نواف النجيدي
07-10-2006, 11:53 AM
ضدّ الاستبداد ولكن ..
محمد أبو رمان 13/6/1427
09/07/2006
عدة أسباب رئيسة تكمن وراء العودة الفكرية الجديدة إلى عصر النهضة العربي؛ الأول أنّ تراث هذا العصر تعرّض للإهمال قرابة قرن من الزمن بسبب الظروف التاريخية والسياسية السابقة (مرحلة الاستقلال الوطني والحرب الباردة)، فحدثت "قطيعة" معرفية وفكرية معه، مما حال دون تحقيق الإفادة المطلوبة منه والبناء عليه، والثاني أنّ هذا "التراث" على الرغم من مرور قرن على أكثره، إلاّ أنه لا يزال حيّاً يبحث في العلل والأدواء التي لم تتخلّص منها الأمة (المجتمعات العربية) إلى اليوم، بل إنّ الفكر الذي جاء بعد هذا العصر، لم يرْقََ - في مجمله - إلى العمق والتأصيل والتحليق الذي ميز عصر النهضة وتساؤلاته ومناظراته الهائلة، أمّا الثالث فلأن الظروف العامة الحالية أعادتنا مرة أخرى إلى سؤال الإصلاح والنهضة، بعد أن غلب سؤال الهوية والصراع على السلطة فترة طويلة من الزمن، وبعد أن طوّحت بنا الدعوات الأيديولوجية بين الشرق والغرب ومن ثم أعادتنا إلى حيث بدأنا.. أي عصر النهضة.
هذا لا يعني أنّ "عصر النهضة" حمل رؤية أو مدرسة واحدة، فثمة مدارس واتجاهات ومقاربات متعددة لكل منها مقولاتها ورؤيتها في التنمية والنهوض والتغيير. فمع تأكيد رواد النهضة على أنّ "المشكل السياسي" هو الأساس إلاّ أنهم لم يتفقوا على إستراتيجية النهوض والتغيير، هل تتمّ من خلال العمل السياسي العام أم الاقتصادي أم التربية والتعليم والثقافة والإصلاح الديني..؟ في هذا السياق يمكن الحديث عن مدرستين رئيستين بين مدارس فكر النهضة؛ مدرسة "طبائع الاستبداد" عند الشيخ (عبد الرحمن الكواكبي) ومدرسة "المستبد العادل" عند (الإمام محمد عبده). وإن كان الاحتفاء اليوم بالرجلين في أوساط فكرية وثقافية عربية وإسلامية كبيراً، بخاصة في السنتين الأخيرتين اللتين شهدتا مرور قرن على وفاتهما (محمد عبده 1905، الكواكبي 1902)، إلاّ أنّ المقارنة بين المدرستين بحاجة إلى توضيح وقراءة منهجية أدق.
ففي حين يقدم الكواكبي مرافعة تاريخية رائعة ضد الاستبداد وخطورته فإنه لا يجيب عن السؤال الأهم: كيف الخلاص من الاستبداد؟ بقدر ما يرصد ويحلل تداعيات وآثار الاستبداد، ويربط بين الاستبداد الديني والسياسي، أمّا محمد عبده فيرى أنّ وراء "المشكل السياسي" أزمة ثقافية واجتماعية كبيرة، وأنّ إصلاح السلطة لا يمكن إلاّ بإصلاح الأمة والمجتمعات، التي وصلت إلى حالة من الجمود والتأخر والضحالة المعرفية والفكرية؛ إذ صارت ترفض دعوات الإصلاح وتشكك فيها، فإصلاح الأمة مقدمة لإصلاح السلطة.
في هذا السياق يتحدث الإمام محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا عن دور العلماء والمثقفين والكتاب في الإصلاح الديني والثقافي والاجتماعي، وعن دور الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية وعن التربية والتعليم، وهي مهمة صعبة وشاقة وطويلة الأمد، يسهل ويساعد على الوصول إليها وجود حاكم قوي عادل صالح يضع من السياسات الضرورية، ويجسر بين المراحل المطلوبة التي تصل من خلالها الأمة إلى حالة النهوض والاعتماد على الذات والخروج من حقبة الاستبداد إلى الحرية والحياة المؤسسية.
إذن؛ "المستبد العادل" عند الشيخ محمد عبده ورشيد رضا هو فكرة "وضيفية مؤقتة" خلال مرحلة معينة، وصولاً إلى متطلب النهوض، بهدف تسريع عملية الإصلاح والنهضة. ربما يشرح هذه الفكرة بدرجة أكبر رشيد رضا الذي وإن كان يقر بأن الشورى "ملزمة" ليست "محمدة اختيارية" إلاّ أنه يرى أنها ترتبط بمدى"استعداد الأمة"، ويرى أنّ الحكومات انعكاس للوسط الذي تتحرك فيه، وهو المجتمعات "فإذا ارتقت الشعوب ارتقت الحكومات". فوفقاً لهذا الاعتبار يمكن التمييز بين نوعين من المجتمعات، وبالتالي الحكومات؛ الأول استبدادي تكون فيه المجتمعات أقرب إلى حالة "الطفولية" غير قادرة على تحديد المسافات والمصالح، وتكون فيه السلطة "آلة محللة" لكل اجتماع إلا الاجتماع لتأييدها، وتفتقد المجتمعات لـ"روح الحياة"، أما الحالة الثانية فهي السلطة المقيدة، وتكون فيها المجتمعات على مستوى حضاري وثقافي راقٍ تدرك مصالحها وعلاقتها بالحاكم مبنية على عقد اجتماعي، وتنظر إلى الحكام على "أنهم أفراد من الرعية تستأجرهم بمالها، للقيام بأعمال مخصوصة". ومصدر قوة المجتمعات في هذه الحالة هو قوة أفرادها المتمثلة بقوة الفكر والإرادة.
من الواضح تماماً بالمقارنة بين النموذجين السابقين أنّ رشيد رضا يستبطن في النمط الأول (الاستبدادي) مآلات الواقع العربي في حينه، وفي الثاني الواقع الغربي والأوروبي، وما وصل إليه من مستوى عالٍ من التعليم والسياسة والتنظيم المؤسسي مقارنة بالواقع العربي. وهنا يطرح السؤال الجوهري: إذا كانت المجتمعات العربية لم تبلغ بعد درجة من العلم والتطور الثقافي والاقتصادي والسياسي ما يؤهلها للحفاظ على مصالحها وانتزاع حقوقها، فكيف تُدار؟ وكيف تُجسّر المرحلة حتى تصل إلى المرحلة السياسية المطلوبة؟
نجد الجواب عن السؤال السابق في مقالة لرشيد رضا بعنوان "الإصلاح والإسعاد على قدر الاستعداد"؛ إذ يرى أنه في مثل هذه الحالة لا مانع من التسليم بوجود القائد الداعي للإصلاح، المستبد العادل، الذي يسوق الناس إلى النهضة والعلياء سوقاً، لكونه يحكم "أمة خاملة ورعية جاهلة فيحملها بالقهر والإلزام على ما يُطلب ويُرام"، فإذا ما عجز هذا الحاكم عن "تغيير سرائر الناس، فإنه لا يعجز عن التصرف في ظواهرهم".
من رحم الولع بالإصلاح والنهضة والتغيير ولدت فكرة "المستبد العادل" لدى الشيخ محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا، في سياق عدم الأهلية الاجتماعية والثقافية آنذاك للوصول إلى الخلاص من "طبائع الاستبداد". إلاّ أن تجربتنا السياسية الممتدة منذ ذلك التاريخ إلى اليوم أثبتت أن "المستبد العادل" الإصلاحي ليس موجوداً، وأن الحاضر دوماً هي "طبائع الاستبداد".
ولمّا يئس نفر من السياسيين والمثقفين العرب من "الاستبداد"، ومن عدم قدرة "الداخل" على الخلاص منه، نظروا إلى أنّ "الاحتلال الجديد" يمكن أن يوفر مدخلاً، ولو في البداية، للتخلص من "طبائع الاستبداد"- وهي نظرة قاصرة بالتأكيد- فإذا بِنا أمام نموذج أسوأ (في العراق) يتمثل بالحرب الأهلية والإرهاب وتدمير البنية الاجتماعية والثقافية المدنية لصالح انتماءات أولية، لتعود المناظرة الفكرية العربية اليوم مرة أخرى إلى السؤال: كيف الخلاص من "طبائع الاستبداد" دون البحث عن "مستبد عادل"؟
منقووول
أسال الله أن ينفع بما نقدم وننقل
محمد أبو رمان 13/6/1427
09/07/2006
عدة أسباب رئيسة تكمن وراء العودة الفكرية الجديدة إلى عصر النهضة العربي؛ الأول أنّ تراث هذا العصر تعرّض للإهمال قرابة قرن من الزمن بسبب الظروف التاريخية والسياسية السابقة (مرحلة الاستقلال الوطني والحرب الباردة)، فحدثت "قطيعة" معرفية وفكرية معه، مما حال دون تحقيق الإفادة المطلوبة منه والبناء عليه، والثاني أنّ هذا "التراث" على الرغم من مرور قرن على أكثره، إلاّ أنه لا يزال حيّاً يبحث في العلل والأدواء التي لم تتخلّص منها الأمة (المجتمعات العربية) إلى اليوم، بل إنّ الفكر الذي جاء بعد هذا العصر، لم يرْقََ - في مجمله - إلى العمق والتأصيل والتحليق الذي ميز عصر النهضة وتساؤلاته ومناظراته الهائلة، أمّا الثالث فلأن الظروف العامة الحالية أعادتنا مرة أخرى إلى سؤال الإصلاح والنهضة، بعد أن غلب سؤال الهوية والصراع على السلطة فترة طويلة من الزمن، وبعد أن طوّحت بنا الدعوات الأيديولوجية بين الشرق والغرب ومن ثم أعادتنا إلى حيث بدأنا.. أي عصر النهضة.
هذا لا يعني أنّ "عصر النهضة" حمل رؤية أو مدرسة واحدة، فثمة مدارس واتجاهات ومقاربات متعددة لكل منها مقولاتها ورؤيتها في التنمية والنهوض والتغيير. فمع تأكيد رواد النهضة على أنّ "المشكل السياسي" هو الأساس إلاّ أنهم لم يتفقوا على إستراتيجية النهوض والتغيير، هل تتمّ من خلال العمل السياسي العام أم الاقتصادي أم التربية والتعليم والثقافة والإصلاح الديني..؟ في هذا السياق يمكن الحديث عن مدرستين رئيستين بين مدارس فكر النهضة؛ مدرسة "طبائع الاستبداد" عند الشيخ (عبد الرحمن الكواكبي) ومدرسة "المستبد العادل" عند (الإمام محمد عبده). وإن كان الاحتفاء اليوم بالرجلين في أوساط فكرية وثقافية عربية وإسلامية كبيراً، بخاصة في السنتين الأخيرتين اللتين شهدتا مرور قرن على وفاتهما (محمد عبده 1905، الكواكبي 1902)، إلاّ أنّ المقارنة بين المدرستين بحاجة إلى توضيح وقراءة منهجية أدق.
ففي حين يقدم الكواكبي مرافعة تاريخية رائعة ضد الاستبداد وخطورته فإنه لا يجيب عن السؤال الأهم: كيف الخلاص من الاستبداد؟ بقدر ما يرصد ويحلل تداعيات وآثار الاستبداد، ويربط بين الاستبداد الديني والسياسي، أمّا محمد عبده فيرى أنّ وراء "المشكل السياسي" أزمة ثقافية واجتماعية كبيرة، وأنّ إصلاح السلطة لا يمكن إلاّ بإصلاح الأمة والمجتمعات، التي وصلت إلى حالة من الجمود والتأخر والضحالة المعرفية والفكرية؛ إذ صارت ترفض دعوات الإصلاح وتشكك فيها، فإصلاح الأمة مقدمة لإصلاح السلطة.
في هذا السياق يتحدث الإمام محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا عن دور العلماء والمثقفين والكتاب في الإصلاح الديني والثقافي والاجتماعي، وعن دور الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية وعن التربية والتعليم، وهي مهمة صعبة وشاقة وطويلة الأمد، يسهل ويساعد على الوصول إليها وجود حاكم قوي عادل صالح يضع من السياسات الضرورية، ويجسر بين المراحل المطلوبة التي تصل من خلالها الأمة إلى حالة النهوض والاعتماد على الذات والخروج من حقبة الاستبداد إلى الحرية والحياة المؤسسية.
إذن؛ "المستبد العادل" عند الشيخ محمد عبده ورشيد رضا هو فكرة "وضيفية مؤقتة" خلال مرحلة معينة، وصولاً إلى متطلب النهوض، بهدف تسريع عملية الإصلاح والنهضة. ربما يشرح هذه الفكرة بدرجة أكبر رشيد رضا الذي وإن كان يقر بأن الشورى "ملزمة" ليست "محمدة اختيارية" إلاّ أنه يرى أنها ترتبط بمدى"استعداد الأمة"، ويرى أنّ الحكومات انعكاس للوسط الذي تتحرك فيه، وهو المجتمعات "فإذا ارتقت الشعوب ارتقت الحكومات". فوفقاً لهذا الاعتبار يمكن التمييز بين نوعين من المجتمعات، وبالتالي الحكومات؛ الأول استبدادي تكون فيه المجتمعات أقرب إلى حالة "الطفولية" غير قادرة على تحديد المسافات والمصالح، وتكون فيه السلطة "آلة محللة" لكل اجتماع إلا الاجتماع لتأييدها، وتفتقد المجتمعات لـ"روح الحياة"، أما الحالة الثانية فهي السلطة المقيدة، وتكون فيها المجتمعات على مستوى حضاري وثقافي راقٍ تدرك مصالحها وعلاقتها بالحاكم مبنية على عقد اجتماعي، وتنظر إلى الحكام على "أنهم أفراد من الرعية تستأجرهم بمالها، للقيام بأعمال مخصوصة". ومصدر قوة المجتمعات في هذه الحالة هو قوة أفرادها المتمثلة بقوة الفكر والإرادة.
من الواضح تماماً بالمقارنة بين النموذجين السابقين أنّ رشيد رضا يستبطن في النمط الأول (الاستبدادي) مآلات الواقع العربي في حينه، وفي الثاني الواقع الغربي والأوروبي، وما وصل إليه من مستوى عالٍ من التعليم والسياسة والتنظيم المؤسسي مقارنة بالواقع العربي. وهنا يطرح السؤال الجوهري: إذا كانت المجتمعات العربية لم تبلغ بعد درجة من العلم والتطور الثقافي والاقتصادي والسياسي ما يؤهلها للحفاظ على مصالحها وانتزاع حقوقها، فكيف تُدار؟ وكيف تُجسّر المرحلة حتى تصل إلى المرحلة السياسية المطلوبة؟
نجد الجواب عن السؤال السابق في مقالة لرشيد رضا بعنوان "الإصلاح والإسعاد على قدر الاستعداد"؛ إذ يرى أنه في مثل هذه الحالة لا مانع من التسليم بوجود القائد الداعي للإصلاح، المستبد العادل، الذي يسوق الناس إلى النهضة والعلياء سوقاً، لكونه يحكم "أمة خاملة ورعية جاهلة فيحملها بالقهر والإلزام على ما يُطلب ويُرام"، فإذا ما عجز هذا الحاكم عن "تغيير سرائر الناس، فإنه لا يعجز عن التصرف في ظواهرهم".
من رحم الولع بالإصلاح والنهضة والتغيير ولدت فكرة "المستبد العادل" لدى الشيخ محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا، في سياق عدم الأهلية الاجتماعية والثقافية آنذاك للوصول إلى الخلاص من "طبائع الاستبداد". إلاّ أن تجربتنا السياسية الممتدة منذ ذلك التاريخ إلى اليوم أثبتت أن "المستبد العادل" الإصلاحي ليس موجوداً، وأن الحاضر دوماً هي "طبائع الاستبداد".
ولمّا يئس نفر من السياسيين والمثقفين العرب من "الاستبداد"، ومن عدم قدرة "الداخل" على الخلاص منه، نظروا إلى أنّ "الاحتلال الجديد" يمكن أن يوفر مدخلاً، ولو في البداية، للتخلص من "طبائع الاستبداد"- وهي نظرة قاصرة بالتأكيد- فإذا بِنا أمام نموذج أسوأ (في العراق) يتمثل بالحرب الأهلية والإرهاب وتدمير البنية الاجتماعية والثقافية المدنية لصالح انتماءات أولية، لتعود المناظرة الفكرية العربية اليوم مرة أخرى إلى السؤال: كيف الخلاص من "طبائع الاستبداد" دون البحث عن "مستبد عادل"؟
منقووول
أسال الله أن ينفع بما نقدم وننقل