
اتجه الاسلام إلى إكرام المرأة منذ ولادتها، وعلى العكس من تشاؤم الجاهليين تجاه ولادة البنت ورغبتهم في طلب الولد الذكر، فقد جعل الاسلام البنات أفضل الأولاد خيراً وبركة.
فقد نهى رسول الله (ص) عن كره البنات، مُبيِّناً بعض مزاياهنّ الجميلة ومؤكداً على مكانتهن، فيقول: (لا تكرهوا البنات، فإنهنّ المؤنسات الغاليات).
ورعاية البنات وكفالتهنّ توجب الجنة، وهي جائزة المؤمن العظيمة يوم القيامة، ففي حديث عن الرسول (ص)، قال: (مَن كانت له ابنة فأدّبها وأحسنَ أدبها، وعلّمها فأحسنَ تعليمها، فأوسع عليها من نِعَم الله التي أسبغ عليه، كانت له منعة وستراً من النار).
ويعبِّر الإمام الصادق من أئمة أهل البيت (ع) عن بركة المرأة وما تجلبه للانسان من خير ومنفعة وأجر، فيقول: (البنات حسنات والبنون نعمة، والحسنات يُثاب عليها والنعمة يُسأل عنها).
* الزوجة المكرّمة:
شيّد الله تعالى بناء الأسرة على أساس المودة والرحمة، فقد بيّن القرآن الكريم حقيقة أن الرجل والمرأة قد جُبِلا على سكون أحدهما إلى الآخر وميله وشعوره بالطمأنينة والدفء برفقته، فقال تعالى: (ومِن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم/ 21.
ولأن البيت لا يُبنى إلا بوجود المرأة ومودتها ومحبتها، فقد جعل الاسلام المرأة هي التي تُنشئ عقد الزواج، فهي طرف الإيجاب: طرف إنشاء العقد وإيقاعه، ليوضح بشكل متميز حق المرأة في اختيار الزوج ودورها في بناء الحياة الزوجية.
ويمثل الزوج طرف القبول، وصحة العقد بينهما متوقفة على رضاهما وقبولهما معاً، فلا يصح العقد بالإكراه، كما إن لها وله أن يحددا من الشروط التي يراها كل منهما ويوافقا عليها، إلا ما حرّم حلالاً أو حلل حراماً.
ولا يستحكم هذا البناء ويدوم إلا إذا قام على أسس عادلة تُحفَظ فيها الحقوق والواجبات، يعزّ كل طرف الآخر ويراعي حرمته ويتعاون معه في سعادة هذه المملكة الصغيرة بحجمها، الكبيرة بمعانيها ومضامينها.
ولذلك فإن الاسلام ضمنَ للمرأة حقوقها، في مقابل ما تقوم به من دور وتنهض به من مسؤوليات، قال تعالى: (ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف) البقرة/ 228.
ومع كل هذه الشرائط، راحَ الاسلام مرة بعد مرة يؤكد على ضرورة رعاية المرأة وحفظ كرامتها ومعاملتها بلطف ومحبة ورفق، فيؤكد تعالى: (وعاشروهنّ بالمعروف…) النساء/ 19.
واستمراراً لهذا النهج، فإن رسول الله 0ص) قد جعل من نمط سلوك الانسان في بيته ومعاملته لزوجته وعموم أهله، معياراً لشخصية الانسان وميزاناً لمقدار الخير الذي تحمله، مما يدل على أن الانسان إنما يُختبر في نفسه ويُمتحن في دينه ويُفاضل في شخصيته ابتداء في طريقة تعامله مع نسائه وأهل بيته، ومدى رأفته ورحمته، ومقدار الخير الذي يوصله إليهن وإليهم، لذا فإن رسول الله (ص) يؤكد: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
ومن مظاهر الخير أن ينفق الانسان على أهل بيته مما أنعم الله عليه، ويسعى في رفاههم وتحسين أحوالهم، ورحمته بهم ورعايته لهم، تديم رحمة الله به ورعايتهم له، لذا قال (ص): (عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم الله عليه بنعمة فليوسع على أسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول النعمة).
وما أكبر جريمة الانسان لو أنه أهمل رعاية أسرته وتسبب في أذاهم.
* الأُم المقدّسة:
(وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً * إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً) الإسراء/ 23-24.
أكدت الديانات السماوية جميعاً على احترام الوالدين وإكرامهما والتعامل معهما برفق وإحسان ومحبة ورأفة.
وبالتالي فإن برّ الوالدين هو جزء من نهج شامل جاء به الرسول الكريم (ص)، حيث يقول: (إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق).
فليس برّ الوالدين إلا من الوفاء وتقدير الجميل وردّ العرفان لشخصين قدّما الغالي والنفيس وتحملا أنواع المتاعب وصرفا أعزّ الأوقات من أجل ولدهما، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وتلك سنة حياتية، يخدم فيها كل جيل أبناءه، ويعزّ فيها كل نسلٍ آباءه. لذا قال الرسول الأكرم (ص): (برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم).
وقد أوجب الاسلام على الانسان المسلم نفقة والديه عند احتياجهما إضافة إلى نفقة ولده وزوجته، ولكن الإحسان إليهما أمر يتجاوز الإنفاق الواجب، فهو يتضمن التعامل معهما بلطف ورأفة واحترامهما وإجلالهما وتفقد أحوالهما ومراعاة شؤونهما، وطبيعي أن لذلك حدوداً وآداباً تجدها في كتب الفقه والأخلاق.
ولا يرتبط البر بالوالدين بدينهما، وأن يكونا على إيمان الانسان أو التزامه الديني، وإنما هو أمر مطلق، فيجب على المسلم البر بوالدين مسلمين كانا أم غير مسلمين، برّين كانا أم فاجرين.
وطبيعي أنّ هناك حقوقاً وواجبات على الوالدين تجاه الولد، كما إن عليهما أن يبرّا الولد ويعيناه على برّهما ولا يدفعاه إلى عقوقهما، فقد ورد عن رسول الله (ص) قوله: (رحم الله مَن أعانّ ولده على برِّه: وهو أن يعفو عن سيئته ويدعو له فيما بينه وبين الله).
مع كل هذا التأكيد على برّ الوالدين والإحسان إليهما، إلا أن الاسلام –كسائر الأديان الإلهية- كان له اهتمام أخصّ بالأم، فأعطاها مكانة سامية رفيعة، وأفاض عليها من العز والقدسية، ما جعلها رمزاً للمحبة ومنبعاً للحب ومصدراً للخير ومجمعاً للبركة وللرحمة، يكفي في ذلك كله قول الرسول (ص): (الجنة تحت أقدام الأمهات).
لذا قدّم البرّ بالأم على البرّ بالأب، فعن الصادق (ع): جاء رجل إلى رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله، مَن أبِرُّ؟ قال: أمّك، قال: ثم مَن؟ قال: أمّك، قال: ثم مَن؟ قال: أمّك، قال: ثم مَن؟ قال: أباك.
ابن بطيحاان الجذلي
كان مجتمع الجاهلية الذي واجهه الاسلام عند بزوغه من أشدّ المجتمعات قسوة وأكثرها حقداً تجاه المرأة، يكفي أنهم كانوا يدفنون البنت الوليدة وهي حية تخلصاً مما يعتقدونه عاراً يلحق بهم، أو تملّصاً من نفقتها، وما كانوا يتصورونه من الفقر والفاقة التي تسببها لهم، وفي هذه الأجواء جاء الاسلام العظيم ليدفع عن المرأة هذا الظلم الكبير، وهاهو القرآن يئنّ ويصرخ لحالها مستظلماً: (وإذا الموؤودة سئلت * بأي ذنب قتلت) التكوير/ 8-9.
ويصف القرآن الكريم هذه الحالة المأساوية التي كانت تمرّ بها المرأة في آيات أخرى: (وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسوداً وهو كظيم) النحل/ 58.
ويصفه بأنه كان خطأً كبيراً: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأً كبيراً) الإسراء/ 31.
وينقل التاريخ لنا صوراً مأساوية من أوضاع المرأة في الجاهلية، والواقع المر الذي كانت تواجهه، وهذه الصور تساعدنا في معرفة النقلة النوعية التاريخية التي حققها الاسلام في ذلك المجتمع، إذ ينتقل بالمرأة من واقعها السيئ هذا، إلى مستوى الإكرام والإجلال والمساهمة في مسيرة الرسالة الفكرية، والاجتماعية والسياسية بأعلى المستويات.
* المخلوق المكرّم :
انطلق الاسلام في تعامله مع المرأة على أساس إنسانيتها ومساواتها في مصدر الخلق والتكوين مع الرجل، من غير تمييز في ذلك، بين الذكر والأنثى، فهما معاً: المخلوق المكرّم العزيز عند الله تعالى، الذي أكرمه الله تعالى بالعلم والمعرفة، وسخّر له السماوات والأرض، وكل ما وجد من حوله، ليستخلف الله تعالى في أرضه، قال تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الإسراء/ 70.
وهما قد خلقا من نفسٍ واحدة، فلا تفاضل لأحدهما على الآخر، ولا مرتبة عُليا ولا دُنيا، بل هما من مصدر واحد سواء فيه، قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) النساء/ 1.
وبذلك ينفي الاسلام كل الأوهام السخيفة المتداولة حول خلق المرأة؛ من قدم الإله، أو من فضل خَلقِ الانسان.. أو غيرهما مما تعجّ به العقائد المنحرفة.
* البنت المباركة:
اتجه الاسلام إلى إكرام المرأة منذ ولادتها، وعلى العكس من تشاؤم الجاهليين تجاه ولادة البنت ورغبتهم في طلب الولد الذكر، فقد جعل الاسلام البنات أفضل الأولاد خيراً وبركة.
فقد نهى رسول الله (ص) عن كره البنات، مُبيِّناً بعض مزاياهنّ الجميلة ومؤكداً على مكانتهن، فيقول: (لا تكرهوا البنات، فإنهنّ المؤنسات الغاليات).
ورعاية البنات وكفالتهنّ توجب الجنة، وهي جائزة المؤمن العظيمة يوم القيامة، ففي حديث عن الرسول (ص)، قال: (مَن كانت له ابنة فأدّبها وأحسنَ أدبها، وعلّمها فأحسنَ تعليمها، فأوسع عليها من نِعَم الله التي أسبغ عليه، كانت له منعة وستراً من النار).
ويعبِّر الإمام الصادق من أئمة أهل البيت (ع) عن بركة المرأة وما تجلبه للانسان من خير ومنفعة وأجر، فيقول: (البنات حسنات والبنون نعمة، والحسنات يُثاب عليها والنعمة يُسأل عنها).
* الزوجة المكرّمة:
شيّد الله تعالى بناء الأسرة على أساس المودة والرحمة، فقد بيّن القرآن الكريم حقيقة أن الرجل والمرأة قد جُبِلا على سكون أحدهما إلى الآخر وميله وشعوره بالطمأنينة والدفء برفقته، فقال تعالى: (ومِن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم/ 21.
ولأن البيت لا يُبنى إلا بوجود المرأة ومودتها ومحبتها، فقد جعل الاسلام المرأة هي التي تُنشئ عقد الزواج، فهي طرف الإيجاب: طرف إنشاء العقد وإيقاعه، ليوضح بشكل متميز حق المرأة في اختيار الزوج ودورها في بناء الحياة الزوجية.
ويمثل الزوج طرف القبول، وصحة العقد بينهما متوقفة على رضاهما وقبولهما معاً، فلا يصح العقد بالإكراه، كما إن لها وله أن يحددا من الشروط التي يراها كل منهما ويوافقا عليها، إلا ما حرّم حلالاً أو حلل حراماً.
ولا يستحكم هذا البناء ويدوم إلا إذا قام على أسس عادلة تُحفَظ فيها الحقوق والواجبات، يعزّ كل طرف الآخر ويراعي حرمته ويتعاون معه في سعادة هذه المملكة الصغيرة بحجمها، الكبيرة بمعانيها ومضامينها.
ولذلك فإن الاسلام ضمنَ للمرأة حقوقها، في مقابل ما تقوم به من دور وتنهض به من مسؤوليات، قال تعالى: (ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف) البقرة/ 228.
ومع كل هذه الشرائط، راحَ الاسلام مرة بعد مرة يؤكد على ضرورة رعاية المرأة وحفظ كرامتها ومعاملتها بلطف ومحبة ورفق، فيؤكد تعالى: (وعاشروهنّ بالمعروف…) النساء/ 19.
واستمراراً لهذا النهج، فإن رسول الله 0ص) قد جعل من نمط سلوك الانسان في بيته ومعاملته لزوجته وعموم أهله، معياراً لشخصية الانسان وميزاناً لمقدار الخير الذي تحمله، مما يدل على أن الانسان إنما يُختبر في نفسه ويُمتحن في دينه ويُفاضل في شخصيته ابتداء في طريقة تعامله مع نسائه وأهل بيته، ومدى رأفته ورحمته، ومقدار الخير الذي يوصله إليهن وإليهم، لذا فإن رسول الله (ص) يؤكد: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
ومن مظاهر الخير أن ينفق الانسان على أهل بيته مما أنعم الله عليه، ويسعى في رفاههم وتحسين أحوالهم، ورحمته بهم ورعايته لهم، تديم رحمة الله به ورعايتهم له، لذا قال (ص): (عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم الله عليه بنعمة فليوسع على أسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول النعمة).
وما أكبر جريمة الانسان لو أنه أهمل رعاية أسرته وتسبب في أذاهم.
* الأُم المقدّسة:
(وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً * إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً) الإسراء/ 23-24.
أكدت الديانات السماوية جميعاً على احترام الوالدين وإكرامهما والتعامل معهما برفق وإحسان ومحبة ورأفة.
وبالتالي فإن برّ الوالدين هو جزء من نهج شامل جاء به الرسول الكريم (ص)، حيث يقول: (إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق).
فليس برّ الوالدين إلا من الوفاء وتقدير الجميل وردّ العرفان لشخصين قدّما الغالي والنفيس وتحملا أنواع المتاعب وصرفا أعزّ الأوقات من أجل ولدهما، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وتلك سنة حياتية، يخدم فيها كل جيل أبناءه، ويعزّ فيها كل نسلٍ آباءه. لذا قال الرسول الأكرم (ص): (برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم).
وقد أوجب الاسلام على الانسان المسلم نفقة والديه عند احتياجهما إضافة إلى نفقة ولده وزوجته، ولكن الإحسان إليهما أمر يتجاوز الإنفاق الواجب، فهو يتضمن التعامل معهما بلطف ورأفة واحترامهما وإجلالهما وتفقد أحوالهما ومراعاة شؤونهما، وطبيعي أن لذلك حدوداً وآداباً تجدها في كتب الفقه والأخلاق.
ولا يرتبط البر بالوالدين بدينهما، وأن يكونا على إيمان الانسان أو التزامه الديني، وإنما هو أمر مطلق، فيجب على المسلم البر بوالدين مسلمين كانا أم غير مسلمين، برّين كانا أم فاجرين.
وطبيعي أنّ هناك حقوقاً وواجبات على الوالدين تجاه الولد، كما إن عليهما أن يبرّا الولد ويعيناه على برّهما ولا يدفعاه إلى عقوقهما، فقد ورد عن رسول الله (ص) قوله: (رحم الله مَن أعانّ ولده على برِّه: وهو أن يعفو عن سيئته ويدعو له فيما بينه وبين الله).
مع كل هذا التأكيد على برّ الوالدين والإحسان إليهما، إلا أن الاسلام –كسائر الأديان الإلهية- كان له اهتمام أخصّ بالأم، فأعطاها مكانة سامية رفيعة، وأفاض عليها من العز والقدسية، ما جعلها رمزاً للمحبة ومنبعاً للحب ومصدراً للخير ومجمعاً للبركة وللرحمة، يكفي في ذلك كله قول الرسول (ص): (الجنة تحت أقدام الأمهات).
لذا قدّم البرّ بالأم على البرّ بالأب، فعن الصادق (ع): جاء رجل إلى رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله، مَن أبِرُّ؟ قال: أمّك، قال: ثم مَن؟ قال: أمّك، قال: ثم مَن؟ قال: أمّك، قال: ثم مَن؟ قال: أباك.
ابن بطيحاان الجذلي