نواف النجيدي
02-02-2007, 10:45 PM
" إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا "1 (http://www.alzad.com/index.php?pg=artv&ref=663#_ftn1)
عصام أبو زكريا الشامي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، قيّما لينذر بأسًا شديدًا من لدنه، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا حسنا ماكثين فيه أبدًا، وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدًا، مالهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا، الحمد لله الذي أرسل رسوله شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله بعثه الله بالحقّ إلى الثقلين مبصّرًا ومعلّمًا ومؤدّبًا اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وآتهم من لدنك فضلا كبيرًا
أما بعد:
فقد قال تعالى في كتابه العزيز مخبرًا عن حبيبه ورسوله وصفوة خلقه – صلى الله عليه وسلم – أنّه شكى إلى ربّه عزوجل فقال: {وقال الرسول ياربّ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا } (الفرقان: 30 ): وذلك أنّ المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه كما قال تعالى عنهم: { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } ( فصلت 26 )، فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا من الشغب والصخب وصفّقوا وصفّروا وخاضوا في غيره من الكلام حتى لا يسمعوا الكتاب المبين، ولا يدعوا غيرهم يسمع القرآن، فسلاّه الله عز وجل وعزّاه، وأمره بالصبر والثبات، ووعده ورجّاه، وأخبره أنّ هاؤلاء الخلق لهم سلف صنعوا كصنيعهم فقال: {وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوًا من المجرمين} أي: مثلما جعلنا لك أعداء من قومك كفروا بربك وهجروا كتابك وصدوا عنك وبالغوا في أذيّتك جعلنا لكل نبيّ ممن نبّأنا أعداء من أهل الذنب والإجرام فما أصابك إلا ما أصابهم فاصبر كما صبروا قال تعالى: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } ( الأحقاف: 35 ) وكفى بربك هاديا: فهو سبحانه بيده الهداية إلى الحق، والتبصرة إلى الرشد ففي الصحيح عن ابن المسيّب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فوجد عنده وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أميّة بن المغيرة قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم – لأبي طالب: " يا عمّ، قل: لا إله إلا الله، كلمةً أشهد لك بها عند الله " فقال أبو جهل وعبد الله بن أميّة يا أبا طالب: أترغب عن ملّة عبد المطّلب ؟ فلم يزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملّة عبد المطّلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال النبيّ – صلى الله عليه وسلم –: والله لأستغفرنّ لك ما لم أنهَ عنك فأنزل الله عزّ وجلّ: { ما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنّهم اصحاب الجحيم } ( التوبة 113 ) وأنزل الله في أبي طالب: { إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء } ( القصص: 56 ) ) البخاري ( 4772 ) ومسلم ( 24 ) ونصيرًا: فهو سبحانه الذي ينصرك على أعدائك ويرد عنك كيد الكائدين ومكر الماكرين فاكتف به وتوكل عليه، وهؤلاء الذين سمّاهم الله تعالى أعداء لنبيه ووصفهم بالإجرام هم أولئك الذين هجروا القرآن وصدوا عنه، وعارضوا القرآن، وخالفوا القرآن، وحاولوا تحريف القرآن، وفي هذا تخويف عظيم، ووعيد شديد لكل من هجر القرآن العظيم بأيّ وجه من وجوه الهُجران. وأيضا في حكاية القرآن لهذه الشكوى وعيد كبير للهاجرين للقرآن بإنزال أشد العقاب بهم إجابة لشكوى نبيه – صلى الله عليه وسلم –.
وللأسف أيها الأحباب أننا نعيش في تيه وفراغ وغفلة وضياع، لأننا مشغولون بالسفاسف، همومنا منصبّة على التوافه، مشغولون بعيوب الناس وتركنا عيوبنا، حديثنا عن نقائص غيرنا مع السكوت عن الطامات والبليات من نواقصنا، ولاشك بأنّ هذا من الخذلان والحرمان الموصل إلى النيران، إننا في زمن غدّار ابتعد فيه الناس عن كتاب الله تبارك وتعالى وهجروه هجرًا غير جميل، والمصيبة الكبرى والداهية العظمى أن يكون الهجر منتشرًا بين أبناء الحركات الإسلامية والدعوات الربانية، فإننا نقولها بكل صدق وصراحة وقلوبنا تتفطّر دمًا وقيحًا بأنّ كثيرًا من الشباب المحسوب على الإستقامة والإلتزام لا يعرف المصحف إلا في رمضان، بل الأدهى والأمرّ حتى في رمضان الكثير منهم منشغل بالقيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال والعمر والزمان فيما يغضب الرحمن، وهم يحسبون أنــهم يحسنون صنــعًا، ألا تعلم أيها الحبيب أننا بقدر إقبالنا على القرآن يكون إقبال الله تعالى علينا، وبقدر إعراضنا عن القرآن يكون إعراض الله تعالى عنا، وإنما يكون حظ المؤمن بالرفعة في الدنيا ووضع القبول له مع الدرجات العلى عند مليك مقتدر يوم القيامة بقدر حظه من القرآن ففي صحيح مسلم ( 817 ) أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعُسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي ؟ فقال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى ؟ قال: مولى من موالينا قال: فاستخلفت عليهم مولى ؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عزّوجلّ، وإنّه عالم بالفرآئض، قال عمر: أما إن نبيكم – صلى الله عليه وسلم – قال: " إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع آخرين " وعن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " رواه أبو داود ( 1464 ) والترمذي ( 2914 )
وقال حديث حسن صحيح، قال خباب بن الأرت لرجل: تقرب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تقرب إلى الله تعالى بشيء أحب إليه من كلامه، وقال عثمان بن عفان: لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم . وقال بعض السلف لأحد طلابه: أتحفظ القرآن ؟ قال: لا، قال: مؤمن لا يحفظ القرآن !!! فبم يتنعم !! فبم يترنم ! فبم يناجي ربه تعالى !؟ وليس المقصود أيها الأحباب أن يكون الإنسان حافظا للحروف ومضيعا للأحكام فإن الإنسان لو كان يحفظ قليلا مع العلم والعمل أحب وأقرب من الله من الذي يحفظ القرآن كاملا ولا يراعي له حرمته ففي حديث أبي مالك الأشعري – رضي الله عنه- قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –:" القرآن حجة لك أو عليك " ( 223 ) وقد قال ابن القيم – رحمه الله –: ( وهجر القرآن أنواع:
أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه،
والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به،
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين
والرابع: هجر تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه،
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به ... وإن كان بعض الهجر أهون من بعض روى الدارمي في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ( سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت، يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا سنبلغ، وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا، إنا لا نشرك بالله شيئا .
والعجيب أيها الأحباب أننا بعد هذا الهجران ننتظر نصر الله، ونرفع أيدينا إلى السماء ونقول اللهم انصر الإسلام والمسلمين، مع أنّ هذا مخالف لسنن الله في الأرض، لأن النصر والتمكين الذي وعدنا الله به والذي تحقق من قبل لهذه الأمة، إنّما كان بفضل التمسك بكتاب الله عز وجل، فالسلف رضوان الله عليهم عرفوا حقيقة القرآن الكريم، فجعلوه ربيع قلوبهم، ونور صدورهم، وجلاء أحزانهم، وذهاب همومهم وغمومهم، وشفاء أبدانهم وقرّة أعينهم، ونفّذوا أحكامه وأقاموا حدوده، فطهرت بذلك أنفسهم وصلحت سرائرهم فاستطاعوا بفضل من الله ونعمة أن يحولوا الكفر والظلام والفساد الخلقي والعقدي الذي كان منتشرًا في أصقاع الدنيا إلى هداية وصلاح وعلم ومعرفة وورع وزهد وتقوى ثم مضوا مرضيا عنهم رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه، تأملوا إخواني في الله في واقع هؤلاء الفضلاء وفي واقعنا عندما ابتعدنا عن هذه المفاهيم الراقية السامية انحطت الأمّة إلى أدنى الدركات وأضحت بلا معالم ولا أصول تهتدي بها في معركتها الشرسة ولا حقائق تــرتكز إليها فـي صراعها الوحشي مع أعداء الملّة والدين.
لهذا ينبغي أن يقف كل واحد منا مع نفسه وقفات للتدبر والتأمل والمحاسبة ليشعر بأنّه مسؤول بطريقة أو بأخرى عن استمرار المآسي المنصبّة على المسلمين صبًّا، لأننا بتقصيرنا واستمرارنا في الذنوب والمعاصي وترك الجد في الدعوة إلى الله عزّ وجل والإصلاح عجزنا عن حماية أبنائنا ووضع الحلول الجذرية لما أصاب ويصيب الأمّة ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس – رحمه الله – وتأملوا معي أيها الأحباب- لما أنزل الله عز وجل: { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) يخبر تعالى أن له ملك السماوات والأرض وما فيهن وأنه المطلع على ما فيهن، لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر وإن دقّت وخفيت، وأخبر أنّه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم، لما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخافوا منها ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال لما نزلت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لله ..... اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ثم جثوا على الركب وقالوا يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة- يعني كل هذا نطيقه – وقد أنزلت عليك هذه الآية و لا نطيقها فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مؤدباً هؤلاء معلماً لهم كيف يتلقون القرآن، كيف يتلقون كلام رب العالمين، قال لهم – صلى الله عليه وسلم –: " أتريدون أن تقولوا كما قــال أهل الكتابــين من قبلكم سمعنا وعصينا ؟ قولوا: سمعنا وأطعنا " فما كان منهم رضي الله عنهم إلا أن انقادوا إلى توجيه النبي – صلى الله عليه وسلم – وقالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم وتكلموا بها وقرؤوها وقبلوها قبولاً تاماً جاء التخفيف من رب العالمين
جاء الفرج من الله جل وعلا الذي قال: ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ) ما يفعل الله بعذابكم أي: بإلحاق المشقة بكم إن شكرتم وآمنتم، جاء الفرج من الله جل وعلا لهذه الأمة وجاءت التزكية من رب الأرباب ومسبب الأسباب لهم مع بيان فضلهم فقال الله جل وعلا: ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد م رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) جاء التخفيف بعد إثبات إيمانهم وقبولهم لما جاء عن الله وعن رسوله و الشاهد إخواني من هذه القصة أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يتقبلون القرآن ويتلقونه على أنه شيء يتلى وتستنبط منه الأحكام ويعرف ما فيه من المعاني فقط، بل قرؤوه رضي الله عنهم على أنهم هم المخاطبون، هم المعنيون بما فيه من المعاني، ولذلك شق عليهم فراجعوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الذي شق عليهم من هذا القرآن فكانوا بهذا التدبر والتمعن يتأثرون بالقرآن ويبكون ويتباكون قدوتهم الحبيب صلى الله عليه وسلم فقد ورد في حديث عبدالله بن الشخير قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا -أي يصلي بالصحابة- وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" أخرجه أحمد في مسنده ( 15722 ) والأزيز هو الحركة والحنين الناتج عن التدبر والتأثر بالقرآن الحكيم وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في البخاري ( 4582) ومسلم ( 800 ) وأبي داوود ( 3668 ) من حديث عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود: "اقرأ علي" فقال عبدالله رضي الله عنه: "أقرأ عليك وعليك أنزل؟ " قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " فإني أحب أن أسمعه من غيري" يقول: فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمّة بشهيد وجئنا بك على هاؤلاء شهيدًا ) قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" أمسك فإذا عيناه تذرفان "
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ابتنى بيتاً وهو بمكة بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فتجتمع عليه نساء المشركين مع أبنائهم يتعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً بكّاءً أسيفًا لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فخاف المشركون أن يفسد عليهم نساءهم وأطفالهم فطلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمسك صاحبه - وهذا ليس خاصاً بأبي بكر رضي الله عنه بل إن عمر - رضي الله عنه - مع ما عرف به من الشدة والقوة والبطش والبأس في الحق كان رضي الله عنه بكّاءً، يقول من روى من أصحاب السير: إن عمر رضي الله عنه صلى بالجماعة الصبح فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته وفي رواية كان في صلاة العشاء أي كان يقرأ ذلك في صلاة العشاء فهذا يدل على كثرة تكراره لهذه السورة وأنه - رضي الله عنه- كان كثير البكاء ويقول عبدالله ابن شداد بن الهاد: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف في صلاة الصبح يقرأ في سورة يوسف: { قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله } وعن عبد الرحمن بن مصعب أنّ رجلاً كان على شط الفرات فسمع قارئًا يتلو {إنّ المجرمين في عذاب جهنّم خالدون } فتمايل الرجل فلما قال القارئ: { لا يفتّرّ عنهم وهم فيه مبلسون } سقط في الماء فمات – رحمه الله –
بل حتى النساء كانت قلوبهن معلقة بخير السماء ففي صحيح مسلم ( 2454 ) عن أنس قال: قال أبو بكر – رضي الله عنهما – بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر – رضي الله عنه – انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها فلما انتهينا إليها بكت فقالا لها ما بكيك ؟ ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت ما أبكي ألا أكون أعلم ان ما عند الله خير لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولكن أبكي أنّ الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها "
وفي الختام ينبغي أن نعلم أيها الإخوة أنه لا نجاة لنا من التيه الذي نحن فيه والعذاب المنوّع الذي نذوقه ونقاسيه إلا بالرجوع إلى القرآن، إلى علمه وهديه وبناء العقائد والأحكام عليه والتفقه فيه ونشره بين أطفالنا ونسائنا وجيراننا وأحبابنا في بيوتنا وأسواقنا ومدارسنا وجامعاتنا ومتاجرنا واحيائنا والإستعانة على ذلك بإخلاص القصد وصحّة الفهم والرجوع إلى العلماء الراسخين والإهتداء بهديهم في الفهم عن ربّ العالمين وهذا أمر قريب على من قرّبه الله عليه، ميسّر على من توكّل على الله فيه..
فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء أن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وفهمه والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهارعلى الوجه الذي يحبه ويرضاه إنه كريم وهاب وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
منقوووووول
عصام أبو زكريا الشامي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، قيّما لينذر بأسًا شديدًا من لدنه، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا حسنا ماكثين فيه أبدًا، وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدًا، مالهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا، الحمد لله الذي أرسل رسوله شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله بعثه الله بالحقّ إلى الثقلين مبصّرًا ومعلّمًا ومؤدّبًا اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وآتهم من لدنك فضلا كبيرًا
أما بعد:
فقد قال تعالى في كتابه العزيز مخبرًا عن حبيبه ورسوله وصفوة خلقه – صلى الله عليه وسلم – أنّه شكى إلى ربّه عزوجل فقال: {وقال الرسول ياربّ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا } (الفرقان: 30 ): وذلك أنّ المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه كما قال تعالى عنهم: { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } ( فصلت 26 )، فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا من الشغب والصخب وصفّقوا وصفّروا وخاضوا في غيره من الكلام حتى لا يسمعوا الكتاب المبين، ولا يدعوا غيرهم يسمع القرآن، فسلاّه الله عز وجل وعزّاه، وأمره بالصبر والثبات، ووعده ورجّاه، وأخبره أنّ هاؤلاء الخلق لهم سلف صنعوا كصنيعهم فقال: {وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوًا من المجرمين} أي: مثلما جعلنا لك أعداء من قومك كفروا بربك وهجروا كتابك وصدوا عنك وبالغوا في أذيّتك جعلنا لكل نبيّ ممن نبّأنا أعداء من أهل الذنب والإجرام فما أصابك إلا ما أصابهم فاصبر كما صبروا قال تعالى: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } ( الأحقاف: 35 ) وكفى بربك هاديا: فهو سبحانه بيده الهداية إلى الحق، والتبصرة إلى الرشد ففي الصحيح عن ابن المسيّب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فوجد عنده وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أميّة بن المغيرة قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم – لأبي طالب: " يا عمّ، قل: لا إله إلا الله، كلمةً أشهد لك بها عند الله " فقال أبو جهل وعبد الله بن أميّة يا أبا طالب: أترغب عن ملّة عبد المطّلب ؟ فلم يزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملّة عبد المطّلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال النبيّ – صلى الله عليه وسلم –: والله لأستغفرنّ لك ما لم أنهَ عنك فأنزل الله عزّ وجلّ: { ما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنّهم اصحاب الجحيم } ( التوبة 113 ) وأنزل الله في أبي طالب: { إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء } ( القصص: 56 ) ) البخاري ( 4772 ) ومسلم ( 24 ) ونصيرًا: فهو سبحانه الذي ينصرك على أعدائك ويرد عنك كيد الكائدين ومكر الماكرين فاكتف به وتوكل عليه، وهؤلاء الذين سمّاهم الله تعالى أعداء لنبيه ووصفهم بالإجرام هم أولئك الذين هجروا القرآن وصدوا عنه، وعارضوا القرآن، وخالفوا القرآن، وحاولوا تحريف القرآن، وفي هذا تخويف عظيم، ووعيد شديد لكل من هجر القرآن العظيم بأيّ وجه من وجوه الهُجران. وأيضا في حكاية القرآن لهذه الشكوى وعيد كبير للهاجرين للقرآن بإنزال أشد العقاب بهم إجابة لشكوى نبيه – صلى الله عليه وسلم –.
وللأسف أيها الأحباب أننا نعيش في تيه وفراغ وغفلة وضياع، لأننا مشغولون بالسفاسف، همومنا منصبّة على التوافه، مشغولون بعيوب الناس وتركنا عيوبنا، حديثنا عن نقائص غيرنا مع السكوت عن الطامات والبليات من نواقصنا، ولاشك بأنّ هذا من الخذلان والحرمان الموصل إلى النيران، إننا في زمن غدّار ابتعد فيه الناس عن كتاب الله تبارك وتعالى وهجروه هجرًا غير جميل، والمصيبة الكبرى والداهية العظمى أن يكون الهجر منتشرًا بين أبناء الحركات الإسلامية والدعوات الربانية، فإننا نقولها بكل صدق وصراحة وقلوبنا تتفطّر دمًا وقيحًا بأنّ كثيرًا من الشباب المحسوب على الإستقامة والإلتزام لا يعرف المصحف إلا في رمضان، بل الأدهى والأمرّ حتى في رمضان الكثير منهم منشغل بالقيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال والعمر والزمان فيما يغضب الرحمن، وهم يحسبون أنــهم يحسنون صنــعًا، ألا تعلم أيها الحبيب أننا بقدر إقبالنا على القرآن يكون إقبال الله تعالى علينا، وبقدر إعراضنا عن القرآن يكون إعراض الله تعالى عنا، وإنما يكون حظ المؤمن بالرفعة في الدنيا ووضع القبول له مع الدرجات العلى عند مليك مقتدر يوم القيامة بقدر حظه من القرآن ففي صحيح مسلم ( 817 ) أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعُسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي ؟ فقال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى ؟ قال: مولى من موالينا قال: فاستخلفت عليهم مولى ؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عزّوجلّ، وإنّه عالم بالفرآئض، قال عمر: أما إن نبيكم – صلى الله عليه وسلم – قال: " إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع آخرين " وعن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " رواه أبو داود ( 1464 ) والترمذي ( 2914 )
وقال حديث حسن صحيح، قال خباب بن الأرت لرجل: تقرب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تقرب إلى الله تعالى بشيء أحب إليه من كلامه، وقال عثمان بن عفان: لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم . وقال بعض السلف لأحد طلابه: أتحفظ القرآن ؟ قال: لا، قال: مؤمن لا يحفظ القرآن !!! فبم يتنعم !! فبم يترنم ! فبم يناجي ربه تعالى !؟ وليس المقصود أيها الأحباب أن يكون الإنسان حافظا للحروف ومضيعا للأحكام فإن الإنسان لو كان يحفظ قليلا مع العلم والعمل أحب وأقرب من الله من الذي يحفظ القرآن كاملا ولا يراعي له حرمته ففي حديث أبي مالك الأشعري – رضي الله عنه- قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –:" القرآن حجة لك أو عليك " ( 223 ) وقد قال ابن القيم – رحمه الله –: ( وهجر القرآن أنواع:
أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه،
والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به،
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين
والرابع: هجر تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه،
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به ... وإن كان بعض الهجر أهون من بعض روى الدارمي في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ( سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت، يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا سنبلغ، وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا، إنا لا نشرك بالله شيئا .
والعجيب أيها الأحباب أننا بعد هذا الهجران ننتظر نصر الله، ونرفع أيدينا إلى السماء ونقول اللهم انصر الإسلام والمسلمين، مع أنّ هذا مخالف لسنن الله في الأرض، لأن النصر والتمكين الذي وعدنا الله به والذي تحقق من قبل لهذه الأمة، إنّما كان بفضل التمسك بكتاب الله عز وجل، فالسلف رضوان الله عليهم عرفوا حقيقة القرآن الكريم، فجعلوه ربيع قلوبهم، ونور صدورهم، وجلاء أحزانهم، وذهاب همومهم وغمومهم، وشفاء أبدانهم وقرّة أعينهم، ونفّذوا أحكامه وأقاموا حدوده، فطهرت بذلك أنفسهم وصلحت سرائرهم فاستطاعوا بفضل من الله ونعمة أن يحولوا الكفر والظلام والفساد الخلقي والعقدي الذي كان منتشرًا في أصقاع الدنيا إلى هداية وصلاح وعلم ومعرفة وورع وزهد وتقوى ثم مضوا مرضيا عنهم رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه، تأملوا إخواني في الله في واقع هؤلاء الفضلاء وفي واقعنا عندما ابتعدنا عن هذه المفاهيم الراقية السامية انحطت الأمّة إلى أدنى الدركات وأضحت بلا معالم ولا أصول تهتدي بها في معركتها الشرسة ولا حقائق تــرتكز إليها فـي صراعها الوحشي مع أعداء الملّة والدين.
لهذا ينبغي أن يقف كل واحد منا مع نفسه وقفات للتدبر والتأمل والمحاسبة ليشعر بأنّه مسؤول بطريقة أو بأخرى عن استمرار المآسي المنصبّة على المسلمين صبًّا، لأننا بتقصيرنا واستمرارنا في الذنوب والمعاصي وترك الجد في الدعوة إلى الله عزّ وجل والإصلاح عجزنا عن حماية أبنائنا ووضع الحلول الجذرية لما أصاب ويصيب الأمّة ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس – رحمه الله – وتأملوا معي أيها الأحباب- لما أنزل الله عز وجل: { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) يخبر تعالى أن له ملك السماوات والأرض وما فيهن وأنه المطلع على ما فيهن، لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر وإن دقّت وخفيت، وأخبر أنّه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم، لما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخافوا منها ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال لما نزلت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لله ..... اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ثم جثوا على الركب وقالوا يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة- يعني كل هذا نطيقه – وقد أنزلت عليك هذه الآية و لا نطيقها فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مؤدباً هؤلاء معلماً لهم كيف يتلقون القرآن، كيف يتلقون كلام رب العالمين، قال لهم – صلى الله عليه وسلم –: " أتريدون أن تقولوا كما قــال أهل الكتابــين من قبلكم سمعنا وعصينا ؟ قولوا: سمعنا وأطعنا " فما كان منهم رضي الله عنهم إلا أن انقادوا إلى توجيه النبي – صلى الله عليه وسلم – وقالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم وتكلموا بها وقرؤوها وقبلوها قبولاً تاماً جاء التخفيف من رب العالمين
جاء الفرج من الله جل وعلا الذي قال: ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ) ما يفعل الله بعذابكم أي: بإلحاق المشقة بكم إن شكرتم وآمنتم، جاء الفرج من الله جل وعلا لهذه الأمة وجاءت التزكية من رب الأرباب ومسبب الأسباب لهم مع بيان فضلهم فقال الله جل وعلا: ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد م رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) جاء التخفيف بعد إثبات إيمانهم وقبولهم لما جاء عن الله وعن رسوله و الشاهد إخواني من هذه القصة أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يتقبلون القرآن ويتلقونه على أنه شيء يتلى وتستنبط منه الأحكام ويعرف ما فيه من المعاني فقط، بل قرؤوه رضي الله عنهم على أنهم هم المخاطبون، هم المعنيون بما فيه من المعاني، ولذلك شق عليهم فراجعوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الذي شق عليهم من هذا القرآن فكانوا بهذا التدبر والتمعن يتأثرون بالقرآن ويبكون ويتباكون قدوتهم الحبيب صلى الله عليه وسلم فقد ورد في حديث عبدالله بن الشخير قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا -أي يصلي بالصحابة- وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" أخرجه أحمد في مسنده ( 15722 ) والأزيز هو الحركة والحنين الناتج عن التدبر والتأثر بالقرآن الحكيم وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في البخاري ( 4582) ومسلم ( 800 ) وأبي داوود ( 3668 ) من حديث عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود: "اقرأ علي" فقال عبدالله رضي الله عنه: "أقرأ عليك وعليك أنزل؟ " قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " فإني أحب أن أسمعه من غيري" يقول: فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمّة بشهيد وجئنا بك على هاؤلاء شهيدًا ) قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" أمسك فإذا عيناه تذرفان "
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ابتنى بيتاً وهو بمكة بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فتجتمع عليه نساء المشركين مع أبنائهم يتعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً بكّاءً أسيفًا لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فخاف المشركون أن يفسد عليهم نساءهم وأطفالهم فطلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمسك صاحبه - وهذا ليس خاصاً بأبي بكر رضي الله عنه بل إن عمر - رضي الله عنه - مع ما عرف به من الشدة والقوة والبطش والبأس في الحق كان رضي الله عنه بكّاءً، يقول من روى من أصحاب السير: إن عمر رضي الله عنه صلى بالجماعة الصبح فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته وفي رواية كان في صلاة العشاء أي كان يقرأ ذلك في صلاة العشاء فهذا يدل على كثرة تكراره لهذه السورة وأنه - رضي الله عنه- كان كثير البكاء ويقول عبدالله ابن شداد بن الهاد: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف في صلاة الصبح يقرأ في سورة يوسف: { قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله } وعن عبد الرحمن بن مصعب أنّ رجلاً كان على شط الفرات فسمع قارئًا يتلو {إنّ المجرمين في عذاب جهنّم خالدون } فتمايل الرجل فلما قال القارئ: { لا يفتّرّ عنهم وهم فيه مبلسون } سقط في الماء فمات – رحمه الله –
بل حتى النساء كانت قلوبهن معلقة بخير السماء ففي صحيح مسلم ( 2454 ) عن أنس قال: قال أبو بكر – رضي الله عنهما – بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر – رضي الله عنه – انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها فلما انتهينا إليها بكت فقالا لها ما بكيك ؟ ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت ما أبكي ألا أكون أعلم ان ما عند الله خير لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولكن أبكي أنّ الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها "
وفي الختام ينبغي أن نعلم أيها الإخوة أنه لا نجاة لنا من التيه الذي نحن فيه والعذاب المنوّع الذي نذوقه ونقاسيه إلا بالرجوع إلى القرآن، إلى علمه وهديه وبناء العقائد والأحكام عليه والتفقه فيه ونشره بين أطفالنا ونسائنا وجيراننا وأحبابنا في بيوتنا وأسواقنا ومدارسنا وجامعاتنا ومتاجرنا واحيائنا والإستعانة على ذلك بإخلاص القصد وصحّة الفهم والرجوع إلى العلماء الراسخين والإهتداء بهديهم في الفهم عن ربّ العالمين وهذا أمر قريب على من قرّبه الله عليه، ميسّر على من توكّل على الله فيه..
فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء أن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وفهمه والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهارعلى الوجه الذي يحبه ويرضاه إنه كريم وهاب وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
منقوووووول