سحاب
10-29-2003, 10:34 AM
<span style='color:royalblue'><span style='color:blue'>السفير / أولاً: محاولة للبحث عن الحقيقة تفضل كثيرون غيري وسبقوا إلى عرض واحد من أهم الكتب السياسية التي صدرت في الولايات المتحدة عن الرئاسة الأميركية ويشغل الآن منصب مدير تحرير جريدة الواشنطن بوست الجريدة الأكثر نفوذا في العاصمة الأميركية.
وكان <<بوب وودوارد>> قد بدأ صعوده إلى القمة منذ قام (مع زميله <<كارل برنشتين>>) بتفجير فضيحة <<ووترغيت>> التي كسرت رئاسة <<ريتشارد نيكسون>> (سنة 1974)، وأدت إلى استقالته من رئاسة الولايات المتحدة، ومن يومها راح <<بوب وودوارد>> يتقدم حتى أصبح الآن عميد <<صحافة التحقيق>> التي أثبتت كفاءتها في النفاذ إلى دخائل السياسة، والغوص في خباياها، وتغطية أكبر مساحة من وقائعها، وكشف أدق أسرارها.
.....................
.....................
وبرغم أن كتاب <<بوب وودوارد>> ظهر أواخر سنة 2002، وبرغم أن غيري سبق إلى عرضه كما أسلفت، فإنني أعود اليوم إليه بمنطق ربما يكون مختلفا لأنه لا يعرض للكتاب في مجمله، وإنما يركز على صور محددة في سياقه تكشف أو كذلك ظني عن جواب سؤال يشغلني، ولعله يشغل غيري مؤداه:
<<كيف تحول المشروع الإمبراطوري الأميركي من الحرب ضد الإرهاب إلى حرب ضد العراق؟، وكيف انتقلت بؤرة الحوادث فيما جرى يوم 11 سبتمبر 2001 من نيويورك إلى كابول ثم من كابول إلى بغداد؟، ثم كيف وقع استبدال الأقنعة من ملامح الشيخ <<أسامة بن لادن>> إلى ملامح الرئيس <<صدام حسين>> بهذه السرعة؟
والسؤال ليس فقط عن كيف؟، ولكن بعده عن من؟ ومتى؟، وأين؟، ولماذا؟ (وتلك أسئلة أولية خصوصا في صحافة التحقيقات التي يمثلها نجوم من مستوى <<بوب وودوارد>>، و<<سيمور هيرش>> وغيرهما!).
والحقيقة أن كتاب <<بوب وودوارد>> قصة سينمائية من الدرجة الأولى، وهى قصة تعترف صراحة بأنها تنقل عن الحقيقة ولا تتبرأ منها (كما في بعض أفلام السينما حين ينبه أصحابها مقدما إلى أن أي تشابه بين وقائعهم وأبطالها مع الحقيقة مجرد مصادفة غير مقصودة!) بل إن الأمر في هذه الحالة مختلف، لأن الأبطال في رواية <<وودوارد>> بأشخاصهم وذواتهم بملامحهم وألسنتهم، هم الذين يقصون ويحكون، ويقدمون الدليل على صحة ما يقولون. ففي مقدمة الكتاب سجل مؤلفه (وأكد البيت الأبيض) أنه قبل أن يدق حرفا على الكمبيوتر التقى مرتين بالرئيس <<جورج بوش>>: مرة في مكتبه في البيت الأبيض لمدة ساعة ونصف الساعة في ديسمبر سنة 2001، ومرة ثانية في مزرعته (كراوفورد) تكساس في أغسطس سنة 2002 لمدة ساعتين و25 دقيقة.
ثم يسجل <<بوب وودوارد>> ضمن المقدمة أنه حصل على تصريح سمح له بأن يقرأ محاضر خمسين جلسة لاجتماعات مجلس الأمن القومي، وأنه حين بدأ يعد لكتابه استأذن أن يستعمل بعض النصوص مما قرأ بحروفها، وكما أوردتها المذكرات والمحاضرات في جلسات صنع القرار.
وأخيرا يقرر <<بوب وودوارد>> أنه قابل مئة رجل وامرأة من الذين كان لهم دور في صنع الحوادث في واشنطن ضمن إدارة <<جورج بوش>> (الابن) على امتداد سنة 2001 وحتى ديسمبر سنة 2002 حين مثل كتابه للطبع، ثم يحدد قائمة بأسماء هؤلاء الرجال والنساء الذين قابلهم أثناء جمعه لمادة كتابه ومعنى ذلك أن الصور التي يعرضها <<بوب وودوارد>> أصلية، وأن المواقف والنصوص دقيقة، وأن السياق المتوالي للحركة صحيح، وأن الحوارات والمناقشات أمينة، وبالتالي فإن القصة كما يرويها يصح اعتمادها ويجوز البحث على أساسها، حتى وإن تعددت فيه وجهات النظر عند التفسير والتحليل.
....................
....................
على مائدة الإفطار الساعة الثامنة صباحا في فندق <<سان ريجيس>>، على مقربة من البيت الأبيض يظهر <<جورج تنيت>> مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، مدعوا للإفطار على مائدة راعيه وحاميه السناتور <<دافيد بورين>> (رئيس لجنة الأمن والمخابرات) وهو ديمقراطي يمثل ولاية أوكلاهوما. ويومئ <<وودوارد>> بسرعة إلى أن <<بورين>> هو الذي رشح <<جورج تنيت>> (ابن أسرة مهاجرين جاؤوا قبل جيلين من اليونان) لرئيسه الديمقراطي <<بيل كلينتون>> لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية، وكان السناتور <<بورين>> في ما بعد هو الذي زكى <<تنيت>> للرئيس الجمهوري الجديد <<جورج بوش>> حتى يحتفظ به مديرا للوكالة، لأنه مؤمن بكفاءته، ويرى هناك مصلحة وطنية في بقاء مسؤول اختارته إدارة <<كلينتون>> ليواصل نفس المسؤولية في إدارة <<بوش>>، لأن وظيفة المخابرات المركزية رغم السوابق لا ينبغي أن تخضع بالضرورة لاعتبارات حزبية، وبالذات في حالة رجل يملك خبرة واسعة في المجال الذي اعتمدته إدارة <<كلينتون>> لإطلاق المشروع الإمبراطوري الأميركي، أي مجال مكافحة الإرهاب. وقد استجاب <<بوش>> لرغبة <<بورين>> قائلا له: <<إن ما وصله عن <<جورج تنيت>> يشهد بكفاءته>>. ثم أضاف قائلا ل<<بورين>>: <<إنني أعرف أن أول بند في البرنامج اليومي للرئيس هو اجتماعه في الصباح المبكر (الساعة السابعة صباحا) مع مدير وكالة المخابرات المركزية كي يطلعه على أسرار ما جرى في العالم خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، ومعنى ذلك أن رجلك سوف يكون أول وجه يطالعني كل صباح>>.
وعلى مائدة الإفطار التي جمعت <<بورين>> و<<تنيت>> وفي الساعة الثامنة والربع من صباح يوم 11 سبتمبر اقتحم المائدة أحد حراس مدير وكالة المخابرات المركزية يهمس في أذن <<تنيت>> <<سيدي المدير، هناك كارثة، وقع هجوم على مركز التجارة>>، ويتناول <<جورج تنيت>> من حارسه جهاز تلفون محمول ويسمعه <<بورين>> يقول (ويفهم أنه يتحدث إلى أحد مساعديه) بصوت مشحون: <<ماذا؟.. طائرة دخلت في برج التجارة؟! سوف أكون عندك على الفور>>.
ثم يلتفت <<تنيت>> إلى <<بورين>> ويبادره على الفور: <<ذلك عمل بن لادن ولا أحد غيره!>>، هكذا بالانطباع المسبق وقبل استكمال تفاصيل الواقعة وقبل المناقشة مع خبراء الوكالة وقبل أي تحقيق.
وكذلك ينتهي مشهد الإفطار في فندق <<سان ريجيس>>.
لمحة!
في ليما عاصمة بيرو وعلى مائدة الإفطار أيضا، والمضيف <<أليخاندرو توليدو>> (رئيس جمهورية شيلي)، والضيف <<كولن باول>> وزير الخارجية الأميركية الذي يقوم بزيارة رسمية لعاصمة شيلي لحضور دورة اجتماع رئاسي لمنظمة الدول الأميركية، وكانت هذه الدورة مخصصة لتسوية مشكلة حصص النسيج في التجارة بين أميركا الشمالية وأميركا اللاتينية، وفجأة يفتح باب الغرفة ويدخل السفير <<كريغ كيلي>> المساعد التنفيذي لوزير الخارجية الأميركي، ممسكا في يده بورقة مكتوبة بخط اليد منزوعة على عجل من دفترها، والمكتوب فيها بالنص: <<اصطدمت طائرتان قبل قليل ببرج التجارة>>، وينهض <<كولن باول>> واقفا يقول لرئيس <<شيلي>>: <<لا بد أن أعود الآن إلى واشنطن>>، ثم يواصل <<هذا حدث كبير لا أستطيع أن أبقى بعده هنا لمواصلة الكلام عن حصص النسيج>>، ثم يلتفت إلى مساعده التنفيذي يطلب تحضير طائرته فورا لرحلة العودة إلى واشنطن، ثم يعود إلى توجيه خطابه لرئيس شيلي: <<لا أعرف من فعلها حتى الآن ولكنه كائنا من كان لا بد أن يلقى عقابه، نحن أمة قوية، ونحن نثق بأنفسنا>>.
ثم يتصل <<كولن باول>> بنائبه <<ريتشارد أرميتاج>> ويسمع منه أن أجواء واشنطن في فوضى عارمة والأعصاب مفلوتة، والتضارب والتخبط يستولي على أركان الإدارة، والرئيس <<بوش>> بعيد في فلوريدا، ولا بد من حضورك فورا، لأن البلد يحتاج الآن إلى يد غير مرتجفة (Steady Hand) تمسك بزمام الأمور!
وكانت خشية <<باول>> تلك اللحظة في رد فعل شبه غريزي أن يتعرض الرئيس لعملية <<برمجة>> تضبطه على اتجاه معين قبل وصوله هو <<باول>> إلى واشنطن.
لمحة!
<<أندرو كارد>> رئيس أركان البيت الأبيض يقترب من الرئيس <<جورج بوش>> (الذي كان يزور مدرسة بوكر الأولية في قرية ساراسوتا فلوريدا ويقرأ بصوت عال لتلاميذ أحد فصولها)، ويهمس <<كارد>> في أذن رئيسه <<دخلت طائرة في برج التجارة في نيويورك>>، ويخطر ببال <<بوش>> (كما روى في ما بعد) أنها <<حادثة اصطدام مؤسفة من طيار أخطأ مساره>>، وكذلك يواصل ما كان يفعله، لكن <<كارد>> يعود إليه بعد قليل هامسا مرة أخرى في أذنه، ولكن بعصبية ظاهرة <<هناك طائرة ثانية دخلت في برج التجارة أميركا معرضة لهجوم>>. وينتفض <<بوش>> في شبه ذهول قائلا على الفور: <<لقد أعلنوا الحرب علينا، ولا بد أن نذهب إلى قتالهم حيث كانوا!>>. وينهي جلسته مع تلاميذ المدرسة ويستذكر (في ما بعد): <<لا أعرف لماذا قلت إنها الحرب ضدنا تلك اللحظة>>، ثم يضيف: <<لعله كان صدى صوت والدي كما سمعته سنة 1990 بعد غزو الكويت>> ويهرع <<بوش>> إلى المطار ليركب الطائرة الرئاسية عائدا إلى واشنطن ويقول قبل أن يصعد درجات السلم لكارد: <<أخطرهم (يقصد البيت الأبيض في واشنطن) أن عليهم القيام بحماية السيدة الأولى (<<لورا>> زوجته) وعلى <<الأولاد>> (ابنتيه)>>. ويدفعه أحد حراسه صائحا: <<سيادة الرئيس نريدك الآن داخل الطائرة وعلى مقعدك>>. وطبقا لوصف كبير حراسه فقد استحال لون <<بوش>> إلى بياض القطن، وتعثرت خُطاه وهو يصعد سلم الطائرة (ربما لأنه لا مغامرة ولادته من جديد، ولا ظروف حملته الانتخابية، ولا تجربة ثمانية شهور في البيت الأبيض هيأته لاستيعاب مثل هذه الصدمة).
لمحة!
<<لورا بوش>> (زوجة الرئيس) في الساعة التاسعة والربع ترتدي فستانا أحمر اللون وحول عنقها عقد من اللؤلؤ تضوي حباته تحت الضوء وهي جالسة في قاعة الاجتماعات بمبنى <<راسل>> في الكونغرس، فقد ذهبت إلى هناك تُدلي برأيها في <<مشكلة التعليم المبكر للأطفال>>، أمام لجنة يرأسها السناتور <<إدوارد كنيدي>> (شقيق الرئيس الراحل <<جون كنيدي>>)، ويدخل أحد مرافقيها يدعوها إلى الخروج معه فورا، لأن هناك <<حادثة>> وقعت، وتهرع <<لورا>> خارجة من القاعة ووراءها السناتور <<إدوارد كنيدي>> يستمعان إلى بعض التفاصيل ويهرولان من باب جانبي للقاعة، وعندما تصل إلى سيارتها تكون قد سمعت ما يكفيها، وتنتابها حالة رجفة وتمتلئ عيناها بالدموع، ولا تتمكن سيارتها من السير بسبب زحام الشوارع، ويقرر حراسها أنه لا داعي لتعريضها لخطر السير حتى نهاية شارع بنسلفانيا (حيث البيت الأبيض)، وعليه فهم يأخذون <<السيدة الأولى>> إلى غرفة آمنة في بدروم إدارة البوليس السري، ومن هناك تحاول الاتصال تلفونياً بابنتيها <<بربارة>> و<<جينا>>، ويبدأ البوليس السري تحرياته لمعرفة مكان وجود الاثنتين، وتسمع الأم بالأسماء السرية التي يستعملها البوليس السري للكناية عن ابنتي <<بوش>>: الأولى <<تركواز>> (حجر نصف ثمين)، والثانية <<بريق>> (لعله قطع من البلور أو الزجاج).
وأخيرا الساعة 11,10 تمكنت من سماع صوت ابنتيها، وعندما اطمأنت راحت <<لورا>> تسأل في صوت مرتعش تحاول السيطرة عليه <<إذا كان ممكنا أن تعود إلى بيتها؟>>.
لمحة!
الرئيس <<جورج بوش>> في الطائرة الرئاسية يتمكن من الاتصال بنائبه <<ريتشارد تشيني>>، وقد وجده في المخبأ الآمن للبيت الأبيض، لأن ضباط الأمن حملوه إلى هناك حملا خوفا على حياته، ويصغي <<بوش>>، وكل ما يرد به على نائبه هو قوله: <<إذن فنحن في حرب>>، ثم يضيف <<نحن في حرب، لا نعرف حتى الآن من هو العدو فيها لكن هناك من سوف يدفع الثمن، نحن سنحارب وهذا هو الواجب الذي يدفع لنا الشعب الأميركي مرتباتنا كى نؤديه>>.
ويعود <<بوش>> للاتصال بنائبه في بدروم البيت الأبيض يطمئنه إلى أنه في الطريق إلى واشنطن، لكن <<تشيني>> يقول له: <<لقد أبلغت أن Angel * أي الملاك، (وهو الاسم الرمزي لطائرة الرئيس) ملاحقة بالخطر الآن لأنها الهدف التالي>>. واقترح <<تشيني>> على رئيسه أن يبتعد إلى أقصى ما يستطيع عن محيط العاصمة، قائلا بحزم <<لا تجئ الآن إلى واشنطن>>، وعندها قرر مرافقو الرئيس (ممن كانوا معه على الطائرة) أفضلية توجهه إلى قاعدة <<باركسويل>> في لويزيانا حيث يكون هناك في أمان.
لمحة!
الرئيس <<جورج بوش>> يتصل بوزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>>، ويبادره بالصياح بصوت مرتفع (كذلك روى) <<واو>>، ثم يترك الصياح إلى التعبير باللفظ ليقول <<إنه يوم مأساة وطنية، ولا بد أن تكون مستعدا للحرب أنت و<<ديك مايرز>> (يقصد قائد الطيران الذي أصبح بعدها رئيسا لهيئة أركان الحرب المشتركة)، ويضيف <<بوش>>: <<الكرة واصلة بالتأكيد إلى ملعبكم>>، ثم يواصل كلامه قائلا لوزير دفاعه <<لا بد أن تطلق العنان للقوات المسلحة>>، ويرد <<رامسفيلد>> <<لا تحتاج أن توصينا بما يتعين علينا عمله!>>.
لمحة!
<<دونالد رامسفيلد>> يدعو الجنرال <<هنري شيلتون>> (رئيس أركان الحرب المشتركة) إلى مقابلته، ولم يكن في العادة يستريح له (خصوصا بعد مشادة وقعت بين الاثنين، حين نبه وزير الدفاع على رئيس الأركان المشتركة أن لا يتصل مباشرة بالرئيس عن غير طريقه، وعندما حاول <<شيلتون>> أن يعترض لأن <<الرئيس له الحق الدستوري بأن يسمع مباشرة من رئيس أركان الحرب>> كان رد <<رامسفيلد>> قاطعا <<ليس ما دمت أنا جالسا على مقعد وزير الدفاع>>) والآن جاء <<شيلتون>> إلى مكتب <<رامسفيلد>> الذي بادره بقوله <<نحن الآن في لحظة فارقة>>.
ويرد <<شيلتون>> بقوله: <<إننا على استعداد>>. ويجيبه <<رامسفيلد>> <<جئني بما لديك من خطط لمواجهة هذا الموقف>>.
ويضيف <<رامسفيلد>> <<لا بد أن نتحرك فورا>>، لكن الجنرال <<شيلتون>> (رئيس الأركان وقتها) يرد عليه وفي حضور الجنرال <<مايرز>> (رئيس الأركان الحالي): <<إذا كانت المسؤولية على <<بن لادن>>، وإذا كان الفاعل تنظيم القاعدة، وإذا كانت القاعدة كما نعرف متحصنة في أفغانستان فلا بد لي من إبلاغك أننا لا نملك خطط طوارئ جاهزة للعمل هناك، لأن ذلك البلد لم يكن على قائمة توقعاتنا، ففي كل حساباتنا لم يكن هناك احتمال أن نشن حربا في أفغانستان>>.
ويرد <<رامسفيلد>> بغضب: <<لا أظن أن لديكم حسابا لأي حرب لا في أفغانستان ولا في غير أفغانستان، لقد اطلعت على بعض ما عندكم من خطط الطوارئ الجاهزة، وأشعر بأن أمامنا شوطا طويلا يجب أن نقطعه حتى نستطيع بناء قدرة فعل تعبر عن قوة أميركا، ولكم أن تنصرفوا الآن>>. ويرد الجنرال <<مايرز>> (رئيس الأركان الحالي) قائلا بالنص: <<أفهم ما تقوله يا سيدي!>>.
لمحة!
مدير وكالة المباحث الفيدرالية <<روبرت موللر>> يتصل من مكتبه بمدير المخابرات المركزية الأميركية يستطلع ما عنده من معلومات، لأن <<موللر>> لم يمض عليه في منصبه غير خمسة أيام، ويكرر عليه <<تنيت>> أن المسئولية لا بد أن تكون على <<بن لادن>>، ويرد <<موللر>> بقوله <<محتمل، لأنه ليس هناك تنظيم آخر لديه مثل هذه الوسائل لترتيب عمل إرهابي بهذا الحجم>>.
لمحة!
الرئيس <<بوش>> يعود إلى واشنطن في الساعة السادسة والنصف، وقد نقل إليه أن هناك محاولة لإبقائه بعيدا عن مركز القرار حتى ينفرد به <<ريتشارد تشيني>> الذي ينتهز الفرصة كي يؤكد لأميركا أنه رجل الساعة، وأن يده هي التي تمسك بالدفة!
ويستدعي <<بوش>> رئيس مجموعة كتابة خطبه <<مايكل جيرسون>>، ويقول له <<إنه يريد أن يتحدث إلى الرأي العام الأميركي فورا، وتعليماته في شأن النقاط الأساسية أنه يريد إعلانها <<حربا على الإرهاب>>، وتتدخل مستشارته للأمن القومي فتقول للرئيس: <<إن ذلك هدف مفتوح، ويتعين عليك أن تكون الآن أكثر تحديدا>>.
ويتصل <<جيرسون>> بعدد من أقطاب الإدارة يستطلع رأيهم في ما يقترحون تضمينه في خطاب الرئيس، ويوجه <<جيرسون>> للجميع استفسارات محددة، يظن أنها تساعده على صياغة النص الأكثر ملاءمة للظروف والأفعال في التأثير على الرأي العام وضمن استفساراته: <<ما هو الهدف الأميركي الآن؟ من هو العدو؟ ما هي الأدلة المتوافرة لدينا عن مسؤوليته في ما جرى اليوم؟>>.
وتجيء إجابات الجميع وفيهم نائب الرئيس <<ريتشارد تشيني>>، ووزير الخارجية <<كولن باول>>، ووزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>> متضاربة.
وتروي <<كونداليزا رايس>> (مستشارة الرئيس للأمن القومي) ل<<وودوارد>> (ونقل عنها): <<أنها أحست مثل تائه في الضباب لكنها <<استراحت>> إلى أنه لا بد أن يكون تنظيم القاعدة هو المدبر وأن يكون <<بن لادن>> هو المسؤول وإلا فمن فعلها؟>>.
على أن هواجس <<كونداليزا رايس>> ما لبثت أن عاودتها، بمنطق أن تحديد مسؤولية <<بن لادن>> عما جرى صباح اليوم في واشنطن لا بد أن تتداعى بعده مسؤولية على الإدارة الأميركية، تسائل أطراف هذه الإدارة: لماذا فوجئوا بما جرى؟ وما الذي كانوا يعرفونه عن تنظيم القاعدة؟ ومتى عرفوه؟ وكيف تصرفوا حياله؟
ولم يكن هناك وقت لهذه الهواجس وغيرها.
.....................
.....................
وتشير عشرات ومئات الأوراق التي تعرضت لأجواء تلك الليلة (ليلة 12 سبتمبر في واشنطن) أنها كانت سهرا طويلا مع الاختلافات والتناقضات تحولت بعض اللحظات إلى تهم متبادلة بين الأطراف، ثم هدأت الأعصاب مع نهاية الليل على عدة مطلوبات عاجلة تفرضها الضرورات إزاء توترات تزداد حدة في مشاعر الرأي العام الأميركي، وقد يتفاقم تأثيرها، وكانت قائمة المطلوبات الضرورية طويلة وبدايتها:
1 أنه لا بد من تصدير هذه الصدمة المفاجئة إلى خارج الولايات المتحدة بسرعة، لأن شحنة الغضب بعد ما جرى يجب ألا تظل محصورة في الداخل لأن ذلك كفيل بتوليد شحنة ساخنة يصعب التنبؤ بخطرها، أو السيطرة على اتجاه حركتها.
2 ومعنى ذلك أنه لا بد فورا من <<عدو خارجي محدد>>، تلقى عليه المسؤولية، وقبل انتظار للتفاصيل لأنه بوجود هذا العدو يسهل تحويل شحنة الغضب القادم بعد قوة الصدمة، وبعد ترويع المفاجأة، وبعد وجع الحزن إلى بعيد.
3 وبوجود هذا العدو فإن تعبئة شاملة ضده تستطيع أن تستوعب المشاعر وتضمها في إطار محدد يلم شملها ويمسك بالشارد والجامح منها، وأكثر من ذلك يعطي الفرصة لتوظيفها.
4 وعليه فإن الأمر يقتضي استدعاء الوطنية كإطار جامع للأمة الأميركية في لحظة خطر، وأن يتم ذلك بكثافة تقطع الطريق على أي تساؤل بحيث يصبح مجرد الشك درجة من الخيانة.
5 وفي سياق قائمة المطلوبات أن هناك <<حاجة روحية>> إلى استدعاء الدين، يلعب دوره الإيماني في تحقيق درجة من القبول بنوازل القدر، وبالتالي تخفيف القلق والخوف وحقن جرعات من الصبر والاحتمال، تستحضر أرواح القديسين والشهداء!
وكانت تلك (في واقع الأمر) محاولات شراء فسحة من الوقت قبل التصرف، وكان كل أطراف الإدارة على خلاف ما بينهم يرون ذلك ضروريا لتغطية الفجوة ما بين مفاجأة الحدث المروع وما بين تحديد المسؤولية عنه، ولعل فسحة الوقت أيضا كانت نافعة لمساعدة <<جيرسون>> على إيجاد صيغة جواب لأسئلته الحائرة عن الهدف الأميركي الآن؟ ومن هو العدو؟ وما هي الأدلة المتوافرة <<لدينا>> ضده في شأن ما جرى صباح أمس في واشنطن؟ ومن ثم يتمكن من كتابة أول خطاب عام لرئيس الولايات المتحدة بعد الصدمة.
وكانت فسحة الوقت أيضا حاجة ملحة لتهدئة هواجس <<كونداليزا رايس>> وغيرها بصدد مسؤولية إدارة <<بوش>> عما جرى؟ ولماذا فوجئت؟ وما الذي كانت تعرفه؟ ومتى عرفته؟ وكيف تصرفت إزاءه؟.
.....................
.....................
وفي حملة مكثفة وشاملة، جرى تحقيق المطلوبات الضرورية كلها وأمكن شراء مهلة من الوقت لالتقاط الأنفاس!
بمعنى أنه جرى بسرعة تصدير الأزمة ووقع العثور على عدو وانتقل التركيز إلى هذا العدو واستدعيت وطنية العلم المخطط بالأحمر والأبيض والمرصع بمربع أزرق تصطف فيه النجوم (وهي حالة من وطنية الخوف موروثة بالتجربة) وحضر القساوسة والحاخامات (والمشايخ) وبدأت الصلوات، وبين النتائج أن المزاج الأميركي تحول إلى قوس مشدود بالتوتر جاهز للانطلاق في أي اتجاه، ولا بد من إطلاقه قبل أن يتذكر المواطن الأميركي أن بلاده رصدت ما متوسطه تريليون (ألف بليون) دولار كل سنة تحت بند الدفاع عن نفسها، أي خمسين تريليون دولار أي حوالى 20% من مجمل الدخل القومي الأميركي طوال خمسين سنة (وفق تقرير الكاتب الكبير <<جورفيدال>> في دراسته بعنوان <<السلام المتقطع والحرب المستمرة>>) ومع ذلك وبرغم هذه التكاليف المهولة، انقضت على الشعب الأميركي مثل هذه الضربة وفي قلب وطنه (نيويورك) (وليس كما حدث في <<بيرل هاربور>> فوق قاعدة نائية وسط المحيط الهادئ (جزر هاواي) ).
ثالثاً: لا نستطيع كسب حروب ضد أشباح!
بعد أن يرسم <<بوب وودوارد>> لوحته التأثيرية بلمحات وظل وفراغ، يدلف هادئا إلى عالم الصور يعرض شريطا متواصلا منها يبدأ به من الأول أي من قبل أن تنقض صدمة 11 سبتمبر 2001، وتلك في فن السينما هى العودة إلى الوراء (Flash Back) تسترجع خلفية المشهد.
صورة!
قبل أن يتسلم <<جورج بوش>> (الابن) مسؤوليات رئاسة الولايات المتحدة رسميا بأسبوع كامل جرى ترتيب اجتماع خاص له مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية <<جورج تنيت>>، والمقصود أن يكون الرئيس المنتخب على دراية وإحاطة بالمخاطر المحتملة التي تنتظر رئاسته القادمة. وتوجه <<جورج بوش>> إلى <<بلير هاوس>> مقر الضيافة الرسمي المواجه للبيت الأبيض (وكان <<بيل كلينتون>> لا يزال يعمل منه وأمامه أسبوع كامل قبل أن يسلمه إلى شاغله الجديد).
ودخل <<جورج بوش>> (الابن) إلى <<بلير هاوس>> ومعه شخصان اثنان، لأن سرية المعلومات التي كان مقدرا أن يسمعها يلزم حصرها في أضيق دائرة، وكذلك لم يجئ مع الرئيس المنتخب إلا اثنان من أركان إدارته المقبلة: <<ريتشارد تشيني>> نائبه الذي فاز معه على نفس التذكرة، ومساعدته التي اختارها مستشارة لشئون الأمن القومي <<كونداليزا رايس>>.
وعلى الناحية المقابلة جلس مدير وكالة المخابرات المركزية <<جورج تنيت>> الذي اصطحب معه رجلا واحدا من مساعديه هو <<جيمس بايت>> نائب رئيس المخابرات لشؤون العمليات.
ولمدة ساعتين ونصف الساعة استمع <<جورج بوش>> (ومرافقاه) إلى عرض مفصل عن <<الأصدقاء والأعداء>> و<<الطيبين والأشرار>> <<والفرص والأخطار>> مما ينتظر الإدارة الجديدة.
وركز <<جورج تنيت>> و<<جيمس بايت>> في ما عرضا على ثلاثة أعداء رئيسيين:
العدو الأول هو الإرهاب والطليعة في جبهته العالمية هي تنظيم القاعدة الذي يقوده <<أسامة بن لادن>>، وهو رجل خطير يعتبر نفسه في حالة <<جهاد إسلامي>> ضد الولايات المتحدة، إلى درجة تدعوه لتعقب مصالحها ومطاردة مواطنيها في أي مكان وفي أي وقت، وذلك يجعل تنظيم القاعدة <<خطرا قائما>> و<<خطرا عاجلا>>، والصعوبة في شأنه <<أننا لا نستطيع أن نعرف بالضبط متى؟ وأين؟ يختار ضرباته>>، ذلك أن هذا التنظيم كيان يصعب الإمساك به (Elusive)، ثم يعرض <<تنيت>> <<أن الرئيس الحالى <<بيل كلينتون>> وافق على خمسة أوامر عمليات محددة (Memorandum of Notification) تفوض المخابرات المركزية في تنفيذ ضربات هدفها تدمير تنظيم القاعدة وتصفية <<بن لادن>>، والغرض <<إرباك نشاط الإرهابيين وإجهاض عملياتهم>>، وأنه يستأذن في تجديد هذه التفويضات بسلطة الرئيس المنتخب فور أدائه للقسم الدستوري>>.
العدو الثاني هو الانتشار غير المسبوق لأسلحة الدمار الشامل (الكيماوية والبيولوجية والنووية)، واحتمال وصول مثل هذه الأسلحة إلى دول <<مارقة>> أو جماعات <<متعصبة>> تستغلها دون إدراك لطبيعة القوة التدميرية لهذه الأسلحة، أو بإدراك لا تعنيه العواقب طالما كانت هذه الأسلحة تساعد على ردع الآخرين أو الانتقام منهم!
والعدو الثالث هو الصين التي أفلتت من عوائق التخلف والحصار، وراحت تركز على بناء قوة تجعل منها فيما لا يزيد على ربع القرن دولة عظمى <<عدوانية>> على الشاطئ الآخر من المحيط الهادئ.
وكانت الملاحظة الوحيدة التي أبداها <<جورج بوش>> بعد سماعه لكل ما عرضه عليه رئيس المخابرات المركزية: انه يتوقع في وقت مبكر من رئاسته أن يتلقى تقريرا من الوكالة عن مقترحاتها لكسر خطر <<بن لادن>>، وكان <<جيمس بايت>> (مدير العمليات) هو الذي رد: <<نستطيع أن نوصي بدءاً من هذه اللحظة بدعم التحالف الشمالى لزعماء قبائل أفغانستان، لأن هؤلاء هم القوة المضادة لنظام طالبان سند تنظيم القاعدة، وحامي <<بن لادن>> بما يوفره للجميع من أسباب للطمأنينة وحرية العمل.
وقال <<بوش>> <<إنه يوافق على التوصية، وينتظر أن يتلقى مشروع تفويض للوكالة، وسوف يوقع عليه لحظة أن يجده على مكتبه في البيت الأبيض عندما يتسلم مسؤوليته!>>.
صورة!
في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم 11 سبتمبر 2001، وبعد أن استجمع الرئيس الأميركي بعض أعصابه في أعقاب الصدمة الأولى للأخبار التي وصلته عما جرى في نيويورك دعا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن القومي على الشبكة الإلكترونية الرئاسية، وكان <<بوش>> ساعتها في قيادة القوات الجوية بولاية <<نبراسكا>>، ولأنه لم يكن قرر بعد موعد عودته إلى العاصمة، فقد أراد أن يكسب وقتا، وتمت الترتيبات اللازمة بسرعة، وكان أول المتحدثين في هذه الجلسة الإلكترونية <<جورج تنيت>> مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية الذي ظهر جالسا على مكتبه في واشنطن قائلا:
<<سيادة الرئيس، نستطيع أن نقول في شبه يقين (near certainty) أن <<بن لادن>> وراء الهجوم على نيويورك صباح اليوم، فلقد وجدنا من بحث قائمة الركاب على شركة الطيران الأميركية للرحلة رقم 77 (التي ضربت مبنى البنتاغون) أن أحد الركاب هو <<خالد المدحار>>، وذلك رجل تابعنا نشاطه قبل سنة في ماليزيا، وقد تمكن <<عميل في خدمة الوكالة>> من تحديد موقعه في تنظيم القاعدة، ووقتها قامت الوكالة بإخطار إدارة المباحث الفيدرالية F.B.I كى تضع هذا الرجل على قائمة الممنوعين من دخول الولايات المتحدة، لكن المخابرات المركزية فوجئت عندما وجدت اسم <<المدحار>> ضمن ركاب الرحلة 77، ومعنى ذلك أنه تمكن من التسلل إلى الولايات المتحدة.
كرر <<تنيت>> على الشبكة الإلكترونية المشفرة <<اعتقاده بأن القاعدة هي التنظيم الوحيد الذي يملك الوسائل لتنفيذ عمل إرهابي على هذا النحو الدقيق المثير (Spectacular).
واصل <<جورج تنيت>> <<أن الوكالة تمكنت من تعقب مكالمات تلفونية بين بعض أنصار <<بن لادن>> يهنئون فيها أنفسهم على هذا <<التوفيق العظيم>>، ويقوم خبراء الوكالة الآن بترجمة هذه المكالمات وغيرها إلى اللغة الإنكليزية، لعلهم يستنتجون منها معلومات عن مفاجآت أخرى قد تكون جاهزة <<للانفجار>>!
وأحس بعض أعضاء مجلس الأمن القومي على الشبكة الإلكترونية <<أن وكالة المخابرات المركزية تقصد بطريقة غير مباشرة أن تلقي مسؤولية التقصير على <<مكتب التحقيقات الفيدرالي>>، وأن تضع على حسابه فشلا في التصرف على أساس معلومات وفرتها له المخابرات، وبدا أن <<جورج تنيت>> يحاول إعداد <<خازوق>> لغيره، وهنا اكتفى الرئيس <<بوش>> بأن يقول لجورج تنيت:
<<حاول أن تفتح آذانك حتى لا تفوتك همسة، تنصت على كل شيء وأي إنسان داخل الولايات المتحدة وخارجها>>.
وقال <<تنيت>> إنه سيفعل، ثم عاد يحاول تثبيت <<الخازوق>> لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وقاطعه الرئيس <<بوش>> قائلا: <<إنه مذهول لا يستطيع حتى هذه اللحظة أن يتصور كيف جرى اختراق أمن أهم المطارات في الولايات المتحدة!>>.
صورة!
عاد الرئيس <<جورج بوش>> إلى مكتبه في السادسة والنصف من مساء يوم 11 سبتمبر، وقرر أن يوجه خطابا إلى الأميركيين، ودعا هيئة كُتَّاب خطبه إلى المكتب البيضاوي يبحث معهم ما يمكن أن يقوله <<لأُمة في حالة فزع>>، وكانت هيئة كتاب خطب الرئيس قد تحسبت للطلب واستعدت بمشروع جاهز، أشرفت على تحضيره <<كارين هيوز>> كبيرة مستشاري العلاقات العامة، وقام بصياغته النهائية <<مايكل جيرسون>> (الكاتب الأول بين مجموعة كتاب <<خطب الرئيس>>).
وراح <<بوش>> يستمع إلى النص المقترح لخطابه، ووصل <<مايكل جيرسون>> أثناء قراءته مشروع الخطاب إلى عبارة تقول <<إن ذلك الذي حدث لم يكن مجرد هجوم إرهابي بل كان إعلان حرب على الولايات المتحدة>>، وتوقف <<بوش>> وسأل: <<لماذا نقول ذلك الآن؟>>، وردت <<كارين هيوز>> <<هذا كلام جاء على لسانك أنت في أول تعليق نُقِلَ عنك من فلوريدا>>. ورد <<بوش>> بقوله <<شعوري أن مهمتنا الآن هي طمأنة الناس وليس تخويفهم أكثر>>، ثم التفت إلى <<مايكل جيرسون>> يقول له: <<احذف هذه الجملة>>. وأضاف <<إنني لا أريد أن أزيد في قلق الناس، وإنما أن أساعد على تهدئة مشاعرهم>>.
ثم دارت مناقشة استقر فيها الرأي على <<أن يكون الخطاب قويا متوازنا يطمئن وفي نفس الوقت يؤكد حزم الرئيس على العمل ضد الإرهاب والإرهابيين، وضد كل هؤلاء الذين يقدمون لهم المساعدة والمأوى، مع التعهد بأنه سوف يوجه ضربات عقابية للجميع: الإرهابيين ومناصريهم وأعوانهم والذين يتعاطفون معهم ولو بمجرد الإيواء>>.
وقالت <<كونداليزا رايس>> مستشارة الرئيس للأمن القومي <<إنها تظن باستمرار أن الكلمات الأولى التي يقولها الرئيس بعد حدث من هذا الحجم هي التي تصنع أول الانطباعات وأبقى المؤثرات، وأنه إذا كان الرئيس ينوي <<إعلانها حربا شاملة ضد الإرهاب>>، فعليه أن يقولها الآن لأن هذه فرصتك لإعلانها بحسم>> وبدا <<بوش>> مترددا لا يقطع برأي. وراحت النسخة النهائية المعدلة لخطاب الرئيس تتكامل، وعرف أحد مستشاريه وهو <<دان بارتليت>> أن رئيسه حذف عبارة <<أن الهجوم على نيويورك إعلان حرب على الولايات المتحدة>>، وتوجه إلى المكتب البيضاوي يحاول إقناع <<بوش>> بإعادة الجملة إلى نص خطابه، ورد عليه الرئيس بضيق <<إنني طلبت حذفها>>، وأضاف <<ولا أريد اقتراحات بتعديلات أخرى على نص الخطاب، لأني في هذه اللحظة أجهز نفسي لإلقائه>>.
صورة!
يوم 12 سبتمبر (اليوم التالي للصدمة الكبرى)، دعا مجلس الأمن القومي لاجتماع خاص في البيت الأبيض (اجتماع بشر من لحم ودم وليس ترددات ذبذبات إلكترونية مشفرة)، وكان <<جورج تنيت>> أول المكلفين بعرض الموقف، وألقى <<تنيت>> بالمسؤولية على القاعدة، وبعدها على حكومة طالبان التي تؤويها، وبعدها على المخابرات العسكرية الباكستانية التي دعمت حركة طالبان ومكنت لها، واعتبرتها المؤتمنة على الجهاد الإسلامي في أفغانستان (ضد الاتحاد السوفياتي السابق)، وصاحبة دولته الحاكمة في ذلك البلد، وعلق <<بوش>> قائلا: <<الحملة على الإرهاب فرصة عظيمة لإقناع روسيا والصين بالانضمام إلينا>>.
ثم التفت الرئيس إلى وزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>> (وقد أخطره بالأمس أن الكرة في طريقها إلى ملعب القوات المسلحة) يسأله عما توصل إليه، وكان <<رامسفيلد>> قد أعد ورقة أمامه كتب عليها مجموعة أسئلة يريد طرحها، والحصول على إجابات عنها تكون توجيها واضحا للقوات المسلحة.
<<إذا كنا سنوجه ضرباتنا ضد القاعدة، فنحن نريد أن نعرف:
1 ما هى الأدلة المتوافرة لدينا على مسؤولية هذا التنظيم عما جرى أمس؟
2 ما هي الأهداف التي يمكن أن نوجه إليها ضرباتنا لكسر التنظيم؟
3 ما هو التوقيت المقترح لبداية ضرباتنا؟
وتوقف <<رامسفيلد>> لحظة ثم استكمل:
<<أريد أن أكون واضحا:
1 ليست لدينا خطط طوارئ جاهزة للتعامل عسكريا مع تنظيم القاعدة.
2 ليست لدينا قوات معبأة للعمل في مناطق وجود هذا التنظيم في أفغانستان.
3 إذا أردنا توجيه ضربات جوية متواصلة في أفغانستان، فنحن نحتاج في الإعداد والتحضير والنقل وتشوين الأجهزة إلى مدة ستين يوما.
وتدخل وزير الخارجية <<كولن باول>> يبدي دهشته من أن وزير الدفاع يطرح أسئلة كان واجبه تقديم إجابات عنها.
ورد <<رامسفيلد>> بأنه لاحظ في سير المناقشات أن بعض زملائنا <<لا يتصورون أن ننتظر ستين يوما قبل أن نضرب>>، بل وسمع أحد مستشاري الرئيس يقول: <<إنه لا يمكن تصور الانتظار حتى يوم 11 نوفمبر حتى ترد الولايات المتحدة على حدث وقع يوم 11 سبتمبر>>، وهو يريد أن يعرف الجميع أن توجيه ضربة عسكرية تختلف عن الإدلاء بتصريحات مرسلة إلى وسائل الإعلام، وأضاف <<إن الأسئلة التي طرحها حقيقية وهى ليست أسئلته الوحيدة، وإنما لديه بعد ما ذكر قائمة طويلة>>.
فيها السؤال عن <<أية حدود سوف نلتزم بها في توجيه الضربة؟>>.
وفيها السؤال عن <<من هم حلفاؤنا في توجيه هذه الضربة؟>>.
وفيها السؤال عن <<هل هناك حلفاء لنا يساعدون القاعدة؟ وإذا كان فهل نوجه إليهم ضرباتنا أيضا؟>>.
ثم قال <<رامسفيلد>> بلهجة درامية:
<<إن القوات تحتاج إلى توجيهات محددة!>>.
وقال <<تشيني>>: <<إنه يفهم أن أفغانستان على بعد سبعة آلاف ميل من أميركا، وأن عدد سكانها 26 مليون نسمة، أي إنها في حجم تكساس (ولعل <<تشيني>> أراد بهذه المقارنة أن يقرب الصورة إلى عقل <<بوش>>) فماذا سنفعل بالضبط؟>>.
وتدخل <<بوش>> ليقول <<كما فهمت فإننا كنا نتابع <<بن لادن>> حتى خروجه من السودان في مايو سنة 1998 هذا عرفته مما قرأته بعد ذلك ذهب <<بن لادن>> إلى أفغانستان وهناك احتضنته حكومة طالبان أبلغوا طالبان أننا نفضنا أيدينا منهم طالبان والقاعدة هما نفس الشيء>>.
وتدخل <<رامسفيلد>> يرد الجميل لباول فيقول: <<نحن نقترب أكثر من تحديد هدفنا، ولكني أظن أننا نحتاج قبل أن نتحدث عن العمل العسكري إلى الحديث أيضا عن الدور الذي يمكن أن تقوم به القوة الأميركية في مجالات غير عسكرية، وفي التمهيد لهذا العمل العسكري حين يجيء وقته، فهناك ضرورات لعملية إعداد سياسي وقانوني ودبلوماسي ومالي ومخابراتي، وكل ذلك لازم قبل أن تبدأ الضربات، لهذا قلت إننا نحتاج إلى ستين يوما ليس فقط للعمل العسكري، ولكن لمقدماته وتجهيزاته غير العسكرية>>.
وتدخل <<جورج تنيت>> مدير المخابرات المركزية يقول <<إن قيادة القاعدة موجودة في أفغانستان، ولكن نشاطها عالمي، وهى موجودة في كل القارات، ونحن لدينا قائمة بستين بلدا رصدنا فيها تحركات للقاعدة>>.
ورد <<بوش>> يقول <<لنأخذهم بلدا بعد الآخر لأننا لا نستطيع التصرف معهم جميعا في نفس الوقت>>.
وعاد <<رامسفيلد>> يقول <<المسألة ليست فقط <<بن لادن>>، ولكن هناك دولاً كثيرة تتعاون أو تتهاون مع الإرهاب!>>.
وختم <<بوش>> المناقشة في هذا الموضوع بقوله <<علينا أن نرغمهم أولا على الاختيار، إما نحن وإما القاعدة، إما معنا وإما معهم، إما حلفاء لأميركا وإما حلفاء للإرهاب>>.
صورة!
عندما انتهت اجتماعات مجلس الأمن القومي وتوجه الرئيس إلى مكتبه لحقت به مستشارته للأمن القومي تعرض عليه بعض هواجسها:
عادت تقول له إنها <<تشعر من حولها بضباب، وهى تجاهد للتخلص منه حتى تستطيع المساعدة في تقدير ما يمكن عمله في اليوم التالي، وهى مُهيأة لقبول أن المسؤولية تقع بالفعل على تنظيم القاعدة، ولكن هناك أسئلة سوف تطرح نفسها على الناس: سوف يتساءل الناس إذا كان تنظيم القاعدة هو المسئول، فما الذي كانت الولايات المتحدة تعرفه عنه وعن نواياه وإمكانياته؟ وماذا عرفت بالتحديد؟ ومتى عرفت؟ ولماذا لم تتصرف؟>>.
وأحس <<جورج بوش>> أنه مرهق، وقرر الصعود إلى الجناح الخاص، حيث تنتظره قرينته <<لورا>>، وأوى الاثنان فعلا إلى الفراش، لكنه في الساعة الحادية عشرة وثماني دقائق قام الحرس الخاص للرئيس بإيقاظه من النوم، طالبين منه ومن قرينته التوجه فورا بملابس النوم إلى مخبأ البيت الأبيض، وهرع الاثنان وراء أحد ضباط الحرس إلى هناك، ونسيت <<لورا>> (قرينة الرئيس) أن تأخذ عدساتها اللاصقة التي تستعملها لتعويض قصور بصرها، لكن <<جورج بوش>> لم ينس أن يأخذ معه كلبيه، وفي الممر الطويل المؤدي إلى المخبأ تحت الأرض، تقابل <<بوش>> مع رئيس أركان البيت الأبيض <<كارد>>، ومع مستشارته للأمن القومي <<كونداليزا رايس>>، ومعها مساعدها <<ستيفن هارلي>>، وكان الثلاثة يهرولون إلى المخبأ، لأن البوليس السري تصرف معهم كما فعل مع الرئيس وقرينته، باعتبار أن هناك حالة إنذار بطائرة مجهولة متجهة نحو واشنطن، والخوف أن يكون هدفها هو البيت الأبيض بعد أن جرى الإعلان عن عودة الرئيس إليه.
وبعد عشر دقائق جاء البوليس السري يقول إن الطائرة المجهولة بانت هويتها، وتأكد أنها طائرة عادية، لكن الاحتياط كان واجبا، ومع أن الإنذار بالخطر لم يعد ساريا، فلا يزال من المستحسن أن يقضي الرئيس وقرينته ليلتهما في المخبأ، ونظر <<بوش>> إلى السرير الصغير المُعَد لنومه في المخبأ، وقرر أنه سوف يعود إلى غرفة نومه في الجناح الرئاسي <<وليكن ما يكون>>، وقررت <<كونداليزا رايس>> أنها في هذه الساعة المتأخرة من الليل لا تستطيع العودة إلى شقتها في عمارات <<ووترغيت>>، ولهذا فسوف تقضي ليلتها في المخبأ!>>.
صورة!
في الساعة السابعة صباحا يوم 12 سبتمبر، وصل <<جورج تنيت>> مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى البيت الأبيض ومعه التقرير اليومي للوكالة، لكنه في ذلك اليوم كان تقريرا من نوع خاص.
كان الرئيس في مكتبه يتحدث مع مستشارته للأمن القومي، وبدا في حديثه معها أنه يريد إزاحة المسؤولية عن إدارته (ويضعها على سلفه <<بيل كلينتون>>) قائلا: <<إنه يعتقد أن إدارة <<كلينتون>> ردت على تحدي الإرهاب بتهاون شديد>>. ثم تساءل <<بوش>> <<ما معنى أن يرد <<كلينتون>> على نسف السفارات الأميركية في أفريقيا بإطلاق دفعة صواريخ موجهة إلى أفغانستان؟ وأي رد هذا؟ وما الذي يمكن أن تحققه مثل هذه الضربات؟ حريق في خيمة؟ هدم بيت من الطين بصاروخ من طراز <<كروز>>؟ هذه نكتة!
يضيف <<بوش>> <<لا بد أن نتصرف بقوة، وإلا اهتزت صورة أميركا>>.
وعندما دخل <<تنيت>> إلى المكتب البيضاوي، توقف <<بوش>> عن إبداء سخطه على سلفه ليسمع مدير مخابراته، وراح <<تنيت>> يتحدث ويقدم للرئيس قوائم بأسماء مسؤولين كبار في القاعدة يساعدون <<بن لادن>>، من <<أيمن الظواهري>>، إلى <<أبو زبيدة>> إلى آخرين. ولم يكن <<بوش>> على استعداد لأن يدخل في مجاهل هذا العالم الغامض للإرهابيين، وأحس <<تنيت>> أن رئيسه يتعجل النتائج ولا تعنيه التفاصيل وكذلك قال: <<لدينا خطة لتكثيف نشاطنا حتى نتمكن من توجيه ضربات قاتلة للإرهابيين، لكن هذه الخطة تحتاج إلى اعتمادات مالية طائلة تصل إلى ألف مليون دولار، ورد <<بوش>> بسرعة <<سوف أعطيك كل ما هو لازم لمهمتك>>.
وأوضح له <<تنيت>> أن مهمته مهما نجحت محصورة في معرفة أكثر ما يمكن معرفته عن الإرهابيين، ثم اختراق تنظيماتهم، وإلحاق الضرر بهم إلى أقصى حد، لكن الضربة القاضية القاتلة لا بد أن تكون بواسطة العمل العسكري، وهذه مهمة القوات المسلحة!>>.
صورة!
بعد انتهاء اجتماع مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض (يوم 12 سبتمبر)، عاد الرئيس <<بوش>> إلى مكتبه، ومشت بجواره <<كارين هيوز>> مستشارته للشؤون العامة، التي كان يريد أن يتحدث معها عن لغة <<الخطاب العام للإدارة>> في الأيام المقبلة، وعندما استقر وراء مكتبه قال لها: <<إنه يريد عقد اجتماعات يومية لتشكيل وتوجيه الرسالة التي يريد توجيهها إلى الشعب الأميركي عن الحرب ضد الإرهاب!>> وبادرت تسلمه ورقة تحتوي على ملاحظات يصح له إبداؤها أثناء اجتماع مقرر له مع قيادات القوات المسلحة سوف يحضره في البنتاغون بعد ظهر هذا اليوم، ووضع <<بوش>> الورقة على مكتبه، وعاد يوجه الحديث إلى <<كارين هيوز>> قائلا:
<<دعينا أولا نتفق على الصورة الأوسع، نحن أمام عدو ليست له ملامح (Faceless)، وهذا العدو أعلن الحرب على الولايات المتحدة إذن نحن في حرب>>.
ثم يستطرد:
<<إننا في حاجة إلى خطة إلى استراتيجية إلى رؤية، ولا بد لنا أن نُعلم الشعب الأميركي كيف يستعد لهجوم آخر؟ الشعب الأميركي يحتاج إلى أن يفهم أن الحرب على الإرهاب هي المحور الرئيسي لجهد الإدارة وللحكومة من الآن فصاعدا>>.
وردت <<كارين هيوز>> بأنها سوف تذهب إلى مكتبها لتحضير بعض النقاط عن هذه <<الرسالة>>، وكتابتها على ورق، ثم تعود بها إلى الرئيس. وتوجهت <<كارين>> بالفعل إلى مكتبها في الدور الثاني، وفتحت جهاز الكمبيوتر واستعدت للكتابة، لكن الرئيس طلبها إلى العودة فورا، وحين دخلت إلى المكتب البيضاوي بادرها بقوله: <<دعيني اليوم أقل لك كيف يجب أن تؤدي عملك>> ثم ناولها ورقتين من أوراق مكتبه عليها بخط يده <<مجموعة أفكار>> (كذلك وصف الورقتين)، وراحت <<كارين>> تقرأ:
<<هذا عدو يضرب ويختفي، ولكنه لن يستطيع الاختباء منا إلى الأبد.
هذا عدو يتصور أنه في مكمن آمن، لكنه لن يظل آمنا إلى النهاية.
هذا عدو لم نتعود على مواجهته، لكن أميركا سوف تتأقلم على الحرب معه>>.
وأضاف <<بوش>>: <<والآن عودي إلى مكتبك لتجهزي نفسك!>>.
صورة!
في اجتماع ثالث لمجلس الأمن القومي (خلال يومين)، استمع الرئيس <<بوش>> إلى تقارير عدد من مساعديه، ثم انفض الاجتماع بعد نصف الساعة، ولكن الرئيس استبقى ستة منهم لجلسة محدودة.
وفي بداية هذه الجلسة المحدودة توجه <<بوش>> بنظره إلى <<كولن باول>> الذي رد على النظرة بجواب قائلا: <<إن وزارة الخارجية بدأت فعلا بنقل رسالة الرئيس إلى حكومة باكستان ونظام طالبان>> <<إما أن تكونوا معنا أو أنكم ضدنا>>.
وقال <<بوش>>: <<إنني أريد إعداد قائمة بما نريده من طالبان، لا يكفيهم أن يسلموا لنا <<بن لادن>> نحن نريد كل تنظيم القاعدة، إما أن يسلموهم لنا مباشرة، وإما أن يطردوهم من عندهم، ونحن نقوم بالقبض عليهم فور خروجهم>>.
وتدخل <<رامسفيلد>> بقوله: <<من المهم بالنسبة لنا أن نحدد أهدافنا الآن، فمن الضروري أن نتوافق في عملنا مع شركائنا في التحالف ضد الإرهاب، الذي وَقّع أعضاؤه اتفاقا معنا لمواجهة خطره>>، ثم زاد <<رامسفيلد>> <<كل شركائنا في التحالف سوف يطلبون منا معلومات محددة وتوصيفات مقبولة، وما زلت ألح على أن هناك إجابات مطلوبة عن أسئلة مطروحة مثل: هل حربنا هى ضد <<بن لادن>> والقاعدة فقط أم هي ضد الإرهاب بالمعنى الأوسع؟>>.
وكان <<كولن باول>> هو الذي استبق الرئيس برد قال فيه: <<الهدف حرب ضد الإرهاب بالمعنى الأوسع والبداية ذلك التنظيم الذي قام بالعمل المباشر الذي تعرضت له الولايات المتحدة أول أمس>>.
وتدخل <<تشيني>> نائب الرئيس ليقول: <<الهدف حرب ضد الإرهاب بالمعنى الأوسع، أي الإرهابيين والذين يناصرونهم لكن عليك أن تلاحظ أنه سوف يكون من الأسهل علينا العثور على مناصري الإرهاب أكثر من العثور على الإرهابيين أنفسهم>>.
ورد <<بوش>>: <<لنبدأ بالعثور على <<بن لادن>>، فذلك ما يتوقعه الشعب الأميركي، وإذا نجحنا فإننا نكون قد وجهنا ضربة قوية إلى الإرهاب بالمعنى الأوسع، نحن أمام <<سرطان>> ولا بد من استئصال الورم، وإذا بدأنا الحرب على الإرهاب بالمعنى الأوسع فلن يكون في مقدور الرجل العادي في أميركا أن يتفهم ذلك>>.
والتفت <<بوش>> إلى <<رامسفيلد>> يسأله: <<هل توصلتم إلى تحديد ما نستطيع عمله عسكريا في أسرع ما يمكن؟!
ورد <<رامسفيلد>>: <<لم نجد غير قليل جدا، مما يمكن أن يؤثر>>.
ثم روى وزير الدفاع أنه بالأمس استدعى الجنرال <<تومي فرانكس>> (قائد القوات المركزية الذي قاد الحرب على العراق حتى الآن) وسأله عن استعداده للعمل ضد تنظيم القاعدة وضد طالبان إذا أصبح ذلك ضروريا. ورد <<فرانكس>>: <<إن القيادة المركزية تحتاج إلى عدة شهور لرسم خطة عمليات واسعة في أفغانستان>>، وعندها قاطعه وزير الدفاع بقوله <<لديك فرصة أيام أو أسابيع على الأكثر ليست لديك فرصة شهور!>> وهنا بدأ الضيق على قائد القيادة المركزية وقال: <<إننا نحتاج إلى قواعد نعمل منها، وإلى حشد يكفي للمهمة التي نطلبها، وإلى خطوط مواصلات مأمونة نتحرك عليها وإلى أشياء كثيرة، لأن أفغانستان في منتصف الكرة الأرضية على الناحية الأخرى من العالم، مع العلم أن القاعدة تنظيم حرب عصابات، وأعضاؤه مختفون في الجبال، وهم يستعملون البغال في جر المدافع والعربات، ومعسكراتهم بما في ذلك معسكرات التدريب خالية ليس فيها شيء>>.
وأضاف <<رامسفيلد>>: <<إنني قلت لقائد القيادة المركزية، إننا نريد أفكارا خلاقة، شيء ما بين إطلاق صواريخ <<كروز>> وبين حرب واسعة.
وتدخل <<بوش>> في مجرى الحديث ليقول: <<إن <<توني بلير>> (رئيس وزراء بريطانيا) اتصل بي على التلفون صباح اليوم باكراً يقول لي <<إن العالم ينتظر منا عملا قويا، وليس مجرد إجراءات لتهدئة مشاعر الرأي العام الأميركي، وتجعله يحس أفضل!>>.
واستطرد <<بوش>> (في الغالب بتأثير رئيس أركان البيت الأبيض وربما تلقينه): <<إن البنتاغون لا بد من دفعه دفعا لكي يفكر جديا في كيفية التعامل مع حرب عصابات بأسلحة تقليدية لدينا مشكلة وهى أن العسكريين عندنا مضت عليهم فترة طويلة وهم يحاربون معاركهم عن بعد>>.
وواصل <<بوش>> كلامه: <<لا بد أن نتصرف بسرعة قبل أن يتغير المناخ العالمي، خصوصا في أوروبا لأننا لا بد أن نأخذهم معنا إلى حيث نذهب، ولا يجب أن نعطيهم الانطباع بأننا نتصرف وحدنا>>. ثم أضاف <<إن العالم الخارجي ما زال ينظر إليّ على أنني <<رجل متهور>> من تكساس، هم يظنون ذلك أليس صحيحا؟ لا يعرفون أنني رجل مختلف عما يظنون!>>.
وكان الرئيس <<بوش>> على وشك أن يستقبل زعماء الكونغرس، لكنه قبل مجيئهم إلى البيت الأبيض اتصل بنفسه بكل من الرئيس الروسي <<فلاديمير بوتين>>، وبرؤساء فرنسا وألمانيا وكندا والصين، ثم ترك مهمة الاتصالات ببقية الحلفاء إلى وزير الخارجية، قائلا له: <<إنني أريد أن يمشي الجميع معنا، لكنني على استعداد للمشي وحدي إلى آخر الشوط إذا اقتضى الأمر>>.
ثم خرج الرئيس إلى الصحافيين يقول لهم: <<سوف يكون هذا صراعا هائلا بين الخير والشر لكن الخير سوف ينتصر!>>.
صورة!
التقى <<بوش>> في الساعة الحادية عشرة والنصف بزعماء الكونغرس، وبدأ كلامه معهم بقوله:
<<إن العدو كان يحلم بأن يقابلنا هنا في هذا المبنى، كان يريد أن يجيء إلى هنا ليحول البيت الأبيض إلى أنقاض. أريد للكونغرس أن يعرف أن تلك لم تكن حادثة منعزلة، ولا أريد أن تتحول أنظاركم عن هذه المعركة، بعد شهر من الآن سوف ينهمك الشعب الأميركي في متابعة مباريات كرة القدم لكأس العالم، لكن إدارتي سوف تكون منهمكة في إدارة حرب لا آخر لها.
إن العدو ليس جماعة محددة، بل عقلية معينة، هذه العقلية تكره المسيحية وتكره اليهودية، وتكره كل شيء يختلف عنها، وعلى بقية الأمم أن تختار>>.
وفوجئ بعض زعماء الكونغرس بلهجة الرئيس، وارتفع صوت زعيم الأغلبية الأسبق في مجلس الشيوخ السيناتور <<توماس راسل>> موجها كلامه للرئيس قائلا: <<أرجوك أن تكون أكثر تحفظا في ما تقول وإذا كنت تريد تأييدنا، فإننا نطلب منك الاعتدال ومراعاة وقع كلماتك على أصدقاء الولايات المتحدة>>.
ثم تدخل السناتور <<روبرت بيرد>> (زعيم الحزب الديمقراطي في فرجينيا وعمره 83 سنة) ليطلب من <<بوش>> أن يهدئ روعه قائلا له: <<إنني تعاملت مع عشرة رؤساء للولايات المتحدة قبلك، ولقد فهمت مما قلته لنا أنك لا تريد منا قرارا بشن الحرب، وإنما تريد منا تفويضا لك باستعمال القوة، أي إنك تطلب منا ما سبق للرئيس <<جونسون>> أن طلبه في فيتنام سنة 1964 (في ما سُمي بقرار <<خليج تونكين>>، وكانت تلك كذبة كبيرة طلب فيها <<جونسون>> تفويضا من الكونغرس بالرد على عدوان، ولم يكن هناك بالفعل عدوان).
استطرد السناتور <<بيرد>> العجوز ليقول لبوش: <<لن تحصل من الكونغرس هذه المرة على قرار مماثل لقرار تونكين، الكونغرس لن يسمح لك بهذا، وأميركا ما زال لها دستور يحكمها!>>.
وأخرج <<بيرد>> من جيبه نسخة من الدستور!
وتوتر جو الاجتماع!
صورة!
في الساعة الرابعة من مساء يوم 15 سبتمبر دُعِي مجلس الأمن القومي إلى اجتماع آخر، وبدأ <<بوش>> بإلقاء صلاة فتح بها المداولات (كما أخذ يفعل أخيرا) وكان وزير الدفاع <<رامسفيلد>> هو الذي بدأ الكلام قائلا:
<<ما زلت مُصِرَّاً على سؤال لم أتلق جوابا عنه هل حربنا ضد القاعدة؟ أم هي ضد الإرهاب عموما؟>>.
ورد <<بوش>> قائلا: <<شعوري أن الولايات المتحدة يجب أن تبدأ ببن لادن أولا لأنه إذا جرى ضرب تنظيم القاعدة، فإن البقية تتداعى تلقائيا>>.
وعاد <<رامسفيلد>> إلى الكلام: <<إننا لا نستطيع أن نقيم تحالفا دوليا ونحتفظ به على مجرد ضرب القاعدة، لأن ضرب القاعدة هدف محدود ويمكن أن يتلاشى سريعا، وعندئذ ينفك التحالف ضد الإرهاب بوهم أنه أدى مهمته>>.
وتدخل نائب الرئيس <<تشيني>> في الحوار قائلا:
<<إننى أريد أن أركز أكثر على قضية الدول التي ترعى الإرهاب، وأريد أن ألفت النظر إلى أن التركيز على <<دول لها كيان واضح>> أسهل من التركيز على جماعات ليست لها ملامح>> الدول التي ترعى الإرهاب <<متجسدة>>، والجماعات الإرهابية مجرد <<أشباح>>، وأظن أننا سوف ننجح أكثر في العمل ضد <<جسد>>، ولا ننجح بالقدر الكافي ضد <<شبح>>.
وكان <<بوش>> هو الذي رد على نائبه قائلا:
<<إنني متخوف من تشتيت عملنا، أظن أننا لا بد أن نكون محددين أكثر حتى نحتفظ بتأييد الرأي العام، الناس فهموا أن القاعدة هي التي سببت لنا كل هذه الآلام في الأيام الأخيرة، وهم ينتظرون منا أن نضرب في هذا الاتجاه قبل أن نتحول إلى غيره هذا التركيز على القاعدة أيضا مهم لأصدقائنا في التحالف>>.
وعاد <<تشيني>> يجادل:
<<إن تأييد العالم لنا مهم، لكنه لا يصح أن يقيّد أيدينا عن التصرف، من حقنا أن نتصرف بمفردنا، المهام هي التي يجب أن تحدد التحالف، وليس التحالف هو الذي يحدد المهام>>.
وفجأة قال <<رامسفيلد>>:
<<أليس من الضروري أن نضرب العراق أيضا وليس القاعدة فقط؟ العراق يمكن أن يكون هدفا متجسدا أمامنا، وقابلا للضرب على أساس أنه من رعاة الإرهاب <<صدام حسين>> ليس شبحا وإنما هو بلد!>>.
أشار <<رامسفيلد>> إلى معاونين له يجلسون وراءه في اجتماع مجلس الأمن القومي (وفيهم نائبه <<بول وولفويتز>> ورئيس لجنة التخطيط الاستراتيجى <<ريتشارد بيرل>>)، واستطرد: <<كنا في اجتماع البنتاغون ولم يكن هناك حول المائدة من لا يعتقد في صميم قلبه أن <<صدام حسين>> خطر شديد لأنه مصمم على حيازة أسلحة دمار شامل يمكن أن تصل إلى يد الجماعات الإرهابية>>.
ويستطرد <<رامسفيلد>>:
<<ضرب العراق يمكن أن يبدأ بسرعة، والخطط لدينا جاهزة>>.
وتدخل <<كولن باول>>:
<<ضرب العراق الآن ليس مناسبا، والأنسب هو التركيز على <<القاعدة>>، والرأي العام الأميركي مشحون هذه اللحظة ضد القاعدة، وتحويله إلى الاقتناع بعمل ضد العراق، سوف يكون صعبا، والإدارة تحتاج إلى تأييد الشعب الأميركي، والشعب الأميركي يريد منا عملا ضد القاعدة>>.
وجاء الدور على الرئيس الذي قال:
<<موضوع العراق يحتاج إلى وقت، الآن نريد خطة عمل لتدمير تنظيمات الإرهابيين، وأريد على الفور قائمة بأسماء هؤلاء البلطجية، وأريد خطة لتعقبهم، إننى ألاحظ أن كثيرين يعودون بأفكارهم إلى أجواء حرب الخليج السابقة، ويقارنون بين الحالتين المقارنة ليست الآن صحيحة والشعب الأميركي ينتظر منّا ضربة كبيرة، ولا بد أن أقنعهم بأننا بدأنا الحرب ضد الإرهاب، وأن القاعدة هى الخطوة الأولى، إننى أطلب عملا سريعا ضد الإرهاب، وقد بدأت أشعر بالإحباط!>>.
وقال <<كولن باول>>:
<<إن هناك فرصا كبيرة للحرب ضد الإرهاب ضد القاعدة وحتى طالبان، بطريقة تختلف عن تلك التي شنها السوفيات>>.
رابعاً: نحتاج إلى ضرب العراق!
صورة!
بعد أربعة أيام من الصدمة، وفي أول عطلة نهاية أسبوع تليها، وبالتحديد يوم 15 سبتمبر دعا الرئيس <<جورج بوش>> أركان إدارته إلى اجتماع غير رسمي، لمناقشة أكثر هدوءاً في منتجع <<كامب دافيد>>، وقد طلب من المشاركين في الاجتماع أن يحضروه بملابس غير رسمية، حتى يكون اجتماعهم حوار زملاء وأصدقاء صريحا مفتوحا مرتاحا ووديا!
ودخل الرئيس نفسه إلى القاعة بقميص أزرق فتح ياقته، وفوقه جاكيت أخضر اللون، واتخذ مقعده وسط قاعة الاجتماعات المعدة في المبنى المُسمى <<لوريل لودج>>، وعلى يمينه جلس نائبه <<ريتشارد تشيني>> وعلى يساره جلس وزير خارجيته <<كولن باول>>، واصطف الباقون حول المائدة، ولاحظ وزير الخارجية أن وزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>> اصطحب معه نائبه <<بول وولفويتز>>، كما أن <<جورج تنيت>> مدير المخابرات المركزية اصطحب معه اثنين من مساعديه هما نائبه <<جون ماكلولن>> ومدير شؤون العمليات في إدارته <<كوفر بلاك>>، وأبدى <<باول>> دهشته قائلا: <<إنه لم يكن يعرف أن مساعدي الوزراء مدعوون للاجتماع، وإلا لجاء معه بنائبه <<ريتشارد أرميتاج>>>>.
وفتح <<بوش>> الاجتماع بتلاوة الصلوات، ثم دعا وزير المالية للكلام عن تأثيرات الانهيار الذي حدث في بورصات أميركا للأوراق المالية، مبديا خشيته أن ذلك سوف يؤثر على كل الناس، خصوصا صناديق التأمين والمعاشات، وكلها تستثمر أموالها في السوق، وعرض وزير المالية تقديره للأحوال.
ثم التفت <<بوش>> إلى وزير الخارجية <<كولن باول>> يدعوه لشرح مواقف دول التحالف، وقال <<باول>>:
إن وزارة الخارجية بدأت العمل على الفور متواصلا وملحا بادئة من نقطة ملخصها كما سمع من الرئيس <<ان الهجمات على نيويورك يمكن اعتبارها فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الدولية على مستوى العالم، والطريق إلى ذلك بناء تحالف دولى واسع لا بد من إشراك أعضائه في المعلومات والسياسات والأفكار، وقد اتصلت في اليومين الأخيرين برؤساء خمس وثلاثين دولة، أشرح لهم أن ذلك لم يكن هجوما على أميركا، بل هجوم على الحضارة ذاتها>>.
ثم انتقل الرئيس <<بوش>> إلى الكلام في صُلب الموضوع الذي دعا الاجتماع في كامب دافيد من أجله، واختار له هذا الجو المريح والهادئ، وكان سامعوه يصغون إليه عارفين أنه صوته لكن أحدا منهم لم يكن واثقا أن لسان الرئيس ينطق بعقله، وإذا لم يكن فمن الذي قام بتلقينه الدرس وعلى الأقل فقد كان واضحا للجميع أن <<بوش>> يتحدث بخليط مما عنده ومما عند غيره.
واستفاض <<بوش>> في الكلام:
<<الشعب الأميركي يريد عملا كبيرا، مهولا، فرقعة عظيمة (استعمل <<بوش>> تعبير الانفجار العظيم Big Bang الذي يصف به علماء الطبيعة تلك اللحظة الهائلة التي انفجر معها خلق الكون).
لا أريد معركة واحدة، ولكن أريد حربا ممتدة يشعر بها الشعب الأميركي ويتأكد من أننا نواصل الدفاع عنه حتى أقاصي الأرض.
لا يهمني اعتقال رجل واحد ولا اعتقال عدة رجال، وإنما يهمني أن نتوصل إلى صيغة فعل تعطينا تفويضا مفتوحا للعمل حيث نشاء لا يهمني أن يحاول أحد منا أن يضع حدودا وهمية على فعل القوة الأميركية، أو حدودا مالية تقيد مجال عملها>>.
....................
....................
روى وزير الخارجية <<كولن باول>> ل<<بوب وودوارد>> أنه:
<<في هذه اللحظة أحسست أن الرئيس يريد أن يقتل أحدا، رأيت أمامي رجلاً استيقظت لديه كل غرائز القتل من إحساسه بصدمة ما جرى في نيويورك ومن تحرقه للانتقام لها مهما كان الثمن>>.
.....................
.....................
كان <<بوش>> ما زال يواصل الكلام:
<<ما أريده هو حرب تشد مشاعر الشعب الأميركي، وتشد وراءه بقية العالم>>.
وأراد وزير الخارجية أن يستوضح بقصد التأكيد:
<<الرئيس يقصد حربا على الإرهاب حتى تتم تصفيته>>.
وتدخل وزير الدفاع <<رامسفيلد>>:
<<الحرب ضد الإرهاب بالمعنى التقليدي لها مواصفات، لا تخدم مطلبنا إلى النهاية:
أولا: لأنها حرب بطيئة، تأخذ وقتا، أي إنها لا تستجيب بسرعة لإحداث التأثير المطلوب.
وثانيا: لأنها حرب يصعب فيها تحقيق نتائج لافتة للنظر (Spectacular).
وثالثا: لأنها حرب لا تملك أن تركز على هدف محدد بالذات، لأنها ضد أشباح.. ضد ظلال.
ورابعا: لأنها بالنسبة لأهدافها على فرض التمكن من تحديدها، لا تسمح بمثل هذا الانفجار العظيم Big Bang الذي أشار إليه الرئيس>>.
وسادت لحظة صمت قطعه <<بول وولفويتز>> نائب وزير الدفاع بقوله:
<<إن ما يطلبه الرئيس يمكن أن يتحقق في حالة واحدة، هي حالة أن نوجه ضرباتنا إلى الدول الراعية للإرهاب، أو الدول الإرهابية، والعراق أول القائمة بوجود <<صدام حسين>> على رأسه!>>.
ولاحظت <<كونداليزا رايس>> أن وزير الخارجية <<كولن باول>> عاد برأسه إلى الوراء وقلب عينيه (كما يفعل عادة عندما يسمع ما لا يعجبه أو ما لا يقنعه!).
وكان <<جورج بوش>> مرة أخرى! هو الذي تولى الرد قائلا:
<<إن <<دون>> (يقصد وزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>>) طرح موضوع ضرب العراق في اتصال معي أمس، وقد رفضت الاقتراح لأسباب:
<<صدام حسين>> رجل سيئ، وهو خطر على جيرانه العرب وغير العرب، ولكنه خلال السنوات الأخيرة لم يفعل شيئا يستوجب البدء بعقابه ردا على ما حدث في نيويورك، وليس عندنا ما يثبت صلته بما جرى، بحيث نستطيع تأسيس قضية ضده، لقد امتنع عن الشغب أخيرا، ليس لأنه رجل صالح، ولكن لأنه يحاول تفادي ضربات نوجهها إليه>>.
وهناك اعتباران:
أولهما: أنني لا أريد أن يتهمنا أحد بأننا نتحول إلى ملاحقة <<صدام حسين>> لأننا لم نستطع أن نمسك بغيره.
والثاني: أنني كما تعرفون جميعا أكره <<صدام>>، لكني لا أريد أن يتصور أحد في العالم أننى أطارده من باب الثأر الشخصى لأبي (My Dad)!
وتشجع الجنرال <<هيو شيلتون>> (رئيس الأركان الذي كان على وشك قضاء مدته بعد أسبوعين يسلم بعدها رئاسة الأركان إلى الجنرال <<مايرز>> الذي كان جالسا بجواره على مائدة الاجتماع)، وكذلك قال كما نقل <<وودوارد>> عنه في صفحة 61 بالحرف:
<<إن هيئة أركان الحرب المشتركة لا ترى داعيا لإدخال العراق في المعادلة هذه اللحظة المبكرة، ورأينا أنه يصعب ضرب العراق الآن إذا لم تظهر صلة مباشرة تكشف عن مسؤولية <<صدام حسين>> مباشرة عن هجمات 11 سبتمبر.
فوق ذلك فإن هيئة الأركان المشتركة ترى أن استهداف العراق يؤدي إلى إحراج دول عربية صديقة نريد دعمها في حربنا ضد الإرهاب. ونحن نرى أن دعم هذه الدول لجهودنا أمر حيوي، زيادة على ذلك فإن استهداف العراق الآن كفيل بأن يوقف مسيرة عملية السلام في الشرق الأوسط، ونحن نرى استمرارها ضروريا قبل البدء في ضرب العراق>>.
.....................
.....................
يقطع <<بوب وودوارد>> سياق روايته لوقائع الاجتماع ليقول: <<إن <<كولن باول>> كان قد سبق له أن تحدث مع الجنرال <<شيلتون>> في اليوم السابق، ولفت نظره إلى أن هناك مجموعة من المستشارين (أولهم <<وولفويتز>> و<<بيرل>>) يرونها فرصة سانحة لضرب العراق، حتى إذا لم تكن هناك أسباب تتعلق بالحملة ضد الإرهاب>>، وأنه قال للجنرال <<شيلتون>> أثناء هذا الحديث <<إن هذه المجموعة أصبحت فالتة في تصرفاتها، ومن الضروري إعادتها بسرعة إلى الصف وإبقاؤها فيه، لأن تحديد الأولويات بحزم ألزم الضرورات للسياسة الأميركية الآن، ورد عليه الجنرال <<شلتون>>: <<إنه متفق بالكامل مع ما يقوله>>.
.....................
.....................
وتساءل الرئيس <<بوش>> موجها كلامه إلى الجنرال <<شيلتون>> سائلا:
<<ما هي الإمكانيات الموجودة لدينا لضرب <<بن لادن>> وحكومة طالبان إذا لم يقوموا بتسليمه لنا؟>>.
ورد الجنرال <<شيلتون>>:
<<إنه يخشى أن تقديراته في هذا الميدان سوف تكون <<متشائمة>>، بمعنى أنه ليست لدينا (البنتاغون) خطط جاهزة للعمل في أفغانستان، كل ما لدينا هو ضربات موجهة بصواريخ كروز، وهذه عملية لن تُحْدِث إلا حفرا على سفوح الجبال وليس أكثر!>>.
وتدخل وزير الدفاع <<رامسفيلد>> قائلا:
<<إن القوات المسلحة الأميركية تحتاج إلى مراجعة لمهامها إزاء ظروف متغيرة، وكان يمكن لها أن تكون أقدر على الاستجابة، إذا كان التوجيه إليها استهداف الدول التي تناصر <<بن لادن>>، لأنها هناك تستطيع أن تجد عدوا متجسدا توجه له ضرباتها، عدوا حقيقيا يملك أهدافا يمكن ضربها، وعدوا لا يظهر حين يشاء ويختفي حين يشاء، يفاجئنا بتوجيه ضرباته إلينا ويختفي حين نطارده بالعقاب>>.
وأحس الرئيس <<بوش>> (كما قال لبوب وودوارد) <<أنه ربما ظلم وزارة الحرب الأميركية لأنه لم يترك لها فرصة كافية للتفكير والتخطيط في ظروف متغيرة>>، وهكذا وجه كلامه للجنرال <<شيلتون>> قائلا:
<<أريد من هيئة الأركان المشتركة أن تعرف أننا أمام عالم جديد، وعلى الجنرال <<شيلتون>> أن يعود الآن إلى هيئة أركان حرب ويدرس معها الاحتمالات والممكنات المطلوبة لضبط أمور هذا العالم الجديد، إنني أريد خطة كاملة، وأريد توقيتات محددة، وأريد أن تكون لدي فكرة عن الثمن الذي لا بد أن ندفعه، أريد خيارات واسعة، أريد قرارات عاجلة تواجه أحوالا طارئة، أريد شيئا مؤثرا، شيئا دراميا يلفت الأنظار ويشد!>>.
.....................
.....................
طوال الشهور التالية بعد سبتمبر 2001، يتابع <<بوب وودوارد>> في كتابه تطورات الحرب على <<بن لادن>> وعلى حكومة طالبان وعلى اتساع أفغانستان من خلال اجتماعات <<بوش>> مع مستشاريه، سواء في المكتب البيضاوي للرئيس، أو في قاعة اجتماعات مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.
ثم يستفيض في الحديث عن الطيران الأميركي وقواعد الصواريخ الثابتة أو المتحركة في البحر الأبيض والبحر الأحمر والخليج العربي، وكيف راحت تصب نيرانها على جبال أفغانستان، ويتابع مندوبي المخابرات المركزية يسلمون حقائب الدولارات بالملايين لزعماء القبائل والطوائف لكن النتائج <<لا تزال غير كافية>>، لأن <<أسامة بن لادن>> وأعوانه اختفوا في الظلال ولم يظهر لهم أثر، وانفكت دولة طالبان، وتحفزت قوات التحالف الشمالي الذي تشرف عليه وكالة المخابرات المركزية الأميركية تحاول إقامة حكومة جديدة في أفغانستان، وتجري اتصالات بملك أفغانستان العجوز <<محمد ظاهر شاه>> الذي اختار العاصمة الإيطالية منفى اختياريا له ومقاما، حتى يعود إلى وطنه ليرأس اجتماعا قبليا <<لويا جيرغا>>، تحضره الفرق المتنازعة في أفغانستان، لأن البلد كله يوشك بعد الفوضى العارمة التي اجتاحته أن يسقط في هاوية حرب أهلية تحول أديانه القمعية وسط الجبال الشاهقة إلى بحيرات دم أسود بأحقاد الثأر والطمع.
لكن ذلك كله مما يتابعه <<بوب وودوارد>> ويرصده لا يزال بعيدا عن تحقيق رغبات الرئيس <<بوش>>، خصوصا أن الجنرال <<مايرز>> (رئيس أركان الحرب الجديد) لم يتوان لحظة عن لفت الأنظار إلى <<أن القوات الأميركية لم تجد في طول أفغانستان وعرضها غير تسعة أهداف فقط تستحق الضرب، وهذه الأهداف التسعة تم ضربها فعلا، ولم يعد باقيا شيء، لدرجة أن الضربات الآن توجه إلى ما سبق ضربه وسلاح الدمار ينصب الآن على ما تم بالفعل تدميره.
ويروي <<بوب وودوارد>> أن القوات الأميركية التي وصلت إلى أفغانستان، وراحت تطل على ذلك البلد عن قرب روعها أن الناس هناك يحتاجون إلى الطعام قبل الصواريخ، وفي لحظة من اللحظات رَقَّ قلب الرئيس <<بوش>>، وتذكر رسالته المقدسة ليقول: <<علينا أن نحاول تخفيف آلام هؤلاء الناس، دعونا نضربهم بطرود الطعام>>، ثم استدرك بسرعة: <<لكني أريد حريقا هائلا من النيران يتحقق به التطهر، وعندها يكون الغفران لأننا جميعا أبناء الله>>.
ثم يعود الرئيس الأميركي كي يلح على <<أنه لم يحصل بعد على <<الانفجار العظيم>> الذي أراده وطلبه!>>.
وينتقل <<بوب وودوارد>> بالتفاصيل إلى كواليس البيت الأبيض، حيث تبدأ مجموعة مستشاريه داخل هيئة البيت الأبيض بالقلق، ومبعث القلق عدة أسباب:
1 الحملة في أفغانستان يمكن أن تنتهي دون أن يحقق الرئيس <<بوش>> ذلك العمل الدرامي الذي يأمل به.
2 وإذا مضت الأمور على هذا النحو <<الفاتر>>، فمن المشكوك فيه أن يستطيع الرئيس <<بوش>> أن يقود حزبه في انتخابات التجديد النصفي (نوفمبر 2002) إلى انتصار ضد الديمقراطيين، وقد يفقد الحزب الجمهوري أغلبيته الضئيلة (وهو صوت واحد) في مجلس الشيوخ.
3 وإذا حدث ذلك فإن ترشيح الحزب لبوش لمدة رئاسة ثانية (سنة 2004) قد يتأثر، كما أن فوزه أمام مرشح ديمقراطي (<<آل غور>> أو <<هيلاري كلينتون>> أو أي حصان أسود يظهر فجأة ليتقدم صفوف الحزب الآخر) قد يصبح موضع شك، خصوصا أن ما جرى في الانتخابات الرئاسية السابقة يصعب تكراره لاحقا.
وعليه فإن القضية لم تعد الإرهاب، ولا <<بن لادن>>، ولا أفغانستان، وإنما هي مستقبل الرئيس وسِجلّ إدارته.
وهكذا ينتقل مركز الثقل في القرار الأميركي إلى هيئة مستشاري البيت الأبيض، وفيها ثلاثة رجال وامرأة:
الرجال هم: <<أندرو كارد>> (رئيس أركان البيت الأبيض) و<<كارل روفي>> (كبير مستشاريه للشؤون السياسية الداخلية) و<<آري فلايشر>> (المتحدث الصحافي باسمه).
والمرأة هي السيدة <<كارين هيوز>> المسؤولة عن العلاقات العامة (بما فيها المكتب الخاص المكلف بإعداد خُطب الرئيس).
.....................
.....................
صورة!
مع بداية الفصل الخامس عشر من كتابه (صفحة 205)، يصل <<بوب وودوارد>> في روايته إلى حيث يقول:
صباح يوم الأحد 7 أكتوبر، كان <<كارل روفي>> (كبير مستشاري الرئيس للشؤون الداخلية) في بيته شمال غرب واشنطن، لقد انقضت أسابيع منذ وقعت هجمات 11 سبتمبر، ولم تكن تلك بالنسبة لهذا الرجل فترة سعيدة، لقد عرف <<جورج بوش>> (الابن) أثناء عمله السابق مع والده، وأصبح مستشاره الانتخابي عندما طرح ترشيح <<دوبيا>> للرئاسة جديا، ولم يكن <<روفي>> قد حضر أيا من اجتماعات رئيسه مع كبار أعضاء إدارته من الوزراء، ولا شارك في اجتماعات مجلس الأمن القومي، وسبب استبعاده أن الرئيس <<بوش>> ونائبه <<تشيني>> توافقا على أنه ليس من المستحسن مشاركة مسؤول عن السياسة الداخلية في اجتماعات إدارة الأزمات الدولية أو مجلس الأمن القومي المخصصة للحرب ضد الإرهاب، لأن ذلك خلط بين <<الخارجي والداخلي>>، فتلك هي التقاليد، ومخالفتها الآن قد تعطي إشارات خاطئة.
وكان <<روفي>> يتفهم ذلك، لكنه يوما بعد يوم أخذ يقتنع ويزيد اقتناعه بأن القرارات السياسية المهمة أوشكت أن تتداخل مع الاعتبارات المباشرة والحيوية التي تخص مستقبل <<بوش>> وإدارته، وكان ذلك التداخل يلح عليه بصرف النظر عن حرب أو لا حرب، واعتقاده الراسخ الآن أن الحكم على <<بوش>> في فترة رئاسته الأولى وفرصته الرئاسية الثانية سوف يتأثر سلبا وإيجابا بما جرى يوم 11 سبتمبر وبما يجري بعده.
كان <<روفي>> يعتبر نفسه <<مهندس>> نجاح <<بوش>> في انتخابات الرئاسة سنة 2000. وكان قد دعا يوم الجمعة 5 أكتوبر إلى اجتماع في مكتبه، لاحظ فيه المجتمعون أن شعبية <<بوش>> قد وصلت إلى الذروة، ولامست نسبة 90% (وفق استطلاعات وكالة A.B.C وجريدة الواشنطن بوست معاً).
وقد علق <<روفي>> على هذه الأرقام بقوله:
<<إن هذه النسبة مزعجة بمقدار ما هى مريحة، والسبب أن دراسة التجارب السابقة تشير إلى أن ارتفاع شعبية أي رئيس إلى هذا الحد سوف يتبعها في ظرف أسابيع قليلة هبوط ضروري صغير أو كبير ذلك يتوقف على الظروف كما حدث في تجربة <<جورج بوش>> (الأب)، والآن (الجمعة 5 أكتوبر) قرر <<كارل روفي>> أن يذهب إلى مقابلة الرئيس (الابن) قبل أن تنقله الهليوكوبتر إلى <<كامب دافيد>> لعطلة نهاية الأسبوع، وقصده أن ينبهه مبكرا إلى الاحتمالات، وبالفعل فقد لحق به في مكتبه يقول له: <<إنه في وقت حرب الخليج (الكويت) سنة 1991، وصلت شعبية والده إلى 82%، لكنها في ظرف ثلاثين أسبوعا تراجعت إلى نسبة 59%، ثم ظلت تتراجع حتى خسر معركة الانتخابات وفاز <<بيل كلينتون>>.
وحاول <<بوش>> (الابن) أن يتظاهر بعدم الاهتمام، فقال لرئيس أركان البيت الأبيض:
<<لا تضيّع وقتي بمثل هذه الأرقام لأنها مزاجية، وأنا أعتبرها بمثابة وضع إصبع على النبض لقياس سرعته في أوقات يتغير فيها الشعور العام في ظرف ساعات قليلة>>.
لكن <<روفي>> كان يعرف عن اهتمامات رئيسه بأكثر مما يدعي به الآن، فهو من تجربته يرى <<بوش>> يصرف وقتا طويلا كل يوم في متابعة قياسات الرأي العام، ويحصي أرقامها ولاية بعد ولاية!
صورة!
وانتظر <<كارل روفي>> عدة أسابيع ثم قرر على مسؤوليته أن يحاول استطلاع الحقائق بشأن ما يجري، ومع أنه يتابع أخبار الضرب الذي بدأ في أفغانستان، فإنه يشعر على نحو ما بأن الأمور ليست على الطريق الصحيح من وجهة نظر انتخابية على الأقل وذلك ما يهمه وكذلك ذهب بنفسه إلى مقابلة وزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>> يسأله عن سر هذا الفتور في إيقاع الحوادث، ورد عليه <<رامسفيلد>>:
<<لأن الأهداف في أفغانستان انتهت، لم تعد هناك أهداف نضربها، لم تكن في أفغانستان من الأصل أهداف تستحق الضرب!>>.
وسأله <<كارل روفي>>: <<إذن فكيف نواصل الحرب؟>>.
ورد عليه <<رامسفيلد>> بسؤال: <<قل لي كيف يمكن أن نكسب حربا لا نستطيع فيها أن نركز على عدو؟!>>.
وأبدى <<روفي>> هواجسه من العواقب السياسية لهذا الفتور في وتيرة حرب لم تعد لها أهداف تركز عليها، ورد عليه <<رامسفيلد>> بقوله:
<<إنهم لا يريدون أن يأخذوا أية مخاطر.. لا تفعل شيئا ولن يلومك أحد، تحرك لتفعل شيئا وسوف يحصون عليك الأخطاء، وأنا شخصيا مستعد لاحتمال التبعات، لكن المهم أن نتحرك>>.
واستطرد <<رامسفيلد>>:
<<هناك نقطة سوف يتحتم علينا عندها أن نقوم بشيء ما في مكان آخر من العالم، مكان آخر غير أفغانستان، ذلك ما قلته وكررته، وما زلت أقوله وأكرره، لكن هناك من لا يريدون أن يسمعوا، لا بد أن نوجه ضرباتنا بعد الآن إلى الدول الراعية للإرهاب، الدول الإرهابية.. العراق أولها <<صدام حسين>> ليس له صديق في العالم يدافع عنه حتى في روسيا وفي الصين، وهو رجل يصعب على أحد أن يقول كلمة طيبة في حقه>>.
ثم يزيد:
ليس لدينا على أي حال نقص في قائمة هذه الدول: هناك إيران، سوريا، السودان، ليبيا، وبالطبع كوريا الشمالية.
وتنعقد في البيت الأبيض اجتماعات ومناقشات وبحث عن خيارات تبدو ممكنة أو حتى مستحيلة، وحلت لحظة تلاقت فيها الضرورات الانتخابية للرئيس، مع الرغبات الملحة للجناح الإمبراطوري في الإدارة (<<ريتشارد تشيني>>، <<دونالد رامسفيلد>>، <<ريتشارد بيرل>>، <<بول وولفويتز>>، وغيرهم..).
لكن كتاب <<بوب وودوارد>> بلغ نهايته، والقرار معلق في الهواء!
خامساً: عندما حلت بغداد محل كابول!
يجيء الدور الآن على صورة أخيرة هي الختام الحقيقي لما كتبه <<بوب وودوارد>>، مع أنها ليست واردة في كتابه <<بوش في حرب>>، وإنما جاء بها كتاب آخر غيره وهو كتاب <<الرجل المناسب>> The Right Man، وذلك مرجع مهم لأن صاحبه وهو <<دافيد فروم>>، كان واحدا من فريق <<كارين هيوز>> (مستشارة العلاقات العامة للرئيس ومسؤولة المكتب الخاص المكلف بكتابة خطبه).
كان <<دافيد فروم>> محررا مرموقا في جريدة <<وول ستريت جورنال>> تميز بقدرته على صياغة الأفكار المعقدة في عبارات مبسطة، ولذلك فإن <<كارين هيوز>> بمشورة من مساعدها <<مايكل جيرسون>> طلبته للعمل في البيت الأبيض حتى تستفيد من مواهبه في كتابة خطب الرئيس <<جورج بوش>>.
وهنا تظهر الصورة الأخيرة وهى خطيرة وتستحق أن تتوقف سرعة عرض الكتاب عندها ابتداءً من صفحة 224 من
وكان <<بوب وودوارد>> قد بدأ صعوده إلى القمة منذ قام (مع زميله <<كارل برنشتين>>) بتفجير فضيحة <<ووترغيت>> التي كسرت رئاسة <<ريتشارد نيكسون>> (سنة 1974)، وأدت إلى استقالته من رئاسة الولايات المتحدة، ومن يومها راح <<بوب وودوارد>> يتقدم حتى أصبح الآن عميد <<صحافة التحقيق>> التي أثبتت كفاءتها في النفاذ إلى دخائل السياسة، والغوص في خباياها، وتغطية أكبر مساحة من وقائعها، وكشف أدق أسرارها.
.....................
.....................
وبرغم أن كتاب <<بوب وودوارد>> ظهر أواخر سنة 2002، وبرغم أن غيري سبق إلى عرضه كما أسلفت، فإنني أعود اليوم إليه بمنطق ربما يكون مختلفا لأنه لا يعرض للكتاب في مجمله، وإنما يركز على صور محددة في سياقه تكشف أو كذلك ظني عن جواب سؤال يشغلني، ولعله يشغل غيري مؤداه:
<<كيف تحول المشروع الإمبراطوري الأميركي من الحرب ضد الإرهاب إلى حرب ضد العراق؟، وكيف انتقلت بؤرة الحوادث فيما جرى يوم 11 سبتمبر 2001 من نيويورك إلى كابول ثم من كابول إلى بغداد؟، ثم كيف وقع استبدال الأقنعة من ملامح الشيخ <<أسامة بن لادن>> إلى ملامح الرئيس <<صدام حسين>> بهذه السرعة؟
والسؤال ليس فقط عن كيف؟، ولكن بعده عن من؟ ومتى؟، وأين؟، ولماذا؟ (وتلك أسئلة أولية خصوصا في صحافة التحقيقات التي يمثلها نجوم من مستوى <<بوب وودوارد>>، و<<سيمور هيرش>> وغيرهما!).
والحقيقة أن كتاب <<بوب وودوارد>> قصة سينمائية من الدرجة الأولى، وهى قصة تعترف صراحة بأنها تنقل عن الحقيقة ولا تتبرأ منها (كما في بعض أفلام السينما حين ينبه أصحابها مقدما إلى أن أي تشابه بين وقائعهم وأبطالها مع الحقيقة مجرد مصادفة غير مقصودة!) بل إن الأمر في هذه الحالة مختلف، لأن الأبطال في رواية <<وودوارد>> بأشخاصهم وذواتهم بملامحهم وألسنتهم، هم الذين يقصون ويحكون، ويقدمون الدليل على صحة ما يقولون. ففي مقدمة الكتاب سجل مؤلفه (وأكد البيت الأبيض) أنه قبل أن يدق حرفا على الكمبيوتر التقى مرتين بالرئيس <<جورج بوش>>: مرة في مكتبه في البيت الأبيض لمدة ساعة ونصف الساعة في ديسمبر سنة 2001، ومرة ثانية في مزرعته (كراوفورد) تكساس في أغسطس سنة 2002 لمدة ساعتين و25 دقيقة.
ثم يسجل <<بوب وودوارد>> ضمن المقدمة أنه حصل على تصريح سمح له بأن يقرأ محاضر خمسين جلسة لاجتماعات مجلس الأمن القومي، وأنه حين بدأ يعد لكتابه استأذن أن يستعمل بعض النصوص مما قرأ بحروفها، وكما أوردتها المذكرات والمحاضرات في جلسات صنع القرار.
وأخيرا يقرر <<بوب وودوارد>> أنه قابل مئة رجل وامرأة من الذين كان لهم دور في صنع الحوادث في واشنطن ضمن إدارة <<جورج بوش>> (الابن) على امتداد سنة 2001 وحتى ديسمبر سنة 2002 حين مثل كتابه للطبع، ثم يحدد قائمة بأسماء هؤلاء الرجال والنساء الذين قابلهم أثناء جمعه لمادة كتابه ومعنى ذلك أن الصور التي يعرضها <<بوب وودوارد>> أصلية، وأن المواقف والنصوص دقيقة، وأن السياق المتوالي للحركة صحيح، وأن الحوارات والمناقشات أمينة، وبالتالي فإن القصة كما يرويها يصح اعتمادها ويجوز البحث على أساسها، حتى وإن تعددت فيه وجهات النظر عند التفسير والتحليل.
....................
....................
على مائدة الإفطار الساعة الثامنة صباحا في فندق <<سان ريجيس>>، على مقربة من البيت الأبيض يظهر <<جورج تنيت>> مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، مدعوا للإفطار على مائدة راعيه وحاميه السناتور <<دافيد بورين>> (رئيس لجنة الأمن والمخابرات) وهو ديمقراطي يمثل ولاية أوكلاهوما. ويومئ <<وودوارد>> بسرعة إلى أن <<بورين>> هو الذي رشح <<جورج تنيت>> (ابن أسرة مهاجرين جاؤوا قبل جيلين من اليونان) لرئيسه الديمقراطي <<بيل كلينتون>> لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية، وكان السناتور <<بورين>> في ما بعد هو الذي زكى <<تنيت>> للرئيس الجمهوري الجديد <<جورج بوش>> حتى يحتفظ به مديرا للوكالة، لأنه مؤمن بكفاءته، ويرى هناك مصلحة وطنية في بقاء مسؤول اختارته إدارة <<كلينتون>> ليواصل نفس المسؤولية في إدارة <<بوش>>، لأن وظيفة المخابرات المركزية رغم السوابق لا ينبغي أن تخضع بالضرورة لاعتبارات حزبية، وبالذات في حالة رجل يملك خبرة واسعة في المجال الذي اعتمدته إدارة <<كلينتون>> لإطلاق المشروع الإمبراطوري الأميركي، أي مجال مكافحة الإرهاب. وقد استجاب <<بوش>> لرغبة <<بورين>> قائلا له: <<إن ما وصله عن <<جورج تنيت>> يشهد بكفاءته>>. ثم أضاف قائلا ل<<بورين>>: <<إنني أعرف أن أول بند في البرنامج اليومي للرئيس هو اجتماعه في الصباح المبكر (الساعة السابعة صباحا) مع مدير وكالة المخابرات المركزية كي يطلعه على أسرار ما جرى في العالم خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، ومعنى ذلك أن رجلك سوف يكون أول وجه يطالعني كل صباح>>.
وعلى مائدة الإفطار التي جمعت <<بورين>> و<<تنيت>> وفي الساعة الثامنة والربع من صباح يوم 11 سبتمبر اقتحم المائدة أحد حراس مدير وكالة المخابرات المركزية يهمس في أذن <<تنيت>> <<سيدي المدير، هناك كارثة، وقع هجوم على مركز التجارة>>، ويتناول <<جورج تنيت>> من حارسه جهاز تلفون محمول ويسمعه <<بورين>> يقول (ويفهم أنه يتحدث إلى أحد مساعديه) بصوت مشحون: <<ماذا؟.. طائرة دخلت في برج التجارة؟! سوف أكون عندك على الفور>>.
ثم يلتفت <<تنيت>> إلى <<بورين>> ويبادره على الفور: <<ذلك عمل بن لادن ولا أحد غيره!>>، هكذا بالانطباع المسبق وقبل استكمال تفاصيل الواقعة وقبل المناقشة مع خبراء الوكالة وقبل أي تحقيق.
وكذلك ينتهي مشهد الإفطار في فندق <<سان ريجيس>>.
لمحة!
في ليما عاصمة بيرو وعلى مائدة الإفطار أيضا، والمضيف <<أليخاندرو توليدو>> (رئيس جمهورية شيلي)، والضيف <<كولن باول>> وزير الخارجية الأميركية الذي يقوم بزيارة رسمية لعاصمة شيلي لحضور دورة اجتماع رئاسي لمنظمة الدول الأميركية، وكانت هذه الدورة مخصصة لتسوية مشكلة حصص النسيج في التجارة بين أميركا الشمالية وأميركا اللاتينية، وفجأة يفتح باب الغرفة ويدخل السفير <<كريغ كيلي>> المساعد التنفيذي لوزير الخارجية الأميركي، ممسكا في يده بورقة مكتوبة بخط اليد منزوعة على عجل من دفترها، والمكتوب فيها بالنص: <<اصطدمت طائرتان قبل قليل ببرج التجارة>>، وينهض <<كولن باول>> واقفا يقول لرئيس <<شيلي>>: <<لا بد أن أعود الآن إلى واشنطن>>، ثم يواصل <<هذا حدث كبير لا أستطيع أن أبقى بعده هنا لمواصلة الكلام عن حصص النسيج>>، ثم يلتفت إلى مساعده التنفيذي يطلب تحضير طائرته فورا لرحلة العودة إلى واشنطن، ثم يعود إلى توجيه خطابه لرئيس شيلي: <<لا أعرف من فعلها حتى الآن ولكنه كائنا من كان لا بد أن يلقى عقابه، نحن أمة قوية، ونحن نثق بأنفسنا>>.
ثم يتصل <<كولن باول>> بنائبه <<ريتشارد أرميتاج>> ويسمع منه أن أجواء واشنطن في فوضى عارمة والأعصاب مفلوتة، والتضارب والتخبط يستولي على أركان الإدارة، والرئيس <<بوش>> بعيد في فلوريدا، ولا بد من حضورك فورا، لأن البلد يحتاج الآن إلى يد غير مرتجفة (Steady Hand) تمسك بزمام الأمور!
وكانت خشية <<باول>> تلك اللحظة في رد فعل شبه غريزي أن يتعرض الرئيس لعملية <<برمجة>> تضبطه على اتجاه معين قبل وصوله هو <<باول>> إلى واشنطن.
لمحة!
<<أندرو كارد>> رئيس أركان البيت الأبيض يقترب من الرئيس <<جورج بوش>> (الذي كان يزور مدرسة بوكر الأولية في قرية ساراسوتا فلوريدا ويقرأ بصوت عال لتلاميذ أحد فصولها)، ويهمس <<كارد>> في أذن رئيسه <<دخلت طائرة في برج التجارة في نيويورك>>، ويخطر ببال <<بوش>> (كما روى في ما بعد) أنها <<حادثة اصطدام مؤسفة من طيار أخطأ مساره>>، وكذلك يواصل ما كان يفعله، لكن <<كارد>> يعود إليه بعد قليل هامسا مرة أخرى في أذنه، ولكن بعصبية ظاهرة <<هناك طائرة ثانية دخلت في برج التجارة أميركا معرضة لهجوم>>. وينتفض <<بوش>> في شبه ذهول قائلا على الفور: <<لقد أعلنوا الحرب علينا، ولا بد أن نذهب إلى قتالهم حيث كانوا!>>. وينهي جلسته مع تلاميذ المدرسة ويستذكر (في ما بعد): <<لا أعرف لماذا قلت إنها الحرب ضدنا تلك اللحظة>>، ثم يضيف: <<لعله كان صدى صوت والدي كما سمعته سنة 1990 بعد غزو الكويت>> ويهرع <<بوش>> إلى المطار ليركب الطائرة الرئاسية عائدا إلى واشنطن ويقول قبل أن يصعد درجات السلم لكارد: <<أخطرهم (يقصد البيت الأبيض في واشنطن) أن عليهم القيام بحماية السيدة الأولى (<<لورا>> زوجته) وعلى <<الأولاد>> (ابنتيه)>>. ويدفعه أحد حراسه صائحا: <<سيادة الرئيس نريدك الآن داخل الطائرة وعلى مقعدك>>. وطبقا لوصف كبير حراسه فقد استحال لون <<بوش>> إلى بياض القطن، وتعثرت خُطاه وهو يصعد سلم الطائرة (ربما لأنه لا مغامرة ولادته من جديد، ولا ظروف حملته الانتخابية، ولا تجربة ثمانية شهور في البيت الأبيض هيأته لاستيعاب مثل هذه الصدمة).
لمحة!
<<لورا بوش>> (زوجة الرئيس) في الساعة التاسعة والربع ترتدي فستانا أحمر اللون وحول عنقها عقد من اللؤلؤ تضوي حباته تحت الضوء وهي جالسة في قاعة الاجتماعات بمبنى <<راسل>> في الكونغرس، فقد ذهبت إلى هناك تُدلي برأيها في <<مشكلة التعليم المبكر للأطفال>>، أمام لجنة يرأسها السناتور <<إدوارد كنيدي>> (شقيق الرئيس الراحل <<جون كنيدي>>)، ويدخل أحد مرافقيها يدعوها إلى الخروج معه فورا، لأن هناك <<حادثة>> وقعت، وتهرع <<لورا>> خارجة من القاعة ووراءها السناتور <<إدوارد كنيدي>> يستمعان إلى بعض التفاصيل ويهرولان من باب جانبي للقاعة، وعندما تصل إلى سيارتها تكون قد سمعت ما يكفيها، وتنتابها حالة رجفة وتمتلئ عيناها بالدموع، ولا تتمكن سيارتها من السير بسبب زحام الشوارع، ويقرر حراسها أنه لا داعي لتعريضها لخطر السير حتى نهاية شارع بنسلفانيا (حيث البيت الأبيض)، وعليه فهم يأخذون <<السيدة الأولى>> إلى غرفة آمنة في بدروم إدارة البوليس السري، ومن هناك تحاول الاتصال تلفونياً بابنتيها <<بربارة>> و<<جينا>>، ويبدأ البوليس السري تحرياته لمعرفة مكان وجود الاثنتين، وتسمع الأم بالأسماء السرية التي يستعملها البوليس السري للكناية عن ابنتي <<بوش>>: الأولى <<تركواز>> (حجر نصف ثمين)، والثانية <<بريق>> (لعله قطع من البلور أو الزجاج).
وأخيرا الساعة 11,10 تمكنت من سماع صوت ابنتيها، وعندما اطمأنت راحت <<لورا>> تسأل في صوت مرتعش تحاول السيطرة عليه <<إذا كان ممكنا أن تعود إلى بيتها؟>>.
لمحة!
الرئيس <<جورج بوش>> في الطائرة الرئاسية يتمكن من الاتصال بنائبه <<ريتشارد تشيني>>، وقد وجده في المخبأ الآمن للبيت الأبيض، لأن ضباط الأمن حملوه إلى هناك حملا خوفا على حياته، ويصغي <<بوش>>، وكل ما يرد به على نائبه هو قوله: <<إذن فنحن في حرب>>، ثم يضيف <<نحن في حرب، لا نعرف حتى الآن من هو العدو فيها لكن هناك من سوف يدفع الثمن، نحن سنحارب وهذا هو الواجب الذي يدفع لنا الشعب الأميركي مرتباتنا كى نؤديه>>.
ويعود <<بوش>> للاتصال بنائبه في بدروم البيت الأبيض يطمئنه إلى أنه في الطريق إلى واشنطن، لكن <<تشيني>> يقول له: <<لقد أبلغت أن Angel * أي الملاك، (وهو الاسم الرمزي لطائرة الرئيس) ملاحقة بالخطر الآن لأنها الهدف التالي>>. واقترح <<تشيني>> على رئيسه أن يبتعد إلى أقصى ما يستطيع عن محيط العاصمة، قائلا بحزم <<لا تجئ الآن إلى واشنطن>>، وعندها قرر مرافقو الرئيس (ممن كانوا معه على الطائرة) أفضلية توجهه إلى قاعدة <<باركسويل>> في لويزيانا حيث يكون هناك في أمان.
لمحة!
الرئيس <<جورج بوش>> يتصل بوزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>>، ويبادره بالصياح بصوت مرتفع (كذلك روى) <<واو>>، ثم يترك الصياح إلى التعبير باللفظ ليقول <<إنه يوم مأساة وطنية، ولا بد أن تكون مستعدا للحرب أنت و<<ديك مايرز>> (يقصد قائد الطيران الذي أصبح بعدها رئيسا لهيئة أركان الحرب المشتركة)، ويضيف <<بوش>>: <<الكرة واصلة بالتأكيد إلى ملعبكم>>، ثم يواصل كلامه قائلا لوزير دفاعه <<لا بد أن تطلق العنان للقوات المسلحة>>، ويرد <<رامسفيلد>> <<لا تحتاج أن توصينا بما يتعين علينا عمله!>>.
لمحة!
<<دونالد رامسفيلد>> يدعو الجنرال <<هنري شيلتون>> (رئيس أركان الحرب المشتركة) إلى مقابلته، ولم يكن في العادة يستريح له (خصوصا بعد مشادة وقعت بين الاثنين، حين نبه وزير الدفاع على رئيس الأركان المشتركة أن لا يتصل مباشرة بالرئيس عن غير طريقه، وعندما حاول <<شيلتون>> أن يعترض لأن <<الرئيس له الحق الدستوري بأن يسمع مباشرة من رئيس أركان الحرب>> كان رد <<رامسفيلد>> قاطعا <<ليس ما دمت أنا جالسا على مقعد وزير الدفاع>>) والآن جاء <<شيلتون>> إلى مكتب <<رامسفيلد>> الذي بادره بقوله <<نحن الآن في لحظة فارقة>>.
ويرد <<شيلتون>> بقوله: <<إننا على استعداد>>. ويجيبه <<رامسفيلد>> <<جئني بما لديك من خطط لمواجهة هذا الموقف>>.
ويضيف <<رامسفيلد>> <<لا بد أن نتحرك فورا>>، لكن الجنرال <<شيلتون>> (رئيس الأركان وقتها) يرد عليه وفي حضور الجنرال <<مايرز>> (رئيس الأركان الحالي): <<إذا كانت المسؤولية على <<بن لادن>>، وإذا كان الفاعل تنظيم القاعدة، وإذا كانت القاعدة كما نعرف متحصنة في أفغانستان فلا بد لي من إبلاغك أننا لا نملك خطط طوارئ جاهزة للعمل هناك، لأن ذلك البلد لم يكن على قائمة توقعاتنا، ففي كل حساباتنا لم يكن هناك احتمال أن نشن حربا في أفغانستان>>.
ويرد <<رامسفيلد>> بغضب: <<لا أظن أن لديكم حسابا لأي حرب لا في أفغانستان ولا في غير أفغانستان، لقد اطلعت على بعض ما عندكم من خطط الطوارئ الجاهزة، وأشعر بأن أمامنا شوطا طويلا يجب أن نقطعه حتى نستطيع بناء قدرة فعل تعبر عن قوة أميركا، ولكم أن تنصرفوا الآن>>. ويرد الجنرال <<مايرز>> (رئيس الأركان الحالي) قائلا بالنص: <<أفهم ما تقوله يا سيدي!>>.
لمحة!
مدير وكالة المباحث الفيدرالية <<روبرت موللر>> يتصل من مكتبه بمدير المخابرات المركزية الأميركية يستطلع ما عنده من معلومات، لأن <<موللر>> لم يمض عليه في منصبه غير خمسة أيام، ويكرر عليه <<تنيت>> أن المسئولية لا بد أن تكون على <<بن لادن>>، ويرد <<موللر>> بقوله <<محتمل، لأنه ليس هناك تنظيم آخر لديه مثل هذه الوسائل لترتيب عمل إرهابي بهذا الحجم>>.
لمحة!
الرئيس <<بوش>> يعود إلى واشنطن في الساعة السادسة والنصف، وقد نقل إليه أن هناك محاولة لإبقائه بعيدا عن مركز القرار حتى ينفرد به <<ريتشارد تشيني>> الذي ينتهز الفرصة كي يؤكد لأميركا أنه رجل الساعة، وأن يده هي التي تمسك بالدفة!
ويستدعي <<بوش>> رئيس مجموعة كتابة خطبه <<مايكل جيرسون>>، ويقول له <<إنه يريد أن يتحدث إلى الرأي العام الأميركي فورا، وتعليماته في شأن النقاط الأساسية أنه يريد إعلانها <<حربا على الإرهاب>>، وتتدخل مستشارته للأمن القومي فتقول للرئيس: <<إن ذلك هدف مفتوح، ويتعين عليك أن تكون الآن أكثر تحديدا>>.
ويتصل <<جيرسون>> بعدد من أقطاب الإدارة يستطلع رأيهم في ما يقترحون تضمينه في خطاب الرئيس، ويوجه <<جيرسون>> للجميع استفسارات محددة، يظن أنها تساعده على صياغة النص الأكثر ملاءمة للظروف والأفعال في التأثير على الرأي العام وضمن استفساراته: <<ما هو الهدف الأميركي الآن؟ من هو العدو؟ ما هي الأدلة المتوافرة لدينا عن مسؤوليته في ما جرى اليوم؟>>.
وتجيء إجابات الجميع وفيهم نائب الرئيس <<ريتشارد تشيني>>، ووزير الخارجية <<كولن باول>>، ووزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>> متضاربة.
وتروي <<كونداليزا رايس>> (مستشارة الرئيس للأمن القومي) ل<<وودوارد>> (ونقل عنها): <<أنها أحست مثل تائه في الضباب لكنها <<استراحت>> إلى أنه لا بد أن يكون تنظيم القاعدة هو المدبر وأن يكون <<بن لادن>> هو المسؤول وإلا فمن فعلها؟>>.
على أن هواجس <<كونداليزا رايس>> ما لبثت أن عاودتها، بمنطق أن تحديد مسؤولية <<بن لادن>> عما جرى صباح اليوم في واشنطن لا بد أن تتداعى بعده مسؤولية على الإدارة الأميركية، تسائل أطراف هذه الإدارة: لماذا فوجئوا بما جرى؟ وما الذي كانوا يعرفونه عن تنظيم القاعدة؟ ومتى عرفوه؟ وكيف تصرفوا حياله؟
ولم يكن هناك وقت لهذه الهواجس وغيرها.
.....................
.....................
وتشير عشرات ومئات الأوراق التي تعرضت لأجواء تلك الليلة (ليلة 12 سبتمبر في واشنطن) أنها كانت سهرا طويلا مع الاختلافات والتناقضات تحولت بعض اللحظات إلى تهم متبادلة بين الأطراف، ثم هدأت الأعصاب مع نهاية الليل على عدة مطلوبات عاجلة تفرضها الضرورات إزاء توترات تزداد حدة في مشاعر الرأي العام الأميركي، وقد يتفاقم تأثيرها، وكانت قائمة المطلوبات الضرورية طويلة وبدايتها:
1 أنه لا بد من تصدير هذه الصدمة المفاجئة إلى خارج الولايات المتحدة بسرعة، لأن شحنة الغضب بعد ما جرى يجب ألا تظل محصورة في الداخل لأن ذلك كفيل بتوليد شحنة ساخنة يصعب التنبؤ بخطرها، أو السيطرة على اتجاه حركتها.
2 ومعنى ذلك أنه لا بد فورا من <<عدو خارجي محدد>>، تلقى عليه المسؤولية، وقبل انتظار للتفاصيل لأنه بوجود هذا العدو يسهل تحويل شحنة الغضب القادم بعد قوة الصدمة، وبعد ترويع المفاجأة، وبعد وجع الحزن إلى بعيد.
3 وبوجود هذا العدو فإن تعبئة شاملة ضده تستطيع أن تستوعب المشاعر وتضمها في إطار محدد يلم شملها ويمسك بالشارد والجامح منها، وأكثر من ذلك يعطي الفرصة لتوظيفها.
4 وعليه فإن الأمر يقتضي استدعاء الوطنية كإطار جامع للأمة الأميركية في لحظة خطر، وأن يتم ذلك بكثافة تقطع الطريق على أي تساؤل بحيث يصبح مجرد الشك درجة من الخيانة.
5 وفي سياق قائمة المطلوبات أن هناك <<حاجة روحية>> إلى استدعاء الدين، يلعب دوره الإيماني في تحقيق درجة من القبول بنوازل القدر، وبالتالي تخفيف القلق والخوف وحقن جرعات من الصبر والاحتمال، تستحضر أرواح القديسين والشهداء!
وكانت تلك (في واقع الأمر) محاولات شراء فسحة من الوقت قبل التصرف، وكان كل أطراف الإدارة على خلاف ما بينهم يرون ذلك ضروريا لتغطية الفجوة ما بين مفاجأة الحدث المروع وما بين تحديد المسؤولية عنه، ولعل فسحة الوقت أيضا كانت نافعة لمساعدة <<جيرسون>> على إيجاد صيغة جواب لأسئلته الحائرة عن الهدف الأميركي الآن؟ ومن هو العدو؟ وما هي الأدلة المتوافرة <<لدينا>> ضده في شأن ما جرى صباح أمس في واشنطن؟ ومن ثم يتمكن من كتابة أول خطاب عام لرئيس الولايات المتحدة بعد الصدمة.
وكانت فسحة الوقت أيضا حاجة ملحة لتهدئة هواجس <<كونداليزا رايس>> وغيرها بصدد مسؤولية إدارة <<بوش>> عما جرى؟ ولماذا فوجئت؟ وما الذي كانت تعرفه؟ ومتى عرفته؟ وكيف تصرفت إزاءه؟.
.....................
.....................
وفي حملة مكثفة وشاملة، جرى تحقيق المطلوبات الضرورية كلها وأمكن شراء مهلة من الوقت لالتقاط الأنفاس!
بمعنى أنه جرى بسرعة تصدير الأزمة ووقع العثور على عدو وانتقل التركيز إلى هذا العدو واستدعيت وطنية العلم المخطط بالأحمر والأبيض والمرصع بمربع أزرق تصطف فيه النجوم (وهي حالة من وطنية الخوف موروثة بالتجربة) وحضر القساوسة والحاخامات (والمشايخ) وبدأت الصلوات، وبين النتائج أن المزاج الأميركي تحول إلى قوس مشدود بالتوتر جاهز للانطلاق في أي اتجاه، ولا بد من إطلاقه قبل أن يتذكر المواطن الأميركي أن بلاده رصدت ما متوسطه تريليون (ألف بليون) دولار كل سنة تحت بند الدفاع عن نفسها، أي خمسين تريليون دولار أي حوالى 20% من مجمل الدخل القومي الأميركي طوال خمسين سنة (وفق تقرير الكاتب الكبير <<جورفيدال>> في دراسته بعنوان <<السلام المتقطع والحرب المستمرة>>) ومع ذلك وبرغم هذه التكاليف المهولة، انقضت على الشعب الأميركي مثل هذه الضربة وفي قلب وطنه (نيويورك) (وليس كما حدث في <<بيرل هاربور>> فوق قاعدة نائية وسط المحيط الهادئ (جزر هاواي) ).
ثالثاً: لا نستطيع كسب حروب ضد أشباح!
بعد أن يرسم <<بوب وودوارد>> لوحته التأثيرية بلمحات وظل وفراغ، يدلف هادئا إلى عالم الصور يعرض شريطا متواصلا منها يبدأ به من الأول أي من قبل أن تنقض صدمة 11 سبتمبر 2001، وتلك في فن السينما هى العودة إلى الوراء (Flash Back) تسترجع خلفية المشهد.
صورة!
قبل أن يتسلم <<جورج بوش>> (الابن) مسؤوليات رئاسة الولايات المتحدة رسميا بأسبوع كامل جرى ترتيب اجتماع خاص له مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية <<جورج تنيت>>، والمقصود أن يكون الرئيس المنتخب على دراية وإحاطة بالمخاطر المحتملة التي تنتظر رئاسته القادمة. وتوجه <<جورج بوش>> إلى <<بلير هاوس>> مقر الضيافة الرسمي المواجه للبيت الأبيض (وكان <<بيل كلينتون>> لا يزال يعمل منه وأمامه أسبوع كامل قبل أن يسلمه إلى شاغله الجديد).
ودخل <<جورج بوش>> (الابن) إلى <<بلير هاوس>> ومعه شخصان اثنان، لأن سرية المعلومات التي كان مقدرا أن يسمعها يلزم حصرها في أضيق دائرة، وكذلك لم يجئ مع الرئيس المنتخب إلا اثنان من أركان إدارته المقبلة: <<ريتشارد تشيني>> نائبه الذي فاز معه على نفس التذكرة، ومساعدته التي اختارها مستشارة لشئون الأمن القومي <<كونداليزا رايس>>.
وعلى الناحية المقابلة جلس مدير وكالة المخابرات المركزية <<جورج تنيت>> الذي اصطحب معه رجلا واحدا من مساعديه هو <<جيمس بايت>> نائب رئيس المخابرات لشؤون العمليات.
ولمدة ساعتين ونصف الساعة استمع <<جورج بوش>> (ومرافقاه) إلى عرض مفصل عن <<الأصدقاء والأعداء>> و<<الطيبين والأشرار>> <<والفرص والأخطار>> مما ينتظر الإدارة الجديدة.
وركز <<جورج تنيت>> و<<جيمس بايت>> في ما عرضا على ثلاثة أعداء رئيسيين:
العدو الأول هو الإرهاب والطليعة في جبهته العالمية هي تنظيم القاعدة الذي يقوده <<أسامة بن لادن>>، وهو رجل خطير يعتبر نفسه في حالة <<جهاد إسلامي>> ضد الولايات المتحدة، إلى درجة تدعوه لتعقب مصالحها ومطاردة مواطنيها في أي مكان وفي أي وقت، وذلك يجعل تنظيم القاعدة <<خطرا قائما>> و<<خطرا عاجلا>>، والصعوبة في شأنه <<أننا لا نستطيع أن نعرف بالضبط متى؟ وأين؟ يختار ضرباته>>، ذلك أن هذا التنظيم كيان يصعب الإمساك به (Elusive)، ثم يعرض <<تنيت>> <<أن الرئيس الحالى <<بيل كلينتون>> وافق على خمسة أوامر عمليات محددة (Memorandum of Notification) تفوض المخابرات المركزية في تنفيذ ضربات هدفها تدمير تنظيم القاعدة وتصفية <<بن لادن>>، والغرض <<إرباك نشاط الإرهابيين وإجهاض عملياتهم>>، وأنه يستأذن في تجديد هذه التفويضات بسلطة الرئيس المنتخب فور أدائه للقسم الدستوري>>.
العدو الثاني هو الانتشار غير المسبوق لأسلحة الدمار الشامل (الكيماوية والبيولوجية والنووية)، واحتمال وصول مثل هذه الأسلحة إلى دول <<مارقة>> أو جماعات <<متعصبة>> تستغلها دون إدراك لطبيعة القوة التدميرية لهذه الأسلحة، أو بإدراك لا تعنيه العواقب طالما كانت هذه الأسلحة تساعد على ردع الآخرين أو الانتقام منهم!
والعدو الثالث هو الصين التي أفلتت من عوائق التخلف والحصار، وراحت تركز على بناء قوة تجعل منها فيما لا يزيد على ربع القرن دولة عظمى <<عدوانية>> على الشاطئ الآخر من المحيط الهادئ.
وكانت الملاحظة الوحيدة التي أبداها <<جورج بوش>> بعد سماعه لكل ما عرضه عليه رئيس المخابرات المركزية: انه يتوقع في وقت مبكر من رئاسته أن يتلقى تقريرا من الوكالة عن مقترحاتها لكسر خطر <<بن لادن>>، وكان <<جيمس بايت>> (مدير العمليات) هو الذي رد: <<نستطيع أن نوصي بدءاً من هذه اللحظة بدعم التحالف الشمالى لزعماء قبائل أفغانستان، لأن هؤلاء هم القوة المضادة لنظام طالبان سند تنظيم القاعدة، وحامي <<بن لادن>> بما يوفره للجميع من أسباب للطمأنينة وحرية العمل.
وقال <<بوش>> <<إنه يوافق على التوصية، وينتظر أن يتلقى مشروع تفويض للوكالة، وسوف يوقع عليه لحظة أن يجده على مكتبه في البيت الأبيض عندما يتسلم مسؤوليته!>>.
صورة!
في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم 11 سبتمبر 2001، وبعد أن استجمع الرئيس الأميركي بعض أعصابه في أعقاب الصدمة الأولى للأخبار التي وصلته عما جرى في نيويورك دعا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن القومي على الشبكة الإلكترونية الرئاسية، وكان <<بوش>> ساعتها في قيادة القوات الجوية بولاية <<نبراسكا>>، ولأنه لم يكن قرر بعد موعد عودته إلى العاصمة، فقد أراد أن يكسب وقتا، وتمت الترتيبات اللازمة بسرعة، وكان أول المتحدثين في هذه الجلسة الإلكترونية <<جورج تنيت>> مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية الذي ظهر جالسا على مكتبه في واشنطن قائلا:
<<سيادة الرئيس، نستطيع أن نقول في شبه يقين (near certainty) أن <<بن لادن>> وراء الهجوم على نيويورك صباح اليوم، فلقد وجدنا من بحث قائمة الركاب على شركة الطيران الأميركية للرحلة رقم 77 (التي ضربت مبنى البنتاغون) أن أحد الركاب هو <<خالد المدحار>>، وذلك رجل تابعنا نشاطه قبل سنة في ماليزيا، وقد تمكن <<عميل في خدمة الوكالة>> من تحديد موقعه في تنظيم القاعدة، ووقتها قامت الوكالة بإخطار إدارة المباحث الفيدرالية F.B.I كى تضع هذا الرجل على قائمة الممنوعين من دخول الولايات المتحدة، لكن المخابرات المركزية فوجئت عندما وجدت اسم <<المدحار>> ضمن ركاب الرحلة 77، ومعنى ذلك أنه تمكن من التسلل إلى الولايات المتحدة.
كرر <<تنيت>> على الشبكة الإلكترونية المشفرة <<اعتقاده بأن القاعدة هي التنظيم الوحيد الذي يملك الوسائل لتنفيذ عمل إرهابي على هذا النحو الدقيق المثير (Spectacular).
واصل <<جورج تنيت>> <<أن الوكالة تمكنت من تعقب مكالمات تلفونية بين بعض أنصار <<بن لادن>> يهنئون فيها أنفسهم على هذا <<التوفيق العظيم>>، ويقوم خبراء الوكالة الآن بترجمة هذه المكالمات وغيرها إلى اللغة الإنكليزية، لعلهم يستنتجون منها معلومات عن مفاجآت أخرى قد تكون جاهزة <<للانفجار>>!
وأحس بعض أعضاء مجلس الأمن القومي على الشبكة الإلكترونية <<أن وكالة المخابرات المركزية تقصد بطريقة غير مباشرة أن تلقي مسؤولية التقصير على <<مكتب التحقيقات الفيدرالي>>، وأن تضع على حسابه فشلا في التصرف على أساس معلومات وفرتها له المخابرات، وبدا أن <<جورج تنيت>> يحاول إعداد <<خازوق>> لغيره، وهنا اكتفى الرئيس <<بوش>> بأن يقول لجورج تنيت:
<<حاول أن تفتح آذانك حتى لا تفوتك همسة، تنصت على كل شيء وأي إنسان داخل الولايات المتحدة وخارجها>>.
وقال <<تنيت>> إنه سيفعل، ثم عاد يحاول تثبيت <<الخازوق>> لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وقاطعه الرئيس <<بوش>> قائلا: <<إنه مذهول لا يستطيع حتى هذه اللحظة أن يتصور كيف جرى اختراق أمن أهم المطارات في الولايات المتحدة!>>.
صورة!
عاد الرئيس <<جورج بوش>> إلى مكتبه في السادسة والنصف من مساء يوم 11 سبتمبر، وقرر أن يوجه خطابا إلى الأميركيين، ودعا هيئة كُتَّاب خطبه إلى المكتب البيضاوي يبحث معهم ما يمكن أن يقوله <<لأُمة في حالة فزع>>، وكانت هيئة كتاب خطب الرئيس قد تحسبت للطلب واستعدت بمشروع جاهز، أشرفت على تحضيره <<كارين هيوز>> كبيرة مستشاري العلاقات العامة، وقام بصياغته النهائية <<مايكل جيرسون>> (الكاتب الأول بين مجموعة كتاب <<خطب الرئيس>>).
وراح <<بوش>> يستمع إلى النص المقترح لخطابه، ووصل <<مايكل جيرسون>> أثناء قراءته مشروع الخطاب إلى عبارة تقول <<إن ذلك الذي حدث لم يكن مجرد هجوم إرهابي بل كان إعلان حرب على الولايات المتحدة>>، وتوقف <<بوش>> وسأل: <<لماذا نقول ذلك الآن؟>>، وردت <<كارين هيوز>> <<هذا كلام جاء على لسانك أنت في أول تعليق نُقِلَ عنك من فلوريدا>>. ورد <<بوش>> بقوله <<شعوري أن مهمتنا الآن هي طمأنة الناس وليس تخويفهم أكثر>>، ثم التفت إلى <<مايكل جيرسون>> يقول له: <<احذف هذه الجملة>>. وأضاف <<إنني لا أريد أن أزيد في قلق الناس، وإنما أن أساعد على تهدئة مشاعرهم>>.
ثم دارت مناقشة استقر فيها الرأي على <<أن يكون الخطاب قويا متوازنا يطمئن وفي نفس الوقت يؤكد حزم الرئيس على العمل ضد الإرهاب والإرهابيين، وضد كل هؤلاء الذين يقدمون لهم المساعدة والمأوى، مع التعهد بأنه سوف يوجه ضربات عقابية للجميع: الإرهابيين ومناصريهم وأعوانهم والذين يتعاطفون معهم ولو بمجرد الإيواء>>.
وقالت <<كونداليزا رايس>> مستشارة الرئيس للأمن القومي <<إنها تظن باستمرار أن الكلمات الأولى التي يقولها الرئيس بعد حدث من هذا الحجم هي التي تصنع أول الانطباعات وأبقى المؤثرات، وأنه إذا كان الرئيس ينوي <<إعلانها حربا شاملة ضد الإرهاب>>، فعليه أن يقولها الآن لأن هذه فرصتك لإعلانها بحسم>> وبدا <<بوش>> مترددا لا يقطع برأي. وراحت النسخة النهائية المعدلة لخطاب الرئيس تتكامل، وعرف أحد مستشاريه وهو <<دان بارتليت>> أن رئيسه حذف عبارة <<أن الهجوم على نيويورك إعلان حرب على الولايات المتحدة>>، وتوجه إلى المكتب البيضاوي يحاول إقناع <<بوش>> بإعادة الجملة إلى نص خطابه، ورد عليه الرئيس بضيق <<إنني طلبت حذفها>>، وأضاف <<ولا أريد اقتراحات بتعديلات أخرى على نص الخطاب، لأني في هذه اللحظة أجهز نفسي لإلقائه>>.
صورة!
يوم 12 سبتمبر (اليوم التالي للصدمة الكبرى)، دعا مجلس الأمن القومي لاجتماع خاص في البيت الأبيض (اجتماع بشر من لحم ودم وليس ترددات ذبذبات إلكترونية مشفرة)، وكان <<جورج تنيت>> أول المكلفين بعرض الموقف، وألقى <<تنيت>> بالمسؤولية على القاعدة، وبعدها على حكومة طالبان التي تؤويها، وبعدها على المخابرات العسكرية الباكستانية التي دعمت حركة طالبان ومكنت لها، واعتبرتها المؤتمنة على الجهاد الإسلامي في أفغانستان (ضد الاتحاد السوفياتي السابق)، وصاحبة دولته الحاكمة في ذلك البلد، وعلق <<بوش>> قائلا: <<الحملة على الإرهاب فرصة عظيمة لإقناع روسيا والصين بالانضمام إلينا>>.
ثم التفت الرئيس إلى وزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>> (وقد أخطره بالأمس أن الكرة في طريقها إلى ملعب القوات المسلحة) يسأله عما توصل إليه، وكان <<رامسفيلد>> قد أعد ورقة أمامه كتب عليها مجموعة أسئلة يريد طرحها، والحصول على إجابات عنها تكون توجيها واضحا للقوات المسلحة.
<<إذا كنا سنوجه ضرباتنا ضد القاعدة، فنحن نريد أن نعرف:
1 ما هى الأدلة المتوافرة لدينا على مسؤولية هذا التنظيم عما جرى أمس؟
2 ما هي الأهداف التي يمكن أن نوجه إليها ضرباتنا لكسر التنظيم؟
3 ما هو التوقيت المقترح لبداية ضرباتنا؟
وتوقف <<رامسفيلد>> لحظة ثم استكمل:
<<أريد أن أكون واضحا:
1 ليست لدينا خطط طوارئ جاهزة للتعامل عسكريا مع تنظيم القاعدة.
2 ليست لدينا قوات معبأة للعمل في مناطق وجود هذا التنظيم في أفغانستان.
3 إذا أردنا توجيه ضربات جوية متواصلة في أفغانستان، فنحن نحتاج في الإعداد والتحضير والنقل وتشوين الأجهزة إلى مدة ستين يوما.
وتدخل وزير الخارجية <<كولن باول>> يبدي دهشته من أن وزير الدفاع يطرح أسئلة كان واجبه تقديم إجابات عنها.
ورد <<رامسفيلد>> بأنه لاحظ في سير المناقشات أن بعض زملائنا <<لا يتصورون أن ننتظر ستين يوما قبل أن نضرب>>، بل وسمع أحد مستشاري الرئيس يقول: <<إنه لا يمكن تصور الانتظار حتى يوم 11 نوفمبر حتى ترد الولايات المتحدة على حدث وقع يوم 11 سبتمبر>>، وهو يريد أن يعرف الجميع أن توجيه ضربة عسكرية تختلف عن الإدلاء بتصريحات مرسلة إلى وسائل الإعلام، وأضاف <<إن الأسئلة التي طرحها حقيقية وهى ليست أسئلته الوحيدة، وإنما لديه بعد ما ذكر قائمة طويلة>>.
فيها السؤال عن <<أية حدود سوف نلتزم بها في توجيه الضربة؟>>.
وفيها السؤال عن <<من هم حلفاؤنا في توجيه هذه الضربة؟>>.
وفيها السؤال عن <<هل هناك حلفاء لنا يساعدون القاعدة؟ وإذا كان فهل نوجه إليهم ضرباتنا أيضا؟>>.
ثم قال <<رامسفيلد>> بلهجة درامية:
<<إن القوات تحتاج إلى توجيهات محددة!>>.
وقال <<تشيني>>: <<إنه يفهم أن أفغانستان على بعد سبعة آلاف ميل من أميركا، وأن عدد سكانها 26 مليون نسمة، أي إنها في حجم تكساس (ولعل <<تشيني>> أراد بهذه المقارنة أن يقرب الصورة إلى عقل <<بوش>>) فماذا سنفعل بالضبط؟>>.
وتدخل <<بوش>> ليقول <<كما فهمت فإننا كنا نتابع <<بن لادن>> حتى خروجه من السودان في مايو سنة 1998 هذا عرفته مما قرأته بعد ذلك ذهب <<بن لادن>> إلى أفغانستان وهناك احتضنته حكومة طالبان أبلغوا طالبان أننا نفضنا أيدينا منهم طالبان والقاعدة هما نفس الشيء>>.
وتدخل <<رامسفيلد>> يرد الجميل لباول فيقول: <<نحن نقترب أكثر من تحديد هدفنا، ولكني أظن أننا نحتاج قبل أن نتحدث عن العمل العسكري إلى الحديث أيضا عن الدور الذي يمكن أن تقوم به القوة الأميركية في مجالات غير عسكرية، وفي التمهيد لهذا العمل العسكري حين يجيء وقته، فهناك ضرورات لعملية إعداد سياسي وقانوني ودبلوماسي ومالي ومخابراتي، وكل ذلك لازم قبل أن تبدأ الضربات، لهذا قلت إننا نحتاج إلى ستين يوما ليس فقط للعمل العسكري، ولكن لمقدماته وتجهيزاته غير العسكرية>>.
وتدخل <<جورج تنيت>> مدير المخابرات المركزية يقول <<إن قيادة القاعدة موجودة في أفغانستان، ولكن نشاطها عالمي، وهى موجودة في كل القارات، ونحن لدينا قائمة بستين بلدا رصدنا فيها تحركات للقاعدة>>.
ورد <<بوش>> يقول <<لنأخذهم بلدا بعد الآخر لأننا لا نستطيع التصرف معهم جميعا في نفس الوقت>>.
وعاد <<رامسفيلد>> يقول <<المسألة ليست فقط <<بن لادن>>، ولكن هناك دولاً كثيرة تتعاون أو تتهاون مع الإرهاب!>>.
وختم <<بوش>> المناقشة في هذا الموضوع بقوله <<علينا أن نرغمهم أولا على الاختيار، إما نحن وإما القاعدة، إما معنا وإما معهم، إما حلفاء لأميركا وإما حلفاء للإرهاب>>.
صورة!
عندما انتهت اجتماعات مجلس الأمن القومي وتوجه الرئيس إلى مكتبه لحقت به مستشارته للأمن القومي تعرض عليه بعض هواجسها:
عادت تقول له إنها <<تشعر من حولها بضباب، وهى تجاهد للتخلص منه حتى تستطيع المساعدة في تقدير ما يمكن عمله في اليوم التالي، وهى مُهيأة لقبول أن المسؤولية تقع بالفعل على تنظيم القاعدة، ولكن هناك أسئلة سوف تطرح نفسها على الناس: سوف يتساءل الناس إذا كان تنظيم القاعدة هو المسئول، فما الذي كانت الولايات المتحدة تعرفه عنه وعن نواياه وإمكانياته؟ وماذا عرفت بالتحديد؟ ومتى عرفت؟ ولماذا لم تتصرف؟>>.
وأحس <<جورج بوش>> أنه مرهق، وقرر الصعود إلى الجناح الخاص، حيث تنتظره قرينته <<لورا>>، وأوى الاثنان فعلا إلى الفراش، لكنه في الساعة الحادية عشرة وثماني دقائق قام الحرس الخاص للرئيس بإيقاظه من النوم، طالبين منه ومن قرينته التوجه فورا بملابس النوم إلى مخبأ البيت الأبيض، وهرع الاثنان وراء أحد ضباط الحرس إلى هناك، ونسيت <<لورا>> (قرينة الرئيس) أن تأخذ عدساتها اللاصقة التي تستعملها لتعويض قصور بصرها، لكن <<جورج بوش>> لم ينس أن يأخذ معه كلبيه، وفي الممر الطويل المؤدي إلى المخبأ تحت الأرض، تقابل <<بوش>> مع رئيس أركان البيت الأبيض <<كارد>>، ومع مستشارته للأمن القومي <<كونداليزا رايس>>، ومعها مساعدها <<ستيفن هارلي>>، وكان الثلاثة يهرولون إلى المخبأ، لأن البوليس السري تصرف معهم كما فعل مع الرئيس وقرينته، باعتبار أن هناك حالة إنذار بطائرة مجهولة متجهة نحو واشنطن، والخوف أن يكون هدفها هو البيت الأبيض بعد أن جرى الإعلان عن عودة الرئيس إليه.
وبعد عشر دقائق جاء البوليس السري يقول إن الطائرة المجهولة بانت هويتها، وتأكد أنها طائرة عادية، لكن الاحتياط كان واجبا، ومع أن الإنذار بالخطر لم يعد ساريا، فلا يزال من المستحسن أن يقضي الرئيس وقرينته ليلتهما في المخبأ، ونظر <<بوش>> إلى السرير الصغير المُعَد لنومه في المخبأ، وقرر أنه سوف يعود إلى غرفة نومه في الجناح الرئاسي <<وليكن ما يكون>>، وقررت <<كونداليزا رايس>> أنها في هذه الساعة المتأخرة من الليل لا تستطيع العودة إلى شقتها في عمارات <<ووترغيت>>، ولهذا فسوف تقضي ليلتها في المخبأ!>>.
صورة!
في الساعة السابعة صباحا يوم 12 سبتمبر، وصل <<جورج تنيت>> مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى البيت الأبيض ومعه التقرير اليومي للوكالة، لكنه في ذلك اليوم كان تقريرا من نوع خاص.
كان الرئيس في مكتبه يتحدث مع مستشارته للأمن القومي، وبدا في حديثه معها أنه يريد إزاحة المسؤولية عن إدارته (ويضعها على سلفه <<بيل كلينتون>>) قائلا: <<إنه يعتقد أن إدارة <<كلينتون>> ردت على تحدي الإرهاب بتهاون شديد>>. ثم تساءل <<بوش>> <<ما معنى أن يرد <<كلينتون>> على نسف السفارات الأميركية في أفريقيا بإطلاق دفعة صواريخ موجهة إلى أفغانستان؟ وأي رد هذا؟ وما الذي يمكن أن تحققه مثل هذه الضربات؟ حريق في خيمة؟ هدم بيت من الطين بصاروخ من طراز <<كروز>>؟ هذه نكتة!
يضيف <<بوش>> <<لا بد أن نتصرف بقوة، وإلا اهتزت صورة أميركا>>.
وعندما دخل <<تنيت>> إلى المكتب البيضاوي، توقف <<بوش>> عن إبداء سخطه على سلفه ليسمع مدير مخابراته، وراح <<تنيت>> يتحدث ويقدم للرئيس قوائم بأسماء مسؤولين كبار في القاعدة يساعدون <<بن لادن>>، من <<أيمن الظواهري>>، إلى <<أبو زبيدة>> إلى آخرين. ولم يكن <<بوش>> على استعداد لأن يدخل في مجاهل هذا العالم الغامض للإرهابيين، وأحس <<تنيت>> أن رئيسه يتعجل النتائج ولا تعنيه التفاصيل وكذلك قال: <<لدينا خطة لتكثيف نشاطنا حتى نتمكن من توجيه ضربات قاتلة للإرهابيين، لكن هذه الخطة تحتاج إلى اعتمادات مالية طائلة تصل إلى ألف مليون دولار، ورد <<بوش>> بسرعة <<سوف أعطيك كل ما هو لازم لمهمتك>>.
وأوضح له <<تنيت>> أن مهمته مهما نجحت محصورة في معرفة أكثر ما يمكن معرفته عن الإرهابيين، ثم اختراق تنظيماتهم، وإلحاق الضرر بهم إلى أقصى حد، لكن الضربة القاضية القاتلة لا بد أن تكون بواسطة العمل العسكري، وهذه مهمة القوات المسلحة!>>.
صورة!
بعد انتهاء اجتماع مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض (يوم 12 سبتمبر)، عاد الرئيس <<بوش>> إلى مكتبه، ومشت بجواره <<كارين هيوز>> مستشارته للشؤون العامة، التي كان يريد أن يتحدث معها عن لغة <<الخطاب العام للإدارة>> في الأيام المقبلة، وعندما استقر وراء مكتبه قال لها: <<إنه يريد عقد اجتماعات يومية لتشكيل وتوجيه الرسالة التي يريد توجيهها إلى الشعب الأميركي عن الحرب ضد الإرهاب!>> وبادرت تسلمه ورقة تحتوي على ملاحظات يصح له إبداؤها أثناء اجتماع مقرر له مع قيادات القوات المسلحة سوف يحضره في البنتاغون بعد ظهر هذا اليوم، ووضع <<بوش>> الورقة على مكتبه، وعاد يوجه الحديث إلى <<كارين هيوز>> قائلا:
<<دعينا أولا نتفق على الصورة الأوسع، نحن أمام عدو ليست له ملامح (Faceless)، وهذا العدو أعلن الحرب على الولايات المتحدة إذن نحن في حرب>>.
ثم يستطرد:
<<إننا في حاجة إلى خطة إلى استراتيجية إلى رؤية، ولا بد لنا أن نُعلم الشعب الأميركي كيف يستعد لهجوم آخر؟ الشعب الأميركي يحتاج إلى أن يفهم أن الحرب على الإرهاب هي المحور الرئيسي لجهد الإدارة وللحكومة من الآن فصاعدا>>.
وردت <<كارين هيوز>> بأنها سوف تذهب إلى مكتبها لتحضير بعض النقاط عن هذه <<الرسالة>>، وكتابتها على ورق، ثم تعود بها إلى الرئيس. وتوجهت <<كارين>> بالفعل إلى مكتبها في الدور الثاني، وفتحت جهاز الكمبيوتر واستعدت للكتابة، لكن الرئيس طلبها إلى العودة فورا، وحين دخلت إلى المكتب البيضاوي بادرها بقوله: <<دعيني اليوم أقل لك كيف يجب أن تؤدي عملك>> ثم ناولها ورقتين من أوراق مكتبه عليها بخط يده <<مجموعة أفكار>> (كذلك وصف الورقتين)، وراحت <<كارين>> تقرأ:
<<هذا عدو يضرب ويختفي، ولكنه لن يستطيع الاختباء منا إلى الأبد.
هذا عدو يتصور أنه في مكمن آمن، لكنه لن يظل آمنا إلى النهاية.
هذا عدو لم نتعود على مواجهته، لكن أميركا سوف تتأقلم على الحرب معه>>.
وأضاف <<بوش>>: <<والآن عودي إلى مكتبك لتجهزي نفسك!>>.
صورة!
في اجتماع ثالث لمجلس الأمن القومي (خلال يومين)، استمع الرئيس <<بوش>> إلى تقارير عدد من مساعديه، ثم انفض الاجتماع بعد نصف الساعة، ولكن الرئيس استبقى ستة منهم لجلسة محدودة.
وفي بداية هذه الجلسة المحدودة توجه <<بوش>> بنظره إلى <<كولن باول>> الذي رد على النظرة بجواب قائلا: <<إن وزارة الخارجية بدأت فعلا بنقل رسالة الرئيس إلى حكومة باكستان ونظام طالبان>> <<إما أن تكونوا معنا أو أنكم ضدنا>>.
وقال <<بوش>>: <<إنني أريد إعداد قائمة بما نريده من طالبان، لا يكفيهم أن يسلموا لنا <<بن لادن>> نحن نريد كل تنظيم القاعدة، إما أن يسلموهم لنا مباشرة، وإما أن يطردوهم من عندهم، ونحن نقوم بالقبض عليهم فور خروجهم>>.
وتدخل <<رامسفيلد>> بقوله: <<من المهم بالنسبة لنا أن نحدد أهدافنا الآن، فمن الضروري أن نتوافق في عملنا مع شركائنا في التحالف ضد الإرهاب، الذي وَقّع أعضاؤه اتفاقا معنا لمواجهة خطره>>، ثم زاد <<رامسفيلد>> <<كل شركائنا في التحالف سوف يطلبون منا معلومات محددة وتوصيفات مقبولة، وما زلت ألح على أن هناك إجابات مطلوبة عن أسئلة مطروحة مثل: هل حربنا هى ضد <<بن لادن>> والقاعدة فقط أم هي ضد الإرهاب بالمعنى الأوسع؟>>.
وكان <<كولن باول>> هو الذي استبق الرئيس برد قال فيه: <<الهدف حرب ضد الإرهاب بالمعنى الأوسع والبداية ذلك التنظيم الذي قام بالعمل المباشر الذي تعرضت له الولايات المتحدة أول أمس>>.
وتدخل <<تشيني>> نائب الرئيس ليقول: <<الهدف حرب ضد الإرهاب بالمعنى الأوسع، أي الإرهابيين والذين يناصرونهم لكن عليك أن تلاحظ أنه سوف يكون من الأسهل علينا العثور على مناصري الإرهاب أكثر من العثور على الإرهابيين أنفسهم>>.
ورد <<بوش>>: <<لنبدأ بالعثور على <<بن لادن>>، فذلك ما يتوقعه الشعب الأميركي، وإذا نجحنا فإننا نكون قد وجهنا ضربة قوية إلى الإرهاب بالمعنى الأوسع، نحن أمام <<سرطان>> ولا بد من استئصال الورم، وإذا بدأنا الحرب على الإرهاب بالمعنى الأوسع فلن يكون في مقدور الرجل العادي في أميركا أن يتفهم ذلك>>.
والتفت <<بوش>> إلى <<رامسفيلد>> يسأله: <<هل توصلتم إلى تحديد ما نستطيع عمله عسكريا في أسرع ما يمكن؟!
ورد <<رامسفيلد>>: <<لم نجد غير قليل جدا، مما يمكن أن يؤثر>>.
ثم روى وزير الدفاع أنه بالأمس استدعى الجنرال <<تومي فرانكس>> (قائد القوات المركزية الذي قاد الحرب على العراق حتى الآن) وسأله عن استعداده للعمل ضد تنظيم القاعدة وضد طالبان إذا أصبح ذلك ضروريا. ورد <<فرانكس>>: <<إن القيادة المركزية تحتاج إلى عدة شهور لرسم خطة عمليات واسعة في أفغانستان>>، وعندها قاطعه وزير الدفاع بقوله <<لديك فرصة أيام أو أسابيع على الأكثر ليست لديك فرصة شهور!>> وهنا بدأ الضيق على قائد القيادة المركزية وقال: <<إننا نحتاج إلى قواعد نعمل منها، وإلى حشد يكفي للمهمة التي نطلبها، وإلى خطوط مواصلات مأمونة نتحرك عليها وإلى أشياء كثيرة، لأن أفغانستان في منتصف الكرة الأرضية على الناحية الأخرى من العالم، مع العلم أن القاعدة تنظيم حرب عصابات، وأعضاؤه مختفون في الجبال، وهم يستعملون البغال في جر المدافع والعربات، ومعسكراتهم بما في ذلك معسكرات التدريب خالية ليس فيها شيء>>.
وأضاف <<رامسفيلد>>: <<إنني قلت لقائد القيادة المركزية، إننا نريد أفكارا خلاقة، شيء ما بين إطلاق صواريخ <<كروز>> وبين حرب واسعة.
وتدخل <<بوش>> في مجرى الحديث ليقول: <<إن <<توني بلير>> (رئيس وزراء بريطانيا) اتصل بي على التلفون صباح اليوم باكراً يقول لي <<إن العالم ينتظر منا عملا قويا، وليس مجرد إجراءات لتهدئة مشاعر الرأي العام الأميركي، وتجعله يحس أفضل!>>.
واستطرد <<بوش>> (في الغالب بتأثير رئيس أركان البيت الأبيض وربما تلقينه): <<إن البنتاغون لا بد من دفعه دفعا لكي يفكر جديا في كيفية التعامل مع حرب عصابات بأسلحة تقليدية لدينا مشكلة وهى أن العسكريين عندنا مضت عليهم فترة طويلة وهم يحاربون معاركهم عن بعد>>.
وواصل <<بوش>> كلامه: <<لا بد أن نتصرف بسرعة قبل أن يتغير المناخ العالمي، خصوصا في أوروبا لأننا لا بد أن نأخذهم معنا إلى حيث نذهب، ولا يجب أن نعطيهم الانطباع بأننا نتصرف وحدنا>>. ثم أضاف <<إن العالم الخارجي ما زال ينظر إليّ على أنني <<رجل متهور>> من تكساس، هم يظنون ذلك أليس صحيحا؟ لا يعرفون أنني رجل مختلف عما يظنون!>>.
وكان الرئيس <<بوش>> على وشك أن يستقبل زعماء الكونغرس، لكنه قبل مجيئهم إلى البيت الأبيض اتصل بنفسه بكل من الرئيس الروسي <<فلاديمير بوتين>>، وبرؤساء فرنسا وألمانيا وكندا والصين، ثم ترك مهمة الاتصالات ببقية الحلفاء إلى وزير الخارجية، قائلا له: <<إنني أريد أن يمشي الجميع معنا، لكنني على استعداد للمشي وحدي إلى آخر الشوط إذا اقتضى الأمر>>.
ثم خرج الرئيس إلى الصحافيين يقول لهم: <<سوف يكون هذا صراعا هائلا بين الخير والشر لكن الخير سوف ينتصر!>>.
صورة!
التقى <<بوش>> في الساعة الحادية عشرة والنصف بزعماء الكونغرس، وبدأ كلامه معهم بقوله:
<<إن العدو كان يحلم بأن يقابلنا هنا في هذا المبنى، كان يريد أن يجيء إلى هنا ليحول البيت الأبيض إلى أنقاض. أريد للكونغرس أن يعرف أن تلك لم تكن حادثة منعزلة، ولا أريد أن تتحول أنظاركم عن هذه المعركة، بعد شهر من الآن سوف ينهمك الشعب الأميركي في متابعة مباريات كرة القدم لكأس العالم، لكن إدارتي سوف تكون منهمكة في إدارة حرب لا آخر لها.
إن العدو ليس جماعة محددة، بل عقلية معينة، هذه العقلية تكره المسيحية وتكره اليهودية، وتكره كل شيء يختلف عنها، وعلى بقية الأمم أن تختار>>.
وفوجئ بعض زعماء الكونغرس بلهجة الرئيس، وارتفع صوت زعيم الأغلبية الأسبق في مجلس الشيوخ السيناتور <<توماس راسل>> موجها كلامه للرئيس قائلا: <<أرجوك أن تكون أكثر تحفظا في ما تقول وإذا كنت تريد تأييدنا، فإننا نطلب منك الاعتدال ومراعاة وقع كلماتك على أصدقاء الولايات المتحدة>>.
ثم تدخل السناتور <<روبرت بيرد>> (زعيم الحزب الديمقراطي في فرجينيا وعمره 83 سنة) ليطلب من <<بوش>> أن يهدئ روعه قائلا له: <<إنني تعاملت مع عشرة رؤساء للولايات المتحدة قبلك، ولقد فهمت مما قلته لنا أنك لا تريد منا قرارا بشن الحرب، وإنما تريد منا تفويضا لك باستعمال القوة، أي إنك تطلب منا ما سبق للرئيس <<جونسون>> أن طلبه في فيتنام سنة 1964 (في ما سُمي بقرار <<خليج تونكين>>، وكانت تلك كذبة كبيرة طلب فيها <<جونسون>> تفويضا من الكونغرس بالرد على عدوان، ولم يكن هناك بالفعل عدوان).
استطرد السناتور <<بيرد>> العجوز ليقول لبوش: <<لن تحصل من الكونغرس هذه المرة على قرار مماثل لقرار تونكين، الكونغرس لن يسمح لك بهذا، وأميركا ما زال لها دستور يحكمها!>>.
وأخرج <<بيرد>> من جيبه نسخة من الدستور!
وتوتر جو الاجتماع!
صورة!
في الساعة الرابعة من مساء يوم 15 سبتمبر دُعِي مجلس الأمن القومي إلى اجتماع آخر، وبدأ <<بوش>> بإلقاء صلاة فتح بها المداولات (كما أخذ يفعل أخيرا) وكان وزير الدفاع <<رامسفيلد>> هو الذي بدأ الكلام قائلا:
<<ما زلت مُصِرَّاً على سؤال لم أتلق جوابا عنه هل حربنا ضد القاعدة؟ أم هي ضد الإرهاب عموما؟>>.
ورد <<بوش>> قائلا: <<شعوري أن الولايات المتحدة يجب أن تبدأ ببن لادن أولا لأنه إذا جرى ضرب تنظيم القاعدة، فإن البقية تتداعى تلقائيا>>.
وعاد <<رامسفيلد>> إلى الكلام: <<إننا لا نستطيع أن نقيم تحالفا دوليا ونحتفظ به على مجرد ضرب القاعدة، لأن ضرب القاعدة هدف محدود ويمكن أن يتلاشى سريعا، وعندئذ ينفك التحالف ضد الإرهاب بوهم أنه أدى مهمته>>.
وتدخل نائب الرئيس <<تشيني>> في الحوار قائلا:
<<إننى أريد أن أركز أكثر على قضية الدول التي ترعى الإرهاب، وأريد أن ألفت النظر إلى أن التركيز على <<دول لها كيان واضح>> أسهل من التركيز على جماعات ليست لها ملامح>> الدول التي ترعى الإرهاب <<متجسدة>>، والجماعات الإرهابية مجرد <<أشباح>>، وأظن أننا سوف ننجح أكثر في العمل ضد <<جسد>>، ولا ننجح بالقدر الكافي ضد <<شبح>>.
وكان <<بوش>> هو الذي رد على نائبه قائلا:
<<إنني متخوف من تشتيت عملنا، أظن أننا لا بد أن نكون محددين أكثر حتى نحتفظ بتأييد الرأي العام، الناس فهموا أن القاعدة هي التي سببت لنا كل هذه الآلام في الأيام الأخيرة، وهم ينتظرون منا أن نضرب في هذا الاتجاه قبل أن نتحول إلى غيره هذا التركيز على القاعدة أيضا مهم لأصدقائنا في التحالف>>.
وعاد <<تشيني>> يجادل:
<<إن تأييد العالم لنا مهم، لكنه لا يصح أن يقيّد أيدينا عن التصرف، من حقنا أن نتصرف بمفردنا، المهام هي التي يجب أن تحدد التحالف، وليس التحالف هو الذي يحدد المهام>>.
وفجأة قال <<رامسفيلد>>:
<<أليس من الضروري أن نضرب العراق أيضا وليس القاعدة فقط؟ العراق يمكن أن يكون هدفا متجسدا أمامنا، وقابلا للضرب على أساس أنه من رعاة الإرهاب <<صدام حسين>> ليس شبحا وإنما هو بلد!>>.
أشار <<رامسفيلد>> إلى معاونين له يجلسون وراءه في اجتماع مجلس الأمن القومي (وفيهم نائبه <<بول وولفويتز>> ورئيس لجنة التخطيط الاستراتيجى <<ريتشارد بيرل>>)، واستطرد: <<كنا في اجتماع البنتاغون ولم يكن هناك حول المائدة من لا يعتقد في صميم قلبه أن <<صدام حسين>> خطر شديد لأنه مصمم على حيازة أسلحة دمار شامل يمكن أن تصل إلى يد الجماعات الإرهابية>>.
ويستطرد <<رامسفيلد>>:
<<ضرب العراق يمكن أن يبدأ بسرعة، والخطط لدينا جاهزة>>.
وتدخل <<كولن باول>>:
<<ضرب العراق الآن ليس مناسبا، والأنسب هو التركيز على <<القاعدة>>، والرأي العام الأميركي مشحون هذه اللحظة ضد القاعدة، وتحويله إلى الاقتناع بعمل ضد العراق، سوف يكون صعبا، والإدارة تحتاج إلى تأييد الشعب الأميركي، والشعب الأميركي يريد منا عملا ضد القاعدة>>.
وجاء الدور على الرئيس الذي قال:
<<موضوع العراق يحتاج إلى وقت، الآن نريد خطة عمل لتدمير تنظيمات الإرهابيين، وأريد على الفور قائمة بأسماء هؤلاء البلطجية، وأريد خطة لتعقبهم، إننى ألاحظ أن كثيرين يعودون بأفكارهم إلى أجواء حرب الخليج السابقة، ويقارنون بين الحالتين المقارنة ليست الآن صحيحة والشعب الأميركي ينتظر منّا ضربة كبيرة، ولا بد أن أقنعهم بأننا بدأنا الحرب ضد الإرهاب، وأن القاعدة هى الخطوة الأولى، إننى أطلب عملا سريعا ضد الإرهاب، وقد بدأت أشعر بالإحباط!>>.
وقال <<كولن باول>>:
<<إن هناك فرصا كبيرة للحرب ضد الإرهاب ضد القاعدة وحتى طالبان، بطريقة تختلف عن تلك التي شنها السوفيات>>.
رابعاً: نحتاج إلى ضرب العراق!
صورة!
بعد أربعة أيام من الصدمة، وفي أول عطلة نهاية أسبوع تليها، وبالتحديد يوم 15 سبتمبر دعا الرئيس <<جورج بوش>> أركان إدارته إلى اجتماع غير رسمي، لمناقشة أكثر هدوءاً في منتجع <<كامب دافيد>>، وقد طلب من المشاركين في الاجتماع أن يحضروه بملابس غير رسمية، حتى يكون اجتماعهم حوار زملاء وأصدقاء صريحا مفتوحا مرتاحا ووديا!
ودخل الرئيس نفسه إلى القاعة بقميص أزرق فتح ياقته، وفوقه جاكيت أخضر اللون، واتخذ مقعده وسط قاعة الاجتماعات المعدة في المبنى المُسمى <<لوريل لودج>>، وعلى يمينه جلس نائبه <<ريتشارد تشيني>> وعلى يساره جلس وزير خارجيته <<كولن باول>>، واصطف الباقون حول المائدة، ولاحظ وزير الخارجية أن وزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>> اصطحب معه نائبه <<بول وولفويتز>>، كما أن <<جورج تنيت>> مدير المخابرات المركزية اصطحب معه اثنين من مساعديه هما نائبه <<جون ماكلولن>> ومدير شؤون العمليات في إدارته <<كوفر بلاك>>، وأبدى <<باول>> دهشته قائلا: <<إنه لم يكن يعرف أن مساعدي الوزراء مدعوون للاجتماع، وإلا لجاء معه بنائبه <<ريتشارد أرميتاج>>>>.
وفتح <<بوش>> الاجتماع بتلاوة الصلوات، ثم دعا وزير المالية للكلام عن تأثيرات الانهيار الذي حدث في بورصات أميركا للأوراق المالية، مبديا خشيته أن ذلك سوف يؤثر على كل الناس، خصوصا صناديق التأمين والمعاشات، وكلها تستثمر أموالها في السوق، وعرض وزير المالية تقديره للأحوال.
ثم التفت <<بوش>> إلى وزير الخارجية <<كولن باول>> يدعوه لشرح مواقف دول التحالف، وقال <<باول>>:
إن وزارة الخارجية بدأت العمل على الفور متواصلا وملحا بادئة من نقطة ملخصها كما سمع من الرئيس <<ان الهجمات على نيويورك يمكن اعتبارها فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الدولية على مستوى العالم، والطريق إلى ذلك بناء تحالف دولى واسع لا بد من إشراك أعضائه في المعلومات والسياسات والأفكار، وقد اتصلت في اليومين الأخيرين برؤساء خمس وثلاثين دولة، أشرح لهم أن ذلك لم يكن هجوما على أميركا، بل هجوم على الحضارة ذاتها>>.
ثم انتقل الرئيس <<بوش>> إلى الكلام في صُلب الموضوع الذي دعا الاجتماع في كامب دافيد من أجله، واختار له هذا الجو المريح والهادئ، وكان سامعوه يصغون إليه عارفين أنه صوته لكن أحدا منهم لم يكن واثقا أن لسان الرئيس ينطق بعقله، وإذا لم يكن فمن الذي قام بتلقينه الدرس وعلى الأقل فقد كان واضحا للجميع أن <<بوش>> يتحدث بخليط مما عنده ومما عند غيره.
واستفاض <<بوش>> في الكلام:
<<الشعب الأميركي يريد عملا كبيرا، مهولا، فرقعة عظيمة (استعمل <<بوش>> تعبير الانفجار العظيم Big Bang الذي يصف به علماء الطبيعة تلك اللحظة الهائلة التي انفجر معها خلق الكون).
لا أريد معركة واحدة، ولكن أريد حربا ممتدة يشعر بها الشعب الأميركي ويتأكد من أننا نواصل الدفاع عنه حتى أقاصي الأرض.
لا يهمني اعتقال رجل واحد ولا اعتقال عدة رجال، وإنما يهمني أن نتوصل إلى صيغة فعل تعطينا تفويضا مفتوحا للعمل حيث نشاء لا يهمني أن يحاول أحد منا أن يضع حدودا وهمية على فعل القوة الأميركية، أو حدودا مالية تقيد مجال عملها>>.
....................
....................
روى وزير الخارجية <<كولن باول>> ل<<بوب وودوارد>> أنه:
<<في هذه اللحظة أحسست أن الرئيس يريد أن يقتل أحدا، رأيت أمامي رجلاً استيقظت لديه كل غرائز القتل من إحساسه بصدمة ما جرى في نيويورك ومن تحرقه للانتقام لها مهما كان الثمن>>.
.....................
.....................
كان <<بوش>> ما زال يواصل الكلام:
<<ما أريده هو حرب تشد مشاعر الشعب الأميركي، وتشد وراءه بقية العالم>>.
وأراد وزير الخارجية أن يستوضح بقصد التأكيد:
<<الرئيس يقصد حربا على الإرهاب حتى تتم تصفيته>>.
وتدخل وزير الدفاع <<رامسفيلد>>:
<<الحرب ضد الإرهاب بالمعنى التقليدي لها مواصفات، لا تخدم مطلبنا إلى النهاية:
أولا: لأنها حرب بطيئة، تأخذ وقتا، أي إنها لا تستجيب بسرعة لإحداث التأثير المطلوب.
وثانيا: لأنها حرب يصعب فيها تحقيق نتائج لافتة للنظر (Spectacular).
وثالثا: لأنها حرب لا تملك أن تركز على هدف محدد بالذات، لأنها ضد أشباح.. ضد ظلال.
ورابعا: لأنها بالنسبة لأهدافها على فرض التمكن من تحديدها، لا تسمح بمثل هذا الانفجار العظيم Big Bang الذي أشار إليه الرئيس>>.
وسادت لحظة صمت قطعه <<بول وولفويتز>> نائب وزير الدفاع بقوله:
<<إن ما يطلبه الرئيس يمكن أن يتحقق في حالة واحدة، هي حالة أن نوجه ضرباتنا إلى الدول الراعية للإرهاب، أو الدول الإرهابية، والعراق أول القائمة بوجود <<صدام حسين>> على رأسه!>>.
ولاحظت <<كونداليزا رايس>> أن وزير الخارجية <<كولن باول>> عاد برأسه إلى الوراء وقلب عينيه (كما يفعل عادة عندما يسمع ما لا يعجبه أو ما لا يقنعه!).
وكان <<جورج بوش>> مرة أخرى! هو الذي تولى الرد قائلا:
<<إن <<دون>> (يقصد وزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>>) طرح موضوع ضرب العراق في اتصال معي أمس، وقد رفضت الاقتراح لأسباب:
<<صدام حسين>> رجل سيئ، وهو خطر على جيرانه العرب وغير العرب، ولكنه خلال السنوات الأخيرة لم يفعل شيئا يستوجب البدء بعقابه ردا على ما حدث في نيويورك، وليس عندنا ما يثبت صلته بما جرى، بحيث نستطيع تأسيس قضية ضده، لقد امتنع عن الشغب أخيرا، ليس لأنه رجل صالح، ولكن لأنه يحاول تفادي ضربات نوجهها إليه>>.
وهناك اعتباران:
أولهما: أنني لا أريد أن يتهمنا أحد بأننا نتحول إلى ملاحقة <<صدام حسين>> لأننا لم نستطع أن نمسك بغيره.
والثاني: أنني كما تعرفون جميعا أكره <<صدام>>، لكني لا أريد أن يتصور أحد في العالم أننى أطارده من باب الثأر الشخصى لأبي (My Dad)!
وتشجع الجنرال <<هيو شيلتون>> (رئيس الأركان الذي كان على وشك قضاء مدته بعد أسبوعين يسلم بعدها رئاسة الأركان إلى الجنرال <<مايرز>> الذي كان جالسا بجواره على مائدة الاجتماع)، وكذلك قال كما نقل <<وودوارد>> عنه في صفحة 61 بالحرف:
<<إن هيئة أركان الحرب المشتركة لا ترى داعيا لإدخال العراق في المعادلة هذه اللحظة المبكرة، ورأينا أنه يصعب ضرب العراق الآن إذا لم تظهر صلة مباشرة تكشف عن مسؤولية <<صدام حسين>> مباشرة عن هجمات 11 سبتمبر.
فوق ذلك فإن هيئة الأركان المشتركة ترى أن استهداف العراق يؤدي إلى إحراج دول عربية صديقة نريد دعمها في حربنا ضد الإرهاب. ونحن نرى أن دعم هذه الدول لجهودنا أمر حيوي، زيادة على ذلك فإن استهداف العراق الآن كفيل بأن يوقف مسيرة عملية السلام في الشرق الأوسط، ونحن نرى استمرارها ضروريا قبل البدء في ضرب العراق>>.
.....................
.....................
يقطع <<بوب وودوارد>> سياق روايته لوقائع الاجتماع ليقول: <<إن <<كولن باول>> كان قد سبق له أن تحدث مع الجنرال <<شيلتون>> في اليوم السابق، ولفت نظره إلى أن هناك مجموعة من المستشارين (أولهم <<وولفويتز>> و<<بيرل>>) يرونها فرصة سانحة لضرب العراق، حتى إذا لم تكن هناك أسباب تتعلق بالحملة ضد الإرهاب>>، وأنه قال للجنرال <<شيلتون>> أثناء هذا الحديث <<إن هذه المجموعة أصبحت فالتة في تصرفاتها، ومن الضروري إعادتها بسرعة إلى الصف وإبقاؤها فيه، لأن تحديد الأولويات بحزم ألزم الضرورات للسياسة الأميركية الآن، ورد عليه الجنرال <<شلتون>>: <<إنه متفق بالكامل مع ما يقوله>>.
.....................
.....................
وتساءل الرئيس <<بوش>> موجها كلامه إلى الجنرال <<شيلتون>> سائلا:
<<ما هي الإمكانيات الموجودة لدينا لضرب <<بن لادن>> وحكومة طالبان إذا لم يقوموا بتسليمه لنا؟>>.
ورد الجنرال <<شيلتون>>:
<<إنه يخشى أن تقديراته في هذا الميدان سوف تكون <<متشائمة>>، بمعنى أنه ليست لدينا (البنتاغون) خطط جاهزة للعمل في أفغانستان، كل ما لدينا هو ضربات موجهة بصواريخ كروز، وهذه عملية لن تُحْدِث إلا حفرا على سفوح الجبال وليس أكثر!>>.
وتدخل وزير الدفاع <<رامسفيلد>> قائلا:
<<إن القوات المسلحة الأميركية تحتاج إلى مراجعة لمهامها إزاء ظروف متغيرة، وكان يمكن لها أن تكون أقدر على الاستجابة، إذا كان التوجيه إليها استهداف الدول التي تناصر <<بن لادن>>، لأنها هناك تستطيع أن تجد عدوا متجسدا توجه له ضرباتها، عدوا حقيقيا يملك أهدافا يمكن ضربها، وعدوا لا يظهر حين يشاء ويختفي حين يشاء، يفاجئنا بتوجيه ضرباته إلينا ويختفي حين نطارده بالعقاب>>.
وأحس الرئيس <<بوش>> (كما قال لبوب وودوارد) <<أنه ربما ظلم وزارة الحرب الأميركية لأنه لم يترك لها فرصة كافية للتفكير والتخطيط في ظروف متغيرة>>، وهكذا وجه كلامه للجنرال <<شيلتون>> قائلا:
<<أريد من هيئة الأركان المشتركة أن تعرف أننا أمام عالم جديد، وعلى الجنرال <<شيلتون>> أن يعود الآن إلى هيئة أركان حرب ويدرس معها الاحتمالات والممكنات المطلوبة لضبط أمور هذا العالم الجديد، إنني أريد خطة كاملة، وأريد توقيتات محددة، وأريد أن تكون لدي فكرة عن الثمن الذي لا بد أن ندفعه، أريد خيارات واسعة، أريد قرارات عاجلة تواجه أحوالا طارئة، أريد شيئا مؤثرا، شيئا دراميا يلفت الأنظار ويشد!>>.
.....................
.....................
طوال الشهور التالية بعد سبتمبر 2001، يتابع <<بوب وودوارد>> في كتابه تطورات الحرب على <<بن لادن>> وعلى حكومة طالبان وعلى اتساع أفغانستان من خلال اجتماعات <<بوش>> مع مستشاريه، سواء في المكتب البيضاوي للرئيس، أو في قاعة اجتماعات مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.
ثم يستفيض في الحديث عن الطيران الأميركي وقواعد الصواريخ الثابتة أو المتحركة في البحر الأبيض والبحر الأحمر والخليج العربي، وكيف راحت تصب نيرانها على جبال أفغانستان، ويتابع مندوبي المخابرات المركزية يسلمون حقائب الدولارات بالملايين لزعماء القبائل والطوائف لكن النتائج <<لا تزال غير كافية>>، لأن <<أسامة بن لادن>> وأعوانه اختفوا في الظلال ولم يظهر لهم أثر، وانفكت دولة طالبان، وتحفزت قوات التحالف الشمالي الذي تشرف عليه وكالة المخابرات المركزية الأميركية تحاول إقامة حكومة جديدة في أفغانستان، وتجري اتصالات بملك أفغانستان العجوز <<محمد ظاهر شاه>> الذي اختار العاصمة الإيطالية منفى اختياريا له ومقاما، حتى يعود إلى وطنه ليرأس اجتماعا قبليا <<لويا جيرغا>>، تحضره الفرق المتنازعة في أفغانستان، لأن البلد كله يوشك بعد الفوضى العارمة التي اجتاحته أن يسقط في هاوية حرب أهلية تحول أديانه القمعية وسط الجبال الشاهقة إلى بحيرات دم أسود بأحقاد الثأر والطمع.
لكن ذلك كله مما يتابعه <<بوب وودوارد>> ويرصده لا يزال بعيدا عن تحقيق رغبات الرئيس <<بوش>>، خصوصا أن الجنرال <<مايرز>> (رئيس أركان الحرب الجديد) لم يتوان لحظة عن لفت الأنظار إلى <<أن القوات الأميركية لم تجد في طول أفغانستان وعرضها غير تسعة أهداف فقط تستحق الضرب، وهذه الأهداف التسعة تم ضربها فعلا، ولم يعد باقيا شيء، لدرجة أن الضربات الآن توجه إلى ما سبق ضربه وسلاح الدمار ينصب الآن على ما تم بالفعل تدميره.
ويروي <<بوب وودوارد>> أن القوات الأميركية التي وصلت إلى أفغانستان، وراحت تطل على ذلك البلد عن قرب روعها أن الناس هناك يحتاجون إلى الطعام قبل الصواريخ، وفي لحظة من اللحظات رَقَّ قلب الرئيس <<بوش>>، وتذكر رسالته المقدسة ليقول: <<علينا أن نحاول تخفيف آلام هؤلاء الناس، دعونا نضربهم بطرود الطعام>>، ثم استدرك بسرعة: <<لكني أريد حريقا هائلا من النيران يتحقق به التطهر، وعندها يكون الغفران لأننا جميعا أبناء الله>>.
ثم يعود الرئيس الأميركي كي يلح على <<أنه لم يحصل بعد على <<الانفجار العظيم>> الذي أراده وطلبه!>>.
وينتقل <<بوب وودوارد>> بالتفاصيل إلى كواليس البيت الأبيض، حيث تبدأ مجموعة مستشاريه داخل هيئة البيت الأبيض بالقلق، ومبعث القلق عدة أسباب:
1 الحملة في أفغانستان يمكن أن تنتهي دون أن يحقق الرئيس <<بوش>> ذلك العمل الدرامي الذي يأمل به.
2 وإذا مضت الأمور على هذا النحو <<الفاتر>>، فمن المشكوك فيه أن يستطيع الرئيس <<بوش>> أن يقود حزبه في انتخابات التجديد النصفي (نوفمبر 2002) إلى انتصار ضد الديمقراطيين، وقد يفقد الحزب الجمهوري أغلبيته الضئيلة (وهو صوت واحد) في مجلس الشيوخ.
3 وإذا حدث ذلك فإن ترشيح الحزب لبوش لمدة رئاسة ثانية (سنة 2004) قد يتأثر، كما أن فوزه أمام مرشح ديمقراطي (<<آل غور>> أو <<هيلاري كلينتون>> أو أي حصان أسود يظهر فجأة ليتقدم صفوف الحزب الآخر) قد يصبح موضع شك، خصوصا أن ما جرى في الانتخابات الرئاسية السابقة يصعب تكراره لاحقا.
وعليه فإن القضية لم تعد الإرهاب، ولا <<بن لادن>>، ولا أفغانستان، وإنما هي مستقبل الرئيس وسِجلّ إدارته.
وهكذا ينتقل مركز الثقل في القرار الأميركي إلى هيئة مستشاري البيت الأبيض، وفيها ثلاثة رجال وامرأة:
الرجال هم: <<أندرو كارد>> (رئيس أركان البيت الأبيض) و<<كارل روفي>> (كبير مستشاريه للشؤون السياسية الداخلية) و<<آري فلايشر>> (المتحدث الصحافي باسمه).
والمرأة هي السيدة <<كارين هيوز>> المسؤولة عن العلاقات العامة (بما فيها المكتب الخاص المكلف بإعداد خُطب الرئيس).
.....................
.....................
صورة!
مع بداية الفصل الخامس عشر من كتابه (صفحة 205)، يصل <<بوب وودوارد>> في روايته إلى حيث يقول:
صباح يوم الأحد 7 أكتوبر، كان <<كارل روفي>> (كبير مستشاري الرئيس للشؤون الداخلية) في بيته شمال غرب واشنطن، لقد انقضت أسابيع منذ وقعت هجمات 11 سبتمبر، ولم تكن تلك بالنسبة لهذا الرجل فترة سعيدة، لقد عرف <<جورج بوش>> (الابن) أثناء عمله السابق مع والده، وأصبح مستشاره الانتخابي عندما طرح ترشيح <<دوبيا>> للرئاسة جديا، ولم يكن <<روفي>> قد حضر أيا من اجتماعات رئيسه مع كبار أعضاء إدارته من الوزراء، ولا شارك في اجتماعات مجلس الأمن القومي، وسبب استبعاده أن الرئيس <<بوش>> ونائبه <<تشيني>> توافقا على أنه ليس من المستحسن مشاركة مسؤول عن السياسة الداخلية في اجتماعات إدارة الأزمات الدولية أو مجلس الأمن القومي المخصصة للحرب ضد الإرهاب، لأن ذلك خلط بين <<الخارجي والداخلي>>، فتلك هي التقاليد، ومخالفتها الآن قد تعطي إشارات خاطئة.
وكان <<روفي>> يتفهم ذلك، لكنه يوما بعد يوم أخذ يقتنع ويزيد اقتناعه بأن القرارات السياسية المهمة أوشكت أن تتداخل مع الاعتبارات المباشرة والحيوية التي تخص مستقبل <<بوش>> وإدارته، وكان ذلك التداخل يلح عليه بصرف النظر عن حرب أو لا حرب، واعتقاده الراسخ الآن أن الحكم على <<بوش>> في فترة رئاسته الأولى وفرصته الرئاسية الثانية سوف يتأثر سلبا وإيجابا بما جرى يوم 11 سبتمبر وبما يجري بعده.
كان <<روفي>> يعتبر نفسه <<مهندس>> نجاح <<بوش>> في انتخابات الرئاسة سنة 2000. وكان قد دعا يوم الجمعة 5 أكتوبر إلى اجتماع في مكتبه، لاحظ فيه المجتمعون أن شعبية <<بوش>> قد وصلت إلى الذروة، ولامست نسبة 90% (وفق استطلاعات وكالة A.B.C وجريدة الواشنطن بوست معاً).
وقد علق <<روفي>> على هذه الأرقام بقوله:
<<إن هذه النسبة مزعجة بمقدار ما هى مريحة، والسبب أن دراسة التجارب السابقة تشير إلى أن ارتفاع شعبية أي رئيس إلى هذا الحد سوف يتبعها في ظرف أسابيع قليلة هبوط ضروري صغير أو كبير ذلك يتوقف على الظروف كما حدث في تجربة <<جورج بوش>> (الأب)، والآن (الجمعة 5 أكتوبر) قرر <<كارل روفي>> أن يذهب إلى مقابلة الرئيس (الابن) قبل أن تنقله الهليوكوبتر إلى <<كامب دافيد>> لعطلة نهاية الأسبوع، وقصده أن ينبهه مبكرا إلى الاحتمالات، وبالفعل فقد لحق به في مكتبه يقول له: <<إنه في وقت حرب الخليج (الكويت) سنة 1991، وصلت شعبية والده إلى 82%، لكنها في ظرف ثلاثين أسبوعا تراجعت إلى نسبة 59%، ثم ظلت تتراجع حتى خسر معركة الانتخابات وفاز <<بيل كلينتون>>.
وحاول <<بوش>> (الابن) أن يتظاهر بعدم الاهتمام، فقال لرئيس أركان البيت الأبيض:
<<لا تضيّع وقتي بمثل هذه الأرقام لأنها مزاجية، وأنا أعتبرها بمثابة وضع إصبع على النبض لقياس سرعته في أوقات يتغير فيها الشعور العام في ظرف ساعات قليلة>>.
لكن <<روفي>> كان يعرف عن اهتمامات رئيسه بأكثر مما يدعي به الآن، فهو من تجربته يرى <<بوش>> يصرف وقتا طويلا كل يوم في متابعة قياسات الرأي العام، ويحصي أرقامها ولاية بعد ولاية!
صورة!
وانتظر <<كارل روفي>> عدة أسابيع ثم قرر على مسؤوليته أن يحاول استطلاع الحقائق بشأن ما يجري، ومع أنه يتابع أخبار الضرب الذي بدأ في أفغانستان، فإنه يشعر على نحو ما بأن الأمور ليست على الطريق الصحيح من وجهة نظر انتخابية على الأقل وذلك ما يهمه وكذلك ذهب بنفسه إلى مقابلة وزير الدفاع <<دونالد رامسفيلد>> يسأله عن سر هذا الفتور في إيقاع الحوادث، ورد عليه <<رامسفيلد>>:
<<لأن الأهداف في أفغانستان انتهت، لم تعد هناك أهداف نضربها، لم تكن في أفغانستان من الأصل أهداف تستحق الضرب!>>.
وسأله <<كارل روفي>>: <<إذن فكيف نواصل الحرب؟>>.
ورد عليه <<رامسفيلد>> بسؤال: <<قل لي كيف يمكن أن نكسب حربا لا نستطيع فيها أن نركز على عدو؟!>>.
وأبدى <<روفي>> هواجسه من العواقب السياسية لهذا الفتور في وتيرة حرب لم تعد لها أهداف تركز عليها، ورد عليه <<رامسفيلد>> بقوله:
<<إنهم لا يريدون أن يأخذوا أية مخاطر.. لا تفعل شيئا ولن يلومك أحد، تحرك لتفعل شيئا وسوف يحصون عليك الأخطاء، وأنا شخصيا مستعد لاحتمال التبعات، لكن المهم أن نتحرك>>.
واستطرد <<رامسفيلد>>:
<<هناك نقطة سوف يتحتم علينا عندها أن نقوم بشيء ما في مكان آخر من العالم، مكان آخر غير أفغانستان، ذلك ما قلته وكررته، وما زلت أقوله وأكرره، لكن هناك من لا يريدون أن يسمعوا، لا بد أن نوجه ضرباتنا بعد الآن إلى الدول الراعية للإرهاب، الدول الإرهابية.. العراق أولها <<صدام حسين>> ليس له صديق في العالم يدافع عنه حتى في روسيا وفي الصين، وهو رجل يصعب على أحد أن يقول كلمة طيبة في حقه>>.
ثم يزيد:
ليس لدينا على أي حال نقص في قائمة هذه الدول: هناك إيران، سوريا، السودان، ليبيا، وبالطبع كوريا الشمالية.
وتنعقد في البيت الأبيض اجتماعات ومناقشات وبحث عن خيارات تبدو ممكنة أو حتى مستحيلة، وحلت لحظة تلاقت فيها الضرورات الانتخابية للرئيس، مع الرغبات الملحة للجناح الإمبراطوري في الإدارة (<<ريتشارد تشيني>>، <<دونالد رامسفيلد>>، <<ريتشارد بيرل>>، <<بول وولفويتز>>، وغيرهم..).
لكن كتاب <<بوب وودوارد>> بلغ نهايته، والقرار معلق في الهواء!
خامساً: عندما حلت بغداد محل كابول!
يجيء الدور الآن على صورة أخيرة هي الختام الحقيقي لما كتبه <<بوب وودوارد>>، مع أنها ليست واردة في كتابه <<بوش في حرب>>، وإنما جاء بها كتاب آخر غيره وهو كتاب <<الرجل المناسب>> The Right Man، وذلك مرجع مهم لأن صاحبه وهو <<دافيد فروم>>، كان واحدا من فريق <<كارين هيوز>> (مستشارة العلاقات العامة للرئيس ومسؤولة المكتب الخاص المكلف بكتابة خطبه).
كان <<دافيد فروم>> محررا مرموقا في جريدة <<وول ستريت جورنال>> تميز بقدرته على صياغة الأفكار المعقدة في عبارات مبسطة، ولذلك فإن <<كارين هيوز>> بمشورة من مساعدها <<مايكل جيرسون>> طلبته للعمل في البيت الأبيض حتى تستفيد من مواهبه في كتابة خطب الرئيس <<جورج بوش>>.
وهنا تظهر الصورة الأخيرة وهى خطيرة وتستحق أن تتوقف سرعة عرض الكتاب عندها ابتداءً من صفحة 224 من