رياض الجنان
12-02-2006, 08:18 PM
هذه القصة ,
نسجتها من خيالي ,
-قد نجد فيها ما نراه في الواقع -
وأتمنى أن تعم منها الفائدة.
...
لن أكون مثلكِ -قصة قصيرة-
دخلت عبير حجرتها , و أخذت تتأمل الأرجاء والزوايا , كل الأشياء من
حولها جميلة , حيّة ,
تشع بريقاً متلألئاً مستمداً من أطياف الأحلام الوردية التي نسجتها من خيالها في هذا المكان الجميل,
لطالما شعرت بحنين قوي إلى هذه الحجرة الصغيرة, التي لم تدخلها منذ عام.
جلست على كرسيها الخشبي الصغير أمام المرآة , وتنهدت في سرّها :
" ليتني بقيتُ هنا أغرقُ في نسج الأحلام ,
ما أجملكِ أيتها الأحلام تأتين دائماً كما أريد , فتُبعديني عن الواقع الذي لا يأتي أبداً كما أريد"
في هذه اللحظة ,ومن بين التأملات الحزينة , سَمعتْ طرقاً خفيفاً على الباب,
وبعد ثوانٍ قليلة دَخلتْ والدتها تسألها بنبرةٍ مُنزعجة:
" هل يستدعي الأمر أن تغضبي من زوجكِ كل هذا الغضب وتعودي إلينا , حزينةً بائسة؟ "
صَمتتْ عبير ولم تجب ,
كررت والدتها التساؤل وأضافتْ:
"إن بقيتِ هكذا, صامتة , حزينة, فستذبلين تماماً كما تذبل الزهور"
اكتفتْ عبير بإجابتها المختصرة:
" لن أعود إليه"
وتوجهت نحو الشرفة المفتوحة, ظلت واقفة هناك طويلاً, وفي أعماق الصمت كانت تنظرُ إلى الورود
في الحديقة , وروداً حمراء مشرقة,نضــرة وجميلة.
تذكرت كم كان يهديها من الورود ما يُبهج قلبها ويسعده ,وكم كانت تَعْجَبُ من اهتمامه بتلك الورود ,
كان يحتفظ بها مُجففة لمدة طويلة , وعندما كانت تسأله عن سبب ذلك, كان يُجيبها مبتسماً:
" أُحب أن أُجسّد ذكرى الأوقات الجميلة , فلا تكون محفورة في عميق الفؤاد فحسب, بل حتى
أراها أمام عينيّ أيضاً "
رن جرس الهاتف, فتنبهت له بعد أن قطع صوته المرتفع خيوط الأفكار والخواطر,
ترددت كثيراً قبل أن تُجب, لكنها رفعت السماعة , لتسمع صوت أختها :
-السلام عليكم , عبير؟
- وعليكم السلام,
- متى وصلتِ؟
- وصلتُ هنا قبل ساعتين ,
-أخبرتني أمي بما حصل, ولقد أعجبتني قوتكِ وشجاعتكِ,هل طلبتِ منه حقاً أن يشتري لكِ بيتاً جديداً,
لتعيشان فيه وحدكما بعيداً عن أهله؟
-نعم, تماماً كما طلبتِ مني أن أفعل, وعندما رفض, لم أناقشه طويلاً , فجئت إلى هنا, لكنه فعلاً لا
يستطيع أن يشتري لي بيتاً جديداً, فهو لا يملك المال الكافي , خاصة في الوقت الحالي.
- أمازلتِ تصدقين أنه لا يملك المال؟ كل الأزواج كذلك يتظاهرون أنهم لا يملكون شيئاً, كوني قوية
مثلي,فأنا أطلبُ من زوجي المزيد والمزيد , ولا يهمني إن قال عني مسرفة , فالأهم هو أن أحصل على
ما أريد فأرضى وأكون سعيدة.ولا تتنازلي بسهولة عن حلمكِ في العيش في بيت لكما فقط لا يشارككما
فيه أحد, هل تفهمين؟
والآن مع السلامة.
-مع السلامة.
* * *
مضت ثلاث ليالٍ وعبير قابعة في حجرتها, تُشغلها الأفكار, وُتحيرها الأسئلة:
" لماذا لم يحاول أن يُهاتفني حتى الآن؟ ماذا ينتظر ؟ "
رفعتْ ستار النافذة, وأخذت تتطلع إلى النجوم المضيئة المتناثرة حول القمر ,
لمعت صورته في ذاكرتها سريعاً,لتتذكره يوماً عندما تطلّع نحو السماء فقال لها:
" هل ترين كيف يضيء البدرُ السماء؟ سنجعل المحبة تُضيء حياتنا مثل البدر تماماً , وإن رزقنا الله
أبناءً سنعلمهم مكارم الأخلاق, وسوف نجعلهم يحفظون كتاب الله, ليضيء بنوره حياتهم بإذن الله
تعالى"
أخذتْ تُنصتُ بهدوء لوقع صدى كلماته في أعماقها,
فتذكرت كم كان يُعجبها كلامه,
وكم كانت تَشُدها حكمته ,
وكم كان يُسعدها تفاؤله ,
كان كثيراً ما يقول لها:
"نستطيع أن نبني سعادتنا بالمحبة والمودة, و ببعض المال,لكن ليس المال وحده من سيبني لناالسعادة"
مضت دقائق قليلة قبل أن تدخل والدتها الحجرة, فتسألها -والدموع تُغرق عينيها- :
- وأنتِ متى تفاجئنني ؟
-أفاجئكِ بماذا يا أمي؟
- بخبر طلاقكِ مثل أختكِ !!هاتفتني قبل قليل تخبرني بذلك باكية حزينة , كنتُ قد نصحتها كثيراً,
وأمرتها أن تكون عوناً لزوجها , تطيعه وتنفق بقدر استطاعتهما, ولا تُثقل عليه بطلباتها, لكنها لم
تجب, وهو أيضاً لم يستطع أن يحتمل منها أكثر فطلقهابعد أن صبر طويلاً .
- أختي أصبحت مطلقة؟
وقع الخبر شديداً عليها, حتى دوى الصوت في أعماقها بحدةٍ, ليوقظها من غفوتها ,
فأدركت ولأول مرة أن البناء العظيم الذي ظل شامخاً أمام عينيها, قد انهار الآن وتلاشى,
علمت أن أختها الذكية لم تكن في يوم ما ذكية أبداً و إنما سيطرت عليها السذاجة زمناً طويلاً,
سذاجة بالغة لا تفوقها سذاجة أخرى , غير( سذاجة عبير) المسكينة.
علمت أن همسات الذكريات الجميلة, التي تهمس بين الحين والآخر ويطرب لها الفؤاد وترتاح لها
النفس, كانت كالأطياف المُرسلة من عالم حقيقي, كل شيء فيه جميل, متجانس, يفيض محبةً ومودة ,
لتتأمل جمالها بهدوء, و تملأ أنفاسها بالعبق المنتشر مِن حولها.
استيقظت من صدمتها, لتجد نفسها تُردد :
" لن أكون مثلكِ , لن أكون مثلكِ "
جلست على سريرها وبكت طويلاً,
لم تكن تبكي حُزناً لما أصاب أختها فقط , لكنها شعرت حقاً أنها ظلمت نفسها كثيراً,
ظلمتها بانقيادها لأفكار أختها بعد أن ألغتْ ذاتها, وعطّلت شخصيتها, فاستفاقت قبل أن تخسر المزيد,
وبسرعة رفعت سماعة الهاتف, وضغطت أرقام هاتفه لتسأله :
- هل أستطيع أن أتحدث معك؟
- بالطبع يا عبير, لكنني أتساءل هل مازلتِ غاضبة ؟
- لستُ غاضبة , وأنا أعتذر منك ,لم أكن أحسب حساباً لأي شيء آخر , سوى أنني كنتُ أفكر في نفسي
فقط, أعلم أنني أستحق أن تغضب مني لكنني أرجو الآن أن تسامحني, فهل هذا ممكن؟
- كنتُ قد سامحتكِ قبل أن تخرجي من المنزل غضبى,وقد كنتُ أعلم أن بقاءك لوحدك فترة وجيزة يجعلك
تفكرين في الموضوع من ناحية أخرى وبطريقة أخرى , فماذا قررتِ الآن؟
- لقد قررتُ أن أعود إلى حيث المحبة في ذلك البيت الصغير, معك ومع أهلك.
-أهلاً بكِ يا عبير ,أهلاً بكِ و بيتنا الصغير وأهلي في انتظارك.
-تمت-
رياض الجنان
نسجتها من خيالي ,
-قد نجد فيها ما نراه في الواقع -
وأتمنى أن تعم منها الفائدة.
...
لن أكون مثلكِ -قصة قصيرة-
دخلت عبير حجرتها , و أخذت تتأمل الأرجاء والزوايا , كل الأشياء من
حولها جميلة , حيّة ,
تشع بريقاً متلألئاً مستمداً من أطياف الأحلام الوردية التي نسجتها من خيالها في هذا المكان الجميل,
لطالما شعرت بحنين قوي إلى هذه الحجرة الصغيرة, التي لم تدخلها منذ عام.
جلست على كرسيها الخشبي الصغير أمام المرآة , وتنهدت في سرّها :
" ليتني بقيتُ هنا أغرقُ في نسج الأحلام ,
ما أجملكِ أيتها الأحلام تأتين دائماً كما أريد , فتُبعديني عن الواقع الذي لا يأتي أبداً كما أريد"
في هذه اللحظة ,ومن بين التأملات الحزينة , سَمعتْ طرقاً خفيفاً على الباب,
وبعد ثوانٍ قليلة دَخلتْ والدتها تسألها بنبرةٍ مُنزعجة:
" هل يستدعي الأمر أن تغضبي من زوجكِ كل هذا الغضب وتعودي إلينا , حزينةً بائسة؟ "
صَمتتْ عبير ولم تجب ,
كررت والدتها التساؤل وأضافتْ:
"إن بقيتِ هكذا, صامتة , حزينة, فستذبلين تماماً كما تذبل الزهور"
اكتفتْ عبير بإجابتها المختصرة:
" لن أعود إليه"
وتوجهت نحو الشرفة المفتوحة, ظلت واقفة هناك طويلاً, وفي أعماق الصمت كانت تنظرُ إلى الورود
في الحديقة , وروداً حمراء مشرقة,نضــرة وجميلة.
تذكرت كم كان يهديها من الورود ما يُبهج قلبها ويسعده ,وكم كانت تَعْجَبُ من اهتمامه بتلك الورود ,
كان يحتفظ بها مُجففة لمدة طويلة , وعندما كانت تسأله عن سبب ذلك, كان يُجيبها مبتسماً:
" أُحب أن أُجسّد ذكرى الأوقات الجميلة , فلا تكون محفورة في عميق الفؤاد فحسب, بل حتى
أراها أمام عينيّ أيضاً "
رن جرس الهاتف, فتنبهت له بعد أن قطع صوته المرتفع خيوط الأفكار والخواطر,
ترددت كثيراً قبل أن تُجب, لكنها رفعت السماعة , لتسمع صوت أختها :
-السلام عليكم , عبير؟
- وعليكم السلام,
- متى وصلتِ؟
- وصلتُ هنا قبل ساعتين ,
-أخبرتني أمي بما حصل, ولقد أعجبتني قوتكِ وشجاعتكِ,هل طلبتِ منه حقاً أن يشتري لكِ بيتاً جديداً,
لتعيشان فيه وحدكما بعيداً عن أهله؟
-نعم, تماماً كما طلبتِ مني أن أفعل, وعندما رفض, لم أناقشه طويلاً , فجئت إلى هنا, لكنه فعلاً لا
يستطيع أن يشتري لي بيتاً جديداً, فهو لا يملك المال الكافي , خاصة في الوقت الحالي.
- أمازلتِ تصدقين أنه لا يملك المال؟ كل الأزواج كذلك يتظاهرون أنهم لا يملكون شيئاً, كوني قوية
مثلي,فأنا أطلبُ من زوجي المزيد والمزيد , ولا يهمني إن قال عني مسرفة , فالأهم هو أن أحصل على
ما أريد فأرضى وأكون سعيدة.ولا تتنازلي بسهولة عن حلمكِ في العيش في بيت لكما فقط لا يشارككما
فيه أحد, هل تفهمين؟
والآن مع السلامة.
-مع السلامة.
* * *
مضت ثلاث ليالٍ وعبير قابعة في حجرتها, تُشغلها الأفكار, وُتحيرها الأسئلة:
" لماذا لم يحاول أن يُهاتفني حتى الآن؟ ماذا ينتظر ؟ "
رفعتْ ستار النافذة, وأخذت تتطلع إلى النجوم المضيئة المتناثرة حول القمر ,
لمعت صورته في ذاكرتها سريعاً,لتتذكره يوماً عندما تطلّع نحو السماء فقال لها:
" هل ترين كيف يضيء البدرُ السماء؟ سنجعل المحبة تُضيء حياتنا مثل البدر تماماً , وإن رزقنا الله
أبناءً سنعلمهم مكارم الأخلاق, وسوف نجعلهم يحفظون كتاب الله, ليضيء بنوره حياتهم بإذن الله
تعالى"
أخذتْ تُنصتُ بهدوء لوقع صدى كلماته في أعماقها,
فتذكرت كم كان يُعجبها كلامه,
وكم كانت تَشُدها حكمته ,
وكم كان يُسعدها تفاؤله ,
كان كثيراً ما يقول لها:
"نستطيع أن نبني سعادتنا بالمحبة والمودة, و ببعض المال,لكن ليس المال وحده من سيبني لناالسعادة"
مضت دقائق قليلة قبل أن تدخل والدتها الحجرة, فتسألها -والدموع تُغرق عينيها- :
- وأنتِ متى تفاجئنني ؟
-أفاجئكِ بماذا يا أمي؟
- بخبر طلاقكِ مثل أختكِ !!هاتفتني قبل قليل تخبرني بذلك باكية حزينة , كنتُ قد نصحتها كثيراً,
وأمرتها أن تكون عوناً لزوجها , تطيعه وتنفق بقدر استطاعتهما, ولا تُثقل عليه بطلباتها, لكنها لم
تجب, وهو أيضاً لم يستطع أن يحتمل منها أكثر فطلقهابعد أن صبر طويلاً .
- أختي أصبحت مطلقة؟
وقع الخبر شديداً عليها, حتى دوى الصوت في أعماقها بحدةٍ, ليوقظها من غفوتها ,
فأدركت ولأول مرة أن البناء العظيم الذي ظل شامخاً أمام عينيها, قد انهار الآن وتلاشى,
علمت أن أختها الذكية لم تكن في يوم ما ذكية أبداً و إنما سيطرت عليها السذاجة زمناً طويلاً,
سذاجة بالغة لا تفوقها سذاجة أخرى , غير( سذاجة عبير) المسكينة.
علمت أن همسات الذكريات الجميلة, التي تهمس بين الحين والآخر ويطرب لها الفؤاد وترتاح لها
النفس, كانت كالأطياف المُرسلة من عالم حقيقي, كل شيء فيه جميل, متجانس, يفيض محبةً ومودة ,
لتتأمل جمالها بهدوء, و تملأ أنفاسها بالعبق المنتشر مِن حولها.
استيقظت من صدمتها, لتجد نفسها تُردد :
" لن أكون مثلكِ , لن أكون مثلكِ "
جلست على سريرها وبكت طويلاً,
لم تكن تبكي حُزناً لما أصاب أختها فقط , لكنها شعرت حقاً أنها ظلمت نفسها كثيراً,
ظلمتها بانقيادها لأفكار أختها بعد أن ألغتْ ذاتها, وعطّلت شخصيتها, فاستفاقت قبل أن تخسر المزيد,
وبسرعة رفعت سماعة الهاتف, وضغطت أرقام هاتفه لتسأله :
- هل أستطيع أن أتحدث معك؟
- بالطبع يا عبير, لكنني أتساءل هل مازلتِ غاضبة ؟
- لستُ غاضبة , وأنا أعتذر منك ,لم أكن أحسب حساباً لأي شيء آخر , سوى أنني كنتُ أفكر في نفسي
فقط, أعلم أنني أستحق أن تغضب مني لكنني أرجو الآن أن تسامحني, فهل هذا ممكن؟
- كنتُ قد سامحتكِ قبل أن تخرجي من المنزل غضبى,وقد كنتُ أعلم أن بقاءك لوحدك فترة وجيزة يجعلك
تفكرين في الموضوع من ناحية أخرى وبطريقة أخرى , فماذا قررتِ الآن؟
- لقد قررتُ أن أعود إلى حيث المحبة في ذلك البيت الصغير, معك ومع أهلك.
-أهلاً بكِ يا عبير ,أهلاً بكِ و بيتنا الصغير وأهلي في انتظارك.
-تمت-
رياض الجنان