نواف النجيدي
09-22-2006, 02:26 PM
رمضان: فرصة للتجديد
حظي رمضان باهتمام المسلمين في القديم والحديث وفي كل أرض من أرض الإسلام، وقد تجاوز استعداد المسلمين لاستقباله كلّ ما هو مألوف في التعامل مع العبادات؛ بل إن لدى المسلمين دوافع خفية لجعل هذا الشهر عبارة عن احتفالية كاملة، تُتوّج بأفراح العيد؛ وقد ذكر ابن الجوزي أن في مسلمي زمانه مَن إذا جلدْتَه حتى يفطر في رمضان ما أفطر، ومن إذا جلدْتَه ليصلي ما صلّى! إنها فعلاً مفارقة عجيبة؛ لكن يبدو لي أن كثيرًا من الناس ينظرون إلى الفطر في نهار رمضان على أنه نقص في الرجولة وضعف في الشخصية، ولهذا فإنهم يحرصون عليه هذا الحرص المميز. وهذه بعض الخواطر التي تتعلّق بهذه الشعيرة العظيمة.
1- شرع الله -تعالى- العبادات في الإسلام من أجل صقل الإنسان المسلم وتهذيبه، ومن أجل تدعيم صلته بالله -تعالى- فضلاً عن أنها أدوات ابتلاء واختبار، فمَنْ أدّاها على وجهها وبآدابها نجح وأفلح، ومن ضيّعها أضاع نفسه، وعرّضها لأشد العقوبات. هذا يعني أن علينا أن نتلمّس ما تتركه عبادة الصيام من تأثير في جوهر التديّن، والذي يقوم على الإخلاص وحبِّ الله –تعالى- ورجائه والشوق إليه والحياء منه، والسعي الصادق والدؤوب في تلمّس مراضيه، وإن الذي صام رمضان، وقام ليله، واعتاد ارتياد المساجد فيه، جدير بأن يشعر بأن تغييرًا جيدًا قد طرأ على ذاته، وأنه قد أعاد شحن طاقاته الروحيّة التي استنفد كثيرًا منها في الفترة الواقعة بين رمضان ورمضان. الذي أريد أن أقوله هنا هو: أن ثمرة الصيام يجب أن تظهر في حسن عبودية المسلم لله –عز وجل- على صعيد الرجاء والخوف والثقة والتذلّل والحب والولاء... إنه يشعر بمشاعر من كان تائهًا عن أهله وبيته، ثم وجده ووجدهم! ويجب أن تظهر ثمرة الصيام أيضًا على صعيد السلوك العملي من الالتزام بحدود الله –تعالى- والعمل بآداب الشريعة الغراء... إننا نريد أن نرى بعد رمضان تحسنًا يطرأ على رؤيتنا للدنيا والآخرة، أي أن تترجم حركتنا اليومية اعتقادنا بأن الدنيا مزرعة الآخرة.
2- يؤسفني القول: إن معظم الوسائل الإعلامية، تقوم بتشويه الوجه الحقيقي لرمضان، وتغيير ملامح رسالته للأمة، وذلك عن طريق تصويره للناس بأنه ضيفٌ ثقيل، يحتاج مستضيفوه إلى الكثير من الترويح عن النفس حتى يستطيعوا تحمّل وطأته، وحتى يمر بسلام، مع أن الرؤية الإسلامية الأصيلة والموروثة نسبيًّا، هي أن هذا الشهر الكريم هو فرصة عظيمة لمن يوفقه الله –تعالى- لصيامه وقيامه؛ ومن هنا كان كثير من السلف يدعون الله –تعالى- ستة أشهر قبل قدوم رمضان أن يبلِّغهم رمضان، فإذا انتهى رمضان دعوا الله –تعالى- ستة أشهر أن يتقبل منهم صيامه. والتشويه الثاني الذي تقوم به وسائل الإعلام هو تصوير رمضان على أنه مناسبة كبرى وطويلة للهو والتمتّع بأصناف الأطعمة والسهر ولعب الورق وتجمعات المراهقين والشباب في الشوارع.. مع أن الذي نعرفه من أسرار مشروعية الصوم هو أن المسلم في رمضان يهذِّب نفسه من خلال حرمانها من ملذاتها وشهواتها، كما أن الجوع الذي يعانيه، يجعله يتذكر الجياع، فيبسط يده بالإحسان للفقراء، أضف إلى هذا أن الناس في رمضان يتناولون وجبتين في رمضان عوضًا عن ثلاث وجبات، وهذا يعني وجود نوع من التوفير فيما يُنفق على الطعام، مما يساعد على التصدّق، ومما ينعش رأس المال الوطني... لكن الواقع يشهد أن ما ينفقه الناس على المأكل في رمضان، يتجاوز ما ينفقونه في أي شهر آخر! هكذا يتم إجهاض الشعائر العظيمة، وهكذا يتم صرف المبادئ عن وجهتها الشريفة!
إنني أدعو نفسي وإخواني إلى تقليل مشاهدة التلفاز في رمضان إلى أدنى حد ممكن حتى يعود لرمضان ألَقُه، وحتى يعود كما كان فرصة للتنفّل والذكر وقراءة القرآن وبذل المعروف...
3- رمضان يصلِّب لدينا روح المقاومة، ويقوّي الإرادة والعزيمة، وينبغي أن نستفيد من ذلك في جعل شهر الصيام مناسبة لتغيير بعض العادات غير المرْضيّة واكتساب بعض العادات الحميدة؛ والحقيقة أن الذي يجعل الإنسان ملتزمًا ومتفوقًا ليس سوى صفات قليلة، كما أن ما يجعل سلوك الإنسان، يوصف بالسيّئ أيضًا ليس بالكثير، إنه يكفي أن يتخلص المرء في كل رمضان من عادة واحدة سيئة وإحلال عادة حسنة مكانها حتى يجد نفسه بعد خمس سنوات وقد انتقل من شخص سيّئ إلى شخص عادي، أو من شخص عادي إلى شخص جيد أو ممتاز، تصوّر معي شخصًا ترك في سنة عادة التسويف، وفي التي بعدها عادة الفوضى في التعامل مع الوقت، وفي ثالثة عادة المبالغة في الكلام، وفي رابعة عادة التأخّر عن صلاة الجماعة، وفي خامسة عادة جفاء الأهل والأرحام.. كيف سيكون حاله؟!
4- نحن نعيش في وضعيّة كونية جديدة آخذة في التشكل والانتشار، وهذه الوضعية، تُعطى فيها الأولويةُ للمحسوس على المعنوي، وللمباشر على غير المباشر، وللآني على الآجل، وللقوة على الرحمة، وللنجاح على الفلاح، وللمتغير على الثابت. إنها وضعيّة مخيفة ومقلقة حقًا، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن، فهذا يعني أن الأجيال القادمة ستنظر بعين الاستخفاف إلى كثير مما نعدّه الآن شيئًا عزيزًا وعظيمًا، والحل لهذه المعضلة لن يكون فلسفيًا أو إرشاديًا، وإنما هو حلٌّ عملي يقوم على أن نحيا رمضان كما كان المسلمون الأوائل يحيونه: صيامٌ عن الطعام والشراب وعن المعاصي والذنوب، وإحياءٌ لليالي المباركة وللأرواح والقلوب، وتقرّبٌ إلى الله –تعالى- بأصناف القربات، إن هذا وحده هو التعبير الحقيقي عن رفضنا للتحلّل الداخلي والغزو الثقافيّ القادم من كل مكان.
والله الموفق.
حظي رمضان باهتمام المسلمين في القديم والحديث وفي كل أرض من أرض الإسلام، وقد تجاوز استعداد المسلمين لاستقباله كلّ ما هو مألوف في التعامل مع العبادات؛ بل إن لدى المسلمين دوافع خفية لجعل هذا الشهر عبارة عن احتفالية كاملة، تُتوّج بأفراح العيد؛ وقد ذكر ابن الجوزي أن في مسلمي زمانه مَن إذا جلدْتَه حتى يفطر في رمضان ما أفطر، ومن إذا جلدْتَه ليصلي ما صلّى! إنها فعلاً مفارقة عجيبة؛ لكن يبدو لي أن كثيرًا من الناس ينظرون إلى الفطر في نهار رمضان على أنه نقص في الرجولة وضعف في الشخصية، ولهذا فإنهم يحرصون عليه هذا الحرص المميز. وهذه بعض الخواطر التي تتعلّق بهذه الشعيرة العظيمة.
1- شرع الله -تعالى- العبادات في الإسلام من أجل صقل الإنسان المسلم وتهذيبه، ومن أجل تدعيم صلته بالله -تعالى- فضلاً عن أنها أدوات ابتلاء واختبار، فمَنْ أدّاها على وجهها وبآدابها نجح وأفلح، ومن ضيّعها أضاع نفسه، وعرّضها لأشد العقوبات. هذا يعني أن علينا أن نتلمّس ما تتركه عبادة الصيام من تأثير في جوهر التديّن، والذي يقوم على الإخلاص وحبِّ الله –تعالى- ورجائه والشوق إليه والحياء منه، والسعي الصادق والدؤوب في تلمّس مراضيه، وإن الذي صام رمضان، وقام ليله، واعتاد ارتياد المساجد فيه، جدير بأن يشعر بأن تغييرًا جيدًا قد طرأ على ذاته، وأنه قد أعاد شحن طاقاته الروحيّة التي استنفد كثيرًا منها في الفترة الواقعة بين رمضان ورمضان. الذي أريد أن أقوله هنا هو: أن ثمرة الصيام يجب أن تظهر في حسن عبودية المسلم لله –عز وجل- على صعيد الرجاء والخوف والثقة والتذلّل والحب والولاء... إنه يشعر بمشاعر من كان تائهًا عن أهله وبيته، ثم وجده ووجدهم! ويجب أن تظهر ثمرة الصيام أيضًا على صعيد السلوك العملي من الالتزام بحدود الله –تعالى- والعمل بآداب الشريعة الغراء... إننا نريد أن نرى بعد رمضان تحسنًا يطرأ على رؤيتنا للدنيا والآخرة، أي أن تترجم حركتنا اليومية اعتقادنا بأن الدنيا مزرعة الآخرة.
2- يؤسفني القول: إن معظم الوسائل الإعلامية، تقوم بتشويه الوجه الحقيقي لرمضان، وتغيير ملامح رسالته للأمة، وذلك عن طريق تصويره للناس بأنه ضيفٌ ثقيل، يحتاج مستضيفوه إلى الكثير من الترويح عن النفس حتى يستطيعوا تحمّل وطأته، وحتى يمر بسلام، مع أن الرؤية الإسلامية الأصيلة والموروثة نسبيًّا، هي أن هذا الشهر الكريم هو فرصة عظيمة لمن يوفقه الله –تعالى- لصيامه وقيامه؛ ومن هنا كان كثير من السلف يدعون الله –تعالى- ستة أشهر قبل قدوم رمضان أن يبلِّغهم رمضان، فإذا انتهى رمضان دعوا الله –تعالى- ستة أشهر أن يتقبل منهم صيامه. والتشويه الثاني الذي تقوم به وسائل الإعلام هو تصوير رمضان على أنه مناسبة كبرى وطويلة للهو والتمتّع بأصناف الأطعمة والسهر ولعب الورق وتجمعات المراهقين والشباب في الشوارع.. مع أن الذي نعرفه من أسرار مشروعية الصوم هو أن المسلم في رمضان يهذِّب نفسه من خلال حرمانها من ملذاتها وشهواتها، كما أن الجوع الذي يعانيه، يجعله يتذكر الجياع، فيبسط يده بالإحسان للفقراء، أضف إلى هذا أن الناس في رمضان يتناولون وجبتين في رمضان عوضًا عن ثلاث وجبات، وهذا يعني وجود نوع من التوفير فيما يُنفق على الطعام، مما يساعد على التصدّق، ومما ينعش رأس المال الوطني... لكن الواقع يشهد أن ما ينفقه الناس على المأكل في رمضان، يتجاوز ما ينفقونه في أي شهر آخر! هكذا يتم إجهاض الشعائر العظيمة، وهكذا يتم صرف المبادئ عن وجهتها الشريفة!
إنني أدعو نفسي وإخواني إلى تقليل مشاهدة التلفاز في رمضان إلى أدنى حد ممكن حتى يعود لرمضان ألَقُه، وحتى يعود كما كان فرصة للتنفّل والذكر وقراءة القرآن وبذل المعروف...
3- رمضان يصلِّب لدينا روح المقاومة، ويقوّي الإرادة والعزيمة، وينبغي أن نستفيد من ذلك في جعل شهر الصيام مناسبة لتغيير بعض العادات غير المرْضيّة واكتساب بعض العادات الحميدة؛ والحقيقة أن الذي يجعل الإنسان ملتزمًا ومتفوقًا ليس سوى صفات قليلة، كما أن ما يجعل سلوك الإنسان، يوصف بالسيّئ أيضًا ليس بالكثير، إنه يكفي أن يتخلص المرء في كل رمضان من عادة واحدة سيئة وإحلال عادة حسنة مكانها حتى يجد نفسه بعد خمس سنوات وقد انتقل من شخص سيّئ إلى شخص عادي، أو من شخص عادي إلى شخص جيد أو ممتاز، تصوّر معي شخصًا ترك في سنة عادة التسويف، وفي التي بعدها عادة الفوضى في التعامل مع الوقت، وفي ثالثة عادة المبالغة في الكلام، وفي رابعة عادة التأخّر عن صلاة الجماعة، وفي خامسة عادة جفاء الأهل والأرحام.. كيف سيكون حاله؟!
4- نحن نعيش في وضعيّة كونية جديدة آخذة في التشكل والانتشار، وهذه الوضعية، تُعطى فيها الأولويةُ للمحسوس على المعنوي، وللمباشر على غير المباشر، وللآني على الآجل، وللقوة على الرحمة، وللنجاح على الفلاح، وللمتغير على الثابت. إنها وضعيّة مخيفة ومقلقة حقًا، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن، فهذا يعني أن الأجيال القادمة ستنظر بعين الاستخفاف إلى كثير مما نعدّه الآن شيئًا عزيزًا وعظيمًا، والحل لهذه المعضلة لن يكون فلسفيًا أو إرشاديًا، وإنما هو حلٌّ عملي يقوم على أن نحيا رمضان كما كان المسلمون الأوائل يحيونه: صيامٌ عن الطعام والشراب وعن المعاصي والذنوب، وإحياءٌ لليالي المباركة وللأرواح والقلوب، وتقرّبٌ إلى الله –تعالى- بأصناف القربات، إن هذا وحده هو التعبير الحقيقي عن رفضنا للتحلّل الداخلي والغزو الثقافيّ القادم من كل مكان.
والله الموفق.