أحمد بن حمودالعرادي
08-15-2006, 06:16 PM
حدثني أحد إخوانها بخبرها لقد ماتت رحمةُ الله عليها ، قبل مُدة ليست
بالطويلة ، فهي مَدْرَسَةٌ في الأخلاق العالية ، يُحبها الصغير والكبير
، كما قال عنها أهلها وزوجها ، في المناسبات يجتمع عليها الصغار
والكبار ، تتَّصل على القريب والبعيد وتسأل عن الأحوال ولا تترك
الهدايا للأقارب ، هي امرأةٌ زاهدة ، ثيابها قليلة وَرَثَّة ، أُصيبت
هذه المرأة بمرض السرطان ، نسأل الله عز وجل أن يجعلها في الفردوس
الأعلى ، مِن صبرها وثباتها بقيت سنةً ونصف لم تُخبر أحداً إلا زوجها ،
وأخذت عليه العهد والميثاق والأيمان المُغلظة ألاَّ يُخبر أحداً ، ومِن
صبرها وثباتها ــ رحمةُ الله عليها ــ أنها لا تُظهر لأحدٍ شيئاً من
التعب والمرض ، فلم يعلم بها حتى أولادها وابنتها الكبيرة التي تخرج
معها إذا خَرَجَتْ ، إذا جاءها أحدُ محارمها أو أحدُ إخوانها أو ضيوفها
مِن النساء ، فإنها تستعد وتلبس الملابس وتُظهر بأنها طبيعية ...
وكان أحدُ إخوانها أَحَسَّ بأنها مريضة وفيها شيء ، فقد انتفخ بطنُها
وظَهَرت عليها علامات المرض ولمّا أَلَحُّوا عليها إلحاحاً عظيما ،
أخبرتهم بشرط أن لا تذهب إلى المستشفى ، تُريد الاكتفاء بالقرآن والعسل
وماء زمزم ، ولمّا أَلَحُّوا عليها وأخبروها بأن هذا الأمر والعلاج
والدواء لا يُنافي التوكل ، وافَقَتْ وشَرَطَتْ أن تذهب إلى مكة
المكرمة للعمرة قبل أن تذهب للمستشفى ، ثم ذَهبت في الصيف الماضي مع
أهلها وبَقيتْ قُرابة الأسبوعين ، ولمّا رجعتْ من العمرة وذهبت إلى
الطبيب ، شَرَطَتْ ألاَّ يدخل عليها أحدٌ سِوى الطبيب وزوجها ، وكانت
مُتحجبة ومُغطيةً لوجهها ولابِسةً القُفَازَينْ ، ولم تكشف إلا موضع
الألم المحدد في جزءٍ من البطن حتى لا يُرى شيئاً آخر منها ، فرأى هذا
الطبيب وتَعَجب واستغرب من وضعها ومن صبرها ، فرأى أن الماء السام بسبب
الورم في بطنها وصل إلى ثلاثةَ عشر لِتراً ، وكان من بُغضها للمستشفى
تقول لأحد إخوانها وفَّقَهُ الله ، وهو الذي اهتم بها ويُراعيها في آخر
وقتها تقول له : إنِّي أُبغضُ الشارع الذي فيه المستشفى ...
لأنها لا تُريد الذهاب إلى الرجال ولا الخروج من البيت ، تَحَسَنَتْ
أحوالها في رمضان الماضي ، ثم عرض عليها أخوها الحج فلم تُوافق وحصل
لها شيءٌ من التردد ، لأنها إذا قامت يحصل لها تعبٌ أو إعياء أو دوار ،
ولا تستطيع أن تنهض واقِفَة واستبعدت الحج ، ولمّا أَصَرَّ عليها وافقت
، حجَّ بها أخوها فيقول : قد حججتُ كثيراً مع الشباب وجرَّبتُ عدة
رحلات وسفرات مع الشباب لكن يقول : والله ما رأيت أسهل من هذه الحجة مع
هذه المرأة المريضة ، والنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول : " إنَّما
تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم " ، يقول هذا الأخ : وقد يَسّرَ الله عز وجل
لنا أشخاصاً لخدمتنا بدون سبب ، سواءً في الرَّمِي أو في الممرات أو في
النزول من درج الجمرات ، ويقول أخوها : كان بعض عُمَّال النظافة حول
الجمرات قد وضعوا حِبالاً لتنضيف ما حول الجمرات ، يقول لمّا قَدِمْنَا
لرمي الجمرة لم نستطع أن نَقْرُب فنادانا أحد العَسَاكِرْ فقال :
أُدْخُلُوا من تحت هذا الحبل ، بدون أي سبب ، وحصل لهم هذا الأمر في
الدور الثاني في اليوم الثاني ...
ولمّا أرادوا النزول ناداهم أحد العَسَاكِر ، بدون أي سبب ، ولا يظهر
على المرأة أي علامة من علامات التعب أو المرض ، يقول أخوها وكل
المناسك قد يُسِّرَتْ لنا ، وكانت هذه المرأة تهتم بالدعوة ،
فَقَلَّمَا تذهبُ إلى مجلسٍ إلاَّ وتُذكرُ بالله عز وجل ، أو تدعوا إلى
الله تعالى ، أو تُعَلِّم أو تُخْرِجُ كتاباً من شنطتها وتقرأ أو تأمر
إحدى النساء بالقراءة وهي التي تشرح ، قد كَفِلَتْ يتيماً على حسابها ،
ولا تذهب إلى قصور الأفراح ، وهي قليلة الاختلاط بالنساء ، إنْ اجتمعت
مع النساء لا تحضر إلاَّ للعلم أو الدعوة إلى الله عز وجل ، وليس عندها
ذهبٌ فقد باعته كله قبل مرضها ، كانت تُرَكِزُ على البرامج الدعوية ،
وما زال الكلام لأخيها ، وهي تُرَكِز على الخادمات بالأخَّصْ ،
وتُعلِمُهُن وتُعطيهن بعض السور للحفظ ، كانت مُنذُ فترةٍ طويلة تتواصل
مع أخيها على قيام الليل ، فالذي يقوم الأول هو الذي يتصل على الآخر
قبل الفجر بنصف ساعة ، ثم بدأت أُمُّهُمْ حفظها الله وصبَّرها وثبَّتها
معهم ، مع هذه المرأة المريضة وأخيها البَّارْ ...
ثم بدأت هذه المرأة تتواصى مع نساء الجيران ، وفي شِدَةِ مرضها في
سَكَراتِ الموت ، لمّا كانت في المستشفى قبل وفاتها وفي أثناءِ المرض
ما تَذَمَرتْ ولا تَأَفَفَتْ ولا جَزِعتْ ، بل كانت صابرةً
مُحْتَسِبَةْ ، يقول أخوها : أشدُّ ما سَمِعْتُ منها من الكلمات قالت :
يا ربِّ فرِّج عنِّي ، وكانت في أثناء السَكَراتْ يقرأ عليها أحدُ
الدُعاة ، فماتت وهو يقرأ عليها رَحِمها الله ، أمَّا بالنسبةِ للتغسيل
: لمّا أُحضرتْ لمغسلة الأموات يقول أخوها : قد أَصَرَّ الصغار و
الكبار حتى الأطفال من العائلة يُلاحظون التغسيل ، فحضروا جميعاً في
مغسلة الأموات وصَلّوا عليها ، أمَّا أخوها الذي كان يُلازمها فقال :
لقد رأيتُها لمّا أُخرِجَتْ من الثلاجة قد تغير الشُحُوب الذي كان فيها
والتعب انقلبَ إلى نورٍ و بَياضْ ...
وكانت هذه المرأة الصابرة المُحتسبة ــ رَحِمَهَا الله ــ رَأَتْ رُؤيا
قبل وفاتها بشهرٍ ونصف ، كأنها جاءت لِدارٍ تُريدُ أن تدخُلها ،
فَسَمِعَتْ رجال يقولون عند الدار ليسَ هذا بيتُك اذهبي إلى بيتٍ آخر ،
ثم رَأَتْ قصراً أعلى من الأول وله دَرَجٌ رفيع أو سلالم رفيعة ، فلمّا
أرادت أن تصعد ناداها رجُلان من أعلى القصر ، وهذا كله في الرؤيا ، وهي
التي قَصَّتْ الرؤيا على من حولها ، وكان في أعلى القصر رجُلان عرضا
عليها المُساعدة لِتصعد الدرج ، فَتَحَمَّلَتْ وتَصَبَّرتْ ثم صعدتْ
بِنَفْسِها بعدَ تعبْ ، تقول : لمّا صَعَدتُ إلى القصر أَحْسَـسَتُ
براحةٍ وسعادة وسُرور حتى وهي في المنام ، ثم قالت لِمَنْ حولها : لا
تُفَسِّروا هذه الرؤيا ، فأنا إن شاء الله عز وجل أَسْتَبْشِرُ بِخير .
فَرَحْمَةُ الله عليها ، وجَمَعَها وأهلها في الفردوسِ الأعلى .
((مواقف مؤثرة من حياة الصالحات)) عبدالسلام العييري
بالطويلة ، فهي مَدْرَسَةٌ في الأخلاق العالية ، يُحبها الصغير والكبير
، كما قال عنها أهلها وزوجها ، في المناسبات يجتمع عليها الصغار
والكبار ، تتَّصل على القريب والبعيد وتسأل عن الأحوال ولا تترك
الهدايا للأقارب ، هي امرأةٌ زاهدة ، ثيابها قليلة وَرَثَّة ، أُصيبت
هذه المرأة بمرض السرطان ، نسأل الله عز وجل أن يجعلها في الفردوس
الأعلى ، مِن صبرها وثباتها بقيت سنةً ونصف لم تُخبر أحداً إلا زوجها ،
وأخذت عليه العهد والميثاق والأيمان المُغلظة ألاَّ يُخبر أحداً ، ومِن
صبرها وثباتها ــ رحمةُ الله عليها ــ أنها لا تُظهر لأحدٍ شيئاً من
التعب والمرض ، فلم يعلم بها حتى أولادها وابنتها الكبيرة التي تخرج
معها إذا خَرَجَتْ ، إذا جاءها أحدُ محارمها أو أحدُ إخوانها أو ضيوفها
مِن النساء ، فإنها تستعد وتلبس الملابس وتُظهر بأنها طبيعية ...
وكان أحدُ إخوانها أَحَسَّ بأنها مريضة وفيها شيء ، فقد انتفخ بطنُها
وظَهَرت عليها علامات المرض ولمّا أَلَحُّوا عليها إلحاحاً عظيما ،
أخبرتهم بشرط أن لا تذهب إلى المستشفى ، تُريد الاكتفاء بالقرآن والعسل
وماء زمزم ، ولمّا أَلَحُّوا عليها وأخبروها بأن هذا الأمر والعلاج
والدواء لا يُنافي التوكل ، وافَقَتْ وشَرَطَتْ أن تذهب إلى مكة
المكرمة للعمرة قبل أن تذهب للمستشفى ، ثم ذَهبت في الصيف الماضي مع
أهلها وبَقيتْ قُرابة الأسبوعين ، ولمّا رجعتْ من العمرة وذهبت إلى
الطبيب ، شَرَطَتْ ألاَّ يدخل عليها أحدٌ سِوى الطبيب وزوجها ، وكانت
مُتحجبة ومُغطيةً لوجهها ولابِسةً القُفَازَينْ ، ولم تكشف إلا موضع
الألم المحدد في جزءٍ من البطن حتى لا يُرى شيئاً آخر منها ، فرأى هذا
الطبيب وتَعَجب واستغرب من وضعها ومن صبرها ، فرأى أن الماء السام بسبب
الورم في بطنها وصل إلى ثلاثةَ عشر لِتراً ، وكان من بُغضها للمستشفى
تقول لأحد إخوانها وفَّقَهُ الله ، وهو الذي اهتم بها ويُراعيها في آخر
وقتها تقول له : إنِّي أُبغضُ الشارع الذي فيه المستشفى ...
لأنها لا تُريد الذهاب إلى الرجال ولا الخروج من البيت ، تَحَسَنَتْ
أحوالها في رمضان الماضي ، ثم عرض عليها أخوها الحج فلم تُوافق وحصل
لها شيءٌ من التردد ، لأنها إذا قامت يحصل لها تعبٌ أو إعياء أو دوار ،
ولا تستطيع أن تنهض واقِفَة واستبعدت الحج ، ولمّا أَصَرَّ عليها وافقت
، حجَّ بها أخوها فيقول : قد حججتُ كثيراً مع الشباب وجرَّبتُ عدة
رحلات وسفرات مع الشباب لكن يقول : والله ما رأيت أسهل من هذه الحجة مع
هذه المرأة المريضة ، والنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول : " إنَّما
تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم " ، يقول هذا الأخ : وقد يَسّرَ الله عز وجل
لنا أشخاصاً لخدمتنا بدون سبب ، سواءً في الرَّمِي أو في الممرات أو في
النزول من درج الجمرات ، ويقول أخوها : كان بعض عُمَّال النظافة حول
الجمرات قد وضعوا حِبالاً لتنضيف ما حول الجمرات ، يقول لمّا قَدِمْنَا
لرمي الجمرة لم نستطع أن نَقْرُب فنادانا أحد العَسَاكِرْ فقال :
أُدْخُلُوا من تحت هذا الحبل ، بدون أي سبب ، وحصل لهم هذا الأمر في
الدور الثاني في اليوم الثاني ...
ولمّا أرادوا النزول ناداهم أحد العَسَاكِر ، بدون أي سبب ، ولا يظهر
على المرأة أي علامة من علامات التعب أو المرض ، يقول أخوها وكل
المناسك قد يُسِّرَتْ لنا ، وكانت هذه المرأة تهتم بالدعوة ،
فَقَلَّمَا تذهبُ إلى مجلسٍ إلاَّ وتُذكرُ بالله عز وجل ، أو تدعوا إلى
الله تعالى ، أو تُعَلِّم أو تُخْرِجُ كتاباً من شنطتها وتقرأ أو تأمر
إحدى النساء بالقراءة وهي التي تشرح ، قد كَفِلَتْ يتيماً على حسابها ،
ولا تذهب إلى قصور الأفراح ، وهي قليلة الاختلاط بالنساء ، إنْ اجتمعت
مع النساء لا تحضر إلاَّ للعلم أو الدعوة إلى الله عز وجل ، وليس عندها
ذهبٌ فقد باعته كله قبل مرضها ، كانت تُرَكِزُ على البرامج الدعوية ،
وما زال الكلام لأخيها ، وهي تُرَكِز على الخادمات بالأخَّصْ ،
وتُعلِمُهُن وتُعطيهن بعض السور للحفظ ، كانت مُنذُ فترةٍ طويلة تتواصل
مع أخيها على قيام الليل ، فالذي يقوم الأول هو الذي يتصل على الآخر
قبل الفجر بنصف ساعة ، ثم بدأت أُمُّهُمْ حفظها الله وصبَّرها وثبَّتها
معهم ، مع هذه المرأة المريضة وأخيها البَّارْ ...
ثم بدأت هذه المرأة تتواصى مع نساء الجيران ، وفي شِدَةِ مرضها في
سَكَراتِ الموت ، لمّا كانت في المستشفى قبل وفاتها وفي أثناءِ المرض
ما تَذَمَرتْ ولا تَأَفَفَتْ ولا جَزِعتْ ، بل كانت صابرةً
مُحْتَسِبَةْ ، يقول أخوها : أشدُّ ما سَمِعْتُ منها من الكلمات قالت :
يا ربِّ فرِّج عنِّي ، وكانت في أثناء السَكَراتْ يقرأ عليها أحدُ
الدُعاة ، فماتت وهو يقرأ عليها رَحِمها الله ، أمَّا بالنسبةِ للتغسيل
: لمّا أُحضرتْ لمغسلة الأموات يقول أخوها : قد أَصَرَّ الصغار و
الكبار حتى الأطفال من العائلة يُلاحظون التغسيل ، فحضروا جميعاً في
مغسلة الأموات وصَلّوا عليها ، أمَّا أخوها الذي كان يُلازمها فقال :
لقد رأيتُها لمّا أُخرِجَتْ من الثلاجة قد تغير الشُحُوب الذي كان فيها
والتعب انقلبَ إلى نورٍ و بَياضْ ...
وكانت هذه المرأة الصابرة المُحتسبة ــ رَحِمَهَا الله ــ رَأَتْ رُؤيا
قبل وفاتها بشهرٍ ونصف ، كأنها جاءت لِدارٍ تُريدُ أن تدخُلها ،
فَسَمِعَتْ رجال يقولون عند الدار ليسَ هذا بيتُك اذهبي إلى بيتٍ آخر ،
ثم رَأَتْ قصراً أعلى من الأول وله دَرَجٌ رفيع أو سلالم رفيعة ، فلمّا
أرادت أن تصعد ناداها رجُلان من أعلى القصر ، وهذا كله في الرؤيا ، وهي
التي قَصَّتْ الرؤيا على من حولها ، وكان في أعلى القصر رجُلان عرضا
عليها المُساعدة لِتصعد الدرج ، فَتَحَمَّلَتْ وتَصَبَّرتْ ثم صعدتْ
بِنَفْسِها بعدَ تعبْ ، تقول : لمّا صَعَدتُ إلى القصر أَحْسَـسَتُ
براحةٍ وسعادة وسُرور حتى وهي في المنام ، ثم قالت لِمَنْ حولها : لا
تُفَسِّروا هذه الرؤيا ، فأنا إن شاء الله عز وجل أَسْتَبْشِرُ بِخير .
فَرَحْمَةُ الله عليها ، وجَمَعَها وأهلها في الفردوسِ الأعلى .
((مواقف مؤثرة من حياة الصالحات)) عبدالسلام العييري