نواف النجيدي
05-22-2006, 02:14 AM
كنْ جميلاً
د. سلمان بن فهد العودة 22/4/1427
20/05/2006
هل حبّ الجمال والحياة مشكلة ينبغي أن تُحلّ؟
أو أنها فطرة إلهية ينبغي أن تُطوّر وتُستغلّ، وتُرعى حقّ رعايتها؟
إن من أرسخ الفطر في تركيب الإنسان السويّ وحسّه، حبّه للجمال في الصور والأشكال والأزياء والمناظر الطبيعية، وتذوّقه لتفاصيل ذلك في شؤون حياته..
هكذا خلقه الله الذي قال عنه:(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ولحكمةٍ بالغة جبل الله الإنسان على هذا المعنى، ولذلك يأتي في الشريعة ما يوافق هذه الجِبِلّة ويستجيب لها وفي الوقت نفسه ما ينظمها ويهذبها؛ فالإسلام جاء ليطوّر حبّ الجمال ويرشـّده، لا ليقضي عليه أو يقلّل منه أو من قيمته، وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنّ الله جميل يحبّ الجمال". فهذا الإحساس الجمالي صفة إنسانية وهبها الله لكل البشر.
ثم هو ثانياً: معنى جاء الإسلام بالاعتراف به وتذوقه وتربية النفوس عليه.
وهو ثالثاً: حاجة أساسية للناس جميعاً في كل مكان وزمان، وبالخصوص في هذا العصر الذي أصبح فيه هذا المعنى هدفاً مقصوداً للحياة المعاصرة ولشؤونها المختلفة ومستجداتها.
وفلسفة الجمال هي جزء رئيس من الإنسان الذي يقول عنه العلماء بأن إنسانيّته مؤسسة على ثلاثة أشياء:
الأولى: معرفة؛ يقول تعالى : (اقرأ..).
والثانية: أخلاق؛ يقول تعالى : (وإنك لعلى خلق عظيم).
والثالثة: جمال؛ كما في الحديث السابق "إن الله جميل يحب الجمال"، فهذه الأشياء الثلاثة عليها مدار الحكم بإنسانية الإنسان، وإذا اجتمعت فهي علامة الكمال الإنساني.
الجمال.. هو ذلك الإحساس الطبيعي والتذوّق للجوانب الفنية والإيجابية والمبهجة في الحياة والأشياء والأحياء، وفهْمه بهذا الإطار هو أجدى من الخوض الفلسفي والكلامي في تجريده وتعريفه، والقرآن الكريم يرعى أدقّ الحواس ليقيم في النفس الإنسانية عنصر الجمال؛ فهو يأمر بالنظر للأرض كيف سُويّت، وللسماء كيف رُفِعت، وللنجوم والقمر، والصبح إذا تنفّس، والليل إذا عَسْعَس، والخيل والأنعام وفي الآفاق بل وفي الأنفس: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ).
يا الله .. ! كل هذا ليجعل هذا الجمال دليلا ً عظيماً على جمال هذا الخالق وعلى وحدانيّته، ويأمر بالسير في الأرض، ويلفت النظر للطير الصافّات، وللجياد الصافنات، وللعاديات والسابحات، وللشجر والماء والخضرة؛ ليعرف الإنسان هذا الوجود ويستمع إليه بهذا الجمال الناعم الذي يسبح الله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ). فسبحان الله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
والجمال ليس منظراً بديعاً فحسب، بل هو جمال الصورة والظاهر، وجمال الباطن والقلب، وجمال الفعل والعمل، أما المعنى الذي تفهمه بعض الوسائل الإعلامية والإعلانية للجمال على أنه الجمال العاري المبتذل في استخدام الجسد للإغواء والإغراء، فهو تعبير مرذول عن الجمال، يجب ألاّ يؤثر على أصل الصورة الربانية الجميلة لمفهوم "الجمال" الذي يشمل حتى جمال التهذيب والخلق في ضبط النفس عن سبل التفسخ العاري، والجمال - أيضاً- جمال الحديث (اللغة) في اختيار أحسن الألفاظ والكلمات:
تقولُ هذا مجاجُ النحــلِ تمدحُه
وإن تشأْ قلتَ ذا قيء الزنابيرِ
مدحاً وذماً وما جاوزت وصفَهما
والحقُّ قد يعتريه سـوءُ تعبيرِ
إن علينا أن نشجع (الجمال) بهذا المفهوم الإيجابي، وأن نجعله طابعاً لحياتنا ومعاملاتنا وفهمنا للحياة والناس في المركب والمسكن والعمل..
ونحن نجد في الشريعة الحديث عن اللباس والجمال كما في قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ).[الأعراف: من الآية32] فسمّاه (زينة) وقال: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).[الأعراف: من الآية31]، بل قال: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ).[النحل:8]. ليشير إلى جمال المركوب، وفي الآية الأخرى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ). [النحل:6]. فالجمال مطلب للإنسان عموماً و للمرأة خصوصاً، ولهذا يقول الله عز وجل: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ). [الزخرف:18]. وبعض الرجال ينظرون إلى المرأة وينتقدونها في تجمّلها وزينتها وانتقائها الدقيق لما تشتريه، غير مدركين لخاصية المرأة في ذلك على الرجل الذي قد لا يتذوق هذا التزين بنفس المستوى الذي تدركه المرأة.
والجمال اهتمام وحبّ وتذوّق وإحساس وعمل وإدراك، ومن المهم أن نتعلم الجمال ونتذوّق معناه بصيغته الظاهرة في حدود ما أحلّ الله سبحانه وتعالى ونستمتع به، وفي صورته الباطنة -أيضاً-، ونتذوّق الجمال في أفعالنا، وفي قراءة الآخرين وأفعالهم، وأن نحارب كل صيغ الجمال الموبوء؛ لكي لا تؤثر على تصوّرنا الصادق للجمال في إطاره الشرعي، ولكي لا نشوّه هذا الجمال الجميل.
فالجمال هو الوجه الإيجابي للأشياء، وحبّ الناس ورحمتهم، وحبّ العطاء والبذل لهم، والبحث في كل شيء عن سبيل الجمال فيه، والنظر إلى جمال الناس وجمال قدراتهم، وجمال الظروف التي تهيّئ كل عمل جميل، وفهم جمال الحياة؛ لأن الذي خلقها أحسن كل شيء خلقه، وبثّ فيها آيات الجمال والجلال (فتبارك الله أحسن الخالقين)؛ ولأجل أن تنظر لكل هذا الجمال كن أنت نفسك طيباً جميلاً.
كما قال (إيليا أبو ماضي) : "...كنْ جميلاً ترَ الوجودَ جميلاً".
د. سلمان بن فهد العودة 22/4/1427
20/05/2006
هل حبّ الجمال والحياة مشكلة ينبغي أن تُحلّ؟
أو أنها فطرة إلهية ينبغي أن تُطوّر وتُستغلّ، وتُرعى حقّ رعايتها؟
إن من أرسخ الفطر في تركيب الإنسان السويّ وحسّه، حبّه للجمال في الصور والأشكال والأزياء والمناظر الطبيعية، وتذوّقه لتفاصيل ذلك في شؤون حياته..
هكذا خلقه الله الذي قال عنه:(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ولحكمةٍ بالغة جبل الله الإنسان على هذا المعنى، ولذلك يأتي في الشريعة ما يوافق هذه الجِبِلّة ويستجيب لها وفي الوقت نفسه ما ينظمها ويهذبها؛ فالإسلام جاء ليطوّر حبّ الجمال ويرشـّده، لا ليقضي عليه أو يقلّل منه أو من قيمته، وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنّ الله جميل يحبّ الجمال". فهذا الإحساس الجمالي صفة إنسانية وهبها الله لكل البشر.
ثم هو ثانياً: معنى جاء الإسلام بالاعتراف به وتذوقه وتربية النفوس عليه.
وهو ثالثاً: حاجة أساسية للناس جميعاً في كل مكان وزمان، وبالخصوص في هذا العصر الذي أصبح فيه هذا المعنى هدفاً مقصوداً للحياة المعاصرة ولشؤونها المختلفة ومستجداتها.
وفلسفة الجمال هي جزء رئيس من الإنسان الذي يقول عنه العلماء بأن إنسانيّته مؤسسة على ثلاثة أشياء:
الأولى: معرفة؛ يقول تعالى : (اقرأ..).
والثانية: أخلاق؛ يقول تعالى : (وإنك لعلى خلق عظيم).
والثالثة: جمال؛ كما في الحديث السابق "إن الله جميل يحب الجمال"، فهذه الأشياء الثلاثة عليها مدار الحكم بإنسانية الإنسان، وإذا اجتمعت فهي علامة الكمال الإنساني.
الجمال.. هو ذلك الإحساس الطبيعي والتذوّق للجوانب الفنية والإيجابية والمبهجة في الحياة والأشياء والأحياء، وفهْمه بهذا الإطار هو أجدى من الخوض الفلسفي والكلامي في تجريده وتعريفه، والقرآن الكريم يرعى أدقّ الحواس ليقيم في النفس الإنسانية عنصر الجمال؛ فهو يأمر بالنظر للأرض كيف سُويّت، وللسماء كيف رُفِعت، وللنجوم والقمر، والصبح إذا تنفّس، والليل إذا عَسْعَس، والخيل والأنعام وفي الآفاق بل وفي الأنفس: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ).
يا الله .. ! كل هذا ليجعل هذا الجمال دليلا ً عظيماً على جمال هذا الخالق وعلى وحدانيّته، ويأمر بالسير في الأرض، ويلفت النظر للطير الصافّات، وللجياد الصافنات، وللعاديات والسابحات، وللشجر والماء والخضرة؛ ليعرف الإنسان هذا الوجود ويستمع إليه بهذا الجمال الناعم الذي يسبح الله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ). فسبحان الله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
والجمال ليس منظراً بديعاً فحسب، بل هو جمال الصورة والظاهر، وجمال الباطن والقلب، وجمال الفعل والعمل، أما المعنى الذي تفهمه بعض الوسائل الإعلامية والإعلانية للجمال على أنه الجمال العاري المبتذل في استخدام الجسد للإغواء والإغراء، فهو تعبير مرذول عن الجمال، يجب ألاّ يؤثر على أصل الصورة الربانية الجميلة لمفهوم "الجمال" الذي يشمل حتى جمال التهذيب والخلق في ضبط النفس عن سبل التفسخ العاري، والجمال - أيضاً- جمال الحديث (اللغة) في اختيار أحسن الألفاظ والكلمات:
تقولُ هذا مجاجُ النحــلِ تمدحُه
وإن تشأْ قلتَ ذا قيء الزنابيرِ
مدحاً وذماً وما جاوزت وصفَهما
والحقُّ قد يعتريه سـوءُ تعبيرِ
إن علينا أن نشجع (الجمال) بهذا المفهوم الإيجابي، وأن نجعله طابعاً لحياتنا ومعاملاتنا وفهمنا للحياة والناس في المركب والمسكن والعمل..
ونحن نجد في الشريعة الحديث عن اللباس والجمال كما في قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ).[الأعراف: من الآية32] فسمّاه (زينة) وقال: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).[الأعراف: من الآية31]، بل قال: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ).[النحل:8]. ليشير إلى جمال المركوب، وفي الآية الأخرى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ). [النحل:6]. فالجمال مطلب للإنسان عموماً و للمرأة خصوصاً، ولهذا يقول الله عز وجل: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ). [الزخرف:18]. وبعض الرجال ينظرون إلى المرأة وينتقدونها في تجمّلها وزينتها وانتقائها الدقيق لما تشتريه، غير مدركين لخاصية المرأة في ذلك على الرجل الذي قد لا يتذوق هذا التزين بنفس المستوى الذي تدركه المرأة.
والجمال اهتمام وحبّ وتذوّق وإحساس وعمل وإدراك، ومن المهم أن نتعلم الجمال ونتذوّق معناه بصيغته الظاهرة في حدود ما أحلّ الله سبحانه وتعالى ونستمتع به، وفي صورته الباطنة -أيضاً-، ونتذوّق الجمال في أفعالنا، وفي قراءة الآخرين وأفعالهم، وأن نحارب كل صيغ الجمال الموبوء؛ لكي لا تؤثر على تصوّرنا الصادق للجمال في إطاره الشرعي، ولكي لا نشوّه هذا الجمال الجميل.
فالجمال هو الوجه الإيجابي للأشياء، وحبّ الناس ورحمتهم، وحبّ العطاء والبذل لهم، والبحث في كل شيء عن سبيل الجمال فيه، والنظر إلى جمال الناس وجمال قدراتهم، وجمال الظروف التي تهيّئ كل عمل جميل، وفهم جمال الحياة؛ لأن الذي خلقها أحسن كل شيء خلقه، وبثّ فيها آيات الجمال والجلال (فتبارك الله أحسن الخالقين)؛ ولأجل أن تنظر لكل هذا الجمال كن أنت نفسك طيباً جميلاً.
كما قال (إيليا أبو ماضي) : "...كنْ جميلاً ترَ الوجودَ جميلاً".