عمر البلوي
09-22-2003, 02:12 PM
اللقاء والحوار الساخن مع معالي الشيخ صالح آل الشيخ وفقه الله لكل خير مع جريدة " الوطن "
الجزء الأول
الرياض : سليمان العقيلي
في هذا الظرف الدقيق الذي تواجه فيه الأمة محنة النيل من عقيدتها ودينها بسبب ما استند عليه منفذو الأعمال الإرهابية من اجتهادات عقدية. وبسبب ما وجه إلى المملكة ورسالتها الدينية من اتهامات بعدم التسامح وتشجيع التطرف. كان لا بد من الحوار مع واحد من كبار قادة المؤسسة الدينية السعودية، هو وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. الذي عرف ليس بوصفه رجل دولة فحسب, بل أيضاً بصفته عالماً شرعياً ومفكراً إسلامياً ضليعاً.
الشيخ صالح ألقى الضوء على مناطق خافتة في الدعوة السلفية وبين أنها دعوة اجتهادية لا تقدس الأشخاص. كما تطرق إلى أحداث 11 سبتمبر. ونفى أي دور لتراجع دور العلماء في انتشار التطرف والعنف، مستشهداً بأن هذا حصل في وقت الخلفاء الراشدين وهم أفضل علماً وأكثر خيرية. لكن الشيخ الذي أبرز تسامح الدعوة السلفية ووسطيتها، لم يتزحزح قيد أنملة عن ما يراه ثوابت في صحيح الدين. فإلى نص الحوار:
أحداث 11 سبتمبر عن هجمات 11 سبتمبر وبمناسبة مرور عامين عليها، تردد أن الهجمات ذات دافع ديني، وقال آخرون إنها ذات دوافع سياسية أعطيت تخريجات فقهية دينية. في رأيكم ما هي الدوافع؟
- أعتقد أن أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من أقوال واتهامات وإفرازات وتكوين مجموعات سواء في أمريكا أو الوطن العربي والإسلامي. مازالت تحتاج إلى المزيد من الدراسة لفهم الأمر أولاً. ثم لتحليل معطيات هذا الحدث وما نتج عنه. وإلى الآن أنا لم أقف على دراسة جادة ومتكاملة حول هذا الموضوع. لكن يمكن أن أجمل القول في محاور عامة لفهم هذه القضية :
أولاً: يجب دائماً أن نفرق ما بين ما يفسر وبين ما يبرر فقد تكون هناك قضايا يوجد تفسير لها. وقد يعرض التفسير على أنه تبرير. من تعاطى مع هذا الموضوع من جانب من أوقعوا هذه الهجمات وعملوا بها أو في الجانب الآخر ممن واجهوا هذا الفعل برد فعل. لم يفرقوا بين التبرير والتفسير. لا أحد يبرر الاعتداء على إنسان بدون وجه حق. وفي الشرع ونصوص القرآن والسنة قاطعة مليئة وهي معلومة حول هذا الأمر. بل جعل الله من إحياء النفس كإحياء الناس جميعاً فقد قال الله تعالى "ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعاً".
فهناك أشياء تفسر ما وقع من وجود بعض المظالم، ووجود الاعتداءات، ووجود السياسات الانتقائية. ووجود بعض الظلم من واقع الممارسات التي يواجه بها المسلمون هنا وهناك. وهذه فسرت قيام مجموعات بتكوين خلايا وجماعات جعلتها تقوم بشكل أو بآخر بهذه الأعمال. ومهما حصل نحن نقول إنه لا يبرر لهم القيام بما حدث لأن فعل هذه التفجيرات في أي مكان - حتى طالتنا هنا في المملكة العربية السعودية - هذه كلها مضادة لأصل الشريعة والكتاب والسنة وإجماع أهل العلم. كذلك الجهة المضادة مما صدر عن دوائر الإعلام الأمريكي والقرار الأمريكي من وجود ما يضاد هذا الأمر. ويبرر لهم كل ما فعلوه في مضادة ما حدث في 11 سبتمبر. أعتقد كنا في حاجة لمزيد من الدراسة والعقلانية في معالجة الأمور، حتى لا تتفاقم لأن من أصعب الأشياء؛ هو التعامل مع النفس الإنسانية، فالنفس ليست حالة تعطيها شيئاً وتتوقع منها مخرجاً معيناً. وليست مصنعاً أو شركة تعطيها معطيات وتجد مخرجاً, النفس الإنسانية فيها الكثير من الأحوال قد لا تتعمق في دراستها فتظن أنك ستحدث مصلحة فتحدث مفسدة. لذلك كنا في حاجة إلى التأني في التحليل. التأني كان مطلوباً من العالم الإسلامي أو من الولايات المتحدة ؟
- كل الأطراف كانت في حاجة إلى التأني في فهم الأمر ومواجهته. لكن بالنسبة للعالم الإسلامي كان وجود هذه الجماعات بشكل أو بآخر، وأبرزها تنظيم القاعدة, وجود هذا التنظيم منذ سنين قبل أحداث 11 سبتمبر بسنين والجميع يعرف به, وما كان التعامل معه بحجم التعامل معه بعد الأحداث. وهذا يعطينا درساً بأننا يجب علينا أن نستبق الأمور وأن لا نفسر الأحداث بتفسير بسيط. بل يجب علينا - خاصة في مجال الفكر والتوجهات العقدية من جميع الاتجاهات - علينا عمل نظرة واقعية متأنية تتسم بالفهم وبالغوص في الحقائق وبعدم التساهل في الأمر لأن هذه الأشياء تنمو كما ينمو الوليد. كل يوم تزيد.
تراجع دور العلماء هل توافقون على أن انتشار حركات العنف والتطرف الديني جاء بسبب تراجع دور العلماء ؟
- أولاً العنف والتطرف بدأ في عهد الخلفاء الراشدين. بدأ في عهد عثمان رضي الله عنه. وفي عهد علي كرم الله وجهه. وهو العهد الذي كان الصحابة بعلمائهم وأخيارهم موجودين يقومون بدورهم. فهو انحراف إنساني قد يوجد في المسلمين وقد يوجد في غيرهم. هو انحراف ليس لتراجع دور العلماء سبب رئيس فيه. الأحداث الإرهابية التي وقعت في المملكة العربية السعودية قبل أكثر من 20 سنة ابتداء من أحداث الحرم حتى وقتنا الحاضر. كان فيها العلماء يقومون بواجبهم. كبار العلماء يناصحونهم. لكن هذه التيارات والمجموعات لها أهداف، هي لا تستجيب للعلماء. لأنهم يرون العلماء لا يمثلون الدين الصحيح. هم يرون أن مصداقية العلماء ليست في قوتها ؟
- لا .. هم يرون أن من لا يكون معهم ليس بمسلم صادق في إسلامه. عن السياسة والدين؛ هل يمكن المزج بين المصالح السياسية وهي جزء من المصالح الشرعية والأصول الدينية. من دون أن تتأثر مصداقية العالم ؟
- ما ذكرته أنا الحظه كثيراً. لذلك أرى من العلاج أن تكون هناك مواد خاصة في الجامعات بل حتى في التعليم العام تتعلق بمفهوم السياسة الشرعية. ومفهوم المصالح والمفاسد. مفهوم الحوار. مفهوم النظم الإسلامية. حيث يقل الآن من يفهم مجموعة النظم التي تشكل الدولة الإسلامية، لذلك يأتي من يقول إن هناك صح و خطأ فقط. لم يكن هناك كثيرون يفهمون أن الدولة الإسلامية لها اجتهاداتها الواسعة. وليس معنى الدولة الإسلامية أنها لا بد أن تكون مثل دولة إسلامية قامت قبل سنين أو قرون. الدولة الإسلامية مهمتها كبيرة, وهي قد تتجدد وتتطور بحسب تحقيق المصلحة .
الولاء والبراء هل يمكن أن يكون هناك تفسير معاصر لمبدأ الولاء والبراء ؟
- الولاء والبراء هذا شئ منصوص عليه في القرآن والسنة. وأصبحت قضية عقدية. ويجب أن نعتقد بالولاء والبراء. الولاء للإيمان بالله - جل وعلا - ولرسوله ولكتابه. والبراء من الكفر. وليس البراء من الكفار ؟
- من ضمن الولاء أن توالي المؤمن وأن تعادي الكافر الذي يعاديك ويظلمك. لان الله جل وعلا قال " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ", المسالم المعتدل المتفاهم, الذي ليس بينك وبينه عداء, هذا يشرع أن نبره ونحسن إليه اختياراً .
مفهوم الولاء والبراء منصوص عليه في القرآن. الإشكالية جاءت من التوسع في فهم هذه الكلمة مثل التوسع في مفهوم الجهاد، وفي مفاهيم التكفير والتفسيق والتبديع. هذه اصلها شرعية ويجب أن نعتقدها. لكن من الذي يفسر. لذا يجب أن نرجع في تفسيراتنا إلى نص الكتاب والسنة. وإلى فهم السلف, وإلى فهم علماء الأمة. أما إذا أتى واحد يقول أنا مفسر هذه النصوص بتفسيري الخاص فنقول له "تفسير غير مقبول" .
الخطاب الديني أوصى اللقاء الوطني للحوار الفكري بتطوير الخطاب الدعوي ؛ وهو يحتاج إلى تصحيح وإلى تطوير. ما هي ملامح تطوير الخطاب الدعوي في رأيكم ؟
- أولاً كل رسول أرسله الله - جل وعلا - إلى قومه بلسانهم كما قال جل وعلا " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " واللسان يشمل اللغة ومحتوى اللغة وطريقة الأداء. ولذلك نرى أنه في القرآن تعددت الأساليب مع اختلاف الأنبياء. وأسلوب إبراهيم الخليل عليه السلام مع قومه كان أسلوب الحوار, جادلهم وناظرهم "لما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي" " لما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي " ولما رأى الكوكب .. الخ، أخذ يجادلهم ويناظرهم بهذه الطريقة. ونرى شعيباً وعيسى وموسى عليهم السلام نفس الشيء. دعوة الأنبياء واحدة, لكن طريقة حوارهم مع قومهم مختلفة. فإذاً الأصل الشرعي أن محتوى اللسان يشمل طريقة الخطاب والإقناع. وهذا لا يمنع بل هذا يدعونا إلى أن نطور اللفظ والمحتوى والطريقة. هذا يدعونا أن نطور لغة اللسان الذي نخاطب به الذي يصل إلى عقلياتهم, فالعقليات مختلفة ؛ عقلية العربي تختلف عن عقلية الغربي، وعقلية الأمريكي تختلف عن عقلية الياباني, فلذلك اللسان الذي يشمل المحتوى واللغة وطريقة الإقناع لابد أن تختلف وأن تتنوع, بل تتنوع بتنوع الزمان, وبحسب الثقافة. الذي يناقش البادية ليس كمن يحاور المثقفين. أو من يناقش شخص لديه شبهات ليس كمن يناقش أو يحاور صحيح العقيدة .
هذا الحوار الوطني هو وسيلة لتجديد الخطاب الدعوي في خطاب معين حتى يثمر. وهو جزء من الحوار الوطني
.تطور المؤسسة الدينية ولكن هناك اتهام للمؤسسة الدينية أنها لم تتطور في خطابها أو طريقة تعاملها مع الأجيال أو في طريقة توجيهها لعامة المسلمين وخاصتهم؟
- أولاً التطوير يحتاج إلى وقت وأنا أعتقد أن المؤسسة الدينية متطورة, وقد لا تكون بلغت الطموح, لكن لا شك أنها متطورة ووصلت إلى الناس في توجيهاتها وأفكارها وآرائها. وشرحت الدين ووصل إلى قطاعات كبيرة في العالم. الإشكالية هي أن التطوير يحتاج إلى إمكانات. منها الإمكانات البشرية والمادية. الإمكانات البشرية تحتاج إلى تأهيل, نحن لدينا مثلاً دعاة وطلبة علم وخطباء وأئمة مساجد وكتاب ودعاة في الخارج. هؤلاء يحتاجون إلى تطوير عن طريق الدورات, فهناك المعرفة والمهارة ؛ المعرفة بالعلم لابد من تجديده. والمهارة لابد أن تأتي بالدورات, وهي تحتاج إلى آلية عمل كبيرة ونفقات. فالمؤسسة الدينية متطورة. لكن قد يكون تطور العالم أسرع أو المعطيات أسرع. وكون أننا نوازي بين جهات لديها إمكانات عالية مع جهات إمكانياتها محدودة هذا ليس بإنصاف. إذا نظرنا إلى الإعلام ؛ فالمؤسسة الدينية ترغب أن تخاطب الناس من خلاله بأسلوب عصري, لكن الإعلام يحتاج إلى نفقات. المشكلة ليست في الأدوات, بل في مضمون الرسالة ؛ هل تعتقد أن خطاب المؤسسة الدينية ورسالتها مواكبان للعصر، ويتصفان بالاجتهاد الملائم لروح العصر وللقضايا الشائكة التي تواجهها الأجيال ؟
- لا أحبذ أن يكون اختيارك أو اختيار أي أحد هو أن يفرض على المؤسسة الدينية - إن صح التعبير - أو على العلماء أو طلبة العلم أو الدعاة أن يفرض عليهم اجتهاداً معيناً لغيرهم. هم لديهم تصور للأمور, هذا الاجتهاد عند غيرهم قد لا يوافقونه في كل تفاصيله. لهذا قد يكون من القصور أنه لم يكن هناك التقاء مفتوح ما بين الاتجاهات المختلفة ليسمع كل منهم الآخر ويعرف وجهة نظره في اجتهاده. هناك بعض المسائل يكون فيها اجتهاد خاص. ومثلما ترى كل واحد يرى رأيه هو الصواب. ويأتي من يتهم العلماء أو طلبة العلم بأنهم لم يقوموا بشيء وهو لم يتابع أصلا ما يقومون به يومياً من توجيهات. لكن في ذهنه نوعاً معيناً من العمل لم يقوموا به. وهذا العمل لا يصح أن يفرض على العلماء . ولكننا وصلنا إلى مأزق .. إلى حافة الهاوية فضيلة الشيخ, إذا العلماء لا يتصدون إلى هذه المسائل بالتنوير والتوجيه .
- أي مسألة ؟ مسألة وضع الفكر الإسلامي والانفجار الأمني والسياسي والصراع مع العالم ؟
- من قال إنهم لا يتحدثون، لكنهم قد لا يتحدثون على طريقة اجتهاد معين . الغرب يتهمنا بعدم التسامح ؟
- التسامح أصل شرعي. الله - جل وعلا - يقول " وقولوا للناس حسنى " والتعامل مع الناس يجب أن يكون وفق أصول الشرع التي تدعو إلى أن تحب للناس ما تحب لنفسك وأن تعطيهم ما تعطي نفسك التسامح الذي لا يكون فيه مزية للمؤمن على غيره. هذا غير مطلوب. الشريعة فيها التسامح, ولكن ليس معنى التسامح الذلة والتميع. بل لن يقوم لنا كيان أو مجد إلا بالعزة .
في هذه القضية هناك اتجاهان ؛ من يرى أن التسامح أن توافق الغرب في كل ما يريده حتى تكون مواطناً صالحاً في هذه الأرض. وهناك من يقول التسامح أن تعطي للناس ما يستحقونه وأن تعاملهم بالعدل لكن ليس معنى ذلك أن تتنازل عن ما يميزك. وعن خصوصياتك وعن قدراتك, لأنك إذا ذبت في العالم فإنك ستذوب إلى الأبد, ولكن إذا حافظت على أصولك فإنك ستبقى محافظاً على كيانك وشخصيتك. وهذا يعني البقاء .
لعن الكفار هل يدخل في هذا الإطار ؟
- لعن الكفار منسوخ, النبي صلى الله عليه وسلم لعن أقواما من الكفار, و نزل عليه قول الله جل وعلا " ليس لك من الأمر شيء, أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ". العلماء يقولون إن لعن الكافر بعينه منسوخ. وليس مشروعاً أن تلعن الكفار . إذاً أنتم تنبهون دعاتكم وأئمة المساجد وخطبائها بعدم رفع الدعاء على الكفار ؟
- اللعن شيء والدعاء شيء آخر. الدعاء على الكافر فيه تفصيل وضحناه. الدعاء على من ظلم هذا حق لك أن تدعو على من ظلمك. النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ " واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " فالكافر إذا كان ظلمنا واعتدى علينا، فإن جزءاً من الدفاع أن تدعو عليه. لكن الكافر المسالم إن تعميم الدعاء على غير الظالم, هذا ليس مأموراً به فالدعاء هو جزء من السلاح الذي توجهه على من ظلمك, وعلى من اعتدى عليك. أما المسالم لا يدعى عليه.
http://www.alwatan.com.sa/daily/2003-09-20/affair.htm
الجزء الأول
الرياض : سليمان العقيلي
في هذا الظرف الدقيق الذي تواجه فيه الأمة محنة النيل من عقيدتها ودينها بسبب ما استند عليه منفذو الأعمال الإرهابية من اجتهادات عقدية. وبسبب ما وجه إلى المملكة ورسالتها الدينية من اتهامات بعدم التسامح وتشجيع التطرف. كان لا بد من الحوار مع واحد من كبار قادة المؤسسة الدينية السعودية، هو وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. الذي عرف ليس بوصفه رجل دولة فحسب, بل أيضاً بصفته عالماً شرعياً ومفكراً إسلامياً ضليعاً.
الشيخ صالح ألقى الضوء على مناطق خافتة في الدعوة السلفية وبين أنها دعوة اجتهادية لا تقدس الأشخاص. كما تطرق إلى أحداث 11 سبتمبر. ونفى أي دور لتراجع دور العلماء في انتشار التطرف والعنف، مستشهداً بأن هذا حصل في وقت الخلفاء الراشدين وهم أفضل علماً وأكثر خيرية. لكن الشيخ الذي أبرز تسامح الدعوة السلفية ووسطيتها، لم يتزحزح قيد أنملة عن ما يراه ثوابت في صحيح الدين. فإلى نص الحوار:
أحداث 11 سبتمبر عن هجمات 11 سبتمبر وبمناسبة مرور عامين عليها، تردد أن الهجمات ذات دافع ديني، وقال آخرون إنها ذات دوافع سياسية أعطيت تخريجات فقهية دينية. في رأيكم ما هي الدوافع؟
- أعتقد أن أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من أقوال واتهامات وإفرازات وتكوين مجموعات سواء في أمريكا أو الوطن العربي والإسلامي. مازالت تحتاج إلى المزيد من الدراسة لفهم الأمر أولاً. ثم لتحليل معطيات هذا الحدث وما نتج عنه. وإلى الآن أنا لم أقف على دراسة جادة ومتكاملة حول هذا الموضوع. لكن يمكن أن أجمل القول في محاور عامة لفهم هذه القضية :
أولاً: يجب دائماً أن نفرق ما بين ما يفسر وبين ما يبرر فقد تكون هناك قضايا يوجد تفسير لها. وقد يعرض التفسير على أنه تبرير. من تعاطى مع هذا الموضوع من جانب من أوقعوا هذه الهجمات وعملوا بها أو في الجانب الآخر ممن واجهوا هذا الفعل برد فعل. لم يفرقوا بين التبرير والتفسير. لا أحد يبرر الاعتداء على إنسان بدون وجه حق. وفي الشرع ونصوص القرآن والسنة قاطعة مليئة وهي معلومة حول هذا الأمر. بل جعل الله من إحياء النفس كإحياء الناس جميعاً فقد قال الله تعالى "ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعاً".
فهناك أشياء تفسر ما وقع من وجود بعض المظالم، ووجود الاعتداءات، ووجود السياسات الانتقائية. ووجود بعض الظلم من واقع الممارسات التي يواجه بها المسلمون هنا وهناك. وهذه فسرت قيام مجموعات بتكوين خلايا وجماعات جعلتها تقوم بشكل أو بآخر بهذه الأعمال. ومهما حصل نحن نقول إنه لا يبرر لهم القيام بما حدث لأن فعل هذه التفجيرات في أي مكان - حتى طالتنا هنا في المملكة العربية السعودية - هذه كلها مضادة لأصل الشريعة والكتاب والسنة وإجماع أهل العلم. كذلك الجهة المضادة مما صدر عن دوائر الإعلام الأمريكي والقرار الأمريكي من وجود ما يضاد هذا الأمر. ويبرر لهم كل ما فعلوه في مضادة ما حدث في 11 سبتمبر. أعتقد كنا في حاجة لمزيد من الدراسة والعقلانية في معالجة الأمور، حتى لا تتفاقم لأن من أصعب الأشياء؛ هو التعامل مع النفس الإنسانية، فالنفس ليست حالة تعطيها شيئاً وتتوقع منها مخرجاً معيناً. وليست مصنعاً أو شركة تعطيها معطيات وتجد مخرجاً, النفس الإنسانية فيها الكثير من الأحوال قد لا تتعمق في دراستها فتظن أنك ستحدث مصلحة فتحدث مفسدة. لذلك كنا في حاجة إلى التأني في التحليل. التأني كان مطلوباً من العالم الإسلامي أو من الولايات المتحدة ؟
- كل الأطراف كانت في حاجة إلى التأني في فهم الأمر ومواجهته. لكن بالنسبة للعالم الإسلامي كان وجود هذه الجماعات بشكل أو بآخر، وأبرزها تنظيم القاعدة, وجود هذا التنظيم منذ سنين قبل أحداث 11 سبتمبر بسنين والجميع يعرف به, وما كان التعامل معه بحجم التعامل معه بعد الأحداث. وهذا يعطينا درساً بأننا يجب علينا أن نستبق الأمور وأن لا نفسر الأحداث بتفسير بسيط. بل يجب علينا - خاصة في مجال الفكر والتوجهات العقدية من جميع الاتجاهات - علينا عمل نظرة واقعية متأنية تتسم بالفهم وبالغوص في الحقائق وبعدم التساهل في الأمر لأن هذه الأشياء تنمو كما ينمو الوليد. كل يوم تزيد.
تراجع دور العلماء هل توافقون على أن انتشار حركات العنف والتطرف الديني جاء بسبب تراجع دور العلماء ؟
- أولاً العنف والتطرف بدأ في عهد الخلفاء الراشدين. بدأ في عهد عثمان رضي الله عنه. وفي عهد علي كرم الله وجهه. وهو العهد الذي كان الصحابة بعلمائهم وأخيارهم موجودين يقومون بدورهم. فهو انحراف إنساني قد يوجد في المسلمين وقد يوجد في غيرهم. هو انحراف ليس لتراجع دور العلماء سبب رئيس فيه. الأحداث الإرهابية التي وقعت في المملكة العربية السعودية قبل أكثر من 20 سنة ابتداء من أحداث الحرم حتى وقتنا الحاضر. كان فيها العلماء يقومون بواجبهم. كبار العلماء يناصحونهم. لكن هذه التيارات والمجموعات لها أهداف، هي لا تستجيب للعلماء. لأنهم يرون العلماء لا يمثلون الدين الصحيح. هم يرون أن مصداقية العلماء ليست في قوتها ؟
- لا .. هم يرون أن من لا يكون معهم ليس بمسلم صادق في إسلامه. عن السياسة والدين؛ هل يمكن المزج بين المصالح السياسية وهي جزء من المصالح الشرعية والأصول الدينية. من دون أن تتأثر مصداقية العالم ؟
- ما ذكرته أنا الحظه كثيراً. لذلك أرى من العلاج أن تكون هناك مواد خاصة في الجامعات بل حتى في التعليم العام تتعلق بمفهوم السياسة الشرعية. ومفهوم المصالح والمفاسد. مفهوم الحوار. مفهوم النظم الإسلامية. حيث يقل الآن من يفهم مجموعة النظم التي تشكل الدولة الإسلامية، لذلك يأتي من يقول إن هناك صح و خطأ فقط. لم يكن هناك كثيرون يفهمون أن الدولة الإسلامية لها اجتهاداتها الواسعة. وليس معنى الدولة الإسلامية أنها لا بد أن تكون مثل دولة إسلامية قامت قبل سنين أو قرون. الدولة الإسلامية مهمتها كبيرة, وهي قد تتجدد وتتطور بحسب تحقيق المصلحة .
الولاء والبراء هل يمكن أن يكون هناك تفسير معاصر لمبدأ الولاء والبراء ؟
- الولاء والبراء هذا شئ منصوص عليه في القرآن والسنة. وأصبحت قضية عقدية. ويجب أن نعتقد بالولاء والبراء. الولاء للإيمان بالله - جل وعلا - ولرسوله ولكتابه. والبراء من الكفر. وليس البراء من الكفار ؟
- من ضمن الولاء أن توالي المؤمن وأن تعادي الكافر الذي يعاديك ويظلمك. لان الله جل وعلا قال " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ", المسالم المعتدل المتفاهم, الذي ليس بينك وبينه عداء, هذا يشرع أن نبره ونحسن إليه اختياراً .
مفهوم الولاء والبراء منصوص عليه في القرآن. الإشكالية جاءت من التوسع في فهم هذه الكلمة مثل التوسع في مفهوم الجهاد، وفي مفاهيم التكفير والتفسيق والتبديع. هذه اصلها شرعية ويجب أن نعتقدها. لكن من الذي يفسر. لذا يجب أن نرجع في تفسيراتنا إلى نص الكتاب والسنة. وإلى فهم السلف, وإلى فهم علماء الأمة. أما إذا أتى واحد يقول أنا مفسر هذه النصوص بتفسيري الخاص فنقول له "تفسير غير مقبول" .
الخطاب الديني أوصى اللقاء الوطني للحوار الفكري بتطوير الخطاب الدعوي ؛ وهو يحتاج إلى تصحيح وإلى تطوير. ما هي ملامح تطوير الخطاب الدعوي في رأيكم ؟
- أولاً كل رسول أرسله الله - جل وعلا - إلى قومه بلسانهم كما قال جل وعلا " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " واللسان يشمل اللغة ومحتوى اللغة وطريقة الأداء. ولذلك نرى أنه في القرآن تعددت الأساليب مع اختلاف الأنبياء. وأسلوب إبراهيم الخليل عليه السلام مع قومه كان أسلوب الحوار, جادلهم وناظرهم "لما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي" " لما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي " ولما رأى الكوكب .. الخ، أخذ يجادلهم ويناظرهم بهذه الطريقة. ونرى شعيباً وعيسى وموسى عليهم السلام نفس الشيء. دعوة الأنبياء واحدة, لكن طريقة حوارهم مع قومهم مختلفة. فإذاً الأصل الشرعي أن محتوى اللسان يشمل طريقة الخطاب والإقناع. وهذا لا يمنع بل هذا يدعونا إلى أن نطور اللفظ والمحتوى والطريقة. هذا يدعونا أن نطور لغة اللسان الذي نخاطب به الذي يصل إلى عقلياتهم, فالعقليات مختلفة ؛ عقلية العربي تختلف عن عقلية الغربي، وعقلية الأمريكي تختلف عن عقلية الياباني, فلذلك اللسان الذي يشمل المحتوى واللغة وطريقة الإقناع لابد أن تختلف وأن تتنوع, بل تتنوع بتنوع الزمان, وبحسب الثقافة. الذي يناقش البادية ليس كمن يحاور المثقفين. أو من يناقش شخص لديه شبهات ليس كمن يناقش أو يحاور صحيح العقيدة .
هذا الحوار الوطني هو وسيلة لتجديد الخطاب الدعوي في خطاب معين حتى يثمر. وهو جزء من الحوار الوطني
.تطور المؤسسة الدينية ولكن هناك اتهام للمؤسسة الدينية أنها لم تتطور في خطابها أو طريقة تعاملها مع الأجيال أو في طريقة توجيهها لعامة المسلمين وخاصتهم؟
- أولاً التطوير يحتاج إلى وقت وأنا أعتقد أن المؤسسة الدينية متطورة, وقد لا تكون بلغت الطموح, لكن لا شك أنها متطورة ووصلت إلى الناس في توجيهاتها وأفكارها وآرائها. وشرحت الدين ووصل إلى قطاعات كبيرة في العالم. الإشكالية هي أن التطوير يحتاج إلى إمكانات. منها الإمكانات البشرية والمادية. الإمكانات البشرية تحتاج إلى تأهيل, نحن لدينا مثلاً دعاة وطلبة علم وخطباء وأئمة مساجد وكتاب ودعاة في الخارج. هؤلاء يحتاجون إلى تطوير عن طريق الدورات, فهناك المعرفة والمهارة ؛ المعرفة بالعلم لابد من تجديده. والمهارة لابد أن تأتي بالدورات, وهي تحتاج إلى آلية عمل كبيرة ونفقات. فالمؤسسة الدينية متطورة. لكن قد يكون تطور العالم أسرع أو المعطيات أسرع. وكون أننا نوازي بين جهات لديها إمكانات عالية مع جهات إمكانياتها محدودة هذا ليس بإنصاف. إذا نظرنا إلى الإعلام ؛ فالمؤسسة الدينية ترغب أن تخاطب الناس من خلاله بأسلوب عصري, لكن الإعلام يحتاج إلى نفقات. المشكلة ليست في الأدوات, بل في مضمون الرسالة ؛ هل تعتقد أن خطاب المؤسسة الدينية ورسالتها مواكبان للعصر، ويتصفان بالاجتهاد الملائم لروح العصر وللقضايا الشائكة التي تواجهها الأجيال ؟
- لا أحبذ أن يكون اختيارك أو اختيار أي أحد هو أن يفرض على المؤسسة الدينية - إن صح التعبير - أو على العلماء أو طلبة العلم أو الدعاة أن يفرض عليهم اجتهاداً معيناً لغيرهم. هم لديهم تصور للأمور, هذا الاجتهاد عند غيرهم قد لا يوافقونه في كل تفاصيله. لهذا قد يكون من القصور أنه لم يكن هناك التقاء مفتوح ما بين الاتجاهات المختلفة ليسمع كل منهم الآخر ويعرف وجهة نظره في اجتهاده. هناك بعض المسائل يكون فيها اجتهاد خاص. ومثلما ترى كل واحد يرى رأيه هو الصواب. ويأتي من يتهم العلماء أو طلبة العلم بأنهم لم يقوموا بشيء وهو لم يتابع أصلا ما يقومون به يومياً من توجيهات. لكن في ذهنه نوعاً معيناً من العمل لم يقوموا به. وهذا العمل لا يصح أن يفرض على العلماء . ولكننا وصلنا إلى مأزق .. إلى حافة الهاوية فضيلة الشيخ, إذا العلماء لا يتصدون إلى هذه المسائل بالتنوير والتوجيه .
- أي مسألة ؟ مسألة وضع الفكر الإسلامي والانفجار الأمني والسياسي والصراع مع العالم ؟
- من قال إنهم لا يتحدثون، لكنهم قد لا يتحدثون على طريقة اجتهاد معين . الغرب يتهمنا بعدم التسامح ؟
- التسامح أصل شرعي. الله - جل وعلا - يقول " وقولوا للناس حسنى " والتعامل مع الناس يجب أن يكون وفق أصول الشرع التي تدعو إلى أن تحب للناس ما تحب لنفسك وأن تعطيهم ما تعطي نفسك التسامح الذي لا يكون فيه مزية للمؤمن على غيره. هذا غير مطلوب. الشريعة فيها التسامح, ولكن ليس معنى التسامح الذلة والتميع. بل لن يقوم لنا كيان أو مجد إلا بالعزة .
في هذه القضية هناك اتجاهان ؛ من يرى أن التسامح أن توافق الغرب في كل ما يريده حتى تكون مواطناً صالحاً في هذه الأرض. وهناك من يقول التسامح أن تعطي للناس ما يستحقونه وأن تعاملهم بالعدل لكن ليس معنى ذلك أن تتنازل عن ما يميزك. وعن خصوصياتك وعن قدراتك, لأنك إذا ذبت في العالم فإنك ستذوب إلى الأبد, ولكن إذا حافظت على أصولك فإنك ستبقى محافظاً على كيانك وشخصيتك. وهذا يعني البقاء .
لعن الكفار هل يدخل في هذا الإطار ؟
- لعن الكفار منسوخ, النبي صلى الله عليه وسلم لعن أقواما من الكفار, و نزل عليه قول الله جل وعلا " ليس لك من الأمر شيء, أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ". العلماء يقولون إن لعن الكافر بعينه منسوخ. وليس مشروعاً أن تلعن الكفار . إذاً أنتم تنبهون دعاتكم وأئمة المساجد وخطبائها بعدم رفع الدعاء على الكفار ؟
- اللعن شيء والدعاء شيء آخر. الدعاء على الكافر فيه تفصيل وضحناه. الدعاء على من ظلم هذا حق لك أن تدعو على من ظلمك. النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ " واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " فالكافر إذا كان ظلمنا واعتدى علينا، فإن جزءاً من الدفاع أن تدعو عليه. لكن الكافر المسالم إن تعميم الدعاء على غير الظالم, هذا ليس مأموراً به فالدعاء هو جزء من السلاح الذي توجهه على من ظلمك, وعلى من اعتدى عليك. أما المسالم لا يدعى عليه.
http://www.alwatan.com.sa/daily/2003-09-20/affair.htm