عمر البلوي
08-23-2003, 09:30 PM
الـــســـلـــف وآداب الكلام واللسان
بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
موضوع حديثنا في هذا اليوم كما في العنوان (( السلف وآداب الكلام واللسان ))، فقد أحببت أن أنشر بعض الأثار عن السلف في هذا الباب، وبالله التوفيق:
عن ميمون بن مهران قال: رجل إلى سلمان (1) فقال: أوصني. قال لا تكلم. قال لا يستطيع من عاش في الناس أن لا يتكلم. قال: فإن تكلمت فتكلم بحق أو اسكت. قال: زدني. قال: لا تغضب، قال: إنه ليغشاني ما لا أملكه. قال: إن غضبت فأمسك لسانك ويدك. قال: زدني. قال: لا تلابس الناس. قال: لا يستطيع من عاش في الناس أن لا يلابسهم. قال: فإن لابستهم فاصدق الحديث وأد الأمانة (2).
وعن معاذ بن سعيد قال: كنا عند عطاء بن أبي رباح فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: سبحان الله ما هذه الأخلاق ؟ ما هذه الأخلاق ؟ إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم منه به فأُريه أني لا أُحسن منه شيئاً (3).
وعن عثمان بن الأسود قال: قلت لعطاء: الرجل يمر بالقوم فيقذفه بعضهم، أيخبره؟ قال: لا، المجالس بالأمانة (4).
وعن خلف بن تميم: حدثنا عبد الله بن محمد، عن الأوزاعي قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رسالة، لم يحفظها غيري وغير مكحول: أما بعد: فإنه من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن عد كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما ينفع. والسلام (5).
وعن يعلى بن عبيد قال: دخلنا على محمد بن سوقة فقال: أحدثكم بحديث لعله ينفعكم، فإنه قد نفعني ثم قال: قال لنا عطاء بن أبي رباح يا بني أخي إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضوله ما عدا كتاب الله عز وجل أن تقرأه وتأمر بالمعروف أو تنهى عن منكر أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لابد لك منها. أتنكرون أن عليكم حافظين كراماً كاتبين، عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد؟ أما يستحي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أمل (6) صدر نهاره فإن أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه (7).
وقال فيض بن وثيق: سمعتُ الفضيل يقول: إن استطعت أن لا تكون محدثاً ولا قارئاً، ولا متكلماً؛ إن كنت بليغاً قالوا: ما أبلغه، وأحسن حديثه، وأحسن صوته، فيُعجبك ذلك، فتنتفخ، وإن لم تكن بليغاً، ولا حسن الصوت، قالوا: ليس يُحسن يحدث، وليس صوته بحسن، أحزنك ذلك، وشق عليك، فتكون مرائياً، وإذا جلست فتكلمت، فلم تُبال من ذمك ومن مدحك، فتكلم (8).
وقيل للفضيل بن عياض: ما الزهد ؟ قال: القنوع، قيل: ما الورع ؟ قال: اجتناب المحارم. قيل: ما العبادة؟ قال أداء الفرائض. قيل: ما التواضع؟ قال: أن تخضع للحق. وقال: أشد الورع في اللسان.
[قال الذهبي]: هكذا هو، فقد ترى الرجل ورعاً في مأكله وملبسه ومعاملته، وإذا تحدث يدخل عليه الداخل من حديثه، فإما أن يتحرى الصدق، فلا يكمل الصدق، وإما أن يصدق، فينمق حديثه ليمدح على الفصاحة، وإما أن يظهر أحسن ما عنده ليعظم، وإما أن يسكت في موضع الكلام، ليثنى عليه . ودواء ذلك كله الانقطاع عن الناس إلا من الجماعة (9).
وقال أحمد بن [أبي] الحواري: حدثنا أبو عبد الله الأنطاكي قال : اجتمع الفضيل والثوري , فتذاكر , فرق سفيان وبكى , ثم قال : أرجو ان يكون هذا المجلس علينا رحمة وبركه . فقال له الفضيل : لكني يا أبا عبد الله أخاف أن لا [يكون] أضر علينا منه. ألست تخلصت الى أحسن حديثك . وتخلصت أنا الى احسن حديثي , فتزينت لي وتزينت لك ؟ فبكى سفيان , وقال: أحييتني أحياك الله (10).
وعن أبي بكر بن عياش قال : أدنى نفع السكوت السلامه , وكفى به عافيه , وأدنى ضرر المنطق الشهره , وكفى بها بلية (11).
وعن عبايه بن كليب قال : سمعت ابن السماك يقول : سبعك بين لحييك تأكل به كل من مر عليك , قد آذيت أهل الدور في الدور حتى تعاطيت أهل القبور , فما ترثي لهم جرى البلى عليهم , وأنت هاهنا تنشبهم , إنه ينبغي لك أن يدلك على ترك القول في أخيك ثلاث خلال : أما واحدة فلعلك أن تذكره بأمر هو فيك أعظم منه , فذلك أشد استحكاماً لمقته إياك , ولعلك تذكره بأمر قد عافاك الله منه , فهذا جزاؤه إذ عافاك . أما سمعت : ارحم أخاك واحمد الذي عافاك ؟ (12).
وقال بكر بن منير : سمعت أبا عبد الله البخاري يقول : أرجوا أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا .
[قال الذهبي ] صدق رحمه الله , ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس , وإنصافه فيمن يضعفه , فإنه أكثر ما يقول : منكر الحديث , سكتوا عنه , فيه نظر , ونحو هذا . وقل ان يقول : فلان كذاب , أو كان يضع الحديث . حتى إنه قال : إذا قلت : فلان في حديثه نظر , فهو متهم واه . وهذا معنى قوله لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدا , وهذا هو والله غاية الورع (13).
وعن [ سهل بن عبد الله التستري ] قال : من أخلاق الصديقين أن لا يحلفوا بالله، وأن لا يغتابوا، ولا يُغتاب عندهم، وأن لا يشبعوا، وإذا وعدوا لم يُخلفُوا، ولا يمزحون أصلاً (14). (15)
وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقنا لما فيه خير لنا في الدنيا والآخرة
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيرا.
--------------------------------------------------------------------------------
1) هو سلمان الفارسي الصحابي الجليل .
2) صفة الصفوة: 1/549 .
3) صفة الصفوة: 2/214 .
4) المصدر السابق نفسه .
5) سير أعلام النبلاء: 5/133 .
6) أي: أملاها .
7) صفة الصفوة :2/213 .
8) سير أعلام النبلاء: 8/433 .
9) سير أعلام النبلاء: 8/434 .
10) سير أعلام النبلاء :8/439 .
11) سير أعلان النبلاء 8/501 .
12) صفة الصفوه 3/176 .
13) سير أعلام النبلاء :12/441,439 .
14) سير أعلام النبلاء: 13/332 .
15) نقلا من كتاب أين نحن من أخلاق السلف ص 125-128 .
______________
منقول
بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
موضوع حديثنا في هذا اليوم كما في العنوان (( السلف وآداب الكلام واللسان ))، فقد أحببت أن أنشر بعض الأثار عن السلف في هذا الباب، وبالله التوفيق:
عن ميمون بن مهران قال: رجل إلى سلمان (1) فقال: أوصني. قال لا تكلم. قال لا يستطيع من عاش في الناس أن لا يتكلم. قال: فإن تكلمت فتكلم بحق أو اسكت. قال: زدني. قال: لا تغضب، قال: إنه ليغشاني ما لا أملكه. قال: إن غضبت فأمسك لسانك ويدك. قال: زدني. قال: لا تلابس الناس. قال: لا يستطيع من عاش في الناس أن لا يلابسهم. قال: فإن لابستهم فاصدق الحديث وأد الأمانة (2).
وعن معاذ بن سعيد قال: كنا عند عطاء بن أبي رباح فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: سبحان الله ما هذه الأخلاق ؟ ما هذه الأخلاق ؟ إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم منه به فأُريه أني لا أُحسن منه شيئاً (3).
وعن عثمان بن الأسود قال: قلت لعطاء: الرجل يمر بالقوم فيقذفه بعضهم، أيخبره؟ قال: لا، المجالس بالأمانة (4).
وعن خلف بن تميم: حدثنا عبد الله بن محمد، عن الأوزاعي قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رسالة، لم يحفظها غيري وغير مكحول: أما بعد: فإنه من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن عد كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما ينفع. والسلام (5).
وعن يعلى بن عبيد قال: دخلنا على محمد بن سوقة فقال: أحدثكم بحديث لعله ينفعكم، فإنه قد نفعني ثم قال: قال لنا عطاء بن أبي رباح يا بني أخي إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضوله ما عدا كتاب الله عز وجل أن تقرأه وتأمر بالمعروف أو تنهى عن منكر أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لابد لك منها. أتنكرون أن عليكم حافظين كراماً كاتبين، عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد؟ أما يستحي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أمل (6) صدر نهاره فإن أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه (7).
وقال فيض بن وثيق: سمعتُ الفضيل يقول: إن استطعت أن لا تكون محدثاً ولا قارئاً، ولا متكلماً؛ إن كنت بليغاً قالوا: ما أبلغه، وأحسن حديثه، وأحسن صوته، فيُعجبك ذلك، فتنتفخ، وإن لم تكن بليغاً، ولا حسن الصوت، قالوا: ليس يُحسن يحدث، وليس صوته بحسن، أحزنك ذلك، وشق عليك، فتكون مرائياً، وإذا جلست فتكلمت، فلم تُبال من ذمك ومن مدحك، فتكلم (8).
وقيل للفضيل بن عياض: ما الزهد ؟ قال: القنوع، قيل: ما الورع ؟ قال: اجتناب المحارم. قيل: ما العبادة؟ قال أداء الفرائض. قيل: ما التواضع؟ قال: أن تخضع للحق. وقال: أشد الورع في اللسان.
[قال الذهبي]: هكذا هو، فقد ترى الرجل ورعاً في مأكله وملبسه ومعاملته، وإذا تحدث يدخل عليه الداخل من حديثه، فإما أن يتحرى الصدق، فلا يكمل الصدق، وإما أن يصدق، فينمق حديثه ليمدح على الفصاحة، وإما أن يظهر أحسن ما عنده ليعظم، وإما أن يسكت في موضع الكلام، ليثنى عليه . ودواء ذلك كله الانقطاع عن الناس إلا من الجماعة (9).
وقال أحمد بن [أبي] الحواري: حدثنا أبو عبد الله الأنطاكي قال : اجتمع الفضيل والثوري , فتذاكر , فرق سفيان وبكى , ثم قال : أرجو ان يكون هذا المجلس علينا رحمة وبركه . فقال له الفضيل : لكني يا أبا عبد الله أخاف أن لا [يكون] أضر علينا منه. ألست تخلصت الى أحسن حديثك . وتخلصت أنا الى احسن حديثي , فتزينت لي وتزينت لك ؟ فبكى سفيان , وقال: أحييتني أحياك الله (10).
وعن أبي بكر بن عياش قال : أدنى نفع السكوت السلامه , وكفى به عافيه , وأدنى ضرر المنطق الشهره , وكفى بها بلية (11).
وعن عبايه بن كليب قال : سمعت ابن السماك يقول : سبعك بين لحييك تأكل به كل من مر عليك , قد آذيت أهل الدور في الدور حتى تعاطيت أهل القبور , فما ترثي لهم جرى البلى عليهم , وأنت هاهنا تنشبهم , إنه ينبغي لك أن يدلك على ترك القول في أخيك ثلاث خلال : أما واحدة فلعلك أن تذكره بأمر هو فيك أعظم منه , فذلك أشد استحكاماً لمقته إياك , ولعلك تذكره بأمر قد عافاك الله منه , فهذا جزاؤه إذ عافاك . أما سمعت : ارحم أخاك واحمد الذي عافاك ؟ (12).
وقال بكر بن منير : سمعت أبا عبد الله البخاري يقول : أرجوا أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا .
[قال الذهبي ] صدق رحمه الله , ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس , وإنصافه فيمن يضعفه , فإنه أكثر ما يقول : منكر الحديث , سكتوا عنه , فيه نظر , ونحو هذا . وقل ان يقول : فلان كذاب , أو كان يضع الحديث . حتى إنه قال : إذا قلت : فلان في حديثه نظر , فهو متهم واه . وهذا معنى قوله لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدا , وهذا هو والله غاية الورع (13).
وعن [ سهل بن عبد الله التستري ] قال : من أخلاق الصديقين أن لا يحلفوا بالله، وأن لا يغتابوا، ولا يُغتاب عندهم، وأن لا يشبعوا، وإذا وعدوا لم يُخلفُوا، ولا يمزحون أصلاً (14). (15)
وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقنا لما فيه خير لنا في الدنيا والآخرة
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيرا.
--------------------------------------------------------------------------------
1) هو سلمان الفارسي الصحابي الجليل .
2) صفة الصفوة: 1/549 .
3) صفة الصفوة: 2/214 .
4) المصدر السابق نفسه .
5) سير أعلام النبلاء: 5/133 .
6) أي: أملاها .
7) صفة الصفوة :2/213 .
8) سير أعلام النبلاء: 8/433 .
9) سير أعلام النبلاء: 8/434 .
10) سير أعلام النبلاء :8/439 .
11) سير أعلان النبلاء 8/501 .
12) صفة الصفوه 3/176 .
13) سير أعلام النبلاء :12/441,439 .
14) سير أعلام النبلاء: 13/332 .
15) نقلا من كتاب أين نحن من أخلاق السلف ص 125-128 .
______________
منقول