عمر البلوي
09-15-2003, 11:37 PM
الدين الصحيح يحل جميع المشكلات [marq=left:68bfffc035]للعلامة إبن سعدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، وأصلي وأسلم على محمد و على آله و صحبه أجمعين . أما بعد فهذه كلمات تتعلق بموضوع الدين الإسلامي ، وأنه يهدي للتي هي أقوم وأصلح ، ويرشد العباد في عقائده و أخلاقه و معاملاته و توجيهاته و تأسيساته الى ما ينفعهم في معاشهم و معادهم . وبيان أنه لا سبيل الى إصلاح شئ من أمور الخلق الإصلاح التام الا به . و بيان أن جميع النظم المخالفة لدين الإسلام لا يستقيم بها دين ولا دنيا الا اذا استمدت من تعاليم الدين .
وهذا الذي قلناه قد برهنت المحسوسات و التجارب على صدقه وصحته كما دلت الشرائع والفطر و العقول السليمة على حقيقته . فان الدين كله صلاح وإصلاح , و كله دفع للشرور والأضرار , و كله يدعو الى الخير والهدى , ويحذر من الشر و أنواع الردى .
وعند عرض بعض النتائج من تعليماته وتوجيهاته يظهر لكل عاقل منصف صحة هذا , وأن الخلق كلهم مضطرون إليه , وأنهم لا يستغنون عنه في حالة من أحوالهم ذلك بأن الدنيا كلها قد جاشت بمشكلات الحياة , و البشر كلهم يتخبطون في دياجير الظلمات فيهتدون من وجه واحد ويضلون من وجوه أخرى . وقد يستقيم لهم أمر من بعض وجوهه ويقع الانحراف في بقية أنحائه . وهذا ناتج من أحد أمرين : إما جهل بما دل عليه الدين و ما أرشد إليه . و إما مكابرة و غي ، و مقاصد سيئة و أغراض فاسدة ، حالت بينهم و بين الصلاح الذي يعرفونه كما هو الواقع كثيرا .
لهذا ينبغي أن نذكر بعض مشاكل الحياة المهمة ، مثل مشكلة الدين ، و مشكلة العلم ، و الغي و الفقر ، و الصحة و المرض ، و الحرب و السلم ، و الاجتماع و الافتراق ، و المحاب و المكاره . و غير ذلك مما اختلفت في أنظار الناس و توجيهاتهم ، وما سلكه الدين الإسلامي فيها من المسالك الصالحة السديدة ، وما أولاه نحوها من المنافع التي لا تعد ولا تحصى .
المشكلة الأولى
مشكلة الدين و العقيدة
وهذه المشكلة أهم مشاكل الحياة و أعظمها ، و عليها تبنى الأمور كلها . وبصلاح الدين أو فساده أو عدمه تتوقف جميع الأشياء . وقد تفرق فيها البشر و سلكوا في دينهم و عقائدهم طرقا شتى ، كلها منحرفة معوجة ضارة ،غير نافعة الا من اهتدى الى دين الإسلام الحقيقي ، فانه حصلت له الاستقامة و الخير و الراحة من جميع الوجوه . فمن الناس من تلاعب بهم الشيطان فعبدوا غير الله من الأشجار و الأحجار و الصور و الأنبياء و الملائكة و الصالحين و الطالحين ، مع اعترافهم بأن الله ربهم و مالكهم و خالقهم وحده لاشريك له . فاعترفوا بتوحيد الربوبية و انحرفوا عن توحيد الإلهية الذي هو إفراد الله بالعبادة ، وهؤلاء هم المشركون على اختلاف مذاهبهم و تباين طوائفهم ، وقد دلت الكتب السماوية على شقائهم و هلاكهم ، واتفق جميع الرسل على الأمر بتوحيد الله و النهي عن الشرك ، و أن من أشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار . كما دلت العقول السليمة و الفطر المستقيمة على فساد الشرك والتأله و التعبد للمخلوقات و المصنوعات ، فالشرك باطل في الشرع ، فاسد في العقل ، عاقبة أهله الهلاك و الشقاء . و من الناس من آمن ببعض الرسل و الكتب السماوية دون بعض ، مع أن الرسل و الكتب يصدق بعضها بعضا ، ويوافق بعضها بعضا ، وتتفق في الأصول الكلية . فصار هؤلاء ينقض تكذيبهم تصديقهم ، ويبطل اعترافهم ببعض الأنبياء وبعض الكتب السماوية تكذيبهم للآخرين من الرسل ، فبقوا في دينهم منحرفين ، وفي إيمانهم متحيرين ، وفي علمهم متناقضين . قال تعالى :" ان الذين يكفرون بالله ورسله ويردون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا " (النساء :150 ـ 151) . فحكم بالكفر الحقيقي لأنه عرف أن دعواهم للإيمان دعوى غير صحيحه ، ولو كانت صحيحة لآمنوا بجميع الحقائق التي اتفقت عليها الرسل ، ولكنهم قالوا :" نؤمن بما أنزل إلينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم " . ولهذا دعواهم الإيمان دعوى كاذبة ، فقال عنهم عز وجل :" فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين " (البقرة : 91) .
ومن الناس طائفة ادعت الفلسفة والعلم بالمعقولات ، فجاءت بأكبر الضلالات وأعظم المحالات ، فجحدت الرب العظيم وأنكرت وجوده ، فضلا عن الإيمان بالرسل والكتب وأمور الغيب ، وجحدوا آيات الله واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا واستكبارا ، فكذبوا بعلوم الرسل وما دلت عليه الكتب المنزلة من عند الله ، واستكبروا عنها بما عرفوا من العلوم الطبيعية وتوابعها ، وأنكروا جميع الحقائق الا ما أدركوه بحواسهم وتجاربهم القاصرة الضيقة بالنسبة الى علوم الأنبياء . فعبدوا الطبيعة وجعلوها أكبر همهم ومبلغ علمهم ، واندفعوا وراء ما تقتضيه طبائعهم ، ولم يتقيدوا بشيء من الشرائع الدينية ولا الأخلاق الإنسانية . فصارت البهائم أحسن حالا منهم , فانهم نضبت منهم الأخلاق , واندفعوا وراء الشهوات البهيمية . فلم يكن لهم غاية يرجونها , ولا نهاية يطلبونها وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر ) ( الجاثية :24). وصار المشركون على شركهم وكفرهم أحسن حالا منهم , وأقل شرا منهم بكثير . والعجب الكثير أن هذا المذهب الخبيث جرف بتياره في الأوقات الأخيرة جمهور البشر , لضعف الدين وقلة البصيرة , ولما وضعت له الأمم القوية الحبائل والمصائد التي هلك بها الخلق .
أما الدين الإسلامي فقد اخرج الخلق من ظلمات الجهل والكفر والظلم والعدوان وأصناف الشرور الى نور العلم والإيمان واليقين والعدل والرحمة وجميع الخيرات ( لقد من اللة على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) (آل عمران : 164) . ( ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) (الإسراء : 9 ) ، ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ( المائدة : 3) ، ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) ( الأنعام : 115) . أي كلماته الدينية التي شرع بها الشرائع ، وسن الأحكام . وقد جعلها الله تامة من جميع الوجوه ، لا نقص فيها بوجه من الوجوه ، صدقا في أخبارها عن الله وعن توحيده وجزائه وصدق رسله في أمور الغيب ، عدلا في أحكامها ، وأوامرها كلها عدل وإحسان وخيرات وصلاح وإصلاح ، ونواهيها كلها في غاية الحكمة ، تنهى عن الظلم والعدوان والأضرار المتنوعة (و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)
( المائدة : 50) . وهذا استفهام بمعنى النفي المتقرر الذي تقرر حدوثه في العقول و الفطر . فما أمر العقل : ليته نهى عنه . ولا نهى عن شئ فقال العقل : ليته أمر به . لقد أباح هذا الدين كل طيب نافع ، وحرم كل خبيث ضار . ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و النهي عن المنكر و يحل عليهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم )(الأعراف:157)
فهو الدين الذي يوجه العباد الى كل أمر نافع لهم في دينهم ودنياهم ، ويحذرهم من كل أمر ضار في دينهم و معاشهم ، ويأمرهم عند اشتباه المصالح و المفاسد و المنافع و المضار بالمشاورة في استخراج ما ترجحت مصلحته ، و دفع ما ترجحت مفسدته .
وهو الدين العظيم الشامل ، الذي أمر بالإيمان بكل كتاب أنزله الله ، وبكل رسول أرسله الله ( فلذلك فادع و استقم كما أمرت و لا تتبع أهواءهم و قل آمنت بما أنزل الله من كتاب و أمرت لأعدل بينكم الله ربنا و ربكم لنا أعمالنا و لكم أعمالكم لا حجة بيننا و بينكم الله يجمع بيننا و بينكم و إليه المصير ) ( الشورى : 15) .
وهو الدين العظيم الذي شهد الرب العظيم بصحته و كماله و شهد بذلك الكمل من الخلق و خلاصتهم . ( شهد الله أنه لا اله الا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم ان الدين عند الله الإسلام ) ( آل عمران : 18 ـ 19) .
وهو الدين الذي من اتصف به جمع الله له جمال الظاهر والباطن ، وكمال الأخلاق والأعمال . " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن " ( النساء : 125) . فلا أحسن ممن هو مخلص لله محسن الى عباد الله ، مخلص لله متبع لشريعة الله التي هي أحسن الشرائع وأعدل المناهج ، فانصبغ قلبه بالإخلاص والتوحيد ، واستقامة أخلاقه وأعماله على الهداية والتسديد . " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون " (البقرة : 138 ) .
وهو الدين الذي فتح أهله القائمون به المتصفون بإرشاداته وتعاليمه القلوب بالعلم والإيمان ، والأقطار بالعدل والرحمة والنصح لنوع الانسان .
وهو الدين الذي أصلح الله به العقائد والأخلاق ، وأصلح به الحياة الدنيا والآخرة ، وألف به القلوب المتشتتة ، والأهواء المتفرقة .
وهو الدين العظيم المحكم غاية الإحكام في أخباره كلها ، وفي أحكامه ، فما أخبر الا بالصدق والحق ، ولا حكم الا بالحق والعدل ، فلم يأت علم صحيح ينقض شيئا من أخباره ، ولا حكم أحسن من أحكامه ، أصوله وقواعده وأسسه تساير الزمان السابق واللاحق ، فحيثما طبقت المعاملات المتنوعة بين الأفراد والجماعات في كل زمان ومكان على أصوله تم بها القسط والعدل والرحمة والخير والإحسان ، لأنها تنزيل من حكيم حميد .
" كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " (هود : 1 ) . " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " ( فصلت : 42) . ( انا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ) ( الحجر : 9) . حافظون لألفاظه عن الزيادة والنقص والتغيير ، وحافظون لأحكامه عن الانحراف والنقص ، بل هي في أعلى ما يكون من العدل والاستقامة والتيسير .
وهو الدين العظيم الذي يهدي الى الحق والى طريق مستقيم ، الصدق شعاره ، والعدل مداره ، والحق قوامه ، والرحمة روحه وغايته ، والخير قرينه ، والصلاح والإصلاح جماله وأعماله ، والهدى والرشد زاده .
وهو الدين الذي جمع بين مطالب الروح والقلب والجسد ، أمر الله به المؤمنين بما أمر المرسلين ، بعبادته والعمل الصالح الذي يرضيه ، وبالأكل من الطيبات ، واستخراج ما سخر الله لعباده في هذه الحياة ، فدفع القائمين به حقيقة الى كل علو ورقي وتقدم صحيح ، من عرف شيئا من أوصاف هذا الدين عرف عظيم منة الله به على الخلق ، وأن من نبذه وقع في الباطل والضلال والخيبة والخسران ، لأن الأديان التي تخالفه ما بين خرافات ووثنيات ، وما بين الحاد وماديات ، تجعل قلوب أهلها وأعمالهم كالبهائم بل هم أضل سبيلا ، لأن الدين اذا ترحل من القلوب ترحلت الأخلاق الجميلة ، وحل محلها الأخلاق الرذيلة .
فهبطت بأهلها الى أسفل الدركات ، وصار أكبر همهم ومبلغ علمهم التمتع بعاجل الحياة . والحمد لله رب العالمين
المصدر: http://www.sahab.net/sahab/showthread.php?...threadid=296953 (http://www.sahab.net/sahab/showthread.php?threadid=296953)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، وأصلي وأسلم على محمد و على آله و صحبه أجمعين . أما بعد فهذه كلمات تتعلق بموضوع الدين الإسلامي ، وأنه يهدي للتي هي أقوم وأصلح ، ويرشد العباد في عقائده و أخلاقه و معاملاته و توجيهاته و تأسيساته الى ما ينفعهم في معاشهم و معادهم . وبيان أنه لا سبيل الى إصلاح شئ من أمور الخلق الإصلاح التام الا به . و بيان أن جميع النظم المخالفة لدين الإسلام لا يستقيم بها دين ولا دنيا الا اذا استمدت من تعاليم الدين .
وهذا الذي قلناه قد برهنت المحسوسات و التجارب على صدقه وصحته كما دلت الشرائع والفطر و العقول السليمة على حقيقته . فان الدين كله صلاح وإصلاح , و كله دفع للشرور والأضرار , و كله يدعو الى الخير والهدى , ويحذر من الشر و أنواع الردى .
وعند عرض بعض النتائج من تعليماته وتوجيهاته يظهر لكل عاقل منصف صحة هذا , وأن الخلق كلهم مضطرون إليه , وأنهم لا يستغنون عنه في حالة من أحوالهم ذلك بأن الدنيا كلها قد جاشت بمشكلات الحياة , و البشر كلهم يتخبطون في دياجير الظلمات فيهتدون من وجه واحد ويضلون من وجوه أخرى . وقد يستقيم لهم أمر من بعض وجوهه ويقع الانحراف في بقية أنحائه . وهذا ناتج من أحد أمرين : إما جهل بما دل عليه الدين و ما أرشد إليه . و إما مكابرة و غي ، و مقاصد سيئة و أغراض فاسدة ، حالت بينهم و بين الصلاح الذي يعرفونه كما هو الواقع كثيرا .
لهذا ينبغي أن نذكر بعض مشاكل الحياة المهمة ، مثل مشكلة الدين ، و مشكلة العلم ، و الغي و الفقر ، و الصحة و المرض ، و الحرب و السلم ، و الاجتماع و الافتراق ، و المحاب و المكاره . و غير ذلك مما اختلفت في أنظار الناس و توجيهاتهم ، وما سلكه الدين الإسلامي فيها من المسالك الصالحة السديدة ، وما أولاه نحوها من المنافع التي لا تعد ولا تحصى .
المشكلة الأولى
مشكلة الدين و العقيدة
وهذه المشكلة أهم مشاكل الحياة و أعظمها ، و عليها تبنى الأمور كلها . وبصلاح الدين أو فساده أو عدمه تتوقف جميع الأشياء . وقد تفرق فيها البشر و سلكوا في دينهم و عقائدهم طرقا شتى ، كلها منحرفة معوجة ضارة ،غير نافعة الا من اهتدى الى دين الإسلام الحقيقي ، فانه حصلت له الاستقامة و الخير و الراحة من جميع الوجوه . فمن الناس من تلاعب بهم الشيطان فعبدوا غير الله من الأشجار و الأحجار و الصور و الأنبياء و الملائكة و الصالحين و الطالحين ، مع اعترافهم بأن الله ربهم و مالكهم و خالقهم وحده لاشريك له . فاعترفوا بتوحيد الربوبية و انحرفوا عن توحيد الإلهية الذي هو إفراد الله بالعبادة ، وهؤلاء هم المشركون على اختلاف مذاهبهم و تباين طوائفهم ، وقد دلت الكتب السماوية على شقائهم و هلاكهم ، واتفق جميع الرسل على الأمر بتوحيد الله و النهي عن الشرك ، و أن من أشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار . كما دلت العقول السليمة و الفطر المستقيمة على فساد الشرك والتأله و التعبد للمخلوقات و المصنوعات ، فالشرك باطل في الشرع ، فاسد في العقل ، عاقبة أهله الهلاك و الشقاء . و من الناس من آمن ببعض الرسل و الكتب السماوية دون بعض ، مع أن الرسل و الكتب يصدق بعضها بعضا ، ويوافق بعضها بعضا ، وتتفق في الأصول الكلية . فصار هؤلاء ينقض تكذيبهم تصديقهم ، ويبطل اعترافهم ببعض الأنبياء وبعض الكتب السماوية تكذيبهم للآخرين من الرسل ، فبقوا في دينهم منحرفين ، وفي إيمانهم متحيرين ، وفي علمهم متناقضين . قال تعالى :" ان الذين يكفرون بالله ورسله ويردون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا " (النساء :150 ـ 151) . فحكم بالكفر الحقيقي لأنه عرف أن دعواهم للإيمان دعوى غير صحيحه ، ولو كانت صحيحة لآمنوا بجميع الحقائق التي اتفقت عليها الرسل ، ولكنهم قالوا :" نؤمن بما أنزل إلينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم " . ولهذا دعواهم الإيمان دعوى كاذبة ، فقال عنهم عز وجل :" فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين " (البقرة : 91) .
ومن الناس طائفة ادعت الفلسفة والعلم بالمعقولات ، فجاءت بأكبر الضلالات وأعظم المحالات ، فجحدت الرب العظيم وأنكرت وجوده ، فضلا عن الإيمان بالرسل والكتب وأمور الغيب ، وجحدوا آيات الله واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا واستكبارا ، فكذبوا بعلوم الرسل وما دلت عليه الكتب المنزلة من عند الله ، واستكبروا عنها بما عرفوا من العلوم الطبيعية وتوابعها ، وأنكروا جميع الحقائق الا ما أدركوه بحواسهم وتجاربهم القاصرة الضيقة بالنسبة الى علوم الأنبياء . فعبدوا الطبيعة وجعلوها أكبر همهم ومبلغ علمهم ، واندفعوا وراء ما تقتضيه طبائعهم ، ولم يتقيدوا بشيء من الشرائع الدينية ولا الأخلاق الإنسانية . فصارت البهائم أحسن حالا منهم , فانهم نضبت منهم الأخلاق , واندفعوا وراء الشهوات البهيمية . فلم يكن لهم غاية يرجونها , ولا نهاية يطلبونها وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر ) ( الجاثية :24). وصار المشركون على شركهم وكفرهم أحسن حالا منهم , وأقل شرا منهم بكثير . والعجب الكثير أن هذا المذهب الخبيث جرف بتياره في الأوقات الأخيرة جمهور البشر , لضعف الدين وقلة البصيرة , ولما وضعت له الأمم القوية الحبائل والمصائد التي هلك بها الخلق .
أما الدين الإسلامي فقد اخرج الخلق من ظلمات الجهل والكفر والظلم والعدوان وأصناف الشرور الى نور العلم والإيمان واليقين والعدل والرحمة وجميع الخيرات ( لقد من اللة على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) (آل عمران : 164) . ( ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) (الإسراء : 9 ) ، ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ( المائدة : 3) ، ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) ( الأنعام : 115) . أي كلماته الدينية التي شرع بها الشرائع ، وسن الأحكام . وقد جعلها الله تامة من جميع الوجوه ، لا نقص فيها بوجه من الوجوه ، صدقا في أخبارها عن الله وعن توحيده وجزائه وصدق رسله في أمور الغيب ، عدلا في أحكامها ، وأوامرها كلها عدل وإحسان وخيرات وصلاح وإصلاح ، ونواهيها كلها في غاية الحكمة ، تنهى عن الظلم والعدوان والأضرار المتنوعة (و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)
( المائدة : 50) . وهذا استفهام بمعنى النفي المتقرر الذي تقرر حدوثه في العقول و الفطر . فما أمر العقل : ليته نهى عنه . ولا نهى عن شئ فقال العقل : ليته أمر به . لقد أباح هذا الدين كل طيب نافع ، وحرم كل خبيث ضار . ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و النهي عن المنكر و يحل عليهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم )(الأعراف:157)
فهو الدين الذي يوجه العباد الى كل أمر نافع لهم في دينهم ودنياهم ، ويحذرهم من كل أمر ضار في دينهم و معاشهم ، ويأمرهم عند اشتباه المصالح و المفاسد و المنافع و المضار بالمشاورة في استخراج ما ترجحت مصلحته ، و دفع ما ترجحت مفسدته .
وهو الدين العظيم الشامل ، الذي أمر بالإيمان بكل كتاب أنزله الله ، وبكل رسول أرسله الله ( فلذلك فادع و استقم كما أمرت و لا تتبع أهواءهم و قل آمنت بما أنزل الله من كتاب و أمرت لأعدل بينكم الله ربنا و ربكم لنا أعمالنا و لكم أعمالكم لا حجة بيننا و بينكم الله يجمع بيننا و بينكم و إليه المصير ) ( الشورى : 15) .
وهو الدين العظيم الذي شهد الرب العظيم بصحته و كماله و شهد بذلك الكمل من الخلق و خلاصتهم . ( شهد الله أنه لا اله الا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم ان الدين عند الله الإسلام ) ( آل عمران : 18 ـ 19) .
وهو الدين الذي من اتصف به جمع الله له جمال الظاهر والباطن ، وكمال الأخلاق والأعمال . " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن " ( النساء : 125) . فلا أحسن ممن هو مخلص لله محسن الى عباد الله ، مخلص لله متبع لشريعة الله التي هي أحسن الشرائع وأعدل المناهج ، فانصبغ قلبه بالإخلاص والتوحيد ، واستقامة أخلاقه وأعماله على الهداية والتسديد . " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون " (البقرة : 138 ) .
وهو الدين الذي فتح أهله القائمون به المتصفون بإرشاداته وتعاليمه القلوب بالعلم والإيمان ، والأقطار بالعدل والرحمة والنصح لنوع الانسان .
وهو الدين الذي أصلح الله به العقائد والأخلاق ، وأصلح به الحياة الدنيا والآخرة ، وألف به القلوب المتشتتة ، والأهواء المتفرقة .
وهو الدين العظيم المحكم غاية الإحكام في أخباره كلها ، وفي أحكامه ، فما أخبر الا بالصدق والحق ، ولا حكم الا بالحق والعدل ، فلم يأت علم صحيح ينقض شيئا من أخباره ، ولا حكم أحسن من أحكامه ، أصوله وقواعده وأسسه تساير الزمان السابق واللاحق ، فحيثما طبقت المعاملات المتنوعة بين الأفراد والجماعات في كل زمان ومكان على أصوله تم بها القسط والعدل والرحمة والخير والإحسان ، لأنها تنزيل من حكيم حميد .
" كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " (هود : 1 ) . " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " ( فصلت : 42) . ( انا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ) ( الحجر : 9) . حافظون لألفاظه عن الزيادة والنقص والتغيير ، وحافظون لأحكامه عن الانحراف والنقص ، بل هي في أعلى ما يكون من العدل والاستقامة والتيسير .
وهو الدين العظيم الذي يهدي الى الحق والى طريق مستقيم ، الصدق شعاره ، والعدل مداره ، والحق قوامه ، والرحمة روحه وغايته ، والخير قرينه ، والصلاح والإصلاح جماله وأعماله ، والهدى والرشد زاده .
وهو الدين الذي جمع بين مطالب الروح والقلب والجسد ، أمر الله به المؤمنين بما أمر المرسلين ، بعبادته والعمل الصالح الذي يرضيه ، وبالأكل من الطيبات ، واستخراج ما سخر الله لعباده في هذه الحياة ، فدفع القائمين به حقيقة الى كل علو ورقي وتقدم صحيح ، من عرف شيئا من أوصاف هذا الدين عرف عظيم منة الله به على الخلق ، وأن من نبذه وقع في الباطل والضلال والخيبة والخسران ، لأن الأديان التي تخالفه ما بين خرافات ووثنيات ، وما بين الحاد وماديات ، تجعل قلوب أهلها وأعمالهم كالبهائم بل هم أضل سبيلا ، لأن الدين اذا ترحل من القلوب ترحلت الأخلاق الجميلة ، وحل محلها الأخلاق الرذيلة .
فهبطت بأهلها الى أسفل الدركات ، وصار أكبر همهم ومبلغ علمهم التمتع بعاجل الحياة . والحمد لله رب العالمين
المصدر: http://www.sahab.net/sahab/showthread.php?...threadid=296953 (http://www.sahab.net/sahab/showthread.php?threadid=296953)