المحب لبلي
07-17-2006, 11:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحد الفاصل بين الجهاد والفوضى *
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فان المسلم ليحزن إذا رأى قيادات غير حكيمة تسوق المسلمين إلى ما فيه ضررهم وتلفهم،
وأمر الجهاد ليس بالأمر اليسير حتى يناور فيه الإنسان على سبيل تخمين ردة فعل العدو،
لأن الجهاد فيه تعريض النفوس والأموال للتلف، وتمكين العدو من أراضي المسلمين وانتهاك حرماتهم ومقدساتهم،
ولذلك جعل الله أمر الجهاد وما يتعلق بأمن المسلمين ومصالحهم العامة لولي الأمر مع مشورة أهل
الحكمة والخبرة والاختصاص،
قال تعالى ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ
إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) [ النساء: 83 ] ،
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق،
وإنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن، وسرور
المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم، أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه
إلى الرسول، وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور
ويعرفون المصالح وضدها » [تيسير الكريم الرحمن ص.190]
فلهذا ليس من الرأي السديد ولا من الجهاد في شيء أن نأسر رجلا واحدا من العدو ونقتل مثله ونحن
ضعفاء، فيقوم العدو باحتلال مزيد من الأراضي ويقتل أضعافا كثيرة من المسلمين، ويبث الخوف
والرعب ويشفي غله بأضعاف ما حصل له، ويحاصر المسلمين في مكان محدود ويقطع عنهم الماء
والكهرباء، ونحن عاجزون عن دفع الضر عن أنفسنا، فضلا عن إلحاق الأذى بالعدو،
لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون
أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين» [طريق الوصول ص .138]
وكذلك من الظلم أن تقوم ميليشيا حزبية خارجة عن طاعة الحاكم بمبادرة العدو للقتال فتجلب للبلاد
حربا لم يخترها حاكمها ولا شعبها، فهذا من أسباب الفوضى وتضييع بلاد المسلمين،
وبهذا تظهر حكمة الله في جعل سياسة الجهاد والحرب لولي الأمر، قال الحسن البصري رحمه الله:
«أربع من أمر الإسلام إلى السلطان: الحكم، والفيء، والجهاد، والجمعة» [مسائل الإمام احمد رواية الكرماني ص.392]
وقال شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله:
«لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى، كل من شاء ركب فرسه وغزا، ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو، وهم يريدون الخروج على الإمام، أو يريدون البغي على طائفة من الناس كما قال الله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) (الحجرات: 9)، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها أيضا لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام » [الشرح الممتنع (26ـ25/8)].
------------------------
الجهاد تابع للمصلحة وشرطه القدرة
لا شك أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد واضحة، فتارة يقاتل مع القدرة، وتارة يهادن مع
عدم القدرة،
لذلك من القواعد الكبيرة في مسائل الجهاد هو أن الجهاد تابع للمصلحة،
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
«والجهاد باليد والسلاح يتبع المصلحة، فعلى المسلمين أن يسلكوا هديه ويتشاوروا في أمرهم، ويعملوا في كل وقت ما يناسبه ويصلح له»، [فتح الرحيم ص .131]
وقد نص العلماء
على انه لا أثم في عدم الجهاد مع عدم الاستطاعة، قال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ).
قال العلامة محمد بن علي الكرجي :
«فمن لم يطق الجهاد بالنفس والمال، وآمن به ورآه حقا فهو من أهله، وليس عليه غيره» [نكت القرآن(187/4).]
فتأمل قوله «ليس عليه غيره» فهذا والله دين الإسلام الذي يعرفه الخاص والعام
كما قال تعالى ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
وكذلك قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
« ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذل»، [الحكم الجديرة بالإذاعة ص4]،
فتأمل القيد والشرط الذي يذكره كل العلماء «مع قدرته عليه» وكرر ذلك ابن رجب أيضا في هدي النبي صلى الله عليه وسلم زيادة في التوضيح والتوكيد فقال:« فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته عليه واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة حصل له الذل» [الحكم الجديرة ص 41] فتأمل قوله «من الجهاد مع قدرته عليه»، فهذا مما لا يختلف فيه المسلمون.
-------------------
مقصود الجهاد إقامة الدين وحفظ النفوس لا إفنائها.
مقصود الجهاد هو أن تكون كلمة الله هي العليا و أن يحفظ دين المسلمين و أن تحفظ أرواحهم فهذا الذي تبذل فيه المهج،
أما أن نقتل عددا محدودا جدا من العدو يوجب غضبهم وتشفيهم وظهورهم علينا وسفك دمائنا وإتلاف أموالنا ومقدراتنا فهذا انتحار، ولا تأتي به شريعة قط، قال العز بن عبد السلام رحمه الله:
«أن أي قتال للكفار لا تتحقق به نكاية للعدو فانه يجب تركه، لان المخاطرة بالنفوس إنما جازت لما فيها من مصلحة إعزاز الدين، والنكاية بالمشركين، فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال لما فيه من موات النفوس، وشفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وبذا مفسدة محضة وليس في طيها مصلحة»، [قواعد الاحكام ص .95]
---------------------
النجاة من العدو فتح
مع الضعف وعدم القدرة لا يعيب المسلم أن يتحرى السلامة من عدوه،
فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه لما رأى ما نزل بجيش المسلمين من القتل في غزوة مؤتة رجع بالجيش طلبا لحفظ دماء المسلمين والسلامة من العدو،
قال والدنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله:
«والتخلص من العدو يسمى نصرا وفتحا وغلبة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة حين كانت الراية مع زيد بن حارثة ثم كانت مع جعفر بن أبي طالب، ثم كانت مع عبد الله بن رواحة ، وكلهم قتلوا رضي الله عنهم، قال: «ثم أخذها خالد ففتح الله على يديه».
وخالد رضي الله عنه لم ينتصر على الروم ولم يغلبهم، ولكن نجا منهم، فسمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه النجاة فتحا» [تفسير سورة الصافات ص 267 - .268]
--------------------------
الحل وكيف ننتصر على عدونا؟
لا بد مع ذكر أحوالنا، ونقدنا للتصرفات غير الحكيمة،
أن نذكر الحل لأوضاعنا الحالية حتى لا نكون مجرد منظرين،
فظهور العدو خصوصا أرذل الأعداء اليهود إنما هو بسبب ذنوبنا،
والله ذكر شرط النصر في قوله تعالى ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ )، وذكر الله أن معية النصر للمتقين والمحسنين،
قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )، وقال تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )،
قال ابن القيم: «الكفاية على قدر العبودية»،
## فلذلك ينبغي علينا أن نحقق العبودية التي تجلب النصر،
وهذه تكون مع صحة الاعتقاد، وملازمة السنة ومجانبة البدعة، وتحقيق الطاعة فإذا صدقت قلوبنا
وارتفعت أيدينا بالدعاء كفانا الله أعداءنا،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«القلوب الصادقة والأدعية الصالحة هي العسكر الذي لا يغلب».
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
«المشكلة الأولى: هي ضعف المسلمين في أقطار الدنيا في العدد والعُدد عن مقاومة الكفار، وقد هدى
القرآن العظيم إلى حل هذه المشكلة بأقوم الطرق وأعدلها: فبين أن علاج الضعف عن مقاومة الكفار
إنما هو بصدق التوجه إلى الله تعالى، وقوة الإيمان والتوكل عليه، لأن الله قوي عزيز، قاهر لكل شيء،
فمن كان من حزبه على الحقيقة لا يمكن أن يغلبه الكفار، ولو بلغوا من القوة ما بلغوا.
فمن الأدلة المبينة لذلك أن الكفار ضربوا على المسلمين ذلك الحصار العسكري العظيم في غزوة
الأحزاب المذكورة في قوله تعالى
(إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا).. إلى أن قال «الإيمان والإخلاص كان من
نتائج ذلك ما ذكره الله جل وعلا في قوله ( وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ) فصرح جل وعلا في هذه الآية بأنهم لم يقدروا عليها، وأن الله جل وعلا أحاط بها
فأقدرهم عليها، وذلك من نتائج قوة إيمانهم وشدة إخلاصهم.
فدلت الآية الكريمة على أن الإخلاص لله وقوة الإيمان به، هو السبب لقدرة الضعيف على القوي
وغلبته له، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )،
وقوله في هذه الآية (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا ) فعل في سياق النفي، والفعل في سياق النفي من صيغ العموم على التحقيق.
فقوله (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا ) في معنى لا قدرة لكم عليها، وهذا يعم سلب جميع أنواع القدرة، لأن النكرة
في سياق النفي تدل على عموم السلب وشموله لجميع الأفراد الداخلة تحت العنوان، كما هو معروف
في محله. وبهذا تعلم أن جميع أنواع القدرة عليها مسلوب عنهم، ولكن الله جل وعلا أحاط بها فأقدرهم
عليها، لما علم من الأيمان والأخلاص في قلوبهم ( وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ). [أضواء البيان (412/3 - 414)].
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، ورزق الله قادة المسلمين الحكمة والرأي السديد، وكفى الله المؤمنين شرور اليهود وأعوانهم.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه الشيخ د.حمد بن إبراهيم العثمان
- حفظه الله تعالى -
ونقله لكم محبكم في الله \ المحب لبلي ((عمــــ أبوــــــــــــــــــر))
الحد الفاصل بين الجهاد والفوضى *
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فان المسلم ليحزن إذا رأى قيادات غير حكيمة تسوق المسلمين إلى ما فيه ضررهم وتلفهم،
وأمر الجهاد ليس بالأمر اليسير حتى يناور فيه الإنسان على سبيل تخمين ردة فعل العدو،
لأن الجهاد فيه تعريض النفوس والأموال للتلف، وتمكين العدو من أراضي المسلمين وانتهاك حرماتهم ومقدساتهم،
ولذلك جعل الله أمر الجهاد وما يتعلق بأمن المسلمين ومصالحهم العامة لولي الأمر مع مشورة أهل
الحكمة والخبرة والاختصاص،
قال تعالى ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ
إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) [ النساء: 83 ] ،
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق،
وإنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن، وسرور
المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم، أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه
إلى الرسول، وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور
ويعرفون المصالح وضدها » [تيسير الكريم الرحمن ص.190]
فلهذا ليس من الرأي السديد ولا من الجهاد في شيء أن نأسر رجلا واحدا من العدو ونقتل مثله ونحن
ضعفاء، فيقوم العدو باحتلال مزيد من الأراضي ويقتل أضعافا كثيرة من المسلمين، ويبث الخوف
والرعب ويشفي غله بأضعاف ما حصل له، ويحاصر المسلمين في مكان محدود ويقطع عنهم الماء
والكهرباء، ونحن عاجزون عن دفع الضر عن أنفسنا، فضلا عن إلحاق الأذى بالعدو،
لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون
أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين» [طريق الوصول ص .138]
وكذلك من الظلم أن تقوم ميليشيا حزبية خارجة عن طاعة الحاكم بمبادرة العدو للقتال فتجلب للبلاد
حربا لم يخترها حاكمها ولا شعبها، فهذا من أسباب الفوضى وتضييع بلاد المسلمين،
وبهذا تظهر حكمة الله في جعل سياسة الجهاد والحرب لولي الأمر، قال الحسن البصري رحمه الله:
«أربع من أمر الإسلام إلى السلطان: الحكم، والفيء، والجهاد، والجمعة» [مسائل الإمام احمد رواية الكرماني ص.392]
وقال شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله:
«لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى، كل من شاء ركب فرسه وغزا، ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو، وهم يريدون الخروج على الإمام، أو يريدون البغي على طائفة من الناس كما قال الله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) (الحجرات: 9)، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها أيضا لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام » [الشرح الممتنع (26ـ25/8)].
------------------------
الجهاد تابع للمصلحة وشرطه القدرة
لا شك أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد واضحة، فتارة يقاتل مع القدرة، وتارة يهادن مع
عدم القدرة،
لذلك من القواعد الكبيرة في مسائل الجهاد هو أن الجهاد تابع للمصلحة،
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
«والجهاد باليد والسلاح يتبع المصلحة، فعلى المسلمين أن يسلكوا هديه ويتشاوروا في أمرهم، ويعملوا في كل وقت ما يناسبه ويصلح له»، [فتح الرحيم ص .131]
وقد نص العلماء
على انه لا أثم في عدم الجهاد مع عدم الاستطاعة، قال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ).
قال العلامة محمد بن علي الكرجي :
«فمن لم يطق الجهاد بالنفس والمال، وآمن به ورآه حقا فهو من أهله، وليس عليه غيره» [نكت القرآن(187/4).]
فتأمل قوله «ليس عليه غيره» فهذا والله دين الإسلام الذي يعرفه الخاص والعام
كما قال تعالى ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
وكذلك قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
« ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذل»، [الحكم الجديرة بالإذاعة ص4]،
فتأمل القيد والشرط الذي يذكره كل العلماء «مع قدرته عليه» وكرر ذلك ابن رجب أيضا في هدي النبي صلى الله عليه وسلم زيادة في التوضيح والتوكيد فقال:« فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته عليه واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة حصل له الذل» [الحكم الجديرة ص 41] فتأمل قوله «من الجهاد مع قدرته عليه»، فهذا مما لا يختلف فيه المسلمون.
-------------------
مقصود الجهاد إقامة الدين وحفظ النفوس لا إفنائها.
مقصود الجهاد هو أن تكون كلمة الله هي العليا و أن يحفظ دين المسلمين و أن تحفظ أرواحهم فهذا الذي تبذل فيه المهج،
أما أن نقتل عددا محدودا جدا من العدو يوجب غضبهم وتشفيهم وظهورهم علينا وسفك دمائنا وإتلاف أموالنا ومقدراتنا فهذا انتحار، ولا تأتي به شريعة قط، قال العز بن عبد السلام رحمه الله:
«أن أي قتال للكفار لا تتحقق به نكاية للعدو فانه يجب تركه، لان المخاطرة بالنفوس إنما جازت لما فيها من مصلحة إعزاز الدين، والنكاية بالمشركين، فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال لما فيه من موات النفوس، وشفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وبذا مفسدة محضة وليس في طيها مصلحة»، [قواعد الاحكام ص .95]
---------------------
النجاة من العدو فتح
مع الضعف وعدم القدرة لا يعيب المسلم أن يتحرى السلامة من عدوه،
فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه لما رأى ما نزل بجيش المسلمين من القتل في غزوة مؤتة رجع بالجيش طلبا لحفظ دماء المسلمين والسلامة من العدو،
قال والدنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله:
«والتخلص من العدو يسمى نصرا وفتحا وغلبة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة حين كانت الراية مع زيد بن حارثة ثم كانت مع جعفر بن أبي طالب، ثم كانت مع عبد الله بن رواحة ، وكلهم قتلوا رضي الله عنهم، قال: «ثم أخذها خالد ففتح الله على يديه».
وخالد رضي الله عنه لم ينتصر على الروم ولم يغلبهم، ولكن نجا منهم، فسمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه النجاة فتحا» [تفسير سورة الصافات ص 267 - .268]
--------------------------
الحل وكيف ننتصر على عدونا؟
لا بد مع ذكر أحوالنا، ونقدنا للتصرفات غير الحكيمة،
أن نذكر الحل لأوضاعنا الحالية حتى لا نكون مجرد منظرين،
فظهور العدو خصوصا أرذل الأعداء اليهود إنما هو بسبب ذنوبنا،
والله ذكر شرط النصر في قوله تعالى ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ )، وذكر الله أن معية النصر للمتقين والمحسنين،
قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )، وقال تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )،
قال ابن القيم: «الكفاية على قدر العبودية»،
## فلذلك ينبغي علينا أن نحقق العبودية التي تجلب النصر،
وهذه تكون مع صحة الاعتقاد، وملازمة السنة ومجانبة البدعة، وتحقيق الطاعة فإذا صدقت قلوبنا
وارتفعت أيدينا بالدعاء كفانا الله أعداءنا،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«القلوب الصادقة والأدعية الصالحة هي العسكر الذي لا يغلب».
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
«المشكلة الأولى: هي ضعف المسلمين في أقطار الدنيا في العدد والعُدد عن مقاومة الكفار، وقد هدى
القرآن العظيم إلى حل هذه المشكلة بأقوم الطرق وأعدلها: فبين أن علاج الضعف عن مقاومة الكفار
إنما هو بصدق التوجه إلى الله تعالى، وقوة الإيمان والتوكل عليه، لأن الله قوي عزيز، قاهر لكل شيء،
فمن كان من حزبه على الحقيقة لا يمكن أن يغلبه الكفار، ولو بلغوا من القوة ما بلغوا.
فمن الأدلة المبينة لذلك أن الكفار ضربوا على المسلمين ذلك الحصار العسكري العظيم في غزوة
الأحزاب المذكورة في قوله تعالى
(إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا).. إلى أن قال «الإيمان والإخلاص كان من
نتائج ذلك ما ذكره الله جل وعلا في قوله ( وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ) فصرح جل وعلا في هذه الآية بأنهم لم يقدروا عليها، وأن الله جل وعلا أحاط بها
فأقدرهم عليها، وذلك من نتائج قوة إيمانهم وشدة إخلاصهم.
فدلت الآية الكريمة على أن الإخلاص لله وقوة الإيمان به، هو السبب لقدرة الضعيف على القوي
وغلبته له، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )،
وقوله في هذه الآية (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا ) فعل في سياق النفي، والفعل في سياق النفي من صيغ العموم على التحقيق.
فقوله (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا ) في معنى لا قدرة لكم عليها، وهذا يعم سلب جميع أنواع القدرة، لأن النكرة
في سياق النفي تدل على عموم السلب وشموله لجميع الأفراد الداخلة تحت العنوان، كما هو معروف
في محله. وبهذا تعلم أن جميع أنواع القدرة عليها مسلوب عنهم، ولكن الله جل وعلا أحاط بها فأقدرهم
عليها، لما علم من الأيمان والأخلاص في قلوبهم ( وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ). [أضواء البيان (412/3 - 414)].
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، ورزق الله قادة المسلمين الحكمة والرأي السديد، وكفى الله المؤمنين شرور اليهود وأعوانهم.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه الشيخ د.حمد بن إبراهيم العثمان
- حفظه الله تعالى -
ونقله لكم محبكم في الله \ المحب لبلي ((عمــــ أبوــــــــــــــــــر))