ابراهيم بن علي العثماني
01-16-2004, 12:03 AM
آداب وأصول الحوار)
الأصل في الحياة الزوجية المودة والرحمة والسكينة التي أوجدها الله سبحانه في الزوجين ولكن إذا غفل القلب لحظه وتعطلت لغة العقل وشب الخلاف نقول لا بأس ولكن تعالا نتحاور ... نعم فالحوار دواء لمثل هذا الداء ولكن قبل أن نتحاور , هل تعلمنا آداب وأصول الحوار أم بدأنا نتحاور والجهل والعناد يغلق قلوبنا وعقولنا وأعيننا ليزيد الخلاف وتنقلب المودة إلى بغض والرحمة إلى ظلم والسكينةإلىبركان .
فيا من سمع كلماتي أدعوك معي في رحلة قصيرة نتعلم بها فن الحوار ولنبدأ...
...اللمسة الأولى : الحوار من الأساليب التربوية المهمة"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ( النحل: منالآية125)
اللمسة الثانية : الحوار هو الطريق الأمثل للإقناع والإقناع هو أساس الأيمان الذي لا يمكن أن يفرض فرضاً وأنما ينبع من داخل الإنسان
.اللمسة الثالثة : الأسرة المسلمة أولى المحاضن التربوية في الإفادة من أسلوب الحوار في غرس المفاهيم التربوية وتثبيت وتقوية الأسس العقدية وبناء الشخصية الإسلامية، والوقاية من نزغات الشيطان التي تطرأ على اللسان لا سيما وقد كثرت المشكلات الأسرية التي قد يكون من أسبابها في أحيان كثيرة، كلمة طائشة وعبارة نابية وحوار غاضب ولغ فيه الشيطان فكان بعد ذلك النزاع والخلاف والشقاق الذي انتهى بدوره إلى هجر وفراق؛بل ربما تحول إلى طلاق!!
اللمسة الرابعة : الحوار من المحاورة وهي المراجعة بالكلام وهو حديث يجري بين شخصين أو اكثر .
" فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (الكهف: من الآية34)"
اللمسة الخامسة : غاية الحوار
معرفة الحقيقة والتوصل إليها , أو دفع الشبهة والفاسد من القول والرأي , وتحكيم الحق والعقل في أمر مختلف عليه فيتحول الخلاف إلى اتفاق والبغض إلى مودة أو إيجاد حل وسط يرضي الطرفين , والبحث عن الصواب في موقف , ولعل أهم غاية في الحوار في الآسرة هو نزع الخلاف الذي يورث البغض واستبداله بالاتفاق الذي يزرع الموده والمحبة فتجد البيت المؤمن يزينه نور الاتفاق والحق والعدل والمنطق السليم بعيداً عن العناد والجهل . والحمية لرأي فلان لأنه الأب او لأنه الأكبر بل يؤخذ الرأي الأصوب حتى وإن كان رأي طفل صغير , فان تعدد الآراء تعدد للرؤى فنختار الأصوب والأنفع لنجني بعد ذلك افضل وأصوب النتائج .
اللمسة السادسة : الخلاف ظاهرة طبيعية فلا تجعلها نهاية الحياة
قال تعالى " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (هود:118) "
لابد للحق أن ينتصر لهذا علينا أن لا نتشدد لرأينا فنجعله وحده الصواب فقط وان كل ما سواه خطأ , لنطرح رأينا ونبدأ بتحليله وسماع الرأي الأخر , فقد تكشف لنا كلماته عن حقيقة كنا نغفل عنها فنعدل عن رأينا , لهذا أدعو كل أسرة مسلمة خاصة الزوجين أن لا يجعلوا الحوار حرب بل يجعلوها عصف ذهني يتعلم فيه الأقل خبرة من الأخر , ونحاول أن نكشف حقيقة رأينا هل هو صواب أم لا . ونختار الأنفع للحياة
اللمسة السابعة : مواطن الاتفاق
لنبدأ أي حوار بمواطن الاتفاق قبل أن نبدأ بمواطن الاختلاف لان هذا يؤدي إلى زرع الثقة ونشر روح التفاهم , ليصبح الحوار هادفاً هادئاً ... فالحديث عن نقاط الاتفاق يفتح أفاقاً من التلاقي والقبول والإقبال مما يقلل الفجوة ويردم الهوة ويجعل فرص الوفاق والنجاح أفضل .
اللمسة الثامنة : آداب الحوار
1- أن يكون الكلام هادفاً إلى الخير.
2-. البعد عن الخوض في الباطل والمراد بالباطل كل معصية..
3- البعد عن المماراة والجدل.
4- أن يحاور كل إنسان بما يناسبه شرعاً وعرفاً.
5-. التزام القول الحسن ، وتجنب منهج التحدي والإفحام .
إن من أهم ما يتوجه إليه المُحاور في حوار ، التزام الحُسنى في القول والمجادلة ، ففي محكم التنزيل :
) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن ((الاسراء :53(
) وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن } (النحل: 125(
)وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً }(البقرة :83(
ومن لطائف التوجيهات الإلهية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، الانصراف عن التعنيف في الردّ على أهل الباطل ، حيث قال الله لنبيه :
) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } (الحج:68.69 وقوله : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ }(سـبأ:24) . مع أن بطلانهم ظاهر ، وحجتهم داحضة .
ويلحق بهذا الأصل : تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث ، ويعتمد إيقاع الخصم في الإحراج ، ولو كانت الحجة بينه والدليل دامغاً .. فإن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف
. وإنك لتعلم أن إغلاظ القول ، ورفع الصوت ، وانتفاخ الأوداج ، لا يولِّد إلا غيظاً وحقداً وحَنَقاً . ومن أجل هذا فليحرص المحاور ؛ ألا يرفع صوته أكثر من الحاجة فهذا رعونة وإيذاء للنفس وللغير ، ورفع الصوت لا يقوّي حجة ولا يجلب دليلاً ولا يقيم برهاناً ؛
لا ينبغي من الانسان من استخدام ضمير المتكلم أفراداً أو جمعاً ؛ فلا يقول : فعلتُ وقلتُ ، وفي رأيي ، ودَرَسْنا ، وفي تجربتنا ؛ فهذا ثقيل في نفوس المتابعين ، وهو عنوان على الإعجاب بالنفس ، وقد يؤثر على الإخلاص وحسن القصد ، والناس تشمئز من المتعالم المتعالي
6- الالتزام بوقت محدد في الكلام :
ينبغي أن يستقر في ذهن الانسان ألا يستأثر بالكلام ، ويستطيل في الحديث ، ويسترسل بما يخرج به عن حدود اللباقة والأدب والذوق الرفيع .
يقول ابن عقيل في كتابه فن الجدل : ( وليتناوبا الكلام مناوبة لا مناهبة ، بحيث ينصت المعترض للمُستَدِلّ حتى يفرغ من تقريره للدليل ، ثم المُستدِلُّ للمعترض حتى يُقرر اعتراضه ، ولا يقطع أحد منها على الآخر كلامه وإن فهم مقصوده من بعضه ).
7- حسن الاستماع وأدب الإنصات وتجنب المقاطعة :
كما يطلب الالتزام بوقت محدد في الكلام ، وتجنب الاطالة قدر الإمكان ، فيطلب حُسن الاستماع ، واللباقة في الإصغاء ، وعدم قطع حديث المُحاور . وإنّ من الخطأ أن تحصر همَّك في التفكير فيما ستقوله ، ولا تُلقي بالاً لمُحدثك ومُحاورك ، وقد قال الحسن بن علي لابنه ، رضي الله عنهم أجمعين :
(يا بنيّ إذا جالست العلماء ؛ فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلًم حُسْنَ الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ، ولا تقطع على أحد حديثاً – وإن طال – حتى يُمسك). .
إن السماع الجيِّد يتيح القاعدة الأساسية لالتقاء الآراء ، وتحديد نقاط الخلاف وأسبابه . حسن الاستماع يقود إلى فتح القلوب ، واحترام الرجال وراحة النفوس وايجاد ا حترام متبادل، تسلم فيه الأعصاب من التوتر والتشنج ، كما يُشْعِرُ بجدّية المُحاور ، وتقدير المُخالف ، وأهمية الحوار . ومن ثم يتوجه الجميع إلى تحصيل الفائدة والوصول إلى النتيجة
8- تقدير الطرف الأخر واحترامه :
ينبغي في مجلس الحوار التأكد على الاحترام المتبادل من الأطراف والأفضل الأطراف فقط، وإعطاء كل ذي حق حقه ، والاعتراف بمنزلته ومقامه ، فيخاطب بالعبارات اللائقة ، والألقاب المستحقة ، والأساليب المهذبة .
، لا ينافي النصح ، وتصحيح الأخطاء بأساليبه الرفيعة وطرقه الوقورة . فالتقدير والاحترام غير المَلَقِ الرخيص ، والنفاق المرذول ، والمدح الكاذب ، والإقرار على الباطل .
ومما يتعلق بهذه الخصلة الأدبية أن يتوجه النظر وينصرف الفكر إلى القضية المطروحة ليتم تناولها بالبحث والتحليل والنقد والإثبات والنَّقص بعيداً عن صاحبها أو قائلها
9-حصر المناظرات في مكان محدود :
يذكر أهل العلم أن المُحاورات والجدل ينبغي أن يكون في خلوات محدودة الحضور ؛ قالوا : وذلك أجمع للفكر والفهم ، وأقرب لصفاء الذهن ، وأسلم لحسن القصد ، وإن في حضور الجمع الغفير ما يحرك دواعي الرياء ، والحرص على الغلبة بالحق أو بالباطل .
ومما استدل به على ذلك قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)(سبأ:46) .
10-الإخلاص :
هذه الخصلة من الأدب متمِّمة لما ذكر من أصل التجرد في طلب الحق ، فعلى المُحاور ان يوطِّن نفسه ، ويُروِّضها على الإخلاص لله في كل ما يأتي وما يذر في ميدان الحوار وحلبته .
اللمسة العاشرة : أخطاء يكثر وقوعها في الحوارات الأسرية:
1-الحوار في ظروف غير مناسبة:
لكي يكون الحوار مؤثراً في النفوس، ومحققاً للأهداف التي يراد الوصول إليها، لا بد أن يتحين المرء الأوقات الملائمة، والأمكنة المناسبة، فلكل مقام مقال .. وعلى سبيل المثال:
تخطئ الزوجة التي تفتح باب الحوار (بل باب المشاجرة) مع زوجها وهو غضبان؛ ولذلك قال أحد الرجال قديما يوصي زوجته:
- تخطئ الزوجة التي تفتح مع زوجها حواراً تطلب منه أشياء تريدها عند دخوله للبيت بعد فترة غياب في العمل لا تدري كيف قضاها الزوج!
-يخطئ الزوج الذي فتح باب الحوار لتقويم زوجته أمام الأهل والأولاد والأقرباء.
2- الاستئثار بالكلام:
هناك بعض الأزواج لا يدع مجالاً للمحاورة داخل الأسرة، سواء كانت زوجة أو بنتاً أو أختاً إما لعرف خاطئ أو لتكبر في نفسه واعتداد بذاته وغرور برأيه. وإما لاحتقار واستصغار للمقابل..
ويتولد عن هذا الخطأ: البغض أو الكره للزوج أو العزلة عنه أو عدم القناعة بما يمليه عليهم، فإذا حضر الزوج التزم أهل البيت – على مضض- بما يريد وإذا خرج عادوا إلى ما يريدون بعد أن يحمدوا الله على خروجه!!
أخي الحبيب:
دع أهل بيتك يعبرون عن آرائهم بصراحة في حواراتهم معك، وأحط هذه الصراحة بسور من أدب الحديث الذي أجبنا به الإسلام، وها هو سيد البشر صلى الله عليه وسلم يسمح لزوجاته أن يراجعنه في القول فتدلي كل واحدة منهن برأيها وتعبر عما في صدرها بل وتدافع عن نفسها، فليس هو وحده الذي يتكلم في البيت.
قالت زوجة عمر، وقد أنكر عليها عمر رضي الله عنه وعنها مراجعتها له بالحديث "إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه".
3-عدم ضبط النفس عند الحوار:
وله مظاهر عديدة وصورة كثيرة منها:
- بعض الأزواج ما إن تحاوره زوجته حتى يحمر وجهه وتنتفخ أوداجه، ويعلو صوته حتى يسمعه الجيران فضلاً عن الأولاد، فصدره ضيق لا يتسع لأحد ولو كان أقرب الناس إليه .. ، فما أعظمها من وصية تلك التي أوصى لقمان بها ابنه وهو يقول: (واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير). لقمان،الآية : 19
- الكلمات الجارحة والعبارات البذيئة:
- الأحكام القاسية والعقوبات الجائرة:
بعض الرجال ينهي حواره – أحياناً – بأحكام قاسية على زوجته وأبنائه، بل قد يصل به الحوار إلى الطلاق فيعض أصابع الندم حسرة على استعجاله بعد أن يرى بيته وقد تهدم بناؤه، وقوضت أركانه ... الأطفال مع أمهم أو عند جدتهم أو عند الخادمة!!..
4- عدم الاعتراف بالخطأ:
الإنسان بشر يخطئ ويصيب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، وقد يعمل المرء عملاً يرى صوابه ثم يحاوره آخر فيتبين له خطأ ما فعل والمسلم أواب تواب، يرى أن الرجوع إلى الحق خير له من التمادي في الباطل، فلا تتحرج إذا حاورتك زوجتك في قضية ترى أن الحق لم يحالفك فيها أن تقول لها: لقد أخطأت!!
فقد قالها عمر رضي الله عنه – إن صحت الرواية- : أصابت امرأة ، وأخطأ عمر.
اللمسة الحادية عشر : الخاتمة
1- إن الأسرة المسلمة يمكن أن تجني من الحوار منافع عظيمة وفوائد عديدة نظرا لتعدد الأراء وأختيار الأصح والأنفع.
2- بالحوار يمكن أن نغرس الإيمان بالله عز وجل، وصحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3-بالحوار يمكن أن نحل خلافاتنا ونتغلب على مشكلاتنا.
4-بالحوار يمكن أن نعلم أولادنا الصدق في القول والأمانة في العمل.
5- بالحوار يمكن أن نقوم الأخطاء ونصحح المسار.
6- بالحوار يمكن أن ندعو لكل خير وننهى عن كل شر.
الأصل في الحياة الزوجية المودة والرحمة والسكينة التي أوجدها الله سبحانه في الزوجين ولكن إذا غفل القلب لحظه وتعطلت لغة العقل وشب الخلاف نقول لا بأس ولكن تعالا نتحاور ... نعم فالحوار دواء لمثل هذا الداء ولكن قبل أن نتحاور , هل تعلمنا آداب وأصول الحوار أم بدأنا نتحاور والجهل والعناد يغلق قلوبنا وعقولنا وأعيننا ليزيد الخلاف وتنقلب المودة إلى بغض والرحمة إلى ظلم والسكينةإلىبركان .
فيا من سمع كلماتي أدعوك معي في رحلة قصيرة نتعلم بها فن الحوار ولنبدأ...
...اللمسة الأولى : الحوار من الأساليب التربوية المهمة"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ( النحل: منالآية125)
اللمسة الثانية : الحوار هو الطريق الأمثل للإقناع والإقناع هو أساس الأيمان الذي لا يمكن أن يفرض فرضاً وأنما ينبع من داخل الإنسان
.اللمسة الثالثة : الأسرة المسلمة أولى المحاضن التربوية في الإفادة من أسلوب الحوار في غرس المفاهيم التربوية وتثبيت وتقوية الأسس العقدية وبناء الشخصية الإسلامية، والوقاية من نزغات الشيطان التي تطرأ على اللسان لا سيما وقد كثرت المشكلات الأسرية التي قد يكون من أسبابها في أحيان كثيرة، كلمة طائشة وعبارة نابية وحوار غاضب ولغ فيه الشيطان فكان بعد ذلك النزاع والخلاف والشقاق الذي انتهى بدوره إلى هجر وفراق؛بل ربما تحول إلى طلاق!!
اللمسة الرابعة : الحوار من المحاورة وهي المراجعة بالكلام وهو حديث يجري بين شخصين أو اكثر .
" فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (الكهف: من الآية34)"
اللمسة الخامسة : غاية الحوار
معرفة الحقيقة والتوصل إليها , أو دفع الشبهة والفاسد من القول والرأي , وتحكيم الحق والعقل في أمر مختلف عليه فيتحول الخلاف إلى اتفاق والبغض إلى مودة أو إيجاد حل وسط يرضي الطرفين , والبحث عن الصواب في موقف , ولعل أهم غاية في الحوار في الآسرة هو نزع الخلاف الذي يورث البغض واستبداله بالاتفاق الذي يزرع الموده والمحبة فتجد البيت المؤمن يزينه نور الاتفاق والحق والعدل والمنطق السليم بعيداً عن العناد والجهل . والحمية لرأي فلان لأنه الأب او لأنه الأكبر بل يؤخذ الرأي الأصوب حتى وإن كان رأي طفل صغير , فان تعدد الآراء تعدد للرؤى فنختار الأصوب والأنفع لنجني بعد ذلك افضل وأصوب النتائج .
اللمسة السادسة : الخلاف ظاهرة طبيعية فلا تجعلها نهاية الحياة
قال تعالى " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (هود:118) "
لابد للحق أن ينتصر لهذا علينا أن لا نتشدد لرأينا فنجعله وحده الصواب فقط وان كل ما سواه خطأ , لنطرح رأينا ونبدأ بتحليله وسماع الرأي الأخر , فقد تكشف لنا كلماته عن حقيقة كنا نغفل عنها فنعدل عن رأينا , لهذا أدعو كل أسرة مسلمة خاصة الزوجين أن لا يجعلوا الحوار حرب بل يجعلوها عصف ذهني يتعلم فيه الأقل خبرة من الأخر , ونحاول أن نكشف حقيقة رأينا هل هو صواب أم لا . ونختار الأنفع للحياة
اللمسة السابعة : مواطن الاتفاق
لنبدأ أي حوار بمواطن الاتفاق قبل أن نبدأ بمواطن الاختلاف لان هذا يؤدي إلى زرع الثقة ونشر روح التفاهم , ليصبح الحوار هادفاً هادئاً ... فالحديث عن نقاط الاتفاق يفتح أفاقاً من التلاقي والقبول والإقبال مما يقلل الفجوة ويردم الهوة ويجعل فرص الوفاق والنجاح أفضل .
اللمسة الثامنة : آداب الحوار
1- أن يكون الكلام هادفاً إلى الخير.
2-. البعد عن الخوض في الباطل والمراد بالباطل كل معصية..
3- البعد عن المماراة والجدل.
4- أن يحاور كل إنسان بما يناسبه شرعاً وعرفاً.
5-. التزام القول الحسن ، وتجنب منهج التحدي والإفحام .
إن من أهم ما يتوجه إليه المُحاور في حوار ، التزام الحُسنى في القول والمجادلة ، ففي محكم التنزيل :
) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن ((الاسراء :53(
) وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن } (النحل: 125(
)وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً }(البقرة :83(
ومن لطائف التوجيهات الإلهية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، الانصراف عن التعنيف في الردّ على أهل الباطل ، حيث قال الله لنبيه :
) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } (الحج:68.69 وقوله : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ }(سـبأ:24) . مع أن بطلانهم ظاهر ، وحجتهم داحضة .
ويلحق بهذا الأصل : تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث ، ويعتمد إيقاع الخصم في الإحراج ، ولو كانت الحجة بينه والدليل دامغاً .. فإن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف
. وإنك لتعلم أن إغلاظ القول ، ورفع الصوت ، وانتفاخ الأوداج ، لا يولِّد إلا غيظاً وحقداً وحَنَقاً . ومن أجل هذا فليحرص المحاور ؛ ألا يرفع صوته أكثر من الحاجة فهذا رعونة وإيذاء للنفس وللغير ، ورفع الصوت لا يقوّي حجة ولا يجلب دليلاً ولا يقيم برهاناً ؛
لا ينبغي من الانسان من استخدام ضمير المتكلم أفراداً أو جمعاً ؛ فلا يقول : فعلتُ وقلتُ ، وفي رأيي ، ودَرَسْنا ، وفي تجربتنا ؛ فهذا ثقيل في نفوس المتابعين ، وهو عنوان على الإعجاب بالنفس ، وقد يؤثر على الإخلاص وحسن القصد ، والناس تشمئز من المتعالم المتعالي
6- الالتزام بوقت محدد في الكلام :
ينبغي أن يستقر في ذهن الانسان ألا يستأثر بالكلام ، ويستطيل في الحديث ، ويسترسل بما يخرج به عن حدود اللباقة والأدب والذوق الرفيع .
يقول ابن عقيل في كتابه فن الجدل : ( وليتناوبا الكلام مناوبة لا مناهبة ، بحيث ينصت المعترض للمُستَدِلّ حتى يفرغ من تقريره للدليل ، ثم المُستدِلُّ للمعترض حتى يُقرر اعتراضه ، ولا يقطع أحد منها على الآخر كلامه وإن فهم مقصوده من بعضه ).
7- حسن الاستماع وأدب الإنصات وتجنب المقاطعة :
كما يطلب الالتزام بوقت محدد في الكلام ، وتجنب الاطالة قدر الإمكان ، فيطلب حُسن الاستماع ، واللباقة في الإصغاء ، وعدم قطع حديث المُحاور . وإنّ من الخطأ أن تحصر همَّك في التفكير فيما ستقوله ، ولا تُلقي بالاً لمُحدثك ومُحاورك ، وقد قال الحسن بن علي لابنه ، رضي الله عنهم أجمعين :
(يا بنيّ إذا جالست العلماء ؛ فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلًم حُسْنَ الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ، ولا تقطع على أحد حديثاً – وإن طال – حتى يُمسك). .
إن السماع الجيِّد يتيح القاعدة الأساسية لالتقاء الآراء ، وتحديد نقاط الخلاف وأسبابه . حسن الاستماع يقود إلى فتح القلوب ، واحترام الرجال وراحة النفوس وايجاد ا حترام متبادل، تسلم فيه الأعصاب من التوتر والتشنج ، كما يُشْعِرُ بجدّية المُحاور ، وتقدير المُخالف ، وأهمية الحوار . ومن ثم يتوجه الجميع إلى تحصيل الفائدة والوصول إلى النتيجة
8- تقدير الطرف الأخر واحترامه :
ينبغي في مجلس الحوار التأكد على الاحترام المتبادل من الأطراف والأفضل الأطراف فقط، وإعطاء كل ذي حق حقه ، والاعتراف بمنزلته ومقامه ، فيخاطب بالعبارات اللائقة ، والألقاب المستحقة ، والأساليب المهذبة .
، لا ينافي النصح ، وتصحيح الأخطاء بأساليبه الرفيعة وطرقه الوقورة . فالتقدير والاحترام غير المَلَقِ الرخيص ، والنفاق المرذول ، والمدح الكاذب ، والإقرار على الباطل .
ومما يتعلق بهذه الخصلة الأدبية أن يتوجه النظر وينصرف الفكر إلى القضية المطروحة ليتم تناولها بالبحث والتحليل والنقد والإثبات والنَّقص بعيداً عن صاحبها أو قائلها
9-حصر المناظرات في مكان محدود :
يذكر أهل العلم أن المُحاورات والجدل ينبغي أن يكون في خلوات محدودة الحضور ؛ قالوا : وذلك أجمع للفكر والفهم ، وأقرب لصفاء الذهن ، وأسلم لحسن القصد ، وإن في حضور الجمع الغفير ما يحرك دواعي الرياء ، والحرص على الغلبة بالحق أو بالباطل .
ومما استدل به على ذلك قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)(سبأ:46) .
10-الإخلاص :
هذه الخصلة من الأدب متمِّمة لما ذكر من أصل التجرد في طلب الحق ، فعلى المُحاور ان يوطِّن نفسه ، ويُروِّضها على الإخلاص لله في كل ما يأتي وما يذر في ميدان الحوار وحلبته .
اللمسة العاشرة : أخطاء يكثر وقوعها في الحوارات الأسرية:
1-الحوار في ظروف غير مناسبة:
لكي يكون الحوار مؤثراً في النفوس، ومحققاً للأهداف التي يراد الوصول إليها، لا بد أن يتحين المرء الأوقات الملائمة، والأمكنة المناسبة، فلكل مقام مقال .. وعلى سبيل المثال:
تخطئ الزوجة التي تفتح باب الحوار (بل باب المشاجرة) مع زوجها وهو غضبان؛ ولذلك قال أحد الرجال قديما يوصي زوجته:
- تخطئ الزوجة التي تفتح مع زوجها حواراً تطلب منه أشياء تريدها عند دخوله للبيت بعد فترة غياب في العمل لا تدري كيف قضاها الزوج!
-يخطئ الزوج الذي فتح باب الحوار لتقويم زوجته أمام الأهل والأولاد والأقرباء.
2- الاستئثار بالكلام:
هناك بعض الأزواج لا يدع مجالاً للمحاورة داخل الأسرة، سواء كانت زوجة أو بنتاً أو أختاً إما لعرف خاطئ أو لتكبر في نفسه واعتداد بذاته وغرور برأيه. وإما لاحتقار واستصغار للمقابل..
ويتولد عن هذا الخطأ: البغض أو الكره للزوج أو العزلة عنه أو عدم القناعة بما يمليه عليهم، فإذا حضر الزوج التزم أهل البيت – على مضض- بما يريد وإذا خرج عادوا إلى ما يريدون بعد أن يحمدوا الله على خروجه!!
أخي الحبيب:
دع أهل بيتك يعبرون عن آرائهم بصراحة في حواراتهم معك، وأحط هذه الصراحة بسور من أدب الحديث الذي أجبنا به الإسلام، وها هو سيد البشر صلى الله عليه وسلم يسمح لزوجاته أن يراجعنه في القول فتدلي كل واحدة منهن برأيها وتعبر عما في صدرها بل وتدافع عن نفسها، فليس هو وحده الذي يتكلم في البيت.
قالت زوجة عمر، وقد أنكر عليها عمر رضي الله عنه وعنها مراجعتها له بالحديث "إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه".
3-عدم ضبط النفس عند الحوار:
وله مظاهر عديدة وصورة كثيرة منها:
- بعض الأزواج ما إن تحاوره زوجته حتى يحمر وجهه وتنتفخ أوداجه، ويعلو صوته حتى يسمعه الجيران فضلاً عن الأولاد، فصدره ضيق لا يتسع لأحد ولو كان أقرب الناس إليه .. ، فما أعظمها من وصية تلك التي أوصى لقمان بها ابنه وهو يقول: (واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير). لقمان،الآية : 19
- الكلمات الجارحة والعبارات البذيئة:
- الأحكام القاسية والعقوبات الجائرة:
بعض الرجال ينهي حواره – أحياناً – بأحكام قاسية على زوجته وأبنائه، بل قد يصل به الحوار إلى الطلاق فيعض أصابع الندم حسرة على استعجاله بعد أن يرى بيته وقد تهدم بناؤه، وقوضت أركانه ... الأطفال مع أمهم أو عند جدتهم أو عند الخادمة!!..
4- عدم الاعتراف بالخطأ:
الإنسان بشر يخطئ ويصيب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، وقد يعمل المرء عملاً يرى صوابه ثم يحاوره آخر فيتبين له خطأ ما فعل والمسلم أواب تواب، يرى أن الرجوع إلى الحق خير له من التمادي في الباطل، فلا تتحرج إذا حاورتك زوجتك في قضية ترى أن الحق لم يحالفك فيها أن تقول لها: لقد أخطأت!!
فقد قالها عمر رضي الله عنه – إن صحت الرواية- : أصابت امرأة ، وأخطأ عمر.
اللمسة الحادية عشر : الخاتمة
1- إن الأسرة المسلمة يمكن أن تجني من الحوار منافع عظيمة وفوائد عديدة نظرا لتعدد الأراء وأختيار الأصح والأنفع.
2- بالحوار يمكن أن نغرس الإيمان بالله عز وجل، وصحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3-بالحوار يمكن أن نحل خلافاتنا ونتغلب على مشكلاتنا.
4-بالحوار يمكن أن نعلم أولادنا الصدق في القول والأمانة في العمل.
5- بالحوار يمكن أن نقوم الأخطاء ونصحح المسار.
6- بالحوار يمكن أن ندعو لكل خير وننهى عن كل شر.