رياض الجنان
04-03-2007, 04:32 PM
الشمس , إني أراها الآن
-قصة قصيرة -
استيقظ على صباح غُربةٍ جديد,
فتح عينيه وأدار بصره يتتبّع السواد من حوله,
كان يعلم أن الغربة قاسية, لكن ليس إلى هذا الحد من البؤس, والضياع ,
نفض فراشه , وزفرات حارقة كانت تخرج مع أنفاسه, فتزيده ألماً.
" غربة المكان مزعجة, لكن غربة روحي تقتلني "
الجملة التي توسطت الصفحة الأولى في كل الكتب والدفاتر,
كان قد خط ليلة البارحة جملة أخرى , على الورقة الأخيرة من دفتر مذكراته فكتب :
" لن أضيف الحليب والسكر إلى قهوتي في الصباح ,
فأنا كيانُ هزيل, قد أدمنتُ السواد والمرارة ,
قد أدمنتهما داخل روحي وخارجها "
وقف أمام النافذة ثم قال بصوته الحزين :
" أي شمسٍ تلك التي أسمع عنها تتوهج في السماء؟ أنا لا أشعر بالشعاع, ولا بالدفء أيضاً ,
أين الأهل و أين الأصحاب؟ أتعبني الحزن , أتعبني كثيراً , أنا الذي لم أعرف الوحدة في حياتي,
فأي نوع من العذاب هذا الذي لبسته روحي لباساً لا يُنزع ؟ "
رمى نفسه على سريره, وأجهش في البكاء,
وكأن نهايته قد اقتربت, ولكنها جاءت بطريقة مختلفة عما كان يتوقع.
قد غابت عنه الصحبة الصالحة,
بعد أن اعتنق الضلال وتخلى عن الاستقامة ,
بعد أن انساقت روحه –طوعاً- بعيداًِ عن مبادئه ,
بعد أن امتنع فجأة عن الصلاة في المسجد,
- حتى نسى القرآن وأحكام القرآن-
فأصبح لا يفكر في غير سعادته المزعومة المؤقتة,
ومن بعدها ساعات طويلة من الندم والحسرة,
قد ضل طريقه ,
حتى ضاع حلمه ومات هدفه,
وصل إلى حد النهاية ,
فتذكر ,
أن الحزن ما كان لينمو, لولا أنه قد روى بذرته بسُم الضلال ,
وأن القلب ما كان ليحتضر, لولا أنه قد قتل طائر الفرح بالمعصية ,
وأن روحه ما كانت لتضيع , لولا أنه قد حل معقلها من وطن الحقيقة ,
وأن الهم ما كان ليعلو, لولا أنه قد بنى سُلم اليأس بيديه,
والسبب في كل هذا ,
هي نفسه ,
نفسه التي سحبته من النور والسلام ,
إلى الظلام والاستسلام.
وقبل أن تضعف قوته,
وينهار,
سمع طرقاً على الباب,
فتح الباب,
كان الطارق جاره في البيت المقابل ,
سلّم عليه ,
ثم سأل عن حاله وعن حزنه العميق, إن تجلت غيومه أم لم تزل؟
وإن كان بحاجة إلى طعام أو نقود؟
وكعادة الجار ,لم يُطل المكوث,
رحل بعد أن أهداه (كُتيّبات)
عاد هو وحيداً كما كان,
نظر إلى يديه والكتيبات فيها,
والتي بقيت في يديه دون أن تُرمى بإهمال كما جرت العادة,
هذه المرة, شعر بأن روحه عطشى للحياة من جديد,
وأن حياته ينقصها النور,
قال يحاكي نفسه :
"ثم ماذا أيتها النفس ؟و إلى متى؟ أي قيادة هذه التي تقوديني بها فتجعلينني كالميت داخل قبره,
يتمنى الحياة, فلا يستطيعها, أو كالسقيم يأوي إلى فراشه كل مساء وقلبه المتعب يجاهد أن ينبض ,
-على الرغم من أنه ينزف جروحاً غائرة لا شفاء لها- ثم يستيقظ في الصباح دون أن يشعر بوجود
الشمس,لا يبالي بالحياة,فالكون شاحب, والدنيا غريبة ,
إلى أن يجد نفسه - بلا وعي- يرتمي في أحضان الليل المظلم , يتوسد الحزن, ويفترش الهموم؟
أيتها النفس الغريبة , تأمرينني بالسوء إلحاحاًُ , ثم ما أن أقدم لكِ ما تريدين حتى تشعلين
نار الحسرة في جوفي لتحرقني خلية بعد الأخرى ,
أما أنا فلا حول لي ولا قوة , أعطيكِ ما تطلبين , مقابل السعادة التي ستعطينني إياها,
والتي مازلتُ أسمع عنها ولم أراها ,
أتساءل هل سأقودكِ أنا يوماً ؟ فأحملكِ لأرض لم تشاهديها حتى الآن,
أرض لا تعرف غير النور,
تنمو فيها زهور السعادة,
وتشرق فيها شمس الأمل,
أستقي من مائها الطهارة,
وأشعر بالحياة التي ستوهب لي؟
يا نفسي ,
لن أبقى صامتاً هادئاً دون أن أعلن جهادي عليكِ ,
سأجاهد ضدكِ ما حييت , لأنني لن أطيق خضوعي أمامك أكثر "
فتح الكتيبات وقرأها كلها ,
قرأ أيضاً :
( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)
توضأ وصلى ,
دعا واستغفر ,
وبكى طويلاً,
مضت الليلة وأشرق النهار,
أشرقت الشمس التي كان يبحث عنها,
أشرقت أمام عينيه , بعد أن ملأ روحه من نورها ,
أمسك القلم وكتب في دفتر مذكراتٍ آخر, بأوراقٍ بيضٍ جديدة:
" الشمس , إني أراها الآن ,
قد أشرقت في سمائي ولن تغيب –بإذن الله تعالى- "
-تمت-
رياض الجنان
-قصة قصيرة -
استيقظ على صباح غُربةٍ جديد,
فتح عينيه وأدار بصره يتتبّع السواد من حوله,
كان يعلم أن الغربة قاسية, لكن ليس إلى هذا الحد من البؤس, والضياع ,
نفض فراشه , وزفرات حارقة كانت تخرج مع أنفاسه, فتزيده ألماً.
" غربة المكان مزعجة, لكن غربة روحي تقتلني "
الجملة التي توسطت الصفحة الأولى في كل الكتب والدفاتر,
كان قد خط ليلة البارحة جملة أخرى , على الورقة الأخيرة من دفتر مذكراته فكتب :
" لن أضيف الحليب والسكر إلى قهوتي في الصباح ,
فأنا كيانُ هزيل, قد أدمنتُ السواد والمرارة ,
قد أدمنتهما داخل روحي وخارجها "
وقف أمام النافذة ثم قال بصوته الحزين :
" أي شمسٍ تلك التي أسمع عنها تتوهج في السماء؟ أنا لا أشعر بالشعاع, ولا بالدفء أيضاً ,
أين الأهل و أين الأصحاب؟ أتعبني الحزن , أتعبني كثيراً , أنا الذي لم أعرف الوحدة في حياتي,
فأي نوع من العذاب هذا الذي لبسته روحي لباساً لا يُنزع ؟ "
رمى نفسه على سريره, وأجهش في البكاء,
وكأن نهايته قد اقتربت, ولكنها جاءت بطريقة مختلفة عما كان يتوقع.
قد غابت عنه الصحبة الصالحة,
بعد أن اعتنق الضلال وتخلى عن الاستقامة ,
بعد أن انساقت روحه –طوعاً- بعيداًِ عن مبادئه ,
بعد أن امتنع فجأة عن الصلاة في المسجد,
- حتى نسى القرآن وأحكام القرآن-
فأصبح لا يفكر في غير سعادته المزعومة المؤقتة,
ومن بعدها ساعات طويلة من الندم والحسرة,
قد ضل طريقه ,
حتى ضاع حلمه ومات هدفه,
وصل إلى حد النهاية ,
فتذكر ,
أن الحزن ما كان لينمو, لولا أنه قد روى بذرته بسُم الضلال ,
وأن القلب ما كان ليحتضر, لولا أنه قد قتل طائر الفرح بالمعصية ,
وأن روحه ما كانت لتضيع , لولا أنه قد حل معقلها من وطن الحقيقة ,
وأن الهم ما كان ليعلو, لولا أنه قد بنى سُلم اليأس بيديه,
والسبب في كل هذا ,
هي نفسه ,
نفسه التي سحبته من النور والسلام ,
إلى الظلام والاستسلام.
وقبل أن تضعف قوته,
وينهار,
سمع طرقاً على الباب,
فتح الباب,
كان الطارق جاره في البيت المقابل ,
سلّم عليه ,
ثم سأل عن حاله وعن حزنه العميق, إن تجلت غيومه أم لم تزل؟
وإن كان بحاجة إلى طعام أو نقود؟
وكعادة الجار ,لم يُطل المكوث,
رحل بعد أن أهداه (كُتيّبات)
عاد هو وحيداً كما كان,
نظر إلى يديه والكتيبات فيها,
والتي بقيت في يديه دون أن تُرمى بإهمال كما جرت العادة,
هذه المرة, شعر بأن روحه عطشى للحياة من جديد,
وأن حياته ينقصها النور,
قال يحاكي نفسه :
"ثم ماذا أيتها النفس ؟و إلى متى؟ أي قيادة هذه التي تقوديني بها فتجعلينني كالميت داخل قبره,
يتمنى الحياة, فلا يستطيعها, أو كالسقيم يأوي إلى فراشه كل مساء وقلبه المتعب يجاهد أن ينبض ,
-على الرغم من أنه ينزف جروحاً غائرة لا شفاء لها- ثم يستيقظ في الصباح دون أن يشعر بوجود
الشمس,لا يبالي بالحياة,فالكون شاحب, والدنيا غريبة ,
إلى أن يجد نفسه - بلا وعي- يرتمي في أحضان الليل المظلم , يتوسد الحزن, ويفترش الهموم؟
أيتها النفس الغريبة , تأمرينني بالسوء إلحاحاًُ , ثم ما أن أقدم لكِ ما تريدين حتى تشعلين
نار الحسرة في جوفي لتحرقني خلية بعد الأخرى ,
أما أنا فلا حول لي ولا قوة , أعطيكِ ما تطلبين , مقابل السعادة التي ستعطينني إياها,
والتي مازلتُ أسمع عنها ولم أراها ,
أتساءل هل سأقودكِ أنا يوماً ؟ فأحملكِ لأرض لم تشاهديها حتى الآن,
أرض لا تعرف غير النور,
تنمو فيها زهور السعادة,
وتشرق فيها شمس الأمل,
أستقي من مائها الطهارة,
وأشعر بالحياة التي ستوهب لي؟
يا نفسي ,
لن أبقى صامتاً هادئاً دون أن أعلن جهادي عليكِ ,
سأجاهد ضدكِ ما حييت , لأنني لن أطيق خضوعي أمامك أكثر "
فتح الكتيبات وقرأها كلها ,
قرأ أيضاً :
( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)
توضأ وصلى ,
دعا واستغفر ,
وبكى طويلاً,
مضت الليلة وأشرق النهار,
أشرقت الشمس التي كان يبحث عنها,
أشرقت أمام عينيه , بعد أن ملأ روحه من نورها ,
أمسك القلم وكتب في دفتر مذكراتٍ آخر, بأوراقٍ بيضٍ جديدة:
" الشمس , إني أراها الآن ,
قد أشرقت في سمائي ولن تغيب –بإذن الله تعالى- "
-تمت-
رياض الجنان