خالد عبدالله زعل الهرفي
03-12-2006, 10:24 AM
الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله الطيبين الأطهار ، وبعد:
فهذه قصة المرأة التي نجاها الله من كارثة غرق العبارة السلام 98 ، وبدون مقدمات ولا ممهدات سأسرد القصة كما حدثتني بها:
تقول أن زوجها لايحب السفر للخارج بطبيعته ولكن بعد زواجي بأشهر طلبت منه السفر لمصر.. وافق زوجي على السفر، وقمنا بشراء بعض الملابس والأغراض التي نحتاجها،
واقترح زوجي شحن السيارة ليسهل علينا التنقل داخل مصر... شحنا السيارة وركبنا العبارة.. حاول زوجي أن يكون في الغرف الداخلية، لكن بسبب تأخرنا لم يتمكن من ذلك، فقال: لايوجد مكان إلا على سطح العبارة..
قلت له: لابأس الجو جميل والرحلة لن تستمر طويلاً.. لكن المشكلة أن زوجي بدأ يشعر بالبرد وظهرت عليه علامات السخونة.. المهم بدأت الرحلة من غير تنظيم ولا ترتيب، ولا توجد أي إرشادات للركاب من حيث الأماكن المخصصة للجلوس طريق الطواريء وإرشادات السلامة كل من يدخل يجلس في أي مكان..
بدأت الرحلة والناس في مرح وانبساط وكثير من الركاب ذهبوا للسينما ليقضوا بقية رحلتهم.. جلست أنا وزوجي على سطح السفينة ومعنا بعض اللحف والبطانيات نتقي بها البرودة.. وبعد مضي ساعتين وكان وقت غروب، شممنا رائحة دخان ولا حظنا على الطاقم بعض الارتباك، فما أعطينا الأمر أي اهتمام ولم نكن نعلم أن هذه بداية النهاية..
بعد قرابة ربع ساعة تقريباً أحسسنا أن الدخان ازداد سوءاً، وأن السفينة في تمايل على جهة اليمين.. جاء أحد الركاب من الأسفل ويقول أنه تعب من الدخان وأن هناك حريق بسيط اشتعل في العفش وأنهم مازالوا يطفئون الحريق..
وفي ذلك الوقت حل الليل تماماً وبدأنا ننظر إلى أنوار ميناء ضبا.. وكل ذلك والسفينة مازالت تمشي متجهة إلى مصر.. أما من على سطح السفينة فهم لم يعيروا الأمر اهتماماً، فهم بين نوم وضحك وسواليف.. قلت في نفسي: أنا فقط خائفة، لأني أول مرة أسافر عن طريق سفينة.. كل ذلك وأنا أحس أن السفينة ازدادت ميولاً والهواء قوي وشديد البرودة مماجعل الرحلة ممتعة ويشوبها شيء من الخوف..
رأينا تحركات الطاقم تزداد ارتباكاً ودهشة وبدأنا نسمع أصوات استغاثة... وقف شعر رأسي وزوجي يهدئني ويقول لاتخافي.. ازدادت رائحة الدخان ورأينا كثير يصعدون من أسفل من جراء الإختناق.. ثم اضطربت السفينة على غير عادتها وأصبح الأعمى يرى أن السفينة مائلة على الجنب اليمين... بدأت الحيرة تراودني بين هل الأمر مقدور عليه أو لا؟؟
اشتد ميلان السفينة ومع شدة الهواء أصبحنا نتمسك بقوة... قام زوجي وذهب إلى إدارة السفينة،ولكن لم يسمحوا له بالدخول.. وكلما خرج رجل من الأسفل يصرخ ويقول السفينة تحترق السفينة تحترق.. رجع زوجي وعلامات الخوف بادية على محياه..
فجأة-والسفينة مازالت تسير- بدأت السفينة ترتفع من الأمام وتغوص من الخلف والموج يضرب فيها ضرباً.. عندها بدأ الصريخ والعويل من النساء والأطفال وكأن الغرق قد قرب... ثم بدأ الدخان يعلوا علينا وبدأت شظايا النوافذ تتفجر والسفينة تزداد ارتفاعاً من الأمام واضطراباً.. قام بعض الركاب وذهبوا يبحثون عن قوارب نجاة، أو أطواق نجاة، رجعوا ولم يعرفوا مكانها.. وهذا كله والسفينة لم تتوقف عن الإبحار...
ازداد غضب الركاب وهم بين أن ينتبهوا على أهليهم أو يذهبوا للطاقم الذي لم يخبروا الركاب بشيء... وكانت القاصمة عندما رأينا أسفل السفينة وقد علته مياه البحر.. وبدأ البحر يبتلع السفينة من الخلف شيئاً فشيئاً..
جاء أحد الركاب وقد حمل معه بعض أطواق النجاة ووزعها على من في الأعلى.. كان الأمر مرعباً للغاية زوجي لايجيد السباحة، والناس بين دعاء وبكاء وصراخ.. أحسسنا بحرارة السفينة من الأسفل وسمعنا أصوات صراخ شديد جداً من الأسفل.. استمر البحر يلتهم السفينة حتى قاربت النصف، وبدأنا نرى الناس يسقطون في البحر خاصة من في المؤخرة وهم يستغيثون ولا مجيب..
بكيت كثيراً ودعوت الله أن ينجينيا من الغرق...
قام بعض الركاب وقالوا لايوجد حل سوى السقوط في البحر لأن النار بدأت ترتفع والزجاج يتفجر... تقاتل الناس على أطواق النجاة وهي قليلة جداً وأكثرها تالفة ومهترئة.. رأيت بعض الأطفال وهم يسقطون من شدة اضطراب السفينة والحرارة أصبحت تأكل أرجلنا من الأسفل.. عندها قرر زوجي أن نسقط سوياً في البحر..
كان الأمر مخيفاً ولم نصدق أننا سنغرق... لم نصدق أن الأمر استمر قرابة خمس ساعات ولم
يأتي أحد لإنقاذنا.. لم أصدق أن قبطان السفينة لم يخبر أحداً بأمرنا..
رأينا بعض البحارة وهم يتدافعون على قوارب نجاة وقد أنزلوها والناس تمسك بهم فمنهم من يسقط ومنهم يركب..
رأيت الأم التي تمسك أطفالها الأربعة ولا تعرف ماذا تفعل..
رأيت من استسلم للموت وأخذته الرهبة ولم يحرك ساكناً..
بعد ما ربطت طوق النجاة لزوجي وإني أراه يبكي قال: استعيني بالله ولا تخافي، وإني أعلم أنه لايجيد السباحة..
سمعنا من يصرخ ويقول انقزوا في البحر قبل ماتغرقكم السفينة..
نقزت أنا وزوجي في البحر وغطسنا في البحر وكانت المسافة بين سطح السفينة والبحر عالية جداً، والناس يتساقطون من فوقنا وعلينا ويمسكون بعضهم البعض ويصرخون والبحر يموج والسفينة تموج وعندما ارتفعت بحثت عن زوجي فلم أره نظرت ونظرت فلم أرى زوجي ورأيت جثثاً تطفوا، وأطواق نجاة لايوجد عليها أحد...
الناس يسقطون على بعض وشعري تقطع من الذين يمسكون به وكدت أن أغرق لولا أن الله سلّم... استمريت في السباحة تاركةً خلفي السفينة حتى لا أغرق معها.. ثم نظرت خلفي فإذا السفينة نصفها يشتعل ناراً ونصفها يغرق ورأيت أطواق النجاة العائمة وكلها يوجد بها كشافات ليلية..
رأيت المنظر وأنا أبكي ولا أعلم أين سأذهب ثم ابتعدت عن السفينة ورأيتها ارتفعت حتى قاربت أن تكون كالمستقيم ثم دخلت في البحر تماماً.
. وأنا تأتيني موجة تدخلني داخل البحر، ثم أسبح حتى أطفوا وقد سقط مني طوق النجاة..
حاولت أن أبحث عن زوجي أو أرى أحداً، ولكن ظلام دامس لاترى شيئاً إلا بعض كشافات أطواق النجاة... منظر رهيب وإني والله وأنا في البحر أقول مافي أحد ينقذنا؟ ليش ماجاء أحد؟ استمريت في السباحة وأنا متعبة ومنهكة لاأدري أين أذهب فقط أقاوم الموت.. سبحت في كل الاتجاهات إلا اتجاه السفينة..
أحسست أني في حلم وأني أتمنى أن أستيقظ من هذا الكابوس الرهيب.. طفيت على البحر وتعبت جداً من السباحة ولكن مازلت أصارع الموت... دعوت الله كثيراً ولكن ما أعرف ماذا أفعل بعدها أحسست أني مهما فعلت سأموت.. تهيأت للموت وقلت كيف سأغرق هل أموت بسرعة أم أتعذب.. ظلام كئيب..
أمواج متلاطمة تنزلني إلى داخل البحر ثم أرتفع.. لايوجد احد لينقذنا بل ولا أمل في وجود أحد... كلما يدخلني الموج إلى داخل البحر أقول هذه راح تموتني.. ثم بفضل الله أسبح قليلاً وأطفوا على البحر..
ثم رأيت قارب نجاة شراعي متهالك وفيه ثلاثة أشخاص.. سبحت إليهم والبحر يلعب بقاربهم مثل المنديل وقد كان مائلاً جداً.. أتيتهم وقد سبحت قرابة ثلاث ساعات أو أربع وقد تعبت كثيراً..
قلت لهم اسحبوني قالوا المركب لا يشيل أكثر بعدين راح نغرق كلنا.. ثم سألتهم بالله أن يحملوني قالوا إذا سنغرق كلنا..
كان الموج يلعب بهم ومتوقعين أن يغرقوا لأن البحر يدخل عليهم من تشققات في القارب.. سمعت صوت احدهم وهو يقول تعالي الله اللي يحفظنا ماهو المركب.. ثم اركبوني عندهم وكانوا ثلاثة مصريين وسعودي وأنا الرابعة..
بصراحه أحسست أننا سنغرق جميعاً وأصبحنا نعالج البحر، الماء يدخلنا داخل البحر ثم نرتفع مرة اخرى، وأنا أخرج الماء بيدي حتى لا يتراكم في داخل القارب..
جاء الصباح وهدأ البحر قليلاً وكان الليل كله وهؤلاء الثلاثة أعزكم الله-يستفرغون على بعض- ودماء بعضهم-بسبب زجاج النوافذ- ينساب علينا، لكن والله لم نشعر بشيء فالفاجعة أكبر... ومن الطرائف داخل القارب أن أحد الرجال أخرج بكت الدخان وقال لا بد أن أنشفه!! ثم أخذه زميله ورماه وقال أنت خبل؟ أذكر الله!!
وقد نظر رجلاً إلى طرف شعري-علماً أن العباءة لم تسقط مني من بداية غرق السفينة وحتى وصولي إلى جدة- فقال إنتي مصرية أو سورية أو سعودية؟ فقلت له استحي على وجهك واذكر الله..
ورأيت السعودي يستفيق من نومته ويدعوا بالمصري آه يارب آه يارب ثم يرجع لنومه.. ومن أصعب المواقف التي مرت علينا، أن القرش نراه يدور حولنا ونحن ندعوا الله أن يصرفه عنا...
كل دقيقة نتوقع أن يأتينا القرش من تحت ويقلبنا، ونرى القارب يتحرك بطريقة غير عادية ولم نعلم إلا بعد ما أخذتنا سفينة النجاة...
ومن نعمة الله علينا أن النوم سقط علينا، فلقد نام من في القارب جميعاً من جراء التعب والإعياء مع أن القارب يمشي على جنب، وفيه ميلان شديد ومتوقعين أن يسقط في أي لحظة.. نمنا ولم نشعر إلا بشاب يسبح من بعد غرق السفينة إلى الآن، عمره قرابة 14 سنة يقول: بالأمانة ركبوني معاكم بالأمانة ركبوني معاكم.. فزعنا وظننا أنها المهلكة، قمنا بحمله معنا وجزاه الله كل خير فلقد كان يعاونني كثيراً في إخراج الماء من داخل القارب..
المهم ماهي إلا ساعات أظن أنها في الساعة 11 ظهراً إلا وسفينة كبيرة تمر من عندنا وقمنا بالصراخ عليها، حتى اقترب منا وكان قبطاناً بنغالي بسفينة محملة بالبترول فأنزل لنا السلم وصعدنا جميعاً إلا أنا فسقطت أكثر من مرة حتى نزل لي وحملني.. وبعد أن رفع القارب وجد امرأة معلقة من تحت القارب وظهر عليها آثار أكل القرش ولا حول ولا قوة إلا بالله...
فلقد كانت هذه متعلقة منذ ركوبها، فقد قال أحد الراكبين معنا أن هذه المرأة كانت معنا ولكن جاءت موجة وسقطت من القارب..
المهم جاءت امرأة بنغالية ووالله لقد عاملتنا بأحسن تعامل غسلتنا من –الاستفراغات- أعزكم الله وأعطتنا الأكل الساخن وأعطتنا مصاحف وسبحة وأعطتنا الجوال لنطمئن أهالينا فجزاهم الله كل خير.. ثم حولونا إلا خفر السواحل المصرية ولا تسأل عن سوء التعامل لا بطانيات ولا أكل جيد ولا هواتف ولا شيء..
ذهبنا إلى مستشفى الغردقة ثم أتو أهلي وأخذوني من هناك ووالله لم أصدق أني نجوت والحمد لله رب العالمين..
فهذه قصة المرأة التي نجاها الله من كارثة غرق العبارة السلام 98 ، وبدون مقدمات ولا ممهدات سأسرد القصة كما حدثتني بها:
تقول أن زوجها لايحب السفر للخارج بطبيعته ولكن بعد زواجي بأشهر طلبت منه السفر لمصر.. وافق زوجي على السفر، وقمنا بشراء بعض الملابس والأغراض التي نحتاجها،
واقترح زوجي شحن السيارة ليسهل علينا التنقل داخل مصر... شحنا السيارة وركبنا العبارة.. حاول زوجي أن يكون في الغرف الداخلية، لكن بسبب تأخرنا لم يتمكن من ذلك، فقال: لايوجد مكان إلا على سطح العبارة..
قلت له: لابأس الجو جميل والرحلة لن تستمر طويلاً.. لكن المشكلة أن زوجي بدأ يشعر بالبرد وظهرت عليه علامات السخونة.. المهم بدأت الرحلة من غير تنظيم ولا ترتيب، ولا توجد أي إرشادات للركاب من حيث الأماكن المخصصة للجلوس طريق الطواريء وإرشادات السلامة كل من يدخل يجلس في أي مكان..
بدأت الرحلة والناس في مرح وانبساط وكثير من الركاب ذهبوا للسينما ليقضوا بقية رحلتهم.. جلست أنا وزوجي على سطح السفينة ومعنا بعض اللحف والبطانيات نتقي بها البرودة.. وبعد مضي ساعتين وكان وقت غروب، شممنا رائحة دخان ولا حظنا على الطاقم بعض الارتباك، فما أعطينا الأمر أي اهتمام ولم نكن نعلم أن هذه بداية النهاية..
بعد قرابة ربع ساعة تقريباً أحسسنا أن الدخان ازداد سوءاً، وأن السفينة في تمايل على جهة اليمين.. جاء أحد الركاب من الأسفل ويقول أنه تعب من الدخان وأن هناك حريق بسيط اشتعل في العفش وأنهم مازالوا يطفئون الحريق..
وفي ذلك الوقت حل الليل تماماً وبدأنا ننظر إلى أنوار ميناء ضبا.. وكل ذلك والسفينة مازالت تمشي متجهة إلى مصر.. أما من على سطح السفينة فهم لم يعيروا الأمر اهتماماً، فهم بين نوم وضحك وسواليف.. قلت في نفسي: أنا فقط خائفة، لأني أول مرة أسافر عن طريق سفينة.. كل ذلك وأنا أحس أن السفينة ازدادت ميولاً والهواء قوي وشديد البرودة مماجعل الرحلة ممتعة ويشوبها شيء من الخوف..
رأينا تحركات الطاقم تزداد ارتباكاً ودهشة وبدأنا نسمع أصوات استغاثة... وقف شعر رأسي وزوجي يهدئني ويقول لاتخافي.. ازدادت رائحة الدخان ورأينا كثير يصعدون من أسفل من جراء الإختناق.. ثم اضطربت السفينة على غير عادتها وأصبح الأعمى يرى أن السفينة مائلة على الجنب اليمين... بدأت الحيرة تراودني بين هل الأمر مقدور عليه أو لا؟؟
اشتد ميلان السفينة ومع شدة الهواء أصبحنا نتمسك بقوة... قام زوجي وذهب إلى إدارة السفينة،ولكن لم يسمحوا له بالدخول.. وكلما خرج رجل من الأسفل يصرخ ويقول السفينة تحترق السفينة تحترق.. رجع زوجي وعلامات الخوف بادية على محياه..
فجأة-والسفينة مازالت تسير- بدأت السفينة ترتفع من الأمام وتغوص من الخلف والموج يضرب فيها ضرباً.. عندها بدأ الصريخ والعويل من النساء والأطفال وكأن الغرق قد قرب... ثم بدأ الدخان يعلوا علينا وبدأت شظايا النوافذ تتفجر والسفينة تزداد ارتفاعاً من الأمام واضطراباً.. قام بعض الركاب وذهبوا يبحثون عن قوارب نجاة، أو أطواق نجاة، رجعوا ولم يعرفوا مكانها.. وهذا كله والسفينة لم تتوقف عن الإبحار...
ازداد غضب الركاب وهم بين أن ينتبهوا على أهليهم أو يذهبوا للطاقم الذي لم يخبروا الركاب بشيء... وكانت القاصمة عندما رأينا أسفل السفينة وقد علته مياه البحر.. وبدأ البحر يبتلع السفينة من الخلف شيئاً فشيئاً..
جاء أحد الركاب وقد حمل معه بعض أطواق النجاة ووزعها على من في الأعلى.. كان الأمر مرعباً للغاية زوجي لايجيد السباحة، والناس بين دعاء وبكاء وصراخ.. أحسسنا بحرارة السفينة من الأسفل وسمعنا أصوات صراخ شديد جداً من الأسفل.. استمر البحر يلتهم السفينة حتى قاربت النصف، وبدأنا نرى الناس يسقطون في البحر خاصة من في المؤخرة وهم يستغيثون ولا مجيب..
بكيت كثيراً ودعوت الله أن ينجينيا من الغرق...
قام بعض الركاب وقالوا لايوجد حل سوى السقوط في البحر لأن النار بدأت ترتفع والزجاج يتفجر... تقاتل الناس على أطواق النجاة وهي قليلة جداً وأكثرها تالفة ومهترئة.. رأيت بعض الأطفال وهم يسقطون من شدة اضطراب السفينة والحرارة أصبحت تأكل أرجلنا من الأسفل.. عندها قرر زوجي أن نسقط سوياً في البحر..
كان الأمر مخيفاً ولم نصدق أننا سنغرق... لم نصدق أن الأمر استمر قرابة خمس ساعات ولم
يأتي أحد لإنقاذنا.. لم أصدق أن قبطان السفينة لم يخبر أحداً بأمرنا..
رأينا بعض البحارة وهم يتدافعون على قوارب نجاة وقد أنزلوها والناس تمسك بهم فمنهم من يسقط ومنهم يركب..
رأيت الأم التي تمسك أطفالها الأربعة ولا تعرف ماذا تفعل..
رأيت من استسلم للموت وأخذته الرهبة ولم يحرك ساكناً..
بعد ما ربطت طوق النجاة لزوجي وإني أراه يبكي قال: استعيني بالله ولا تخافي، وإني أعلم أنه لايجيد السباحة..
سمعنا من يصرخ ويقول انقزوا في البحر قبل ماتغرقكم السفينة..
نقزت أنا وزوجي في البحر وغطسنا في البحر وكانت المسافة بين سطح السفينة والبحر عالية جداً، والناس يتساقطون من فوقنا وعلينا ويمسكون بعضهم البعض ويصرخون والبحر يموج والسفينة تموج وعندما ارتفعت بحثت عن زوجي فلم أره نظرت ونظرت فلم أرى زوجي ورأيت جثثاً تطفوا، وأطواق نجاة لايوجد عليها أحد...
الناس يسقطون على بعض وشعري تقطع من الذين يمسكون به وكدت أن أغرق لولا أن الله سلّم... استمريت في السباحة تاركةً خلفي السفينة حتى لا أغرق معها.. ثم نظرت خلفي فإذا السفينة نصفها يشتعل ناراً ونصفها يغرق ورأيت أطواق النجاة العائمة وكلها يوجد بها كشافات ليلية..
رأيت المنظر وأنا أبكي ولا أعلم أين سأذهب ثم ابتعدت عن السفينة ورأيتها ارتفعت حتى قاربت أن تكون كالمستقيم ثم دخلت في البحر تماماً.
. وأنا تأتيني موجة تدخلني داخل البحر، ثم أسبح حتى أطفوا وقد سقط مني طوق النجاة..
حاولت أن أبحث عن زوجي أو أرى أحداً، ولكن ظلام دامس لاترى شيئاً إلا بعض كشافات أطواق النجاة... منظر رهيب وإني والله وأنا في البحر أقول مافي أحد ينقذنا؟ ليش ماجاء أحد؟ استمريت في السباحة وأنا متعبة ومنهكة لاأدري أين أذهب فقط أقاوم الموت.. سبحت في كل الاتجاهات إلا اتجاه السفينة..
أحسست أني في حلم وأني أتمنى أن أستيقظ من هذا الكابوس الرهيب.. طفيت على البحر وتعبت جداً من السباحة ولكن مازلت أصارع الموت... دعوت الله كثيراً ولكن ما أعرف ماذا أفعل بعدها أحسست أني مهما فعلت سأموت.. تهيأت للموت وقلت كيف سأغرق هل أموت بسرعة أم أتعذب.. ظلام كئيب..
أمواج متلاطمة تنزلني إلى داخل البحر ثم أرتفع.. لايوجد احد لينقذنا بل ولا أمل في وجود أحد... كلما يدخلني الموج إلى داخل البحر أقول هذه راح تموتني.. ثم بفضل الله أسبح قليلاً وأطفوا على البحر..
ثم رأيت قارب نجاة شراعي متهالك وفيه ثلاثة أشخاص.. سبحت إليهم والبحر يلعب بقاربهم مثل المنديل وقد كان مائلاً جداً.. أتيتهم وقد سبحت قرابة ثلاث ساعات أو أربع وقد تعبت كثيراً..
قلت لهم اسحبوني قالوا المركب لا يشيل أكثر بعدين راح نغرق كلنا.. ثم سألتهم بالله أن يحملوني قالوا إذا سنغرق كلنا..
كان الموج يلعب بهم ومتوقعين أن يغرقوا لأن البحر يدخل عليهم من تشققات في القارب.. سمعت صوت احدهم وهو يقول تعالي الله اللي يحفظنا ماهو المركب.. ثم اركبوني عندهم وكانوا ثلاثة مصريين وسعودي وأنا الرابعة..
بصراحه أحسست أننا سنغرق جميعاً وأصبحنا نعالج البحر، الماء يدخلنا داخل البحر ثم نرتفع مرة اخرى، وأنا أخرج الماء بيدي حتى لا يتراكم في داخل القارب..
جاء الصباح وهدأ البحر قليلاً وكان الليل كله وهؤلاء الثلاثة أعزكم الله-يستفرغون على بعض- ودماء بعضهم-بسبب زجاج النوافذ- ينساب علينا، لكن والله لم نشعر بشيء فالفاجعة أكبر... ومن الطرائف داخل القارب أن أحد الرجال أخرج بكت الدخان وقال لا بد أن أنشفه!! ثم أخذه زميله ورماه وقال أنت خبل؟ أذكر الله!!
وقد نظر رجلاً إلى طرف شعري-علماً أن العباءة لم تسقط مني من بداية غرق السفينة وحتى وصولي إلى جدة- فقال إنتي مصرية أو سورية أو سعودية؟ فقلت له استحي على وجهك واذكر الله..
ورأيت السعودي يستفيق من نومته ويدعوا بالمصري آه يارب آه يارب ثم يرجع لنومه.. ومن أصعب المواقف التي مرت علينا، أن القرش نراه يدور حولنا ونحن ندعوا الله أن يصرفه عنا...
كل دقيقة نتوقع أن يأتينا القرش من تحت ويقلبنا، ونرى القارب يتحرك بطريقة غير عادية ولم نعلم إلا بعد ما أخذتنا سفينة النجاة...
ومن نعمة الله علينا أن النوم سقط علينا، فلقد نام من في القارب جميعاً من جراء التعب والإعياء مع أن القارب يمشي على جنب، وفيه ميلان شديد ومتوقعين أن يسقط في أي لحظة.. نمنا ولم نشعر إلا بشاب يسبح من بعد غرق السفينة إلى الآن، عمره قرابة 14 سنة يقول: بالأمانة ركبوني معاكم بالأمانة ركبوني معاكم.. فزعنا وظننا أنها المهلكة، قمنا بحمله معنا وجزاه الله كل خير فلقد كان يعاونني كثيراً في إخراج الماء من داخل القارب..
المهم ماهي إلا ساعات أظن أنها في الساعة 11 ظهراً إلا وسفينة كبيرة تمر من عندنا وقمنا بالصراخ عليها، حتى اقترب منا وكان قبطاناً بنغالي بسفينة محملة بالبترول فأنزل لنا السلم وصعدنا جميعاً إلا أنا فسقطت أكثر من مرة حتى نزل لي وحملني.. وبعد أن رفع القارب وجد امرأة معلقة من تحت القارب وظهر عليها آثار أكل القرش ولا حول ولا قوة إلا بالله...
فلقد كانت هذه متعلقة منذ ركوبها، فقد قال أحد الراكبين معنا أن هذه المرأة كانت معنا ولكن جاءت موجة وسقطت من القارب..
المهم جاءت امرأة بنغالية ووالله لقد عاملتنا بأحسن تعامل غسلتنا من –الاستفراغات- أعزكم الله وأعطتنا الأكل الساخن وأعطتنا مصاحف وسبحة وأعطتنا الجوال لنطمئن أهالينا فجزاهم الله كل خير.. ثم حولونا إلا خفر السواحل المصرية ولا تسأل عن سوء التعامل لا بطانيات ولا أكل جيد ولا هواتف ولا شيء..
ذهبنا إلى مستشفى الغردقة ثم أتو أهلي وأخذوني من هناك ووالله لم أصدق أني نجوت والحمد لله رب العالمين..