عمر البلوي
09-16-2003, 12:12 AM
ما حكم كتابة ( صلي ) أو ( صلم) أو ( ص ) بعد ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وهي اختصار للصلاة عليه ؟
فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اختصار كتابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة غير مشروع، كما نص على ذلك أهل العلم قديماً وحديثاً، وممن نص على ذلك وفصله تفصيلاً جميلاً، ونقل فيه أقوال أهل العلم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى، وإليك نص ما كتبه في ذلك:
(الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، إلى جميع الثَّقَلَيْن بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أرسله بالهدى والرحمة ودين الحق، وسعادة الدنيا والآخرة، لمن آمن به وأحبه واتبع سبيله صلى الله عليه وسلم، ولقد بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فجزاه الله على ذلك خير الجزاء وأحسنه وأكمله.
وطاعته صلى الله عليه وسلم، وامتثال أمره، واجتناب نهيه من أهم فرائض الإسلام، وهي المقصود من رسالته، والشهادة له بالرسالة تقتضي محبته، واتباعه والصلاة عليه في كل مناسبة، وعند ذكره، لأنَّ في ذلك أداء لبعض حقه صلى الله عليه وسلم، وشكراً لله على نعمته علينا بإرساله صلى الله عليه وسلم.
وفي الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فوائد كثيرة منها:
- امتثال أمر الله سبحانه وتعالى، والموافقة له في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، والموافقة لملائكته أيضاً في ذلك، قال الله تعالى : { إن الله وملائكته يُصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلَّوا عليه وسلِّموا تسليماً }
- ومنها أيضا مضاعفة أجر المصلي عليه، ورجاء إجابة دعائه، وسبب لحصول البركة، ودوام محبته صلى الله عليه وسلم، وسبب هداية العبد وحياة قلبه، فكلما أكثر الصلاة عليه وذكره استولت محبته على قلبه، حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره، ولا شك في شيء مما جاء به.
كما أنه صلوات الله وسلامه عليه رغَّب في الصلاة عليه بأحاديث كثيرة ثبتت عنه، منها ما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً » .
وعنه رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم » .
وقال صلى الله عليه وسلم : « رغم أنفُ رجل ذُكرتُ عنده فلم يُصلِّ عليَّ ».
وبما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في الصلوات في التشهد، ومشروعة في الخُطب والأدعية، والاستغفار، وبعد الأذان، وعند دخول المسجد، والخروج منه، وعند ذكره، وفي مواضع أخرى، فهي تتأكد عند كتابة اسمه في كتاب، أو مؤلف، أو رسالة، أو مقال أو نحو ذلك، لما تقدم من الأدلة، والمشروع أن تكتب كاملة تحقيقاً لما أمرنا الله تعالى به، وليتذكره القارئ عند مروره عليها، ولا ينبغي عند الكتابة الاقتصار في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلمة (ص) أو (صلعم)، وما أشبهها من الرموز التي قد يستعملها بعض الكتبة والمؤلفين، لما في ذلك من مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله: { صلوا عليه وسلموا تسليماً }
مع أنه لا يتم بها المقصود، وتنعدم الأفضلية الموجودة في كتابة (صلى الله عليه وسلم) كاملة، وقد لا ينتبه لها القارئ، أو لا يفهم المراد بها، علماً بأن الرمز لها قد كرهه أهل العلم وحذَّروا منه.
فقد قال ابن الصلاح في كتابه (علوم الحديث) المعروف بمقدمة ابن الصلاح، في النوع الخامس والعشرين من كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده، قال ما نصه:
(التاسع: أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره، فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك فقد حُرٍم حظاً عظيماً. وقد رأينا لأهل ذلك منامات صالحة، وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه، فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية، ولا يقتصر فيه على ما في الأصل.
وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه عند ذكر اسمه، نحو عز وجل، وتبارك وتعالى، وما ضاهى ذلك... إلى أن قال: ثم ليتجنب في إثباتها نقصين:
أحدهما: أن يكتبها منقوصة صورة رامزاً إليها بحرفين، أو نحو ذلك.
الثاني: أن يكتبها منقوصة معنى بألا يكتب وسلم، وروي عن حمزة الكناني رحمه الله تعالى أنه يقول: كنت أكتب الحديث، وكنت أكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه، ولا أكتب وسلم، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: مالك لا تتم الصلاة علي؟ قال: فما كتبت بعد ذلك صلى الله عليه إلا كتبت وسلم... إلى أن قال ابن الصلاح: قلت: ويكره أيضاً الاقتصار على قوله (عليه السلام) والله أعلم). انتهى المقصود من كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ ملخصاً.
وقال العلامة السخاوي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (فتح المغيث في شرح ألفية الحديث) للعراقي ما نصه: ( واجتنب أيها الكاتب (الرمز لها) أي الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطك، بأن تقتصر منها على حرفين، ونحو ذلك، فتكون منقوصة صورة كما يفعله (الكسائي)، والجهلة من أبناء العجم غالباً، وعوام الطلبة، فيكتبون بدلاً من صلى الله عليه وسلم (ص) أو (صم) أو (صلعم)، فذلك لما فيه من نقص الأجر لنقص الكتاب خلاف الأولى).
وقال السيوطي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي):
( ويكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم هنا، وفي كل موضع شرعت في الصلاة، كما في شرح مسلم وغيره لقوله تعالى : { صلوا عليه وسلموا تسليماً } ... إلى أن قال: ويكره الرمز إليها في الكتابة بحرف أو حرفين، كمن يكتب (صلعم) بل يكتبهما بكمالهما). انتهى المقصود من كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ ملخصاً.
هذا ووصيتي لكل مسلم وقارئ وكاتب، أن يلتمس الأفضل، ويبحث عما فيه زيادة أجره وثوابه، ويبتعد عما يبطله أو ينقصه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً إلى ما فيه رضاه، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه).
انتهى كلام الشيخ ابن باز رحمه الله . والله أعلم
قال الأستاذ عبد القادر المغربي :- (( وقد لاحظت في مخطوطة - الثقلاء - أمورا تدل على قدم المخطوطة واتصالها بالأولين من علمائنا . من ذلك جملة - صلى الله عليه وسلم - ، التي تذكر عقب اسم سيدنا ! الرسول ، لا تكتب في المخطوطة إلا مرموزا إليها بحروف أربعة : الصاد من صلى ، واللام من الله ، والياء من عليه ، والواو من وسلم ، هكذا - صليو - ، لا بكلمة - صلعم- كما نفعل نحن اليوم . وقد رأيت في - رسائل إخوان الصفا - رمزا للتصلية ! بحروف ثلاث فقط ، وهي : - صلع - ، متصلة بدون ميم ، أما - صلعم - فيظهر أنها اخترعت في حدود التسعمائة للهجرة . جاء في شرح ألفية العراقي في مصطلح الحديث عند قول الناظم : - واجتنب الرمز لها والحذفا - ، أي اجتنب الرمز للتصلية ! النبوية وحذف حرف من حروفها وإنما ائت بها في النطق والكتابة كلها . ثم ذكر شرحها الشيخ زكريا الأنصاري أن الشيخ النووي نقل إجماع من يعتد بهم على سنية الصلاة على النبي نطقا وكتابة . إذا لا يكون من السنة أن يرمز إليها بحرف ما .
ثم ذكر الشيخ الأنصاري أن الكاتب الذي كان أول من رمز للتصلية ! بحروف - صلعم - قطعت يده والعياذ بالله تعالى ، ولا يخفى أن الشيخ زكريا الأنصاري توفي في القرن العاشر للهجرة 926 هـ )) . انتهى كلام الأستاذ عبد القادر المغربي .
وفي كتاب - التذكرة التيمورية - ص 229 ما نصه : -(( كلمة - صلعم - لا تجوز ، بل الواجب التصلية ! والتسليم … ، وهذا يدل على أن هذا الاختصار أو النحت الممقوت من زمن ابن حجر )) . انتهى . وابن حجر الهيتمي توفي سنة 974 هـ .
وقد أشار إلى المنع من هذا من قبل - الفيروز آبادي في كتابه - الصلات والبُشر - فقال : - (( ولا ينبغي أن ترمز الصلاة كما يفعله بعض الكسالى والجهلة وعوام الطلبة ، فيكتبون صورة - صلعم - بدلا من - صلى الله عليه وسلم - )) . انتهى .
وقال العلامة أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - عن هذه الرموز والألفاظ المبتدعة ، قال عنها : (( اصطلاح سخيف )) . انتهى .
وقال علامة القصيم فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين في - أسئلة وأجوبة عن ألفاظ ومفاهيم في ميزان الشريعة - : (( من آداب كتابة الحديث كما نص عليه علماء المصطلح أن لا يرمز إلى هذه الجملة بكلمة - ص - ، وكذلك لا يعبر عنها بالنحت مثل - صلعم - ، ولا ريب أن الرمز أو النحت يفوت الإنسان أجر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه إذا كتبها ثم قرأ الكتاب من بعده ، وتلا القاريء هذه الجملة صار للكاتب الأول مثل ثواب من قرأها ، ولا يخفى علينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فيما ثبت عنه أن من صلى عليه - صلى الله عليه وسلم - ، مرة واحدة صلى الله عليه عشرا ، فلا ينبغي للمؤمن أن يحرم نفسه الثواب والأجر لمجرد أن يُسرع في إنهاء ما كتبه )) . انتهى .
وقرّر من قبل العلامة صدّيق حسن خان ، ما قرره الشيخ محمد الصالح العثيمين - حفظه الله - أن الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر ، وكتابة هذه الصلوات بعد ذكره في الكتاب صلى الله عليه وسلم ، من أعظم الأسباب والقرب في رفعة درجات العبد عند الله سبحانه وتعالى . ولا يخفى أن المحدثين هم أوفر الناس نصيبا من هذا الفضل العظيم .
يقول العلامة صدّيق حسن خان - رحمه الله - في كتابه - نـزل الأبرار بالعلم المأثور من الأدعية والأذكار - ، بعد أن ساق أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والإكثار منها ، قال في ص 161 ما نصه :
(( لا شك أن أكثر المسلمين صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، هم أهل الحديث ورواة السنة المطهرة ، فإن من وظائفهم في هذا العلم الشريف التصلية ! عليه أمام كل حديث ، ولا يزال لسانهم رطبا بذكره صلى الله عليه وسلم ، وليس كتاب من كتب السنة ، ولا ديوان من دواوين الحديث ، على اختلاف أنواعها ، من الجوامع و المسانيد و المعاجم و الأجزاء وغيرها ، إلا وقد اشتمل على آلاف الأحاديث ، حتى إن أخصرها حجما كتاب - الجامع الصغير - للسيوطي فيه عشرة آلاف حديث ، وقس على ذلك سائر الصحف النبوية ، فهذه العصابة الناجية والجماعة الحديثية أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، وأسعدهم بشفاعته صلى الله عليه وسلم ، - بأبي هو وأمي - ولا يساويهم في هذه الفضيلة أحد من الناس إلا من جاء بأفضل مما جاؤوا به ، ودونه خرط القتاد ، فعليك يا باغي الخير وطالب النجاة بلا ضير ، أن تكون محدّثا أو متطفلا على المحدثين ، وإلا فلا تكن … فليس فيما سوى ذلك عائدة تعود إليك )) . انتهى كلامه عليه رحمة الله .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويسددنا بأقوالنا وأعمالنا لما يحبه ويرضاه ويقبله ، وألا نكون ممن يبخس حق نبيه صلى الله عليه وسلم ، فيستكثر كتابة الصلاة عليه كاملة ويرمز لها بتلك الطلاسم السخيفة ، كما أسأله سبحانه وتعالى أن لا نكون ممن قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم : البخيل من ذكرت عنده فلم يصلي علي . فصلوات ربي وسلامه على نبينا ورحمة الله وبركاته .
اللهم صل على محمد ، وعلى أهل بيته ، وعلى أزواجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد ، وعلى أهل بيته ، وعلى أزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المصدر
http://www.sahab.net/sahab/showthread.php?...threadid=296866 (http://www.sahab.net/sahab/showthread.php?threadid=296866)
فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اختصار كتابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة غير مشروع، كما نص على ذلك أهل العلم قديماً وحديثاً، وممن نص على ذلك وفصله تفصيلاً جميلاً، ونقل فيه أقوال أهل العلم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى، وإليك نص ما كتبه في ذلك:
(الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، إلى جميع الثَّقَلَيْن بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أرسله بالهدى والرحمة ودين الحق، وسعادة الدنيا والآخرة، لمن آمن به وأحبه واتبع سبيله صلى الله عليه وسلم، ولقد بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فجزاه الله على ذلك خير الجزاء وأحسنه وأكمله.
وطاعته صلى الله عليه وسلم، وامتثال أمره، واجتناب نهيه من أهم فرائض الإسلام، وهي المقصود من رسالته، والشهادة له بالرسالة تقتضي محبته، واتباعه والصلاة عليه في كل مناسبة، وعند ذكره، لأنَّ في ذلك أداء لبعض حقه صلى الله عليه وسلم، وشكراً لله على نعمته علينا بإرساله صلى الله عليه وسلم.
وفي الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فوائد كثيرة منها:
- امتثال أمر الله سبحانه وتعالى، والموافقة له في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، والموافقة لملائكته أيضاً في ذلك، قال الله تعالى : { إن الله وملائكته يُصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلَّوا عليه وسلِّموا تسليماً }
- ومنها أيضا مضاعفة أجر المصلي عليه، ورجاء إجابة دعائه، وسبب لحصول البركة، ودوام محبته صلى الله عليه وسلم، وسبب هداية العبد وحياة قلبه، فكلما أكثر الصلاة عليه وذكره استولت محبته على قلبه، حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره، ولا شك في شيء مما جاء به.
كما أنه صلوات الله وسلامه عليه رغَّب في الصلاة عليه بأحاديث كثيرة ثبتت عنه، منها ما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً » .
وعنه رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم » .
وقال صلى الله عليه وسلم : « رغم أنفُ رجل ذُكرتُ عنده فلم يُصلِّ عليَّ ».
وبما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في الصلوات في التشهد، ومشروعة في الخُطب والأدعية، والاستغفار، وبعد الأذان، وعند دخول المسجد، والخروج منه، وعند ذكره، وفي مواضع أخرى، فهي تتأكد عند كتابة اسمه في كتاب، أو مؤلف، أو رسالة، أو مقال أو نحو ذلك، لما تقدم من الأدلة، والمشروع أن تكتب كاملة تحقيقاً لما أمرنا الله تعالى به، وليتذكره القارئ عند مروره عليها، ولا ينبغي عند الكتابة الاقتصار في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلمة (ص) أو (صلعم)، وما أشبهها من الرموز التي قد يستعملها بعض الكتبة والمؤلفين، لما في ذلك من مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله: { صلوا عليه وسلموا تسليماً }
مع أنه لا يتم بها المقصود، وتنعدم الأفضلية الموجودة في كتابة (صلى الله عليه وسلم) كاملة، وقد لا ينتبه لها القارئ، أو لا يفهم المراد بها، علماً بأن الرمز لها قد كرهه أهل العلم وحذَّروا منه.
فقد قال ابن الصلاح في كتابه (علوم الحديث) المعروف بمقدمة ابن الصلاح، في النوع الخامس والعشرين من كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده، قال ما نصه:
(التاسع: أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره، فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك فقد حُرٍم حظاً عظيماً. وقد رأينا لأهل ذلك منامات صالحة، وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه، فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية، ولا يقتصر فيه على ما في الأصل.
وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه عند ذكر اسمه، نحو عز وجل، وتبارك وتعالى، وما ضاهى ذلك... إلى أن قال: ثم ليتجنب في إثباتها نقصين:
أحدهما: أن يكتبها منقوصة صورة رامزاً إليها بحرفين، أو نحو ذلك.
الثاني: أن يكتبها منقوصة معنى بألا يكتب وسلم، وروي عن حمزة الكناني رحمه الله تعالى أنه يقول: كنت أكتب الحديث، وكنت أكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه، ولا أكتب وسلم، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: مالك لا تتم الصلاة علي؟ قال: فما كتبت بعد ذلك صلى الله عليه إلا كتبت وسلم... إلى أن قال ابن الصلاح: قلت: ويكره أيضاً الاقتصار على قوله (عليه السلام) والله أعلم). انتهى المقصود من كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ ملخصاً.
وقال العلامة السخاوي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (فتح المغيث في شرح ألفية الحديث) للعراقي ما نصه: ( واجتنب أيها الكاتب (الرمز لها) أي الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطك، بأن تقتصر منها على حرفين، ونحو ذلك، فتكون منقوصة صورة كما يفعله (الكسائي)، والجهلة من أبناء العجم غالباً، وعوام الطلبة، فيكتبون بدلاً من صلى الله عليه وسلم (ص) أو (صم) أو (صلعم)، فذلك لما فيه من نقص الأجر لنقص الكتاب خلاف الأولى).
وقال السيوطي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي):
( ويكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم هنا، وفي كل موضع شرعت في الصلاة، كما في شرح مسلم وغيره لقوله تعالى : { صلوا عليه وسلموا تسليماً } ... إلى أن قال: ويكره الرمز إليها في الكتابة بحرف أو حرفين، كمن يكتب (صلعم) بل يكتبهما بكمالهما). انتهى المقصود من كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ ملخصاً.
هذا ووصيتي لكل مسلم وقارئ وكاتب، أن يلتمس الأفضل، ويبحث عما فيه زيادة أجره وثوابه، ويبتعد عما يبطله أو ينقصه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً إلى ما فيه رضاه، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه).
انتهى كلام الشيخ ابن باز رحمه الله . والله أعلم
قال الأستاذ عبد القادر المغربي :- (( وقد لاحظت في مخطوطة - الثقلاء - أمورا تدل على قدم المخطوطة واتصالها بالأولين من علمائنا . من ذلك جملة - صلى الله عليه وسلم - ، التي تذكر عقب اسم سيدنا ! الرسول ، لا تكتب في المخطوطة إلا مرموزا إليها بحروف أربعة : الصاد من صلى ، واللام من الله ، والياء من عليه ، والواو من وسلم ، هكذا - صليو - ، لا بكلمة - صلعم- كما نفعل نحن اليوم . وقد رأيت في - رسائل إخوان الصفا - رمزا للتصلية ! بحروف ثلاث فقط ، وهي : - صلع - ، متصلة بدون ميم ، أما - صلعم - فيظهر أنها اخترعت في حدود التسعمائة للهجرة . جاء في شرح ألفية العراقي في مصطلح الحديث عند قول الناظم : - واجتنب الرمز لها والحذفا - ، أي اجتنب الرمز للتصلية ! النبوية وحذف حرف من حروفها وإنما ائت بها في النطق والكتابة كلها . ثم ذكر شرحها الشيخ زكريا الأنصاري أن الشيخ النووي نقل إجماع من يعتد بهم على سنية الصلاة على النبي نطقا وكتابة . إذا لا يكون من السنة أن يرمز إليها بحرف ما .
ثم ذكر الشيخ الأنصاري أن الكاتب الذي كان أول من رمز للتصلية ! بحروف - صلعم - قطعت يده والعياذ بالله تعالى ، ولا يخفى أن الشيخ زكريا الأنصاري توفي في القرن العاشر للهجرة 926 هـ )) . انتهى كلام الأستاذ عبد القادر المغربي .
وفي كتاب - التذكرة التيمورية - ص 229 ما نصه : -(( كلمة - صلعم - لا تجوز ، بل الواجب التصلية ! والتسليم … ، وهذا يدل على أن هذا الاختصار أو النحت الممقوت من زمن ابن حجر )) . انتهى . وابن حجر الهيتمي توفي سنة 974 هـ .
وقد أشار إلى المنع من هذا من قبل - الفيروز آبادي في كتابه - الصلات والبُشر - فقال : - (( ولا ينبغي أن ترمز الصلاة كما يفعله بعض الكسالى والجهلة وعوام الطلبة ، فيكتبون صورة - صلعم - بدلا من - صلى الله عليه وسلم - )) . انتهى .
وقال العلامة أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - عن هذه الرموز والألفاظ المبتدعة ، قال عنها : (( اصطلاح سخيف )) . انتهى .
وقال علامة القصيم فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين في - أسئلة وأجوبة عن ألفاظ ومفاهيم في ميزان الشريعة - : (( من آداب كتابة الحديث كما نص عليه علماء المصطلح أن لا يرمز إلى هذه الجملة بكلمة - ص - ، وكذلك لا يعبر عنها بالنحت مثل - صلعم - ، ولا ريب أن الرمز أو النحت يفوت الإنسان أجر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه إذا كتبها ثم قرأ الكتاب من بعده ، وتلا القاريء هذه الجملة صار للكاتب الأول مثل ثواب من قرأها ، ولا يخفى علينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فيما ثبت عنه أن من صلى عليه - صلى الله عليه وسلم - ، مرة واحدة صلى الله عليه عشرا ، فلا ينبغي للمؤمن أن يحرم نفسه الثواب والأجر لمجرد أن يُسرع في إنهاء ما كتبه )) . انتهى .
وقرّر من قبل العلامة صدّيق حسن خان ، ما قرره الشيخ محمد الصالح العثيمين - حفظه الله - أن الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر ، وكتابة هذه الصلوات بعد ذكره في الكتاب صلى الله عليه وسلم ، من أعظم الأسباب والقرب في رفعة درجات العبد عند الله سبحانه وتعالى . ولا يخفى أن المحدثين هم أوفر الناس نصيبا من هذا الفضل العظيم .
يقول العلامة صدّيق حسن خان - رحمه الله - في كتابه - نـزل الأبرار بالعلم المأثور من الأدعية والأذكار - ، بعد أن ساق أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والإكثار منها ، قال في ص 161 ما نصه :
(( لا شك أن أكثر المسلمين صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، هم أهل الحديث ورواة السنة المطهرة ، فإن من وظائفهم في هذا العلم الشريف التصلية ! عليه أمام كل حديث ، ولا يزال لسانهم رطبا بذكره صلى الله عليه وسلم ، وليس كتاب من كتب السنة ، ولا ديوان من دواوين الحديث ، على اختلاف أنواعها ، من الجوامع و المسانيد و المعاجم و الأجزاء وغيرها ، إلا وقد اشتمل على آلاف الأحاديث ، حتى إن أخصرها حجما كتاب - الجامع الصغير - للسيوطي فيه عشرة آلاف حديث ، وقس على ذلك سائر الصحف النبوية ، فهذه العصابة الناجية والجماعة الحديثية أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، وأسعدهم بشفاعته صلى الله عليه وسلم ، - بأبي هو وأمي - ولا يساويهم في هذه الفضيلة أحد من الناس إلا من جاء بأفضل مما جاؤوا به ، ودونه خرط القتاد ، فعليك يا باغي الخير وطالب النجاة بلا ضير ، أن تكون محدّثا أو متطفلا على المحدثين ، وإلا فلا تكن … فليس فيما سوى ذلك عائدة تعود إليك )) . انتهى كلامه عليه رحمة الله .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويسددنا بأقوالنا وأعمالنا لما يحبه ويرضاه ويقبله ، وألا نكون ممن يبخس حق نبيه صلى الله عليه وسلم ، فيستكثر كتابة الصلاة عليه كاملة ويرمز لها بتلك الطلاسم السخيفة ، كما أسأله سبحانه وتعالى أن لا نكون ممن قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم : البخيل من ذكرت عنده فلم يصلي علي . فصلوات ربي وسلامه على نبينا ورحمة الله وبركاته .
اللهم صل على محمد ، وعلى أهل بيته ، وعلى أزواجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد ، وعلى أهل بيته ، وعلى أزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المصدر
http://www.sahab.net/sahab/showthread.php?...threadid=296866 (http://www.sahab.net/sahab/showthread.php?threadid=296866)