رياض الجنان
10-29-2006, 11:36 PM
مازلتُ أشعر بأنني طفلٌ صغير , ينظر إليكِ ببراءته الغضة, وبعفويته النقية , لا أعلم لماذا أنسى كثيراً ,
أنني أصبحتُ رجلاً في سن الثلاثين بمجرد أن أقف أمامكِ يا أمي, ها قد عدتُ إليك ,أعادني شوقي الذي
ما انفك يذيب روحي ويشبع أنفاسي حنيناً إلى رائحة عطرك, عندما تضميني إلى صدرك وتطبعي قبلتكِ
على جبيني الظامئ لحنانكِ.
" صباح الخير, يا وجه الخير والمحبة " لن يكون هناك شيء أجمل من أن أعود من غربة مكاني إلى
وطن طفولتي وصباي, وأعود من غربة روحي, إلى وطن روحكِ, لأسمع دعواتك لي في كل صباح,
والتي تقتلع روحي الساكنة في أعماقها, لتحلق بها في فضاء السعادة تستبشر بالخير, يضيئه الأمل,
ويرسمه الحلم.
ما أجمل الصباح المشرق وأنا إلى جواركِ, أساعدكِ في تجهيز فطور الصباح, الذي لا يطيب لي منه
شيئاً, إلا وأنا أراكِ أمامي تأكلين وتشربين بكامل صحتكِ وعافيتكِ.
" حمداً لله على سلامتكِ , حمداً لله كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه " ينطق بها قلبي مع
كل نبضةٍ منه, قلبي الذي كسره إعياءك, وتعبكِ ومرضكِ, ليعود فيحيى من جديد, ينبض فرحاً, فيحمد
الله ويشكره في كل مرة يرى فيها ابتسامتكِ, وبريق عينيكِ, و يسمع عذوبة صوتكِ.
سأزيل من ذهني يا أمي كل ما تعلق به من حبي لذاتي حينما أجبرتِنِي أن أمضي في طريقي نحو أفق
المستقبل الشامخ, وأعود إليكِ كما أردتِنِي, بشهاداتي العلمية وبذاتي المشرقة بالأمل, والتي ربما
أحببتُها أكثر منكِ عندما رضيتُ أن أبتعد عنكِ سنين غربتي كلها, وعلى الرغم من ذلك, كنتِ ترفضين
أن أعود إليكِ قبل أن أُتم ما أمرتني بإتمامه, (شهادتي أولاً وقبل كل شيء).
ولم تتركي لي حرية الاختيار, الذي سترجح به حتماً كفة بقائي إلى جانبكِ , فلا نجاح حققته إلا و لكِ به
يداً, ولا سعادة شعرتُ بها إلا وقد منحني إياها دفء الحنين لرؤيتكِ سعيدة, فهل أخطأتُ الآن وقد اخترتُ
أن أبقى إلى جواركِ طوال حياتي؟
سوف لن تلقَي ما يقلق نفسكِ, ويُحير قلبكِ, فأنا قريبُ الآن, سأبثُ إليكِ ما تحبي أن تسمعيه مني من
كلمات ٍ تُبهجكِ, فتشعرين بها زهوراً تُنثر فوق هامتكِ, زهوراً هي الأزكى عطراً, والأبهى لوناً,
والأجمل شكلاً, وأرسم من حلمي عالماً تشاركيني جماله وسحره, وأسعى لتحقيقه, لأطرد من أعماقكِ
الهموم والأحزان, وأُعيد لمحياكِ الفرحة من جديد.
كنتِ تصفين كلامي دائماً (كالبلسم الشافي) فتجعليني أغيب ُ مع خاطري قليلاً أتذكر يوم أن كنتِ
حزينة على سريركِ الأبيض في المستشفى, وقد شحب لونكِ وانخفض صوتكِ عندما أخبرتكِ أن موعد
عمليتكِ الجراحية قد تأجل ليومٍ آخر, فأدمعت عيناكِ وأنا أنظر إليكِ أتساءل " ما بكِ أماه؟ " فأجبتني:
" -بُنيّ.. لا يقلقني أن يتأجل وقت العملية , لكن ما يقلقني حقاً هي الساعة, التي أكون فيها غائبة عن
الوعي بعد التخدير, فيُكشفُ من جسدي,ما لا أرضى أن يُكشف أمام من حولي, ولو كنتُ أمام طبيباتٍ
فقط لهان الأمر علي كثيراً,لكنني أمام أطباء- رجال- فلا أريد يا بُني, أن يغيب حيائي في آخر عمري..
- لا تقلقي يا أمي فلا حرج عليكِ بإذن الله فهو الأعلم بما أصابكِ من ألم, وهمٍ وتعبٍ وسقم, وهو من
خلق الداء, وألهمنا لنبحث عن الدواء, وفي العملية شفاؤكِ إن شاء الله..
- إذن , توكلتُ على الله , وسأصبر , والله أرحم الراحمين,
لقد بقيتَ معي ليالٍ تُطمئِنَني بكلام ينبع من قوة يقينكَ بالله, و كلامك يا بُني كالبلسم الشافي"
أما أنا يا أمي فبلسمي الشافي هي سعادتكِ, ابتسامتكِ , فيض حنانكِ المغدق, وسلسبيل حبكِ المنسكب
فوقي, بلا انقطاع, ولمسة يديكِ الدافئة فوق رأسي تًزيل منه كل ذكريات غربتي الحزينة,يوم أن كانت
روحي وحيدة, مأسورة في سجن الحزن , فتتقاطر دموعي كل يوم,
كنت أظن أن الرجل لا يبكي, لكنني بكيتُ مراراً وأنا بعيد عنكِ.
فلتدعي لي يا أمي,
أن يزيدني الله به إيماناً, وإصراراً على فعل الطاعات , ويزيدني علماً,
أن يرزقني من فضله الكريم, زوجة صالحة, تفهم ما يُبهج روحكِ, وتطيب له نفسكِ, فتثابر على أن
ترويكِ منه, وتفهم ما لا يطيب لقلبكِ, فتجتهد بالإقلاع عنه, تعلم أني وإن أحببتها فلن أقدمها عليكِ,
وإن تعلقت روحي بها, فلن تحُلها من معقل التصاقها بروحكِ.
فلتدعي لي يا أمي, أن يرزقني الله من كرمه وسخائه ذرية, بارّين طائعين, لن أرتضي لهم أمراً, حتى
أتيقن أنه يرضيكِ ويريحك , ولتغرقيني ببركة دعاءك, فمازلتُ أنحني حتى يلامس خدي قدميكِ سعياً في
تقبيلهما, فبرضاكِ أرضي ربي, وبسعادتكِ تسعد ذاتي, وبدعائك تتحقق أحلامي, فلترضي عني يا أمي,
ولتدعي لي ليلاً ونهاراً, فما أجمل أيامي يُزينها محياكِ, وما أبهى حياتي وأنتِ فيها..
- تمت-
............
رياض الجنان
أنني أصبحتُ رجلاً في سن الثلاثين بمجرد أن أقف أمامكِ يا أمي, ها قد عدتُ إليك ,أعادني شوقي الذي
ما انفك يذيب روحي ويشبع أنفاسي حنيناً إلى رائحة عطرك, عندما تضميني إلى صدرك وتطبعي قبلتكِ
على جبيني الظامئ لحنانكِ.
" صباح الخير, يا وجه الخير والمحبة " لن يكون هناك شيء أجمل من أن أعود من غربة مكاني إلى
وطن طفولتي وصباي, وأعود من غربة روحي, إلى وطن روحكِ, لأسمع دعواتك لي في كل صباح,
والتي تقتلع روحي الساكنة في أعماقها, لتحلق بها في فضاء السعادة تستبشر بالخير, يضيئه الأمل,
ويرسمه الحلم.
ما أجمل الصباح المشرق وأنا إلى جواركِ, أساعدكِ في تجهيز فطور الصباح, الذي لا يطيب لي منه
شيئاً, إلا وأنا أراكِ أمامي تأكلين وتشربين بكامل صحتكِ وعافيتكِ.
" حمداً لله على سلامتكِ , حمداً لله كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه " ينطق بها قلبي مع
كل نبضةٍ منه, قلبي الذي كسره إعياءك, وتعبكِ ومرضكِ, ليعود فيحيى من جديد, ينبض فرحاً, فيحمد
الله ويشكره في كل مرة يرى فيها ابتسامتكِ, وبريق عينيكِ, و يسمع عذوبة صوتكِ.
سأزيل من ذهني يا أمي كل ما تعلق به من حبي لذاتي حينما أجبرتِنِي أن أمضي في طريقي نحو أفق
المستقبل الشامخ, وأعود إليكِ كما أردتِنِي, بشهاداتي العلمية وبذاتي المشرقة بالأمل, والتي ربما
أحببتُها أكثر منكِ عندما رضيتُ أن أبتعد عنكِ سنين غربتي كلها, وعلى الرغم من ذلك, كنتِ ترفضين
أن أعود إليكِ قبل أن أُتم ما أمرتني بإتمامه, (شهادتي أولاً وقبل كل شيء).
ولم تتركي لي حرية الاختيار, الذي سترجح به حتماً كفة بقائي إلى جانبكِ , فلا نجاح حققته إلا و لكِ به
يداً, ولا سعادة شعرتُ بها إلا وقد منحني إياها دفء الحنين لرؤيتكِ سعيدة, فهل أخطأتُ الآن وقد اخترتُ
أن أبقى إلى جواركِ طوال حياتي؟
سوف لن تلقَي ما يقلق نفسكِ, ويُحير قلبكِ, فأنا قريبُ الآن, سأبثُ إليكِ ما تحبي أن تسمعيه مني من
كلمات ٍ تُبهجكِ, فتشعرين بها زهوراً تُنثر فوق هامتكِ, زهوراً هي الأزكى عطراً, والأبهى لوناً,
والأجمل شكلاً, وأرسم من حلمي عالماً تشاركيني جماله وسحره, وأسعى لتحقيقه, لأطرد من أعماقكِ
الهموم والأحزان, وأُعيد لمحياكِ الفرحة من جديد.
كنتِ تصفين كلامي دائماً (كالبلسم الشافي) فتجعليني أغيب ُ مع خاطري قليلاً أتذكر يوم أن كنتِ
حزينة على سريركِ الأبيض في المستشفى, وقد شحب لونكِ وانخفض صوتكِ عندما أخبرتكِ أن موعد
عمليتكِ الجراحية قد تأجل ليومٍ آخر, فأدمعت عيناكِ وأنا أنظر إليكِ أتساءل " ما بكِ أماه؟ " فأجبتني:
" -بُنيّ.. لا يقلقني أن يتأجل وقت العملية , لكن ما يقلقني حقاً هي الساعة, التي أكون فيها غائبة عن
الوعي بعد التخدير, فيُكشفُ من جسدي,ما لا أرضى أن يُكشف أمام من حولي, ولو كنتُ أمام طبيباتٍ
فقط لهان الأمر علي كثيراً,لكنني أمام أطباء- رجال- فلا أريد يا بُني, أن يغيب حيائي في آخر عمري..
- لا تقلقي يا أمي فلا حرج عليكِ بإذن الله فهو الأعلم بما أصابكِ من ألم, وهمٍ وتعبٍ وسقم, وهو من
خلق الداء, وألهمنا لنبحث عن الدواء, وفي العملية شفاؤكِ إن شاء الله..
- إذن , توكلتُ على الله , وسأصبر , والله أرحم الراحمين,
لقد بقيتَ معي ليالٍ تُطمئِنَني بكلام ينبع من قوة يقينكَ بالله, و كلامك يا بُني كالبلسم الشافي"
أما أنا يا أمي فبلسمي الشافي هي سعادتكِ, ابتسامتكِ , فيض حنانكِ المغدق, وسلسبيل حبكِ المنسكب
فوقي, بلا انقطاع, ولمسة يديكِ الدافئة فوق رأسي تًزيل منه كل ذكريات غربتي الحزينة,يوم أن كانت
روحي وحيدة, مأسورة في سجن الحزن , فتتقاطر دموعي كل يوم,
كنت أظن أن الرجل لا يبكي, لكنني بكيتُ مراراً وأنا بعيد عنكِ.
فلتدعي لي يا أمي,
أن يزيدني الله به إيماناً, وإصراراً على فعل الطاعات , ويزيدني علماً,
أن يرزقني من فضله الكريم, زوجة صالحة, تفهم ما يُبهج روحكِ, وتطيب له نفسكِ, فتثابر على أن
ترويكِ منه, وتفهم ما لا يطيب لقلبكِ, فتجتهد بالإقلاع عنه, تعلم أني وإن أحببتها فلن أقدمها عليكِ,
وإن تعلقت روحي بها, فلن تحُلها من معقل التصاقها بروحكِ.
فلتدعي لي يا أمي, أن يرزقني الله من كرمه وسخائه ذرية, بارّين طائعين, لن أرتضي لهم أمراً, حتى
أتيقن أنه يرضيكِ ويريحك , ولتغرقيني ببركة دعاءك, فمازلتُ أنحني حتى يلامس خدي قدميكِ سعياً في
تقبيلهما, فبرضاكِ أرضي ربي, وبسعادتكِ تسعد ذاتي, وبدعائك تتحقق أحلامي, فلترضي عني يا أمي,
ولتدعي لي ليلاً ونهاراً, فما أجمل أيامي يُزينها محياكِ, وما أبهى حياتي وأنتِ فيها..
- تمت-
............
رياض الجنان