نواف النجيدي
09-07-2006, 01:25 AM
هند بنت عتبة
المقدمــة:
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وبعد، إن الدين الإسلامي دين الرحمة والهداية، وقد تجلى ذلك واضحا في يوم الفتح. حيث كان جميع أهل مكة تحت قبضة الرسول-صلى الله عليه وسلم- ، ولولا أن الله تعالى أرسله رحمة للعالمين لكان قضى عليهم جميعا. وهم الذين لم يألوا جهدا، ولم يدعوا وسيلة للصد عن سبيل الله ولإطفاء نور الإسلام.
وقد كانت هند بنت عتبة إحدى هؤلاء المشركين، ولكن الله عفا عنها بأن شرح صدرها للإسلام، وقد كان من أسباب اختياري لهذا الموضوع ما لهذه الشخصية من دور باز وفعال قبل وبعد الإسلام، وكيف أنها تحولت من شخصية معادية للإسلام والمسلمين، إلى إحدى اللواتي حاربن مع الإسلام لرفع شأنه.
وقد تناول البحث مراحل مختلفة من حياة هذه الشخصية، نسبها وزواجها وكيفية اختيارها لزوجها، ومقاطع من أدبها، وأبرز أعمالها قبل وبعد الإسلام، وكيف أسلمت، ومواقف من حياتها بعد الإسلام، وبعض أقوالها المأثورة. وقد كان من أهم المراجع التي استخدمت كتاب نسـاء عربيـات، للكاتب كلودا أبو شقرا. والله من وراء القصد .
نبذة عن حياتها:
هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية الهاشمية، أبوها عتبة سيد من سادات قريش، عرف بحكمته وسداد رأيه. إحدى نساء العرب اللاتي كان لهم شهرة عالية قبل الإسلام وبعده. امرأة أبي سفيان بن حرب، وأم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنهم- .
هي إحدى ربات الحسن والجمال والرأي والعقل والفصاحة والبلاغة والأدب و الشعر و الفروسية وعزة النفس، وكانت امرأة لها نفس وأنفة ورأي وعقل.
أسلمت في الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان، وشهدت أحداً كافرة مع المشركين، ومثلت بحمزة. وكانت من النسوة الأربع اللواتي أهدر الرسول –صلى الله عليه وسلم- دماءهن، ولكنه عفا وصفح عنها حينما جاءته مسلمة تائبة.1) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn1)
توفيت هند في خلافة عمر بن الخطاب في اليوم الذي مات به أبو قحافة والد أبي بكر الصديق-رضي الله عنهما-.
زواجها:
كانت هند قد تزوجت من حفص بن المغيرة في بداية الأمر (وهو أحد فتيان قريش)، وعانت من سوء رأيه الكثير مما حملها على الافتراق عنه. وقد أثرت هذه الحادثة على حياتها وعلى تفكيرها بشكل كبير، حتى أنها قالت لأبيها ذات مرة: "إني امرأة ملكت أمري، فلا تزوجني رجلا حتى تعرضه علي". فقال لها: "لك ذلك"
ووفاء لوعده، قال لها يوما: "قد خطبك رجلان من قومك ولست مسميا واحدا منهما حتى أصفه. فأما الأول فيمتاز بالشرف الصميم والحسب الكريم وحسن الإجابة. إن تابعته تابعك، وإن ملت كان معك، تكتفين برأيك في ضعفه. وأما الآخر فيمتاز بالحسب الكريم، بدر أرومته وعز عشيرته يؤدب أهله ولا يؤدبونه، إن اتبعوه أسهل بهم وإن جانبوه توعر بهم، شديد الغيرة".
فأجابت هند مبدية رأيها السديد بالقول: "أما الأول فسيد مطيع لكريمته مؤات لها، شرط أن تلين بعد إبائها وتضيع تحت خبائها. اطو ذكر هذا عني و لاتسمه لي. أما الآخر بعل الحرة الكريمة، المدافع عن حريم عشيرته الذائد عن كتيبتها المحامي عن حقيقتها. وإني لموافقة عليه". قال والدها: "ذاك هو أبو سفيان بن حرب". فقالت هند: "زوجه لي".2) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn2)
أدبها:
كانت هند شاعرة موهوبة، وبرز شعرها أكثر ما برز في الشدائد والملمات. وقد كان شعرها يكاد يقتصر على الرثاء وهجاء الأعداء إبان المعارك و الحروب التي شهدتها وشاركت فيها. وكان من أبرز ما قالته هند هو رثاؤها لعتبة بن ربيعة (أبيها)، وشيبة ابن ربيعة (عمها)، والوليد بن عتبة (أخوها)، بعد أن قتلوا في معركة بدر. وصادف في ذلك اليوم أن التقت الخنساء، وكان بلغها قول الخنساء: "أنا أعظم العرب مصيبة". فلما أصيبت هند بأهلها قالت:"أنا أعظم من الخنساء مصيبة". ولما دنت هند من الخنساء بادرتها الخنساء بالقول:"من أنت يا أخيه؟" فقالت هند:"أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة. بلغني أنك تعاظمين العرب في مصيبتهم فبم تعظمينهم؟". فقالت الخنساء:"بأبي عمرو بن الشريد وصخر ومعاوية ابني عمرو. وبم تعظمينهم أنت؟". قالت:"بأبي عتبة بن الربيعة وأخي الوليد". قالت الخنساء:"أو سواءهم عندك؟" ثم أنشدت تقول:
"أبكي أبي عمرا بعين غزيرة قليل إذا نام الخلي جحودها
وصنوي لا أنس معاوية الذي له من سراة الحرتين وفودها
وصخرا ومن ذا مثل صخر إذا، إذا غدا بسلهبه الأبطال قبا يقودها
فذلك يا هند الرزية فاعلمي ونيران حرب حين شب وقودها"
وأجابت هند:
أبكي عميد الأبطحين كليهما وحاميهما من كل باغ يريدها
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي وشيبة و الحامي الذمار وليدها
أولئك آل المجد من آل غالب وفي العز منها حين ينمي عديدها"3) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn3)
وقالت أيضا تبكي أباها يوم بدر:
"أعيني جودا بدمع سرب على خير خندف لم ينقلب
تداعى لـه رهطه غدوة بنو هاشم وبنو المـطلب
يذيقونه حـد أسيـافهم يعلونه بعد ما قد عطـب
ويجرونه وعفير التراب على وجهه عاريا قد سلب
وكان لنـا جبلا راسبـا جميل المرأة كثير العشـب
فأمـا بري فلم أعنـــه فأوتي من خير ما يحتسب"4) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn4)
هند قبل الإسلام:
كانت هند قبل إسلامها من أشد المشركين كرها للإسلام والمسلمين، ومن ذلك موقفها في يوم أحد عندما خرجت مع المشركين من قريش، وكان يرأسهم زوجها أبو سفيان، حيث راحت هند تحرض القرشيين على القتال.وهي تقول:
"نحن بنات طارق نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعـانق أو تدبروا نفـارق
فـراق غير وامـق
ثم وقفت والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ، يجدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم خدما وقلائد.
وفي هذه المعركة كانت هند قد حرضت وحشي بن حرب على قتل حمزة بن عبد المطلب-رضي الله عنه-، حيث وعدته بالحرية –حيث كان عبدا لها- إن هو قتل حمزة. وكانت تؤجج في صدره نيران العدوان وتقول له:"إيه أبا دسمة،اشف واشتف". ولما قتل وحشي حمزة-رضي الله عنه- جاءت هند إلى حمزة وقد فارق الحياة، فشقت بطنه ونزعت كبده، ومضغتها ثم لفظتها، ثم علت صخرة مشرفة وأخذت تردد:
"نحـن جزيناكم بيـوم بـدر والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر ولا أخي وعمـه وبكـري
شفيت نفسي وقـضيت نذري شفيت وحشيّ غليل صدري
فشكر وحشي على عمـري حتى ترمّ أعظمي في قبري"5) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn5)
وظلت هند على الشرك حتى شرح الله-تعالى- صدرها للإسلام يوم فتح مكة.
إسلامها:
بعد غزوة أحد رجع أبو سفيان إلى مكة وقد أسلم على يد الرسول-صلى الله عليه وسلم- . ولما رجع إلى مكة في ليلة الفتح صاح: "يا معشر قريش إني أسلمت فأسلموا، فإن محمد أتاكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن". فأخذت هند رأسه وقالت : "بئس طليعة القوم أنت، والله ما خدشت خدشا يا أهل مكة عليكم الحميت الدسم فاقتلوه، قبح من طليعة قوم". فقال أبو سفيان: "ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به". 6) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn6)
وفي اليوم التالي لفتح مكة جاءت هند لزوجها أبي سفيان وقالت: "إنما أريد أن أتبع محمدا فخذني إليه". فقال لها: "قد رأيتك تكرهين هذا الحديث بالأمس". فقالت: "إني والله لم أر أن الله قد عبد حق عبادته في هذا المسجد إلا في هذه الليلة، والله إن باتوا إلا مصلين قياما وركوعا وسجودا". فقال لها: "فإنك قد فعلت ما فعلت، فاذهبي برجل من قومك معك، فذهبت إلى عثمان بن عفان-رضي الله عنه- فذهب بها إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فأسلمت وبايعت.7) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn7)
وأقر رسول الله-صلى الله عليه وسلم- نكاح أبي سفيان وهند، ثم جعلت هند تضرب صنما لها في بيتها بالقدوم حتى فلذته فلذة، وهي تقول: "كنا منك في غرور".
هند بعد الإسلام:
بعد إسلامها اشتركت في الجهاد مع زوجها أبي سفيان في غزوة اليرموك، وأبلت فيها بلاء حسنا ، وكانت تحرض المسلمين على قتال الروم فتقول: "عاجلوهم بسيوفكم يا معشر المسلمين". كما روت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- وروى عنها ابنها معاوية بن أبي سفيان وعائشة أم المؤمنين. وظلت هند بقية حياتها مسلمة مؤمنة مجاهدة حتى توفيت سنة أربع عشر للهجرة. 8) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn8)
مواقف من حياتها بعد الإسلام:
1) عندما نهى عمر بن الخطاب أبا سفيان بن حرب عن رش باب منزله لئلا ينزلق الحجاج ولم يفعل قال له: "ألم آمرك أن لا تفعل هذا؟". فسكت أبو سفيان على مضض. فقال عمر: "الحمد لله الذي أراني أبا سفيان ببطحاء مكة أضربه فلا ينتصر آمره فيأتمر". فسمعته هند بنت عتبة وبادرته قائله: "احمده يا عمر، فإنك إن تحمده فقد أوتيت عظيما". 9) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn9)
2) لما ولى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان ما ولاه من الشام خرج إليه معاوية فقال أبو سفيان لهند: "كيف ترين صار ابنك تابعا لابني". فقالت: "إن اضطرب حبل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابني". فمات يزيد بالشام فولى عمر بن الخطاب معاوية موضعه، فقالت هند لمعاوية: "والله يا بني إنه لقل ما ولدت حرة مثلك وقد استنهضك هذا الرجل فاعمل بموافقته أحببت ذلك أم كرهته".10) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn10)
3) ولجت هند باب التجارة على أثر طلاقها من أبي سفيان، ولم تكن تملك المال الكافي. فلجأت إلى عمر بن الخطاب واقترضت من بيت المال أربعة آلاف درهم، وخرجت بها إلى بلاد كلاب فاشترت وباعت وازدهرت تجارتها، ولم تتوقف إلا عندما بَلغها أن أبا سفيان وعمرو بن أبي سفيان قد زارا معاوية يسألانه مالا. فهرعت إليه طالبة منه الإسراع في نجدة والده وشقيقه. فأرسل إلى أبيه مائة دينار والكساء والطعام. ولما تسلمها بادر إلى القول: "والله إن هذا العطاء لم تغب عنه هند". فسارع إلى الذهاب إليها وشكرها. وكانت في تلك الأثناء بدأت تخسر في تجارتها وتتراجع فيها، عندها طلبت من عمر أن يمدد موعد تسديد دينها، إلا أنه رفض وقال لها: "لو كان مالي لتركته لك، ولكنه مال المسلمين". فما كان منه إلا أن سجن أبا سفيان، وأرسل إلى هند رسولا يقول لها: "يطلب منك أبا سفيان أن تأتيه بخرجين". وما لبث عمر أن أوتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم، فطرحهما عمر في بيت المال. فلما ولي عثمان ردهما إليه، فقال أبو سفيان: "ما كنت لآخذ مالا عابه لي عمر". 11) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn11)
من أقوالها:
· حين بلغها نعي يزيد بن أبي سفيان، قال لها بعض المعزين:"إنا لنرجو أن يكون معاوية خلف يزيد". فقالت: "مثل معاوية لا يكون خلفا لأحد، فوالله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمي به فيها لخرج من أي أعراضها شاء". وقيل لها: "إن عاش معاوية ساد قومه". فقالت: "ثكلته إن لم يسد إلا قومه". مما يوحي بعزة نفسها وإبائها، حيث تمنت الموت لابنها إن ساد قومه فقط، فقد كانت تأمل أن تراه ذا مكانه عالية بين قومه.
· ومن أقوالها: "المرأة غل و لابد للعنف منه. فانظر من تضعه في عنقك". وقولها أيضا: " إنما النساء أغلال فليختر الرجل غلا ليده".مما يدل على حكمتها في قياس الأمور، وبعد نظرها.
· ومن أقوالها أيضا أنها عندما خرجت من مكة متوجهة للطائف ومعها معاوية صغيرا، رآه رجل من الأعراب فقال: "شدي يدك بهذا الغلام وأكرميه فإنه سيد كرام". فقالت هند: "بل ملك همام، كبار عظام، ضروب وهام، ومفيض أنعام". ووصفت ابنها معاوية:
"إن ابني معـرق كـريم محبب في أهله حـليم
ليـس بفحاش ولا لـئيم ولا بطخرور ولا سئوم
صخر بني فهر به زعيم لا يخلف الظن ولا يخيم".12) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn12)
مما يدل على حبها الشديد لابنها وتعلقها به.
الخاتمة:
استطاعت هند بنت عتبة أن تبرهن بمواقفها الشجاعة في مختلف المناسبات، على قدرة المرأة على تحمل المسؤولية، وعلى مواجهة المحن مهما قست الظروف، وذلك بعقل راجح وكلمة صائبة وفاعلية، فنفضت عنها غبار السلبية والجهل والشرك والاتكال ووضعتها في المقدمة في مواجهة الحياة. فكانت هند رمزاً للمرأة المتميزة في حضورها في كل المناسبات، حكيمة، جريئة، ساهمت إلى حد كبير في تغيير نظرة المجتمع السائدة نحو المرأة. فعلى سبيل المثال كيفية إسلامها وتأخرها فيه ورفضها اعتناق هذا الدين إلا بعد اعتناق زوجها له وتأكدها من صلاح هذا الدين، وذلك حتى يتسنى لها معرفة هذا الدين الجديد (الذي كانت من أشد الرافضات له) وحتى تقتنع اقتناعا كاملا بما تقوم به، مما يدل على نظرتها الثاقبة للأمور.
ومن مواقفها المشرفة أيضاً، مشاركتها في غزوة اليرموك بعد إسلامها وبلاءها فيه بلاءً حسنا، الذي إن دل على شيء فسيدل على تمسكها بهذا الدين وحبها له، ورغبتها في بذل الغالي والنفيس من أجل إعلاء شأنه. ومن مواقفها أيضاً، موقفها في زواجها من أبي سفيان وكيفية اختيارها له، وإصرارها على أن تختار زوجها بنفسها. وذلك بعد معاناة من تجربة سابقة، وعدم رغبتها في تكرارها. لكل ذلك أصبحت هند تستحق كل التقدير والثناء. فرضي الله عنها وأرضاها، وغفر لها ورحمها، إنه على كل شيء قدير.
المقدمــة:
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وبعد، إن الدين الإسلامي دين الرحمة والهداية، وقد تجلى ذلك واضحا في يوم الفتح. حيث كان جميع أهل مكة تحت قبضة الرسول-صلى الله عليه وسلم- ، ولولا أن الله تعالى أرسله رحمة للعالمين لكان قضى عليهم جميعا. وهم الذين لم يألوا جهدا، ولم يدعوا وسيلة للصد عن سبيل الله ولإطفاء نور الإسلام.
وقد كانت هند بنت عتبة إحدى هؤلاء المشركين، ولكن الله عفا عنها بأن شرح صدرها للإسلام، وقد كان من أسباب اختياري لهذا الموضوع ما لهذه الشخصية من دور باز وفعال قبل وبعد الإسلام، وكيف أنها تحولت من شخصية معادية للإسلام والمسلمين، إلى إحدى اللواتي حاربن مع الإسلام لرفع شأنه.
وقد تناول البحث مراحل مختلفة من حياة هذه الشخصية، نسبها وزواجها وكيفية اختيارها لزوجها، ومقاطع من أدبها، وأبرز أعمالها قبل وبعد الإسلام، وكيف أسلمت، ومواقف من حياتها بعد الإسلام، وبعض أقوالها المأثورة. وقد كان من أهم المراجع التي استخدمت كتاب نسـاء عربيـات، للكاتب كلودا أبو شقرا. والله من وراء القصد .
نبذة عن حياتها:
هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية الهاشمية، أبوها عتبة سيد من سادات قريش، عرف بحكمته وسداد رأيه. إحدى نساء العرب اللاتي كان لهم شهرة عالية قبل الإسلام وبعده. امرأة أبي سفيان بن حرب، وأم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنهم- .
هي إحدى ربات الحسن والجمال والرأي والعقل والفصاحة والبلاغة والأدب و الشعر و الفروسية وعزة النفس، وكانت امرأة لها نفس وأنفة ورأي وعقل.
أسلمت في الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان، وشهدت أحداً كافرة مع المشركين، ومثلت بحمزة. وكانت من النسوة الأربع اللواتي أهدر الرسول –صلى الله عليه وسلم- دماءهن، ولكنه عفا وصفح عنها حينما جاءته مسلمة تائبة.1) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn1)
توفيت هند في خلافة عمر بن الخطاب في اليوم الذي مات به أبو قحافة والد أبي بكر الصديق-رضي الله عنهما-.
زواجها:
كانت هند قد تزوجت من حفص بن المغيرة في بداية الأمر (وهو أحد فتيان قريش)، وعانت من سوء رأيه الكثير مما حملها على الافتراق عنه. وقد أثرت هذه الحادثة على حياتها وعلى تفكيرها بشكل كبير، حتى أنها قالت لأبيها ذات مرة: "إني امرأة ملكت أمري، فلا تزوجني رجلا حتى تعرضه علي". فقال لها: "لك ذلك"
ووفاء لوعده، قال لها يوما: "قد خطبك رجلان من قومك ولست مسميا واحدا منهما حتى أصفه. فأما الأول فيمتاز بالشرف الصميم والحسب الكريم وحسن الإجابة. إن تابعته تابعك، وإن ملت كان معك، تكتفين برأيك في ضعفه. وأما الآخر فيمتاز بالحسب الكريم، بدر أرومته وعز عشيرته يؤدب أهله ولا يؤدبونه، إن اتبعوه أسهل بهم وإن جانبوه توعر بهم، شديد الغيرة".
فأجابت هند مبدية رأيها السديد بالقول: "أما الأول فسيد مطيع لكريمته مؤات لها، شرط أن تلين بعد إبائها وتضيع تحت خبائها. اطو ذكر هذا عني و لاتسمه لي. أما الآخر بعل الحرة الكريمة، المدافع عن حريم عشيرته الذائد عن كتيبتها المحامي عن حقيقتها. وإني لموافقة عليه". قال والدها: "ذاك هو أبو سفيان بن حرب". فقالت هند: "زوجه لي".2) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn2)
أدبها:
كانت هند شاعرة موهوبة، وبرز شعرها أكثر ما برز في الشدائد والملمات. وقد كان شعرها يكاد يقتصر على الرثاء وهجاء الأعداء إبان المعارك و الحروب التي شهدتها وشاركت فيها. وكان من أبرز ما قالته هند هو رثاؤها لعتبة بن ربيعة (أبيها)، وشيبة ابن ربيعة (عمها)، والوليد بن عتبة (أخوها)، بعد أن قتلوا في معركة بدر. وصادف في ذلك اليوم أن التقت الخنساء، وكان بلغها قول الخنساء: "أنا أعظم العرب مصيبة". فلما أصيبت هند بأهلها قالت:"أنا أعظم من الخنساء مصيبة". ولما دنت هند من الخنساء بادرتها الخنساء بالقول:"من أنت يا أخيه؟" فقالت هند:"أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة. بلغني أنك تعاظمين العرب في مصيبتهم فبم تعظمينهم؟". فقالت الخنساء:"بأبي عمرو بن الشريد وصخر ومعاوية ابني عمرو. وبم تعظمينهم أنت؟". قالت:"بأبي عتبة بن الربيعة وأخي الوليد". قالت الخنساء:"أو سواءهم عندك؟" ثم أنشدت تقول:
"أبكي أبي عمرا بعين غزيرة قليل إذا نام الخلي جحودها
وصنوي لا أنس معاوية الذي له من سراة الحرتين وفودها
وصخرا ومن ذا مثل صخر إذا، إذا غدا بسلهبه الأبطال قبا يقودها
فذلك يا هند الرزية فاعلمي ونيران حرب حين شب وقودها"
وأجابت هند:
أبكي عميد الأبطحين كليهما وحاميهما من كل باغ يريدها
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي وشيبة و الحامي الذمار وليدها
أولئك آل المجد من آل غالب وفي العز منها حين ينمي عديدها"3) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn3)
وقالت أيضا تبكي أباها يوم بدر:
"أعيني جودا بدمع سرب على خير خندف لم ينقلب
تداعى لـه رهطه غدوة بنو هاشم وبنو المـطلب
يذيقونه حـد أسيـافهم يعلونه بعد ما قد عطـب
ويجرونه وعفير التراب على وجهه عاريا قد سلب
وكان لنـا جبلا راسبـا جميل المرأة كثير العشـب
فأمـا بري فلم أعنـــه فأوتي من خير ما يحتسب"4) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn4)
هند قبل الإسلام:
كانت هند قبل إسلامها من أشد المشركين كرها للإسلام والمسلمين، ومن ذلك موقفها في يوم أحد عندما خرجت مع المشركين من قريش، وكان يرأسهم زوجها أبو سفيان، حيث راحت هند تحرض القرشيين على القتال.وهي تقول:
"نحن بنات طارق نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعـانق أو تدبروا نفـارق
فـراق غير وامـق
ثم وقفت والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ، يجدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم خدما وقلائد.
وفي هذه المعركة كانت هند قد حرضت وحشي بن حرب على قتل حمزة بن عبد المطلب-رضي الله عنه-، حيث وعدته بالحرية –حيث كان عبدا لها- إن هو قتل حمزة. وكانت تؤجج في صدره نيران العدوان وتقول له:"إيه أبا دسمة،اشف واشتف". ولما قتل وحشي حمزة-رضي الله عنه- جاءت هند إلى حمزة وقد فارق الحياة، فشقت بطنه ونزعت كبده، ومضغتها ثم لفظتها، ثم علت صخرة مشرفة وأخذت تردد:
"نحـن جزيناكم بيـوم بـدر والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر ولا أخي وعمـه وبكـري
شفيت نفسي وقـضيت نذري شفيت وحشيّ غليل صدري
فشكر وحشي على عمـري حتى ترمّ أعظمي في قبري"5) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn5)
وظلت هند على الشرك حتى شرح الله-تعالى- صدرها للإسلام يوم فتح مكة.
إسلامها:
بعد غزوة أحد رجع أبو سفيان إلى مكة وقد أسلم على يد الرسول-صلى الله عليه وسلم- . ولما رجع إلى مكة في ليلة الفتح صاح: "يا معشر قريش إني أسلمت فأسلموا، فإن محمد أتاكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن". فأخذت هند رأسه وقالت : "بئس طليعة القوم أنت، والله ما خدشت خدشا يا أهل مكة عليكم الحميت الدسم فاقتلوه، قبح من طليعة قوم". فقال أبو سفيان: "ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به". 6) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn6)
وفي اليوم التالي لفتح مكة جاءت هند لزوجها أبي سفيان وقالت: "إنما أريد أن أتبع محمدا فخذني إليه". فقال لها: "قد رأيتك تكرهين هذا الحديث بالأمس". فقالت: "إني والله لم أر أن الله قد عبد حق عبادته في هذا المسجد إلا في هذه الليلة، والله إن باتوا إلا مصلين قياما وركوعا وسجودا". فقال لها: "فإنك قد فعلت ما فعلت، فاذهبي برجل من قومك معك، فذهبت إلى عثمان بن عفان-رضي الله عنه- فذهب بها إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فأسلمت وبايعت.7) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn7)
وأقر رسول الله-صلى الله عليه وسلم- نكاح أبي سفيان وهند، ثم جعلت هند تضرب صنما لها في بيتها بالقدوم حتى فلذته فلذة، وهي تقول: "كنا منك في غرور".
هند بعد الإسلام:
بعد إسلامها اشتركت في الجهاد مع زوجها أبي سفيان في غزوة اليرموك، وأبلت فيها بلاء حسنا ، وكانت تحرض المسلمين على قتال الروم فتقول: "عاجلوهم بسيوفكم يا معشر المسلمين". كما روت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- وروى عنها ابنها معاوية بن أبي سفيان وعائشة أم المؤمنين. وظلت هند بقية حياتها مسلمة مؤمنة مجاهدة حتى توفيت سنة أربع عشر للهجرة. 8) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn8)
مواقف من حياتها بعد الإسلام:
1) عندما نهى عمر بن الخطاب أبا سفيان بن حرب عن رش باب منزله لئلا ينزلق الحجاج ولم يفعل قال له: "ألم آمرك أن لا تفعل هذا؟". فسكت أبو سفيان على مضض. فقال عمر: "الحمد لله الذي أراني أبا سفيان ببطحاء مكة أضربه فلا ينتصر آمره فيأتمر". فسمعته هند بنت عتبة وبادرته قائله: "احمده يا عمر، فإنك إن تحمده فقد أوتيت عظيما". 9) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn9)
2) لما ولى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان ما ولاه من الشام خرج إليه معاوية فقال أبو سفيان لهند: "كيف ترين صار ابنك تابعا لابني". فقالت: "إن اضطرب حبل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابني". فمات يزيد بالشام فولى عمر بن الخطاب معاوية موضعه، فقالت هند لمعاوية: "والله يا بني إنه لقل ما ولدت حرة مثلك وقد استنهضك هذا الرجل فاعمل بموافقته أحببت ذلك أم كرهته".10) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn10)
3) ولجت هند باب التجارة على أثر طلاقها من أبي سفيان، ولم تكن تملك المال الكافي. فلجأت إلى عمر بن الخطاب واقترضت من بيت المال أربعة آلاف درهم، وخرجت بها إلى بلاد كلاب فاشترت وباعت وازدهرت تجارتها، ولم تتوقف إلا عندما بَلغها أن أبا سفيان وعمرو بن أبي سفيان قد زارا معاوية يسألانه مالا. فهرعت إليه طالبة منه الإسراع في نجدة والده وشقيقه. فأرسل إلى أبيه مائة دينار والكساء والطعام. ولما تسلمها بادر إلى القول: "والله إن هذا العطاء لم تغب عنه هند". فسارع إلى الذهاب إليها وشكرها. وكانت في تلك الأثناء بدأت تخسر في تجارتها وتتراجع فيها، عندها طلبت من عمر أن يمدد موعد تسديد دينها، إلا أنه رفض وقال لها: "لو كان مالي لتركته لك، ولكنه مال المسلمين". فما كان منه إلا أن سجن أبا سفيان، وأرسل إلى هند رسولا يقول لها: "يطلب منك أبا سفيان أن تأتيه بخرجين". وما لبث عمر أن أوتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم، فطرحهما عمر في بيت المال. فلما ولي عثمان ردهما إليه، فقال أبو سفيان: "ما كنت لآخذ مالا عابه لي عمر". 11) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn11)
من أقوالها:
· حين بلغها نعي يزيد بن أبي سفيان، قال لها بعض المعزين:"إنا لنرجو أن يكون معاوية خلف يزيد". فقالت: "مثل معاوية لا يكون خلفا لأحد، فوالله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمي به فيها لخرج من أي أعراضها شاء". وقيل لها: "إن عاش معاوية ساد قومه". فقالت: "ثكلته إن لم يسد إلا قومه". مما يوحي بعزة نفسها وإبائها، حيث تمنت الموت لابنها إن ساد قومه فقط، فقد كانت تأمل أن تراه ذا مكانه عالية بين قومه.
· ومن أقوالها: "المرأة غل و لابد للعنف منه. فانظر من تضعه في عنقك". وقولها أيضا: " إنما النساء أغلال فليختر الرجل غلا ليده".مما يدل على حكمتها في قياس الأمور، وبعد نظرها.
· ومن أقوالها أيضا أنها عندما خرجت من مكة متوجهة للطائف ومعها معاوية صغيرا، رآه رجل من الأعراب فقال: "شدي يدك بهذا الغلام وأكرميه فإنه سيد كرام". فقالت هند: "بل ملك همام، كبار عظام، ضروب وهام، ومفيض أنعام". ووصفت ابنها معاوية:
"إن ابني معـرق كـريم محبب في أهله حـليم
ليـس بفحاش ولا لـئيم ولا بطخرور ولا سئوم
صخر بني فهر به زعيم لا يخلف الظن ولا يخيم".12) (http://www.angelfire.com/ok3/nesa/hind1#_ftn12)
مما يدل على حبها الشديد لابنها وتعلقها به.
الخاتمة:
استطاعت هند بنت عتبة أن تبرهن بمواقفها الشجاعة في مختلف المناسبات، على قدرة المرأة على تحمل المسؤولية، وعلى مواجهة المحن مهما قست الظروف، وذلك بعقل راجح وكلمة صائبة وفاعلية، فنفضت عنها غبار السلبية والجهل والشرك والاتكال ووضعتها في المقدمة في مواجهة الحياة. فكانت هند رمزاً للمرأة المتميزة في حضورها في كل المناسبات، حكيمة، جريئة، ساهمت إلى حد كبير في تغيير نظرة المجتمع السائدة نحو المرأة. فعلى سبيل المثال كيفية إسلامها وتأخرها فيه ورفضها اعتناق هذا الدين إلا بعد اعتناق زوجها له وتأكدها من صلاح هذا الدين، وذلك حتى يتسنى لها معرفة هذا الدين الجديد (الذي كانت من أشد الرافضات له) وحتى تقتنع اقتناعا كاملا بما تقوم به، مما يدل على نظرتها الثاقبة للأمور.
ومن مواقفها المشرفة أيضاً، مشاركتها في غزوة اليرموك بعد إسلامها وبلاءها فيه بلاءً حسنا، الذي إن دل على شيء فسيدل على تمسكها بهذا الدين وحبها له، ورغبتها في بذل الغالي والنفيس من أجل إعلاء شأنه. ومن مواقفها أيضاً، موقفها في زواجها من أبي سفيان وكيفية اختيارها له، وإصرارها على أن تختار زوجها بنفسها. وذلك بعد معاناة من تجربة سابقة، وعدم رغبتها في تكرارها. لكل ذلك أصبحت هند تستحق كل التقدير والثناء. فرضي الله عنها وأرضاها، وغفر لها ورحمها، إنه على كل شيء قدير.