عواد سلامه الرموثي
09-16-2006, 02:02 PM
اعلم أخي القارىء أنه قد كان في الأنبياء عليهم السلام من له المعجزة والنبوة معاً مثل موسى والمسيح عليهما السلام وقد ذهبت معجزاتهما بذهابهما ، فلم يبق في أيدي الناس منها إلا ذكرها ، ومنهم من كانت له نبوة ولم تكن له معجزة مثل زكريا وناحوم وميخا وملاخي وغيرهم , وها هو يوحنا المعمدان يقول عنه متى : ((يوحنا عند الجميع نبي )) متى 21 : 26 ، و في موضع آخر (( أفضل من نبي )) متى 11 : 9 ورغم ذلك لم يأت بآية واحدة ، يقول يوحنا : (( فأتى إليه كثيرون و قالوا إن يوحنا لم يفعل آية واحدة )) يوحنا 10 : 41 .وقد اثبت كتاب النصارى المقدس نبوة جماعة من النساء مثل : مريم أخت موسى [خروج 15 عدد 20] وحنة بنت فنوئيل [ لوقا 2 عدد 36 ] وخلدة [ 2 ملوك 22 عدد 14 ] ودبورة [ القضاة 4 عدد 4 ] واستير، وغيرهن ولم يكن لواحدة منهن كتاب ولا معجزة إلا انهن معدودات في زمرة الأنبياء عندهم .
ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد جمع الله له النبوة والمعجزة معاً وقد كانت معجزة القرآن الكريم المعجزة العقلية البيانية التي جاء بها الرسول الأمي هي من اعظم معجزاته وقد تميز بها على سائر الانبياء ببقاءها حتى قيام الساعة ، أما معجزات من سبقه من الانبياء فقد كانت معجزات حسية انتهت بانتهاء وقتها ، فلو انك سألت أي نصراني اليوم أرني معجزة من معجزات المسيح فلن يجيبك .
وبجانب معجزة القرآن الكريم - أخي القارىء - هناك الكثير من المعجزات والآيات الحسية قد قام بصنعها الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرتها الاحاديث الصحيحة وقد اشار اليها القرآن الكريم بكل وضوح كما في قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} ( الصافات )
ففي هذه الآية الكريمة نجد ان الـتعبير بـ ((وَإِذَا رَأَوْا آيَةً))يدل بوضوح على انهم شاهدوا معجزة او معاجز للنبي صلى الله عليه وسلم ، الأمر الذي اجمع عليه كافة علماء المسلمين المعتبرين في العالم ودلت عليه الروايات المتواترة ايضاً . ومن المسلم به ان الايات القرآنية سمعية وليست بصرية, وعليه لا يمكن ان يكون قوله تعالى : (( وَإِذَا رَأَوْا آيَةً )) عائد للآيات القرآنية , بالاضافة الى ذلك فان التعبير بـ : (( سِحْرٌ مُبِينٌ)) يتناسب تماما مع الـمـعجزات وخوارق العادات , والواقع ان اتهامهم نبي الاسلام بالسحر , وترويجهم لهذه المسالة بشكل واسع يدل على انهم رأوا منه خوارق عادات ومعجزات ,
أما ما ذهب إليه البعض ان هناك ايات في القرآن الكريم تدل على ان نبي الاسلام لم يمتلك معجزة سوى القرآن الكريم واسـتـدلالهم بالآية 59 من سورة الاسراء التي تقول : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} , وكذلك بالاية 90 إلى 93 من سورة الاسراء والتي جاء فيها : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا ، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلا ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا }.
فالجواب عن ذلك بالآتي :
أن هؤلاء المشركين لم يكن يقترحون ويسألون عن تلك المعجزات اِسْتِرْشَادًا وطلباً للحق وإِنَّمَا كانوا يَطْلُبُونَ ويقترحون ذَلِكَ كُفْرًا وَعِنَادًا فعند طلب أمثال هذه المعجزات مع الإعراض عن المعجزة الحقيقية لنبينا صلى الله عليه وسلم والمعجزات الأخرى ، عند ذلك لم يستجيب الله عز و جل لطلب المشركين ، إذ أن طلبهم ليس لعدم قيام الحجة الكافية بل هو نوع من التعنت و التعجيز ، و قد كانوا كلما رأوا معجزة يقولون : ((سِحْرٌ مُبِينٌ))كما ذكرنا سالفاً … وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ } [ الحجر : 14 ] فحتى لو نزلت هذه الآيات فلسوف يعيدون ذلك القول .
فالحاصل : ان عدم إجابة المشركين على تعنتهم لا تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت بآيات ، فإن هذا يرده التأمل في معجزة القرآن و ما نقل من معجزاته صلى الله عليه وسلم المبثوثة في كتب الحديث ودلائل النبوة .
يقول أهل التفسير في قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} أي وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحها أهل مكة إلا أن كذب بها الأولون لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء لكذبوا بها واستحقوا الإهلاك وقد حكمنا بإمهالهم لإتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وعن الحسن في قول الله تعالى :{ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} قال : رحمة لكم أيتها الأمة , إنا لو أرسلنا بالآيات فكذبتم بها , أصابكم ما أصاب من قبلكم.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره : وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحوها إلا أن يكذبوا بها فيهلكوا كما فعل بمن كان قبلهم . قال معناه قتادة وابن جريج وغيرهما. فأخر الله تعالى العذاب عن كفار قريش لعلمه أن فيهم من يؤمن وفيهم من يولد مؤمنا. وكذلك وقع فإن من هؤلاء من أسلم بعد ذلك وحسُن اسلامه .
ان المعاجز التي اقترحها هؤلاء لا تستند إلى أساس البحث عن الحقيقة , وإنما هي ( اقتراحية ) وتعللية , ولو نفذت طلباتهم لما آمنوا أيضا .
هذا وان الالتفات الى الكلمة التي وردت في اقوال جمع من المفسرين الكبار توضح ان المعجزات على نوعين :
النوع الاول : هي المعجزات الضرورية لاثبات صدق دعوى النبي , وترغيب الناس الى الايمان , وتخويف المنكرين , وهي المعاجز المنطقية لناشدي الحق والباحثين عن الحقيقة , بحيث يعبر القرآن في ذيل الاية الاولى منها بقوله : { ومانرسل بالايات الا تخويفا } , (سورة الاسراء : 59).
النوع الثاني من المعجزات : هي المعجزات التي تسمى بـ ( الاقتراحية ), اي المعجزات التي يطالب بها لا لأجل سلوك سبيل الحق واليقين بصدق دعوى النبوة ومن ثم الايمان واعتناق الاسلام , وانما بقصد تعجيز الطرف الاخر فان وجدوا به قدرة على ذلك اتهموه بالسحر.
والانبياء كانوا يتجهون صوب القسم الاول ولا يستسلمون اطلاقا لمقترحات المتعللين والمعاجز الاقتراحية . وفي الاناجيل التي مع النصارى نجد ان هناك حالات لم يقدر المسيح عليه السلام ان يعمل فيها معجزات كما في مرقس 6 : 5 : (ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة ) ويقول مرقس أيضاً : ( فخرج الفريسيون و ابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه ، فتنهد بروحه، وقال: لماذا يطلب هذا الجيل آية ؟ الحق أقول لكم : لن يعطى هذا الجيل آية. ثم تركهم… ) ( مرقس 8/11-13 ).
يـشير لحن الايات 90 ـ 93 من سورة الاسراء بشكل واضح الى ان هذه المطاليب العجيبة والغريبة لمشركي العرب لم يكن منشؤها هو البحث عن الحقيقة , بل الغاية منها هي اختلاق الاعـذار والـتـشكيك في نبوة نبي الاسلام وارساء دعائم الشرك والصنمية , ولذا لم يتمعنوا النظر حتى في مفهوم كلامهم , فمن ضمن مطالبهم مثلاً (الصعود الى السماء ), ثم ينفون ذلك مباشرة ويقولون : نحن لا نؤمن بذلك حتى تبعث لنا كتابا من قبل اللّه :{ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} وتـارة يطلبون الأمور المستحيلة كقولهم :{وَقَالُوا لولا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [ الانعام : 8 ]
ثم إذا كان الهدف هو التوصل إلى معرفة حقانية النبي فلم يطلبون ست معاجز مختلفة ؟ أليس المورد الواحد منها كافيا ؟.
من هنا لم يتسن لأي نبي ان يستسلم لهذا النوع من الأراجيف والأباطيل , فضلا عن ان الإعجاز ليس من شان النبي واختياره , وإنما هو من شان اللّه تعالى واختياره .
ان الـنـبي بامكانه ان يطلب المعجزة من اللّه واللّه تعالى يضع بين يديه اي مورد يراه صالحا , ولهذا نـقـرا في ذيل الايات 90 ـ 93 من سورة الإسراء هذا المعنى : (( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا)) وكذا في سورة الرعد آية 38 : ((وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ )) .
مـلخص الكلام هو أنه من الصحيح القول : بان القرآن لوحده معجزة خالدة , ولو لم يكن هناك معجزة اخـرى سـوى هذه المعجزة للنبي لاستطاعت ان تكون شاهداً على صدقه , ولكن هذا لايدل على ان الـنبي لم يمتلك معجزات جسمانية ومادية غير هذه المعاجز الروحية والمعنوية , بل ذهبت الايات والـروايـات والـتـواريخ الاسلامية وسيرة النبي الى القول : بانه كان يمتلك ذلك , ولا شك في ان انضمام الـمعجزات المحسوسة والمادية الى تلك المعجزة المعنوية الكبيرة يظهر حقانية الدعوة النبوية بصورة اجلى واوضح .
ولنذكر الآن بعض من المعجزات الحسية التي قام بصنعها رسولنا الكريم :
1- معجزة نبوع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم :-
روى البخاري عن أنس بن مالك قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الاناء فأمر الناس أن يتوضئوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم. [ صحيح البخاري ج 1 / ص 74] [ صحيح مسلم ج4 / ص 1783 ] [ صحيح ابن حبان ج/14 ص/ 477 ]
وروى البخاري عن جابر بن عبدالله قال : عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة (أي إناء صغير من جلد )يتوضأ فجهش الناس نحوه (أي تجمعوا) قال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. [ صحيح البخاري ج / 3 1310/ ] [ صحيح ابن حبان 14/ص480 ]
والرويات في هذه المعجزة مشهورة بين الصحابة وقد رواها جمع كثير منهم أنس وجابر بن عبدالله وابن عباس ، والبراء بن مالك وابو قتادة ،وغيرهم وخبرها متواتر مستفيض . وقد تكررت في أكثر من مناسبة .
2- معجزة شفاء علي رضي الله عنه وغيره من الصحابه :-
قال عليه الصلاة والسلام في غزوة خيبر :- لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال : فأرسلوا إليه ( ائتوني به ) فأُتي بهفنفث في عينه بقليل من ريقه عليه الصلاة والسلام فبرأ لتوه ولم يمرض بعينه قط . [ رواه البخاري في كتاب الغزوات ورواه مسلم في باب فضائل الصحابه ]
وقد قام المسيح عليه السلام بالتـفل في عين أحد العميان فشفي من مرضه [ مرقس 8 : 22 ] : ((وجاء الى بيت صيدا .فقدموا اليه اعمى وطلبوا اليه ان يلمسه . فاخذ بيد الاعمى واخرجه الى خارج القرية وتفل في عينيه ووضع يديه عليه وسأله هل ابصر شيئا)).
_ وأصيب سلمة يوم خيبر بضربة في ساقه ، فنفث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث نفثات فما اشتكاها قد . عن يزيد بن أبي عبيد قال : (( رأيت أثر ضربة في ساق سلمة ، فقلت : يا أبا مسلم ، ما هذه الضربة ؟ قال : هذه ضربة أصابتني يوم خيبر ، فقال الناس أصيب سلمة … فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات ، فما اشتكيت حتى الساعة )). [ صحيح البخاري ج 4 / 1541/ صحيح أبي داود / 3295 صحيح ابن حبان 4 1/ ص 439]
_ وعن البراء بن عازب رضي الله عنه : أن عبدالله بن عتيك لما قتل أبا رافع ونزل من درجة بيته سقط إلى الأرض فانكسرت ساقه ، قال : فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( ابسط رجلك فبسطها فمسحها فكأنما لم أشكها قط )) [ صحيح البخاري ج 4 / ص 1483]
_ وعن معاذ بن رافع بن مالك عن أبيه قال : (( رميت بسهم يوم بدر ففقئت عيني فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما آذاني منها شيىء )) [ أخرجه ابن ابي شيبه والحاكم والبيهقي وأبو نعيم ]
3- معجزة رّد عين قتادة بعد تدليها :-
في غزوة أحد أُصيب قتادة بن النعمان في عينه حتى سقطت وتدلت على وجـنته ( أي على أحد خده )فردها عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة فبرأت على الفور ، وصارت عينيه تلك أحسن عينيه . . . فتلك من آيات الله التى أيد الله بها رسوله .والرواية اخرجها ابن اسحاق في السيرة النبوية ( 3 / 30 ) ، وابن حجر في الاصابة ، وابن عبدالبر في الاستيعاب في ترجمة النعمان ، وأبو يعلى ، والبيهقي في الدلائل ، وابو نعين في الدلائل برقم ( 418 ، 417 ) وذكرها الحاكم في المستدرك ( 3 / 295 )
4- معجزة شفاء الضرير بدعائه صلى الله عليه وسلم :-
عن عثمان بن حنيف : أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أدع الله أن يعافيني فقال :- (( إن شئت أخّرت ذلك فهو أفضل لآخرتك،وإن شئت دعوت لك ))قال : لا، بل أدع الله لي قال :- فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ، وأن يدعو بهذا الدعاء :-
( اللهم أني أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ،يا محمد إني أتوجه بك في حاجتي هذه فتُقضى ،اللهم شفعة في) ففعل الرجل فبرأ ، فشفاء هذا الضرير آية من نبوته0[ رواه البخاري في التاريخ الكبير 6/210 ,والطبراني في المعجم الكبير 9/19 وصححه وسلمه الذهبي , والبيهقي في دلائل النبوة 6/166 وغيرهم ]
وهذا الدعاء خاص في حياته صلى الله عليه وسلم وليس بعد مماته فلُيعلم .
5- خروج الجن من الصبي بدعائه صلى الله عليه وسلم :-
عن أبن عباس رضي الله عنهما قال :-إن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :يا رسول الله ان به لمماً ،وإنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا قال:- فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثعّ ( أي قاء أو سعل مرة واحدة ) فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى .[ رواه الدرامي ]
6- معجزة فيضان ماء بئر الحديبية :-
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه لما كان بالحديبية هو وأصحابه سنة ست من الهجرة وكان الحديبية بئر ماء فنزحها أصحابه بالسقي منها حتى لم يبقى فيها ما يملأ كأس ماء وكانوا ألفاً وأربعمائة رجل ،وخافوا العطش فشكوا ذلك إليه صلى الله عليه وسلم فجاء فجلس على حافة البئر فدعا بماء فجئ به إليه فتمضمض منه ،ومج ما تمضمض به في البئر ،فما هي إلا لحظات ،وإذا البئر فيها ماء فأخذوا يسقون فسقوا وملأوا أوانيهم وأدوات حمل الماء عندهم وهم كما تقدم ألف وأربعمائة رجل ،وهم أهل بيعة الرضوان الذين رضى الله عنهم وأنزل فيهم قوله تعالى من سورة الفتح :- (لَقَد رَضِيَ الله عَنِ المُؤمِنِينَ إَذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الَشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأَنْزَلَ السَّكِيَنَة عَلَيْهِمْ وأثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ). [ رواه البخاري في كتاب المناقب ، باب علامات النبوة ]
7- معجزة الطعام القليل يشبع العدد الكثير :-
روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله : قال أبو طلحة لأم سُليم : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع ،فهل عندك من شيء ؟ قالت :نعم ، فأخرجت أقراصاً من شعير ،ثم أخرجت خِماراً لها فلفت الخبز ببعضه ،ثم دسته تحت يدي ،ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس ،فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ( أرسلك أبو طلحة ؟ ) فقلت: نعم ، قال : ( بطعام ؟) قلت :نعم ،فقال:- رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه( قوموا) فانطلق ،وانطلقت ين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة :- يا أم سُليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت: الله ورسوله أعلم ،فأنطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- (هلم يا أم سُليم ما عندك ؟) فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت ،وعصرت أم سُليم عكة فآدمته ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يقول ،ثم قال :- ( أئذن لعشرة ) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ،ثم خرجوا ، ثم قال ،( أئذن لعشرة ) ، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ،ثم خرجوا ،ثم قال ، ( ائذن لعشرة ) فأكل القوم كلهم ، والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً .أليست هذه معجزة ؟ بلى وربي إنها لمن أعظم المعجزات.[ صحيح البخاري / علامات النبوة ] [ صحيح مسلم / الاشربة ]
8- معجزة تكثير الطعام :-
عن جابر ابن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه هو وامرأته ووصيف لهم حتى كالوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو لم تكيلوه لأكلتم منه ولقام لكم [ صحيح مسلم في معجزات النبي ,رواه احمد في مسنده ]
قال أبو طلحة الانصاري في حديثه المشهور : (( أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين رجلاً من أقراص شعير جاء بها أنس تحت إبطه )) [ البخاري في كتاب المناقب _ ومسلم 3 / 1612 والترمذي 5 / 595 والبيهقي في الدلائل ]
وقال جابر بن عبدالله : (( أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق من صاع شعير وعناق ( الانثى من أولاد المعز ) ألف رجل حتى تركوا وانحرفوا ( مالوا عن الطعام ) ، وإن البرمة لتغط كما هي وان العجين ليخبر )) [ البخاري في كتاب المغازي ومسلم 3 / 1610 والترمذي 5 / 595 ]
إن معجزة تكثير الطعام والشراب قد تكررت فبلغت عشرات المرات ،وفي ظروف مختلفة ،ومناسبات عديدة ، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه ، (( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير قال فنفدت أزواد القوم_ أي نفد زادهم واحتاجوا إلى طعام _ قال حتى هم بنحر بعض حمائلهم قال فقال عمر يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها ؟( أي بقاياه ) قال ففعل قال فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره قال وقال مجاهد وذو النواة بنواه قلت وما كانوا يصنعون بالنوى قال كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء قال فدعا عليها حتى ملأ القوم أزودتهمقال فقال عند ذلك : أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة )) [ صحيح مسلم، والنسائي ]
9 - معجزة تكثيره عليه السلام السمن لأم سليم :
عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:- كانت لأمي ،أم سليم شاة فجمعت من سمنها في عكة فملأت العكة ثم بعثت بها ربيبة ،فقالت :يا ربيبة أبلغي هذا العكة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدم بها ،فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سُليم قال :- (أفرغوا لها عكتها) فأفرغت العكة ودفعت إليها قالت :- فانطلقت بها ، وجئت وأم سليم ليست في البيت ،فعلقت العكة على وتد ،فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئه تقطر فقالت :يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟فقالت :- بلى قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت ومعها ربيية ،فقالت يا رسول الله إني بعثت معها إليك بعكة فيها سمن قال :- ( قد فعلت ، قد جاءت) قالت :والذي بعثك بالحق ،ودين الحق أنها لممتلئه تقطر سمناً ، قال أنس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه كلي وأطعمي ) قالت فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا ،وتركت فيها ما أئتد منا به شهراً أو شهرين ،فكون العكة تمتلئ بعد إفراغها والأكل منه طرة شهرين من معجزاته .
10- معجزة نزول المطر بدعائه :-
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة (جدب) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة فقام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله أن يسقينا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما رأينا في السماء قزعة (قطعة سحاب) فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار (انتشر) سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر (يتقاطر) على لحيته قال: فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو قال غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا قال: فما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا فرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة (أي حتى صارت السحب والغيوم محيطة بالمدينة) في السحاب، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود. [ صحيح البخاري / كتاب الجمعة ]
11- معجزة حنين جذع النخل شوقاً إليه صلى الله عليه وسلم :-
روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد ، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه ، صاحت النخلة التي كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه ، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت ، قال : بكت على ما كانت تسمع من الذكر )) [ رواه البخاري ]
وحديث حنين الجذع هو حديث مشهور معروف متواتر قد خرجه أهل الصحيح ورواه الأكابر / من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم / أبي ابن كعب وجابر بن عبدالله وأنس بن مالك وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وأبو سعيد الخدري وبريدة وأم سلمة وسهل ابن سعد .
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما ، أخرجه البخاري في كتاب المناقب ( فتح 6/601) والترمذي في كتاب الجمعة ( 2 / 379 ، ) والبيهقي في الدلائل ( 6 / 66 ) .
12- معجزة تحول جذل الحطب سيفاً :-
الجذل :هو عود غليظ من أصل الشجرة ، لقد انكسر سيف عكاشة بن محصن يوم بدر فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جذل حطب فقال له :- ( اضرب به) فأنقلب في يده سيفاً ، صارماً طويلاً أبيضاً شديد المتن ، فقاتل به ، ثم لم يزل عنده يشهد به المواقف إلى أن استشهد عكاشة في قتال أهل الردة ، وبعدما قتل بلعت الأرض ذلك السيف 0
13- معجزة نطق الغزالة ووفاؤها له صلى الله عليه وسلم :-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قوم قد اصطادوا ظبية ،فشدوها على عمود فسطاط ،فقالت : يا رسول الله إني أُخذت ولي خِشفان ( الولد الصغير ) فإستئذن لي أرضعهما وأعود إليهم ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أين صاحب هذه ؟ ) فقال القوم نحن يا رسول الله قال :- ( خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم ) فقالوا من لنا بذلك ؟ قال :- (أنا) فأطلقوها ،فذهبت فأرضعت خشفيها ثم رجعت إليهم ، فأوثقوها فمر بهم صلى الله عليه وسلم فقال :- ( أين صاحب هذه؟ ) فقالوا :-هذا يا رسول الله فقال ( تبيعونها؟ ) فقالوا :- هي لك يا رسول الله ، فقال :- ( خلو عنها فأطلقوها ) فذهبت ، فنُطقها آية من نبوته .
14- معجزة انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلم :-
روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :- سهرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا وادياً أفيح ( أي واسعاً رحباً ) فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته ،فأتبعتُه بإداوةٍ فيها ماء ، فنظر فلم ير شيئاً يستتر به ،وإذ شجرتان بشاطئ الوادي ،فأنطلق إلى إحداهما فأخذ ببعض من أغصانها ،وقال :- ( إنقادي علي بأذن الله ) فأنقادت معه كالبعير المخشوش ( الذي جعل في أنفه الخشائش وهو العود ، يجعل في عظم أنف الجمل لينقاد ) الذي يُصانع قائدة ،حتى أتى الشجرة الأخرى ،فأخذ بعضاً من أغصانها وقال:- ( إنقادي علي بأذن الله ) فأنقادت معه كالبعير المخشوش الذي يُصانع قائدة ،حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لاءم أي جمعهما ،وقال :- ( التئما إلي علي بأذن الله ) فالتأمتا ،قال جابر :- فخرجت أحضر ( أي أعدو بشدة ) مخافة أن يحس بقربي منه فيبعد ،فجلست أحدث نفسي ،فحانت مني التفاته ،فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل وإذا الشجرتان قد افترقتا . [ صحيح مسلم ]
وعن ابن عباس ، رضي الله عنه ، قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بم أعرف أنك رسول الله ؟ قال : (( أرأيت إن دعوت هذا العذق من الشجرة تشهد أني رسول الله ؟ )) قال : نعم . قال : فدعا العذق ، فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط إلى الأرض ينقز ، فأقبل إليه ، وهو يسجد ويرفع ويمجد ويرفع حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له : (( ارجع )) فرجع إلى مكانه ، فقال الاعرابي : والله لا أكذبك بشيىء تقوله بعدها أبداً ، أنا أشهد أنك رسول الله ، وآمن. [ أخرجه البخاري في تاريخه ، والترمذي في أبواب المناقب ( 3628 ) وأخرجه البزار ، وأبو يعلى ]
15 - معجزة سكون اضطراب الجبل بأمر الرسول :
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم ، فقال : (( اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )). وفي رواية : فضربه برجله وقال : (( أثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان )) [ رواه البخاري في كتاب فضال الصحابه ] [ صحيح ابن حبان14/ص415 ]
ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد جمع الله له النبوة والمعجزة معاً وقد كانت معجزة القرآن الكريم المعجزة العقلية البيانية التي جاء بها الرسول الأمي هي من اعظم معجزاته وقد تميز بها على سائر الانبياء ببقاءها حتى قيام الساعة ، أما معجزات من سبقه من الانبياء فقد كانت معجزات حسية انتهت بانتهاء وقتها ، فلو انك سألت أي نصراني اليوم أرني معجزة من معجزات المسيح فلن يجيبك .
وبجانب معجزة القرآن الكريم - أخي القارىء - هناك الكثير من المعجزات والآيات الحسية قد قام بصنعها الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرتها الاحاديث الصحيحة وقد اشار اليها القرآن الكريم بكل وضوح كما في قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} ( الصافات )
ففي هذه الآية الكريمة نجد ان الـتعبير بـ ((وَإِذَا رَأَوْا آيَةً))يدل بوضوح على انهم شاهدوا معجزة او معاجز للنبي صلى الله عليه وسلم ، الأمر الذي اجمع عليه كافة علماء المسلمين المعتبرين في العالم ودلت عليه الروايات المتواترة ايضاً . ومن المسلم به ان الايات القرآنية سمعية وليست بصرية, وعليه لا يمكن ان يكون قوله تعالى : (( وَإِذَا رَأَوْا آيَةً )) عائد للآيات القرآنية , بالاضافة الى ذلك فان التعبير بـ : (( سِحْرٌ مُبِينٌ)) يتناسب تماما مع الـمـعجزات وخوارق العادات , والواقع ان اتهامهم نبي الاسلام بالسحر , وترويجهم لهذه المسالة بشكل واسع يدل على انهم رأوا منه خوارق عادات ومعجزات ,
أما ما ذهب إليه البعض ان هناك ايات في القرآن الكريم تدل على ان نبي الاسلام لم يمتلك معجزة سوى القرآن الكريم واسـتـدلالهم بالآية 59 من سورة الاسراء التي تقول : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} , وكذلك بالاية 90 إلى 93 من سورة الاسراء والتي جاء فيها : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا ، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلا ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا }.
فالجواب عن ذلك بالآتي :
أن هؤلاء المشركين لم يكن يقترحون ويسألون عن تلك المعجزات اِسْتِرْشَادًا وطلباً للحق وإِنَّمَا كانوا يَطْلُبُونَ ويقترحون ذَلِكَ كُفْرًا وَعِنَادًا فعند طلب أمثال هذه المعجزات مع الإعراض عن المعجزة الحقيقية لنبينا صلى الله عليه وسلم والمعجزات الأخرى ، عند ذلك لم يستجيب الله عز و جل لطلب المشركين ، إذ أن طلبهم ليس لعدم قيام الحجة الكافية بل هو نوع من التعنت و التعجيز ، و قد كانوا كلما رأوا معجزة يقولون : ((سِحْرٌ مُبِينٌ))كما ذكرنا سالفاً … وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ } [ الحجر : 14 ] فحتى لو نزلت هذه الآيات فلسوف يعيدون ذلك القول .
فالحاصل : ان عدم إجابة المشركين على تعنتهم لا تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت بآيات ، فإن هذا يرده التأمل في معجزة القرآن و ما نقل من معجزاته صلى الله عليه وسلم المبثوثة في كتب الحديث ودلائل النبوة .
يقول أهل التفسير في قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} أي وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحها أهل مكة إلا أن كذب بها الأولون لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء لكذبوا بها واستحقوا الإهلاك وقد حكمنا بإمهالهم لإتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وعن الحسن في قول الله تعالى :{ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} قال : رحمة لكم أيتها الأمة , إنا لو أرسلنا بالآيات فكذبتم بها , أصابكم ما أصاب من قبلكم.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره : وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحوها إلا أن يكذبوا بها فيهلكوا كما فعل بمن كان قبلهم . قال معناه قتادة وابن جريج وغيرهما. فأخر الله تعالى العذاب عن كفار قريش لعلمه أن فيهم من يؤمن وفيهم من يولد مؤمنا. وكذلك وقع فإن من هؤلاء من أسلم بعد ذلك وحسُن اسلامه .
ان المعاجز التي اقترحها هؤلاء لا تستند إلى أساس البحث عن الحقيقة , وإنما هي ( اقتراحية ) وتعللية , ولو نفذت طلباتهم لما آمنوا أيضا .
هذا وان الالتفات الى الكلمة التي وردت في اقوال جمع من المفسرين الكبار توضح ان المعجزات على نوعين :
النوع الاول : هي المعجزات الضرورية لاثبات صدق دعوى النبي , وترغيب الناس الى الايمان , وتخويف المنكرين , وهي المعاجز المنطقية لناشدي الحق والباحثين عن الحقيقة , بحيث يعبر القرآن في ذيل الاية الاولى منها بقوله : { ومانرسل بالايات الا تخويفا } , (سورة الاسراء : 59).
النوع الثاني من المعجزات : هي المعجزات التي تسمى بـ ( الاقتراحية ), اي المعجزات التي يطالب بها لا لأجل سلوك سبيل الحق واليقين بصدق دعوى النبوة ومن ثم الايمان واعتناق الاسلام , وانما بقصد تعجيز الطرف الاخر فان وجدوا به قدرة على ذلك اتهموه بالسحر.
والانبياء كانوا يتجهون صوب القسم الاول ولا يستسلمون اطلاقا لمقترحات المتعللين والمعاجز الاقتراحية . وفي الاناجيل التي مع النصارى نجد ان هناك حالات لم يقدر المسيح عليه السلام ان يعمل فيها معجزات كما في مرقس 6 : 5 : (ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة ) ويقول مرقس أيضاً : ( فخرج الفريسيون و ابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه ، فتنهد بروحه، وقال: لماذا يطلب هذا الجيل آية ؟ الحق أقول لكم : لن يعطى هذا الجيل آية. ثم تركهم… ) ( مرقس 8/11-13 ).
يـشير لحن الايات 90 ـ 93 من سورة الاسراء بشكل واضح الى ان هذه المطاليب العجيبة والغريبة لمشركي العرب لم يكن منشؤها هو البحث عن الحقيقة , بل الغاية منها هي اختلاق الاعـذار والـتـشكيك في نبوة نبي الاسلام وارساء دعائم الشرك والصنمية , ولذا لم يتمعنوا النظر حتى في مفهوم كلامهم , فمن ضمن مطالبهم مثلاً (الصعود الى السماء ), ثم ينفون ذلك مباشرة ويقولون : نحن لا نؤمن بذلك حتى تبعث لنا كتابا من قبل اللّه :{ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} وتـارة يطلبون الأمور المستحيلة كقولهم :{وَقَالُوا لولا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [ الانعام : 8 ]
ثم إذا كان الهدف هو التوصل إلى معرفة حقانية النبي فلم يطلبون ست معاجز مختلفة ؟ أليس المورد الواحد منها كافيا ؟.
من هنا لم يتسن لأي نبي ان يستسلم لهذا النوع من الأراجيف والأباطيل , فضلا عن ان الإعجاز ليس من شان النبي واختياره , وإنما هو من شان اللّه تعالى واختياره .
ان الـنـبي بامكانه ان يطلب المعجزة من اللّه واللّه تعالى يضع بين يديه اي مورد يراه صالحا , ولهذا نـقـرا في ذيل الايات 90 ـ 93 من سورة الإسراء هذا المعنى : (( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا)) وكذا في سورة الرعد آية 38 : ((وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ )) .
مـلخص الكلام هو أنه من الصحيح القول : بان القرآن لوحده معجزة خالدة , ولو لم يكن هناك معجزة اخـرى سـوى هذه المعجزة للنبي لاستطاعت ان تكون شاهداً على صدقه , ولكن هذا لايدل على ان الـنبي لم يمتلك معجزات جسمانية ومادية غير هذه المعاجز الروحية والمعنوية , بل ذهبت الايات والـروايـات والـتـواريخ الاسلامية وسيرة النبي الى القول : بانه كان يمتلك ذلك , ولا شك في ان انضمام الـمعجزات المحسوسة والمادية الى تلك المعجزة المعنوية الكبيرة يظهر حقانية الدعوة النبوية بصورة اجلى واوضح .
ولنذكر الآن بعض من المعجزات الحسية التي قام بصنعها رسولنا الكريم :
1- معجزة نبوع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم :-
روى البخاري عن أنس بن مالك قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الاناء فأمر الناس أن يتوضئوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم. [ صحيح البخاري ج 1 / ص 74] [ صحيح مسلم ج4 / ص 1783 ] [ صحيح ابن حبان ج/14 ص/ 477 ]
وروى البخاري عن جابر بن عبدالله قال : عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة (أي إناء صغير من جلد )يتوضأ فجهش الناس نحوه (أي تجمعوا) قال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. [ صحيح البخاري ج / 3 1310/ ] [ صحيح ابن حبان 14/ص480 ]
والرويات في هذه المعجزة مشهورة بين الصحابة وقد رواها جمع كثير منهم أنس وجابر بن عبدالله وابن عباس ، والبراء بن مالك وابو قتادة ،وغيرهم وخبرها متواتر مستفيض . وقد تكررت في أكثر من مناسبة .
2- معجزة شفاء علي رضي الله عنه وغيره من الصحابه :-
قال عليه الصلاة والسلام في غزوة خيبر :- لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال : فأرسلوا إليه ( ائتوني به ) فأُتي بهفنفث في عينه بقليل من ريقه عليه الصلاة والسلام فبرأ لتوه ولم يمرض بعينه قط . [ رواه البخاري في كتاب الغزوات ورواه مسلم في باب فضائل الصحابه ]
وقد قام المسيح عليه السلام بالتـفل في عين أحد العميان فشفي من مرضه [ مرقس 8 : 22 ] : ((وجاء الى بيت صيدا .فقدموا اليه اعمى وطلبوا اليه ان يلمسه . فاخذ بيد الاعمى واخرجه الى خارج القرية وتفل في عينيه ووضع يديه عليه وسأله هل ابصر شيئا)).
_ وأصيب سلمة يوم خيبر بضربة في ساقه ، فنفث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث نفثات فما اشتكاها قد . عن يزيد بن أبي عبيد قال : (( رأيت أثر ضربة في ساق سلمة ، فقلت : يا أبا مسلم ، ما هذه الضربة ؟ قال : هذه ضربة أصابتني يوم خيبر ، فقال الناس أصيب سلمة … فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات ، فما اشتكيت حتى الساعة )). [ صحيح البخاري ج 4 / 1541/ صحيح أبي داود / 3295 صحيح ابن حبان 4 1/ ص 439]
_ وعن البراء بن عازب رضي الله عنه : أن عبدالله بن عتيك لما قتل أبا رافع ونزل من درجة بيته سقط إلى الأرض فانكسرت ساقه ، قال : فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( ابسط رجلك فبسطها فمسحها فكأنما لم أشكها قط )) [ صحيح البخاري ج 4 / ص 1483]
_ وعن معاذ بن رافع بن مالك عن أبيه قال : (( رميت بسهم يوم بدر ففقئت عيني فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما آذاني منها شيىء )) [ أخرجه ابن ابي شيبه والحاكم والبيهقي وأبو نعيم ]
3- معجزة رّد عين قتادة بعد تدليها :-
في غزوة أحد أُصيب قتادة بن النعمان في عينه حتى سقطت وتدلت على وجـنته ( أي على أحد خده )فردها عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة فبرأت على الفور ، وصارت عينيه تلك أحسن عينيه . . . فتلك من آيات الله التى أيد الله بها رسوله .والرواية اخرجها ابن اسحاق في السيرة النبوية ( 3 / 30 ) ، وابن حجر في الاصابة ، وابن عبدالبر في الاستيعاب في ترجمة النعمان ، وأبو يعلى ، والبيهقي في الدلائل ، وابو نعين في الدلائل برقم ( 418 ، 417 ) وذكرها الحاكم في المستدرك ( 3 / 295 )
4- معجزة شفاء الضرير بدعائه صلى الله عليه وسلم :-
عن عثمان بن حنيف : أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أدع الله أن يعافيني فقال :- (( إن شئت أخّرت ذلك فهو أفضل لآخرتك،وإن شئت دعوت لك ))قال : لا، بل أدع الله لي قال :- فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ، وأن يدعو بهذا الدعاء :-
( اللهم أني أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ،يا محمد إني أتوجه بك في حاجتي هذه فتُقضى ،اللهم شفعة في) ففعل الرجل فبرأ ، فشفاء هذا الضرير آية من نبوته0[ رواه البخاري في التاريخ الكبير 6/210 ,والطبراني في المعجم الكبير 9/19 وصححه وسلمه الذهبي , والبيهقي في دلائل النبوة 6/166 وغيرهم ]
وهذا الدعاء خاص في حياته صلى الله عليه وسلم وليس بعد مماته فلُيعلم .
5- خروج الجن من الصبي بدعائه صلى الله عليه وسلم :-
عن أبن عباس رضي الله عنهما قال :-إن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :يا رسول الله ان به لمماً ،وإنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا قال:- فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثعّ ( أي قاء أو سعل مرة واحدة ) فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى .[ رواه الدرامي ]
6- معجزة فيضان ماء بئر الحديبية :-
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه لما كان بالحديبية هو وأصحابه سنة ست من الهجرة وكان الحديبية بئر ماء فنزحها أصحابه بالسقي منها حتى لم يبقى فيها ما يملأ كأس ماء وكانوا ألفاً وأربعمائة رجل ،وخافوا العطش فشكوا ذلك إليه صلى الله عليه وسلم فجاء فجلس على حافة البئر فدعا بماء فجئ به إليه فتمضمض منه ،ومج ما تمضمض به في البئر ،فما هي إلا لحظات ،وإذا البئر فيها ماء فأخذوا يسقون فسقوا وملأوا أوانيهم وأدوات حمل الماء عندهم وهم كما تقدم ألف وأربعمائة رجل ،وهم أهل بيعة الرضوان الذين رضى الله عنهم وأنزل فيهم قوله تعالى من سورة الفتح :- (لَقَد رَضِيَ الله عَنِ المُؤمِنِينَ إَذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الَشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأَنْزَلَ السَّكِيَنَة عَلَيْهِمْ وأثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ). [ رواه البخاري في كتاب المناقب ، باب علامات النبوة ]
7- معجزة الطعام القليل يشبع العدد الكثير :-
روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله : قال أبو طلحة لأم سُليم : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع ،فهل عندك من شيء ؟ قالت :نعم ، فأخرجت أقراصاً من شعير ،ثم أخرجت خِماراً لها فلفت الخبز ببعضه ،ثم دسته تحت يدي ،ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس ،فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ( أرسلك أبو طلحة ؟ ) فقلت: نعم ، قال : ( بطعام ؟) قلت :نعم ،فقال:- رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه( قوموا) فانطلق ،وانطلقت ين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة :- يا أم سُليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت: الله ورسوله أعلم ،فأنطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- (هلم يا أم سُليم ما عندك ؟) فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت ،وعصرت أم سُليم عكة فآدمته ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يقول ،ثم قال :- ( أئذن لعشرة ) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ،ثم خرجوا ، ثم قال ،( أئذن لعشرة ) ، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ،ثم خرجوا ،ثم قال ، ( ائذن لعشرة ) فأكل القوم كلهم ، والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً .أليست هذه معجزة ؟ بلى وربي إنها لمن أعظم المعجزات.[ صحيح البخاري / علامات النبوة ] [ صحيح مسلم / الاشربة ]
8- معجزة تكثير الطعام :-
عن جابر ابن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه هو وامرأته ووصيف لهم حتى كالوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو لم تكيلوه لأكلتم منه ولقام لكم [ صحيح مسلم في معجزات النبي ,رواه احمد في مسنده ]
قال أبو طلحة الانصاري في حديثه المشهور : (( أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين رجلاً من أقراص شعير جاء بها أنس تحت إبطه )) [ البخاري في كتاب المناقب _ ومسلم 3 / 1612 والترمذي 5 / 595 والبيهقي في الدلائل ]
وقال جابر بن عبدالله : (( أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق من صاع شعير وعناق ( الانثى من أولاد المعز ) ألف رجل حتى تركوا وانحرفوا ( مالوا عن الطعام ) ، وإن البرمة لتغط كما هي وان العجين ليخبر )) [ البخاري في كتاب المغازي ومسلم 3 / 1610 والترمذي 5 / 595 ]
إن معجزة تكثير الطعام والشراب قد تكررت فبلغت عشرات المرات ،وفي ظروف مختلفة ،ومناسبات عديدة ، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه ، (( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير قال فنفدت أزواد القوم_ أي نفد زادهم واحتاجوا إلى طعام _ قال حتى هم بنحر بعض حمائلهم قال فقال عمر يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها ؟( أي بقاياه ) قال ففعل قال فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره قال وقال مجاهد وذو النواة بنواه قلت وما كانوا يصنعون بالنوى قال كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء قال فدعا عليها حتى ملأ القوم أزودتهمقال فقال عند ذلك : أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة )) [ صحيح مسلم، والنسائي ]
9 - معجزة تكثيره عليه السلام السمن لأم سليم :
عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:- كانت لأمي ،أم سليم شاة فجمعت من سمنها في عكة فملأت العكة ثم بعثت بها ربيبة ،فقالت :يا ربيبة أبلغي هذا العكة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدم بها ،فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سُليم قال :- (أفرغوا لها عكتها) فأفرغت العكة ودفعت إليها قالت :- فانطلقت بها ، وجئت وأم سليم ليست في البيت ،فعلقت العكة على وتد ،فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئه تقطر فقالت :يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟فقالت :- بلى قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت ومعها ربيية ،فقالت يا رسول الله إني بعثت معها إليك بعكة فيها سمن قال :- ( قد فعلت ، قد جاءت) قالت :والذي بعثك بالحق ،ودين الحق أنها لممتلئه تقطر سمناً ، قال أنس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه كلي وأطعمي ) قالت فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا ،وتركت فيها ما أئتد منا به شهراً أو شهرين ،فكون العكة تمتلئ بعد إفراغها والأكل منه طرة شهرين من معجزاته .
10- معجزة نزول المطر بدعائه :-
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة (جدب) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة فقام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله أن يسقينا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما رأينا في السماء قزعة (قطعة سحاب) فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار (انتشر) سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر (يتقاطر) على لحيته قال: فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو قال غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا قال: فما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا فرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة (أي حتى صارت السحب والغيوم محيطة بالمدينة) في السحاب، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود. [ صحيح البخاري / كتاب الجمعة ]
11- معجزة حنين جذع النخل شوقاً إليه صلى الله عليه وسلم :-
روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد ، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه ، صاحت النخلة التي كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه ، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت ، قال : بكت على ما كانت تسمع من الذكر )) [ رواه البخاري ]
وحديث حنين الجذع هو حديث مشهور معروف متواتر قد خرجه أهل الصحيح ورواه الأكابر / من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم / أبي ابن كعب وجابر بن عبدالله وأنس بن مالك وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وأبو سعيد الخدري وبريدة وأم سلمة وسهل ابن سعد .
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما ، أخرجه البخاري في كتاب المناقب ( فتح 6/601) والترمذي في كتاب الجمعة ( 2 / 379 ، ) والبيهقي في الدلائل ( 6 / 66 ) .
12- معجزة تحول جذل الحطب سيفاً :-
الجذل :هو عود غليظ من أصل الشجرة ، لقد انكسر سيف عكاشة بن محصن يوم بدر فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جذل حطب فقال له :- ( اضرب به) فأنقلب في يده سيفاً ، صارماً طويلاً أبيضاً شديد المتن ، فقاتل به ، ثم لم يزل عنده يشهد به المواقف إلى أن استشهد عكاشة في قتال أهل الردة ، وبعدما قتل بلعت الأرض ذلك السيف 0
13- معجزة نطق الغزالة ووفاؤها له صلى الله عليه وسلم :-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قوم قد اصطادوا ظبية ،فشدوها على عمود فسطاط ،فقالت : يا رسول الله إني أُخذت ولي خِشفان ( الولد الصغير ) فإستئذن لي أرضعهما وأعود إليهم ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أين صاحب هذه ؟ ) فقال القوم نحن يا رسول الله قال :- ( خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم ) فقالوا من لنا بذلك ؟ قال :- (أنا) فأطلقوها ،فذهبت فأرضعت خشفيها ثم رجعت إليهم ، فأوثقوها فمر بهم صلى الله عليه وسلم فقال :- ( أين صاحب هذه؟ ) فقالوا :-هذا يا رسول الله فقال ( تبيعونها؟ ) فقالوا :- هي لك يا رسول الله ، فقال :- ( خلو عنها فأطلقوها ) فذهبت ، فنُطقها آية من نبوته .
14- معجزة انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلم :-
روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :- سهرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا وادياً أفيح ( أي واسعاً رحباً ) فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته ،فأتبعتُه بإداوةٍ فيها ماء ، فنظر فلم ير شيئاً يستتر به ،وإذ شجرتان بشاطئ الوادي ،فأنطلق إلى إحداهما فأخذ ببعض من أغصانها ،وقال :- ( إنقادي علي بأذن الله ) فأنقادت معه كالبعير المخشوش ( الذي جعل في أنفه الخشائش وهو العود ، يجعل في عظم أنف الجمل لينقاد ) الذي يُصانع قائدة ،حتى أتى الشجرة الأخرى ،فأخذ بعضاً من أغصانها وقال:- ( إنقادي علي بأذن الله ) فأنقادت معه كالبعير المخشوش الذي يُصانع قائدة ،حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لاءم أي جمعهما ،وقال :- ( التئما إلي علي بأذن الله ) فالتأمتا ،قال جابر :- فخرجت أحضر ( أي أعدو بشدة ) مخافة أن يحس بقربي منه فيبعد ،فجلست أحدث نفسي ،فحانت مني التفاته ،فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل وإذا الشجرتان قد افترقتا . [ صحيح مسلم ]
وعن ابن عباس ، رضي الله عنه ، قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بم أعرف أنك رسول الله ؟ قال : (( أرأيت إن دعوت هذا العذق من الشجرة تشهد أني رسول الله ؟ )) قال : نعم . قال : فدعا العذق ، فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط إلى الأرض ينقز ، فأقبل إليه ، وهو يسجد ويرفع ويمجد ويرفع حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له : (( ارجع )) فرجع إلى مكانه ، فقال الاعرابي : والله لا أكذبك بشيىء تقوله بعدها أبداً ، أنا أشهد أنك رسول الله ، وآمن. [ أخرجه البخاري في تاريخه ، والترمذي في أبواب المناقب ( 3628 ) وأخرجه البزار ، وأبو يعلى ]
15 - معجزة سكون اضطراب الجبل بأمر الرسول :
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم ، فقال : (( اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )). وفي رواية : فضربه برجله وقال : (( أثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان )) [ رواه البخاري في كتاب فضال الصحابه ] [ صحيح ابن حبان14/ص415 ]