مشاهدة النسخة كاملة : أضواء على دور قبيلة بلي في الحضارة العربية الإسلامية
موسى بن ربيع البلوي
01-13-2007, 06:00 PM
س1
( أضواء على دور قبيلة بلي في الحضارة العربية الإسلامية )
***
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : " يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير "
إنا و إن أحسابنا كرمت = لسنا على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائل = تبني و نفعل مثلما فعلوا
المقدمة
إن البحث في تاريخ القبائل العربية يعد محوراً مهماً من محاور فهم حركة التأريخ الإسلامي ، فبيئة الاسلام الأولى بيئة عربية قبلية صميمة ، فعلى أكتاف القبائل العربية قامت دولة الاسلام ، التي شجعت تلك القبائل على التنافس في نصرة الاسلام ، دون أن تحاول تمزيق أو خلخلة البنية الاجتماعية لتلك القبائل ، لا بل أن الدولة الاسلامية في فجر تاريخها حافظت على هوية تلك القبائل ، و ذلك لاعتبارات دينية ، و تنظيمية ، و سياسية ، و عسكرية ، و أمنية ، فقد نظمت الدولة الاسلامية دواوينها الأولى على حسب الأنساب ، و عندما أسكنت القبائل العربية في الأمصار الجديدة ، أسكنت حسب أنسابها ، ليسهل الاستدعاء للجيش ، و ليسهل المراقبة الأمنية ، فيعرف الغرباء و الوافدون لتلك الأمصار و الأحياء الى غير ذلك من الإعتبارات .
وزادت العناية بتلك القبائل عندما أخذت بعض الدول الاسلامية تتكئ على بعضها دون البعض الآخر ، مما أحيا العصبية القبلية التي كانت وبالاً على تلك الدول و أدت في نهاية المطاف الى اضمحلالها و سقوطها و هي في أوج شبابها .
لقد كنت طوال السنوات الماضية متردداً في الخوض في مثل هذا اللون من الدراسات ,وأسباب هذا التردد تعود الى قناعتي بأن عهد التفاخر بالأنساب والأمجاد قد ولى ,وأنه أجدى بنا أن نلتفت الى واقعنا ،ونقدر الأفراد والجماعات على ضوء عطائهم لأمتهم وتفانيهم في خدمة أهدافها.أما السبب الأخر لهذا االتردد فهو أنني أعي أن الباحث عندما يتناول موضوعاً يخصه قد يحيد عن الموضوعية بعض الشيء لذا كنت أتمنى أن يتناول تاريخ هذه القبيلة أحد الباحثين من خارج القبيلة ,وانتظرت سنوات طويلة ,وتحقق ما كنت أتمناه ,فكانت قبيلة بلي محل اهتمام العديد من الباحثين ,فخرجت عدة دراسات تتحدث عن اسهامات بعض رجالات هذه القبيلة في حضارتنا العربية الاسلامية ,التي من أهمها :تاج المفرق في تحلية علماء المشرق (رحلة البلوي)في مجلدين ,لأبي البلقاء خالد بن عيسى البلوي (ت ـ حوالي 780 هـ ـ1378م) الذي قام بتحقيقه الحسن السائح ،و نشر بدعم من صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين حكومة المملكة المغربية و حكومة الامارات العربية المتحدة عام 1404هـ / 1984م ، و ثبت البلوي ، لأبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي ( ت / 938هـ / 1532م ) ، الذي كان موضوعاً لأطروحة الدكتوراه لعبدالله العمراني ، و ذلك بتشجيع من المستشرق الأسباني المعروف الدكتور لويس سيكودي لوثينا ، الذي كان طوال تدريسه في جامعة غرناطة يحث طلابه على تحقيق هذا الكتاب ، و قد صدرت أول طبعة لهذا الكتاب باللغة العربية عن دار الغرب الإسلامي عام 1403هـ / 1983م .
أما كتاب باء ,لأبي الحجاج يوسف بن محمد بن عبد الله البلوي ,المعروف بابن الشيخ (ت\ 604هـ\ 1208م )فقد رأى النور منذ فترة مبكرة اذ صدرت الطبعة الأولى منه في مجلدين عام 1287هـ/1870م وكان محل اهتمام الباحثين في اللغة والأدب والتاريخ .
كما صدر كتاب سيرة ال طولون , لأبي محمد عبد الله بن محمد البلوي ,بعناية محمد كرد علي عام 1358هـ / 1939م ,ونال بعض الباحثين جوائز علمية رفيعة لجهودهم في ابراز مكانة بعض أبناء هذه القبيلة في حضارتنا الإسلامية أمثال الباحثة اللبنانية وداد قاضي التي نالت جائزة الملك فيصل العالمية لجهودها في نشر رسائل بشر البلوي . فضلاً عن حرص بعض المكتبات على إقتناء بعض المخطوطات لبعض علماء هذه القبيلة ، و التعريف بتلك المخطوطات في نشراتها المختلفة لتشجيع الباحثين على تحقيقها ، و لعل الخزانة العامة في الرباط من أهم المكتبات التي تحوي بعض المخطوطات الخاصة بهذه القبيلة إلى جانب مكتبة الأسكوريال في إسبانيا .
لقد فتح هؤلاء الباحثين الباب واسعاً أمامي بعدما حققوا تلك المؤلفات ، و أبرزوا في مقدمات تحقيقاتهم نبذاً مختصرة عن دور هذه القبيلة في بناء حضارتنا العربية الإسلامية في مختلف البيئات و العصور ، عندها رأيت أنه لا حرج من تناول تاريخ هذه القبيلة بشكل خاص ليحذوا حذو أجدادهم فيشمروا عن سواعد الجد و يصلوا ما انقطع من تاريخهم المشرف ، فضلاً عن خدمة المعرفة التاريخية بتقديم معلومات قم تساعد على فهم بعض جوانب تاريخنا المجيد .
لقد واجهت هذه الدراسة في بداية مشوارها بعض الصعوبات من ابرزها ، أن الدارس لمثل هذه الموضوعات لا بد له من تعمق في علم الأنساب ، لأن الكثير من افراد هذه القبيلة قد ينتهي إسمه بإسم فخذ أو بطن من بطون بلي دون ذكر إسم القبيلة ، و حاولت أن أجهد نفسي للتغلب على هذه العقبة فوجدت ذلك يحتاج الى وقت ، و الوقت لا يسعفني خصوصاً عندما قررت مغادرة الوطن العربي ، و فارقت مكتبتي الأثيرة على نفسي ، فقررت عندها ألا أثبت في هذه الدراسة الا من صرحت به كتب التراجم و التاريخ دون لبس بأنه من قبيلة بلي ، أو حتى اتضح أنه لا يمكن تتبع العديد من أبناء هذه القبيلة ممن قاموا بدور مشرف في تاريخنا المجيد ، عندها قررت الاكتفاء بذكر المشاهير فقط لتكون هذه الدراسة نواة لدراسات مستقبلية تكشف بشكل مفصل عن دور هذه القبيلة في تاريخنا المجيد .
لقد جاءت هذه الدراسة في بابين تشتمل على تسعة فصول مسبوقة بمقدمة و تمهيد و مذيلة بخاتمة سجلت فيها بعض الملاحظات التي خرجت بها الدراسة .
و تحدث التمهيد بشكل مختصر عن نسب قبيلة بلي ، و مكانة أبناء هذه القبيلة في التاريخ القديم فضلاً عن الحديث عن موطنها و أهر بطونها و علاقتها بالإمبراطورية البيزنطية و القبائل العربية .
أما الباب الأول فقد أفرد لدور قبيلة بلي في نصرة الاسلام و يحتوي على خمسة فصول تتحدث عن موقف هذه القبيلة من الاسلام ، و جهادها مع المصطفى صلى الله عليه و سلم و دورها في حروب الردة ، و الفتوحات الإسلامية ، الى جانب الحديث عن دور أبناء هذه القبيلة في القيادو الإدارة .
و خصص الباب الثاني لدور قبيلة بلي في الحياة العلمية ، و يشتمل على أربعة فصول ، تناولت إسهامات أبناء هذه القبيلة في مختلف فنون المعرفة من حديث ، و تفسير و قراءات ، و أدب ، و شعر ، و بلاغة ، و نحو ، و رحلة ، و تاريخ و غيرها .
و بعد ، فإن هذه الدراسة مدينة للأخوة الباحثين الذين حققوا بعض الأعمال العلمية لأبناء هذه القبيلة . فعرفوا القارئ العربي و الأجنبي بتراث هذه القبيلة ، فلهم مني نيابة عن أبناء هذه القبيلة خالص الشكر و التقدير ، فقد أفدت من جهودهم في بناء هذه الدراسة . كما أن الشكر موصولاً لكل الذين شجعوا هذه الدراسة و دعموها حتى رأت النور .
و أخيراً أقول ما قال الأجداد إن كان عمل لا يخلو من نقص فما كتبته اليوم قد تغيره غداً ، فإذا نظرت فيه بعد مدة أخذت تتمنى و تقول لو فعلت كذا ، و لو حذفت كذا ، و لو زدت كذا ، و هكذا هو ديدن الإنسان ، فأنا دوماً أردد مع الشاعر قوله :
و ما أبرئ نفسي إنني بشر = أسهو و أخطئ ما لم يحميني قدر
و ما ترى عذراء أولى بذي زلل = من أن يقول مقراً إنني بشر
و الحمد لله رب العالمين
د. سلامه محمد الهرفي البلوي
بالامكان تحميل المادة كاملة من هنا
http://www.bluwe.com/bluwe/showthread.php?p=183171#post183171
ملاحظة /
الحقوق محفوظة لمنتدى بلي الرسمي www.bluwe.com (http://www.bluwe.com/)
و لا أحل نسخه مطلقاً الا بعد وضع رابط المنتدى و الموضوع لا أكتفي بكلمة منقول ( لا بد من وضع الرابط )
موسى بن ربيع البلوي
01-14-2007, 11:32 AM
التمهيد :
لمحة عامة عن قبيلة بلي :
النسب ، المواطن ، علاقة قبيلة بلي بالإمبراطورية البيزنطية و القبائل العربية
نسب قبيلة بلي
تجمع كتب الا نساب والتاريخ على ان قبيلة بلي بطن من بطون قضاعه القحطانيه اليمانيه ,وان قبيلة بلي ينسبون الي بلي بن عمرو بن الحافي بن قضاعه ، الذي انجب فران ،وهني فتفرعت من نسليهما قبيلة بلي ،
وتعد قبيلة بلي من اعظم بطون قضاعه فقد جاء ذكرها في شعر الشاعر الجاهلي النابغه الذبياني ، وأشاد بمكانتها مؤرخون كبار أمثال المقري وابن خلدون, والمقريزي والقلقشندي وغيرهم
فقد جاء في كتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" : "وبنو البلوي ذوو حسب واهل نعيم وتربية ملوكية حياهم الله وبياهم"
ويشيد شيخ المؤرخين ابن خلدون بقوتهم وقدرتهم حيث يقول"... وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة, وكاثروا هناك سائر الأمم, وغلبوا على بلاد النوبة, وفرقوا كلمتهم, وأزالوا ملكهم وحاربوا الحبشة فأرهقوهم إلى هذا العهد"
وتؤكد لنا الدراسات بأن قبيلة بلي منذ ظهور النصرانية تبوأت مكانة مرموقة في مصر من الناحية الاقتصادية, فكانت الإمبراطورية الرومانية تعتمد عليها في نقل التجارة من الهند.
ويبدوا ان هذه المكانة الاقتصادية أضيف إليها مكانة سياسية وعسكرية في العصر الإسلامي ـ كما سيأتي .
بحيث أسندت إمارة بعض المناطق في مصر إلى بعض بطون قبيلة بلي, يقول المؤرخ الكبير القلقشندي مؤكداً هذه الحقيقة " ... والموجود منهم الآن.. بنو شاد, وهم الأمراء الآن, وبنو عجيل بن المريب وهم العجلة وفيهم الإمارة أيضاً" لا بل أنه كانت إليهم حماية الحجية تقديراً لمكانتهم وما يتمتعون به من نفوذ.
موطن قبيلة بلي
أما بالنسبة لموطن قبيلة بلي قبل استقرارها في شمالي الجزيرة العربية فكان بالشحر ثم انتقلوا إلى نجران ثم نزحوا في ظروف لا نعرفها وزمان غير محدد إلى أقصى الشمال الشرقي للجزيرة العربية فانتشروا هناك, فصار لهم ولقبيلتهم الأم قضاعة ملك يمتد ما بين الحجاز والعراق والشام, وكل سواحل خليج العقبة الشرقية , لا بل أن ملكهم امتد حتى جبال الكراك.
ويذكر ابن خلدون أنه من ضمن جنود مملكة تدمر أناس من بني سليح وحلوان وكلهم من قضاعة.
ويؤكد جرجي زيدان بأن بلي كانت في مصر في عهد ظهور النصرانية وكانت منطقتهم مابين القصير وقنا.
لقد حاول العديد من المؤرخين المسلمين تحديد مواطن قبيلة بلي وأماكن انتشارها بعد حركة الفتح, فموطنهم عند ابن خلدون : شمالي جهينة إلى عقبة آيلة على العدوة الشرقية من بحر القلزم " الأحمر", ثم يقول: وأجاز منهم أمم إلى العدوة الغربية , وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة.
أما صاحب نهاية الأرب فحدد منازلهم بقوله" ومنازلهم الآن بالدماء وهي مادون عيون القصب إلى أكرى فم المضيق, وعليهم درك الحج هناك, ومنهم جماعة بصعيد الديار المصرية, قال الحمداني: وديارهم آخميم وماتحتها, قال: واتفقوا هم وجهينة فصار لبلي من جسر سوهاي إلى قمولة وصار لها من الشرق من عقبة قار الخراب إلى عيدان ..."
ويبدو من خلال استقراء المصادر بان انتشار هذه القبيلة اتجه مع حركة الفتح باتجاه مصر والمغرب والأندلس ، فضلاً عن ان هذه القبيلة تعرضت إلى هجرة قصرية إلى مصر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقد نما إلى مسامعه عن طريق أحد عيونه بأن رجلاً من بلي في الشام تنازع مع رجل فصاح ياآل قضاعة ، فأرسل الفاروق من فوره إلى عامله على الشام بأن يسير ثلث قضاعة فسيرهم إلى مصر فتفرقوا فيها
لقد انساحت قبيلة بلي في البلاد المفتوحة تقاتل في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله ، وان محمداً رسول الله ، فكان ابناؤها عنصراً نشطاً في كل مكان حلوا فيه ، وكانوا محل ثقة وتقدير حكام الدولة الإسلامية ، وهذا مايتضح من خلال إسناد المناصب الإدارية والعسكرية العليا لهم ، فضلاً عن كثرة اقطاعاتهم في المناطق المفتوحة .
ومما تجدر ملاحظته بأن قبيلة بلي شديدي الاعتزاز بعروبتهم ولغتهم العربية, وعاداتهم وتقاليدهم العريقة بطريقة أثارت إعجاب المؤرخين, فعندما وصلوا إلى الأندلس فاتحين لم تبهرهم تلك الديار كما بهرت غيرهم فبقوا متشبثين بموروثاتهم الحضارية وذلك على النقيض من الكثير من القبائل العربية التي أصيبت بصدمة حضارية فاندمجت في مجتمعات البلاد المفتوحة, دون تحفظ, فهنا العالم الفحل ابن حزم يؤكد هذه الحقيقه بقوله:"وديار بلي بالأندلس الموضع المعروف باسمهم بشمالي قرطبه ،وهم هناك الي اليوم على انسابهم ،لا يحسنون الكلام باللطينيه ولكن بالعربيه فقط ،نساؤهم ،ورجالهم ،ويقرون الضيف ..وكانت لهم دار اخرى بكورة مورور"
وتذكر لنا المصادر ايضا انه كان لقبيلة بلي اقطاعات واسعه في الاندلس منذ فتره مبكره من فتح هذا المصر فكانت لهم منطقة فحص البلوط الذي ينسب الي البلويين المعروفون ببني الافلاج كما كانوا يشكلون ثقلاً في مدينة اشبيليه ومدينة قرطبه . وفي عهد متأخر يذكر ابن الخطيب"ت 776هـ/ 1374م" ان معظم سكان غرناطه عرب تكثر من بينهم الانساب العربيه ومن بينها البلوي كما كان لابناء قبيلة بلي ثقل في مدينة وادي آش ولكن ابناء قبيلة بلي ملوا حياة الضعف التي كان يحياها الاندلس فغادروه قبيل سقوطه بسنوات قليله مفضلين العيش في كنف دوله قويه ترعى حرمتهم فغادروا الاندلس الوطن العزيز على قلوبهم في محرم 894هـ /28ديسمبر 1488م ،الى تلمسان ومن تلمسان الى وهران سنة 896 هـ/1491 ثم الى تونس 898هـ/1492م،ثم توجهوا بطريق البحر الى القسطنطينيه وقبل الوصول الى القسطنطينيه توفي احد علماء هذه القبيله المشهورين وهو ابو الحسن علي بن احمد بن علي بن احمد بن عبد الرحمن بن داود البلوي الوادي آشي الغرناطي الاندلسي ، وذلك في يوم الاثنين الخامس لرجب من سنة 898هـ،22 ابريل سنة 1493م ،مما اضطر السفن التي تحمل ابناء هذه القبيله الى الرسو في ميناء ششمه حيث دفن يوم السبت .
وواصل البلويون رحلتهم بعد دفنهم لفقيدهم حتى وصلوا الى القسطنطينيه حيث وجدوا المأوى في ظل الدوله العثمانيه ولقوا من سلاطين آل عثمان كل رعايه وتقدير خاصه من قبل السلطان بايزيد الثاني "886-918هـ/1482-1512م" ابن محمد الفاتح ، والسلطان سليم الاول "918-926هـ/1512-1520م" والسلطان سليمان القانوني "926-974هـ/1520-1516م"، حيث شعر البلوين بالطمأنينه وبدأوا يشاركون في الحياة العلمية هناك, فتذكر لنا المصادر أن أبو جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي { ت 928/ 1532م} قد ألف في ربيع الأول عام 908هـ/ سبتمبر 1502م كتاب في شرح القصيدة المعروفة بالرامزة أو الخزرجية وكان ذلك في مدينة غلطة ( من ضواحي القسطنطينية ).
ويبدو أن رعاية الدولة العثمانية لهذه القبيلة قد استمرت حتى سقوط الخلافة العثمانية.
وتمتد ديار بلي هذه الأيام من ساحل البحر الأحمر الشرقي إلى سكة حديد الحجاز , وشمالاً إلى حرة الرها من جهة بني عطية , وجبل شار وما حوله من جهة الحويطات. أما على الساحل فتمتد ديارها من جنوب الوجه إلى ضبه, وفي الداخل يعتبر الحد بينها وبين جهينة , وادي الحمض.
وجاء في معظم قبائل العرب: ديار بلي تقع بين المدينة ووادي القرى من منقطع دار جهينة إلى حدود جذام بالنبك على شاطيء البحر, ثم لها ميامين البر إلى حد تبوك, ثم إلى جبال الشراة ثم إلى معان.
وتجاور قبيلة بلي أربع قبائل رئيسة وهي: عنزه في الشرق, وبنو عطية في الشمال الشرقي , والحويطات في الشمال الغربي , وجهينة في الجنوب.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي نزح قسم من بلي الحجازية إلى مصر والأردن , وزادت هذه الهجرة بعد الحرب العالمية الأولى, لظروف خاصة تتعلق بالصراعات السياسية التي شهدتها المنطقة . ولا تكاد محافظة من محافظات الأردن تخلو من تجمع من تجمعاتهم, ولكن تعد مأدباً, والزرقاء, والكرك والعقبة والأغوار من أبرز منازلهم, ولا يزال أبناء هذه القبيلة في الأردن يرتبطون بروابط وثيقة مع القبيلة الأم في الحجاز.
وتنقسم قبيلة بلي اليوم بشكل عام إلى قسمين مخلد وخزام.
وتنقسم مخلد إلى الهروف, والزبالة, والسحمة, والعرادات, والبركات, والقواعين, وتنقسم خزام إلى وابصة والمواهيب والفواضلة, ولكل فرع من تلك الفروع بفروع عديدة.
وحدد عمر رضا كحالة أفخاذ بلي الحجازيه بـ:الهروف،المعا قله ،الرموط ،الفواضله ،الزباله ،الشامات ،القواعين ،الربطه ،الوابصه ،العرادات ،السهامه .
ومن اشهر بطون بلي الذي استقروا في مصر : بنو عمر ، وبنوهاشم وبنوهرم ،وبنو سواده، وبنوحارثه،وبنوآراش ،وبنوناب، وبنوشاد،وبنوعجيل بن المريب .
موسى بن ربيع البلوي
01-14-2007, 11:33 AM
علاقة قبيلة بلي بالإمبراطورية البيزنطية والقبائل العربية
يحدثنا التاريخ عن قبيلة بلي قضاعه ،القبيلة الأم لقبيلة بلي ،بأن السيادة والسؤدد كان لها على مشارف الشام ،وذلك بفضل ما يتمتع به ابناؤها من شجاعة وجرأة في القتال ،جعلتهم محل تقدير واحترام من حولهم من القبائل ،وهذا دفع بدوره الدول للتسابق لكسبهم إلى جانبها، فيذكر ابن خلدون كما تقدم بأنهم كانوا حلفاء لمملكة تدمر في عهد ملكتها الزباء .
وقد تمكنت قبيلة قضاعة في نهاية المطاف من تأسيس مملكة لها في الشريط الضيق من الشام الممتدعلى حدود الجزيرة العربية، والتي تشمل منطقة مؤاب ،ومعان،ومؤتة.
وما حولها من مشارف الشام ،وذلك بعد الميلاد، لذلك أطلق المؤرخون الاسلاميون على مملكة قضاعة في الشام كلمة مشارف الشام ،وملوك قضاعة في الشام .
وكانت مملكة قضاعة تبعاً للروم طوال وجودها في الشام ،يجمعون لهم الضرائب ، ويجندون لهم الجنود من أبنائهم ليكونوا ضمن الجيوش الرومانية في حروبها ضد أعدائها.
وقد تمكن ملوك قضاعة من إخضاع الغساسنة تغلبوا عليهم في أواخر القرن الثالث للميلاد .
لقد كانت قبيلة بلي تمثل رأس الحرب لقضاعة ،ويبدوا أن الرياسة كانت فيهم عند بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم وليس أدل على ذلك من أن القوة الرئيسة العربية التي قاتلت المسلمين في معركة مؤته لحساب الروم كانت من قضاعه ،حيث كان قائد العرب المتنصره واكثرهم من قضاعه احد سادات قضاعة من قبيلة بلي واسمه مالك بن رافله البلوي ،والذي لقي مصرعه في هذه الموقعه،والذي كان يأتمر بأمره اكثر من مأئة ألف على حد قول بعض الروايات .
ومن المصادفات العجيبة أن نرى في المعسكر الاسلامي أن الذي انقذ الراية الاسلامية من السقوط بعد استشهاد قادة مؤتة الثلاثة رجل من قبيلة بلي .
أن الإمبراطورية البيزنطية ما كان لها أن تعين رجلاً من قبيلة بلي على هذا الجيش العظيم لو لم تكن لهذه القبيله مكانه خاصه في شمالي الجزيره العربية ،ولعل قبول القبائل العربية في شمالي الجزيره العربية بقيادة مالك البلوي هو بمثابة إقرار لسيادة هذه القبيلة في تلك المنطقة .
وكما تقدم رأينا أن الإمبراطوريه البيزنطيه تعتمد على ريجالات قبيلة بلي في مصر في نقل تجارتها من الهند وهذا أن دل على شي إنما يدل على مراعاة حرمة هذه القبيلة عند الإمبراطوريه البيزنطيه اينما حلت .
لقد كانت قبيلة بلي معروفه بين القبائل باالوفاء والكرم ،والشجاعه والامانه ونبل الاخلاق ، وليس أدل على ذلك من شهادة ابنة حاتم الطائي سفانة لها, التي وقعت في اسر المسلمين, ثم من عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم وأطلق سراحها , وقال لها: لا تعجلي حتى يجيء من قومك من يكون لك ثقة يبلغك بلادك.. فقالت: وأقمت حتى قدم ركب من قبيلة بلي, فجئت الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد قدم رهط من قوم لي منهم ثقة وبلاغ, فكساني الرسول صلى الله عليه وسلم وحملني وأعطاني نفقة, فخرجت معهم حتى قدمت الشام, مما كان سبباً في اسلام أخيها عدي بن حاتم الذي غدا فيما بعد من كبار قادة الفتح الإسلامي, ومن هذا الخبر يتضح لنا بأن العلاقة ما بين طيء وبلي كانت على افضل مايكون والا لما وثقت بهم سفانة, والأمر الاخر بأن تجار قبيلة بلي كانوا دائمي التردد على المدينة المنورة قبل إسلامهم, خاصة اذا علمنا بأن بطوناً من بلي كانت قد استقرت في المدينة, وتحالفت مع الأوس والخزرج, وشاركت في يوم بعاث.
كما ان قبيلة بلي ربطتها مصاهرات عديدة مع القبائل العربية في الجزيرة العربية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ان بنو هذيل ابن مدركة بن إلياس كان له من الولد سعد ولحيان ، وعميرة ، وهرمة ، أمهم ليلى بنت فران بن بلي كما ان خؤولة الصحابي الجليل عمرو بن العاص (رضي الله عنه ) من قبيلة بلي ، فضلاً عن العديد من الصحابة الآخرين الذي سنسلط الضوء عليهم في هذه الدراسة .
لقد كانت قبيلة بلي بحكم مجاورتها للإمبراطورية البيزنطية واحتكاكها المباشر مع نصارى بلاد الشام شديدة التأثر بالنصرانية ، فاعتنق بعض افرادها هذة الديانة ، إلا ان القسم الاكبر بقي على الوثنية يشارك بقية القبائل الحج إلى بعض الاصنام ، والتي من اشهرها : ( الاقيصر )الذي كان في مشارف الشام وكانت تعظمة قضاعة ، ولخم ، وجذام ،وعاملة ، وغطفان ، كما كان هناك صنم آحر يبدو ان هذه البيلة كانت تعظمة يقال لة ( باجر ) فضلاً عن تعظيمها لاصنام العرب المشهورة .
ويجب التنبية ان الحديث هنا هو عن قبيلة بلي في شمالي الجزيرة العربية ، ولم يشمل الحدث عن بطون بلي في المدينة المنورة ، والتي سنلقي عليها الضوء من خلال الحديث عن موقف هذة القبيلة من الإسلام .
موسى بن ربيع البلوي
01-14-2007, 11:35 AM
الباب الأول :
دور قبيلة بلي في نصرة الإسلام
الفصل الأول :
موقف قبيلة بلي من الإسلام
لقد وقفت قبيلة بلي (الام ) في شمالي الجزيرة العربية ضد دعوة المصطفى e شأنها شأن القبائل العربية الأخرى في الجزيرة العربية التي رأت في قيام دولة إسلامية قضاءً على سلطانها ونفوذها وتقييداً لحركتها وحريتها التي كانت تسرح وتمرح في ظل أعراف وتقاليد لاتتلاءم في معظمها مع تعاليم الدين الجديد ولكن موقف قبيلة بلي المعارض لدعوة الإسلام كان يذكيه فضلاً عن الإعتبارات السابقة ولاؤها للإمبراطوريةالبيزنطية ، التي جعلت من أفراد هذه القبيلة والقبائل القضاعية الأخرى حراساً لحدودها مع الجزيرة العربية.
لقد كان أول احتكاك مباشر من الناحية العسكرية مابين قبيلة بلي والدولة الإسلامية في السنة الثامنة للهجرة عندما حشدت الإمبراطورية البيزنطية مائة ألف من متنصرة العرب في مؤتة لقيادة رجل من بلي يقال له مالك بن رافلة ،الذي قتل في هذة الموقعة كما تقدم .
والمتأمل لهذا الخبر مرة أخرى يلحظ بان الزعامة في شمالي الجزيرة العربية كانت لقبيلة بلي ، بدليل ان القبائل العربية المتحالفة في مؤتة والمكونة من بهراء ،ووائل،وبكر ، ولخم ،وجذام ، لم يعترضوا على إمارة مالك ابن رافلة ،دلالة على تسليمهم وانقيادهم واعترافهم بتميز هذة القبيلة وزعيمها . لا بل ان اختيار مالك من قبل بيزنطة يدل دلالة لاتقبل النقاش على مكانة هذة القبيلة في هذة الفترة من الناحية العسكريه والسياسيه ، فالأختيار لم يكن عشوائياً ، بل كان يراعي حسابات قبليه دقيقة .
ويبدوا ان قبيلة بلي لم تقبل بنتيجة موقعة مؤتة ، فاخذت بدعم من الإمبراطورية البيزنطية تحرض القبائل في شمالي الجزيرة العربية على الدولة الإسلامية ، وتحشد الحشود من أجل غزو المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية الناشئة ، وفور تلقي المصطفى e لهذة الأنباء المزعجة ، سارع بتوجية حملة عسكرية اختير قائدها بعناية فائقة .. فقد وقع الأختيار على الصحابي عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) الذي تعتبر قبيلة بلي خؤولتة وذلك من أجل استئلاف قلوبها ، ولتقدر خطورة جموع قبيلة بلي ان المصطفى e أرسل خيرة اصحابة في هذة الحملة امثال : الصديق ، الفاروق ، ابو عبيدة (رضي الله عنهم ) ، وذلك بعد ان طلب عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) النجده ، فبلغ عدد جيش عمرو بن العاص (رضي الله عنه ) خمسمائة مقاتل فاسروا في الليل والنهار ، حتى وطىء الجيش بلاد بلي ودوخها حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلي ، وعذرة ، وبلقين ،في الغزوة المعروفة بذات السلاسل .
لقد كانت هذة آخر محاولة لقبيلة بلي لمقاومة الدعوة الإسلامية داخل حدود الجزيرة العربية ، وبدأت هذة القبيلة تلاحظ انفضاضالقبائل العربية من حولها وانضمامها لدولة المصطفى e ، فأخذت تراقب الأوضاع ، وتصيخ أذانها لاخبار هذا الدين الجديد .
لقد بدا شعاع هذا الدين يتسرب إلى أبناء قبيلة بلي (الأم) من خلال الإحتكاك المباشر مع دعاة المصطفى e نفسة ، ورؤيتة للمعجزات بأم أعينهم ، فيروي لنا المقزيزي ، أن الذي فرج عن الجيش الاسلامي عندما اشتد به العطش في تبوك ،امرأة من بلي ، فقال :عطش العسكر في تبوك فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأرسل أسيد بن حضير في يوم صائفوهو متلثم ،فقال :عسى أن نجد لنل ماء –فخرج أسيد –وهو فيما بين الحجر وتبوك –فجعل –يضرب في كل وجه ،فوجد رايوة من ماء مع امرأةمن قبيلة بلي ،فكلمها وأخبرها خبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت :هذا الماء ,فانطلق به ,فدعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالبركه
ثم قال هلموا اسقيكم فلم يبق معهم سقاء إلا ملأوه ثم دعا بركابهم وخيولهم فسقوها حتى نهلت وفي روايه ولما قدمت على أهلها قالوا لها :لقد احتبست علينا قالت :حبسني أني رأيت عجباً من العجب ارأيتم مزادتي هاتين ؟فوالله لقد شرب منها قريب من سبعين بعيراً ،واخذوا من القرب والمزاد والمطاهر مالا احصي ثم هما الان اوفر منهما يومئذ، فلبثت شهراً عند أهلها ثم أقبلت في ثلاثين راكباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت واسلموا .
وفد قبيلة بلي على رسول الله e :
في شهر ربيع الأول من السنة التاسعة للهجرة نور الله قبيلة بلي (الأم) للإسلام ،وجاء وفدهم الى المديبه المنوره ،ليعلن إسلامهم أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيادة شيخهم أبو الضبيب ،فنزلوا على الصحابي الجليل رويفع بن ثابت البلوي (رضي الله عنه )، وأنزلهم في منزله ،ثم قدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:هؤلاء قومي ،فقال له رسول الله e ( مرحباً بك وبقومك ) ،فأسلموا، وقال لهم رسول اللهe (الحمد لله الذي هداكم للإسلام ،فمن مات منكم على غير الإسلام فهو في النار ) .
وفي روايه أكثر تفصيلاً عن رويفع بن ثابت البلوي (رضي الله عنه ) قال :قدم وفد قومي ،فأنزلتهم علي ،ثم خرجت بهم حتى انتهينا الى رسول اللهe وهو جالس في اصحابه ،فسلمنا عليه فقال صلى الله عليه وسلم رويفع ؟فقلت: لبيك ،قال : من هؤلاء القوم ؟ قلت : قومي يا رسول الله ، قال : مرحباًبك وبقومك . قلت : يارسول الله قدموا وافدين عليك ، مقرين بالإسلام ،وهم على من ورائهم من قومهم ،فقال رسول اللهe : " من يرد الله به خيراً يهديه للإسلام " فتقدم شيخ الوفد أبوالضبيب فجلس بين يدي رسول اللهe ، فقال :يارسول الله أنا وفدنا إليك لنصدقك ،ونشهد أنك نبي حق ونخلع ما كنا نعبد وكان يعبد آباؤنا ، فقال r ( الحمد لله الذي هداكم للإسلام فكل من مات على غير الإسلام فهو في النار )
وقال أبو الضبيب : يا رسول الله إن لي رغبة في الضيافة ، فهل لي في ذلك أجر ؟ قال r : نعم وكل معروف صنعته إلى غني او فقير فهو صدقة ) فقال : يا رسول الله وما وقت الضيافة؟ قال r ( ثلاثة أيام فما بعد ذلك صدقة ، ولا يحل للضيف أن يقيم عندك فيحوجك ( أي يضيق عليك ) وفي لفظ : فيؤثمك ، أي يعرضك للإثم ،أي تتكلم بسيء القول ، قال : يا رسول الله ، أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض قال r : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، قال : فالبعير ؟ قال : مالك وله ؟ دعه حتى يجده صاحبه .
قال رويفع رضي الله عنه : ثم قاموا فرجعوا إلى منزلي ، فإذا رسول الله r يأتي منزلي يحمل تمراً، فقال : استعن بهذا التمر ، فكانوا يأكلون منه ومن غيره ، فأقاموا ثلاثة أيام ، ثم ودعوا رسول الله r وأجازهم ورجعوا إلى بلادهم .
وتذكر لنا المصادر بأن بطون بلي الأخرى المنتشرة في مختلف أنحاء الحجاز بدأت تتوافد على رسول الله r ، وقد أوردت لنا تلك المصادر نص كتاب كتبه المصطفى لأحد هذه الوفود وهو وفد بني جعيل من قبيلة بلي وجاء نص الكتاب على النحو التالي : إنهم رهط من قريش ، ثم من بني عبد مناف ، لهم مثل الذي لهم وعليهم مثل الذي عليهم .وإنهم لا يحشرون ولا يعشرون ، وإن لهم ما أسلموا عليه من أموالهم . وإن لهم سعاية نصر وسعد بن بكر وثمالة وهيل .
وبايع رسول الله r على لك : عاصم بن أبي صيفي ، وعمرو بن أبي صيفي ، والأعجم بن أبي سفيان ، وعلي بن سعد ، وشهد على لك العباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ، وأبو سفيان بن حرب "
ونص هذا الكتاب يؤيد الرواية التي جاءت في الإصابة بأن قسماً من بلي قد حالف على ما يبدو عبد مناف فنسبوا إليهم ، فقد روى البغوي من طريق عبد العزيز بن عمران عن جهم بن مطيع عن علي بن جهم البلوي عن أبيه قال : وافانا رسول الله r فسألنا من نحن فقلنا نحن بنو عبد مناف ..."
وبرجوع وفد بلي إلى مضاربة تبدأ صفحة الجهاد والتضحية من أجل التمكين لدين الله في الأرض باللسان والسنان ، وهذا ما سنعيش معه في الصفحات التالية إن شاء الله .
موسى بن ربيع البلوي
01-14-2007, 11:36 AM
موقف قبيلة بلي من الإسلام في مكة المكرمة:
إن المتأمل لتاريخ هذه القبيلة العريقة يلاحظ بشكل عام أن موقفها من دعوة الإسلام ينقسم إلى قسمين : موقف القبيلة الأم في شمالي الجزيرة العربية ومشارف الشام ، الذي لاحظنا بأنة يتصف بالعداء والمقاومة للدعوة الإسلامية وصلت إلى حد قيادة الجموع العربية في غزوة مؤتةلكسر شوكة الدولة الإسلامية الناضة، أو من خلال الحشود التي تلت موقعة مؤتة ، وأعني بذلك الحشود التي كانت سبباًفي موقعة ذات السلاسل .
أما القسم الثاني لموقف هذة القبيلة ، فكان متمثلاً بتلك الجماعات التي انفصلت عن القبيلة الأم ، واستقرت في المدينة المنوره ، وتحالف بعضها مع الأوس وبعضها الآخر مع الخزرج ، فهؤلاء موقفهم يختلف تماماً عن موقف القبيله الأم ، فكانوا أنصاراً للإسلام منذ فترة مبكرة ، وناصروا الرسول r باللسان والسنان ، ولم يتخلفوا عنه في موقعة من مواقعة مع الأعداء ، لا بل أن أفراداً من هذة القبيلة أسلموا على يد رسول الله r منذ فترة مبكرة من حياة الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة .
فتحدث كتب السيرة والتاريخ والتراجم أنة كان أحد الستة الذين لقوا رسول الله r قبل بيعة العقبة الأولى أحد أفراد هذة القبيلة وهو الصحابي مالك بن التيهان بن مالك أبو الهيثم البلوي ، حليف بني عبد الأشهل ، وشارك كذلك ببيعتي العقبة الأولى والثانية ، وهو أول من بايع رسول الله r ليلة العقبة فيما زعم بنو عبد الأشهل .
لقد استيقظت الفطرة عند أبي الهيثم منذ فترة مبكرة من حياتة ، فكان من الموحدين في جزيرة العرب هو وأسعد بن زرارة ، وكان يكرة الأصنام في الجاهلية ، ويؤكد ابن سعد انه أول من أسلم من الأنصار في بمكة ، ويجعلة في الثمانية نفر الذين آمنوا برسول الله r بمكة من الأنصار ، فأسلموا قبل قومهم ، وفي الستة نفر الذين لقوا رسول الله r من الانصار بمكة فأسلموا قبل قومهم وقدموا المدينة وأفشوا بها الإسلام .
ويذكر ابن سعد ايضاً ان أبا الهيثم شهد العقبة مع السبعين من الأنصار وهو أحد النقباء الاثني عشر ، وآخى الرسول r بينه وبين عثمان بن مظعون .
وكان رسول الله r يبعثة إلى خيبر خارصاً فخرص عليهم التمر ، وذلك بعد استشهاد عبد الله بن رواحة ، فلما توفي النبي r طلب منة الصديق ( رضي الله عنه ) أن يخرص فأبى ، فقال له : قد خرصت لرسول الله r فقال : إني كنت إذا خرصت لرسول الله r فرجعت دعا لي ، قال : فتركة .
ولم يكن أبو الهيثم البلوي الوحيد الذي سجل لنا التاريخ اسمه في صحيفة السابقين للإسلام ، فهناك غيرة الكثير من أبناء هذة القبيلة ، فمنهم أيضاً على سبيل المثال لا الحصر يزيد بن ثعلبة بن خزمة البلوي الذي شهد بيعتي العقبة الولى والثانية ، وكذلك شهد العقبتين الصحابي معن بن عدي البلوي الأنصاري حليف الأوس الذي بايع المصطفى r على السمع والطاعة في الشدة والرخاء ، فلم يحنث ببيعته فكان مثالاً للجندي المجاهد المتفاني في خدمة دينه وطاعة قائده المصطفى r ، فلم يتخلف عن غزوة غزاها النبي r .
وكان الرسول r قد آخى بينه وبين زيد بن الخطاب ، أخو الفاروق ( رضي الله عنه ) ، فاستشهدا في موقعة اليمامة .
ومن مواقفة الإيمانيه الصادقة مارواه مالك عن ابن شهاب عن سالم عن ابيه قال : بكى الناس على رسول الله عليه وسلم حين انتقل إلى الرفيق الأعلى وقالوا : والله وددنا أنا متنا قبله ، ونخشى أن نفتتن بعده ، فقال معن بن عدي البلوي : لكني والله مأحب أن اموت قبله ، لأصدقه ميتاً كما صدقته حياً .
لقد بر بوعده وأخلص لرسوله القائد في حياته وبعد مماته ، وخر شهيداً مع صديقه الأثير زيد بن الخطاب في موقعة اليمامة كما سيأتي .
ومن الصحابة الآخرين من هذه القبيله الذين شهدوا بيعة العقبه من السبعين من الأنصار ، الصحابي أبو بردة بن نيار البلوي خال الصحابي البراء بن عازب ، الذي شهد مع النبي r كل المشاهد ، والذي تجرد لرفع راية الإسلام منذ أول يوم لدخوله في هذا الدين فتذكر لنا المصادر انه بعد اسلامه كان يكسر اصنام بني حارثة .
ومن الصحابة ايضاً الذين شهدوا بيعة العقبة الكبرى من بلي عبيد بن التيهان البلوي الذي آخى الرسول صلى الله علية وسلم بينه وبين الصحابه مسعود بن الربيع القاري ، وقد شهد عبيد بدراً وأحداً وقتل يوم احد شهيداً
ومنهم خديج بن سلامه بن اوس بن عمرو بن كعب البلوي حليف الانصار ، وقال ابن سعد : شهد خديج وزوجه ام منيع بنت عمرو بن عدي بن سنان العقبه وولدت شباث ليلة العقبه ( وشباث بضم أولة وتخفيف ثانيه )
ومنهم النعمان بن عمرو بن عبيد بن وائلة البلوي الذي شهد بيعه العقبة وشهد بدراً
موسى بن ربيع البلوي
01-17-2007, 11:36 AM
الفصل الثاني :
جهاد أبناء قبيلة بلي مع المصطفى صلى الله علية وسلم :
غزوة بدر الكبرى ( 17 رمضان 2 هـ / 623 م )
بعد أن سجل ابناء هذه القبيلة السبق الى الاسلام منذ أن كان مضطهداً في مكة المكرمة نجدهم يبرهنون على صدق ايمانهم في الدفاع عن الدولة الاسلامية الناشئه في المدينه المنوره ، واضاف الى سجل امجادهم صفحات مضيئة من خلال تسابقهم في طلب الشهادة من أجل إعلاء كلمه لا اله الا الله وان محمد رسول الله ، وهذا يتضح من خلال المواقف البطولية التي سجلها أبناء هذه القبيله منذ غزوة بدر الكبرى ، التي اعطت لمن شارك فيه
ا فضيلة لا تبارى لأنها اللقاء الأول الفاصل ما بين الكفر والايمان،وسنعيش خلال الصفحات التالية مع صور من البطولة والتضحية لأبناء هذه القبيلة من أجل العقيدة ونصرة الإسلام .
وتطالعنا الصورة الاولى لمواقف ابناء هذه القبيلة عندما يتبارون في التسابق للانضمام الى جيش الرسول r المتوجه الى بدر ،فهاهو الصحابي أبو أمامة ،إياس بن ثعلبة البلوي يختلف مع خاله الصحابي أبو بردة بن نيار البلوي ، حول الخروج الى بدر ، وكانت أم أبو أمامه مريضة وتحتاج إلى رعاية ، فقال الخال لابن أخته أبو أمامه بأن يقيم مع أمه ولا يخرج مع المصطفى r، إلى بدر ، فرد إبن الأخت المتشوق إلى لقاء الأعداء بل أنت ياخال تبقى مع أختك ، وعندما إشتد الجدل بين الرجلين رفع الأمر إلى رسول الله r الذي أمر أبا أمامة بالمقام مع أمه،وخرج أبو بردة ، وعندما رجع المصطفىr وجد أم أبو أمامة قد توفية فصلى عليها.
اجل انها صورة رائعه ان يتسابق الاقارب في الخير وطلب الدرجات العلى عند رب العالمين وفي ذلك فليتسابق المتسابقون .
اما سواد بن غزية البلوي الانصاري فيقدم لنا صورة مفعمة بالحب لقائده المصطفى r وتفصيل الامر ان النبي r قبيل الاشتباك مع كفار قريش في بدر أخذ يعدل الصفوف وفي يده قدح أو عود فمر بسواد بن غزيه البلوي فطعنة في بطنه ، فقال : اوجعتني فاقدني ، فكشف المصطفى r عن بطنه فاعتنقه سواد وقبل بطنه ، فدعا له r بخير .
ويقدم لنا ابن سعد روايه أكثر تفصيلاً من الروايه السابقه حيث يقول : وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع النبي r وهو الذي طعنه النبي r بعود أو سواك في بطنه فماد في بطنه فأثر في بطنه فقال :القصاص يا رسول الله ، قال رسول الله : القصاص ،وكشف له عن بطنه، فقالت الانصار: ياسواد رسول الله ،فقال : ما لبشر احد على بشري من فضل ، قال : وكشف له عن بطنه فقبله وقال اتركها لتشفع لي بها يوم القيامه .
لقد ابلى سواد بلاءً حسناً في بدر وهو الذي أسر خالد أبن هشام المخزومي يوم بدر ، وقد أستعمله رسول الله r على خيبر كما جاء في رواية ابي سعيد وابي هريره .
وكان للصحابي الجليل المجذر بن عمروبن أخزم البلوي موقف بطولي في غزوة بدر ، فقد تمكن المجذر الإحاطه بأبي البختري بن هشام ، وكان الرسول r قد نهى عن قتله لمواقفه المشرفه من النبي r في مكة المكرمة قبل الهجرة ، ولكنه قتل على يد المجذر ، فقد لقيه المجذر في المعركة وأصبح تحت رحمة سيفة ، وقال له : يا أبا البختري ،أن رسول الله r قد نها نا عن قتلك ،فاستأسر وكان مع أبي البختري زميل له يقاتلان سوياً ،فقال : وزميلي :فأبلغه المجذر ألامر صادر بشأنه فقط ، أما زميله فلا يمكن تركه بتاتاً فرفض أبو البختري الحياه ،وقال :إذن لأموتن أنا وهو جميعاً ثم اندفع يقاتل وهو يقول :
لن يسلم ابن حرة زميله حتىيموت او يرى سبيله
فاضطر المجذر إلى مقاتلته فلا يزال يحاول حتى قتله .
ومن الجدير بالملاحظة أن أخو المجذر عبد الله ، وابن عمهما عبادة بن الخشاش بن عمرو بن زمزمة البلوي قد شهدوا جميعاًبدر .
ومن الصحابة من قبيلة بلي الذين شهدوا غزوة بدر الكبرى عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة ،أبو عقيل البلوي ،الذي كان اسمه في الجاهليه عبد العزي فسماه الرسول r عبد الرحمن عدو الاوثان.
ومنهم عبدالله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن عدي بن الجد البلوي الأنصاري ،الذي كان بطل من الأبطال المشهود لهم بالشجاعه وفي الوقت نفسه كان يعتز بقبيلته وبشجاعته في أشعاره ،فكان يقول :
أنا الذي يقال أصلي من بلي أطعن بالصعدة حتى تنثني
ومنهم ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن الجد البلوي وابن عمه زيد بن أسلم بن ثعلبة البلوي وعبد الله بن طارق بن عمرو بن مالك البلوي وكعب بن عجزة بن أمية بن عدي البلوي والنعمان ابن عصرالبلوي وعبدالله بن عامر البلوي وعامر بن سلمة بن عامر بن عبدالله البلوي والنعمان بن عمرو بن عبيد بن وائلة البلوي وعبدة بن متعب بن الجد بن عجلان البلوي ومتعب بن عبيد ويقال عبدة بن إياس البلوي حليف بني ظفر من الأنصار وعبيد بن أبي عبيد البلوي ومرة بن الحباب بن عدي بن الجد بن العجلان البلوي ورافع بن عنجدة البلوي وبحاث بن ثعلبة البلوي, وأخوه عبد الله وربعي بن رافع بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلان البلوي ومعن بن عدي البلوي ومالك بن التيهان أبو الهيثم البلوي.
أما الصحابي عاصم بن عدي البلوي فقد خرج مع رسول الله e فكسر فرده النبي e من الروحاء واستخلفه على أهل العالية وأهل قباء لشيء بلغه عنهم, وضرب له بسسهمه وأجره, فاتفقواعلى ذكره في البدريين وأنيف بن جشم ابن عوذ الله بن تاج البلوي.
إن هذا العدد الضخم من أبناء قبيلة بلي المشاركين في غزوة بدر الذي يقارب الثلاثين من جيش تعداده 313 جندي – أي يقارب 10% - يدل على ثقل حجم هذه القبيلة في المدينة المنورة, ومكانة أفرادها في دولة المصطفى e وهو رقم يحتاج لمزيد من التأمل والتحليل لتسليط الضوء على التركيبة الاجتماعية لسكان المدينة المنورة, ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو ماهي الأسباب التي حدت بهذا العدد الضخم من قبيلة بلي ترك القبيلة الأم والاستقرار في المدينة المنورة ؟ إن المصادر لا تسعفنا للإجابة عن هذا السؤال, ولكن الذي يفهم من المصادر هو أن عوامل تتعلق بنزاعات قبيلة فضلاً عن عوامل سياسية واقتصادية دفعت قسماً من أبناء هذه القبيلة للاستقرار في المدينة المنورة.
غزوة أحد (15 شوال 3هـ/ 624م):
إن مشاركة أبناء قبيلة بلي في غزوة بدر كانت كبيرة من الناحية العددية فضلاًعن بطولاتهم وتضحياتهم المباركة فإنه لم يسقط منهم شهداء,ولم تقل مشاركتهم في غزوة أحد عن مشاركتهم في بدر الكبرى إلا أن الذي يميز أحداًأن هذا الجبل المبارك قد درجت على صخوره دماء أبناء هه القبيلة فكان لك شهادة صادقة على إخلاصها وتفانيها في خدمة دينها, كما أننا نسجل بكل تقدير وإعجاب ثبات أبناء هذه القبيلة على الإيمان إذ لم يسجل التاريخ حالة نفاق واحدة من أبناء هذه القبيلة فضلاًعن أنها لم ترتد عندما ارتدت معظم القبائل.
لقد كانت غزوة أحد غزوة ثأرية عنيفة كانت قريش تسعى بكل طاقاتها استعادة هيبتها التي أهدرت في غزوة بدر الكبرى, وكانت الجاهلية بكل غطرستها قد حشدت كل ما تقدر عليها من أجل الثأر لقتلاها في بدر, وفي الوقت نفسه كان المسلمون يدافعون عن نبيهم وعن دينهم بكل ما أوتوا من قوة, لذا تعد غزوة أحد من أعنف المعارك التي خاضها الجيش الإسلامي في تاريخه المبكر.
لقد تمكن القرشيون في مرحلة من مراحل القتال من استغلال مخالفة الرماة لأوامر القائد المصطفى e ونزلوا عن الجبل الذي يحمي ظهور الجيش الإسلامي, فالتف خالد ابن الوليد مع فرسانه على الجيش الإسلامي ليغير مجرى المعركة لصالح المشركين, وأصبح وضع المسلمين في غاية الحرج, بعدما استحر بهم القتل, فانفرط عقد الجيش الإسلامي ، خصوصاً عندما سرت شائعة بين الجيش الإسلامي بأن الرسول r قد قتل ،فتخاذل بعض المسلمين عن القتال جزعاً،وانهارت معنويات البعض الآخر .
وفي هذا الوضع العسكري المنهار والروح المعنوية المدمرة هب الصحابي ثابت بن الدحداح بن نعيم بن غنم البلوي ،حليف الأنصار يصيح بأعلى صوته في قومه الأنصار يحرضهم على مواصلة القتال وعدم الاستسلام لليأس ،وكان يقول :"يامعشر الأنصار إلي إلي أنا ثابت بن الدحداحة،إن كان محمد قتل فإن الله حي لايموت ،فقاتلواعن دينكم ،فإن الله مظهركم وناصركم ".
فأيقضت هذه الكلمات الواثقة من نصر الله المسلمين فنهض إليه نفر من الأنصار ، فحمل بهم على كتيبة فرسان المشركين التي فيها خيرة شبابهم فيها خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعكرمة بن أبي جهل ، وضرار بن الخطاب ، ولكن القوة لم تكن متكافئه لا بل ليس هنا وجه مقارنه لا من حيث العدد ولا من حيث العده ، فكان جميع الصحابه مع ابن الدحداح البلوي مشاة ، وكان المشركون فرساناً ، فكانت النتيجه الحتميه استشهاد جميع أصحاب ابن الدحداحأما هو فهناك من يقول بأن خالد بن الوليد قتله برمح وهناك من يقول وعلى رأسهم الواقدي ، بأنه جرح ثم برأ من جراحاته تلك ، ومات على فراشه من جرح كان قد أصابه ثم انتقض به فرجع النبي r في الحديبه سنه 6ه /627م وقد تبع النبي r جنازته حتى فرغ من دفنه.
لقد كان أبو الدحداح البلوي من الذين يسارعون إلى الخيرات ، وقد شهد له رسول الله r بالجنه ، ومن نماذج بذله في سبيل الله مارواه ابن شهاب من أن يتيماً خاصم أبا لبابه في نخله فقضى بها رسول الله r لابي لبابه ، فبكى الغلام ، فقال رسول الله r لأبي لبابه : أعطه نخلتك ، فقال : لا ، فقال : أعطه إياها ولك بها عذاق في الجنه ، فقال : لا .
فسمع بذلك أبو الدحداح ، فقال لأبي لبابه : أتبيع عذقك ذلك بحديقتي هذة ؟ قال : نعم ، فجاء أبو الدحداح رسول الله r فقال : يارسول الله ، النخله التي سألت لليتيم إن أعطيته إياها ألي بها عذق في الجنه ؟ قال نعم . ثم قتل أبو الدحداح شهيداً من إثر جرح جرح به في أحد فقال r :( رب عذق مذلل لأبي الحداحة في الجنة) .
لقد عرف هذا الصحابي بالبذل والسخاء والإستجابه لأوامر ربه دون تلكؤ أو تباطؤ ، فلما نزلت الآيه القرآنيه الكريمه :(( من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا )) كان أبو الدحداح نازل في حائط له هو واهله فجاء إلى امرأته ،فقال:اخرجي ياأم الدحداح فقد أقرضته الله عز وجل ،فتصدق بحائطه على الفقراء والمساكين .
ولم يكن أبو الدحداح الوحيد الذي أبلى بلاء حسناًفي غزوة أحد ،فمن الذين سقطوا شهداء في هذه الغزوة الصحابي المحدر بن ذياد البلوي ، الذي قتل غيلة فأخبر الوحي رسول الله r بقاتله ، فقتله المصطفى r بالمجذر ، وتفصيل ذلك أن المجذر كان قد قتل سويد بن الصامت في الجاهلية ، فهيج قتله وقعة بعاث ، ثم أسلم المجذر ، وأسلم كذلك الحارث بن سويد بن الصامت ، وكان الحارث بن سويد يطلب غرة المجذر ليقتله بأبيه ، فشهدا جميعاً أحد ، فلما اضطرب معسكر المسلمين بعد نزول الرماة ، انتهز الحارث بن سويد وجاء المجذر من الخلف فضرب عنقه وقتله غيلة ، فأتى جبريل ( عليه السلام )رسول الله r فأخبره بأن الحارث بن سويد قتل المجذر غيلة ، وأمره أن يقتله به ، فقتل رسول الله r الحارث بن سويد بالمجذر بن زياد ، وكان الذي ضرب عنقه بأمر رسول الله r عويم بن سعادة على باب مسجد قباء .
هذا وقد دفن المجذر بن ذياد البلوي ، والنعماء بن مالك ، وعبدة بن الخشخاش البلوي في
قبر واحد .
ومن شهاء بلي في غزوة حد الذين سقطوا وهم يذبون عن رسول الله r الصحابي عبدالله بن سلمه بن مالك بن الحارث بن عدي البلوي ، أبو محمد الذي آمن برسالة الإسلام منذ فترة مبكرة ، وتشرف بالمشاركة في غزوة بدر الكبرى ، وقد كان شجاعاً مقداماً ، سقط شهيدا مقبلاً غير مدبر .
وعندما نقل الخبر لأمه أنيسه بنت عدي الأنصارية البلوية احتسبته عند الله ، ولكن عاطفة الأمومة قد دفعتها إلى الإستئذان من رسول الله r بنقل جثته من موقع المعركة في أحد إلى المدينة المنورة لتأنس به ، فأستجاب الرسول r لهذا الموقف العاطفي فأذن لها فنقلته إلى المدينة على ما رواه أصحاب السير ، فعدلته بالشهيد المجذر بن ذياد ، على ناضح ( بعير) في عباءة ، فمرت بهما فعجب لهما الناس ، وكان عبدالله ثقيلاً جسيماً ، وكان المجذر قليل اللحم ، فقال النبي r سوى ما بينهما عملهما .
وقد ذكر ابن سعد أن الذي قتل عبد الله بن سلمه يوم أحد في شوال ، عبد الله بن الزبعري .
ومن الذين درجوا بدمائهم سفوح أحد أيضاً الصحابي عبيد بن التيهان البلوي ، قتله عكرمه بن أبي جهل .
وممن شهد أحد من أبناء قبيله بلي أيضاً .... الصحابي عبيد بن أبي عبيد البلوي ورافع بن عنجدة البلوي وبحاث بن ثعلبة البلوي وأخوه عبد الله ومالك بن التيهان أبو الهيثم البلوي ومرة بن الحباب بن عدي البلوي ومعن بن عدي البلوي وعبدة بن مغيث بن الجد البلوي وأبنه شريك بن عبدة وربعي بن رافع بن الحارث البلوي وأبو بردة بن نيار وكان فرسه أحد فرسين في أحد فرس لرسول الله r وأخرى لابي بردة وزيد بن أسلم وهو أبن عم الصحابي زيد أبن ثابت بن أقرم ونعمان بن عصر ومتعب بن عبيد البلوي وسواد بن غزية البلوي والصحابي معن بن عدي بن الجد بن العجلان البلوي وعبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة أبو عقيل البلوي وعبد الله بن طارق البلوي وغيرهم .
وهكذا نرى مرة آخرى كثافة مشاركة أبناء هذه القبيلة في غزوة أحد قفد بلغ عدد المشاركين فيها ما يقارب الثلاثين ،سقط منهم سبعة شهداء أي 10% من اجمالي عدد شهداء احد وهي شهادة اخرى على بلاء هذه القبيلة في خدمة الإسلام ،وكأن الفرع الذي سكن المدينه المنورة أراد أن يكفر عن خطيئة القبيلة الأم في الشمال التي تأخر إسلامها الى السنه التاسعه من الهجره .
موسى بن ربيع البلوي
01-17-2007, 11:41 AM
شهداء بلي في بعث الرجيع (صفر 4هـ /625م ):
لقد كان لغزوة احد وقع كبير في الجزيره العربيه ، خصوصاً ان قريش بواسطة وسائل إعلامها (الشعراء ) صحافة ذلك العصر صوروا بأنهم حققوا نصراً مؤزراً على المسلمين وانهم ثأروا لقتلاهم في بدر ،وبدا للقبائل العربيه بأن قريش مازالت هي سيدة قلب الجزيره العربيه ، فأخذت بعض القبائل تحاول النيل من المسلمين ارضاء لقريش من جانب ، ومن اجل الكسب المادي من الجانب الأخر ، لأن قريش أعلنت جوائز موجزيه لكل من يمكنها من المسلمين الذين قتلوا سادتهم في بدر .
ومن هذه المنطلقات قدم على رسول الله r رهط من عضل والقاره فقالوا :يارسول الله أن فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من اصحابك ، يفقهوننا في الدين ، ويقرئوننا القرآن ، ويعلموننا شرائع الإسلام .
فختار رسول اللهr سته من خيرة اصحابه لهذه المهمه الساميه ،وهذا الاختيار هو شهادة لهؤلاء النفر بانهم من افقه واعلم الصحابه وإلا لما انتدبهم لمهمة الوعظ والتدريس ، فاختار مرثد بن أبي مرثد الغنوي أميراً للقوم، وهم :عبدالله بن طارق البلوي ، وخالد بن البكير الليثي ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأملح ،وزيد بن الدثنة وخبيب بن عدي ( رضي الله عنهم جميعاً ) .
لقد كانت عضل القاره تبطلان من خلاال هذه السفاره الغدر والخيانة بصحابة المصطفى r ولم يكونوا مؤمنين حقاً ولا راغبين في الأسلام ،إذ انهم ما ان وصلوا الى الرجيع ،وهو ما لهذيل بناحية الحجاز غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلاً ، فأحاطوا بهم ، فستعد الصحابه للقتال والدفاع عن انفسهم ، فقالوا لهم : إنا والله ما نريد قتلكم ولكنا نريد ان نصيب بكم شيئاً من أهل مكه ، ولكم عهد الله وميثاقه ان لا نقتلكم .
فانقسم الصحابه في آرائهم الى قسمين قسم يرى بأنه ليس لمشرك عهد ولا عقد ومثل هذا القسم مرثد ، وخالد بن الكبير ، وعاصم ابن ثابت ، فقاتلوا حتى استشهدوا .
وأما القسم الثاني فوثق بعهد المشركين فاستأسروا وهم : خبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنه ، وعبدالله بن طارق البلوي ، ولكن عبدالله بن طارق البلوي راجع نفسه خلال الطريق وانبه ضميره على قبوله للأسر ،فتسامت نفسه وتاقت روحه الى الجنه ، إلى الشهادة التي تسموا بصاحبها الى الدرجات العلى ، فعندما وصل ألى مر الظهران تمكن من فك قيده ثم أخذ سيفه وأستأخر عنه القوم فرموه بالحجاره حتى قتلوه فقبره بالظهران ، واما خبيب وزيد بن الدثمه فقدموا بهما مكه فباعوهما من قريش باسيرين من هذيل كانا بمكه ،وقد قامت قريش بإعدام خبيب بالقصه المشهوره .
وقد ذكر حسان شاعر المصطفى r عبدالله بن طارق البلوي في شعره الذي يمدح فيه اصحاب الرجيع فقال :
صلى الإله على الذين تتابعوا
يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا
رأس السرية مرثد وأميرهم
وأبن البكير إمامهم وخبيب
وابن لطارق وابن دثنة منهم
وافاه ثم حمامه المكتوب
والعاصم المقتول عند رجيعهم
كسب المعالي إنه لكسوب
منع المقادة أن ينالوا ظهره
حتى يجالد إنه لنجيب
وتذكر لنا المصادر التي تجعل أصحاب الرجيع عشرة أن بلوياً آخر قد سقط شهيداً في هذه الواقعة ، وهو الصحابي معتب بن عبيد البلوي ، الذي لم يثق بوعد المشركين وقاتل مع القسم الأول الذي مثله كما تقدم عاصم بن ثابت ، ومرثد ، وخالد ، حتى رزق الشهاده مع صحبه .
وقد ذكره أبن عبد البر باسم مغيث بن عبيد بن إياس البلوي ، حليف الأنصار قتل يوم الرجيع شهيداً ، وهو أخو الصحابي عبد الله بن طارق البلوي لأمه .
وتتوالى قوافل الشهداء من قبيلة بلي من أجل إعلاء كلمة التوحيد لا بل أن المشاركة في الغزوات والحرص على طلب الشهادة لم تقتصر على الرجال بل شاركت فيها نساء من هذه القبيلة ، ففي غزوة خيبر (محرم 7 هـ / 628م ) آخر معقل من معاقل اليهود ، ذلك الوكر الذي كانت تحاك فيه المؤامرات ضد دولة الإسلام في المدينه المنوره ، خر الصحابي عدي بن مره بن سراقه بن خباب بن عدي بن الجد بن عجلان البلوي شهيداً فائزاً بمرضاة الله ، إذ طعن بين ثدييه بحربة أودت بحياته ويذكر أبن حجر أن أسمه جدي وأنه أستشهد هو وأبوه .
وشهد غزوة خيبر مجموعه من نساء قبيلة بلي خرجن ليساعدن الجيش الإسلامي من ضمن عشرين إمرأة فقد شهدت هذه الغزوه أم منيع بنت عمرو بن عدي بن سنان أم الصحابي شباث ، التي كانت قد شهدت بيعة الغقبة وولدت شباث في نفس الليله كما تقدم ، وهي زوجة الصحابي خديج ابن سلامه البلوي ، وشهدتها إمرأة عاصم بن عدي البلوي ، وولدت بخيبر سهله بنت عاصم وجاء في الإستيعاب سهله بنت عاصم بن عدي العجلاني البلوي ، زوجة عبد الرحمن بن عوف تروي عن النبي e ، وأنه أسهم لها يوم خيبر ، ويبدو أنه تزوجها فيما بعد .
الحديبية وبيعة الرضوان:
وفي الحديبية نجد أبناء قبيلة بلي يتسابقون لمبايعة الرسول e بيعة الرضوان تحت الشجرة, يبايعونه على الموت عندما تسربت بعض الأخبار بأن المشركين قتلوا عثمان بن عفان( رضي الله عنه), فمن بين المبايعين الصحابي الجليل كعب بن عجرة البلوي الذي نزلت فيه آية الفدية كما جاء في الصحيحين عندما أصابه في رأسه أذى وهو محرم, فأمره الرسول e بأن يحلق رأسه, وأن يذبح شاة, أو يصوم ثلاثة أيام, أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين مدين, فنزل قوله تعالى (( فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك)).
فكان كعب يقول كانت لي خاصة وهي لكم عامة, ويقال أن كعب بن عجرة البلوي أهدى بقرة قلدها وأشعرها.
لقد كان هذا الصحابي شديد الحب لرسول الله وكان كثير التأمل لوجهه الكريم, فإذا رأى بأنه بحاجة إلى طعام كان يبادر إلى جلبه إليه لأنه يعرف فاقة المصطفى e إذ كانت تمضي الأيام والأيام دون أن توقد في دار آل محمد نار, فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن كعب بن عجرة: قال أتيت النبي e يوماً فرأيته متغيراً- أي من الجوع - فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلاً له فسقيت له على كل دلو بتمرة, فجمعت تمراً فأتيت النبي e الحديث.
وقد أخرج ابن سعد بسند جيد عن ثابت بن عبيدان يد كعب بن عجرة البلوي قطعت في بعض المغازي, ثم سكن الكوفة وروى عنه ابن عمر, وجابر, وابن عباس, وروى عنه أيضاً أولاده, اسحق, ومحمد, وعبد الملك, والربيع.
ومن أبناء قبيلة بلي الذين بايعوا تحت الشجرة الصحابي مسعود ابن الأسود البلوي, ويقال فيه مسعود بن المسور, وعلقمه بن رمثه ( بكسر اوله وسكون الميم ) البلوي وعنبس بن ثعلبه بن هلال البلوي وشبث بن سعد بن مالك البلوي وعبدالرحمن بن عايش البلوي وعلسه بن عدي البلوي وابو زمعه البلوي ( جعفر او عيد ) الذي قال حين حضرته الوفاة وهو في افريقيه مجاهداً : اذا دفنتموني فسووا قبري وعبدالله بن اسلم بن زيد بن فحان البلوي عبدالرحمن بن عديس ابن عمرو البلوي ، وهو فارس شاعر شجاع واسعد بن عطيه بن عبيد بن بجاله بن عوف بن ودم بن ذبيان البلوي .
موسى بن ربيع البلوي
01-17-2007, 11:43 AM
دور قبيلة بلي في غزوتي مؤتة وتبوك:
لقد كانت موقعة مؤتة( جمادي الأولى8هـ/آب 619م) أول صدام مسلح بين الدولة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية وذلك بسبب مخالفة تلك الامبراطورية للأعراف الدبلوماسية عندما قتل صاحب بصرى شرحبيل بن عمرو الغساني. رسول رسول الله e الحارث بن عمير الأزدي في مؤتة.
لهذا السبب المباشر بالإضافة إلى أسباب أخرى جهز المصطفى e جيشاً تعداده ثلاثة آلاف مقاتل نصب عليهم ثلاثة قادة على التوالي: زيد بن حارثة, وجعفر بن ابي طالب, وعبدالله بن رواحة, فإذا استشهدوا جميعاً اصطلح الجيش على واحد منهم لتولي القيادة, وحدث ما توقع المصطفى e إذ فوجيء الجيش الإسلامي بجيش عرمرم ينوف على مائة الف, فكانت معركة في غاية الشراسة.
وتساقط القادة الثلاثة شهداء الواحد تلو الآخر وكادت الراية الإسلامية أن تقع على الأرض عندها هب أحد أبناء قبيلة بلي وهو الصحابي ثابت بن أقرم فأخذ اللواء, وصاح: ياللأنصار, فأتاه الناس من كل وجه, وهم قليل, وهو يقول: إلى أيها الناس, فلما نظر إلى خالد بن الوليد قال: خذ اللواء يا أبا سليمان فقال: لا آخذه أنت أحق به, أنت رجل لك سن, وقد شهدت بدراً, قال ثابت: خذه أيها الرجل, فوالله ما أخذته إلا لك, فأخذه خالد وتمكن في نهاية المطاف من الانسحاب إلى المدينة بأقل عدد من الخسائر بخطة عسكرية عبقرية جعلته في مصاف أعظم قادة الفتح الإسلامي .
وفي غزوة العسرة ( تبوك) ( رجب 9هـ/ تشرين الأول 630م) التي كانت ظروف غير مواتيه من الناحية المناخية والاقتصادية, حيث كانت في عام مجدب وصيف شديد الحرارة, فضلاً عن أن الهدف المنشود ليس سهلا مقابلة الامبراطورية أعظم قوة في العالم آنذاك ، فكانت غزوة تبوك محكاً جيداً لاختبار معادن المؤمنين وتمييزها عن معادن المنافقين الذين رسبوا في الاختبار عندما ندبهم رب العزة ، والرسول للالتحاق بهذه الغزوة وبذل المال والنفس من أجل الإسلام ، قال تعالى : (( انفروا خفاقاً وثقالاً وجاهدوا بأمولكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )).
لقد لبى أبناء قبيلة بلي نداء الواجب مثلهم مثل بقية الصحابة الكرام فتسابقوا إالى البذل والعطاء كل على قدر استطاعته ،، فتصدق الصحابي عاصم بن عدي البلوي بتسعين وسقاً تمراً .
وجاء الصحابي سهل بن رافع بن خديج بن مالك بن غنم البلوي الأنصاري بصاع من تمر .
وجاء أبو عقيل البلوي عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة بصاع من تمر ، فقال مالي غير صاعين نقلت فيهما الماء على ظهري حبست احدهما لعيالي ، وجئت بالآخر ،وهذا تصرف ليس غريباً على صحابي سماه الرسول r عبدالرحمن عدو الأوثان ، بعد أن كان يسمى في الجاهلية عبد العزي ،وشهد المشاهد كلها مع المصطفى r ، ولكن هذا التصرف من قبل عاصم بن عدي البلوي ،وسهل البلوي وأبو عقيل البلوي ، أغاظ المنافقين ، فأخذوا يلمزون المتصدقين بألسنة حداد فقالوا عن صدقة عاصم : ماجاء بما جاء به إلا رياء وقالوا عن الصحابه الذين تصدقوا بصاع :إن الله غني عن هذا الصاع وهذا ما اكده ابن عباس ( رضي الله عنه ) في تفسير قوله عز وجل : ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لايجدون إلاجهدهم فيسخرمن منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم )).
وعندما نصر رسول الله r بالرعب على مسيرة شهر في تبوك ولم يلقى كيداً من الروم وقفل
راجعاً ، أخبره الوحي بأن المنافقين قد بنوا أثناء غيابه في المدينه مسجد الضرار وأمر أن يهدمه ،
فكان رسوله إلى هذه المهمه الصحابي عاصم بن عدي العجلاني البلوي ، ومالك بن الدخشم السالمي فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه ثم حرقاه ، فخرجا سريعين _ على اقدامهما _حتى أتيا مسجد بني سالم بن عوف ،وهم رهط بن مالك بن الدخشم ، فقال مالك لعاصم :انظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي ، فدخل إالى أهله ، فأخذ سعفاً من النخل وأشعل فيه ناراً ، ثم خرج يعدوان حتى انتهيا إليهم بين المغرب والعشاء وهم فيه ، وإمامهم مجمع بن جاريه فأحرقاه _ وثبت من بينهم زيد بن جاريه بن عامر حتى احترقت إليته – وهدماه حتى وضعاه بالأرض .
فلما قدم r عرض على عاصم بن عدي البلوي المسجد يتخذه داراً فقال : ما كنت لأتخذ مسجداً قد نزل فيه ما نزل داراً، فأعطاه ثابت بن أرقم البلوي ومن أبناء بلي الذين شهدوا غزوة تبوك الصحابي أبو الشموس البلوي الذي روى عن الرسول r أحاديث تتعلق بهذه الغزوة وهكذا رأينا بأن ابناء قبيلة بلي لم يتخلفوا عن المشاركه بالنفس والمال في كل المعارك التي خاضتها دولة الإسلام في حياة المصطفى r ، وسنحاول في الصفحات التاليه أن نسلط الضوء على دور هذه القبيله في نصرة الإسلام بعد انتقال الرسولr الى الرفيق الأعلى ، من خلال الحديث عن دورهم في حروب الرده ، والفتوحات الإسلامية.
موسى بن ربيع البلوي
01-20-2007, 10:40 PM
الفصل الثالث :
دور قبيلة بلي في حروب الردة :
لقد بدأت القبائل العربية تتململ من سلطة الدولة الإسلامية منذ أواخر حياة المصطفى e , فهي لم تتعود الخضوع لسلطة مركزية واحدة, فضلاً عن ان الدين الجديد كبح من جماح شهواتها, وألغى الكثير من أعرافها التي تتناقض مع تعاليم الإسلام, فوجدت هذه القبائل فرصتها عندما انتقل المصطفى e إلى الرفيق الأعلى, لتعلن تمردها على سلطان الدولة الإسلامية, لا بل إنها تمادت والتفت حول مدعين النبوة من شيوخها وزعمائها, وعادت الأمور جذعة وأمست الجزيرة العربية كافرة, إلا من رحم ربي من بعض القبائل هنا وهناك, ولنا أن نتصور حجم التحدي أن المسلمين في المدينة أخذوا ينظمون الحراسات على مداخلها خوفاً من هجوم المرتدين عليها.
لقد كانت قبيلة بلي من القبائل القليلة جداً التي لم ترتد وبقيت متشبثة بإسلامها, مستعصمة بتعاليم قائدها المصطفى e لذا ليس مستغرباً أن نرى العديد من البطولات والتضحيات لأبناء هذه القبيلة في تلك الحروب.
ومن أبطال بلي الذين سجل لهم التاريخ بكل فخر واعتزاز بطولات في حروب الردة الصحابي الجليل عبد الرحمن ( عدو الأوثان ) أبو عقيل البلوي أحد السابقين للإسلام كما تقدم, الذي كان في مقدمة الصفوف يوم اليمامة( 12هـ/ 633م) تلك الموقعة التي حصدت العشرات من الصحابة حفظة كتاب الله, فكان أول من جرح في هذه الموقعة أبو عقيل, رمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده, فأخرج السهم ووهن له شقه الأيسر, وجر إلى الرحل فلما حمي وطيس المعركة, وانهزم المسلمون, وجاوزوا رحالهم وأبو عقيل البلوي واهن من جرحه سمع الصحابي معن بن عدي البلوي يصيح بالأنصار الله الله والكرة على عدوكم, فصاحت الأنصار أخلصونا أخلصونا, فأخلصوا رجلاً رجلاً يميزون أي أنهم أخذوا يتبايعون على الموت رجلاً رجلاً أمام معن بن عدي, ويبدو أن معن بن عدي, افتقد أبو عقيل فنادى عليه وهو لا يعلم انه جريح.
قال عبد الله بن عمر( رضي الله عنهما) فنهض أبو عقيل يريد قومه فقلت: ما تريد يا أبا عقيل ما فيك قتال. قال: قد نوه المنادي باسمي قال ابن عمر: فقلت: إنما يقول ياللأنصار لا يعني الجرحى , قال أبو عقيل: أنا رجل من الأنصار وأنا أجيبه ولو حبواً, قال ابن عمر: فتحزم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى مجرداً , ثم جعل ينادي ياللأنصار كرة كيوم حنين فاجتمعوا رحمهم الله جميعاً يتقدمون الصفوف حتى اقحموا عدوهم الحديقة, فاختلطوا واختلفت السيوف بيننا وبينهم, قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب فوقعت على الأرض وبه من الجراح أربعة عشر جرحاً كلها قد خلصت إلى مقتل, وقتل عدو الله مسيلمة الكذاب.
قال ابن عمر: فوقعت على أبي العقيل وهو صريح بآخر رمق فقلت: أبا العقيل, فقال: لبيك بلسان ملتاث لمن الدبرة قال: قلت: أبشر ورفعت صوتي قد قتل عدو الله, فرفع أصبعه إلى السماء يحمد الله, وفاضت روحه إلى السماء.
قال ابن عمر : فأخبرت عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) بعد أن قدمت خبره كله ، فقال : رحمه الله ما زال يسأل الشهادة ويطلبها ، وإن كان ما علمت من خيار أصحابي نبينا r وقديم إسلامه .
إن ما قام به أبو عقيل البلوي صورة حية لسلوك المؤمن الصادق الذي اطمأن قلبه بالإيمان ، والذي يرى بأن الشهادة أعظم فوز يحصل عليه الإنسان ، فكان كما قال الفاروق ( رضي الله عنه ) دائم الدعاء إلى الله بأن يرزقه الشهاده ، فلم تمنعه جراحاته وبتر يده من مواصلة القتال ، فلفظ انفاسه الاخيره وبجسده أربعة عشر جرحاً تثغب بالدماء تشهد له امام الخلائق يوم القيامه .
ومن شهداء قبيلة بلي في موقعة اليمامه ، الصحابي معن بن عدي البلوي ، الذي رأيناه يستنهض همم المسلمين والأنصار بشكل خاص لمواصلة القتال ، فأتت دعوته ثمارها عندما انتظم المسلمون من جديد وقاتلوا عدو الله مسيلمة الكذاب فقتلوه ، وبقتله كسرت شوكة المرتدين .
لقد سقط معن بن عدي شهيداً مع صديقه الأثير الذي آخى المصطفى r بينه وبين معن بن عدي ألا وهو زيد بن الخطاب أخو الفاروق (رضي الله عنهما ) .
ومن المناسب أن أذكر بمقولة معن بن عدي مرة آخرى عندما بكى الناس على رسول الله r حين توفاه الله وقالوا : والله لوددنا أن متنا قبله ، نخشى أن نفتتن بعده .
فقال معن : "إني والله ما أحب أني مت قبله حتى اصدقه حياً وميتاً " لقد بر معن بعهده واخلص لإسلامه في حياة المصطفى r وبعد مماته ، وخر شهيداً في موقعة اليمامه وهو يقاتل من أرادو العودة بالجزيرة العربية إلى سابق عهدها من الظلام والجهل والكفر ، فانطبق عليه قوله تعالى : (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً )).
ويتقاطر الشهداء من قبيلة بلي في حروب الردة ، ضاربين أروع الأمثله في البطوله والفداء فها هو خالد بن الوليد ( رضي الله عنه ) يقع اختياره على الصحابي الجليل ثابت بن أقرم البلوي الذي شهد مع المصطفى كل مواقعه ، والذي رأيناه ينقذ راية الإسلام من السقوط في مؤته ويدفعها إلى خالد بن الوليد ، هاهو خالد يقدر كفاءة الرجل ويجعله طليعة له على المرتدين مع الصحابي الجليل عكاشه بن محصن ، ليجمع له أكبر قدر من المعلومات على المرتد طليحة بن خويلد وذلك عندما دنا خالد من بزاخة .
فانطلق ثابت بن أقرم البلوي على فرس له يقال له المحبر ، وعكاشه على فرسه الذي يقال له الزرام ، وفي أثناء جمعهم للمعلومات ويبدو أنهما اقتربا كثيراً من معسكر الأعداء ، لقيهما طليحه وأخوه سلمة ، فتمكنا من قتل عكاشه وثابت .
وأقبل خالد بن الوليد فراعه منظر ثابت بن أقرم قتيلاً تطؤه المطي ، فعظم ذلك على المسلمين ، فحفر له ولصاحبه عكاشه ودفنا بدمائهما وثيابهما ، وكان ذلك في سنة ( 12هـ /633م) .
لقد كان لثابت بن أقرم البلوي وعكاشه بن محصن مكانه عظيمه في نفوس المسلمين ، وكان كبار الصحابه يتوجدون عليهم كلما ذكرت اسماؤهم ، فهذا هو الخليفه الراشدي عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يقابل طليحه بعد أن تاب وأناب إلى الله ، يقول له : كيف أحبك وقد قتلت الصالحين عكاشه بن محصن ، وثابت بن أقرم .
فيرد طليحه : أكرمها الله بيدي ، ولم يهني بأيديهما .
وكان طليحه قد قال عند قتله هذين الصحابيين :
عشية غادرت ابن أقرم ثوياً وعكاشة الغنمي تحت المجال
وسقط كذلك شهيداً في معركة اليمامة الصحابي النعمان بن عصر بن عبيد بن وائله البلوي ، الذي شهد المشاهد كلها مع النبي r وذكر ابن حجر أن الذي قتله طليحه بن خويلد الأسدي . وكذلك سقط عبيد الله بن التيهان البلوي شهيداً في اليمام، وهو ابن الصحابي عبيد بن التيهان البلوي الذي استشهد يوم أحد وهو أيضاً أخي الصحابي مالك ابن التيهان أبو الهيثم البلوي وهو من أواءل من أسلم كما تقدم وأول من بايع يوم العقبه ، فشهد المشاهد كلها من المصطفى r لا بل أنه كان يقال لأبي الهيثم ذو السيفين ، من أجل أنه كان يتقلد في الحرب بسيفين .
واستشد كذلك الصحابي زيد بن أسلم بن ثعلبه بن عدي بن العجلان البلوي حليف بني عجلان ، وهو ابن عم الصحابي ثابت بن أرقم ، وكان ممن شهد بدراً ، وذكر أن الذي قتله هو طليحه بن خويلد .
هذا وكان رسول أبو بكر الصديق (رضي الله عنه ) إلى خالد وهو باليمامه الصحابي شريك بن سمحاء ( وهي أمه ) واسم أبيه عبده بن ابن معتب بن الجد بن العجلان البلوي حليف الأنصار ، وهو اخو البراء بن مالك من الرضاعه شهد مع أبيه احداً، فقد بعثه الصديق ( رضي الله عنه ) إلى خالد بن الوليد ( رضي الله عنه ) يطلب منه أن يسير من اليمامه إلى العراق ، وكان شريك أحد الأمراء بالشام في خلافة الصديق ، وبعثه الفاروق كذلك رسولاً إلى عمرو بن العاص حين أذن له أن يتوجه إلى فتح مصر .
ومن المتعارف عليه أنه لايختار إلى السفارة ونقل الأوامر المهمه إلا الثقاة ، وتكليف شريك البلوي بتلك المهام دلاله على أنه كان من أهل الشورى في المدينه المنوره وإلا ما الذي يقعده في المدينه والجبهات ملتهبه ضد المرتدين ، ويتكرر الموقف أيضاً في عهد الفاروق ( رضي الله عنه )
ليؤكد هذه الفرضية ، فضلاً على أن الأعراف في ذلك الزمان كانت تقضي بأن يحمل أوامر الخلفاء والحكام ، خيرة القوم ، عقلاً وشجاعة ومكانه إجتماعيه ، وكان ينظر لمن يكلف بذلك نظرة تقدير وأحترام .
أجل لقد أثبتت الأحداث ولاء قبيلة بلي للدولة الإسلاميه وثباتها على عقيدتها ، وعدم بخلها بأبنائها
من أجل رفع راية الإسلام ، فأبناؤها دوماً في مقدمة الصفوف يحرصون على الشهادة مذكرين إخوانهم بأن الله معهم ، وبأن الشهاده أسمى أمنية يتمناها الإنسان .
موسى بن ربيع البلوي
01-20-2007, 10:43 PM
الفصل الرابع :
دور قبيلة بلي في الفتوحات الإسلاميه :
إن المتأمل لحركة الفتح الإسلامي يلاحظ بأن مشاركة فبيلة بلي في الفتح اتجهت باتجاه مصر وشمالي إفريقيه والأندلس شأنها شأن القبائل التي أستوطنت بلاد الشام ، ويلاحظ ذلك من خلال كثافة استيطان أبناء هذة القبيله منذ فترة مبكرة لمصر وشمالي أفريقية والأندلس، فضلاً عن بروز العديد من القاده الذين شاركوا في فتح تلك البلاد .
ولعل نظرة سريعة على أسماء الصحابة الذين شاركوا في فتح مصر توضح لنا حجم مشاركة هذه القبيلة في تلك الفتوح ، فمن هؤلا الصحابة أبو عمرو مبد الرحمن بن عديس البلوي الذي شارك في فتح مصر مع عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) واختط بها داراً ،. وكان أحد فرسان وشعراء بلي المعدودين بمصر .
كما شارك في فتح مصر عبد الله بن عديس البلوي ، أخو عبد الرحمن بن عديس ، واختط له أيضاً منزلاًفيها وشهد فتحها كذلك الصحابي أبو درة البلوي ، قال علي بن قديد : رأيت على باب داره هذه دار أبي دره البلوي صاحب رسول الله r ومنهم أبو رمثة ( بكسر أوله وسكون الميم ) البلوي ،
قال الترمذي له صحبه سكن مصر ، ومات بإفريقيه مجاهداً ، وقد كانت وصيته عند موته بأن يسووا قبره .
كذلك شارك أبو مليكة البلوي في فتح مصر .
أما مرثد بن عبعب بن عتيك البلوي ، فقد شارك في موقعة القادسية الحاسمه مع الفرس ، ثم شهد فتح مصر مع عمروا بن العاص ( رضي الله عنه ) وممن شارك في فتح مصر الصحابي أبو زمعه البلوي والذي أوصى أيضاًحين حضرته الوفاه بإفريقيه بأن لايشهروا قبره ويسووه بالأرض ، وشارك كذلك في فتح مصر حيان بن كرز البلوي ، وأبو الشموس البلوي ، وأبو الزعراء البلوي
( وقد ذكر تصحيفاً في بعض كتب التراجم أبو الزهراء ) وعلسة بن عدي البلوي ، وعلقمة بن رمثه البلوي ، وعبس بن ثعلبة بن هلال بن عنبس البلوي ، وياسر أبو الربداء البلوي ، مولى الربداء بنت عمرو بن عماره بن عطيه البلوية ، كان عبداً للربداء فزعم أن النبي r مر به وهو يرعى غنم مولاته ، وله فيها شاتان فاستسقاه النبي r فحلب له شاتيه ثم أراح وقد احفلتا فأخبر مولاته ، فأعتقته فاكتنى بأبي الربداء .
أماالصحابي مسعود بن الأسود البلوي فقد شهد فتح مصر واستأذن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) في المسير إلى افريقيه لإعلاء كلمة لا إله إلا الله ، فلم يأذن له الفاروق ( رضي الله عنه ) رأفة بالمسلمين وخوفاً عليهم فقال له : إفريقيه غادره ومغدور بها .
وممن شهد فتح مصر الصحابي جبارة بن زرارة البلوي وكان الصحابي شريك بن عبدة بن مغيث البلوي ( شريك بن السمحاء )والذي كان أحد الأمراء في الشام في خلافة الصديق ( رضي الله عنه ) وهو رسول الفاروق ( رضي الله عنه ) إلى عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) حين أذن له أن يتوجه إلى فتح مصر .
ويعتبر الصحابي رويفع بن ثابت البلوي الأنصاري من الصحابة الذين أسندت إليهم قيادة الفتح في إفريقيه في عهد معاوية بن أبي سفيان ( رضي الله عنه ) ، فكان ممن شارك في فتح مصر ، واختط بها داراً، فأمره معاويه على طرابلس سنة ( 47هـ/ 667م) فغزا منها إفريقية سنة 47هـ ودخلها وانصرف من عامه وذلك في المرحلة التي يطلق عليها المؤرخون مرحلة الغارات ( 21ـ49 هـ /641ـ م ) إذ كانت الفتوحات تنطلق من مصر وبرقة وطرابس باتجاه إفريقيه ثم تعود إلى مقرها .
وقد اختلف في مكان موت هذا الصحابي فبعضهم قال باشام والبعض الآخر قال مات ببرقة وقبره بها.
ويعتبر الصحابي زهير بن قيس البلوي أشهر أبناء هذه القبيلة الذين شاركوا في فتح شمالي افريقية فقد كان أبو شداد قد شارك في فتح مصر مع الصحابي عمرو بن العاص ، وكان ( رضي الله عنه ) من كبار مستشاري قادة فتح المغرب قبل أن يتولى القيادة العامة في تلك المناطق ، فقد كان خليفة لعقبة بن نافع على القيروان ، عندما سار مسيرته المشهورة (62/63هـ/683ـ 684م) حتى وصل إلى بحر الظلمات ( المحيط الأطلسي ) والذي أوصى خليفته على القيروان زهير بن قيس البلوي بوصية تتدفق إيماناً وحرصاً على المسلمين والتي جاء فيها: " إني قد بعت نفسي من الله عز وجل فلا أزال اجاهد من كفر بالله... يا بني أوصيكم بثلاث خصال فاحفظوها ولا تضيعوها, إياكم ان تملأوا صدوركم بالشعر وتتركوا القرآن, فإن القرآن دليل الله عز وجل, وخذوا من كلام العرب مايهتدي به اللبيب, ويدلكم على مكارم الأخلاق ثم انتهوا عما وراءه, وأوصيكم ألا تداينوا ولو لبستم العباء, فإن الدين ذل بالنهار وهم بالليل, فدعوه تسلم لكم اقداركم وأعراضكم وتبقى لكم الحرمة في الناس ما بقيتم, ولا تقبلوا العلم من المغرورين المرخصين فيجهلونكم دين الله, ويفرقوا بينكم وبين الله تعالى , ولا تأخذوا دينكم إلا من أهل الورع والاحتياط فهو أسلم لكم ومن احتاط سلم ونجا فيمن نجا" ثم قال: " عليكم سلام الله وأراكم الا ترونني بعد يومكم هذا ... اللهم تقبل نفسي في رضاك واجعل الجهاد رحمتي ودار كرامتي عندك".
ثم أوصى زهير بإتمام الإصلاح الذي شرع فيه في القيروان من تعبيد الطرق وتأمين السبل وإقامة المساجد وتفقيه الدهماء, وتقليد الأعمال لذوي البصائر والاستقامة والاستعانة بخبرة المجربين منهم.
بهذه الوصية الضافية ودع عقبة بن نافع الصحابي زهير بن قيس البلوي, ليبدأ دور ابو شداد في إدارة بلاد المغرب, لقد سقط عقبة بن نافع شهيداًعلى يد البربر بزعامة كسيلة بن ملزم الأوروبي في أواخر 63هـ / 684م وتوجه كسيلة بن ملزم إلى مدينة القيروان لانتزاعها من المسلمين والتي كانت فيها حامية بقيادة زهير تقدر بستة الآف مقاتل, وهنا انقسمت آراء المسلمين: قسم تزعمه زهير ويقضي بالمقاومة حتى آخر رجل لأن الشهادة مكسب وفوز للمؤمن ولهم في عقبة وصحبه اسوة حسنة فقد خطب زهير الناس فقال: يا معشر المسلمين إن اصحابكم قد دخلوا الجنة, وقد من الله عليهم بالشهادة فاسلكوا سبيلهم يفتح الله لكم دون ذلك.
أما القسم الآخر والذي تزعمه التابعي حنش الصنعاني فكان يرى بأن العودة بهذه العصبة مكسباً فقال حنش الصنعاني: " لا والله, مانقبل قولك,ولا لك علينا ولاية, ولا عمل أفضل من النجاة بهذه العصابة من المسلمين إلى مشرقهم" ثم قال:" يا معشر المسلمين: من أراد منكم القفول إلى مشرفه فليتبعني" فاتبعه الناس. ولم يبق مع زهير إلا عدد قليل فاتجه إلى برقة وبقي فيها مرابطاً في سبيل الله حتى جاءه المدد من الدولة الأموية.
وبعد انسحاب المسلمين من المغرب الأدنى وعاصمته مدينة القيروان دخل كسيلة بن ملزم مدينة القيروان لتبقى ترزح تحت الاحتلال حتى تمكن زهير بن قيس البلوي من تحريرها والثأر لعقبة بن نافع.
لقد انشغلت الدولة الأموية في مشاكلها الداخلية التي حالت دون ارسال نجدة عاجلة لزهير لاستعادة القيروان وتأديب البربر والروم الذين قتلوا عقبة بن نافع, ولنا أن نتصور حجم المشاكل الداخلية في الدولة الأموية أنه في عام ( 68هـ/ 687م) حج أربعة ألوية ، لواء مع الخوارج بزعامة نجدة الحروري ، ولواء محمد بن الحنفية وداعيتة المختار ابن عبيد ، ولواء لعبد الله بن الزبير ، ولواء لعبد الملك بن مروان ، فضلاً انه ثار في هذا الوقت عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق ، وثار الجراجمة في لبنان .
وكان قبل هذه الحوادث أي في الوقت الذي سقطت فيه القيروان ( 64هـ /684م) قد مات يزيد بن معاوية ، ثم جاء مروان بن الحكم ، وتوفي بعد تسعة أشهر ، فجاء بعده عبد الملك ليواجة الثورات العاتية السابقة .
ورغم كل هذه التحديات نجد عبد الملك يعطي للمغرب أولية خاصة فاستشار وزراءه ، فاجتمع رأيهم على تقديم زهير بن قيس البلوي ، باعتبار صاحب عقبة ، وأعلم الناس وأخبرهم بسيرته وتدبيره وأولاهم بطلب دمه ، فأرسل في عام ( 69هـ /688م ) رسولاً لزهير يخبره باختباره والياً على افريقية ، وان عليه استنفاذ القيروان وإعادة النظام للمغرب ، فسر زهير بهذا النبأ لأنه سيتيح له فرصة الجهاد في سبيل الله ، والثأر لقتلى المسلمين لإعادة الهيبة للمسلمين في تلك المنطقة .
ولكن زهير القائد المجرب يعرف بأن المهمة صعبة ، وأن العدو لا يستهان به ، فأرسل للخليفة عبد الملك رسالة يوضح له كثرة الأعداء ، فأرسل عبد الملك إلى أشراف العرب ليحشوا إليه الناس إلى الجهاد ، واجتمع منهم خلق عظيم فأموهم أن يلحقوا بزهير .
فبعد أن وصلت الإمدادات واستكملت الاستعدادات توجه جيش زهير على بركة الله في عام ( 69هـ/688م) إلى مدينة القيروان لاستنفاذها من الأعداء .
وفور تلقي كسيلة بن ملزم زعيم قبيلة أوربه البرنسية أنباء تقدم الجيش الإسلامي بقيادة زهير نحو القيروان ، اجتمع بأركان حربه ليعرض عليهم المضع علماً بأن الجيش البربر كان عظيماً فقال كسيلة لقادته " إني رأيت أن أرحل عن هذه المدينة ، فإن بها قوماً من المسلمين لهم علينا عهود ونحن إن أخذنا القتال معهم أن يكونو علينا ، ولكن ننزل على موضع ممش ( جنوبي شرق جبال الأوراس في الجزائر الحالية) وهي على الماء ، فإن عسكرنا خلق عظيم ، فإن هزمناهم إلى طرابلس قطعنا آثارهم فيكون لنا الغرب إلى آخر الدهر ، وإن هزمونا كان الجبل منا قريب فنتحصن به .
ولما علم زهير بخطة كسيلة وأنه اختار موقعاً حصيناًوبه ماء كثير ، لذا لم يدخل القيروان وعسكر في ظاهرها ثلاثة أيام حتى استراح هو ومن معه من أفراد جيشه وذلك استعداداً للمعركة الحاسمة والتي يتوقف عليها مستقبل الإسلام في المغرب .
ودارت رحى معركة ممس أو ممش مابين المسلمين بقيادة زهير بن قيس البلوي وبين البربر والروم بزعامة كسيلة بن ملزم ، واستحر القتل بين الجانبين ، ودارت الدائره في نهاية المطاف على البربر وحلفائهم الروم وسقط كسيلة قتيلاً في المعركة ، وطارد المسلمون فلول المنهزمين لتعود للإسلام هيبته في المغرب ، ويقضي على آمال الروم في العودة إلى المغرب تحت غطاء التحالف مع البربر ، كما أن كسر شوكة البربر البرانس بقيادة كسيلة خاتمة لمقاومة هذه القبائل للجيوش الإسلامية الفاتحة . وقد علق السلاوي على موقعة ممس بقوله:" وفي هذه الواقعة ذل البربر وفنيت فرسانهم ورجالهم ،... واضمحل امر الفرنجة ،... وخاف لبربر من زهير والعرب خوفاً شديداً ، فلجأوا إلى القلاع والحصون ، وكسرت شوكة أوربة من بينهم ، واستقر جمهورهم بديار المغرب الأقصى وملكو مدينة وليلى " .
فكان لهذا النصر أثر كبير في حركة الفتح في الشمال الأفريقي ، إذ بعد هذه الموقعة التي انتصر فيها زهير بن قيس البلوي أخذت المنطقة تتهيأ بأن تصبح إقليماًاسلامياً عرباً بعد سنيات قليلة .
وبعد هذه الموقعهة عاد زهير ظافراً إلى مدينة القيروان فأصلح من شأنها وشأن جامعها ، ثم أرسل حملة استولت على بلد هام شمال القيروان يعرف بالكاف أو الكف ويسميه العرب شقبنارية وهو تحريف لاسمه الرومي sicca.vane-rieً ولكن المصادر تؤكد لنا أنه أبي أن يقيم فيها ، وأنه قال : إني قدمت للجهاد ، وأخاف أن أميل إلى الدنيا فأهلك- ويعللون ذلك بقولهم بأن زهير كان من رؤساء العابدين وكبار الزاهدين ،لذا نجده يعود مسرعاً إلى برقة حيث استشهد هناك .
إن المتأمل للرواية السابقة يلاحظ بأن تعليلها لعدم إقامة زهير بالقيروان ، هو الخوف من
الفتنة ،ولأنه إنسان عابد زاهد تعليل غير مقبول ، فالقيروان ليست غريبة على زهير فقد كان خليفة عليها لعقبة بن نافع عندما خرج مجاهداً للبربر حتى وصل ا لمحيط الأطلسي ، ولم تحدثنا المصادر بأن زهير قد احتج على توليه على القيروان ، كما أن زهير كان مقيماً في مصر ذلك البلد العريق بمدنه منذ فترة مبكرة ولم تحدثنا المصادر بأنه كان متذمراً من الاقامة فيها ، ثم ما الفرق ما بين برقة والقيروان ؟ لابل أن القيروان مدينة محدثة (50-55هـ/670-674م ) بنيت على يد عقبة بن نافع وشارك في بنائها على ما يبدو زهير بن قيس فلا يوجد فيها إلامسلمون بينما برقة يوجد فيها أهل ذمة .
إذن ترك زهير للقيروان خوفاً من الفتنة سبب غير مقنع ، أما القول بأنه زاهد ويريد أن يبتعد عن الحواضر فهذا سبب غير معقول لأن القيروان كانت ثغراً وكان الزهاد والراغبون في الشهادة يقيمون في الثغور ، فلا يوجد مكان مناسب لزهير أفضل من القيروان لينال الأجر ، وهو يحرس في سبيل الله ، فينجو من النار ، ( عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) .
إذاً يبقى السؤال ما الذي جعل زهيرا لبلوي يعود مسرعاً إلى برقة بعد انتصاره في موقعة ممس؟
إننا لانجد تفسيراً منطقياً لهذه العودة السريعة سوى أن معلومات خطيرة وصلت إليه تحتم عليه الإسراع بالعودة ، وهذا ما حدث بالفعل إذ وصلت إليه أنباء مؤكدة بأن الروم يقومون بعمليلت إنزال لقوتهم في برقة ليستعدوها ، ويقطعوا على القوات الإسلامية بهذا طريق العودة ، وقد تحصن الروم في درنه وأخذوا ينقلون إلى سفنهم الأسلاب التي حصلوا عليها في افريقية وكذلك الأسرى الذين أخذوا من المسلمين .
لقد وصل زهير قرية درنة ، وكان قد أعطى أوامره لجيشه بأن يسيروا في وحدات صغيرة من أجل سرعة الحركة ، لقد كان زهير في طليعة الجيش الإسلامي المتجه إلى برقة مع سبعين من أصحابه ، فرأوا الروم يدخلون أسرى المسلمين في المراكب وسط صراخ النساء والأطفال ، فأراد زهير أن ينتظر حتى تتكامل قواته ، ولكن هول الموقف ورؤية حرائر المسلمين سبايا بأيدي الروم أثار حفيظة مع من زهير فدعوه للقتال ، فقال ننتظر حتى يتكامل الجيش لأن قوة العدو كبيرة ، فقال له أحد الجند : بل جبنت يا زهير ، فمست هذه الكلمة كبرياه الجهادية فرد عليه بل قتلتني وقتلت نفسك ، فدخل زهير مع الروم في معركة غير متكافئة كانت نتيجتها معروفة كما قال زهير للجندي ، فاستشهدوا عن بكرة أبيهم وكان ذلك في عام 71هـ /690م ، ودفن في درنة قريباً من الشاطىء الذي استشهد فيه وتسمى تلك المنطقة ( قبور الشهداء ).
أجل إن التاريخ يذكر لزهير بن قيس البلوي سجله الجهادي الطويل الذي توج بإ ستعادة القيروان وتحريرها من يد كسيلة بن ملزم ، وأنه ثأر لعقبة بن نافع وصحبه من كسيلة الذي قتل هو وعدد ضخم من فرسانه على يد زهير بن قيس البلوي في موقعة ممس أو ممش (69هـ /688م ) كما أن انتصاره في تلك الموقعة أفزع البربر والروم وجعلهم يلوذون بحصونهم خوفاً من المسلمين بمعنويات منهزمة ساعدت المسلمين فيما بعد على استكمال فتح المغرب وتحويله إلى ولاية عربية اسلامية، وأخيراً فإن زهير ضحى بنفسه وهى أغلى ما يملك من أجل عقيدته ،ومن أجل الدفاع عن حياض الدولة الإسلامية .
فرحم الله هذا البطل المجاهد الذي مات غريباً عن مسقط رأسه شاهداً على دور أبناء هذه القبيلة في نصرة الإسلام.
لقد ترتب على استشهاد زهير عدة نتائج, لعل من أبرزها أنه كان لمقتله على يد الروم أثر عظيم في سير الفتوحات الإسلامية إذ نبه المسلمين إلى خطر الروم وعدم الاطمئنان إليهم والتركيز على مدن الساحل التي يأتيها العون من بيزنطة, وإن مصرع زهير قد أثار ثائرة العرب المسلمين وحفزهم على مواصلة الفتوح للأخذ بثأره, فكما كان مقتل عقبة دافعاً لمهمة زهير في القضاء على مقاومة البربرالبرانس ممثلة في قبيلة اوربة وزعيمها كسيلة فقدكان مقتل زهير دافعا لمهمة حسان بن النعمان في القضاء على الروم الذين قضواعلى زهير ,ولهذا فإن استشهاد زهير لا يقل روعة عن استشهاد عقبة لأن نهايته برقة في نفر قليل لا يتجاوز السبعين من اصحابه حيث قتل ، وقد فعل مثل ما فعل عقبة عندما أمر الجيش بالذهاب إلى القيروان وبقي في نفر قليل من اصحابه حيث قتل على يد كسيلة, حيث ذهب عقبة ضحية لهذا التدبير كما ذهب زهير ضحية تدبيره أيضاً.
هكذا كانت نهاية زهير على يد الروم حيث ضحى بنفسه مجاهداً في سبيل الله بنية صادقة لا يرقى الشك إليها, ودليل حسن نيته وصدق سريرته مانسب إليه إذ يقول: إنما قدمت للجهاد ولم أقدم لحب الدنيا, لقد كانت مصيبة الخليفة في مقتل زهير كمصيبة المسلمين في مقتل عقبة.
ولم يكن زهير بن قيس البلوي خاتمة القادة في المغرب الذين ساهموا في رفع راية الإسلام هناك بل هناك قادة آخرون برزوا في فترات تاريخية مختلفة, ولعل من القادة الكبار الذين جددوا ذكرى زهير في المغرب, القائد حي بن مالك البلوي الذي لمع نجمه في عهد دولة الأغالبة ( 184- 296هـ/ 800- 909م ) وبالتحديد في عهد الأمير الأغلبي أبو الغرانيق محمد بن أحمد( 250-261هـ/864- 857 م), والذي ساهم في فتح مناطق الزاب.
أكتفي بهذه العجالة عن دور هذه القبيلة في الفتوحات الإسلامية, علماً بأن الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث للمحاولة على الإجابة على بعض التساؤلات حول بعض القضايا وهي هل فعلاً لم تشارك قبيلة بلي في فتح الأجزاء الشرقية من الدولة الإسلامية, رغم وجود الإرشادات إلى استيطان بعض أبناء بلي الكوفة أمثال الصحابي كعب بن عجرة البلوي ومشاركة بعضهم في القادسية واليرموك. علماً أن هذه الدراسة ما هي إلا مدخل لدراسة هذه القبيلة وليس دراسة استقصائية والتي تحتاج إلى مزيد من الجهد والتأمل والتحليل لرسم صورة واضحة لدور هذه القبيلة العريقة في الحضارة العربية والإسلامية, ولعل هذه المحاولة تستنهض الهمم لمزيد من البحث.
موسى بن ربيع البلوي
01-20-2007, 10:44 PM
الفصل الخامس :
دور قبيلة بلي في القيادة والإدارة :
لقد حرصت الدولة الإسلامية على مر عصورها على الاستفادة من طاقات أبناء هذه القبيلة في الحقول العسكرية, والإدارية, والفضائية, والتعليمية, فأسندت للعديد منهم منذ تأسيس الدولة الإسلامية العديد من المناصب القيادية, إلا أن الغالب على هذه المناصب في البدايات الأولى هو الجانب العسكري, وهذا ليس مستغرباً لاشتهار أبناء هذه القبيلة بحب القتال فكانوا محل تقدير الامبراطورية البيزنطية, فكان كما تقدم زعيم العرب المتنصرة في مؤتة مالك بن رافلة البلوي, إلا انه بعد ان قامت الدولة الأموية في الأندلس نلاحظ بروز العديد من أبناء هذه القبيلة في العلوم المختلفة, فأسندت إليهم مناصب شرعية كالقضاء, والخطابة.. الخ.
إن أول إشارة لدينا عن أول منصب منحه الرسول e لرجل من أبناء هذه القبيلة هو مرتبة نقيب وذلك في بيعة العقبة الكبرى, وكان هذا المنصب من نصيب الصحابي الجليل مالك بن التيهان أبو الهيثم البلوي ( ت 21هـ/ 641م).
كما عينه المصطفى e بعد ان استشهد عبد الله بن رواحة, خارصاً لخيبر فاستمر حتى انتقل الرسول e إلى الرفيق الأعلى, فأراد أبو بكر الصديق( رضي الله عنه ) ان يستمر في عمله, ولكن ابو الهيثم رفض, فاحتج عليه الصديق بانه عمل لرسول الله e فقال ابو الهيثم البلوي: إني كنت إذا خرصت لرسول الله e فرجعت دعا لي, فتركه الصديق.
ويذكر ابن عبد البر ان الصحابي سواد بن غزية البلوي كان عامل الرسول e على خيبر, فأتاه بتمر جنيب( نوع جيد من التمر) قد أخذ منه صاعاً بصاعين.
أما أبو عقيل البلوي ، عبد الرحمن بن عبد الله صاحب الصاع فتذكر لنا المصادر انه كان كاتباً، ويبدو انه كان يكتب إلى رسول الله r فالاشارات لاتزيد على تذييل ترجمة بانه كان كاتباً ، والمرجع بأن جميع من كان يعرف القراءة والكتابة من الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقومون بأعمال كتابية للرسول r سواء كتابة القرآن ، أو الرسائل أو تعليم من لايعرف القراءة والكتابة في المدينة المنورة
.كذلك أسند المصطفى r مهمة تعليم عضل والقارة الذين جاءوا مسلمين ، وطلبوا من يعلمهم تعاليم الإسلام ويفقههم بامور دينهم لمجموعه من الصحابة كان من بينهم اثنان من بلي هما الصحابيان عبد الله بن طارق البلوي ، ومغيث بن عبيد الله .
وفي غزوة الفتح كان الصحابي الجليل أبو بردة بن نيار واسمه هاني قائداً لاحدى فرق الجيش الإسلامي الذاهب لفتح مكة فقد كانت معه راية بني حارثة .
وكان الصحابي ثابت بن أرقم البلوي قائداً لاحدى السرايا التي بعثها المصطفى r لنجد لتأديب القبائل المعادية لدولة الإسلام فاصيب ببعض الجراح .
كما أن هذا الصحابي كان على رأس وحدة الاستطلاع التي ارسلها خالد بن الوليد ( رضي الله عنه ) لجمع المعلومات عن طليحه ، ولكنة استشهد كما تقدم على يد ذلك المتنبىء .
وولى رسول الله r الصحابي الجليل عاصم بن عدي البلوي ( رضي الله عنه ) (ت45هـ/665م) على أهل قباء والعاليه في السنه الثانيه للهجره اثناء مسيره لبدر لشيء بلغة عنهم ، وقد عده الرسول r في البدرين وكان عاصم مع الصحابي مالك بن الدخشم رسل رسول الله r لهدم مسجد الضرار الذي بناه المنافقون أثناء غياب المصطفى r في تبوك ، فقام بالمهمه مع صاحبه على أكمل وجه .
أما الصحابي شريك بن سحماء البلوي فكان محل ثقة الصديق والفاروق ( رضي الله عنهما) من بعده فقد كان رسول الخليفه الراشدي الأول إلى خالد بن الوليد بأن يتوجه من اليمامه إلى العراق ، كما كان رسول الفاروق (رضي الله عنه ) بأن يتوجه من الشام إلى مصر ، علماً بأن هذا الصحابي الجليل كان أحد القاده الذين ساهموا في فتح بلاد الشام .
ويبدوا أن الصحابي مسعود بن الاسود البلوي ، كان من القاده البارزين الذين استوطنوا مصر بعد فتحها ، وليس أدل على ذلك من أنه راسل عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يستاذنه في غزوة إلى افريقيه ، فلم يأذن له . ولا يكون الإستئذان في العادة للقيام بعمل عسكري إلا من قائد وهذا الذي يرجح أن الصحابي مسعود البلوي كان يحتل منصباً عسكرياً ما في الجيش الإسلامي في مصر .
وفي عهد الدوله الأموية تولى عدد من ابناء هذه القبيله قيادات عليا في الجيش الإسلامي ، فقد أمر معاوية ابن أبي سفيان ( رضي الله عنه) الصحابي رويفع بن ثابت البلوي على طرابلس سنة (46هـ /666م ) ، فغزا منها افريقيه سنة( 47هـ/667م ) كما تقدم .
ويعتبر القائد زهير بن قيس البلوي من أشهر الصحابه من هذه القبيله الذين تولوا افريقيه وقاموا باعمال بطوليه هناك جعلته محل إعجاب المسلمين والمؤرخين .
كما يعتبر القائد الكبير حيي بن مالك البلوي من القاده الذين تركوا بصمات واضحه على منطقه الزاب في عهد دولة الأغالبه .
ويجب ألا ننسى إشارات المصادر المتكرره إلى دور قبيلة بلي في المحافظة على امن الحجاج وقد انفردت بعض بطون بلي بهذه المهمه أمثال : بنو شادي ، وبنو عجيب ، التي كانت فيهم الإمارة .
ومن الشخصيات القيادية التي ظهرت في الاندلس في ظل الدولة الأموية عدي بن خزيمة البلوي، الذي أقطعه عبد الرحمن الداخل ( 138- 172هـ/ 755- 788 م) فحص البلوط ،وزهير بن مالك بن عدي بن خزيمة أبو كنانة ، أحد فقهاء الأندلس المشهورين على هذهب الإمام الأوزاعي ،وقد توفي قبل 250هـ/864 م
أمـا ابن خلدون البلوي ، أبو علي حسن فكان من الشخصيات الهامة في المغرب في مطلع القرن الخامس الهجري ، وليس أدل على ذلك من انتشار الفوضى والاضطراب عندما اغتيل في عام
407هـ/1016م فنهبت حوانيت صبرة والقيروان .
وقد تولى عدد ليس بقليل من ابناء بلي منصب القضاء في الأندس فترات تاريخية متعددة ، فمن هؤلاء القاضي فرج بن زهير بن مالك البلوي ، من أهل قرطبة ، يكنى أبا سعيد ، الذي كان حافظاً للفقه على مذهب الإمام مالك وأصحابه ، وقد كان قبل أن يتولى القضاء عاقداً للشروط ، مشاوراً في الأحكام ، ثم استقصى على كورة رية ، ووادي الحجارة في الأندلس .
ومنهم القاضي أبو البقاء خالد بن عيسى البلوي ، صاحب كتاب تاج المفرق تولى القضاء في فتورية في الأندلس من أعمال ولاية المرية حوالي عام (713هـ/1313م) ثم انتقل إلى القضاء ببرشانة، والده وجده قبله من كبار القضاه، إذ تولى والده قضاء فتورية وخطابتها وكافة أمورها أربعين سنة.
ومن الجدير بالذكر ان منصب القضاء من أهم الوظائف بالأندلس لا يشغله إلا كبار العلماء .
كما أهلت أبو البقاء مواهبه الأدبية ليكون كاتباً أيضاً فاستكتبهالسلطان أبو يحيى بن أبي زكريا الحفصي بتونس سنة 740هـ/1339م، كما احترف أبو البقاء البلوي التعليم فكان مدرساً بالاسكندرية مدة اقامته بمصر .
وقد نبغ العديد من القضة والعلماء من أسرة أبو البقاء منهم أخوه أبو بكر محمد بن عيسى البلوي ،
والقاضي أحمد ، وحفيده القاضي علي بن أحمد بن خالد ومنهم قاضي الجماعة بتونس محمد عبد الرحمن البلوي (ت729هـ/1380م) ، والقاضي الخطيب علي بن أحمد بن داود البلوي الغرناطي ، الذي ارتحل إلى تلمسان ثم إلى المشرق فراراً من سوء حالة الأندلس في تلك الحقبة .
أما أبو جعفر أحمد بن داود البلوي الوادي آشي الذي كان معاصراًللعالم الشهير لسان الدين ابن الخطيب ، فكانت له حظوة عند الحكام ، وكان يأمر وينهى إلا انه كان في غاية التواضع وقد أثنى عليه ابن الخطيب في كتابه " أوصاف الناس في التواريخ والصلات " ( مخطوط صفحتي 96ب- 97أ) بقولة : " شيخ العمال المؤتمن على الجباية والمال ، المستوفي شروط الفضل على الكمال . تواضع ، رحمه الله ، مع العلو، ولبس شعار السكون والهدوء ، وبذل المجاملة للصديق والمسالمة للعدو، ولازم مجالس الملوك بحيث يضر وينفع ، ويحط ويرفع ، فما شاب الاساءة إحساناً ، ولا أعمل – في غير المشاركة – لساناً ، إلى غير ذلك من الأدب العطر النسيم ، السافر عن المحيا الوسيم ، واشتهر بالوفاء اشتهار ( دارين ) بطيبها ، و(إياد ) بخطيبها ، فكان حامل رايته ، ومحرز غايته ، ومضى لسبيله فقيداً أعم بفقد وخص ، وهاص أجنحة الحاجات وقص ، وله أدب يصيب شاكله الرمي بنباله ، ونظم تضحي المعاني قنائص حباله ) .
وغيرهم ممن سنعرض لتراجمهم من خلال الحديث عن دور قبيلة بلي في الحياة العلمية .
موسى بن ربيع البلوي
02-16-2007, 02:11 AM
الباب الثاني :
دور قبيلة بلي في الحياة العلمية
الفصل الأول :
إسهامات قبيلة بلي في العلوم الشرعية
علم الحديث :
لقد نبغ العديد من أبناء هذه القبيله في مختلف فنون المعرفة وظهر منهم علماء رواد كانوا محل تقدير الأمة ، وسنحاول ان نتحدث عن أبرز هؤلاء العلماء مركزين على ماتميزوا به وما أثمرته بنيات افكارهم في حقل العلوم الشرعية ، والتاريخية والجغرافية والأدبية والطبية وغيرها .
إن الجيل الأول من علماء قبيلة بلي تربى على عين المصطفى r ونهل من معين هدية ، فرووا عنه العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، وأثنى عليهم المصطفى r في أحاديث أخرى .
فها هو المصطفى r يدعو إلى الصحابي الشاب طلحة بن البراء بن عمير بن وبرة بن ثعلبة البلوي حليف بني عمرو عوف من الأنصار، فقد كان شاباً صغيراً عندما أسلم فكان في أول لقاء مع الرسول r يدنو ويلتصق به ويقبل قدميه، فقال له : يا رسول الله مر بي بما أحببت لا أعصي لك أمراً. فعجب النبي r لذلك وهو غلام، فقال: أذهب وأقتل أباك، فذهب ليفعل فدعاه، فقال: أقبل فإنني لم أبعث قاطعاً للرحم، ولكن أحببت أن لا يكون في دينك ريبة .
وعن أبي داود أن طلحة مرض فأتاه الرسول r يعوده فقال: إني لا أرى طلحة إلا وقد حدث به الموت فآدنوني به وعجلوا .
وروي أنه توفي ليلاً فقال: أدفنوني وألحقوني بربي ولا تدعوا رسول الله r فإنني أخاف عليه اليهود، وإن يصاب بسيىء، وفي رواية لا ترسلوا إليه في هذه الساعة فتلسعه دابة أو يصيبه شيء، ولكن إذا اصبحتم فأقرأوه مني السلام وقولوا له فليستغفر لي .
فأخبر النبي r حين أصبح فجأة حتى وقف على قبرة وصف الناس معه ثم رفع يديه وقال: ( اللهم الق طلحة وأنت تضحك وهو يضحك إليك ) .
ويقول أن السبب المباشر لإسلام طلحة أنه كان من أبر الناس لأمه، وكان يعتقد أنه لو أسلم قد يمنع من برها، فقال له رسول الله r: يا طلحة أنه ليس في ديننا قطيعة رحم فأسلم وحسن إسلامه .
لقد كان طلحة أصغر شاب من قبيلة بلي روى عن رسول الله r ونقل عنه كبار المحدثين أعجاباً بجرأته وبتعلقه بحب رسول الله r ومن الأحاديث التي رواها طلحة البلوي أنه سمع النبي r ويقول: ( لا ينبغي لجسد مسلم أن يترك بين ظهراني أهله ) .
ومن الصحابة الذين رووا أحاديث عن المصطفى r من أبناء هذه القبيلة، الصحابي رويفع بن ثابت البلوي الذي نزل عليه وفد قبيلة بلي عندما جاءوا مسلمين، وكان ممن شارك ببدر والمشاهد كلها مع رسول الله r ، فقد روى الأمام أحمد عن رويفع أنه قال: قال رسول الله r ( يا رويفع لعل الحياة تطول بك، فاخبر الناس أن من عقد لحيته ، أو تقلد وتراً، أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمداً بريء منه )، رواه أيضاً أبو داود في ( الطهارة ) والنسائي في ( الزينة ).
ومعنى الحديث بشكل عام أنه سيأتي زمان يتشبه به أناس من المسلمين بالكفار، فيلبسون القلائد أو يلبسونها دوابهم يستدفعون بها المحذور، أو يرتكبون ما نهى عنه نبيهم من الاستجمار بروث الدواب والعظام .
وفي الحديث دليل من أدلة النبوة، فإن رويفعاً طالت حياته إلى سنة 53هـ /672م، حيث مات ببرقة، وقد روى عنه التابعي حنش الصنعاني وشيبان بن أبيه القتباني .
أما الصحابي كعب بن عجزة البلوي أبو محمد الأنصاري ( ت 51 أو 52هـ / 671 أو 672م ) الذي نزلت فيه آية الفدية كما تقدم، فقد روى لنا حديثاً عن رسول الله r يحض على صلاة الجماعة والتكبير في الحضور إلى المسجد فعن كعب بن عجزة البلوي قال: خرج علينا رسول الله rونحن سبعة نفر أربعة من موالينا وثلاثة من غربنا مسندي ظهورنا إلى مسجده، فقال: ( ما أجلسكم؟) قلنا: جلسنا ننتظر الصلاة، قال: فأرم قليلاً ثم أقبل علينا فقال : ( أتدرون ما يقول ربكم؟) قلنا لا . قال : ( فإن ربكم يقول من صلى الصلاة لوقتها، وحافظ عليها ولم يضيعها استخفافاً بحقها فله علي عهد أن أدخله الجنة، ومن لم يصلها لوقتها، ولم يحافظ عليها وضيعها استخفافاً بحقها فلا عهد له علي، أن شئت عذبته ، وإن شئت غفرت له ) رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأحمد بنحوه . وقد روى عن كعب بن عجزة بن عمر البلوي ابن عمر وجابر وابن عباس، روى عنه ايضاً أولاده اسحاق، ومحمد،وعبدالملك،الربيع .
وحفظت لنا كتب الحديث أحاديث للنبي r رواها الصحابي أبو أمامة البلوي ( إياس بن ثعلبة البلوي ) والتي منها قوله r : ( من أقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار ) قالوا: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله. قال : ( وإن كان قضيباً من أراك ) قال ذلك ثلاث مرات، وله حديث في التقريب .
ومن الصحابة المحدثين عبدالرحمن بن عديس بن عمر البلوي، أحد السابقين إلى الاسلام ممن بايع تحت الشجرة، وشارك في فتح مصر وأصبح من وجوه العرب هناك وكان من المنتقدين لسياسة عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) وكان قائداً لاحدى الفرق الأربعة التي جاءت إلى المدينة للاعتراض على سياسته وكان فارساً شجاعاً .
ومن الأحاديث التي رواها أنه سمع من النبي r يقول ( يخرج ناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقتلون بجبل لبنان والخليل) .
ويذكر أن ابن عديس قد سجن من قبل معاوية بن أبي سفيان ( رضي الله عنه ) في فلسطين، وقد فر من سجنه فلحقه صاحب فلسطين، فقال له ابن عديس عندما ادركه الطلب ويحك اتق الله في دمي فإني من أصحاب الشجرة، فقال: الشجر بالجبل كثير، فقتله عام (36هـ / 656م ) .
وقد روى عن ابن عديس مجموعة من العلماء التابعين منهم: أبو ثور الفهمي، أبو الحصين الحجري وأسمه الهيثم ابن شفي، وسبيع الحجري، وكلهم شهد فتح مصر أي أن معظمهم من الصحابة .
وروى عبدالله بن عديس البلوي، وهو أخو عبدالرحمن بن عديس وكان قد شهد أيضاً فتح مصر بعض الأحاديث عن النبي( r ) فقد ذكر محمد بن الربيع له حديثاً لا يختلف كثيراً عن الحديث الذي رواه أخوه فقد قال : سمعت رسول الله ( r) يقول : ( يخرج أناس من أمتي يمرقون من الدين – الحديث ).
اما الصحابي مطعم بن عبيدة البلوي فقد روى عنه ربيعه بن لقيط ، واخرج ابن منده حديثه من طريق ابن لهيعة عن اسحاق بن ربيعة بن لقيط عن ابيه قال : خرجت إلى عبد الله بن عمر في الفتنة ، فلقيت على بابه مطعم بن عبيده البلوي ، فقال : عهد إلي رسول الله (r) ان اسمع واطيع وان كان علي اسود مجدع الأطراف ، قال ابن مدنة حديث غريب .
ومن الصحابة من هذه القبيلة الذين ساهموا في نقل أحاديث المصطفى (r) للأمة ، الصحابي ابو زمعة البلوي الذي بلغه عن عبد الله بن عمرو بن العاص بعض التشديد ، الذي بلغه عن عبد الله بن عمرو بن العاص بعض التشديد ، فأتي الفسطاط فقام في الرحبة فقال : لا تشددوا على الناس فإني سمعت رسول الله ( r) يقول : قتل رجل من بني اسرائيل تسعة وتسعين نفساً...... الحديث بطوله . وروى الصحابي شبث بن سعد بن مالك البلوي ان النبي (r) قال : ( ان العبد ليخرج له يوم القيامة كتاب فيه حسنات .......) اخرجه ابو نعيم في الصحابة .
ويعتبر الصحابي عتيبة البلوي حليف الأنصار من الصحابة الذين فتح الله عليهم وألهم كلاماًغدا سنة في كل صلاة يصليها المسلم ,فعن الحسن البصري عن ابي ثعلبة الحسيني ,ان اباه حدثه قال :صلينا مع رسول الله( r ) فقام رجل خلفه فقال : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لااله الا أنت ... الحديث , وفيه فشخص بصر رسول (r) الى السماء ثم التفت فقال من صاحب الكلام فقال رجل من الأنصار من بلي يقال له عتيبة أنا يا رسول الله. فقال والذي نفس محمد بيده ما خرج اخرها من فيك حتى نظرت الى اثني عشر ملكاً يبتدرونها.
أما زهير بن قيس البلوي ابو شداد فقد روى الحديث عن علقمة بن رمثة البلوي ,وروى عنه سويد بن قيس .
ومن الأحاديث التي رواها زهير بن قيس البلوي عن الصحابي علقمة بن رمثة البلوي انه قال : بعث رسول الله (r)عمرو بن العاص الى البحرين ، ثم خرج رسول في سرية وخرجنا معه , فنعس رسول الله(r)ثم استيقظ فقال : رحم الله عمراً , قال فتذاكرنا قال كل انسان اسمه عمرو , ثم نعس ثالثة فاستيقظ فقال : رحم الله عمراً . فقلنا من عمرو يا رسول الله ؟ قالك عمرو بن العاص . قالوا : ماله ؟ قال: ذكرته اني كنت اذا ندبت الناس للصدقة جاء من الصدقة فأجزل فأقول : من اين لك هذا يا عمرو ؟فيقول : من عند الله , وصدق عمرو , ان لعمرو عند الله خيراً كثيراً, قال زهير : فلما كانت الفتنة قلت اتبع هذا الذي قال فيه رسول الله (r) ما قال فلم افارقه .
ومن رواة الحديث ايضاّ سعيد بن عثمان البلوي وزياد بن عبدالله البلوي, يروي عن ابن سندر, وروى عنه سعيد بن ابي ايوب, وعبدالله بن الحكم البلوي يروى عن علي بن رباح اللخمي, وروى عنه فقيه مصر وعالمها, الليث بن سعد واما ابو مليكه البلوي فله صحبة وللمصريين عنه حديثان او ثلاثة وكان البداح بن عاصم بن عدي البلوي, حليف الأنصار( ت 117هـ/ 732م) وله 84 سنة, ثقة في الحديث, إلا انه لم يكن مكثراً فيه.
وروى الصحابي ابو بردة بن نيار البلوي احاديث عن رسول الله e , وقد مات في خلافة معاوية بن ابي سفيان( رضي الله عنه), ومنهم ابو الشموس البلوي الذي شهد غزوة تبوك, وروى عن النبي
( e ) انه أمر الذين استقوا من بئر الحجر- حجر ثمود- ان يلقوا ما عجنوا وعملوا به.
اما سويد بن النعمان بن مالك بن عامر بن مجدعة البلوي فقد كان من المشاركين في غزوة خيبر وروى بعض الاحاديث قال: كنا مع النبي ( e) بخيبر, فأتى بسويق, فأقيمت المغرب فقام إلى الصلاة. ومنهم مسعود بن الأسود البلوي, الذي روى عنه علي بن رباح وغيره من المصريين وحديثه عند ابن لهيعة.
ولم تقتصر رواية الحديث على الرجال من قبيلة بلي بل شاركت بعض الصحابيات من هذه القبيلة في روايتها منهن زينب بنت كعب بن عجرة البلوية, وكانت عند ابي سعيد الخدري قال: اشتكى الناس علياً, فقام رسول الله e فينا خطيباً فسمعته يقول: ( ياأيها الناس لا تشكو علياً, فوالله انه لأخشى في ذات الله من ان يشتكى به) ذكره ابن اسحق. ومنهن انيسة بنت عدي الأنصارية البلوية كانت لها صحبة وهي والدة عبدالله بن سلمة العجلاني شهيد احد, فقد روى عنها سعيد بن عثمان البلوي وهي جدته. ومنهن ايضاً سهله بنت عاصم بن عدي العجلاني البلوي, زوجة عبدالرحمن بن عوف.
ان هذه اللمحة السريعة عن بعض أبناء هذه القبيلة من الصحابة الكبار ممن روى احاديث عن رسول الله( e ) تعطي مؤشراً آخر على دور هذه القبيلة في حياة الدولة الإسلامية في أيامها الأولى.
أما في الأندلس ذلك الجزء الأوروبي من العالم الاسلامي فقد كان لأبناء قبيلة بلي فيه شأن عظيم في الحياة العلمية وبشكل خاص العلوم الشرعية التي يأتي علم الحديث على رأسها, والذي نبغ فيه ابو بكر البلوي المعروف بابن الميراثي( 365-428/ 975- 1036) والذي يعد من كبار حفاظ الحديث, فقد أخذ الحديث عن كبار علماء عصره أمثال ابي عثمان سعيد بن نصر , وأحمد بن قاسم البزاز وغيرهما .
وقد رحل في طلب العلم إلى المشرق ولقي ابا القاسم السقطي بمكة المكرمة وابا الحسن بن جهم , وابا يعقوب بن الدخيل ونظرائهم بمكة وهم كبار العلماء ولقي بمصر , ابا محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ , وابا الفتح بن سيبخت (ابراهيم بن علي بن ابراهيم بن الحسن ) , وابا مسلم الكاتب وابن الوشاء وغيرهم .
ولما رأى عبد الغني حذقة واجتهاده , ونبله سماء غندراً تشبيها ً لمحمد بن جعفر غندر المحدث المشهور ,وانصرف إلى الاندلس وروى عنه الناس بها , فحدث عنه ابو عبد الله الخولاني , وابو العباس العذري ,وابو العباس المهدوي , وابو محمد بن خزرج الذي ذكره من ضمن شيوخه .
وقد اثنى الذهبي على ابن الميراثي بقوله : (الحافظ الأوحد المجود ,أحد أئمة الحديث).
ورحل عبد الرحمن بن ابي رجاء البلوي , والذي يعرف باللبشي ابو القاسم المقرىء الخطيب المحدث , والذي كان إلى جانب تضلعه بالحديث عالماً بالقراءات, فقد روى عنه القاضي ابو القاسم بن محمد القراءات السبعة وغيرها, وقرأ بمكة المكرمة علي ابن ابي العرجاء امام المقام بها.
وعرف محمد بن عبدالله بن سعيد البلوي الغاسل( ت 370هـ/ 980م) ابو عبدالله, من أهل قرطبة, بأنه كثير الكتابة للحديث حافظاً لأخبار الشيوخ وكان عوام الناس والمحتسبة يجتمعون إليه ويسمعون منه.
سمع من مجموعة من كبار العلماء من أبرزهم, قاسم بن أصبغ ومحمد بن عبدالله بن ابي أدليم, وأحمد بن مطرف, ووهب بن مسرة وخالد بن سعد وغيرهم.
ونبغ محمد بن أصبغ البلوي المكنى بأبي عبدالله أحد علماء قرطبة الفضلاء في علم الحديث, ورحل إلى المشرق في طلب العلم مع ابي عبد الله بن عابد وسمع معه من ابي بكر بن اسماعيل وغيره.
قال ابن عابد: ولما قدمنا معاً بمسند شعبة, تصنيف ابي بشر الدولابي الذي سمعناه بمصر من ابن اسماعيل, اخذه ابو محمد الاصيلي فاستغربه, وعظم قدر علو سنده, فقرأه عليه محمد بن أصبغ هذا, وكان تلميذه.
ومن علماء هذه القبيلة ايضاً عثمان بن الخطاب بن عبدالله ابو عمرو البلوي المغربي الأشح ويعرف بأبي الدنيا( ت 327هـ/ 938م) قدم بغداد بعد الثلثمائة, روى احاديث عن علي بن ابي طالب, مات وهو راجع إلى بلده.
اما ابو يزيد خالد بن عيسى بن أحمد البلوي( حوالي 713- ت قبل 780هـ/ 1370م) له تخريج. في حديث الرحمة. وكتاب عن أسانيد ثلاثيات البخاري.
موسى بن ربيع البلوي
02-16-2007, 02:15 AM
علم القراءات:
إن هذا العلم السامي الذي يبحث في القراءات المتواترة للقران الكريم قد تخصص فيه مجموعة من علماء قبيلة بلي خدمة لكتاب الله ، ومن أجل نشره بين أبناء المسامين ، ومن هؤلاء العلماء محمد بن محمد بن ميمون أبو عبدالله البلوي الغرناطي صاحب ابن الجزري فقد قرأ السبع على الخطيب اللوشي صاحب ابن الزبير وعلى الخشاب وأخذ التيسير عن جماعة .
خرج للحج فقرأ بتونس على ابن الحاجة ، وقدم دمشق سنة (772هـ/1370م) فقرأ على ابن الجزري للعشرة، وحفظ قصيدته اللامية ، وقرأ على ابن اللبان والكقري والعنابي ، ويقول ابن الجزري : وسمع منا الحديث من أصحاب البخاري وغيرهم ، وأقام عندنا سنين يقرئ ويسمع ثم توجه في سنة 784هـ / 1382م للديار المصرية فقرأ علة ابن الفتح العسقلاني ، وحج سنة 795هـ / 1383م فجاور ثم دخل اليمن فأقام في دولة ثعبات من أعمال تعز حتى مات سنة (793هـ / 1390م) ويقول ابن الجزري : ولما دخلت اليمن في سنة (828هـ / 1422م) تحققت أنه مات في ثعبات من عمل تعز بعد أن أقام وأقرأ وأسمع .
وكان خيرا صالحا ثقة حسن الخلق قرأ عليه نجيب الدين عبدالله بن قطب البيهقي بمكة ، وأبو بكر بن أحمد بن مصبح بحماة .
ومن المقرئين الكبار الذين تنقلوا بين مدن الأندلس يبثون كتاب الله ويعلمون المسلمين قراته وتلاوته العالم أبو القاسم عبالرحمن بن أبي رجاء البلوي المقرئ ويعرف باللبسي نسبة إلى قرية لبسةlapeza) ) الواقعة على مقربية من مدينة وادي لأأش . أخذ القراءات بغرناة وغيرها عن عدة مشائخ ، وحينما حج عام 498هـ / 1105م لقي بمكة أبا محمد عبدالله بن عمر بن العرجاء ، وأخذ عنه القراءات ، كما لقي أبا حامد الغزالي فسمع منه واجاز له تأليفه ، وأخذ بالمهدية بتونس عن أبي الحسن بن محمد بن ثابت الخولاني المعروف بابي الحداد الأقطع وانصرف إلى الأندلس ونزل حول سنة 505هـ / 1111م بالمرية حيث تولي الإمامة والخطبة والأقراء بجامعها ، وقد أخذ عنه أبو جماعة منهم أبو القاسم بن جبيش ، وروى عنه أبو القاسم ابن بشكوال ، ولكنه اغفل ذكره في كتابه الصلة .
كان زاهدا فاضلا مجاب الدعوة خرج من المرية سنة 541هـ / 1146م ، وسكن وادي أش حيث توفي سنة 545هـ / 1150م وهو ابن ثمان وسبعين سنة ، قال ابن مسدي كان رأس المقرئين بالأندلس في زمانه .
أما ابنه عبدالصمد بن عبدالرحمن بن أبي العرجاء البلوي أبو محمد البلوي الأندلسي الآشي المقرئ (534 – رجب 619 هـ / 1139-1222م) ، كان رواية مكثرا وواعظا مذكرا ، يتحقق بالقراءات والتفاسير ، كان أقرأ الناس ببلده ، وتصدر وحدث .
قال أبو حيان النحوي : "أن عبدالصمد هذا روى عن أبيه القران تلاوة ، وسمع منه عدة كتب ، ومات ابوه وله نحو من عشر سنين ، ومع ذلك روى الناس عنه ووثقوه ، ووثقه أبو علي بن أبي الأحوص ، وروى عنه الحافظ أبو عبدلله محمد بن سعيد الطراز وأبو جعفر أحمد بن سعد بن بشر ، وأبو جعفر أحمد بن عبدالرحمن بن عروس الغساني .
وإلى جانب علمه بالقراءات والتفسير ، كان يشارك في الحديث والعربية .
ومن العلماء الذين نبغوا في العلوم الشرعية بشكل عام العام عبدالمجيد البلوي ، من أهل مدينة البيرة في الأندلس ( ت268هـ / 881 م ) . الذي رحل في طلب العلم وسمع من العالم سحنون بن سعيد بالمغرب ، وأحمد بن عمر بن السرح بمصر ، وروى عن يحيى بن يحيى ، وسعيد بن حسان ، وعبد الملك بن حبيب .
ومنهم أبو الحسن علي بن محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله البلوي ( 552 – 623 هـ / 1157 –1226 م) . نسبه ابن الأبار إلى بلنسية ، ونسبه الرعيني (ت 666هـ /1267 ) في برنامج شيوخه إلى قرطبة ،وكان عدلاً موثقا .
أما الفقيه أبو محمد خلف بن علي بن ناصر بن منصور البلوي ، السبتي (ت400هـ/1009م ) الزاهد الذي قدم الأندلس من مدينة سبتة في المغرب, فقد كان متبتلاً سائحاً في الأرض لا يأوي إلى وطن, رواية للعلم, حسن الخط, ضابطاً لما كتب, قدم قرطبة وسكن مسجد متعة وتعبد فيه, وكان الصلحاء والزهاد يقصدونه.
روى بالمشرق عن أبي محمد بن أبي زيد الفقيه, وعن أبي محمد عبد الملك بن الحسن الصقلي وغيرهما.
وسمع منه جماعة من علماء قرطبة وغيرها منهم على سبيل المثال لا الحصر عمر بن عفيف وغيرهم.
وعندما عزم على الرجوع إلى مكة المكرمة وافاه الأجل في مدينة البيرة الأندلسية.
وبرع أبو ايوب سليمان بن ابراهيم بن حمزة البلوي ( ت435هـ/ 1043م) من أهل مالقة, بالقرآن فكان مجوداً له عالماً بكثير من معانيه, متصرفاً في فنونه من العربية, حسن الفهم, خيراً فاضلاً, وكان محسناً في العبارة مطبوعاً فيها, ذكره ابن خزرج, وهو زوج لابنة العالم أبي عمر الطلمنكي, وروى عنه كثيراً من رواياته وتواليفه, وروى عن حسون القاضي وغيره من شيوخ مالقة, وقد توفي مدينة قرطبة.
ومن أبناء هذه القبيلة الذين طلبوا العلم الشرعي في فترة مبكرة عبد الجبار بن فتح بن منصور البلوي( ت 258هـ/ 871 م) من أهل فحص البلوط في الأندلس, فقد طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة, وكان العالم محمد بن عمر بن لبابة قد اجتمع به عند العتيبي, وأبي زيد وعبد الأعلى, وكان يقول إنه لم ير بقرطبة زاهداً غيره.
وقد سمع من علماء عصره العلم والذي يأتي على رأسهم محمد بن عيسى الأعشى, وعبد الملك بن حبيب, وعبد الرحمن بن ابراهيم أبي زيد, ومحمد بن أحمد العتبي, وعبد الأعلى بن وهب, وقد توفي وهو ابن اربعين سنة.
موسى بن ربيع البلوي
02-16-2007, 02:17 AM
علم الفقة:
ومن الفقهاء الذين أشتهروا في الأندلس في الدراسات الفقهيه على مذهب الإمام مالك وأصحابه ، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن جعفر البلويمن أهل القيروان ( توفي قبل عام 400هـ/1009م ) الذي ألف عدة كتب من اهمها : كتاب الأبواب وكتابة المعرفه ، وكتاب الدين وفرائضة ، ووصل الينا كتاب "العطاء الجزيل في كشف غطاء الترسيل " لمؤلفة ابو عبد الله محمد بن احمد اللخمي البلوي ( ت577هـ /1181م ) .
اما يحيى بن عمر بن يوسف الكناني البلوي (ت213هـ / 828 م ) فكان من مشاهير فقها الأندلس ، طلب العلم في تونس ومصر والحجاز ، الف في الرد على الإمام الشافعي (رحمه الله ) ، وعلى المرجئه ، وفي فصل الوضوء والصلاة .
موسى بن ربيع البلوي
02-16-2007, 02:20 AM
الفصل الثاني :
إسهامات قبيلة بلي في الأدب
لقد برز الكثير من الأدباء والشعراء من أبناء قبيلة بلي خاصة في أحضان بلاد المغرب والأندلس, حيث اسرتهم البيئة الاخاذة بجمالها, وهيجت انهار وجداول وينابيع تلك البلاد نيران الحرقة والشوق الى وطنهم الأم.
فانقادت لهم الكلمات وطاوعتهم العبارات فانتجت اقلامهم قصائد شعرية رائعة, وقطعاً نثرية تثبت تقدمهم في البلاغة والنثر. ولعل الأديب الشهير ابو يحيى البلوي المري, محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمدالبلوي يأتي في طليعة ادباء هذه القبيلة, فقد وصفته المصادر بأنه من أبناء النعم وذوي بيوتات, كثير السكون والحياء وقد اتصل بالأديب والمؤرخ الشهير لسان الدين بن الخطيب, الذي مدحه البلوي بقصائد عدة منها لاميته الرائعة التي يقول فيها:
عللوني ولو بوعد محال
وصلوني ولو بطيف خيال
واعلموا انني اسير هواكم
لست انفك دائماً عن عقال
فدموعي من بينكم في انسكاب
وفؤادي من هجركم في اشتعال
يا اهيل الحمى كفاني غرامي
لا تزيدوا حسبي بما قد جرى لي
من مجيري من لحظ ريم ظلوم
حلل الهجر بعد طيب الوصال
ناعس الطرف اسهر الجفن مني
طال منه الجفا بطول الليالي
بابلي اللحاظ أصمى فؤادي
ورماه من غنجه بنبال
وكسا الجسم من هواه نحولاً
قصده في النوى بذاك انتحالي
ما ابتدى في الوصال يوماًبعطف
مذ روى في الغرام باب اشتغالي
ليس لي منه في الهوى من مجير
غير تاج العلا وقطب الكمال
علم الدين عزه وسناه
ذروة المجد, بدر أفق الجلال
هو غيث الندى, وبحر العطايا
هو شمس الهدى, فريد المعالي
إن وشى في الرقاع بالنقش قلنا
صفحة الطرس حليت باللآلي
أو دجا الخطب فهو فيه شهابٍ
زانه الصبح في ظلام الضلال
أو نبا الأمر فهو في الأمر عضب
جل في الدهر يا أخي عن مثال
لست تلقى مثاله في زمان
صادق العزم عند ضيق المجال
قد نأى بي حبي له عن دياري
لا لجدوى ولا لنيل نوال
لكن اشتقت ان أرى منه وجهاً
نوره فاضح لنور الهلال
وكما همت فيه ألثم كفاً
جاد لي بالنوال قبل السؤال
هاكها ابن الخطيب عذراء جاءت
تلثم الأرض قبل شسع النعال
وتوفي حق الوزارة عمن
هو ملك لها على كل حال
ولم تكن هذه القصيدة الوحيدة التي مدح بها لسان الدين ابن الخطيب بل له رائية رائعة أيضاً في مدحه, نظمها في عام( 749هـ/ 1344م) قال فيها:
لا عذر لي عن خدمة الإعذار
ولئن نأى وطني وشط مزاري
أو عاقني عنه الزمان وصرفه
تقضي الأماني عادة الإعصار
قد كنت أرغب أن أفوز بخدمتي
وأحط رحلي عند باب الدار
بادي المسرة بالصنيع وأهله
مستشمراً فيه بفضل ازاري
من شاء ان يلقى الزمان وأهله
ويرى جلال شاع في الأقطار
فليأت حي ابن الخطيب ملبياً
فيفوز بالإعظام والإكبار
كم ضم من صيد كرام قدرهم
يسمو ويعلو في ذوي الأقدار
إن جئت ناديه فنب عني وقل
نلت المنى بتلطف ووقار
يامن له شرف القديم ومن له الـ
حسب الصميم العد يوم فخار
يهنيك ما قد نلت من أمل به
في الفرقدين النيرين لساري
نجلاك قطبا كل مجد باذخ
أملان مرجوان في الإعسار
عبد الإله وصنوه قمر العلا
فرعان من أصل زكا ونجار
ناهيك من قمرين في أفق العلا
ينميهما نور من الأنوار
زاكي الأرومة معرق في مجده
جم الفضائل طيب الأخبار
رقت طبائعه وراق جماله
فكأنما خلقا من الأزهار
وحلت شمائل حسنه فكأنما
خلعت عليه رقة الأسحار
فإذا تكلم قلت طل ساقط
أو وقع در من نحور جواري
أو فت حبر المسك في قرطاسه
فالروض غب الواكف المدرار
تتبسم الأقلام بين بنانه
فتريك نظم الدر في الأسطار
فتخال من تلك البنان كمائماً
ظلت تفتح ناضر النوار
تلقاه فياض الندى متهللا
يلقاك بالبشرى والاستبشار
بحر البلاغة قسها وايادها
سحبانها حبر من الأحبار
إن ناظر العلماء فهو إمامهم
شرف المعارف, واحد النظار
أربى على العلماء بالصيت الذي
قد طار في الآفاق كل مطار
ماضره ان لم يجيء متقدما
بالسبق يعرف أخر المضمار
إن كان أخره الزمان لحكمة
ظهرت وما خفيت كضؤ نهار
الشمس تحجب وهي أعظم نير
وترى من الآفاق إثر دراري
ياابن الخطيب خطبتها لعلاكم
بكراً تزف لكم من الأفكار
جاءتك من خجل على قدم الحيا
قد طيبت بثنائك المعطار
وأتت تودي بعض حق واجب
عن نازح الأوطان ولأوطار
مدت يد التطفيل نحو علاكم
فتوشحت من حليكم بنضار
ولهذه الشاعرية المتدفقة والعاطفة الجياشة كان أبو يحيى البلوي محل تقدير العلماء فقد جرى ذكره في الأكليل بما نصه : من أولي الاتصال ، بأولي الخلال البارعة والخصال ، خطاً رائعاً ، ونظماً بمثله لائعاً ، ودعابة يسترها تجهم ، وسكون في طية إدراك وتفهم ، عني بالدراية والتقليد ، ومال في النظم الى بعض التوليد ، وله أصالة نبتت في السرو عروقها ، وتألقت في سماء المجادة بروقها ، وتصرف بين النيابة في الأحكام الشرعية ، وبين الشهادات العلمية المرعية .
وقد أثنى عليه أيضاً أبو الحسن علي بن لسان الدين بقوله : رحمة الله عليه ما أعذب حلاوته ، وأعظم مروءته ، وأكرم أصالته .
إن شاعرية أبي يحيى البلوي جديرة بالدراسة ، فأشعاره تمتاز بالجدة بالتعبير ، والأصالة في الأفكار وكما أشار صاحب الإكليل فإنه مال في النظم الى بعض التوليد ، فضلاًعن عذوبة لفظه .
ويمثل العالم الموسوعي صاحب المواهب المتعددة ابو البقاء البلوي(حوالي713- قبل 780هـ/ 1313-1378م) نموذجاً حياً لتطور صناعة النثر والشعر في القرن الثامن الهجري, ذلك القرن الذي يعد بحق قرن الابداع الأدبي والعلمي سواء في المغرب أو المشرق.
يعتبر أبو البقاء من الشخصيات الفة والمشهورة لدى المؤرخين المغاربة والأندلسيين, فقد ترجم له معاصره ابن الخطيب, وابن القاضي في الجذوة, ودرة الحجال في أسماء الرجال, ومخلوف في شجرة النور الزكية في طبقات المالكية, والمقرى في نفح الطيب وغيرهم.
قال عنه أحمد بابا التمبكتي في نيل الابتهاج: ( أبو البقاء علم الدين الإمام القاضي الفاضل). ووصفه ابن الخطيب في الإحاطة بأنه من اهل الفضل, كثير التواضع, والخلق الحسن جميل المعاشرة, محب الأدب... ارتسم بديوان الكتابة بتونس عن أميرها زمناً يسيراً, وكان يتشبه بالمشارقة شكلا ولساناً.
وأثنى عليه كذلك العالم أبو عبد الله الحضرمي(ت 747هـ/ 1346م) بقوله: هو صاحب الفقيه الأجل القاضي العدل الحاج المتخلق الحبيب الأديب, المتفنن العالم الفاضل. أما ابن مخلوف, فأطراه في
( شجرة النور الزكية, ج1, ص227) فقال: القاضي أبو البقاء علم الدين... العالم الكامل المتفنن الفاضل- الأريب المطلع الأديب.
ولعل أشمل وصف لهذا العالم الجليل ما جاء في الكبتبة الكامنة, لابن الخطيب, حين قال: فيمن لقينا بالأندلس من شعراء المئة الثامنة, القاضي أبو يزيد خالد بن عيسى بن أحمد القنتوري البلوي, صاحبنا, هذا الرجل كالجمل المحتمل يريبك مجموعه ويهولك مرئية ومسموعة, فإذا زمزم الحادي سالت من الرقة دموعه, فظاهره جسم جسيم, وللزرافة قسيم, وباطنه في اللطافة نسيم, وروض يرتاده نسيم, سكن البادية خيراً عفيفاً ومن المؤن خفيفاً يرتاح الى عقائل الآداب, ارتياح قيس الى ليلى... على انه كان عاطفياً ألوفاً يصعب عليه ان يفارق الأصدقاء والأحباب, يأنس الى كل من تعرف عليه... وإذا دخل مدينة لا يطيب له بها قرار حتى يربط علا قته بالفضلاء, فإذا فارقهم بكى حنيناً وشوقاً... يألف بسهولة ويستطيع ان يندمج في كل البيئات.
لقد كان أبو البقاء البلوي ينحدر من أسرة عريقة بالعلم خاصة العلم الشرعي, فقد تلقى العلم بمسقط رأسه قنتورية, فأخذ أولا عن والده القرآن ومبادىء العربية ثم درس القراءات السبع اثني عشر شيخاً, وذكر البلوي ان هذا العلم تسلسل في سبعة من أجداده.
وكان البلوي حر التفكير يميل الى الإجتهاد محباً للرياضة والفروسية, فقد كن يحسن السباحة ويجيد الفروسية حيث تعلم النزال والضرب واساليب الحرب كما كان حسن الخط يكتب بسرعة واتقان, وقد وصف ابن نباتة خطه بقوله: يتنافس فيه البصر والسمع, كما منح الله عز وجل البلوي صوتاً في غاية الحسن, قال ابن نباتة: يقرظ إذناً ببيانه وصوته.
وضمت ضلوع البلوي قلباً ينبض بالشفقة والرحمه ، فهو شديد التألم للمنظر المحزن فها هو يقول : فما رض ضلوعي وما فض دموعي ،إلا الأطفال يضطربون بالبكاء ويستغيثون من العطش .
كما كان باراًبوالديه، فقد زهد في الوظيفه في تونس على قلة ذات يده رعياً لوجوب الرجوع إلى وطنه ومعاينة والدته التي تركها وحدها في تونس .
ورغم هذه المواهب المتعدده والعلم الغزير إلا أن البلوي يبدو أنه وصل إلى نظرة للحياة متشائمة عبر عنها بقوله : فالليالي لاتجمع شمالا إلا شتته ولا تصل حبلاً إلا بتته ، من أطاعها عصته ، ومن أدناها أقصته ، فالبصير من يرفض الدنيا ويسأل الله في أموره .
ويبدو انه عانى معاناة كبيره من ثقته بالناس ، لانه لا ينافق ولا يخادع ، صادق امين ، ولكنه اتضح له بعد ذلك ان الثقه المطلقه بالناس تكلفه كثيرا فقال :
وقد كان حسن الظن بعض مذاهبي
فأدبني هذا الزمان وأهله .
لقد اولع ابو البقاء البلوي بالشعر رواية وحفظا خاصة الشعر الأندلسي, وكتابة تاج المفرق مليء بمحفوظاته في هذا الباب.
فله مجموعة منتقاة اختارها من اشعار معاصريه, فضلاًعن ديوان شعر.
وسنحاول ان نعرض لشذرات من شعر هذا العالم الموهوب لتكتمل لنا الصورة عن شاعريته المتفقة, حيث تنساب الكلمة على لسانه انسياب النسيم العليل على الأزهار والرياحين المتعانقة في المروج الخضراء في ليلة من ليالي الربيع المقمرة .
لقد حرقت الغربة قلب البلوي فهو في كل مناسبة يحن الى وطنه ويسكب الدمع المدرار لذكراهم خاصة عندما يرى الناس يتزاورون ويتبادرون التهاني في الأعياد, فلنستمع اليه في 737هـ/ 1336م عندما ادركه عيد الأضحى بتونس يرتجل في مصلاها:
أتى العيد واعتاد الأحبة بعضهم
ببعض واحباب المتيم قد بانوا
وأضحى وقد ضحوا بقربانهم وما
لديه سوى جمر المدامع قربان
ومن شعره في هذا الباب أيضــــــاً:
ولقد جرى يوم النوى دمعي دماً
حتى أشاع الناس أنك فاني
والله إن عاد الزمان بقربنا
لكففت عن ذكر النوى وكفاني
لقد استنكر البعض ظهور الشيب في مفرق أبو البقاء رغم انه في شرخ الشباب, فأوضح لمن استنكر ذلك بأن البعد عن الأوطان ومفارقة الأحبة هو السبب في ظهور الشيب المبكر في رأسه فقال:
ومستنكر شيبي وما ذهب الصبا
فقلت فراقي للأحبة مؤذن
ولا جف ايناع الشبية من غضي
بشيبي وإن كنت ابن عشرين من سني
وكل أشعار البلوي تتدفق شوقاً وحنيناً ويندر ان تد قصيدة له تخلو من ذلك, كما ان جميعها يمس شغاف القلب ويجعل المتلقي يتفاعل مع عواطفه ويعيش معه في غربته, ومعاناته, وتجعله يئن مع انينه ويبكي مع بكائه, فلنستمع لهذه القصيدة:
بعثت خيالا والعواذل ضجع
فسرى ينم به شذاً يتضوع
دنا يعاطيني الحديث على دجى
كأس الثريا في يديه تشعشع
وكأنما الإكليل جام مذهب
بيواقت الجوزاء فيه مرصع
نادمت فيه أخا الغزالة جؤذراً
يغدو بأكناف القلوب ويرتع
في ليلة لا الوصل فيها بنينا
خجل ولا قلب العفاف مروع
رق الهواء بها ورق لي الهوى
فمشى موشى بيننا وموشع
ياجيرة جار الزمان ببعدهم
لم يخل منكم في فؤادي موضع
لم تسكنوا وادي الأراك وإنما
قلبي مضيفكم ودمعي المربع
والله ماضحك الربيع بربعكم
إلا وعن عيني بمزن يهمع
وإذا شكوت الى الصديق فإنه
يسليك أو يغنيك أو يتفجع
يابار فا تنشق عنه سحابة
عن مثل مدمعي السفوح وتقلع
أشبهت من أهواه حسن تبسم
فأصبت إلا أنه هو أنصع
بالله خذ عني تحية نازح
لم يبق فيه اليوم فيما يطمع
واقرأ على الجزع السلام وسح من
قطرات دمعك حيث تلك الأربع
ما كان أطيب عيشنا الماضي بها
لو كان ذلك العيش فيها يرجع
أيام نغفر للصبا ذنب الهوى
ونشفع الوجه الجميل فيشفع
ماسرني تبديد دمعي لؤلؤاً
وعهدته بيد الحسان يجمع
موسى بن ربيع البلوي
02-16-2007, 02:21 AM
وعندما عزم البلوي على الرحيل عن بلده في رحلته التي دونها في تاج المفرق وذلك في ضحوة يوم السبت الثامن عشر لصفر من عام736هـ/ 1335م مودعاً للأهل والأصدقاء, نجده يتجرع آلام الفراق لا بل انه عندما غادر بلده وودع أهله كأنه فارق روحه ففي تلك اللحظات العاطفية الجياشة قال:
ودعت قلبي يوم ودعتهم
وقلت يا قلبي عليك السلام
وقلت للنوم انصرف راشداً
فإن عيني بعدهم لا تنام
محرم يا عين ان ترقدي
وليس في العالم نوم حرام
وهاهو يعبر نثراً وشعراً عن هذا الموقف مرة أخرى فيقول: وقد أعدت الركاب, وطاشت الألباب, وحضر للوداع جميع الأحباب, وأنا أصبر كصبر ميت على النزاع, وأقول ما خلق الله من عذاب أشد من وقفة الوداع, أعالج السياق, وأعاين المنايا بين أخفاف النياق, ثم يقول:
أقول لصحبي حين ساروا ترفقوا
لعلي أرى من بالجناب الممنع
وألثم أرضاً ينبت العز تربها
وأسقي ثراها من سحائب أدمعي
وينظرطرفي أين أترك مهجتي
فقد أقسمت أن لا تسير غداً معي
وما أنا إن خلفتها متأسفاً
عليها وقد حلت بأكرم موضع
ولنعش مع أشعار البلوي الشجية عندما ارتحل عن بلده, وأخذت تنازعه وساوس النفس, هل سيمتد به العمر ويعود مرة أخرى اليها, إنه شعور المسافر الذي لا يعلم ماذا يخبئ له القدر أثناء ترحاله, فقد عبر عن تلك الهواجس شعراً حين قال:
ليت شعري أنلتقي بعد هذا
أم وداعاً يكون هذا اللقاء
فاذكروني وزودوني دعاء
خير زاد تزودوني الدعاء
وتتكرر الصورة في كل موقف وداع في معظم المناطق التي زارها في رحلته وهي كثيرة فقد أنشد أبياتاً معبرة عن الفراق حين قال :
ماذا وقوفك والركاب تساق
أين الجوى والمدمع المهراق
ألغير هذا اليوم يخبأ أو ترى
بخلت عليك بمائها الأماق
حتى لقد رحلوا بقلبك والكرى
إن النواظر لا الدموع تراق
وتتدفق عاطفة البلوي الايمانية فياضة رقراقة عندما تتراءى له المدينه المنورة ، فتتوارد لدية الأفكار تجيش به العواطف المفعمه بحب المصطفى صلى الله علية وسلم ، فيا له من موقف مؤثر صوره أبو البقاء البلوي اجمل تصوير حين خط ببنانه ارتجالا قصيدة هي أشبة بلوحات عاطفيه مجسدة تصور لقاء المحبوب مع حبيبه ذلك اللقاء المفعم بالحرقة والشوق ، والاعتراف بالذنب لطول الفراق وعدم التعجيل بالقاء مع كبير الامل والرجاء بأن يصفح المحبوب الزله ويقيل العثرة فقد قال :
الله أكبر حبذا إكباره لاح الهدى وبدت لا أنواره
لاحت معالم يثرب وربوعها مثوى الرسول وداره وقراره
هذا النخيل وطيبة ومحمد خير الورى طرا وها أنا جاره
هذا المصلى والبقيع وهاهنا ربع الحبيب وهذه آثاره
هذي منازله المقدسة التي جبريل ردد بينها تكراره
هذا مواضع مهبط الوحي الذي تشفى الصدور من العمى أسطاره
هذه مواطىء خير من وطىء الثرى وعلا على السبع العلا استقراره
ملأ الوجود حقيقة أشراقه فأضاء منه ليله ونهاره
والروضة الفيحاء هب نسيمها والبان بان ونم منه عراره
وتعطرب سلع فسل عن طيبها لم لا تطيب وحولها مختاره
بشرك يا قلبي فقد نلت المنى وبلغت ما تهوى وما تختاره
قد أمكن الوصل الذي أملته وكذاك حبي أمكنت اسراره
قد كان عندي لوعة قبل اللقاء فالآن ضاعف لوعتي ابصاره
رفقاً قليلاً يا دموعي أقصري فالدمع يحسن في الهوى أقصاره
قد كانت العين الكريمة في غنى عن أن يفيض بتربها تياره
أيضيع من زار الحبيب وقد درى ان المزور بباله زواره
أيخيب من قصد الكريم وعنده حسن الرجاء شعاره ودثاره
أيؤم بابك مستقبل عاثر فيرد عنك ولا تقال عثاره
حاشا وكلا أن تخيب آملا فيعود صفراً خيبت أسفاره
يا سيد الارسال ظهري مثقل فعسى تخف بجاهكم أوقاره
رحماك الصغار وقد تعاظم وزره والعفو تصغر عنده أوزاره
شط المزار ولا قرار وشدما يلقي محب شط عنك مزاره
وافى حماك يفر من زلاته واليك يا خير الانام فراره
وأتاك يلتمس الشفاعة والرجا اقتاده وظنونه أنصاره
والعبد معتذر ذليل خاضع ومقصر قد طولت أعذاره
متسول قد اغرقته دموعه متنصل قد أحرقته ناره
قذفت به في غربه أوطانه ورمت به لعلائكم أوطاره
فامنن وسامح واعف واصفح واغتفر فلأنت ماح للخطا غفاره
صلى عليك الله ما حيا الحيا روض الربا وترنمت أطياره
أجل إن ما تقدم من اختبارات من شعر أبو البقاء البلوي تدل دلاله واضحه على شاعرية متمكنه ، وموهبه ملكت ناصية التعبير فانقادت لها الكلمات فتشكلت منها صور شعرية رائعة تنبض بالحياة والحركة .
هذا ولم تتوقف مواهب البلوي عندما ذكرنا من جمعه لتلك المعارف بل كانت له يد طولى وشأن يذكر في الموشحات ونختم الحديث عن أبي البقاء بما ختم به المقري حين قال : ومحاسنه كثيرة وفي الرحلة منها جملة
ومنهم الأديب الشاعر الأبرش البلوي ، عبدالله بن ابي العباس الأبرش البلوي ، من أهل باجة القمح ، وهو شاعر قديم معروف بحب الغريب من اللغة ، وله أراجيز كثيرة ومن نماذج شعره الذي يعتز فيه بقبيلته :
وحول بيوت الحي جرد ترى لها إذا ما علا صوت الصريخ تحمحما
وفي الحي فتيان تخال وجوههم إذا سفروا في ظلمة الليل أنجما
زنود النهى سحب الندى أنجم الهى بدور السنا عرق الوفا أسد الحمى
هم أقدم الاملاك ملكا وسؤددا ومجد وآلاء وفخراً ومسلما
فمنهم زهير بن الجناب الذي سقى كؤوس الردى حي معد وأطعما
وألبس لابني وائل ذلة وألزم دار الهون من كان أحزما
فلما سطا الجبار أبرهه الذي يصول الردى إن صال يوماً وصمما
ومنها :
ونحن مننا بالقطاقط منة بأسرى تميم بعد حولي لأكثما
معالي بني قحطان بيض زواهر يرى غيرهم بين السماكين معلما
هم تركوا في ذلك اليوم هرقلاً وأشياعه للبيض نهباً مقسما
وهم دافعوا عن نفس بهرام فارساً عداه بهم برواز لاذ وخيما
إذا ماتتوجنا فلا ناس غيرنا ونمنع من شئناه أن يتعمما
وكنا ذوي التيجان قبل محمد ومن بعده نلنا الفخار المعظما
نصرنا وآوينا ونلنا بنصرنا له شرفاً ضخماً وعزاً مقدما
فقل لمنايونا : صهٍإن عزنا جميع ملوك العجم والعرب أرغما
ألسنا ضربنا بالسيوف وجوهكم على الدين حتى قد أبنتم عن العمى
وقدناكم للحق قوداً وأنتم ترون الهدى غياً وجرماً محرما
ونحن جعلنا للبهاليل منكم على الدين من فوق العذارين ميسما
الى أن علا الاسلام وانتشر الهدى وأصبح دين الله أكرم منتهى
وأشرقت الدنيا لأحمد وارتمت بنا همة الاسلام أبعد مرتمى
ففاخر بقحطان بن هود ويعرب إذا أنت فاخرت امرءاً فهما هما
ومن شعره أيضا :
يا ذا الذي في خده جيشان من زنج وروم
هذا يغير على القلو بـ وذا يغير على الجسوم
إني وقفت من الهوى في موقف صعب عظيم
كوقوف عارضك الذي قد حار في ماء النعيم
صاح الجمال به فعرج خيفة كجناح جيم
ويعد الشاعر الاديب احمد بن محمد بن فرج البلوي المعروف بالبساري من مشاهير شعراء قبيلة بلي في الاندلس في القرن الثالث وبالتحديد في عهد عبدالرحمن بن الحكم ( 206 – 238 هـ / 821 – 852 م ) ومن نماذج شعره تلك القصيدة التي هجا بها الوزير حامد بن محمد الرجالي :
فعل اللئيم وليلته لم يفعل وأتى بفعل مثله لم يجمل
ذبح الضفادع في الصنيع ولم يدع للنمل جارحة ولا للقمل
وضع الطعام فلو علته ذبابة وقعت لتكمل شعبة لم تكمل
وكأنما خرطت صحاف طعامه من دقة ودمامة من خردل
وكأن فترة صحفه في البعد والإبطاء فترة مرسل
ومن شعراء بلي الظرفاء الشاعر أبو بكر عبدالرحمن بن سليمان البلوي السبتي وهو أديب شاعر من اهل العلم له أشعار لطيفة في ممازحة الاصدقاء
روى ابن حزم في طوق الحمامه انه كان يجتاز الطريق مع عبدالرحمن البلوي الشاعر السبتي فأنشده البلوي لنفسة :
سريع الى ظهر الطريق وانه الى نقض اسباب الموده أسرع
والى جانب هؤلاء الشعراء تذكر لنا المصادر أسماء بعض النسوة من هذه القبيلة ممن قرضن الشعر ومن هذه النسوة أم ضيغم البلويه ، وهي شاعرة من شواعر العرب ، قالت :
وبتنا يقيناً ساقط الطل والندى من الليل برداً يمنه عطران
نذود بذكر الله عنا من الشذى إذا كان قلبانا بنا يجفان
وذكر عمر رضا كحال ايضا بأن خيرة بنت أبي ضيغم شاعرة من أظرف الشواعر .
ومن الجدير بالملاحظة ان قبيلة بلي قد قدمت لنا علماء رواداً في حقل البلاغة والنثر ، فأهل البلاغة يذكرون بكل تقدير الكاتب البليغ البلوي الذي عاش في أوائل العصر العباسي الاول وعاصره ولاة أبي جعفر المنصور والمهدي وهارون الرشيد على بلاد اليمن التي عاش فيها .
لقد نصب بشر البلوي نفسه لدفع ظلم الظالمين وفجور الفاجرين وتحيز المتحيزين ، فكتب عدة رسائل الى حكام وولاة الدولة العباسية ينهج فيها اسلوبا جديداً اعتمد فيه على اقتباس من القران الكريم فجاءت كلماته درراً لامعه تأسر من يقرأها وقد وصف بعض الأدباء بلاغته بأنها كانت تتهادى في البلاد وكان فيها مأخذ لم يسبقه اليه أحد ولم يلحق فيه ، وانه فيها أوحد ، وانه لا بشابه في بلاغته البلغاء ، وانه منفرد بحسن الاقتباس من آي الذكر الحكيم .
هذا وقد نشرت هذه الرسائل اخيراً وصدرت في كتاب يحمل اسم رسائل بشر البلوي .
هذا لمحة سريعة أردنا من خلالها ان نبرز بعض اسهامات هذه القبيله في الحياة الادبية في الدولة الاسلامية عبر ادوارها التاريخية ، علماً بأنه يوجد العديد من الشعراء والادباء الذين لم نعرج عليهم .
موسى بن ربيع البلوي
02-16-2007, 02:30 AM
الفصل الثالث :
إسهامات قبيلة بلي في علوم اللغة
لقد كان أبناء هذة القبيله شديدي الاعتزاز بلغتهم وتمسكهم بمفرداتها مهما نالت أماكن وجودهم وهذا ما لاحظة المؤرخون كما تقدم في صدر هذا الكتاب ، لذا ليس مستغرباً ان ينبغ أبناء هذه القبيله في علوم اللغة وما يتفرع منها من علوم وآداب
ومة العلماء الذين خدموا لغة القران في الاندلس ووصلت الينا مؤلفاتهم العلم الفحل أبو الحجاج يوسف بن محمد بن عبدالله البلوي ، بابن الشيخ ( 527 – 604 هـ / 1133- 1208 م ) المولود بمدينه مالقة في الاندلس ، وهوأديب ولغوي وفقيه ، وقد اولع باللزوم في شعره .
كان من المعاصرين لصلاح الدين الايوبي ، واشترك معه في الحروب الصليبية مجاهداً كما اشترك مع المنصور الموحدي في غزواته ضد الافرنج . ولم تفته غزوه في البر ولا في البحر .
لقد انحدر ابو الحجاج البلوي من احد بيوتات مالقة الدينية التي تولى الخطابة التي تولى الخطابة بها فعرف بالورع والتصوف والزهد في الدنيا ، فأقبل على أعمال الخير والبر فبنى ببلده مالقة خمسة وعشرين مسجداً من صميم ماله ، وعمل فيها بيده ، وحفر بيده آباراً عدة ازيد من خمسين بئراً ، وكان يلبس الخشن من الثياب .
ومن أبرز شيوخة السهيلي المالقي ، وابن قرقول وابن دحمان وغيوهم . ومن الواضح ان الجانب الادبي هو الغالب على ثقافته وان الطابع الديني من روع وزهد هو الغالب على شخصيته .
وقد ذكر له اثنان من المؤلفات :
1 – ألف باء
2- وتكميل الأبيات وتتميم الحكايات مما اختصر للأدباء في ألف باء ، وقد أحال في ثنايا كتابه ألف باء اكثر من مرة ، مما يرجح عمله في الكتابين في آن واحد ، وهو كتاب ادبي فيه تاريخ وأدب وشعر ووعظ توسع فيه أوجز في ألف وباء من أخبار وأشعار ، وهو مفقود ، كما أن له رحلة الى المشرق حج فيه وذلك فيما بين ( 560 – 562 هـ / 1164- 1166 م ) وفي كتابه ألف باء الكثير من الاشارات الى حياته ورحلته ومن لقيه من العلماء وأحوال المجالس العلمية في عصره .
لقد كان أبو الحجاج حريصاً على تدوين العلم منذ فتره مبكرة من حياته وقد ذكر ذلك صراحة حين قال : ( ....... إني كنت في سن الحداثة ، وزمن الطلب أسمع الحكاية من الشيخ فتعجبني فأكتبها عنه وأحفظها ، فلما صرت في حد من يقرأ الكتب ويطالعها كنت أرى تلك الحكاية في الكتاب فأقول من
هاهنا أخذها ثم اجدها بعينها في كتاب آخر وفي آخر...).
وسنحاول في الصفحات التالية أن نعرض لكتاب أبو الحجاج البلوي والذي وصل الينا كاملاً وهو كتاب ألف باء الذي وضعه لتأديب ابنه عبدالرحيم ، فوضع في هذا الكتاب عصارة فكرة ، وما حوته ذاكرتة من معلومات / وما جمعتة مكتبته وتجاربة فجاء أشبة بموسوعة علمية في اطار لغوي وأدبي فريد ، وسنحاول أن نبرز بعض الجوانب التي تميز بها ، والاضافاعت العلمية التي اضافها .
كتاب ألف باء :
يعد هذا الكتاب من عيون كتب التراث ذات النهج الموسوعي فقد جمع فيه معارف عصره من رحلة ، وفقه وحكايات وطرائف ، وأدب ولغة وما إلى ذلك ، ولكنه يعتمد في عرض كل هذه المعلومات على اساس المعجمي في بنائه . إن البلوي أراد من خلال هذا الكتاب أن يخدم عدة قضايا من أبرزها الذب عن العرب والعربية ، ويتضح ذلك من خلال رده على رسالة ابن غرسية في تفضيل العجم على العرب وهي رسالة تفيض بالتحامل على العرب ةتمجيد العجم .
لقد عقد ابة الحجاج لهذه القضيه في كتابة ألف باء . وذلك بعد قرنين تقريباً من صدور رسالة ابن غرسية فصلاً خاصاً عن فضل العرب ، وما يمسب لهم من الفروسية والشجاعة ، وحب الحرية والاباء والجود ، وفصاحة اللسان والشاعرية وغير ذلك من الخلال المأثورة ثم يعطف على رسالة أبي عامر بن غرسية ويقول : ( انه قد فسق في رسالتة ، وبدع وسب بسببها وجدع ) ثم يبدي دهشته من تسامح أهل عصره وتركهم لابن غرسية وأمثاله دون عقاب ويقول : والعجب من أهل ذلك الزمن كيف استقروا على هذه الفتن ، وأقروا هذه المجتري على هذا الاجراء ، وما جاء به من الافتراء ، أم كيف أبلغوه ريقه وأوسعوا له طريقة ولم يهلكوه وفريقه .
إن البلوي الذي يفصله من الناحية الزمنية ما يقارب من قرنين من الزمان عن ابن غرسية كما تقدم ورغم كثرة من رد على ابن غرسية من العلماء ، الا انه رأى من الواجب أن يتصدى لهده الرساله ليؤكد مكانه العرب ، وتفضيلهم على غيرهم بفضل اختيارهم شهداء على الناس باختيار خاتم الانبياء منهم .
لقد بدأ البلوي كتابه ألف باء بمقدمة طويله تنتهي في الصفحة 245 من الكتاب ، أوضح فيها الهدف من هذا التأليف ، وشرح منهجه في التأليف بشكل مفصل ، واورد مجموعه فوائد اخرى لبعضها اتصال وثيق باللغة .
ثم أخذ البلوي بعد تلك المقدمه بالتعليق على أبيات قصيدته التي جعلها عماد الكتاب ومركز فصوله ، وفي فصول الكتاب التالية . فنجد دائماً بين أيدينا مادة لغويه تعقبها فوائد هي عباره عن مجموعه أخبار وروايات وتعليقات تدفعه الى ذكرها إشارات أو اسماء , وردت خلال المادة اللغوية المذكورة فبلها .
وخلاصة طريقته انه كرر الالف مع سائر حروف المعجم مثل أب و أت و أث ، ثم ساق معكوس ذلك مثل : با و تا وثا ، ثم مقلوبه ألف بين حرفين مثل باب وتاب وثاب ، ثم مقلوبه أيضا : حرف بين ألفين مثل أبا وأتا و أثا . وللحصول على قافية واحده جعل نهاية كل بيت كلمة فيها الحلارف المعجمي مع اللام . وساق في الشرح كل ما يتبادر الى ذهنه من المواد اللغوية المتعلقة بهذه الكلمات والتقاليب والاشكال . وأوضح الصعوبات التي واجهته في نظم أبيات قصيدته تلك وتأيف مفرداتها .
وحروف المعجم فيه مرنبه على ترتيب المغاربة للحروف الابجدية :
( أ ، ب ، ت ، ث ، ج ، ح ، خ ، د ، ذ ، ر ، ز ، ط ، ظ ، ك ، ل ، م ، ص ، ض ، ع ، غ ، ف ، ق ، س ، ش ، هـ ، و ، ي ) .
وقال عن صنيعه في تفسير الالفاظ : ثم أفسر اللفظة بما أدرية ، وما وجدته في كتب اللغة وما ذكرة العلماء ، وقد عنى الالفاظ هذه ومعكوسها ومقلوبها هي وما يوحي به شكلها وربما جلبت فائدة ثانيه وعكساً آخر يفيد علماً زائدا ً .
وقد وقف في نهاية كل فصل عند الحرف – أو الاحرف – المذكورة فيه ، ذاكراً المخرج والصفه ، وما يوحي به شكل الحرف ومقلوبه ومعكوسة من استعمالات لغوية .
والقسم الثاني لكل فصل هو الفوائد والحكايات التي يسوقها مجموعه ، ولم يكتف بذلك بل كان باستمرار الى ما يكلمها ويعزز في كتابه الآخر : تكتميل الابيات وتتميم الحكايات ، مما اختصر للألباء في ألف باء .
ومن الموضوعات التي تطرق لها في مقدمته : اللحن ومعانية ومبحث النقط والشكل وترتيب الحروف ومعنى الحرف في اللغة ، وحروف المعجم ، ومعرفة الحروف المقطعه في اللغة وأسالحرف في اللغة ، وحروف المعجم ، ومعرفة الحروف المقطعه في اللغة وأسماء الله الحسنى .
وهي موضوعات كما هو ملاحظ في غاية التخصص ، ويتضح تخصصه الدقيق في اللغة عندما يخوض في علم الصوتيات فانظر على سبيل المثال عندما يورد فوائد لغوية صوتية كقوله عند مخرج الصاد : ( ويشركها في هذا المخرج السين والزاي ، واشتركوا في البدل في كلمه واحده مثل : سراط ، وصراط ، وزراط ، ذكر هذا ابن دريد وقال : ليس هذا في كل كلام ألا تراهم لا يقولون : سبغت الثوب في معنى صبغت ، ولا صوق في معنى سوق ، إلا ان يونس بن حبيب ذكر انه سمع من العرب الصوق بالصاد . وهو يستدر في هذا المثال على رأي ابن دريد .
أجل ان البلوي لا يقف متفرجاً على القضايا التي يناقشها بل نجده يتخذ موقفاً لتأكيد بعض الأراء ، فقد جاء عند الكلام على الوضوء وقال : ( وبين علماء اللغة في هذه اللفظه خلاف منهم من يقول الوضوء بالفتح المصدر ، ومنهم من يجعله الماء ومنهم من يقول الوضوء بالضم هو المصدر ، والذي جاء في الحديث ، وذكره مالك رحمه الله في الموطأ : فأتى رسول الله صلى الله علية وسلم بوضوء في إناء ، وهو هنا الماء لا غيره ، وبالفتح قرأناه عل الأشياخ لاغير )
لابل انه ربما أورد ملاحظات في الدلاله وتطويرها ، وأصل الالفاظ من ذلك : ( والألص : المجتمع المنكبين يكادان أن يمسا أذنية ، ولصص بنيانه مثل رصص ، ومنه سمي اللص لصاً ، لانه يجمع نفسه ويلاصص شخصه ليستتر بذلك ) ومن ذلك ايضاً الى المترادفات مثل : ويقال اللص ايضاً الشص .
هذا وللبلوي رأي شخصي في الاستشهاد فيقول : ( واستشهد على ذلك بما أحفظه من الشعر ، وبما قالته العرب ، وربما ذكرت ما قاله غيرهم من المولدين المشهورين ، وربما كرت شعر من لقيته من أشياخي ، ون لم يكن في ذلك حجه ففيه أنس ، مع الثقه بعرفتهم وفضل التقدم علينا في كل أمرهم )
ولم يكتف البلوي بالبحث اللغوي بل استطرد الى ذكر تفضيلات أدبية وتاريخية تخدم الغرض الي من اجله كتب الكتاب وهو تزويد ولده عبدالرحيم بمعلومات في مختلف العلوم انطلاقاً من اللغة وبالتالي هو يهدف الى خدمه اللغة العربية والثقافه العربية بابراز مثل هذه المعلومات اتستفيد منها الامه .
وحتى تكتمل الفائده ونتعرف على منهج البلوي في هذه الدراسة الموسوعية التي كتبها في حدود عام 603 ه ـ / 1206 م ) نورد نموذجاً من مادة الكتاب اللغوية وليكن الفصل الخاص بمادة ( الألف مع الصاد وأختها الضاد).
وهذا الفصل يعتمد على بيت واحد من قصيدته التي هي عماد هذا الكتاب, والبيت هو:
وأصّ وأصّ وأضّ واض وصل وضل
والمادة اللغوية تنقسم إلى الأقسام الأربعة الأساسية التالية: الألف مع الصاد- الألف مع الضاد- القافية: صل وضل- الصاد والضاد. أما عرض المفردات فيها فيرتكز إلى: المفردات- معكوس الكلمة- مقلوب الكلمة: ألف بين حرفين, وحرف بين ألفين, وماهو من شكل الكلمة.
وتقع مادة الألف مع الصاد في صفحة واحدة, وقد بدأها بقوله: الأصّ والأصّ واحد, وهو الأصل.
ثم زاد فائدة بأن أورد صيغة الجمعة, مستشهداً لها برجز لم يسم قائله,( والجمع آصاص, قال الراجز:
قلال مجد فرّعت آصاصا وغرةً قعاء لن تناصى
ثم استطرد لشرح مفردة وردت في هذا الشاهد:
معنى تناصى: تنال من ناصيته, أي حاذيت ناصيته, وتناصى الرجلان: أخذ كل منهما بناصية صاحبه.
ثم قفز إلى مفردة جديدة: والصأصأة: تحريك الجرو عينيه قبل التفتيح.
وهذا يعني انه انتقل إلى بناء جديد, وهو معكوس الألف مع الصاد, ولم يجد له استعمالاً غير هذا البناء المضاعف غير انه في مادة ضئضئ التالية أورد الحديث الشريف: ( يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين.. الحديث) وهذا الحديث مروي باللغتين, الضاد والصاد, وإن كانت الأولى أعرف.
ورغم ان (آص) غير مستعمل, وهذا ما لم ينص عليه في البيت أو في الشرح وإن أهمل ذكره, فإنه ينتقل إلى ايراد معكوسه ومعكوس آص صاء:
وقدم لهذا البناء ثلاثة استعمالات, أولاها: يقال: صاءت الفأرة تصيء صأيا وصئيا: صاحت, وكذلك السنور, والكلب, والطير, وفي مثل ( جاء بما صاء وصمت) يعني: بما نطق وصمت, فاهتم بايراد مضارع الفعل, وصيغتي مصدره- وهذا مما لم يلتزم به دائماً- واهتم بايراد فائدة, وهي تعداد الحيوانات التي ينسب إليها هذا الصوت, وأورد شاهداً على هذا الاستعمال وهو مثل هنا.
وثاني هذه الاستعمالات وهو اسم: ( والصاء : الماء الذي يكون في السلى. يقال: ألقت الشاة صاءتها, وهو ما يخرج بعد الولادة من القذى وجمعها صاء قال المدرك الفقعسي:
مقطعة الصديد يجيء منها على الرجلين صاء كالخراج
ثم قطع تسلسل العرض وأتى بمواد جديدة:
وأصاءة اللسان: حصانته ورزانته, وهذا ينبغي ان يأتي في مادة الصاد بين حرفين أصا التالية.
والأصية حساء يصنع بالتمر. ثم ذكر الاستعمال الثالث لبناء صاء وهو فعل, ويقال: صاء فلان رأسه إذا غسله فلم ينقه, ويستمر في متابعة الأبنية التي يهتم بها, مقلوبه: ألف بين حرفين: صاص, مهمل تنص على كون البناء مهملاً, وانتقل إلى الشكل الآخر من التقليب .
وكذلك ( أي مهمل ) حرف بين ألفين ( أصا ) إلا إن دخلت همزة الاستفهام على صاء واللجوء إلى الاهتمام بشكل الكلمة بادخال ماليس فيها تمحل درج عليه في كتابه مثل عدة واو العطف في الكلمة . وبدل اللجوء إلى الاعتكاز على همزة الاستفهام كان بامكانه الاشارة إلى اصاءة اللسان التي أوردها في غير موضوعها .
وفي مادة الألف مع الضاد تناول المواد : أض ، وآض ، وأيضاً، والضئضيء، والضوة ، والضوة ، والضوضاة ، وضاء( معكوس آض) وضاء بجعل الواو أصلية ، وضاض ( مهمل )، وأضا: بكل مايوحي به شكلها من استعمالات.
الصاد والضاد : ليس بينهما من تناسب إلا في الشكل والصوره وإنهما معاً من الحروف الرخوة ، ومن حروف الإطباق .
والضاد هي أخت الظاء في الإطباق ، وأما في المخارج فيختلفان مخرج الضاد من اول حافة اللسان وما يليها من الأضراس ، ومخرج الطاء قد تقدم في بابها فأغنى عن إعادته ( ج2 ،ص367) ولا أعلم فيها كلاماً أكثر من انه يجيء من شكلها كذا معربة : ضاد فلان فلاناً، كما تقول شاقة وأحادة وهو معلوم ، ومقلوب ضاد: ضدا . وفي القرآن : ( ويكونون عليهم ضداً).
ويبقى انه ينبغي ان يفرق بينهما وبين الظاء في النطق لئلا تنقلب المعاني في مثل : ظل، وضل ، نعم وربما أشبه ذل ، ومثل : محظور، ومحضوراً، ومحذوراً، فبالمخارج يتبين المعنى .
وبهذا تنتهي المادة اللغوية المعجمية الخاصة بهذا الفصل .
ويسوق رضا عبد الجليل الطيار بعض الملاحظات العامة على هذه المادة كأنموذج لبقية المواد الواردة في الكتاب فقال إن البلوي في المادة اللغوية السابقة أورد عشرة شواهد من القرآن ، منها قراءتان ، وعشرة شواهد من الحديث ، وثلاثة أمثال ، وشاهداً واحداًمن أقوال الفصحاء ، وأورد اربعة وعشرين شاهداً من الشعر والرجز ، تسعة منها منسوبة وهي لاتخرج عن عصور الاستشهاد المعروفة .
ولا نعدم ان نجده يتخذ موقفاص خاصاً بتاييده لأحد الآراء وربما وردت لديه ملاحظات في الدلالة وتطورها وأصل الألفاظ ولكنها ملاحظات ترد عرضاًـ كما هو الحال في معظم المعاجم الاخرى ـ وهي قليلة ماخوذة من المصادر المتقدمة . ومن ذلك ايضاً اشاراته إلى المترادف ، وربما أورد فوائد لغوية أخرى مثل ذكره للغات أخرى في المفردة ، ومثل ايراده لفوائد صوتية كقوله عن مخرج الصاد ، ويشركها في هذا المخرج السين والزاي ... وربما استطرد إلى ذكر تصيلات ادبية أو تاريخية رغم وجود قسم طويل في كل فصل للفوائد .
وبعد فكاتب ألف باء بحق يعد من المصادر القيمة في تراثنا العربي الإسلامي ، فهو معجم للباحثين في اللغة يجدون فيه فوائد قيمة ، وايضاً لايعدم الباحث في الأدب ، والتاريخ ، والعلوم الشرعية فوائد يقتنصها من خلال تعليقات البلوي التي تنم عن فكر اصيل ، ومحبة للغة القرآن الكريم ، وثقافة موسوعية يلاحظها بشكل واضح المتعامل مع كتاب ألف باء، فضلاً عن ذلك فإن الكتاب من تأليف عالم عامل ، فهو مجاهد يشارك في الذب عن حياض ديار المسلمين ، إلى جانب عنايته باستكمال جوانب ثقافته ، فهو إنموذج بحق للمسلم الذي فهم دينه بشكل جيد ففجر طاقاته ، واستغل وقته بكل ماهو نافع .
هذا وقد أثنى المستشرق الأسباني آنخل جنثالث بالنثيا على البلوي مؤلف كتاب ألف باء ، واوضح بأنه المصدر الوحيد الذي قدم لنا وصفاً دقيقاً لمنارة الاسكندرية وذكر أيضاً بان البلوي تكلم في كتابه هذا عن موضوعات في الحساب والطبيعة والنبات والحيوان ، وتحدث في علم الاجتماع والشريعة والأديان والمذاهب وفقه اللغة ومخارج الحروف والنحو ومعاجم اللغة وعلم الصرف والشعر والحكايات والاساطير واكد ان الكتاب عبارة عن موسوعة مختصرة تجمع ثقافة أواسط الناس في عصره وتجعله في متناول قارئه .
هذا وقد أثمرت توجيهات البلوي لابنه عبد الرحيم (592ـ863هـ/1196ـ1240م) وغدا من علماء الاندلس فقد روى عن أبيه ، واجاز هو العالم المشهور ابن الابار كل ما رواه .
موسى بن ربيع البلوي
02-16-2007, 02:35 AM
الفصل الرابع :
إسهامات قبيلة بلي في التاريخ والرحلة والعلوم الأخرى
لقد كان لأبناء قبيلة بلي إسهامات جيدة في حقل الدراسات التاريخية ، ومن أبرز مؤرخي هذه القبيلة:
أبو محمد عبد الله بن محمد المديني البلوي (ت حوالي منتصف القرن الرابع الهجري ) ولا نعرف على وجه التحديد متى ولد . له كتاب : سيرة احمد بن طولون ، مطبوع في دمشق سنة 1939م تحقيق محمد كرد علي .
وليس لدينا مايشير إلى سبب تأليفه هذا الكتاب سوى مقاله في مقدمته بأنه طلب منه ان يكتب في سيرة آل طولون كتابا يكون أوفى وأكمل وأفضل تبويباً من كتاب أحمد بن يوسف المعروف بابن الداية:
ولكنه لايسمى الجهة التي التمست منه الكتابة في هذا الموضوع ولا السبب الذي حدا بها لأن تطلب منه هذا الطلب وقد قام البلوي بعمله العلمي هذا في الثلث الثاني من القرن الرابع الهجري ، ويبدو أنه تمفي قبل أن يكمله ، إذ انه وعد في خاتمة كتابة أن يكون شاملا لسيرة الطولونيين جميعهم ، ولكن الذي بين أيدينا يقتصر على سيرة أحمد بن طولون وحده .
وقد نقل البلوي كثيرا من معلوماته إن يكن معظمها مع زيادات واضافات عن سلفه ابن الداية ، لكن يوردنصوصا ومراسلات مأخوذة من ديوان الرسائل لابن طولون في مصر ، كما يورد مراسلات ابن طولون مع الموفق شقيق الخليفة العباسي ، ومع ابنه العباس الثائر عليه في برقة مما يوحي بان المؤلف كان من كتاب الديوان ، وانه لهذا استطاع الاستفادة من محفوظات الدولة ووثائقها.
أما أبو عامر البلوي محمد بن أحمد بن عمر السالمي نسبة الى مدينة سالم في الاندلس ، كذلك عاش في مدينة طرطوشة الاندلسية فنعت أيضا بالطرطوشي ، كذلك نجده يتنقل مابين مرسية واشبيلية.
لقد كان أبو عامر البلوي من أصحاب الثقافة الموسوعية فقد كان طبيبا، ومؤرخا، ورحالة ، وأديبا. فقد مدحه صاحب بغية الملتمس بقوله :" هو محمد بن أحمد البلوي ثم السالمي فقيه أديب له كتاب جمع فيه علوما وجدد من الدهر آثارا ورسوما سماه ( كتاب السلك المنظوم والمسك المختوم ) .
كما ان له كتاباً بعنوان : ( درر القلائد وغرر الفوئد في أخبار الأندلس وأمرائها وطبقات علمائها وشعرائها ) توفي عام 559هـ/1164م".
وله جملة مصنفات منها : انموذج العلوم ، والتشبيهات وله كذلك في الطب كتاب سماه : ( الشفاء في الطب ) .
ومن المؤرخين الذين نبغوا من هذه القبيلة عبد الله بن محفوظ الانصاري البلوي ، صاحب أبي زيد عمارة بن زيد المدني .
ويعتبر أبو البقاء خالد بن عيسى البلوي من أشهر الرجالة الذين عرفتهم حضارتنا الإسلامية ، فقد دون رحلته خلال ترحاله مما اعطاها مصداقية كبيرة عند العلماء فضلا عن انه عرضها على مجموعة كبيرة من علماء عصره.
إن رحلة البلوي ( تاج المفرق في تحلية علماء المشرق ) ذات قيمة كبرى سواء من الوجهة التاريخية أو الأدبية أو الاجتماعية أو العلمية ، فقد كان يسجل مذكراتتة بضبط تام وبدقة ولا يعتمد على ذاكرته ، وقد أتيح له بفضل لباقته ودرايته أن يتصل بمشاهير علماء عصره في أهم حواضر الإسلام ، فيعتبر البلوي أول من حمل إلى الأندلس والمغرب ديوان ابن نباته ، ومجموعة أشعار شهاب الدين بن أبي الثناء الحلبي وعددا عديدا من الكتب .
لقد بدأ البلوي رحلته من بلدة قنتورية ( (Cantoria
غحدى المدن الأندلسية التابعة لمدينة المرية يوم الأحد 7جمادي الأولى سنة 735هـ/1334م قاصدا المشرق لأداء فريضة الحج وطلب العلم وكان خط سيره على النحو التالي قتنورية >المرية > هنين وتلمسان والجزائر > بجاية >قسطنطينة >العناب > بونة > تونس > قوسرة >مالطة > قبرص > الأسكندرية > القاهرة > غزة > الخليل >القدس >الكرك> تبوك > العلاء> هدية> وادي القرى> المدينة المنورة > ذي الحليفة > وادي الصفراء > رابغ > خليص > بطن مر > مكة المكرمة .
أما في رحلة العودة فكان خط سيره على النحو التالي :
مكة المكرمة >وادي العقيق> المدينة المنورة> ينبوع> عقبة ايليه> القدس> الرملة> غضة> عسقلان> قاطية> الاسكندرية> الغماري> ثم رجع الى الاسكندرية> طبرق وتونس > باجه> العناب> قسطنطينة> بجاية> جبل الزاب > الجزائر> تلمسان> هنين> المرية> قنتورية.
لقد كانت رحلة البلوي الى المشرق رحلة جميلة وممتعة، وكان البلوي محل احترام وتقدير كل من لقيه من علماء عصره لا بل من حكام عصره ، فقد شغل وظيفة سلطانية سامية في تونس ، إلا أن رحلة البلوي لم تكن تخلو من صعاب فقد تعرض للعديد من المحن أثناء الطريق فسلمه الله منها .
وبعد أن استقر البلوي في بلدة عكف على مراجعه رحلته التي وضعها أثناء حجة فأكملها في اليوم الأخير من شهر ربيع الأول عام 767هـ/1365هـ وأضاف عليها تقريظ العلماء والأدباء الذين أطلعوا عليها ، ثم أخرجها حفيده خالد ابن أحمد بن خالد بعد أن انتسخها من مبيضة جده ، وأتمها بمدينة ببرشانة في الأندلس في الحادي والعشرين من شهر صفر سنة 819هـ/1416م.
إن الناظر لرحلة البلوي ورحلة ابن بطوطة يلاحظ أنهماسافرا معا في وقت متقارب من الاندلس ، فقد دخل ابن بطوطةتلمسان سنة 725هـ/1324م، بينما دخلها البلوي سنة 736هـ/1335م، ودخل ابن بطوطة مكة للمرة الثانية سنة 732هـ/1331م، ودخلها البلوي سنة 737هـ /1336م،ورغم ذلك لم يكتب ان اتصل احدهما بالآخر .
ومن وجوه المفارقات ان ابن بطوطة لم يسجل رحلته ، وانما أملاها من ذاكرته مما عرضه لكثير من الأخطاء ، اما البلوي ، فقد سجل رحلته في اثناء سفره ، ولم يقع في أية أخطاء جغرافية أو غيرها .
ويلاحظ أن ابن بطوطة رحل قبل البلوي ، غير أن رحلته كتبت في زمن متأخر عن رحلة البلوي الذي دون رحلته أثناء تنقلاته التي أتمها سنة740هـ/ 1339م وأكمل مراجعتها سنة767هـ/ 1365م. بينما رحلة ابن بطوطة دونت في سنة 755هـ/ 1355م.
لذا ليس ستغرباً بأن نجد علماء التراجم وكتاب الرحلات يفضلونها على رحلة ابن بطوطة, وينقلون عنها في ثقة وتقدير لمؤلفها الذي عرف بأمانة الرواية, وعدم أخذه رواياته إلا من العلماءالمعروفين بأمانتهم العلمية, فهو رحمه الله حريص على ايراد السند.
لقد حظيت رحلة البلوي باهتمام العلماء في مختلف العصور, فقرظها جهابذة علماء عصره, وقد أثنوا عليها جميعا وقدروا منهجه وثقة نقله, وظلت هذه الرحلة حية تتناقلها الخزائن ويتهافت عليها الوراقون لذلك تعددت نسخها, وجود خطها, وقلما خلت منها خزانة اديب من أدباء عصره.
ومن ا لعلماء الذين أثنوا على البلوي ورحلته الشيخ الفقيه القاضي العالم المحدث الثقة ابو القاسم بن سلمون بن علي ابن سلمون الكناني ( 688- 767هـ/ 1289- 1365م) الذي نظم قصيدة في البلوي ورحلته منها:
باروضة من جنان الخلد يانعة
أتي بها خالد تندي أزاهرها
تحوي غرائب من شعر ومن أدب
ومن علوم بانت سرائرها
فيالها رحلة أو حلية بهرت
لأهل فضل بهم جلت مفاخرها
صيغت قلائد من بحر البيان لهم
فيالها حلية فاقت جوارها
وحق للشرق أن يزهى بطلعتها
إذ هي شمس أنار الأفق باهرها
وللمعارف ان تسمو بمطلعها
أبي البقاء خالد إذ هو ماهرها
أجل لقد كان البلوي كما ذكر ابن سلمون ملماً بثقافة عصره ويتضح ذلك من خلال إشارته في رحلته إلى عدة كتب, وإجازات, وفهارس, وأسانيد, ودواوين, وقصائد, وأراجيز, وتخريجات, ومختصرات.
كما نظم الفقيه القاضي أبو عبدالله محمد بن سعد المعروف بابن النجار قصيدة رائعة يمتدح فيها البلوي ورحلته منها:
خلدت يا خالد فوق السماك
بهذه الرحلة قدرا علاك
سميتــها تاجاً تحلـــت بــه
مفارق الأعلام دراً ثناك
ألست صدراً في القضاة العدول
أقتبست أنوارها من سناك
فأنت مــــــا حليتهم إنمـــــــا
قسمت بالعدل عليهم حلاك
فبارك الله تعالــــــــى اسمه
فيما به من ذي المعالي حباك
ودمت لا تمـــد للثم فــــي
أندية التعظيم إلا يـــــــداك
أما الفقيه أبو جعفر أحمد بن زرقاله فقد قال مادحاً البلوي ورحلته:
وشيت التاج يا تاج المعالي
فجل على المفارق والرؤوس
رقمت جهاته ورشقت فيها
بمسك الخبر كافور الطروس
فلم أر قبله في الطرس تاجراً
يرصع عاجه بالأبنـــــوس
كما نظم كل من الفقيه ابو عبدالله محمد بن ابراهيم بن سلمة الغرناطي, والفقيه يوسف بن علي بن محمد بن علي ابن محمد الخولاني وغيرهم قصائد في مدح البلوي ورحلته .
ومن حسن الحظ ان هذه الرحلة قد كتب لها أن ترى النور اخيرا على يد العلامة المغربي الحسن السائح وبدعم من صندوق احياء التراث الاسلامي المشترك بين حكومة المملكة المغربيةوحكومة الامارات العربية المتحدة ، فصدرت بعنوان ( تاج المفرق في تحلية علماء المشرق ) في مجدلين ، فجزا الله المحقق على ما بذله من جهد خير الجزاء ، والشكر موصول لصندوق احياء التراث الاسلامي المشترك على دعمه للدراسات التراثية التي تسهم في تنمية الاعتزاز بتراث العروبة والاسلام .
والسؤال الذي يطرح نفسه في نهاية هذا المبحث هو : لماذا اشتهرت رحلة ابن بطوطة أكثر من رحلة البلوي ؟ عن الإجابة عن هذا السؤال في منتهى البساطة ، وهو أن رحلة إبن بطوطه حققت ونشرت في عام 1346 هـ / 1928م أي قبل تحقيق ونشر رحلت البلوي بستين عاما بقيت خلالها رحلت البلوي حبيسة دور المخطوطات حتى فك عقالها الاستاذ الفاضل حسن السائح، وما أن إنتشرت حتى أخذت مكانها في فكر المثقفين والمهتمين بالدراسات العربيه .
وقد توج علماء قبيلة بلي جهودهم العلميه بتأليف مؤلفات تتعلق بالفهرسه ، لحفظ التراث ، وتقديم حصر لاشهر العلماء الذين كانوا في عصرهم ، وهذا النوع من الدراسات يدل على نضج حضاري ، ومنهج علمي راق ، إذ ان أوروبا لم تعرف هذا اللون من المؤلفات إلافي فترة متأخره من تاريخها ومشاركة علماء قبيلة بلي في هذا اللون من الدراسات يعد مساهمة علمية لها وزنها ، فقد ألف ابو يزيد خالد بن عيسى بن أحمد البلوي ( حوالي 713-قبل 780هـ /1313-1378م ) برنامجا لمروياته وهو مفقود والبرنامج هو كتاب يسجل فيه العالم ما قرأه من مؤلفات في مختلف العلوم ذاكراً عنوان الكتاب واسم مؤلفه والشيخ الذي قرأه عليه ، وربما ذكره مكان وتاريخ الدرس وتاريخ الانتهاء من الدراسة .
ويعد كتاب ثبت أبي جعفرأحمد بن علي بن احمد بن علي بن احمد بن عبد الرحمن بن داود البلوي الوادي آشي الغرناطي الاندلسي (ت938هـ/1532م) من اشهر واهم الكتب في الفهرسه التي وصلتنا عن آخر فترة من حياة الإسلام بالاندلس حيث حررت بعض فصولة في العقد الاخير من القرن التاسع الهجري .
والثبت في اللغة يعني الحجة والبينة والبرهان ، أما في الإصطلاح فالثبت هو الكتاب الذي يترجم فيه مؤلفة لحياة أساتذته العلمية ، ذاكراً أسانيدهم ومروياتهم وإيجازتهم له وما إلى ذلك .
وتتلخص طريقة البلوي في ثبته بانه ذكر أسماء شيوخه وألقابهم وكناهم كاملة فقدم للعلم بذلك خدمه جليله لانه صحح لنا بذلك الكثير من الاسماء التي أتت مقتضبه او محرفه في بعض المصادر وكتب التراجم ، ثم تكلم في غير ترتيب ملزم عن حياتهم باختصار ذاكرا شيوخهم واسانيدهم وتأليفهم ، وما درسه عليهم ، أو تلقاه عنهم باحدى طرق التلقي المعروفه ، واستجازته لهم وإجازتهم له ، علماً بأن ثبت البلوي يتضمن ألواناً من المعارف والعلوم قد لانجدها مجتمعة ال فية وهو أيضاً كتاب علمي تغلب عليه الصبغة الموضوعية .
ومما تجدر الإشارة إليه أن مؤلف الثبت كان محل تقدير وثناء العلماء, لا بل انه يعد من اشهر علماء عصره, وهذا يتضح من كثرة الألقاب التي اصبغها عليه العلماء عند الحديث عن ترجمته, وهي القاب لها قيمتها ذلك ان العلماء في ذلك الوقت لم يكونوا في الغالب يطلقون الكلام على عواهنه بل كانوا يقصدون ما يقولون, ويهتمون بما يسمونه " التحلية" وهي فن إلصاق بعض الأوصاف العلمية بشخصية علمية ماتستحق هذه الألقاب, فهذا علامة المغرب أبو العباس احمد بن احمد المسوفي التنبكتي المعروف بأحمد بابا( 963- 1032هـ/ 1556- 1633م) يثني في كتابه( نيل الابتهاج بتطريز الديباج) على البلوي بقوله: (".. الفقيه المتفنن المشارك الحجة الجامع الضابط الناظم الناثر البليغ الأكمل الأدرى") وأضاف محمد بن محمد بن مخلوف في كتابه ( شجرة النور الزكية في طبقات المالكية للألقاب السابقة الماهر الألمعي . ولعل خير شاهد على علو مكانة البلوي العلمية فضلاً عن شهادات اصحاب كتب التراجم له, ان علماء كباراً امثال المقري صاحب( نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) يستشهد بأقوال البلوي خصوصاً في القضايا المتعلقة بالأندلس في آخر ايامه.
أجل ان ثبت البلوي يعد آخر مخطوط وصلنا من الأندلس قبل سقوطها في يد النصارى الأسبان , وهو يمثل بالنسبة لبحثنا آخر مبحث في هذا الكتاب المتواضع الذي يعتذر لقرائه عن عدم استيعاب كل ما يتعلق بتاريخ هذه القبيلة التي أهتم بدراسة تاريخها الأسبان قبل العرب والمغاربه قبل المشارقة ، ولكن حسبي إني اجتهدت في تصليط بعض الأضواء على تاريخ هذه القبيلة ، ولم أقصد الاستقصاء لأن الاستقصاء مطلب عسير يصعب على بحث صغير كهذا استيعابه ، والأ مل كل الأمل أن يمتد بنا العمر لنسد الخلل ونكمل النقص لتكتمل الصورة عن هذه القبيلة التي كانت محل تقدير ورعاية الدول المتعاقبة منذا زمن بعيد قبل بعثة المصطفى r الى سقوط الدولة العثمانية .
موسى بن ربيع البلوي
02-16-2007, 02:37 AM
الخاتمة
إن الدراس لتاريخ هذه القبيلة العريقة يخرج بالملاحظات التالية:
اولاً: ان هذه القبيلة لم تغب عن مسرح الأحداث منذ العصر الجاهلي وحتى نهاية الحكم العثماني للبلاد العربية.
ثانياً: إن ابناء قبيلة بلي من أوائل من لبوا نداء الإسلام فشهدوا بيعتي العقبة الأولى, والثانية, ولم يتخلفوا عن غزاة غزاها رسول الله r لا بل انهم سطروا بدماءهم الزكية صفحات من نور تقرأها الأجيال بكل فخر واعتزاز.
ثالثاً: إن ابناء هذه القبيلة كانوا( وما زالوا) يعتزون بعروبتهم وبلسانهم العربي في أي مكان حلوا فيه, مما كان مثار إعجاب المؤرخين المسلمين بهم, فسجلوا هذه الملاحظة في مؤلفاتهم, فأبناء هذه القبيلة لم تذب شخصيتهم في البلاد المفتوحة كما حدث لغيرهم.
رابعاً: إن هذه القبيلة من القبائل القليلة التي بقيت متشبثة بدينها ولم ترتد بعد وفاة المصطفى r, لا بل ان ابناءها شاركوا مشاركة فاعلة في اخضاع القبائل المرتدة.
خامساً: يسجل تاريخنا الإسلامي في سجله الخالدة اسماء كوكبة من القادة من أبناء هذه القبيلة ممن سقطوا شهداء في حركة الفتح الإسلامي على بعد آلاف الأميال من موطنهم الأصلي.
سادساً :إن هذه القبيلة كانت من القبائل المناصرة للدولة الاموية ،فكانت محل ثقه خلفاء بني أمية ، ولعل من مظاهر هذه الثقه والتقدير تلك الاقطاعات العديدة التي منحتها الدولة الاموية لابناء هذه القبيلة في الأندلس .
سابعاً: ساهم أبناء قبيلة بلي مساهمة واضحة في الحركة العلمية في الدولة الاسلامية عبر تاريخها الطويل ، فبرز من أبناء هذه القبيلة جمع غفير من العلماء الذين تركوا بصمات واضحه في مختلف عقول المعرفة ، ومن حسن الحظ انه وصل إلينا العديد من نتاج هؤلاء العلماء الذي منه على سبيل المثال لا الحصر : ثبت البلوي ، ورحلة البلوي ، وألف باء ، ورسائل بشر البلوي ...هذا ومن الجديد بالملاحظة أن قسماً كبيراًمن علماء بلي في المغرب والأندلس قد رحلوا الى المشرق من أجل طلب العلم ولمزيد من التخصص العلمي ، وطلب السند العالي ، فضلا عن رغبتهم في نشر ما لديهم من علوم ومؤلفات ومن خلال تدريسهم في مراكز الاشعاع الحضاري في المشرق .
ثامناً : إن الدول الاسلامية المتعاقبة قدرت كفاءة أبناء هذه القبيلة العلمية ، فاسندت العديد منهم بعض المناصب الادارية وبشكل خاص منصب القضاء في الأندلس .
تاسعاً : إن المتأمل لكتب التاريخ والتراجم يجد أماكن توزع ابناء هذه القبيلة بشكل رئيسي في الحجاز ، وبلاد الشام ، ومصر ، والمغرب ، والأندلس ، علما بأن هذا التوزع حكمته ظروف سياسيه واقتصاديه ونفسيه ، فالمؤرخون لاحظوا بأن أبناء هذه القبيلة يمتازون بحساسية مفرطه ، تجاه الظلم ، فهم لايقيمون في مكان فيه ظلم ولو كلفهم ذلك هجر الاحبه والارض التي درجوا عليها وتحمل أجمل ذكرياتهم ، وما زالت هذه الصفه ملازمه لهم حتى اليوم .
عاشرا:الاخلاص صفة ملازمه لابناء هذه القبيله في كل مكان حلوا فيه ، فأبناء هذه القبيلة لم يتذبذب ولاؤهم حسب الظروف السياسية المتقلبة ، فعندما أسلموا أخلصوا للاسلام ، ولم يرتدوا عندما أرتد الناس ، وعندما سقطت الدوله الأموية في المشرق بقوا مخلصين لها وناصروها رغم أن جمهرة القبائل اليمانية ناصرت الدولة العباسية ، واستمروا على هذا الولاء والإخلاص حتى سقوط الدولة الاموية في الأندلس ، وعندما أسندت إليهم المناصب الادارية والعسكرية والدينية ، كانوا محل تقدير وثناء المسلمين بشكل عام ، لابل إن أبناء هذه القبيلة نزهوا أنفسهم بشكل عام عن المشاركة في المؤامرات والثورات على مر فترات التاريخ فحفظوا حرمتهم واحترامهم عند جمهور المسلمين .
مشعل العصباني
12-23-2007, 05:27 PM
يعطيك العافية
ياسر حمدان المقبلي
03-20-2008, 12:31 PM
فوووووووووووووق
بإسمـ, الإبداعـ,
موضوع وافي من رجل وافي
يوسف صالح العرادي
03-20-2008, 02:09 PM
الله يعطيك العافيه
موسى بن ربيع البلوي
02-12-2009, 02:25 PM
بارك الله فيكم جميعاً و شكراً لكم و هذا أقل ما يمكن عمله
عادل مساعد العبيلي
02-13-2009, 02:37 AM
بوركت بهذا الطرح الجميل
والله يعطيك العافيه
موسى بن ربيع البلوي
02-13-2009, 01:51 PM
بارك الله فيك أخي عادل و شكراً لك
موسى بن ربيع البلوي
02-13-2009, 01:51 PM
بارك الله فيك أخي عادل و شكراً لك
نايف عواد النجيدي
04-01-2009, 09:46 PM
انت استاذ الله يعطيك العافيه وانت مدرسه ابداع نتعلم منك والله يحفظكم
موسى بن ربيع البلوي
11-25-2010, 04:15 AM
شكرا لك أخي نايف
وفقك الله
عبد اللطيف القرعوطي
04-19-2016, 07:39 AM
يعطيك العآفيهه
vBulletin® v4.2.5, Copyright ©2000-2024, تصميم الوتين (عبدالمنعم البلوي )watein.com