مشاهدة النسخة كاملة : اللي عندة بحث (يفزع)
ياسر حمدان المقبلي
04-30-2007, 11:42 AM
ب1
س1
ص1
اللي عندة بحث 8 صفحات او اكثر ينزله هنيا
سعود السرحاني
04-30-2007, 11:48 AM
أخوي ياسر
البحث يشمل موضوع معين
والا أي بحث ..؟
حدد كي يعرف مضمون الموضوع
شـاكر لك جهودكـ
دمتى بخيـرر
ياسر حمدان المقبلي
04-30-2007, 11:51 AM
اي موضوع اهم شي 8 صفحات او اكثر
نواف النجيدي
04-30-2007, 03:11 PM
عن الأرهاب
المقدمه
أثر الانحراف الاعتقادي على الإرهاب العالمي الصهيونية نموذجًا
إعداد
د . سعد بن علي الشهراني
عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة جامعة أم القرى والمستشار برابطة العالم الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين . . وبعد :
ازداد " هوس الإرهاب " بعد أحداث (11) سبتمبر ، وانطلقت جحافل الأجهزة السياسية والإعلامية والفكرية في الغرب نحو المسلمين وحدهم بتهمة الإرهاب من دون كل البشر ، والإسلام من دون كل الملل والنحل ، ليس هذا فحسب وإنما وُجد من يحاول تأصيل التهمة ، بجعل عقيدة الإسلام وشريعته مصدرًا للإرهاب ، لكي يثبتوا أن الإسلام يربي كائنات بشرية إرهابية ، وأن المسلم الحق هو مشروع إرهابي جاهز للقتل ، وبهذا يتحقق ترهيب الناس من الإسلام وإبعادهم عنه .
إن الغرب يكيل بمكيالين ، فحين تُرتكب جريمة نفذها يهودي أو نصراني أو أي ديانةٍ أخرى لا يقال نفذها يهودي أو نصراني ، أما حين يكون المنفذ مسلمًا فوصف الإرهاب قرين له فيقال : (( إرهابي مسلم)) .
ويظهر أن وسائل الإعلام الغربية تشكو من قرون استشعار انتقائية ، خاصة في إلصاق الإرهاب بالإسلام وكأنه من مكوناته ، فتجدهم ينسبون جرائم صدام حسين للإسلام بينما جرائم ستالين الأرثوذكسي أو هتلر الكاثوليكي لا تنسب إلى ديانتهم النصرانية وغيرهما كثير ، بل السفاح شارون وصفوه بأنه (( رجل سلام)) !!
لقد وضعوا الإسلام في قفص الاتهام ، وحكموا عليه بدون شهود ولا بينة بالإعدام ، وحقًا إن العين لتدمع وإن القلب لينفطر غيظًا وحزنًا حين يرى هذا الظلم العالمي والإرهاب العدواني على الإسلام .
ولذلك جاء هذا البحث إسهامًا في الدفاع عن الإسلام ولسان حاله يقول : (( رمتني بدائها وانسلت )) ، وسأبين في هذا البحث أن فساد الاعتقاد هو العامل الأول للإرهاب العالمي ، ومن ثم مثَّلت بنموذج على ذلك يمثل الخطر على الإنسانية ألا وهو : اليهودية ، ولو تتبعت الانحرافات العقدية في الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة وأثرها في الإرهاب للزمني مجلدات وموسوعات ، ولكن حسبي أن أشير إلى هذه الطائفة والتي فطنت شعوب أوروبا إلى خطرها على العالم ، وهذا ما أكده مؤخرًا استطلاع الرأي العام لدول الاتحاد الأوروبي ويضم خمس عشرة دولة حيث كان السؤال أي دول العالم تهدد الأمن والسلام فأجابت الأغلبية بأنها "إسرائيل أولا"! . ومن إعجاز القرآن أن الله ذكر هذه الأمة المغضوب عليها في (( أم الكتاب وفاتحته )) .
ويهدف البحث إلى بيان أهمية العامل الاعتقادي وأثره في الإرهاب ، وبيان الانحرافات الاعتقادية التي وقع فيها اليهود وأثرها في الإرهاب العالمي ، كما يهدف إلى تنبيه الغافلين على البعد العقائدي في الصراع الذي يصدر منه أعداء الإسلام في كل مواقفهم ، وهو البعد الأهم والأعمق ، فالإستراتيجية الغربية المسيحية واليهودية ركزت على طمس حقيقة أن الصراع هو صراع ديني عقائدي في نفوس المسلمين ، وألبست ذلك الصراع ثوبًا من القومية والوطنية الزائفة ، ولذلك ظهرت الأحزاب العلمانية والزعامات المصطنعة التي خدمت الصالح اليهودي .
إن سلاح العقيدة هو أقوى سلاح نواجه به أعداءنا ، وإذا تجردنا منه هزمنا ، وإن عضضنا عليه بالنواجد نصرنا الله نصرًا مبينا : http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B2.GIF إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=47&nAya=7&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B1.GIFhttp://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B2.GIF إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=13&nAya=11&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B1.GIF
نواف النجيدي
04-30-2007, 03:14 PM
البحث الأول أهمية العقيدة للفرد والمجتمع
تعد العقيدة ركنًا أساسيًا مهمًا في حياة البشرية ، سواءً على مستوى الأفراد ، أو المجتمعات والدول ، فلقد خلق الله تعالى الإنسان وركز في فطرته معرفة الله وتوحيده ، إنها فطرة الله التي فطر الله الناس عليها ، والقرآن الكريم والسنة النبوية صريحة في إثبات ذلك ، ومن النصوص قوله تعالى : http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B2.GIF فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=30&nAya=30&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B1.GIF
وفي آية الميثاق يصرح - جل وعلا - بهذه الفطرة ، وإقرار الناس وشهادتهم على أنفسهم بأن الله ربهم ، يقول تعالى : http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B2.GIF وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=7&nAya=172&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B3.GIF أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=7&nAya=173&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B1.GIF
وجاءت الأحاديث النبوية مفسرة لهذه الآية مؤكدة لمعناها .
ومن الأحاديث الصريحة في أن الله فطر البشرية كلها على معرفته وتوحيده تعالى قوله صلى الله عليه وسلم : http://alminbar.al-islam.com/shared/images/MEDIA-H1.GIF كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء http://alminbar.al-islam.com/shared/images/MEDIA-H2.GIF .
والمقصود بفطرية معرفة الله وتوحيده أن يكون الإنسان مخلوقًا خلقةً تقتضي معرفة الله وتوحيده مع انتفاء الموانع الصارفة عن ذلك ، بحيث لا يحتاج الإنسان في ذلك إلى النظر والاستدلال .
ومهما انحرف الإنسان عن الاعتقاد الصحيح فإنه لا يمكن أن يتجرد عن عقيدة مهما كانت تلك العقيدة ، فحاجته إلى العقيدة الدينية حاجة ثابتة لا تنقطع لأنها أمر فطري في حياته نشأت معه منذ ولادته ، يقول معجم ( لاروس ) للقرن العشرين : (( إن الغريزة الدينية : مشتركة بين كل الأجناس البشرية حتى أشدها همجية وأقربها إلى الحياة الحيوانية . وإن الاهتمام بالمعنى الإلهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسانية " . ويقول : إن هذه الغريزة الدينية (( لا تخفى ، بل لا تضعف ولا تذبل ، إلا في فترات الإسراف في الحضارة وعند عدد قليل جدًا من الأفراد )) .
ويقول هنري برجسون : (( لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات ، ولكن لم توجد قط جماعة بغير ديانة )) .
ويرى كثير من الباحثين في الأديان ومنهم (( بنيامين كونستان )) أحد مؤرخي الأديان : أن الدين من العوامل التي سيطرت على البشر ، وأن التحسس الديني من الخواص اللازمة لطبائعنا الراسخة ، ومن المستحيل أن نتصور ماهية الإنسان دون أن تتبادر إلى ذهننا عقيدة الدين .
ومما يجلي أهمية العقيدة في حياة البشرية ارتباط الراحة النفسية بإشباع هذا الميل للاعتقاد ، فالاعتقاد أو الدين عنصر ضروري ، والإنسانية بحاجة إليه للكمال النفسي والروحي ، فالإنسان جسم وروح ، والجسم يتغذى بالطعام والشراب ، بينما تتغذى الروح بالإيمان والعقيدة .
ويرى ماكس موللر : أن الدين قوة من قوى النفس ، وخاصية من خصائصها ، وأن فكرة التعبد من الغرائز البشرية التي فُطر عليها الإنسان منذ نشأته الأولى .
أما أهمية العقيدة على مستوى المجتمعات والدول فتتجلى في أن العامل العقدي له دور حاسم في تكوين المجتمعات والدول وسيرها وضبط حركتها عبر التاريخ وتوجيه مؤسساتها ونظمها .
يقول الدكتور دراز : (( لا حاجة بنا إلى التنبيه على أن الحياة في جماعة لا قيام لها إلا بالتعاون بين أعضائها ، وأن هذا التعاون إنما يتم بقانون ينظم علاقاته ، ويحدد حقوقه وواجباته ، وأن هذا القانون لا غنى له عن سلطان نازع وازع . والذي نريد أن نثبته هو أنه ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها ، في كفالة احترام القانون ، وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه ، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه . ذلك أن الإنسان يمتاز عن سائر الكائنات الحية بأن حركاته ، وتصرفاته الاختيارية يتولى قيادتها شيء لا يقع عليه سمعه ولا بصره ، ولا يوضع في يده ولا عنقه ، ولا يجري في دمه ، ولا يسري في عضلاته وأعصابه . وإنما هو معنى إنساني روحاني اسمه الدين والعقيدة .
أجل . . إن الإنسان يساق من باطنه لا من ظاهره ، وليست قوانين الجماعات ، ولا سلطان الحكومات بكافيين وحدهما لإقامة مدينة فاضلة ، تحترم فيها الحقوق ، وتؤدى الواجبات على وجهها الكامل .
فإن الذي يؤدي واجبه رهبة من السوط أو السجن ، أو العقوبة المالية ، لا يلبث أن يهمله متى اطمأن إلى أنه سيفلت من طائلة القانون . ومن الخطأ البين أن نظن أن في نشر العلوم والثقافات وحدها ضمانًا للسلام والرخاء ، وعوضًا عن التربية والتهذيب الديني والخلقي . ذلك أن العلم سلاح ذو حدين : يصلح للهدم والتدمير ، كما يصلح للبناء والتعمير ، ولا بد في حسن استخدامه من رقيب أخلاقي ، يوجهه لخير الإنسانية وعمارة الأرض ، لا إلى نشر الشر والفساد . ذلكم الرقيب . هو العقيدة والإيمان )) .
وتتجلى أهمية العقيدة في كونها مصدرًا في قوة الدول وعزها أو ضعفها وذلها وسقوطها .
والقرآن الكريم ركز على العامل العقدي لكونه عاملًا حاسمًا بإمكانه أن يغير مجرى الأحداث ويبدل سير الدول والمجتمعات على رغم توافر الإمكانيات المادية .
لقد ذكر الله - تعالى - كثيرًا من الأمم والشعوب كانت لها القوة والمنعة وكانت في مركز الثقل ، ومع ذلك لم تكن أبدًا استثناءًً من سنة الله تعالى ، قال تعالى : http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B2.GIF أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=40&nAya=21&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B3.GIF ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=40&nAya=22&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B1.GIF
لقد سجل التاريخ هذه العلاقة المتلازمة القائمة بين العامل العقائدي وبين تطور المجتمعات سلبًا وإيجابًا وتاريخ المجتمعات الإسلامية بالذات خير شاهد على ذلك كما أبرز ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية . لقد وجد ابن تيمية أن هناك علاقة طردية بين صفاء العقيدة وتقدم المجتمعات وبالعكس . فكلما كانت العقيدة صافية كلما تحقق وساد الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي وازداد المجتمع قوة وتفوقًا . وبقدر ما تضطرب العقيدة بقدر ما تسير المجتمعات نحو الاضطراب سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا . لقد طبق ابن تيمية هذه القاعدة في تفسير تفكك المجتمعات الإسلامية وسقوط دولها ابتداءً من دولة الأمويين التي ظهرت فيها البدع الكلامية إلى دولة العباسيين وما بعد العباسيين حيث ظهر الإلحاد وتفشت المظاهر المرضية للدين في شكل الطرق الصوفية وتحولت العقيدة من مصدر قوة إيجابية محركة للهمم ودافعة للتقدم إلى قوة سلبية عائقة .
لقد صاغ ابن تيمية حديثه عن العلاقة بين العقيدة وسير المجتمعات في شكل علاقة منطقية تقوم على أساس وجود تلازم مطرد بين النتائج ومقدماتها . ففي حديثه عن سقوط بني أمية بعد أن ظهر في بعضهم القول بالتعطيل وغيرها من البدع الكلامية عاد عليهم شؤمهم بزوال دولتهم . (( فإنه إذا ظهرت البدع التي تخالف دين الرسل انتقم الله ممن خالف الرسل وانتصر لهم )) .
ويُرْجِعُ السبب في تسلط الروم النصارى على العباسيين وأخذهم الجزيرة والثغور الشامية وبيت المقدس في أواخر المائة الرابعة إلى ظهور النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسل . وعندما تولى نور الدين الشهيد وقام بما قام من أمر الإسلام وإظهار الحق ظهر الإسلام وفرض سيطرته السياسية من جديد ((فكان الإيمان بالرسل والجهاد عن دينه سببًا لخير الدنيا والآخرة ، وبالعكس البدع والإلحاد ومخالفة ما جاء به الرسل سبب لشر الدنيا والآخرة )) (( فلما ظهر في الشام ومصر والجزيرة الإلحاد والبدع سلط عليهم الكفار ، ولما أقاموا ما أقاموه من الإسلام وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار وكذلك لما كان أهل المشرق قائمين بالإسلام كانوا منصورين على الكفار المشركين من الترك والهند والصين وغيرهم ، فلما ظهر منهم ما ظهر من البدع والإلحاد والفجور سلط عليهم الكفار )) .
وهذه القاعدة العامة التي صاغها الإمام ابن تيمية في هذا الشكل المنطقي يمكن أن تعمم على كثير من التحولات الاجتماعية التي عرفتها دول العالم الإسلامي في ماضيها وحاضرها كما حدث مع المرابطين والموحدين وبلاد الأندلس . وفي تاريخنا الحديث تظل حرب فلسطين في سنة 1948م وأحداث أفغانستان والعراق وغيرها خير شاهد على تلك العلاقة الطردية .
إن العقيدة بحسب قوتها في الأنفس تعطي لهذا المجتمع القوة وعدم الذوبان في المجتمعات الأخرى .
وجملة القول أن العقائد أو الأديان تحمل من المجتمعات والدول محل القلب من الجسد وأن الذي يؤرخ الديانات كأنما يؤرخ الشعوب وأطوار المدنيات .
والإرهاب أو العنف بصفته ظاهرة عالمية في عصرنا الحاضر يقف العامل العقدي العامل الأول فيها ، نعم هناك عوامل أخرى مهمة مثل العوامل الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والنفسية ، والتربوية وغيرها ، إلا أن الاعتقاد يأتي في مقدمتها ، وهذا يرجع إلى أهمية الاعتقاد أو الدين في حياة الإنسان كما بينت في الصفحات السابقة ، فالانحراف العقدي أو الفكري ، يعطي الإرهابي تسويغًا لعمله ، وتفسيرًا لجرمه ، والدراسات الميدانية تؤكد ذلك ، منها على سبيل المثال الدراسة الميدانية التي أعدها (( سالم البراق )) والتي أجمع معظم أفراد عينة البحث على دور العامل الفكري في تكوين السلوك الإرهابي لجميع المنظمات المتطرفة والإرهابية .
وقد رفض أحد علماء النصرانية البارزين استعمال التوراة لاستعمار الشعوب حيث ألف الأب (( مايكل أبريور )) رئيس كلية اللاهوت والدراسات الكتابية في بريطانيا كتابًا قيمًا بعنوان : ((الكتاب المقدس والاستعمار الاستيطاني . . . أمريكا اللاتينية . جنوب أفريقيا . فلسطين )) حيث يقول : ((إن الهدف من دراسته التي تتناول الربط بين الكتاب المقدس في عهده القديم في كونه أداة واهنة في قمع الشعوب واضطهادها )) ويضرب على ذلك بأمثلة وشواهد كثيرة .
وقد ألف البرفسور اليهودي الشهير : " نعوم تشومسكي " كتابه : Middle East terrorism and the American ideological system أي "الإرهاب في الشرق الأوسط [ونظام] الأيديولوجية الأمريكية " وهذا يؤكد مدى تأثير العقيدة الأمريكية في الإرهاب في الشرق الأوسط .
نواف النجيدي
04-30-2007, 03:15 PM
البحث الثاني
معنى الإرهاب
لا يوجد مصطلح معاصر اختلف على تعريفه مثل مصطلح الإرهاب ، ولقد اطلعت على كثير من التعريفات http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/margntip.gif (http://javascript<b></b>:popUp(40200)) فوجدتها غامضة ضبابية وعليها ملحوظات عديدة ، (والاصطلاحات لا مشاحة http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/margntip.gif فيها إذا لم تتضمن مفسدة ) http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/margntip.gif .
ولولا تفشي هذا المصطلح عالميًا وفرضه علنيا إعلاميًا لما استخدمته في هذا البحث ، ولهذا فإني أُشيد بدعوة (( المجمع الفقهي الإسلامي )) برابطة العالم الإسلامي (( رجال الفقه والقانون والسياسة في العالم إلى الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب تنزل عليه الأحكام والعقوبات ، ليتحقق الأمن وتقام موازين العدالة ، وتصان الحريات المشروعة للناس جميعًا )) http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/margntip.gif .
وقد قام المجمع بتعريف للإرهاب وهو : العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيًا على الإنسان في دينه ، ودمه ، وعقله ، وماله ، وعرضه ، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق ، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق ، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد ، يقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس ، أو ترويعهم بإيذائهم ، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر ، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة ، أو تعريض أحد الموارد الوطنية ، أو الطبيعية للخطر فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها ، قال تعالى : http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B2.GIF وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=28&nAya=77&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B1.GIFhttp://alminbar.al-islam.com/Shared/images/margntip.gif (http://javascript<b></b>:popUp(40204)) .
كما أوضح المجمع أن عدم الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب اتخذ ذريعة إلى الطعن في أحكام قطعية من أحكام الشريعة الإسلامية ، كمشروعية الجهاد والعقوبات البدنية من حدود وتعزيرات وقصاص ، كما اتخذ ذريعة لتجريم من يدافع عن دينه وعرضه وأرضه ووطنه ضد الغاصبين والمحتلين والطامعين ، وهو حق مشروع في الشرائع الإلهية ، والقوانين الدولية .
ويقول أ . د . محمد عزير شكري : إننا اليوم أمام صفحة جديدة غير مشرقة في العلاقات الدولية ، الحافز فيها هو هذا غير المعرف المسمى إرهاباً ، والخصم والقاضي فيها هو الولايات المتحدة وعصبة من الدول ، يقابله صمت فعلي من العالم ، والقانون المطبق فيه هو شريعة الغاب . آن للعالم أن يشخص الداء قبل اللجوء إلى دواء قد يكون هو من أسباب الداء . أو لا نرى ذلك تحت أنظارنا في العراق وأفغانستان ، وقبلها وبعدها ، الله يعرف أين ومتى ؟ ومن يعش ير http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/margntip.gif !!
نواف النجيدي
04-30-2007, 03:16 PM
البحث الثالث
العقيدة اليهودية وأثرها في الإرهاب
تمهيد
بعث الله رسله تترى ، وأنزل معهم الكتاب بالقسط ، ليعبدوه وحده لا شريك له ، وحَّد الله أهداف دعوتهم فقال : http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B2.GIF وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=21&nAya=25&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B1.GIFhttp://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B2.GIF وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=16&nAya=36&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B1.GIF
فلا شك أن العقائد السماوية التي نزلت على رسل الله وأنبيائه واحدة ، كما أن المبادئ العامة للشرائع وأصول الأخلاق واحدة ، مع فوارق في التشريعات والجزئيات المفصلة لأصولها العامة حتى تكون مناسبة لحال الأمم باختلاف الأزمان والأحوال .
قال تعالى : http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B2.GIF شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=42&nAya=13&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B1.GIF
وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد وحدة الهدف بين الرسل ولكن حين نعرض اليوم للعقيدة اليهودية نلحظ أنها حرَّفت وبدلت ما جاء به موسى عليه السلام ، فلها مفهوم خاص عن الإله ، وأنبيائه ، وتصور خاص عن البعث ، واتجاه خاص في مبادئ الأخلاق وأسس الاجتماع الإنساني http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/margntip.gif .
وسأعرض باختصار بعض عقائد اليهود في الله تعالى ، وفي أنبيائه ورسله ، وفي اليوم الآخر ، والتمييز العنصري ، وأرض الميعاد ، لنرى مدى الانحراف والتشويه الذي فعلوه برسالة موسى عليه السلام والأنبياء من بعده ، وليتضح أثر هذه العقيدة على سلوكهم العدواني الإرهابي .
نواف النجيدي
04-30-2007, 03:20 PM
البحث الرابع
أثر الإيمان بالله وشريعته في علاج الإرهاب
جاء الإسلام والبشرية تتخبط في ركام هائل من العقائد والتصورات ، والفلسفات ، والأساطير ، والأفكار ، والأوهام ، والشعائر والتقاليد يختلط فيها الحق بالباطل ، والدين بالخرافة ، والفلسفة بالأسطورة .
والحياة الإنسانية بتأثير هذا الركام الهائل ، تتخبط في فساد وإنحلال ، وفي ظلم وذل ، وفي شقاء وتعاسة ، لا تليق بالإنسان ، بل لا تليق بقطيع من الحيوان .
فجاء الإسلام وكرم الإنسان ورفعه بالإيمان الصحيح ، وقوَّمه بالمنهج الشرعي الشامل ، فعاشت البشرية في ظل الإسلام أرقى حياتها وأسعد قرونها ، وها نحن أولاء اليوم نعيش في القرن الخامس عشر الهجري ، لكن الغلبة فيه لأهل الباطل ، وذلك بسبب بعد المسلمين عن منهج الإيمان الصحيح .
إننا نعيش في عصر علا وبغى فيه اليهود ، وقد ذكرها الله لنا في أم الكتاب . فلقد انحرفوا عن الإيمان بالله ، وهي أهم قضية تهم الإنسان ، فأدى ذلك إلى البغي والفساد في الأرض وإرهابهم للعالم ، ولو آمنوا بالله حقًا لعظموا الخالق ورحموا الخلق ، والإيمان الصحيح هو منهجنا فنحن أرحم الخلق بالخلق ، وأرهبهم للخالق ، وهذا إنما هو بفضل عقيدتنا التي هدانا الله لها ، فما هي ؟
عقيدتنا : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
فنؤمن بربوبية الله تعالى ؛ أي : بأنه الإله الحق وكل معبود سواه باطل .
ونؤمن بأسمائه وصفاته ؛ أي : له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا .
ونؤمن بوحدانيته في ذلك ؛ أي : بأنه لا شريك له في ربوبيته ، ولا في ألوهيته ، ولا في أسمائه وصفاته ، قال الله تعالى ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=19&nAya=65&)))
وشرح أركان الإيمان وذكر أدلتها مما يطول به البحث ، ولكن نذكر ثمرات هذا الإيمان الذي لو تحقق لأصلح الفساد الاعتقادي الذي يتخبط فيه العالم والذي من نتائجه الإرهاب العالمي الذي تعاني منه البشرية . إن المؤمن حين يتربى على الإيمان الصحيح لا يقع في سلوك العنف أو الإرهاب ، وذلك بما تملكه هذه العقيدة من سلطان على الفكر والإرادة ، له أكبر الأثر في تهذيب سلوكه وتصرفاته ، فتجعله حافظًا لحقوق الله تعالى وحقوق عباده ، وسأذكر باختصار بعض ثمرات أركان الإيمان :
فالإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته يثمر للعبد محبة الله وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره واجتناب نهيه ، والقيام بأمر الله تعالى واجتناب نهيه يحصل بهما كمال السعادة في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع : ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=16&nAya=97&)
والإيمان بالملائكة يثمر العلم بعظمة خالقهم ، وشكره تعالى على عنايته بعباده ، كما أن الإيمان بالملائكة الذين يكتبون أعمال الإنسان له أثره في استقامة السلوك حتى لا تكتب على المؤمن إلا ما هو خير ، فيبتعد بذلك عن الشر والجريمة .
والإيمان بالكتب السماوية المنزلة من عند الله تعالى ، وأنها كلام الله ووحيه الذي ينبغي اتباعه ، يجعل المؤمن على طاعة والتزام ، ويربي فيه ضميره ونفسه اللوَّامة التي تحمله على الخير وتباعد بينه وبين الشر .
والإيمان بالرسل عليهم السلام ، وهم القدوة الكاملة من البشر ، يحمل المؤمن بهم على محبتهم وتوقيرهم والتأسي بهم في الطاعة والخير والصلاح ، والبعد عن كل ما يتنافى مع الإيمان واستقامة السلوك والمنهج .
والإيمان باليوم الآخر وما فيه حقائق ، إنما هو تربية للشعور الحقيقي بالمسؤولية ، وتحقيق للأخلاق الفاضلة المطلقة في سلوكنا وحياتنا ، تحقيقًا فعليًا مستمرًا ، ثابتًا غير متقلب ، بلا نفاق ولا رياء . وكذلك له أثره في انضباط جميع الدوافع والغرائز والتحكم في هذه القوى الغريزية الجامحة ، خوفًا من الله تعالى وطمعًا في جنته .
والإيمان بالقدر له أثره في الاعتماد على الله تعالى ، وراحة النفس ، وطرد الإعجاب بها عند حصول المراد ، وطرد القلق والصبر عند فواته ، وهو يحمل صاحبه بعد وقوع الأقدار على أخذ العبرة والدرس ، والتوبة من الخطأ والذنب .
هذه بعض ثمرات أركان الإيمان على سبيل الإشارة لا الحصر . ويمكن القول بأن الإيمان إجمالًا هو :
أُسُّ الفضائل ، ولجام الرذائل ، وقوام الضمائر ، وسند العزائم في الشدائد ، وبلْسم الصبر عند المصائب ، وعماد الرضى والقناعة بالأقدار ، ونور الأمل في الصدور ، وسَكَنُ النفوس إذا أوحشَتْها الحياة ، وعزاء القلوب إذا نزل الموت ، أو قَرُبت أيامه ، والعروة الوثقى بين الإنسانية ومُثُلِها الكريمة .
والمقارنة بين آثار هذه العقيدة الصحيحة ، وبين آثار العقيدة اليهودية ، يظهر البون الشاسع والواسع ، بين الفكر التدميري في العقيدة اليهودية والذي تصدقه الممارسة العملية في أرض الواقع ، وبين عقيدة الإسلام وشريعته ، إنهم يُلصقون بالإسلام تهمة الإرهاب ليخوفوا الناس منه وينفروهم عنه ، بعد أن رأوا أنه يكتسح القلوب ويُلجم العقول بعقيدته وشريعته ، لقد سبق الإسلام جميع القوانين في محاربة الإرهاب . وحماية المجتمعات من شروره ، وفي مقدمة ذلك حفظ الإنسان وحماية حياته وعرضه وماله ودينه وعقله من خلال حدود واضحة منع الإسلام من تجاوزها : ((وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=2&nAya=229&) وهذا توجيه لعموم البشر .
وتحقيقًا لهذا التكريم منع الإسلام بغي الإنسان على أخيه الإنسان وحرم كل عمل يلحق الظلم به ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=7&nAya=33&)))
وشنع على الذين يؤذون الناس في أرجاء الأرض ولم يحدد ذلك في ديار المسلمين : (( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=2&nAya=205&)http://alminbar.al-islam.com/Shared/images/MEDIA-B3.GIF وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=2&nAya=206&)))
وفي دين الإسلام توجيه للفرد والجماعة للاعتدال واجتثاث نوازع الجنوح والتطرف ، وما يؤدي إليهما من غلو في الدين ، لأن في ذلك مهلكة أكيدة (( إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين )) رواه أحمد والنسائي (http://javascript<b></b>:popUp3(15397)).
وعالج الإسلام نوازع الشر المؤدية إلى التخويف والإرهاب والترويع والقتل بغير حق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا ))رواه أبو داود ، (http://javascript<b></b>:popUp3(11998))وقال عليه الصلاة والسلام (( من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي وإن كان أخاه لأبيه وأمه ))رواه مسلم (http://javascript<b></b>:popUp3(17080)).
وقد أوصى الله بمعاملة أهل الذمة بالقسط والعدل فجعل لهم حقوقًا ووضع عليهم واجبات ، ومنحهم الأمان في ديار المسلمين ، وأوجب الدية والكفارة على قتل أحدهم خطأ : (( وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=4&nAya=92&)))
وحرم قتل الذمي الذي يعيش في ديار المسلمين(( من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة ))رواه البخاري (http://javascript<b></b>:popUp3(12070))وأحمد وابن ماجة (http://javascript<b></b>:popUp3(13478)).
ولم ينه الله المسلمين عن الإحسان لغيرهم وبرهم إذا لم يقاتلوهم ويخرجوهم من ديارهم (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=60&nAya=8&)))
وأوجب سبحانه وتعالى العدل في التعامل مع أهل الذمة والمستأمنين وغيرهم من غير المسلمين ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=5&nAya=8&)
إنه لمن أظلم الظلم أن توصف شريعة كهذه بالإرهاب ، أين مثل هذه التشريعات في التوراة المحرفة ، بل وجدنا فيها الحث على القتل والتدمير والظلم ! بينما في الإسلام نجد الرحمة والمحبة والسلام تشهد بذلك تعاليم هذا الدين وأحكام شريعته الحنيفية السمحة ، وتاريخ المسلمين الصادق النزيه . قال تعالى مخاطبًا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=21&nAya=107&)))وقال : (( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=7&nAya=199&)وقال : (( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=9&nAya=128&)))وقال لأصحابه : (( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين )) رواه البخاري (http://javascript<b></b>:popUp3(12070)). وقال ( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه )) رواه مسلم (http://javascript<b></b>:popUp3(17080))، وقال : (( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه ))وقال : (( من يحرم الرفق يحرم الخير كله )) رواهما مسلم (http://javascript<b></b>:popUp3(17080)).
هذا عدل الإسلام ورحمته ولكنهم صم بكم عمي لا يفقهون !!
فإن قيل : ما يحدث في بلادكم من عمليات إرهابية يخالف هذا .
قلنا الجواب : إن هؤلاء شرذمة قليلون لا يمثلون الإسلام ولديهم إنحرافات فكرية قادتهم إلى الغلو والتطرف . إضافة إلى كونها في غالبها ردود أفعال على ما يحيق بالمسلمين في كل مكان ولاسيما في فلسطين من ظلم عالمي يخلفون فيه ما يدعون من الحريات وحقوق الإنسان وتقرير مصائر الشعوب .
ولقد واجه الإسلام حملات الإرهاب قديمًا كالخوارج والحركات الباطنية وجيوش الصليبيين وغيرها وسيظل راسخًا أبيًا أمام حملات الإرهاب المعاصرة من الداخل والخارج .
نواف النجيدي
04-30-2007, 03:21 PM
الخاتمة
1 - أن الإسلام هو دين الله الذي فطر الناس عليه جميعًا ، ومن انحرف عنه فقد حاد عن الصراط المستقيم فلا سعادة له ولا أمان إلا بالإسلام .
2 - أن العقائد أو الأديان غريزة أساسية تحل من المجتمعات والدول محل القلب من الجسد ، وأن الذي يؤرخ الديانات كأنما يؤرخ الشعوب وأطوار المدنيات .
3 - توجد علاقة طردية بين صفاء العقيدة وتقدم المجتمعات والدول الإسلامية وبالعكس ، والتاريخ خير شاهد على ذلك .
4 - أن الإرهاب مصطلح غامض ، لم يتفق على تعريفه ، وقد كثرت تعريفاته ، وأمثلها تعريف المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي .
5 - أن العامل الاعتقادي هو الأهم من عوامل الإرهاب ، ولهذا كانت الانحرافات الاعتقادية لها الدور الأكبر في الإرهاب العالمي .
6 - العقيدة اليهودية المحرفة ذات علاقة وطيدة بالإرهاب ، حيث اعتدى اليهود على الله بالاستهزاء وصفات النقص ، وعلى أنبيائه بالقتل أو التكذيب ووصفهم بالصفات الدنيئة ، ومن اعتدى على الله وعلى أنبيائه فمن باب أولى أن يعتدي على خلقه . كما أن اعتقادهم بإنكار اليوم الآخر جعلهم عبيدًا للمادة فلم يراعوا جزاء ولا حسابًا ، وفي اعتقادهم العنصري بأنهم شعب الله المختار ما يجيز استعبادهم للناس لأنهم هم السادة الأخيار وما عداهم عبيد أشرار . كما أن اعتقادهم بأرض الميعاد في فلسطين أجاز لهم احتلالهم ، ومجازرهم وذبحهم للنساء والأطفال . واليهود اليوم يربون أجيالهم على هذه المعتقدات فتخرج جيل إرهابي صهيوني .
7 - أن الإسلام هو علاج الإرهاب ودواؤه الناجع ، بعقيدته المرتكزة على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ، وبشريعته الشمولية الكاملة التي حفظت للإنسان حقوقه مسلمًا كان أو غير مسلم .
8 - أن الإسلام قد تعرض لحملات عنيفة من الإرهاب الداخلي والخارجي ولكنه ظل راسخًا ، وسيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار .
9 - عدم الانصياع لتوجيهات الغرب بطلب تغيير المناهج الإسلامية ، لأن تقليص هذه المناهج يزيد من الإرهاب ، وتذكيرهم بما في مناهجهم ، من التطرف والإرهاب الحقيقي ، إذ كيف يطالبوننا بالتغيير ومناهج اليهود تطفح بالإرهاب والدمار .
10 - وجوب إدراك البعد العقائدي في معركتنا ضد أعداء الإسلام ، ووجوب التمسك بالعقيدة الإسلامية وعدم التخلي عن ثوابتنا إرضاء لأعدائنا ، ونحن نراهم يتمسكون بهذه النبوءات المحرفة ويبنون سياساتهم عليها ، ونحن أولى منهم بالتمسك بكتابنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فالله مولانا ولا مولى لهم .
وشكر الله لولاة أمر هذه البلاد المباركة إعلانهم الدائم التمسك بالعقيدة الإسلامية وعدم التخلي عنها .
ونسأل الله لنا ولهم الثبات على الحق حتى الممات
http://alminbar.al-islam.com/images/bar_down_right.jpg
نواف النجيدي
04-30-2007, 03:21 PM
أهم المراجع
* أثر العقيدة الإسلامية في اختفاء الجريمة : د . عثمان جمعه طميريه ، دار الأندلس الخضراء - جدة ط الأولى 1421هـ .
* الإرهاب الدولي : د . أحمد محمد رفعت ، د . صالح الطيار ، مركز الدراسات الأوروبي ، ط الأولى 1998م .
* الإرهاب الدولي دراسة قانونية نافذة : د . محمد عزيز شكري ، دار العلم للملايين ، ط الأولى 1992م .
* الإرهاب الدولي والنظام العالمي الراهن . د . محمد عزيز شكري ، د . أمل يازجي ، دار الفكر المعاصر - بيروت - ط الأولى 1423هـ .
* خدعة هرمجدون : د . محمد إسماعيل المقدم ، دار بلنسية - الرياض ، ط الأولى ، 1424هـ .
* دور التربية الإسلامية في مواجهة الإرهاب ، د . خالد الظاهري ، دار عالم الكتب - الرياض - 1423هـ .
* الدين ، بحوث ممهدة لدراسة الأديان : د . محمد عبد الله دراز ، دار القلم الكويت .
* عقيدة اليهود في الوعد بفلسطين : محمد آل عمر ، مجلة البيان - ط الأولى 1424هـ .
* العقيدة اليهودية وخطرها على الإنسانية : د . سعد الدين صالح ، مكتبة الصحابة ، جده - ط الثانية 1416هـ .
* فطرية المعرفة وموقف المتكلمين منها : د . أحمد سعد حمدان ، دار طيبة ، ط الأولى 1415هـ .
* قصة الإيمان ، للشيخ نديم الجسر ، دار العربية - بيروت .
* الكتاب المقدس : دار الكتاب المقدس ، القاهرة .
* الله جل جلاله والأنبياء عليهم السلام في التوراة والعهد القديم ، دراسة مقارنة ، د . محمد البار ، دار القلم دمشق ط الأولى ، 1410هـ .
* مجموع فتاوى ابن تيمية ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد ، ط الأولى 1381هـ .
* هكذا يربي اليهود أطفالهم : د . سناء عبد اللطيف ، عرض وتلخيص : عبد الله الطنطاوي ، دار القلم - دمشق ط الأولى 1418هـ .
* اليهودية : د . أحمد شلبي ، مكتبة النهضة المصرية ، ط العاشرة 1992م .
* محاضرة معالي الشيخ صالح بن حميد : ((موقف الإسلام من الإرهاب )) ضمن ندوة الإسلام وحوار الحضارات - الرياض .
نواف النجيدي
04-30-2007, 03:24 PM
ياسر البلوي
لاتنساني من الدعاء
سعود السرحاني
04-30-2007, 04:02 PM
أخوي نواف
بيض الله وجهــك
ويعـطيك العـافية
بحث يستحق كل الشكــرر
ولازلت أبحث عن بحووث تستحق أن توضع هنا
دمتى بخير
سعود السرحاني
04-30-2007, 04:26 PM
زيادةالثقةومايتصل بها من أنواع الحديث
دراسة نقدية
بقلم: الشيخ الدكتور حمزة بن عبدالله المليباري حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
يعرض هذاالبحث دراسة نقدية لأنواع مختلفة من علوم الحديث -تعارض الوصل والإرسال، وتعارضالوقف والرفع، والمدرج، والمزيد في متصل الأسانيد- لبلورة وجه الترابط الوثيقبينها من جهة، وبين زيادة الثقة من جهة أخرى؛ حيث يشكل إبراز هذا الترابط نقطةجوهرية في منهجية شرح هذه الأنواع، لا سيما مسألة "زيادة الثقة".
على أنثَمّة فوائد علمية دقيقة جاءت محصلة هذا البحث ، بخاصة ما كان تصحيحا للأخطاءالشائعة حول "زيادة الثقة " والأنواع المتصلة بها.
وإذ أجتهد في بلوغ غايتيفيما قدمت لأرجو أن أكون قد وُفّقتُ للصواب بعد عرضي هذا بأمانة وموضوعية وللهالحمد والمنة.
المقدمة:
من الواضح جداً أن علومالحديث بحاجة ملحة إلى تخصيص أنواعها بالدراسة المعمّقة،كل بمفرده، وطرحها بطريقةيألفها أهل عصرنا، بعيدة عن أساليب علم المنطق التي خوطب بها السابقون؛ إذ إن أكبرمعضلة يواجهها طلبة اليوم في دراسة هذا العلم هو تقيد كتب المصطلح المعاصرة بتلكالأساليب المنطقية نفسها، دون مواكبتها لمستجدات عصرنا في مجال التعليم ومناهجه،وطبيعة التكوين النفسي لطلابنا اليوم، إضافة إلى تشتت موضوعات هذا العلم في تلكالكتب المعتمدة في الدراسة، وانعدام تنسيقها وفق الوحدات الموضوعية ، وهذا يشكلعائقاً كبيرا في سبيل وقوفهم على الأبعاد العلمية لمصطلحات علوم الحديث.
ومن هناجاء هذا البحث لبلورة الترابط الموضوعي الوثيق بين زيادة الثقة وبين الأنواع الآتيذكرها، كخطوة تجريبية أولى في سبيل إعادة تنسيق أنواع علوم الحديث وفق الوحداتالموضوعية، وطرحها بطريقة ملائمة لطبيعة التكوين النفسي العام لطلبتنا، حتى نستطيعأن نميط اللثام عن منهج المحدثين في معرفة صحة الأخبار وخطئها، ونوظف هذا المنهج فيجميع دراساتنا الشرعية، ومن ثم يتصل آخرنا بأولنا بتشييد ما بنوا، وبالتالي نكون قدقمنا بتدوين تاريخنا بالبناء المعرفي والعطاء العلمي المتجدد.
سعود السرحاني
04-30-2007, 04:28 PM
وهذا البحث متصلببحثنا السابق الموسوم بـ "موضوع زيادة الثقة في كتب المصطلح"، والذي يتمحور حولأربعة أنواع، وهي: الشاذ، والمنكر، والمعلول، وزيادة الثقة.
ونحن نذكر هنا ماتبقى من أنواع علوم الحديث المتصلة بموضوع زيادة الثقة وهي:
الاستخراج،وتعارض الوصل والإرسال وتعارض الوقف والرفع، والمدرج، والمزيد في متصل الأسانيد.
ونظراً إلى ما أفضنا في موضوع زيادة الثقة في البحث السابق فإننا لا نرى ضرورةلذكره هنا مرة أخرى.
غير أننا نذكر القارئ أن مقصودنا بموضوع "زيادة الثقة"هو: أن يروي جماعة حديثاً واحداً عن مصدر واحد، فيزيد بعض الثقاة فيه زيادة لميذكرها بقية الرواة، سواء كان ذلك في السند أو في المتن أو في كليهما.
ولذافإن مسألة زيادة الثقة تشمل جميع صور الزيادة التي تقع من الثقة، سواء كان الثقةواحداً أو أكثر، وسواء كانت الزيادة صحيحة أو ضعيفة، وسواء كانت في السند والمتن أوفي أحدهما. وعليه فالذي يخرج من حدود هذه المسألة هو زيادات الصحابة لكونها مقبولة،وزيادات الضعفاء لكونهم ضعفاء.
ومن أهم الأهداف العلمية التي نصبو إلى تحقيقهاخلال هذا البحث إبراز الوجه الحقيقي لمسألة "زيادة الثقة"، وإلقاء الضوء الكاشفعلى أبعادها النقدية؛ حيث تعد هذه المسألة من أهم موضوعات علوم الحديث حساسة لكونهامن أهم أسباب الاختلاف الفقهي بين العلماء، موضحا في الوقت نفسه دقة المحدثينالنقاد في تصحيح الأحاديث وتضعيفها.
وجعلت هذا القسم من البحث أربعة مباحث:
المبحث الأول : تعارض الوصل والإرسال وتعارض الوقف والرفع.
والمبحث الثاني: المدرج.
والمبحث الثالث: المزيد في متصل الأسانيد.
والمبحث الرابع:المستخرج.
ومما تجدر الإشارة إليه أنني قد سلكت في هذه المباحث طريقة تقوم علىسرد نصوص ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث المشهور بـ"مقدمة ابن الصلاح"، ثمتحليلها والتعقيب عليها في ضوء "منهج المتقدمين في نقد الأحاديث"؛ لكون هذاالمنهج مصدراً أصيلاً لمبادئ علوم الحديث.
ثم ختمت كل مبحث منها بخلاصة ما توصلتإليه من الفكرة المنهجية المؤسسة على الأدلة ودراسة النماذج؛ فإن هذه الطريقة هيوحدها التي تكشف لنا الخلل الواقع في معالجة كتب المصطلح لتلك الأنواع المذكورةسابقا، وتساعدنا على تحديد مصدر هذا الخلل ومعالجة أسبابه.
سعود السرحاني
04-30-2007, 04:30 PM
ونحن على يقين أنهذا الأسلوب النقدي ليس فيه تحامل على أحد من الأئمة المتأخرين، بل يشكل نقطةاحترامنا وتقديرنا لهم ما دمنا ملتزمين في النقد بما تعارف عليه "المتقدمون مننقاد الحديث". ولله تعالى الحمد والشكر.
المبحث الأول :تعارض الوصل والإرسال وتعارض الوقف والرفع
أولاً: نص ابن الصلاحفي مسألة التعارض:
قال ابن الصلاح (رحمه الله تعالى) في مبحثالانقطاع: الخامس من فروع الانقطاع:
الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلاوبعضهم متصلا ، اختلف أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل الموصول، أوبقبيل المرسل، مثاله : "لا نكاح إلا بولي".
رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبيإسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله (صلى الله عليهوسلم) مسنداً هكذا متصلاً، ورواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عنالنبي (صلى الله عليه وسلم) مرسلاً هكذا، فحكى الخطيب الحافظ: أن أكثر أصحاب الحديثيرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل، وعن بعضهم أن الحكم للأكثر، وعن بعضهم أن الحكمللأحفظ.
فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله، ثم لا يقدح ذلكفي عدالة من وصله وأهليته، ومنهم من قال: من أسند حديثا قد أرسله الحفاظ، فإرسالهمله يقدح في مسنده وفي عدالته وأهليته، ومنهم من قال الحكم لمن أسنده، إذا كان عدلاً ضابطاً، فيقبل خبره، وإن خالفه غيره، سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة، قالالخطيب: هذا القول هو الصحيح.
قلت -يعني ابن الصلاح-: "وما صححه هو الصحيحفي الفقه وأصوله، وسئل البخاري عن حديث: "لا نكاح إلا بولي" المذكور فحَكمَ لمنوصله وقال: الزيادة من الثقة مقبولة، فقال البخاري هذا مع أن من أرسله شعبةوسفيان، وهما جبلان، لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية.
ويلتحق بهذا ماإذا كان الذي وصله هو الذي أرسله؛ وصله في وقت وأرسله في وقت، وهكذا إذا رفع بعضهمالحديث إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ووقفه بعضهم على الصحابي أو رفعه واحد في وقتووقفه هو أيضا في وقت آخر فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من الوصلوالرفع، لأنه مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه، لأنه علم ما خفيعليه، ولهذا الفصل تعلق بفصل زيادة الثقة في الحديث.
وتبعه في ذلك اللاحقون. لكن نجد فيهم من يستدرك على ابن الصلاح كما سيأتي تفصيله إن شاء الله (تعالى).
ثانياً: تحليل النص والتعقيب عليه:
إن مسألةتعارض الوصل والإرسال، وتعارض الوقف والرفع، كثيرا ما ترد في كتب العلل كنماذجواقعية لأخطاء الرواة الثقات أو الضعفاء غير المتروكين، وقد أشار إلى ذلك ابنالصلاح رحمه الله تعالى بقوله في مبحث العلة، "وكثيراً ما يعللون الموصولبالمرسل".
كما أن هذه المسألة قائمة على زيادة الثقة بقدر كبير؛ ذلك أنه إذاكان الثقة هو الذي وصل الإسناد المرسل فإن وصله يعدّ زيادة في السند حيث رواه غيرهمرسلاً، وكذلك إذا روى الحديث الموقوف مرفوعاً فيكون رفعه زيادة في السند إذ رواهغيره موقوفاً على الصحابي.
وعلى ذلك فذكر هذه المسألة في مباحث الانقطاع بينموضوعي العنعنة والتدليس ليس مبرراً لا موضوعياً ولا منهجياً؛ إذ إن التعارضوالاختلاف بين الوصل والإرسال وكذا بين الوقف والرفع، مسألة لا صلة لها بالانقطاع؛ولهذا أورد فضيلة الأستاذ نور الدين عتر (حفظه الله تعالى) تلك المسألة في نوعزيادة الثقة في كتابه "منهج النقد في علوم الحديث"، هذا وقد صرح الإمام ابن الصلاحبذلك حين قال: "ولهذا الفصل تعلق بـ: فصل زيادة الثقة في الحديث". وقد أقرهالسخاوي بقوله: "وكان الأنسب ضمه لزيادات الثقات لتعلقه كما قال ابن الصلاح به "؛ولذلك لم يضع ابن الصلاح عنواناً بارزاً لهذا الموضوع، بل جعله خامس فروع الانقطاع.
كما أنه لم يتعرض لمسألة تعارض الوقف والرفع إلا في آخر كلامه وعلى سبيلالاستطراد، بخلاف صنيع اللاحقين؛ فإنهم قد وضعوا له عنوان: "تعارض الوصل والإرسالوالوقف والرفع" ، وهنا يزداد الخلل أكثر في ترتيب الأنواع إذ لا مناسبة هنا فيمباحث الانقطاع لذكر مسائل التعارض.
إن موضوع هذا النوع -كما ترى- شامللرواية الضعفاء ورواية الثقات، وصلته بنوع العلة تكون ظاهرة من حيث إن الوصل فيالمرسل، والرفع في الموقوف، بحاجة إلى تحري ثبوت ذلك، وتتبع القرائن والملابسات،ولهذا فإن الأنواع: العلة وتعارض الوصل والإرسال، وتعارض الوقف والرفع، وزيادةالثقة: كلها تشكل وحدة موضوعية، وبالتالي يجب أن يكون طرح أي نوع منها في ضوء صلتهالوثيقة بالآخر حتى لا يحدث لَبس ولا غموض في بيان صوره وتحرير أحكامه.
والذييجب ذكره في هذا الصدد هو أن هذه الوحدة الموضوعية لم تتبلور في النصوص السابقة، معكون ذلك أمرا مهما في معالجة مثل هذا النوع من أنواع علوم الحديث، ونتج عن ذلكاضطراب كبير في تجلية المسائل المتعلقة به؛ مما لفت أنظار غير واحد من المحققين إلىالاستدراك على ابن الصلاح.
يقول الحافظ ابن حجر في هذا الصدد: "وهنا شيءيتعين التنبيه عليه وهو : أنهم شرطوا في الصحيح أن لا يكون شاذاً، وفسروا الشاذ بأنهما رواه الثقة فخالفه من هو أضبط منه أو أكثر عدداً، ثم قالوا: تقبل الزيادة منالثقة مطلقاً فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عددا أو أضبط حفظاً أو كتاباً على من وصلأيقبلونه أم لا؟ أم هل يسمونه شاذا أم لا؟ لا بد من الإتيان بالفرق أو الاعترافبالتناقض".
ويقول تلميذه البقاعي: "إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثينبطريقة الأصوليين، فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظراً لم يحكه، وهو الذيلا ينبغي أن يعدل عنه، وذلك أنهم لا يحكمون منها بحكم مطرد، وإنما يديرون ذلك علىالقرائن".
وسبقهما في ذلك الإمامان ابن دقيق العيد والعلائي، أما ابن دقيقالعيد فيقول: "من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنهم إذا تعارض رواية مسنِد ومرسِلأو رافع وواقف أو ناقص وزائد إن الحكم للزائد لم يصب في هذا الإطلاق فإن ذلك ليسقانوناً مطرداً، والمراجعة لأحكامهم الجزئية تعرف صواب ما نقول".
وهذا نصالعلائي: "كلام الأئمة (المتقدمين) في هذا الفن كعبدالرحمن بن مهدي ويحيى بنسعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألةبحكم كلي بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كلحديث حديث".
ويقول ابن الوزير مستفيداً من هذه النصوص جميعا:"وعندي أن الحكمفي هذا لا يستمر، بل يختلف باختلاف قرائن الأحوال، وهو موضع اجتهاد".
وقدأجاد الحافظ ابن حجر حين عقب على الحافظ العلائي كتتمة لقوله السابق نقله، وأناأذكره هنا كخلاصة في هذه المسألة، يقول (رحمه الله تعالى): "وهذا العمل الذي حكاهعنهم إنما هو فيما يظهر لهم فيه الترجيح، وأما ما لا يظهر فيه الترجيح فالظاهر أنهالمفروض في أصل المسألة، وعلى هذا فيكون في كلام ابن الصلاح إطلاق في موضعالتقييد".
سعود السرحاني
04-30-2007, 04:32 PM
ثالثاً: خلاصة المبحث الأول:
تجلى مما سبق ذكره أن هذاالنوع من أنواع علوم الحديث تدخل فيه زيادة الثقة، وقد رأينا ابن الصلاح يطلقالقبول فيما وصله الثقة مخالفا لغيره، أو فيما رفعه مخالفا لمن وقفه، وهو حكممختلف عما بينه هو في نوع العلة، اللهم إلا إذا قيدنا ذلك بحالة ما إذا لم يتبينأن هذه الزيادة قد وقعت منه خطأ ووهما بعد تتبع القرائن والملابسات.
وفي هذهالحالة وحدها التي يكون فيها الحديث خاليا مما يدل على وهم راويه أو صوابه منالقرائن والملابسات يصح أن يقال: هذا الوصل أو الرفع من الثقة، وزيادتهمقبولة.
وبهذا تصبح مسألة تعارض الوصل والإرسال وتعارض الوقف والرفع منسجمة معالأنواع التي تشكل وحدة موضوعية لا سيما موضوع زيادة الثقة في أحكامها وأبعادهاالنقدية.
المبحث الثاني : المدرج
أولاً: نص ابن الصلاح فيالمدرج:
قال ابن الصلاح: "النوع العشرون: معرفة المدرج في الحديث.وهو أقسام: منها ما أدرج في حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من كلام بعض رواته،بأن يذكر الصحابي أو من بعده عقيب ما يرويه من الحديث كلاماً من عند نفسه، فيرويهمن بعده موصولاً بالحديث غير فاصل بينهما بذكر قائله، فيلتبس الأمر فيه على من لايعلم حقيقة الحال، ويتوهم أن الجميع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ومنأمثلته المشهورة: ما رويناه في التشهد عن أبي خيثمة زهير بن معاوية عن الحسن بنالحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله (صلى اللهعليه وسلم) علّمه التشهد في الصلاة، فقال: قل: "التحيات لله فذكر التشهد وفي آخره: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله ، فإذا قلت هذا فقد قضيتصلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد".
هكذا رواه أبو خيثمة عنالحسن بن الحر، فأدرج في الحديث قوله:"فإذا قلت هذا ... إلى آخره وإنما هذا من كلامابن مسعود لا من كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
ومن الدليل عليه أن الثقةالزاهد عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان رواه عن راويه الحسن بن الحر كذلك، واتفق حسينالجعفي وابن عجلان وغيرهما في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكر هذا الكلام فيآخر الحديث، مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره، عن ابن مسعود على ذلك،ورواه شبابة عن أبي خيثمة، ففصله أيضاً".
ومن أقسام المدرج: أن يكون متنالحديث عند الراوي له بإسناد إلا طرفاً منه فإنه عنده بإسناد ثان، فيدرجه من رواهعنه على الإسناد الأول، ويحذف الإسناد الثاني، ويروي جميعه بالإسنادالأول.
مثاله: حديث ابن عيينة وزائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه عنوائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وفي آخره: "أنه جاء فيالشتاء فرآهم يرفعون أيديهم من تحت الثياب" والصواب رواية من روى عن عاصم بن كليببهذا الإسناد صفة الصلاة خاصة، وفصل ذكر رفع الأيدي عنه، فرواه عن عاصم عن عبدالجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر".
ومنها: أن يدرج في متن حديثبعض متن حديث آخر مخالف للأول في الإسناد.
ومثاله :رواية سعيد بن أبي مريم عنمالك عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تباغضواولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا ..." الحديث.
فقوله :"لا تنافسوا" أدرجهابن أبي مريم من متن حديث آخر رواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فيه: "لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا" والله أعلم.
ومنها: أنيروي الراوي حديثا عن جماعة بينهم اختلاف في إسناده ، فلا يذكر الاختلاف فيه، بليدرج روايتهم على الاتفاق.
مثاله: رواية عبدالرحمن بن مهدي ومحمد بن كثيرالعبدي عن الثوري عن منصور والأعمش وواصل الأحدب عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عنابن مسعود, قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم …الحديث.
وواصل إنما رواه عن أبيوائل عن عبدالله من غير ذكر عمرو بن شرحبيل بينهما والله أعلم."انتهى.
ثانياً: تحليل النص والتعقيب عليه:
إن الذي بيّنهابن الصلاح في هذا النوع المسمى مدرجاً ينطوي على معظم أقسامه وأمثلته مفهوم زيادةالثقة إذا وقع الإدراج من الثقة؛ إذ كل ما يزيده هو في الحديث مما ليس منه دون أنيفصله عن أصل الحديث يعد مدرجاً، سواء كان هذا المدرَج قولا لصحابي أو قولاً لراو ممنبعده، كما في المثال الأول، أو كان جزءا من حديث آخر يُروى بإسناد مستقل كما فيالمثال الثاني والثالث.
ولوقوع الإدراج في الحديث أسباب كثيرة، ويرجع معظمهاإلى سوء الحفظ أو الوهم أو الرواية بالمعنى أو إلى أمن الالتباس عند الراوي؛ كشرحالراوي معاني الكلمات الغريبة الواردة في الحديث أثناء التحديث.
وتفصيل ذلككالتالي: ترى في المثال الأول أن أبا خيثمة -الثقة- زاد في آخر الحديث جملة لميذكرها غيره من الثقات، وبذلك أصبح مخالفاً لهم في ذلك، وحين تبين من التتبعوالقرائن أن تلك الجملة كان يقولها عبدالله بن مسعود من عنده بعد رواية الحديث عنالنبي (صلى الله عليه وسلم) قالوا إنها مدرجة في متن الحديث، وبالتالي يقال عنها "شاذة" بناء على أنها مخالفة لما رواه الثقات أو مخالفة للواقع الحديثي. أو يقال"منكرة" باعتبارها غير معروفة عن عبدالله بن مسعود، وإنما يعرف عنه أنه قال ذلك منعنده وليس مروياً عن النبي (صلى الله عليه وسلم). أو يقال "معلولة" بشكل عام إذ إنإدراج تلك الجملة في الحديث، وجعلها طرفاً من قول النبي (صلى الله عليه وسلم) يعد خطأووهما. أو قل: إنها زيادة ثقة غير مقبولة لأنه زيادة عن أصل الحديث المرفوع.
وكذا الأمر في المثال الثاني، حيث زاد كل من ابن عيينة وزائدة بن قدامة في آخرالحديث"أنه جاء في الشتاء فرآهم يرفعون أيديهم من تحت الثياب" وبهذه الزيادةتحققت المخالفة بينهما وبين الثقات الآخرين، وبالتالي أصبحت مردودة بعد أن تأكدإدراجها. وإن شئت سمها شاذة أو منكرة أو معلولة أو زيادة الثقة غير المقبولة.
وأما في المثال الثالث فقد زاد ابن أبي مريم الثقة جملة ‘لا تنافسوا’ في الحديثالذي رواه جماعة من الثقات بدونها. ومن تتبع القرائن علم أنها جملة من حديث آخر كانيرويه مالك بإسناد آخر، وبالتالي فزيادة ابن أبي مريم مردودة ولا تعد طرفا منالحديث.
ثالثاً: خلاصة المبحث الثاني:
هكذا تتضح وحدة الموضوع التيتربط المدرج بموضوع زيادة الثقة، لا سيما الأنواع : العلة والشاذ والمنكر، وتتمثلهذه الوحدة الموضوعية في التفرد والمخالفة. فما يتفرد به الثقة مخالفاً لغيره تكونأحكامه حسب القرائن والملابسات التي تحيط بذلك. ولذلك يبقى نوع المدرج الذي أدرجهالثقة في أصل الحديث في دائرة زيادة الثقة التي تبين خطؤها، وبالتالي يكون هذاالمدرج من الأنواع المردودة من الزيادات. وبما أن زيادة الثقة تقع في الحديث لأسبابكثيرة منها ما يدل على أنها مدرجة ومقحمة في أصل الحديث فإن إطلاق الحكم بقبولالزيادة من الثقة دون التفات إلى الأسباب المحتملة لذكرها في الحديث يكون مناقضالقواعد النقد عند المحدثين تنظيراً وتطبيقاً.
والجدير بالذكر أن الحافظ ابنحجر وبعض المتأخرين جعلوا أول مثال مما سبق لإدراج في المتن، وأما الثاني والثالثوالرابع فعدوها أمثلة إدراج في السند.
وهذا غير دقيق فيما أرى؛ إذ ترجع كلها ماعدا المثال الرابع إلى زيادة في المتن وإدراجها فيه، غير أن الأول كانت الزيادةالمدرجة فيه قولاً لصحابي، بينما كانت الزيادة المدرجة في الثاني والثالث هي طرف منحديث آخر فجاء التلفيق بين سنديهما. وأما الرابع فيكون مثالا لوقوع الإدراج فيالسند، وليس في المتن وذلك بالتلفيق بين روايتين مختلفتين أحدهما متصلة والثانيةمنقطعة وكان المتن فيهما واحداً.
ولذلك نجعل ما سبق من الأمثلة كلها ما عداالرابع إدراجا في المتن، وأما الإدراج في الإسناد فسنرى أمثلته في المبحثالآتي.
ولذلك فنوع المدرج يشكل -مع المزيد في متصل الأسانيد- وحدة موضوعيةفي قضية الزيادة والإدراج، يقول فضيلة الأستاذ الدكتور / نور الدين عتر (حفظهالله):"وفي رأينا أن هذا النوع يمكن أن يدخل في المدرج (مدرج السند) الآتي وفيالمعلل بعلة غير قادحة، فليتأمل".
سعود السرحاني
04-30-2007, 04:36 PM
المبحث الثالث: المزيدفي متصل الأسانيد
أولاً: نص ابن الصلاح في المزيد:
قال ابن الصلاح: "السابع والثلاثون: معرفة المزيد في متصل الأسانيد.مثاله: ما روي عن عبدالله بن المبارك قال: حدثنا سفيان عن عبدالرحمن بن يزيد بنجابر قال: حدثني بسر بن عبيدالله، قال: سمعت أبا إدريس يقول: سمعت واثلة بنالأسقع، يقول: سمعت أبا مرثد الغنوي يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها". فذِكرُ سفيان في هذا الإسناد زيادة ووهم، وهكذا ذِكرُ أبي إدريس.
أما الوهم في ذكر سفيان، فممن دون ابن المبارك؛لأن جماعة ثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر نفسه، ومنهم من صرح فيه بلفظالإخبار بينهما، وأما ذكر أبي إدريس فيه فابن المبارك منسوب فيه إلى الوهم؛ وذلكلأن جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر فلم يذكروا أبا إدريس بين بسر وواثلة وفيهممن صرح فيه بسماع بسر من واثلة".
قال أبو حاتم الرازي: يرون أن ابن المباركوهم في هذا. قال: وكثيراً ما يحدث بسر من أبي إدريس، فغلط ابن المبارك وظن أن هذامما روى عن أبي إدريس عن واثلة، وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه".
قلت: -يعنيابن الصلاح- قد ألف الخطيب الحافظ في هذا النوع كتابا سماه كتاب: "تمييز المزيد فيمتصل الأسانيد،"وفي كثير مما ذكره نظر؛ لأن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إنكان بلفظة "عن" في ذلك، فينبغي أن يحكم بإرساله ويجعل معللاً بالإسناد الذي ذكر فيهالزائد لما عرف في نوع المعلل، وكما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في النوع الذييليه. وإن كان فيه تصريح بالسماع، أو بالإخبار كما في المثال الذي أوردناه فجائز أنيكون قد سمع ذلك من رجل عنه، ثم سمعه منه نفسه، فيكون بسر في هذا الحديث قد سمعه منأبي إدريس عن واثلة ثم لقي واثلةَ فسمعه منه كما جاء مثله مصرحا به في غير هذا".
اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه وهما كنحو ما ذكره أبو حاتم في المثالالمذكور، وأيضا فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك أن يذكر السماعين. فإذا لم يجيء عنه ذكرذلك حملناه على الزيادة المذكورة، والله أعلم".
ثانياً: تحليل النص:
تطرق ابن الصلاح لنوع "المزيد في متصل الأسانيد" من خلال نموذج ينطبقعليه تماما مفهوم زيادة الثقة، لأن ذكر "أبي إدريس" في السند بين بسر وواثلةزيادة من ابن المبارك، وهو أحد أئمة الحفاظ المشهورين، وكذا ذكر "سفيان" بين ابنالمبارك وابن جابر مزيد من قبل أحد الرواة المتأخرين بعد ابن المبارك، ولم يذكر ابنالصلاح اسم ذلك الراوي ولعله شيخ الخطيب أو من فوقه. وبعد أن بين حكم هذينالمزيدين بأنهما مردودان، عقب على منهج الخطيب في قبول المزيد ورده عموما قائلاً: "وفي كثير مما ذكره نظر؛ لأن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان بلفظة "عن" في ذلك، فينبغي أن يحكم بإرساله ويجعل معللاً بالإسناد الذي ذكر فيه الزائد لماعرف في نوع المعلل، وكما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في النوع الذي يليه. وإن كانفيه تصريح بالسماع، أو بالإخبار كما في المثال الذي أوردناه فجائز أن يكون قد سمعذلك من رجل عنه، ثم سمعه منه نفسه، فيكون بسر في هذا الحديث قد سمعه من أبي إدريسعن واثلة ثم لقي واثلةَ فسمعه منه كما جاء مثله مصرحا به في غير هذا. اللهم إلا أنتوجد قرينة تدل على كونه وهما كنحو ما ذكره أبوحاتم في المثال المذكور، وأيضاً فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك أن يذكر السماعين. فإذا لم يجيء عنه ذكر ذلك حملناه علىالزيادة المذكورة".
ومن خلال هذا التعقيب أفادنا ابن الصلاح أن قبول المزيد فيالإسناد يدور على إحدى حالتين:
الأولى: وجود العنعنة في السند الخالي عنالراوي المزيد.
والثانية: ذكر السماع والإخبار فيه.
فإذا كانت الحالةالأولى تشكل ميزانا لقبول المزيد في السند، وانقطاع السند الناقص المعنعن وفق مالخصه ابن الصلاح آنفاً فإن ذلك لا يمكن أن يكون إلا على أساس قبول زيادة الثقة.وبالتالي فما يترتب عن ذلك من الأحكام لا يكون منسجماً مع منهج المحدثين في ذلك؛ حيثإن القرائن والملابسات المحيطة بالمزيد تكون هي موازينهم لقبول الزيادات وردهاعموما، بغض النظر عما ورد في السند من العنعنة أو التحديث. وما رأينا في تعقيب ابنالصلاح لم يكن إلا مظهراً لتصادم الأسلوبين؛ الأسلوب القائم على ظاهر السند والأسلوبالقائم على دلالة القرائن والملابسات.
وهذا طبعاً إذا لم يقصد ابن الصلاح بقوله: "اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه وهما" الاستثناء من إطلاق القبول فيالحالة الأولى والثانية جميعا، ولا مانع من ذلك، لكن الظاهر من السياق أنه يريد بهأن يستثني من الحالة الثانية فقط. وذلك لسببين:
أولهما: أنه ذكر هذا الاستثناءبعد بيان الحالة الثانية مباشرة بحيث لا يتوجه مغزاه إلى الحالة الأولى؛ لأنه قالفي آخر الفقرة:"وأيضا فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك أن يذكر السماعين. فإذا لم يجيءعنه ذكر ذلك حملناه على الزيادة المذكورة"، مما يؤكد أن الحالة الأولى علىإطلاقها دون استثناء. ولو كان قبول المزيد في جميع الحالات متوقفا على القرائنكمنهج عام لأضاف ابن الصلاح إلى الجملة ما يدل على ذلك، كأن يقول بعدها مباشرة: "وذلك إذا لم توجد قرينة تدل على كونها وهما" مثلاً؛ ولذلك نقول إن هذه الجملةالأخيرة تؤكد لنا أن هذا الاستثناء إنما يكون بخصوص الحالة الثانية وحدها، وبالتاليفما ورد في الحالة الأولى يكون على إطلاقه كما أوضحنا آنفا، دون ربطهبالقرائن.
والسبب الثاني: أن ابن الصلاح بصدد الاعتراض على الخطيب البغداديبقوله "لأن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان بلفظة "عن" في ذلك، فينبغي أنيحكم بإرساله ويجعل معللا بالإسناد الذي ذكر فيه الزائد لما عرف في نوع المعلل، وهذا واضح جدا أنه يبني الأحكام في المزيد على ظاهر السند المتمثل في ذكر العنعنة.ولو كان الاستثناء يشمل الحالة الأولى أيضا لما اعترض على الخطيب لكونه قد اعتمدعلى القرائن في قبوله المزيد ورده.
وأما الحالة الثانية التي يعدها ابن الصلاحميزانا لقبول السند المزيد واتصال السند الناقص، فإنه لم يستند في ذلك إلا إلى مجردأن يكون محتملا أن يسمع الراوي ذلك الحديث مرتين؛ مرة بالواسطة وأخرى بدونها، غيرأنه استدرك على ذلك بقوله: "اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه وهما"، وبذلكيصبح الأمر في قبول المزيد ورده في الحالة الثانية منوطا بالقرينة، وبالتالي يكونابن الصلاح موافقا للخطيب في ذلك.
بيد أن أسلوب الاستثناء يوهم أن الأصل الغالبفي القبول هو الاعتماد على ظاهر السند دون البحث عن دلالات القرائن وإيحاءاتالملابسات؛ حيث قال:"اللهم إلا أن توجد قرينة على كونه وهما"؛ إذ يعبر بذلك عادةعن القلة النادرة. ومن المعلوم أن اعتماد القرائن في قبول الزيادات مهما كان موضعهافي السند أو المتن هو الأصل الغالب في منهج المحدثين النقاد، وأنهم لا يحيدون عنهذا الأصل إلا في حالات نادرة يصبح فيهاالحديث خاليا عن القرائن.
والخلاصة:
أن ابن الصلاح لم يحكم على المزيد في السند بأنه مردود مطلقاً، بل جعله على التفاصيلالتي ذكرها، لكن معظمها تعود إلى ظاهر السند، وبالتالي يصبح ما ذكره هنا من الأحكاممتفاوتا عما شرحه في الأنواع السابقة التي تشكل معه وحدة موضوعية، لا سيما في نوعالعلة التي أقر فيها ابن الصلاح بأن الحكم قبولاً أو رداً في الحديث المخالف أوالمتفرد يتوقف على دلالة القرائن والملابسات التي لا ينهض بها سوى نقاد الحديث.
وإن كان نوع "المزيد في متصل الأسانيد" من أنواع الزيادات التي تنبثق عنها حالةالمخالفة بين الرواة عموما فإن قبوله ورده يتوقفان على مقتضى القرائن المحتفةبالمزيد، كما هو منهج النقاد في تعاملهم مع هذه الأنواع من الأحاديث، وقد بين ذلكابن الصلاح في مبحث العلة.
ثالثاً: منهج الخطيب في قبول المزيد:
مما لا شك فيه أن الخطيب البغدادي قد انتهج في كتابه: "تميز المزيد في متصلالأسانيد"، منهجا مغايرا لما شرحه ابن الصلاح، وهذا واضح جدا من سياق اعتراضه عليه.
وبما أن هذا الكتاب من المخطوطات المفقودة فإنه يصعب علينا التحدث عن المنهجالذي انتهجه الخطيب فيه، لكن من خلال ما ذكره ابن الصلاح يمكن القول: إن منهجه قائمعلى تتبع القرائن التي تحف بالحديث، وربما لم تكن القرائن في رد المزيد في بعضالأسانيد غير مذكورة في الكتاب.
ولذلك فإنه من الطبيعي أن يوجد في تلك المجموعاتالحديثية التي ذكرها الخطيب في كتابه "تمييز المزيد" ما أثار الانتباه لدى ابنالصلاح لكون ذلك مخالفا لمقتضى القاعدة التي ذكرها هو في التعقيب.
وبذلك أصبحالفرق بين الأسلوبين واضحا وجليا؛ إذ أسلوب الخطيب مبني على دلالات القرائن، بينماأسلوب ابن الصلاح قائم على ظواهر السند، وبذلك يبقى ما ذكره في التعقيب منسجما معمنهجه العام في معالجة القضايا النقدية كما لمسنا من قبل في الأنواعالسابقة.
سعود السرحاني
04-30-2007, 04:37 PM
رابعاً: تأصيل مسألة "المزيد في متصل الأسانيد" وتفصيل أحكامها:
بعد أن اتضح الفرق بين ابن الصلاح وبين الخطيب فيما يخصمسألة المزيد في متصل الأسانيد، وبعد أن تبين مغزى كلام ابن الصلاح حول ذلك فعليناأن نتساءل حول حقيقة هذه المسألة: هل يقاس على ذلك المثال الذي ذكره ابن الصلاح كلما يزاد في الإسناد، ويقال: إنه"المزيد في متصل السند"؟ ومتى يحكم عليه بأنهمزيد في السند؟ ومتى يحكم على السند الخالي من المزيد أنه منقطع؟ وما هو الضابط فيذلك؟ وهذه التساؤلات ضرورية وملحة لتجلية هذا النوع من جميع أبعاده.
وبإمعانالنظر فيما شرحه ابن الصلاح علمنا أن أصل هذا النوع يرجع إلى نقطة اختلاف الرواة فيالإسناد بالزيادة والنقص؛ يزيد البعض فيه راويا، ويسقطه الآخر، مما يشكل وحدةموضوعية مع مسألة تعارض الوقف والرفع وتعارض الوصل والإرسال. وبذلك يصبح "المزيدفي متصل الإسناد" جزءا مهما من مسألة زيادة الثقة، وذلك طبعاً إذا كان الذي زاد فيالسند ثقة كما رأينا في المثال السابق.
ولذلك قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "وقدصنف في ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب مصنفا حسنا سماه "تمييز المزيد في متصل الأسانيد"وقسمه قسمين: أحدهما ما حكم فيه بصحة ذكر الزيادة في الإسناد وتركها، والثاني ماحكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها، ثم إن الخطيب تناقض فذكر في كتاب "الكفاية":للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله كلها لا تعرف عن أحد من متقدميالحفاظ إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبلمطلقا كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء وهذا يخالف تصرفه في كتاب" تمييزالمزيد"، وقد عاب تصرفه في كتاب "تمييز المزيد" بعض محدثي الفقهاء، وطمع فيهلموافقته لهم كتاب "الكفاية".
يمكن أن نلخص الأمر في هذا النوع بما يلي:
أ -أنه إذا تبين بالقرائن خطأ المزيد في السند، واتصال السند الآخر الخالي عن ذلك يقال: "مزيد في متصل الإسناد"، وفي عبارة أخرى: "مزيد في أصل السند المتصل". كما فيالمثال الذي أورده ابن الصلاح؛ فإن النقاد لم يحكموا على المزيد بأنه وهم وخطأ إلاعلى أساس القرائن المحيطة به، وهي واضحة بجلاء في قول أبي حاتم، حين قال: "وهِمَابن المبارك في زيادته" أبا إدريس لأن بسر بن عبدالله روى عن واثلة ولقيه، ولاأعلم أبا إدريس روى عن واثلة شيئا، وأهل الشام أضبط لحديثهم من الغرباء"، وجاء فيموضع آخر من كتابه العلل:"وكثيراً ما يحدث بسر عن أبي إدريس، فغلط ابن المبارك، وظنأن هذا مما روى عن أبي إدريس عن واثلة، وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه" يعني بذلكسلوك الجادة. وبذلك يندرج هذا المزيد تحت المعلول عموما أو الشاذ أو المنكر أوالمدرج خصوصاً.
ب - وإذا تبين بالقرائن أن اسم الراوي مقحم في السند، وذكره فيهخطأ، وأن السند الآخر الذي خلا من ذكره منقطع، صح أن يقال: مزيد في أصل السندالمنقطع، لكونه مدرجاً فيه ومقحماً، كما في حديث المكي بن إبراهيم عن ابن جريح عننافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد أن ابن عباس حدثه عن ميمونة في فضل المسجدالنبوي وقد صرح أئمة النقد مثل البخاري والدارقطني بأن ذكر ابن عباس فيه وهم،والصواب: "ما رواه عبدالرزاق وغيره من الثقات عن ابن جريح عن نافع عن إبراهيم بنعبدالله بن معبد عن ميمونة" وكذا رواه الليث بن سعد عن نافع بإسقاط "ابن عباس"راويا عن ميمونة ولذلك يظل الإسناد منقطعاً، حيث إن إبراهيم لم يسمع من ميمونة حسبقول ابن حبان.
جـ- وأما إذا دلت القرائن على أن الراوي حدث مرتين مرة بذكرالواسطة وأخرى بدونها يعني عاليا ونازلاً فيقال: مزيد في متصل الإسناد، يعني أن وجودالواسطة في السند لا يدل على انقطاع السند الآخر الذي خلا من الواسطة، بل كلاهمامتصل.
ومثاله: حديث بسرة في الوضوء من مس الفرج؛ فقد رواه يحيى بن سعيد القطانوعلى ابن المبارك عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة. ورواه سفيان بن عيينة وجماعةعن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان بن الحكم عن بسرة.
وكذلك رواه جماعة عنالزهري عن عروة، ورواه مالك عن عبدالله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول دخلت علىمروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: مِن مَسِّ الذكر الوضوءُ،فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت النبي صلىالله عليه وسلم يقول: إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ.
هذا وقد رواه شعيب بن إسحاقوعنبسة بن عبد الواحد وحميد بن الأسود وغيرهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عنبسرة بالقصة، بزيادة في آخر الحديث: "قال عروة: ثم لقيت بسرة، فسألتها عن هذاالحديث، فحدثتني به عن النبي (صلى الله عليه وسلم)".
قال ابن حبان: "وأما خبربسرة الذي ذكرناه فإن عروة بن الزبير سمعه من مروان بن الحكم عن بسرة، فلم يقنعهمذلك، حتى بعث مروان شرطياً له إلى بسرة فسألها، ثم أتاهم فأخبرهم بمثل ما قالت بسرةفسمعه عروة ثانياً عن الشرطي عن بسرة، ثم لم يقنعه ذلك حتى ذهب إلى بسرة فسمع منها.فأخبر عن عروة عن بسرة متصل ليس بمنقطع ...".
وقال ابن خزيمة: "وبقول الشافعيأقول؛ لأن عروة قد سمع خبر بسرة منها، لا كما توهم بعض علمائنا أن الخبر واه لطعنهفي مروان".
د- وأما في حالة وجود القرائن التي تدل على ثبوت المزيد في السند،وأن الإسناد بدون ذكره يكون منقطعاً فلا يقال: مزيد في متصل الإسناد. كما في حديثسعيد بن عامر عن جويرية بنت أسماء عن نافع عن ابن عمر عن عمر (رضي الله عنه) حديث "وافقت ربي في ثلاث"، وقد رواه محمد بن عمر المقدمي عن سعيد بن عامر عن جويريةعن رجل عن نافع. ولعل من القرائن الدالة على ثبوت المزيد بين جويرية ونافع أنجويرية مكثر عن نافع جداً، فلو كان هذا الحديث عنده عنه لما رواه عن رجل مبهم عنه.
قال الحافظ العلائي -وهو يشرح هذه القرينة-:"وحاصل الأمر أن الراوي متىقال: "عن فلان" ثم أدخل بينه وبينه في ذلك الخبر واسطة، فالظاهر أنه لو كان عندهعن الأعلى لم يدخل الواسطة؛ إذ لا فائدة في ذلك، وتكون الرواية الأولى مرسلة إذا لميعرف الراوي بالتدليس وإلا فمدلسة، وحكم المدلس حكم المرسل كما تقدم، وخصوصاً إذا كان الراوي مكثراً عن الشيخ الذي روى عنه بالواسطة، كهشام بن عروة عن أبيه، ومجاهدعن ابن عباس، وغير ذلك مما تقدم من الأمثلة فلو أن هذا الحديث عنده عنه لكان يسايرما روى عنه، فلما رواه بواسطة بينه وبين شيخه المكثر عنه عُلم أن هذا الحديث لميسمعه منه، ولا سيما إذا كان ذلك الواسطة رجلا مبهما أو متكلما فيه".
هـ- إذا وجد القرائن الدالة على صواب المزيد أو خطئه فهذا يكون قسماً آخر من المزيد،وينطبق عليه ما ذكره الإمام ابن الصلاح من مراعاة ظواهر السند، ومع ذلك لا يصفوالمقام من كدر الإشكال الذي أشار إليه الإمام ابن الصلاح في نوع المرسل الخفي بقولههذا: "وهذا وما سبق في النوع الذي قبله -يعني الإرسال الخفي والمزيد في متصلالإسناد- يتعرض لأن يعترض بكل واحد منهما على الآخر".
يعني ابن الصلاح: أنهيمكن الاحتجاج بوجود الواسطة في السند على وجود الانقطاع في السند المقابل الذييخلو عنها، كما يمكن الاستدلال بالعكس أيضا. أي إن إسقاط الواسطة من السند دليل علىاتصال السند من غير ذكرها وأن وجودها في السند الآخر خطأ ووهم وزيادة. وهذا طبعاإذا اعتمدنا في هذه المسائل على ظاهر الإسناد. وأما إن كانت القرائن هي المعولعليها في كل ما يتصل بتلك المسائل فلا نرى وجها لما ذكره ابن الصلاح.
هذا وقدلخص الحافظ العلائي أطراف هذا النوع على شكل يقارب ما ذكرناه آنفا، وهذا نصه: "وحاصل الأمر أن ذلك على أقسام: أحدها ما يترجح فيه الحكم بكونه مزيدا فيه وإنالحديث متصل بدون ذلك الزائد. وثانيها ما ترجح فيه الحكم عليه بالإرسال إذا روىبدون الراوي المزيد. وثالثها ما يظهر فيه كونه بالوجهين أي أنه سمعه من شيخه الأدنىوشيخ شيخه أيضا وكيف ما رواه كان متصلا. ورابعها ما يتوقف فيه لكونه محتملا لكلواحد من الأمرين".
فهذه هي أطراف مسألة المزيد في أصل الإسناد، وبذلك يكونهذا النوع من مسائل زيادة الثقة، وبالتالي لا يكون هذا المزيد مقبولاً أو مردوداً، ولا ينبغي استخدام مصطلح "المزيد في متصل الإسناد" في ذلك إلا بالقرائن الدالةعلى ذلك.
ولذلك قال العلائي بعد ذكر الأمثلة لكل قسم مما ذكره آنفاً: "بهذهالأمثلة كلها ظهر أن الحكم بالزيادة تارة يكون للاعتبار برواية الأكثر، وتارةللتصريح بالسماع من الأعلى، وتارة لقرينة تنضم إلى ذلك إلى غيرها من الوجوه". وفيضوء ذلك فما زاده الثقة في السند لا يطلق عليه القبول ولا الرد، وإنما يجب إخضاعهلحكم القرائن والملابسات المحيطة بذلك، كما سبق في تعارض الوصل والإرسال وتعارضالوقف والرفع، ويقول السيوطي: ربما كان الحكم للزائد وربما كان للناقص والزائد وهم، وهو يشتبه على كثير من أهل الحديث، ولا يدركه إلا النقاد.
وفي حالة كون ذلكالمزيد ثابتا في السند فإفادة الانقطاع في السند الذي لم يقع فيه ذلك الراوي المزيدتكون متوقفة على دراسة القرائن. وأما إن كانت الزيادة مردودة فلا يلزم منه أن يكونالسند الناقص متصلاً. بل يتوقف الحكم فيه أيضا على المعرفة التاريخية لمدى علاقةالراوي بمن فوقه. وهذا الذي الحافظ العلائي يشكل نقطة تعقيب واضح على ما فصله ابنالصلاح (رحمه الله تعالى).
خامساً : خلاصة المبحث الرابع:
من هنايتبلور مدى صلة هذا النوع بمسألة "زيادة الثقة" وغيرها من الأنواع التي سبقذكرها، وهي: تعارض الوصل والإرسال، وتعارض الوقف والرفع، والمدرج ؛ فإنها جميعاتنبثق من نقطة الاختلاف بين الرواة زيادة ونقصا، وأن الحكم فيها يكون متوقفا علىتتبع القرائن وإمعان النظر في دلالاتها الظاهرة والخفية.
وأما ما بينه ابنالصلاح من اعتماد ظواهر السند فلا يُعوّل عليه إلا في حالة التأكد من خلو المزيد فيالسند من القرائن الدالة على صوابه أو خطئه. وبالتالي يتجلى هذا الموضوع منسجمالصنيع المحدثين في التصحيح والتضعيف. وإذا علمت هذا فإنك تكون على يقين بأن هذاالباب لا ينهض به إلا الناقد المتمرس العارف بهذا الشأن. وعليه فما يلحظ في ظواهرالإسناد من العنعنة أو ذكر السماع فلا يتخذ ذريعة لرفض نصوص النقاد على وجود خطأووهم فيما زاده الثقة في سند الحديث.
وبقي هنا أمران:
أولهما: أن الذي يظهرمن خلال تتبع هذا الموضوع في مصادر متعددة أنه لم يستخدم هذا المصطلح إلا الخطيبالبغدادي، بل ربما يكون هو أول من استخدم هذا المصطلح، وذلك حين أفرد له تأليفاخاصا أسماه "تمييز المزيد في متصل الأسانيد"، وتسبب ذلك لتحول هذا المصطلح نوعامن أنواع علوم الحديث لدى المتأخرين، مثل "السابق واللاحق"، و"المؤتلفوالمختلف"، وغيرها من الأنواع التي يرجع ظهورها في كتب المصطلح كأنواع علوم الحديثإلى تأليف الخطيب وغيره كتبا مفردة لكل منها، ولعل هذا الإفراد من أجل طرافة تلكالمسائل الجزئية، وليست لكونها أنواعا تحوي قواعد علمية.
والجدير بالذكر أنالحافظ ابن حجر في الفتح استخدم هذا المصطلح بشكل مكثف في رد المزيد وتخطئته،والحكم على أصل السند باتصاله، بخلاف ما كان عليه ابن الصلاح حيث يجعل قبول المزيدفي السند أصلاً.
والثاني: لهذا النوع صلة وثيقة بالتدليس والإرسال الخفي وبجميعأنواع الانقطاع عموما باعتبار كونه وسيلة من وسائل كشف ذلك الانقطاع الظاهر والخفي،وإن كان ذكر الواسطة بين راويين في السند يعد مؤشرا على وجود احتمال الانقطاع فيالسند الحالي من الواسطة؛ فإنه لا يعول على ذلك مباشرة إلا بواسطة القرائن، كماأوضحنا ذلك مفصلا في كتابنا "كيف ندرس علوم الحديث".
وبعد دراسة الأنواعالسابقة : تعارض الوصل والإرسال وتعارض الوقف والرفع، والمدرج، والمزيد في متصلالأسانيد، دراسة تحليلية ونقدية يتبين لنا مدى ظهور زيادة الثقة في هذه الأنواعبحيث تشكل كلها وحدة موضوعية تتمثل في التفرد والمخالفة، وأن هذا الترابط الموضوعيفيما بينها لم يكن أساسا في معظم كتب المصطلح حين معالجتها لهذه الأنواع.
سعود السرحاني
04-30-2007, 04:38 PM
الخاتمة
تتمثل أهم نقاط هذا البحث فيما يلي:
1) إن الأنواع السابقة: تعارض الوصل والإرسال وتعارض الوقف والرفع، والمدرج، والمزيد في متصل الأسانيد،كلها تتصل بمسألة زيادة الثقة، وتشكل جميعها وحدة موضوعية تتمثل في حالتي التفرد والمخالفة، وأن هذا الترابط الموضوعي فيما بينها لم يكن أساسا في كتب المصطلح حين معالجتها لهذه الأنواع.
2) ولتصبح أحكام هذه الأنواع موحدة ومنسجمة مع منهج المحدثين النقاد في قبول الأحاديث وردها يجب أن يؤخذ هذا الترابط الموضوعي الوثيق بعين الاعتبار حين يطرح كل منها، وأن يعد ما سبق في مبحث العلة من تفاصيل الحكم والحيثيات العلمية ميزانا دقيقا في ذلك كله.
3) وتتفق معظم كتب المصطلح على اعتبار أحوال الرواة وظواهر السند معيارا عاما لتفصيل أحكام تلك الأنواع التي دار عليه البحث، وهذا أمر يتعارض تماما مع منهج المحدثين النقاد في قبول الحديث ورده.
4) وكل هذه النتائج تؤكد أن زيادة الثقة ليس حكمها القبول مطلقا ولا الرد مطلقا وإنما يكون ذلك كله وفق القرائن المتوافرة فيها، وأما في حالة عدم توافرها لا يبقى مجال في قبول الزيادة سوى الرجوع إلى الأصل في الثقة، وهو أن يكون مصيبا فيما زاده، ويقال عندئذ إن قبول زيادة الثقة مقبولة.
ولله الحمد والشكر.
سعود السرحاني
04-30-2007, 04:43 PM
أخوي ياسر
أعذرنا على القصووور
وهذا رابط موقع فيه بحووث علمية
http://saaid.net/bahoth/index.htm (http://saaid.net/bahoth/index.htm)
دمتى بخير
نواف النجيدي
04-30-2007, 05:17 PM
بـــــــارك الله فيك أخي الغالي
ياسر حمدان المقبلي
04-30-2007, 09:24 PM
بيّض الله وجيهكم نواف وسعود
كفيتوا وفيتوا.
عاصفة الشمال
04-30-2007, 09:53 PM
س1
أخي // ياسر
لدي من الأبحاث الكثير إنما كلما حملتها يحدث فشل في رفع الملف
رغم صغر حجمه ...لا أعلم ما المشكلة ؟؟
ياسر حمدان المقبلي
04-30-2007, 11:32 PM
س1
أخي // ياسر
لدي من الأبحاث الكثير إنما كلما حملتها يحدث فشل في رفع الملف
رغم صغر حجمه ...لا أعلم ما المشكلة ؟؟
س2
هلا.. خيتي عاصفه
تأكدي من صيغة الملف المرفوع ويفضل ان يكون بصيغتة الووردdoc
او مضغوطzip اوrar
اوtxt مذكرة
محمود الجذلي
05-01-2007, 01:51 AM
ابو حمدان ..
ابشر يالذيب .. امرني بس وش موضوعه ..
والاخوان ماقصروا.. بس توني اشوف الموضوع << ماخذتة الاختبارات ..
,
ياسر حمدان المقبلي
05-01-2007, 02:05 AM
اي موضوع يابوريم
انت وزوئك
محمود الجذلي
05-01-2007, 03:09 AM
الولاء والبراء
.
الفصل الأول: الولاء أو الولاية
التعريف اللغوي:
الولاية بفتح الواو وكسرها تعني النصرة: يقال: هم على ولاية: أي مجتمعون في النصرة (لسان العرب).
والولي والمولى واحد في كلام العرب، ووليك هو من كان بينك وبينه سبب يجعله يواليك وتواليه أي تحبه وتؤيده وتنصره ويفعل هذا أيضاً معك، والله ولي المؤمنين ومولاهم بهذا المعنى أي محبهم وناصرهم ومؤيدهم كما قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة:257)، وقال أيضاً: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} (محمد:11) وولي المرأة هو متولي شئونها كالأب والأخ الأكبر ونحو ذلك، وفي لسان العرب: قال أبو الهيثم: "المولى على ستة أوجه: المولى ابن العم والعم والأخ والابن والعصبات كلهم، والمولى الناصر، والمولى الولي الذي يلي عليك أمرك، قال: ورجل ولاء وقوم ولاء في معنى ولي وأولياء لأن الولاء مصدر، والمولى مولى الموالاة وهو الذي يُسلم (أي يدخل الإسلام) على يديك ويواليك المولى مولى النعمة وهو المعتق أنعم على عبده بعتقه، والمولى المعتق (بالبناء للمجهول) لأنه ينزل منزلة ابن العم يجب عليك أن تنصره وترثه إن مات، ولا وارث له فهذه ستة أوجه" أ.هـ.
المعنى الشرعي:
وهذه المعاني اللغوية الآنفة كلها ثابتة في حق المسلم للمسلم إلا ما استثناه النص من ذلك كالميراث مثلاً كما قال تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين} (الأحزاب:6) أي أولى ببعضهم في الميراث من ولاية المؤمنين الآخرين والتي كانت ولاية الميراث ثابتة لهم في أول عهد الرسول بالمدينة وذلك لفترة محدودة ثم نسخت. ونستطيع أن نقول أن الولاية الثابتة من كل مسلم لأخيه المسلم تشمل ما يلي: الحب، والنصرة، والتعاطف والتراحم والتكافل والتعاون، وكف كل أنواع الأذى والشر عنه، وبعض هذه الأمور الإيجابية يدخل في باب الفرائض والواجبات وبعضها يدخل في باب المستحب والمندوبات.
وأما الأمور السلبية وأعين بها كف الأذى فإن بعضها يدخل في باب الكفر والخروج من الدين وبعضها معصية وبعضها يدخل في إطار المكروهات والتنزيهات، وسنبين كل ذلك بحول الله وتوفيقه بالنصوص من كتاب الله وسنة رسوله.
(أ) الأدلة على وجوب موالاة المسلم لأخيه المسلم:
الأدلة في هذا الباب أكثر من أن تحصر ونحن نذكر هنا بعضها، فمن الأدلة القرآنية قوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات:10) وهذه الآية قد جاءت بصيغة الحصر أي ليس المؤمنون إلا أخوة، ومفهوم هذا أنه إذا انتهت الأخوة انتهى الإيمان، وكذلك قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض} (الأنفال:72) وهذا تأكيد من الله جاء بصفة الخبر وكأنه أمر مستقر مفروغ منه، والمقصود بالأمر بأن يوالي المهاجرون الأنصار بعضهم بعضا، ثم قال بعد عدة آيات: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} (الأنفال:75) فأشار إلى أن من يأتي بعد الرعيل الأول ويهاجر معهم فهم منهم أي قطعة وبضعة منهم، وهذه المعاني نفسها أكدها الله سبحانه وتعالى في سورة الحشر، ففي ذكر تقسيم الفيء حق لثلاثة أصناف هم فقراء المهاجرين، وفقراء الأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان قبل المهاجرين ثم فقراء التابعين إلى يوم القيامة ووصف الله التابعين بصفة لازمة لاستحقاقهم الفيء وصحة انتسابهم إلى هذه الأمة فقال: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} (الحشر:10) فوصفهم بأنهم يدعون لمن سبق من هذه الأمة بالخير ويطلبون من الله أن لا يكون في قلوبهم أدنى غل للمؤمنين، ولهذا استنبط الإمام الشافعي في هذه الآية أن الرافضة لا حظ لهم في أخماس الفيء وذلك لسبهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وامتلاء قلوبهم بالحقد والغل لهم.
ومن الآيات الدالة على معنى الولاء أيضاً قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة:71) وفي هذه الآية تقرير لولاية المؤمنين والمؤمنات واتصافهم بما وصفهم الله به من أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.. الخ.
والسنة مليئة بمثل هذه المعاني كقوله صلى الله عليه وسلم: [المسلم أخو المسلم] (الشيخان وأبو داود والترمذي) وقال أيضاً: [المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً] (مسلم وغيره) وقال: [مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجيد بالسهر والحمى] (متفق عليه) وقال أيضاً كما روى مسلم: [المسلمون كرجل واحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله] (مسلم والترمذي وأحمد)
وهذه الأحاديث مقررة للمعاني السابقة التي جاءت به الآيات.
أولاً: الحقوق اللازمة من كل مسلم لأخيه المسلم:
(1) الحب:
يدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: [لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه] (الشيخان والترمذي والنسائي وغيرهم). وهذه أدنى درجات المحبة والمقصود أن كل مسلم يجب عليه أن يحب لأخيه من خير الدنيا والآخرة ما يحبه هو لنفسه ولا يمكن أن يحصل هذا إلا بأن تحب الشخص لأنك لا تحب الخير لمن تكره. ولا يتصور أن تحب الخير إلا لمن تحب، وهذا الواجب قد تناساه وأهمله اكثر المسلمين في زماننا بل لا نكاد نجد إلا قليلاً ممن يحبون إخوانهم المسلمين حباً دينياً حقيقياً مجرداُ عن الهوى والمصلحة والعصبية، وبالرغم من أن هذه المنزلة -أعني محبة المسلم لأخيه المسلم- من لوازم الموالاة فإنه أيضاً باب عظيم من أبواب الخير في الآخرة والشعور بحلاوة الإيمان في الدنيا كما جاء في الصحيحين في شأن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم: [رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه] (متفق عليه) وكذلك جاء في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: [ثلاث من وجدهن وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار] (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم)
وقد يظن ظان أن المحبة عمل قلبي ولا يستطيع الإنسان التحكم فيه فكيف يرغم على محبة المسلمين؟! والجواب أن هذا خطأ لأن القلب تابع للعقيدة والإيمان فمن آمن بالله وأحبه فلابد أن يحب من يحب الله، والمسلم مفروض فيه أن يحب الله ويطيعه ولذلك وجب علينا محبة المسلم لمحبتنا الله ولدينه، بل لا يمكن أن يتصور إيمان أصلاً دون أن يحب المسلمون بعضهم بعضاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: [لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم] (مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة).
وهكذا نعلم أنه لا إيمان قبل المحبة، وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سبيلها وهي إفشاء السلام لأنه أدنى معروف من الممكن أن يبذله المسلم لأخيه المسلم وهو لا يكلف أكثر من كلمة طيبة تتضمن دعاء وطلباً من الله بالسلامة والعافية من كل شر والرحمة لمن تسلم عليه. ولا شك أن الدعاء والتمني على هذا النحو يرقق القلب ويشعر بمحبة المسلم لأخيه المسلم، فأين المسلمون اليوم من تطبيق هذه الجزئية في هذا الأصل الشرعي "الموالاة"؟
(2) المجاملة:
وهي تضم حقوقاً خمسة واجبة جمعها النبي في حديث واحد كما قال صلى الله عليه وسلم: [حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وتشميت العاطس، واتباع الجنازة، وعيادة المريض، وإجابة الدعوة] (متفق عليه)، ومعنى تشميت العاطس أن تقول له إذا سمعته يحمد الله بعد عطاسه: "يرحمك الله" فيرد عليك "يهديكم الله ويصلح بالكم"، وأما إجابة الدعوة فالمقصود إجابة دعوة الطعام حتى وإن كره الإنسان الحضور لقوله صلى الله عليه وسلم: [ومن لم يحب الداعي فقد عصا أبا القاسم] (مسلم وأبو داود وابن ماجة)، وفي البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ولو دعيت إلى كراع لأجبت] والكراع هو رجل الماشية، وهذه الحقوق الخمسة الآنفة من باب المجاملات اللازمة الواجبة من كل مسلم على أخيه المسلم.
(3) النصرة:
وهي تعني أن يقف المسلم في صف إخوانه المسلمين فيكون معهم يداً واحدة على أعدائهم ولا يخلي بتاتاً -ما استطاع إلى ذلك سبيلاً- بين مسلم وعدوه ويدل لهذا المعنى آيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً} (النساء:75) وقد جعل الله هنا القتال في سبيل تخليص المسلمين المستضعفين قتالاً في سبيله ونصراً له سبحانه وتعالى، وقال صلى الله عليه وسلم: [انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً] (الشيخان والترمذي وأحمد)، وقد فسر صلى الله عليه وسلم نصر الأخ ظالماً بأن ترده عن الظلم وأما نصره مظلوماً فمعناه رد الظلم عنه، ومثل هذا المعنى أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه] (البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم) ومعنى أن يسلمه أي يخلي بينه وبين أعدائه.
ولما كان هذا الحق يتعلق بعلاقات المسلمين والكفار قوةً وضعفاً وفي وقت عهد وهدنة وفي غير ذلك، وفي دار الإسلام ودار الكفر أقول لما كان الأمر كذلك كان للنصرة قواعد وأحكاماً كثيرة ملخصها أنه يجب أن ننصر إخواننا المسلمين المستضعفين فلا يجب عليهم ذلك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على آل ياسر وهو يعذبون فلا يملك إلا أن يقول لهم [صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة] (سيرة ابن هشام 1/319-320)، ولم يستطع أن يرد عن أحد المستضعفين شيئاً طيلة مكوثه صلى الله عليه وسلم بمكة، ولكن بعد أن عزه الله بسيوف الأنصار استطاع أن يمد يد العون للمستضعفين بمكة فكان يرسل إليهم من ينقذهم ويساعدهم على الفرار إلى المدينة، ولكن الله سبحانه وتعالى نهانا أن نساعد المستضعفين من المؤمنين بديار الكفار إذا كان بيننا وبين قومهم عهد كما كان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية حيث امتنع عن مساعدة المستضعفين في مكة بعد هذا الصلح ولذلك اضطروا إلى الفرار إلى ساحل البحر كما قال تعالى: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير} (الأنفال:72) وهكذا نعلم أن هذا النص [ولا يسلمه] الوارد في الحديث وكذلك قوله تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان} (النساء:75) مخصصين بالاستطاعة، وبأن لا يكون المسلمين قد ارتبطوا بعهد وميثاق مع قوم من الكفار فلا يجوز خيانتهم في هذا.
وهذه الحقوق السالفة "الحب والمجاملة والنصرة" هي حقوق عامة من كل مسلم لأخيه المسلم في الشرق أو الغرب لا تمييز فيها بين مسلم وآخر ولكن ثمة حقوق أخرى لبعض المسلمين يوجبها ويلزمها المناسبة والموقع ومن ذلك
يتبع الجزء الثاني
محمود الجذلي
05-01-2007, 03:11 AM
ثانياً: الحقوق الخاصة:
(1) حق النبي صلى الله عليه وسلم:
وهو هادي هذه الأمة وقائدها ورسولها صلى الله عليه وسلم وإليه المرجع في التبليغ والإتباع، وحق كل مسلم في هذه الأمة أن يحبه أكثر من نفسه وماله ووالده وولده، وأن يجعل طاعته كلها له وذلك بعد الله سبحانه وتعالى وأن يذب عنه وعن دينه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وقد جاءت في هذا آيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى: {إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً* لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً} (الفتح:8-9) فجمع الله حقه وحق رسوله في آية واحدة فحق الرسول التعزيز والتوقير والإيمان به وتسبيحه بكرة وأصيلاً، وجعل الله إيذاء الرسول موجباً للعن مهما صغر مادام أن صاحبه يقصد كما قال تعالى {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً} ( الأحزاب:57) فجمع سبحانه بين نفسه وبين رسوله أيضاً في آية واحدة ليبين أن الأذى الواقع على رسوله يقع على الله أيضاً.
وجعل إساءة الأدب ولو دون قصد بحضرة الرسول محبطة كما قال تعالي: { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} (الحجرات:2) فقوله تعالى: {وأنتم لا تشعرون} دليل على أن من لم يقصد هذه الإساءة يحبط عمله، وأما من رفع صوته على النبي وبحضرته يقصد الإساءة إليه فلا شك أنه كافر ملعون كما مر في آية الأحزاب الآنفة، فكيف بعد ذلك الذين يتهمون الرسول بشتى التهم ويعادون سنته ويستهزئون بهديه ومع ذلك يزعمون أنهم من المسلمين؟
(2) حق الربانيين والعلماء:
ويأتي بعد حق الرسول صلى الله عليه وسلم حقوق الربانيين من أهل العلم والفضل والذين وفقهم الله لتعليم الناس وتربيتهم وتوجيههم والأخذ بأيديهم إلى الهدى والنور، وهؤلاء حقوقهم في المحبة والطاعة والموالاة والنصرة ورد الجميل بعد حقوق النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة إذ هم السبب المباشر في الهداية والإرشاد وشكرهم واجب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [لا يشكر الله من لا يشكر الناس] (أبو داود والترمذي وأحمد) ولاشك أن أعظم الناس معروفاً من هداك الله على يديه وأرشدك به ولو إلى قليل من الخير، فكيف إذا كنت ضالاً فهداك الله بواسطته، وكافراً فأسلمت على يديه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: [من صنع لكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تظنوا أنكم قد كافأتموه] (أبو داود والنسائي وأحمد) ومعلوم أن مكافأة من هداك إلى الدين مستحيلة لأن الخير الذي ساقه الله لك على يديه لا تستطيع أن ترد مثله إليه فقد هداك الرباني إلى الجنة بتوفيق الله وإعانته فهل تستطيع أن تكافئه بمثل الجنة؟ لا، إلا أن تدعو له بأن يحقق الله له من الخير مثل ما أسدى إليك.وقد جمع الله ولاية نفسه والرسول والمؤمنين في آية واحدة كما قال تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} (المائدة:55) أي هؤلاء هم من يجب علينا أن نوالهم الله ورسوله والمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو متصفون بالركوع الدائم كما وصف الله ورسوله معه بقوله {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً} (الفتح:29).
(3) حق الوالدين والأرحام:
ثم يأتي بعد حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق المربي والمعلم للخير حق الوالدين والأرحام، وأولى الوالدين الأم ثم الأب كما جاء في الصحيحين "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: [أمك] قال: ثم من؟ قال: [أمك] قال: ثم من؟ قال: [أمك] قال: ثم من؟ قال: [أبوك]" (متفق عليه)، وقد أمر الله بالبر بهما في آيات كثيرة من كتابه كما قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهم أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً *واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} (الإسراء:23-24)، والبر بالوالدين يستمر ويجب حتى مع كفرهما ودعوتهما ابنهما إلى الكفر والشرك والمقصود بالبر هنا المصاحبة بالمعروف كالقول اللين وعدم التعنيف وعدم التأفف وعدم الزجر والإحسان إليهما بالمال والإعانة والخدمة كل ذلك حاشا الطاعة في الكفر والشرك كما قال تعالى في سورة لقمان {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير *وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليّ ثم إلي مرجعكم فأنبؤكم بما كنتم تعملون} (لقمان:14-15).
ويأتي بعد الوالدين الأرحام الأقرب فالأقرب كالأخوة والأخوات والأبناء وأبناء الأبناء وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات، وهكذا وكل هؤلاء يجب وصلهم حتى لو قطعوا، وقد هدد الله من يقطع أرحامه بالقطع والدخول في النار بل جعل الله قطع الأرحام من الفساد في الأرض كما قال تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم *أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} (محمد:22) وقال صلى الله عليه وسلم: [لا يدخل الجنة قاطع] (الشيخان وأبو داود والترمذي وأحمد) وقال أيضاً: [يقول الله تعالى: "أنا الرحمن خلقت الرحم ووضعت لها إسماً من إسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته"] (أحمد وغيره) وصلة الأرحام واجبة أيضاً مع كفرهم ما داموا غير محاربين لله كما سيأتي تعريف ذلك في باب البراءة، أما إذا كانوا مسالمين غير محاربين للمسلمين فيستحب برهم والإحسان إليهم ولو كانوا كفاراً والنصوص السالفة عامة في كل الأرحام وقد بينا كيف نص الله على الوالدين بالبر والإحسان مع الكفر وهما من جملة الأرحام وكذلك نص على وجوب الإحسان إلى الأقارب مع الكفر كما قال تعالى: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} (البقرة:272) وقد نزلت هذه الآية في بعض الأنصار كان لهم أقارب كفار يحسنون إليهم رجاء إسلامهم، فلما استبطئوا ذلك قطعوا عنهم النفقة، فأنزل الله الآية، والعجيب بعد كل هذه النصوص المحكمة الواضحة أن نجد مسلمين يتشدقون باسم الإسلام ويقطعون أرحامهم بدعوى أنهم على بعض المعاصي، وسيأتي أن موالاة المسلم واجبة مع فعله للمعصية فكيف بالأرحام والأقارب.
(4) حق الجوار والصحبة والشراكة والضيافة:
يأتي بعد حقوق الأرحام حقوق الجوار والصحبة والشراكة والضيافة وكل ذلك ثابت أيضاً في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة كما قال تعالى: {واعبدوا لله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً} (النساء:36)، وقال صلى الله عليه وسلم [ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه] (متفق عليه)، وأما الضيف فقد جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم: [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره.. الحديث] (البخاري وأحمد وأبو داود وابن ماجة) وقال أيضاً: [والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن] قالوا: من يا رسول الله؟ قال: [من لا يؤمن جاره بوائقه] (البخاري ومسلم وأحمد).
يتبع الجزء الثالث
محمود الجذلي
05-01-2007, 03:14 AM
(5) حق الفقير والمسكين وابن السبيل والسائل:
ثم يأتي بعد ذلك حق الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والسائلين، وقد جاءت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة توصي بهم وتجعل لهم نصيباً في الزكاة وأموال المسلمين العامة بل ويجعل لهم حقوقاُ في مال المسلمين غير الزكاة وهي أشبه من المعلوم بالدين ضرورة ولذلك فلا داعي لسرد النصوص في ذلك.
ثالثاً: نواقض الموالاة:
عرفنا فيما مضى هذا الأصل من أصول الموالاة وعرفنا معناه الشرعي واللغوي، ولمن يجب ومراتب المؤمنين ومنازلهم بحسب الموالاة، والآن نأتي إلى نواقض هذا الأصل، ونستطيع تلخيصها فيما يلي:
(1) إخراج المسلم من الإسلام عن معرفة وبصيرة:
ل من حكم على رجل مسلم بأنه كافر وهو يعلم في قرارة نفسه أنه مسلم فقد كفر، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: [أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما] (متفق عليه)، أي إما أن يكون كافراً في الحقيقة وهذا الوصف ينطبق عليه، وإما عاد القول إلى قائله، كما قال أيضاً صلى الله عليه وسلم: [من قال لأخيه يا كافر وليس كما قال إلا حار عليه] (مسلم) أي رجع الوصف عليه، وأما تكفير المسلم خطئاً وظناً فهو معصية وليس بكفر، كمن ظن أن مسلماً فعل مكفراً وليس بمكفر فكفره لذلك ظاناً أنه قد كفر بذلك، فهذا مرتكب للمعصية وخاصة إذا اقترن هذا مع الجهل والتهجم على الفتيا، وعدم التروي دون استفراغ الوسع في معرفة متى يكفر المسلم ومتى لا يكفر، وأما من كفر مسلماً وهو يعلم أو يغلب على ظنه أنه لا يكفر بما رآه عليه أو سمع عنه فقد كفر قطعاً، لأنه يكون قد كفر مسلماً عن علم وبصيرة.
(2) من استحل دم المسلم أو عرضه أو ماله:
وذلك أن عرض المسلم ودمه وماله حرام كما قال صلى الله عليه وسلم: [إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا] (متفق عليه) ومعلوم أن استحلال المعصية كفر، ومعنى الاستحلال أي الظن والاعتقاد فيما حرمه الله أنه حلال، ومعلوم أيضاً أن حرمة دم المسلم وعرضه وماله وانتهاك هذا أشد عند الله من انتهاك حرمة الزنا والخمر والربا كما قال صلى الله عليه وسلم: [الربا إحدى وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم] (ابن ماجة) أي أعظم من الربا. وقد حكم الله على من استحل الربا بالكفر والخلود في النار، كما قال تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة:275) فقوله تعالى: {أصحاب النار هم فيها خالدون} دليل على كفرهم وقولهم {إنما البيع مثل الربا} أي أنهم استحلوا هذا ورأوا أنه لا فرق بين البيع والربا، ومن المعلوم في الدين ضرورة أن مستحل المعصية كافر، وهذا يعني أن مستحل دم المسلم وعرضه وماله فهو كافر.
(3) موالاة الكافر وإعانته على المسلم:
كل من والى كافراً وأعانه وظاهره على مسلم فقد كفر ونقض هذا الأصل "الموالاة" وخرج من دين الله سبحانه وتعالى وهذا يصدق أيضاً على من اطلع الكفار على عورات المسلمين في الحرب وأفشى لهم أسرار المسلمين وقد جاء بشأن هذا آيات كثيرة منها قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (المائدة:51) فقوله تعالى: {فإنه منهم} يدل على أنه قد خرج بذلك من الإيمان إلى الكفر وهو نص صريح، ويخرج من هذا أيضاً من فعل هذا غير مستحل له، في حال ضعف أو خوف أو رغبة كما قال تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منه تقاة ويحذركم الله نفسه} الآية (آل عمران:28) فقوله: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} يدل على أن اتقى شر الكفار وداراهم وردهم عن نفسه في حال ضعف ولا يحب أن ينتصر الكفار ولا أن يظهروا على المسلمين فإنه لا يكفر بذلك بل يكون معذوراً عند الله، والله أعلم بالقلوب، ولذلك عفا الرسول صلى الله عليه وسلم عن حاطب بن أبي بلتعة الذي أفشى سر المسلمين وأخبر قريشاً بأن الرسول قد جمع لهم يريد حربهم وذلك قبل غزوة الفتح، وذلك عندما علم منه الرسول أنه فعل ذلك في حال ضعف وخوف على أولاده بمكة وبما كان لحاطب رضي الله عنه من سابقة في حضوره غزوة بدر مع المسلمين. وأما من استحل ورضى بمعاونة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين وهو غني عن ذلك فهو كافر قطعاً ناقض لأصل الموالاة وسيأتي لهذا مزيد إيضاح إن شاء الله عند بيان الأصل الثاني وهو "البراء".
هذه الأمور الثلاثة التي تنقض أصل الموالاة وتخرج المسلم من حظيرة الإسلام إلى حظيرة الكفر وهي كما أسلفنا: تكفير المسلم عن عمد وإصرار ومعرفة، واستحلال دمه أو ماله أو عرضه، وموالاة أعداء الله عليه، واستحلال العرض يدخل فيها استحلال سبه أو شتمه أو غيبته.
رابعاً: قوادح الموالاة:
الأمور السالفة تنقض اصل الموالاة وتخرج المسلم من الإيمان ولكن ثمة أمور أخرى لا تصل إلى هذا الحد ولكنها تقدح هذا الأصل وهي كثيرة جداً سنكتفي ببعضها:
يتبع الجزء الرابع
محمود الجذلي
05-01-2007, 03:21 AM
1) الظلم:
ولا يجوز ظلم المسلم بأي نوع من أنواع الظلم لقوله تعالى في الحديث القدسي: [ يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً.. فلا تظالموا] (مسلم وأحمد)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه] (البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم)، وقد جاء في الزجر عن الظلم أحاديث كثيرة منه قوله صلى الله عليه وسلم: [من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب له الله النار]، قالوا: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: [وإن كان عوداً من أراك] (ابن ماجه وأحمد والدارمي) وهذا بالطبع ما لم يغفر الله له.
(2) السب والشتم والغيبة والنميمة:
من سب مسلماً فقد فسق لقوله صلى الله عليه وسلم: [سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر] (متفق عليه) ومن لعن مسلماً فكأنما قتله لقوله صلى الله عليه وسلم [لعن المسلم كقتله] وقد اشتملت سورة الحجرات على آيات كثيرة محذرة من هذا:منها قوله تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} (الحجرات:11) والمعنى أن من فعل ذلك كان فاسقاً بعد أن كان مؤمناً، كما أطلق الله وصف الفسق أيضاً على من سب المحصنة المؤمنة فقال تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون} (النور:4) فسمي الذين يفعلون ذلك فساقاً، وأما الغيبة فقد جاء فيها قوله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} (الحجرات:12) أي لمن تاب من هذه الآثام وقد سبق في الحديث ان الغيبة أشد من الربا والربا اشد من الزنا بالأم. ولا يجوز لمسلم أن يستحل سب المسلم أو شتمه أو عيبه أو غيبته إلا في حق كأن يكون مظلوماً يرد عن نفسه كما قال تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} (النساء:148) أي من اعتدى عليه أولاً فله الحق أن ينتصر من ظالمه بأن يسبه كما سبه، أو يذكر ظلمه للناس ولكنه لا يجوز له أن يعتدي بأكثر مما سب وعيب به، لقوله تعالى: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} (البقرة:190) وكقوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل *إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} (الشورى:41-42) ولا شك أن الصفح والمغفرة لأعظم وآجر عند الله لقوله تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} (الشورى:43).
وفي النميمة يقول صلى الله عليه وسلم: [لا يدخل الحنة القتات] (البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وأحمد) والقتات هو النمام الذي ينقل الحديث ليوقع بين الناس والذي يسمع إنساناً أو يغيبه فيوصل كلام المسبوب له بغية الوقيعة حتى لو كان صادقاً فيما نقل، ولاشك أن تشريع الله لكل هذه الأمور إنما هو للحفاظ على وحدة الجماعة الإسلامية وتنقية صفوفها من الفرقة والخلاف.
(3) البيع على البيع والخطبة على الخطبة والنجش والغش:
حذر الرسول أيضاً من أمور في المعاملات من شأنها إيقاع العداوة بين المسلمين وخدش أخوتهم وقدح اصل الموالاة من ذلك البيع على البيع والخطبة على الخطبة كما قال صلى الله عليه وسلم: [ولا يبع بعضكم على بيع أخيه] (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم) وقال: [لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه] (البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وغيرهم) وقال أيضاً: [ولا تناجشوا] (البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وغيرهم) والنجش هو الزيادة في السلعة ممن لا يريد شراءها بغية إغلاء سعرها على مسلم وهذا ما يحدث في "المزاد العلني" حيث يعمد البائع إلى الاتفاق مع من يزيدون في السعر حتى يوهم المشتري بحسن السلعة ويشتريها بعد غلو ثمنها.
وأما الغش فقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من غش فليس منا] (مسلم والترمذي وأبو داود وغيرهم)، وهذا زجر شديد لمن غش المسلمين في بيع أو نحوه.
(4) الهجران:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهجر المسلم كلام أخيه المسلم أكثر من ثلاث ليال كما قال صلى الله عليه وسلم: [لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام] (البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم) وهذا نص عام في كل هجران بأي سبب من أسباب الدنيا. هذه أهم الأمور التي تخدش الأخوة الإسلامية وتقدح أصل الموالاة ولكن المسلم لا يخرج بها عن الدين إلا إذا استحل شيئاً منها وهناك أمور كثيرة غيرها كالهمز واللمز والهزء والسخرية. ونحو ذلك مما يسبب العداوة والبغضاء بين المسلمين.
خامساً: المخالفون لأصل الموالاة:
يخالف لأصل الموالاة طوائف من الناس إليك بيان أحوالهم حتى تحذر منهم وتبعد عن سبيلهم:
(1) المنافقون:
وهم أعدى الناس لأصل الموالاة والخارجون عنه وذلك لكفرهم الباطن وامتلاء قلوبهم بالحقد والغل على المسلمين، ورغبتهم الدائمة في اندحارهم وكشر شوكتهم وهؤلاء هم الذين يستهزئون بالمسلمين ويلمزونهم ويسخرون منهم ويفجرون في خصومتهم معهم، ويخلفون وعدهم وينقضون عهدهم مع المسلمين، ويخونوهم ويغشوهم ويكذبون عليهم، ويصابون بالنكد والحسرة وضيق الصدر إذا أصاب المسلمين خير من الله وبركة، ويفرحون ويهللون إذا أصابهم شر ومكروه، والقرآن مليء بوصف أحوال المنافقين وبيان فضائحهم وخاصة سورة التوبة والمنافقون والحشر والأحزاب وأوائل البقرة ودراستنا لهذه السور يطلعنا على حقيقة النفاق الذي يستتر أصحابه بأعمال الإسلام الظاهرة ولكن قلوبهم تكون مع أعداء الله ويسعون جاهدين في تفتيت وحدة المسلمين وبعثرة جهودهم وإطلاع أعداء الله على عوراتهم، وهؤلاء المنافقون هم أخطر على المسلمين من أعدائهم الظاهرين وخاصة إذا كانوا أهل علم بالدين ولسان فصيح كما قال صلى الله عليه وسلم: [أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان] (رواه أحمد) فهؤلاء باستطاعتهم تحريف الكلم عن مواقعه وإيقاع الفتنة في صفوف المسلمين، وقد يكون في المسلمين من يسمع للمنافقين ويعجب بحديثهم كما قال تعالى: {وفيكم سماعون لهم} (التوبة:47) وذلك من حلاوة حديثهم وطلاوته كما قال تعالى أيضاً: {وإن يقولوا تسمع لقولهم} (المنافقون:4).
وخطورة المنافقين أيضاً أنهم يغلفون أنفسهم بالكذب ويغلظون الإيمان ويلينون كالحرير والمرمر فلا يستطيع أحد أن يكشف أمرهم كما قال تعالى لرسوله {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} (التوبة:101) ومعنى مردوا أي كانوا ناعمين لينين وذلك من رقة حديثهم وحلاوة منطقهم وحلفهم وإشهاد الله على ما في قلوبهم حتى أن الرسول نفسه يخفى عليه أمرهم. والمنافقون في المجتمع الإسلامي شر لا مفر منه وما على المؤمنين إلا الحذر منهم بما أرشدنا الله إليه من وعظهم في أنفسهم والغلظة عليهم عند معرفتهم، ومع هذا يجب على المسلمين أن يعاملوا بعضهم بما ظهر منهم من إسلام ولم نؤمر أن نشق قلوب الناس لنعرف أمنافقين هم أم لا، وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذكر علامات تدل عليهم إلا أننا لا نستطيع أن نجزم بأن من ظهرت فيه هذه العلامات كان منافقاً حقيقياً لأن بعضها قد يقع من المسلم كما قال صلى الله عليه وسلم: [آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان] (البخاري ومسلم والترمذي).
وقال: [أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان وإذا خاصم فجر] (أخرجه البخاري والنسائي وأحمد).
ولما كانت هذه الأمور قد تظهر في بعض المسلمين لجهلهم فإن كل مسلم مطلوب منه الحذر على نفسه من النفاق وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى على نفسه من النفاق وكذلك قال عمر بن الخطاب لحذيفة -وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبره بالمنافقين- أما سماني رسول الله من المنافقين؟ فقال: لا، ولن أقول لأحد غيرك. وهكذا يجب على كل واحد منا ألا يخلف وعداً أو يكذب على مسلم أن يخون أمانة أو يفجر في خصومة أخيه المسلم فتكون فيه شعبة من شعب النفاق أو يجمعها جميعاً فيطمس الله على قلبه فيزيغه عن الإيمان.
{اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا برحمتك يا أرحم الراحمين ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.
يتبع الجزء الخامس
محمود الجذلي
05-01-2007, 03:24 AM
(2) الخوارج المارقون:
لصنف الثاني من أصناف الناس الخارجين على أصل "الولاء" هم الخوارج المارقون واسم الخوارج يطلق على كل من استحل دماء المسلمين أوأعراضهم أو أموالهم بالمعصية، وخرج على جماعتهم بالسيف، وأصل بلائهم من الجهل بأحكام الإسلام والاندفاع فيما يرونه منكراً إلى حدود العدوان على المسلم وظلمه، وهم الذين أفتوا بوجوب الخروج على الإمام العام بالمعصية، وقتاله بالسيف إذا رأوا منه ما يخالف رأيهم، ورأوا أيضاً وجوب البراءة من المسلم وهجرانه بالمعصية، وعدم جواز موالاة أحد من المسلمين بذلك، وهم في الغالب أهل حماسة وشدة في أخذ الدين ولكن هذه الحماسة والشدة لما كانت في غير موضعها انقلبت عليهم مروقاً وخروجاً عن الدين بالكلية وقد وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم قبل خروجهم بأنهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم (البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم) وأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود)، وأن المسلم الصالح يحقر صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم (البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد) وذلك من كثرة تعبدهم وزهادتهم، وقد ظهرت أول أفكار الخوارج وأقوالهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك عندما كان يوزع غنائم هوازن فأعطى مسلمة الفتح مائة من الإبل لكل واحد منهم ولم يعط المهاجرين الأولين والأنصار شيئاً فرأى ذلك رجل جاهل متشدد مارق فظن أن الرسول إنما حابي أهله وعشيرته بالغنائم وظن أن هذه مداهنة لقريش فقال للرسول: اعدل يا محمد، فوالله هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، هذا الجاهل الجلف المارق يقول للرسول: اعدل، ولو علم أن الله اختار رسوله لرسالته وأن الله لا يضع الرسالة إلا في موضعها لما ظن بالرسول سوءاً ثم اتهم نية الرسول صلى الله عليه وسلم وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يظهر خلاف ما يبطن وأن يفعل شيئاً لا يريد به وجه الله ولذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ يأمنني الله على خبر السماء ولا تأمنوني؟] فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال: [دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه] ثم قال: [يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلهم قتل عاد] وقال أيضاً: [إذا أدركتموهم فاقتلوهم فإن لمن قتلهم أجراً كبيراً] (رواه البخاري). على منوال هذا الضال المارق خرجت الفتنة على عثمان رضي الله عنه، تعيب عليه أشياء من الصغائر وهو من هو رضي الله عنه سابقةً وفضلاً وإنفاقاً في سبيل الله وسبقاً إلى الإسلام وجهاداً مع رسوله أنكروا عليه أنه لم يول فلانا وولى فلانا، أو أنه ضرب فلانا أو نفى فلانا ومعلوم أن هذا كله في صلاحية الإمام العام، ولكنهم أخذوا هذه الصغائر وطيروها في كل مكان وأغروا الغوغاء والسفهاء من أهل مصر والشام والعراق والذين لا علم لهم بحقيقة الخليفة ومنزلة ذي النورين رضى الله عنه وأرضاه، وبذلك أججوا الفتنة عليه واستحلوا في النهاية دمه، ووقع بذلك على المسلمين اعظم بلاء في تاريخ الخلافة الراشدة، وهؤلاء المتنطعون الجاهلون أنفسهم هم الذين أرغموا علياً على البيعة ثم انتقضوا عليه لأمور جهلوها من الدين وظنوها مخالفة للقرآن فقد أنكروا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه تحريم نساء من حاربوهم في موقعة الجمل، وتحريم استرقاق ذراريهم وأخذ أموالهم حتى قال لهم: كيف أحل لكم نساءهم وهم مسلمون؟ ولو أحللت لكم نساءهم فأيكم يأخذ عائشة في سهمه؟ وكذلك أنكروا عليه رفضه لإيقاف القتال عندما رفع جيش معاوية المصاحف على أسنة الرماح حتى قال له زيد بن خالد الطائي وهو أحد رؤوس الخوارج: "القوم يدعوننا إلى كتاب الله وأنت تدعونا إلى السيف؟" فقال له علي بن أبي طالب: أنا أعلم بما في كتاب الله.. ولكن هذا الجلف الجاهل رد على أمير المؤمنين رضي الله عنه بقوله "لترجعن الأشتر عن قتال المسلمين وإلا فعلنا بك مثل ما فعلنا بعثمان" فاضطر علي رضي الله عنه إلى رد الأشتر بعد أن هزم الجمع وولوا مدبرين وما بقي إلا شرذمة قليلة فيهم حشاشة قوة" (انظر البداية والنهاية 7/273).
وبالرغم من أن الخوارج هم الذين حملوا علياً على قبول التحكيم، والتحاكم إلى القرآن فإنهم عادوا وأنكروا عليه وقالوا له: كيف تحكم الرجال في القرآن؟ لا حكم إلا الله.. فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل. ثم أتى بالقرآن أمامهم وقال: يا قرآن احكم بيننا (انظر البداية والنهاية 7/276) أي ليس للقرآن لسان حتى يحكم وإنما يحكم الرجال بما عرفوا من كلام الله سبحانه وتعالى. وفي النهاية فارقوه وشقوا جيشه، واستحلوا دم عبدالله بن عبدالله بن حرام عندما حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ستكون فتنة النائم فيها خير من القاعد فيها، والقاعد فيها خير من القائم فيها والقائم فيها خير من الساعي فيها] (البخاري ومسلم والترمذي وأحمد). ولذلك قاتلهم علي وانتصر عليهم، ولم ينج منهم إلا تسعة أشخاص فقط وكانوا اثني عشر ألفاً انحاز منهم أربعة آلاف إليه وقاتل الباقي. ولكن هؤلاء الذين نجوا ذهبوا وألبوا عليه وعلى معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم واستحلوا دماءهم جميعا وتمكن مارقهم الأكبر عبد الرحمن بن ملجم من قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو خارج إلى صلاة الفجر في آخر جمعة من شهر رمضان وكان علي في ذلك الوقت خير من يدب على الأرض وإمام المسلمين، فانظر إلى بشاعة هذه الجريمة وانظر إلى ظن قاتله أنه كان يفعل خيرا ويريد رضوان الله ومرضاته كما قال عمران بن حطا شاعر الخوارج في وقته:
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
ولكن صدق ابن المبارك الذي رد عليه فقال :
بل ضربة من شقي أوردته لظى وسوف يلقى بها الله غضباناً
وفي الوقت الذي التأمت في الأمة مرة ثانية على معاوية رضي الله عنه قامت قيامة الخوارج وظلوا يشاغلون أمراء الدولة الإسلامية الأموية ويؤججون النار في جنباتها ويصرفونها عن فتح الأمصار، وكثيرا ما كانت جيوش المسلمين تتحول من بلاد الشرك لإخماد فتنتهم التي كانوا يشعلونها كلما سنحت لهم الظروف واستمر حالهم هذا طيلة الدولة العباسية أيضا فكانوا بذلك أعظم شر وبلاء مني به المسلمون. والأفكار الخارجية لم تمت إلى يومنا هذا بل يتناقلها الجهال من الخوارج المعاصرون ممن يقرءون القرآن ولا يفقهون آياته، ويحفظون الحديث لا يدرون معانيه، وما زال المسلمون إلى يومنا هذا يطلع عليهم بين الحين والآخر من يزعم نصر الدين وقول كلمة الحق فيترك أهل الأوثان والشرك و الإباحية والكفر ويعمل قلمه ولسانه في المسلمين بل وجدنا منهم من لا هم إلا مشاغله الدعاة إلى الله والتعرض لهم بالسب والتشهير وتأليف الرسائل في بيان مثالبهم في زعمهم واتهامهم بالمداهنة تارة، والركون إلى الظالمين تارة، وفعل بعض المعاصي تارة، والإفتاء بما يخالف آراءهم تارة ولمثل هذه الأمور التي يرونها مخالفات وما هي بمخالفات يستحلون أعراضهم وينتهكون حرماتهم ويفتشون على أسرارهم ولا يجدون لهم ديناً في الأرض إلا تفريق جماعاتهم وتمزيق وحدتهم وملء صدور الناس بكراهيتهم ومحاولة فض الناس عنهم. وهذا من أكبر الآثام ومن أكبر النواقض لأصل الإيمان الأصيل وهو أصل الولاء، ولو فقه هؤلاء الدين لوجب عليهم محبة إخوانهم في الإسلام والدعاء لهم بظهر الغيب، وشد أزرهم والنصح لهم، وبذل الأمر بالمعروف لهم بالتي هي احسن ولكن الحقد والبغضاء ملأت صدورهم، ونفخ الشيطان في قلوبهم فتراهم يرون أكبر المنكرات فلا يأبهون ويشاهدون أعظم الطواغيت فلا يغضبون ولكنهم يرون الهفوات والصغائر على إخوان العقيدة والدين، و أهل الدعوة والجهاد فتحمر أنوفهم وتزبد أفواههم ويعددون في كل مجلس مخالفتهم. وأمثال هؤلاء الذين ساروا على درب أسلافهم في المروق من قبل حيث تركوا أهل الأوثان، ونصبوا العداء لأهل الإسلام هم اخطر على المجتمع الإسلامي من المنافق المستتر لأن هؤلاء يظنون أنهم على الحق وانهم يحسنون صنعا، ويتكلمون بالآية والحديث وهم أعظم ستار لأهل النفاق والشر الذين يريدون هدم الإسلام، فالمنافقون يستترون بأمثال هؤلاء الأغرار الذين لا يفقهون حكمة ولا دعوة ويقرأون القرآن دون فهم وتدبر يأخذون منه ما شاءوا دون إن يكون لهم سلف في الترك وإنما بما تمليه عليهم أهواؤهم المريضة، وعصبيتهم البغيضة. وهؤلاء تجدهم يميلون إلى الشدة في كل شيء فالمستحب عندهم واجب، والمباح عندهم إثم ومعصية والرخصة جريمة وتهاون، واللين مداهنة والسكوت عن بعض الحق اتقاء الفتنة عندهم نفاق. وهكذا جعلوا دين الله بلاء على الناس وشرا بل جعلوا دين الله لا يصلح إلا لمن ترك الحياة كلها والمجتمع كله وخرج إلى البراري والقفار يرعى غنيمات وأما الاختلاط بالناس ففتنة عندهم والعمل في الحكومات كفر ومعصية، والتعلم في المدارس جريمة واستعمال النقود إثم لان عليها صورة. والسفر إلى بلاد الكفار جريمة عندهم ما بعدها جريمة. وويل لك ثم ويل إن حملت جواز سفر أو رخصة قيادة لأن ذلك إثم ومعصية إذ كيف تحمل صنما في جيبك؟ والتلفزيون رجس من عمل الشيطان لأن فيه أصنام.. انظر، والصحيفة أشد لعنة من التلفزيون لأن فيها أصناما كذلك وويل لك ثم ويل إن تعلمت الجغرافيا والفيزياء والكيمياء لأنها من علوم الكفار وفي دين هؤلاء يجب عليك أن تنتظر الدجال ولا تأخذ عدة الحرب العصرية لقتال كفار زماننا بمثل سلاحهم، لأن التوصل إلى هذا السلاح لا يمكن إلا بتعلم علوم الكفار، ومادامت علوم الكفار حرام ولا يجوز لنا اقتراف الحرام فإذن لا يجب علينا امتلاك أسلحة العصر بل يجب أن ننتظر حتى تهلك هذه الحضارة ويعود الناس إلى السيف لنحارب الكفار وننتصر على الدجال.. الخ. كل هذه الأفكار التي هي أشبه بأفكار الحمقى والمجانين تشكل اليوم أسلوبا لفهم الدين طلع به علينا من يزعم نصر الدين وإقامة ملة إبراهيم في الأرض وما درى هؤلاء أن هذه الأفكار هي أمثل طريقة لهدم الدين والقضاء عليه. ومثل هذه الأفكار أيضاً من احتقار العلم ووضعه عند غير أهله أن نناقشها بالدليل والبرهان لأنها لا تستقيم عند بداهة العقول، وإذا كان هناك من يجادل في البديهيات والمسلمات فإن إثبات هذا بالبرهان لا يفيد.
هذه -أخي القارئ- الفئة الثانية من الفئات التي خالفت أصل الولاء وهي تخرج على المسلمين الفينة والفينة بمثل هذه الخزعبلات. فما أشبه حمقى هذه الأيام بالحمقى السابقين الذين قالوا لعلي بن أبي طالب: كيف تحكم الرجال في القرآن؟ لا حكم إلا لله. فوضع علي المصحف أمامهم وقال: احكم بيننا يا قرآن.
يتبع الجزء السادس
محمود الجذلي
05-01-2007, 03:26 AM
الفصل الثاني: البراء
الأصل الثاني من أصول الإيمان الذي نتعرض له في هذه الدراسة هو "البراء" وهو الموقف الواجب على كل مسلم تجاه الكفار فماذا يعني هذا الأصل؟ وما أدلته من الكتاب والسنة ؟ وما أحكامه وحدوده؟ واليك بحمد الله تفصيلا لكل ذلك:
أولا: أدلة "البراء" من الكتاب والسنة:
قال تعالى في سورة الممتحنة التي نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه عندما أرسل إلى قريش يخبرهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم خارج لغزوهم وذلك في غزوة الفتح كما روي البخاري بإسناده إلى علي بن بي طالب رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال: [انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (موضع بين الحرمين بقرب حمراء الآسر من المدينة "معجم البلدان ج 2 ص 335") فإن بها ظعينة (امرأة سافرة) معها كتاب فخذوه منها]، فذهبنا تعادي بنا خلينا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة قفلنا: أخرجي الكتاب. فقال: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها (ضفيرة من الشعر تلف على الرأس) فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ما هذا يا حاطب؟] فقال: لا تعجل علي يا رسول الله. أني كنت امرءا من قريش ولم اكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذا فاتتني من النسب فيهم أن اصطنع إليهم يدا يحمون قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتداداً عن ديني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [إنه قد صدقكم]. فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه. فقال صلى الله عليه وسلم: [انه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم] (البخاري).
قال عمرو -أي ابن دينار- وهو من رواة الحديث: ونزلت فيه {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} (الممتحنة:1) وهكذا قال ابن عباس أيضاً أن آيات الممتحنة قد نزلت في حاطب وفي شأن هذه الواقعة كما روي ذلك الحاكم بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} إلى قوله {والله بما تعملون بصير} نزلت في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة ومن معه من كفار قريش يحذرهم (رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين" ولم يخرجاه واقره الذهبي).
وفي آيات الممتحنة يحذر سبحانه وتعالى من اتخاذ الكفار أولياء، وإلقاء المودة لهم مع كفرهم، وإخراجهم للرسول والمسلمين من مكة ولم يكن للمسلمين ذنب إلا إيمانهم بالله سبحانه وتعالى وقد بين سبحانه أن اتخاذ الكفار أولياء وهم بهذه المثابة من الظلم والعدوان ضلال عن سواء السبيل، ثم بين سبحانه الحكمة من هذا النهي فقال: {إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون} (الممتحنة:2) أي انهم لو ظهروا على المسلمين وتمكنوا منهم فلن يتركوا أو يرحموا أحداً منهم وهم جاهدون مع ذلك في تكفير المسلمين، فكيف يجوز إذن لمسلم موالاتهم ونصرتهم ومحبتهم. ثم اخبر سبحانه أن الأرحام والأولاد لا تنفع يوم القيامة مع الكفر وذلك أن الله يفصل بين المسلمين والكفار يومئذ مهما تقاربت بينهم الأرحام والصلات الدنيوية. ثم ضرب الله سبحانه وتعالى إبراهيم والذين معه مثلاً وأسوة للمسلمين فقال: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} (الممتحنة:4). أي عليكم أيها المؤمنون أن تأتسوا بإبراهيم والذين آمنوا معه في براءتهم من الكفار وإعلانهم العداوة والبغضاء لهم ما داموا على شركهم وكفرهم.
وهذه كلها بحمد الله آيات واضحة بينة في وجوب التبري من الكفار ووجوب إعلان البغضاء والكراهية لهم.
ولقد حذر سبحانه وتعالى في آيات أخرى بأن تولي المسلم للكافر كفر ومروق من الدين كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } (المائدة:51) وقوله: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} نص صريح في كفر من اتخذ نصرانياً كان أو يهودياً ولياً له. ومثل هذه الآية أيضا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} (التوبة:23) وقال أيضا: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير} (آل عمران:28) وقوله: {ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء} ظاهر في تكفير من فعل ذلك أي انه قد انحلت عقدته مع الله واصبح خارجاً كلياً عن حماية الله وولايته. وهذه الآيات وغيرها كثير في القرآن ظاهر في وجوب البراءة من الكفار وعدم جواز موالاتهم بحال مهما كانوا أقارب أو أرحام أو يرجى منهم نصر وتأييد كما قال تعالى أيضاً: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله إلا إن حزب الله هم المفلحون} (المجادلة:22).
وهذه كلها بحمد الله آيات صريحة واضحة مبينة أنه لا موادة ولا نصرة، ولا موالاة مع من حاد الله ورسوله، ولو كانوا من أخص الأرحام، وأن المؤمنين المخلصين المؤيدين بنصر الله وتوفيقه هم من حققوا هذا الأصل العظيم.
والآن ما مفهوم تولي الكفار الذي نهينا عنه في هذه الآيات؟ وماذا يعني على التحديد البراءة منهم؟
كيف تحقق البراءة من أعداء الله؟!
أولاً: وجوب الالتزام بالإسلام كله:
وذلك أن دين الكفار باطل سواء كان في الأصول والعقائد والفروع من التحليل والتحريم والصبغة والهدي والأخلاق إلا ما وافق الفطرة الصحيحة والشرع الذي شرعه الله لنا ولذلك أمرنا الله أن نقول للكفار إذا دعونا إلى دينهم: {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون} (سورة الكافرون).
وحذر الله رسوله في آيات كثيرة أن يطيع الكفار ولو في شيء يسير مما يدعونه إليه مخالفاً بذلك أمر الله كما قال تعالى: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلاً *ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا *إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا} (الإسراء:73-75). وهذا تهديد عظيم للرسول لو ركن إلى الكفار ولو في شيء قليل. وفي هذا المعنى أيضا يقول تعالى: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير *ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} (هود:112-113) وقال أيضاً: {وأن احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} (المائدة:49) وهذه كلها آيات ناهية للرسول أن يطيع المشركين والكفار ولو في شيء قليل مخالفا بذلك ما أنزله الله إليه وقد هدد الله رسوله هنا بكل أنواع التهديد إن هو فعل ذلك ومعلوم أن الرسول لا يفعل ذلك وإنما هذا تهديد لنا بطريق الأحرى والأولى. ولا شك أن طاعة الكفار في شيء من تشريعهم هو من أكبر أنواع التولي لهم، وبالتالي هو أعظم أسباب الكفر والخروج من الدين والتعرض لسخط رب العالمين.
يتبع الجزء السابع
محمود الجذلي
05-01-2007, 03:28 AM
ثانياً: وجوب إعلان البراءة من الكافرين:
وهذا يستلزمه الأمر الأول فما دام أن للمسلم دينه الخاص المميز فإن لم يلتزم هذا الدين فإنه خارج عنه، وكل خارج عن دين الإسلام الحق بعد إقامة الحجة عليه فهو كافر ولا شك أن للكافر منهجا وطريقا وعقيدة ما في حياته وكل منهج وعقيدة وطريق غير الإسلام فهو باطل ويجب على المسلم البراءة من الباطل كله والكفر بالطواغيت جميعا كما قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} (البقرة:256) والطاغوت هو كل من جاوز حده ودعا إلى عبادة نفسه وتهجم على حق الله في العبادة والطاعة وقال تعالى أيضاً: {قل يا أيها الكافرون *لا اعبد ما تعبدون}.. الآيات (الكافرون) فأمرنا أن نعلن البراءة من الكافرين وآلهتهم. وقال إبراهيم لقومه: {قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون *أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} (الشعراء:75-77)، وقال لهم أيضا: {كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} (الممتحنة:4) وقد جعل الله إبراهيم لنا أسوة في هذا القول. ولذلك فإعلان البراءة من الكافرين وكفرهم هو الأمر الثاني واللازم للالتزام بدين الله وحده واتباع صراطه المستقيم، فمن اتبع صراط الله واهتدى بهدي رسوله وجب عليه أن يعلن مفارقه كفر الكافرين ومخالفة هديهم ودينهم كله.
ثالثاً: تحريم إعانة الكافر على المسلم:
الأمر الثالث الذي تقتضيه البراءة من الكافر وعدم موالاتهم هو عدم جواز إعانتهم على المسلم بحال، فإذا كان المسلم دمه وماله وعرضه حرام على أخيه المسلم، وكان سباب المسلم فسوقا، واقتطاع حقه موجبا للنار وسفك دمه ظلما موجبا للخلود فيها أيضا فإن إعانة الكافر على مسلم خروج من الدين مطلقا وكفر أو ردة والآيات التي صدرنا بها هذا البحث هي في هذا الصدد خاصة كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (المائدة:51) وكذلك آيات الممتحنة وقد نزلت كما علمنا آنفا في شأن حاطب بن أبي بلتعة الذي أفشى سر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كفار قريش.
وبهذا يعلن أن إعانة الكفار على المسلمين لا شك أنه كفر. ولم يسمح الله في هذا الصدد بأي صورة من صورة الإعانة. ولا لأي أحد حتى للمستضعفين في بلاد الكفار أن يقاتلوا مع قومهم ضد المسلمين كما قال تعالى: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئك جعلنا لكم عليهم سلطانا مبيناً} (النساء:91) والمقصود بالفتنة هنا حرب المسلمين.
رابعاً: تحريم اتخاذهم بطانة وحاشية:
الأمر الرابع: الذي نهانا الله عنه تجاه الكافرين واخبرنا أنه من جملة موالاتهم هو اتخاذهم بطانة أي وزراء وعمالا في الأمور الحساسة من أمور الدولة والحكومة الإسلامية. وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون} (آل عمران:118).
ولهذا لم يتخذ الرسول والخلفاء الراشدون غير المسلمين في أعمال الدول الهامة كقيادة الجيوش. والأشراف على بيت المال، والجنود والشرطة وسائر الأمور التي فيها اطلاع على عورات المسلمين ومعرفة بأحوالهم. ولذلك كانت الدولة الإسلامية في عافية وقوة. ولكن بعد أن اتخذ الخلفاء الكفار بطانة لهم ووزراء تغير الأمر وبدأت أحوال المسلمين إلى زوال. عرفنا أن البراءة من الكافرين تعني أن لا نتنازل لهم عن شيء من الدين، وأن لا نحبهم فنحب ما هم عليه من كفر، وأن لا نساعدهم على مسلم قط، وأن لا نتخذ منهم بطانةً وأعواناً في أماكن يطلعون منها على أسرار المسلمين وينفذون من خلالها إلى إضعافهم وتفشيلهم. والذين يأخذون أصول البراءة على إطلاقها دون تفصيل ومعرفة بالاستثناءات قد يقعون في كثير من الظلم والحرام. ولذلك سنفصل -بحول الله- فيما يأتي هذه الاستثناءات والأمور التي لا تخالف ولا تناقض أصل البراءة.
استثناءات لا تنقض أصل البراءة:
أولاً: اللين عند عرض الدعوة:
لا تعني البراءة من الكافرين حجب دعوة الإسلام عنهم وتركهم لما هم فيه من ضلال. بل يحتم الإسلام على أهله دعوة الناس إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر والحرص على هدايتهم والرغبة الأكيدة في تحولهم إلى الإسلام ولما كان هذا لا يأتي إلا بالدخول إلى النفوس من مداخلها واستجلاب رضاها وراحتها فإن الإسلام جعل سبيل الدعوة مع الكفار وغيرهم هو الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى كما قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين} (النحل:125).. وذلك أن النفوس الشاردة، والقلوب القاسية لا تعود إلى الإسلام ولا تلين إلا بالملاينة والملاطفة وإظهار العطف والشفقة والحرص. ولذلك قال تعالى لموسى وهارون عندما أرسلهما إلى فرعون: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} (طه:44) وهكذا صنع موسى مع فرعون لاطفه في أول لقاء له وشرح له دعوته وجادله بالحسنى ووكل أمره لله بعد أن أعلن فرعون عداوته له. وهكذا أيضاً فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين والكافرين والمعاندين ممن عرض عليهم دعوته سواء كانوا من العرب المشركين أو اليهود أو النصارى جادلهم رسول الله بالحسنى ودعاهم باللين والبيان وصبر معهم صبراً طويلاً ولم يثبت قط أنه أهانهم أو اغلظ عليهم عند عرض الدعوة أبداً وذلك امتثالاً لقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} (العنكبوت:46) وقوله: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (النحل:125)، وقوله: {واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً} (المزمل:10) وقوله: {لست عليهم بمسيطر} (الغاشية:22) وقوله: {فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون} (الشعراء:216) ولم يقل: فاغلظ لهم القول وسبهم واشتمهم. وهذه الآيات كلها ومثلها بالمئات في القرآن الداعية إلى الحكمة والصفح الجميل عن المكذبين لا تناقض قوله تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} (التوبة:73)، وذلك أن الغلظة المأمور بها هنا إنما هي الغلظة في القتال فقط، وهذا مقام يحتاج إلى شدة وغلظة بخلاف مقام الدعوة، ولكل مقام مقال، كما يقولون. وذلك بدليل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} (التوبة:123). فهذه الغلظة هنا تفسر الغلظة في الآية الأخرى وأن ذلك إنما يكون في مقـام القتـال والمقاتل إن لم يتصف بالشجاعة والقوة والغلظة لمن يقاتلونه لا ينتصر. فلو رحمه أو لاينه أو أشفق عليه فإنه لا يقتله. ومما يوضح ذلك جلياً ما صنعه الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين في موقعة بدر، فقد رص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ودعا المؤمنين إلى الشجاعة في القتال وقال: [والله لا يقتل رجل منكم اليوم مقبل غير مدبر إلا دخل الجنة] (رواه أبو إسحاق. انظر البداية والنهاية 3/276-277). وفي هذا غاية التحريض على بذل النفس ولكنه بعد المعركة وهزيمة الكفار وأسر سبعين منهم لاطف الأسرى ولاينهم وداوى جراحاتهم وأمر الصحابة بإكرامهم فقال صلى الله عليه وسلم [اكرموا الأسرى] (الترمذي وأبو داود)، حتى أن الصحابة كانوا يؤثرونهم بالطعام الجيد على أنفسهم وأنزل القرآن في ملاطفة الأسرى ودعوتهم للإسلام فقال تعالى: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم} (الأنفال:70)، وهذا غاية الملاينة والملاطفة في دعوتهم إلى الإسلام وأن الله سيعوضهم عن الفدية التي أخذت منهم إن هم أذعنوا للإسلام وآبوا إلى الله ورسوله. وبهذا يظهر لنا جليا التفريق بين مقام القتال ومقام الدعوة. فمقام الدعوة هو مقام اللين والملاطفة وتخير الألفاظ وإحسان القول رغبة في تطميع الكافر في الدين، واستمالة لقلبه إليه. والجاهلون بهذا لا يميزون بين مقام ومقام ويظنون أن البراءة من الكفار تعني سبهم وشتمهم وإغلاظ القول لهم في مقام الدعوة وهذا غاية الجهل والحماقة.
ثانياً: حل الزواج بالكتابية وأكل ذبيحة الكتابي:
لا شك أن الكتابي يهودياً كان أو نصرانياً هو ممن حكم الله عليهم بالكفر والخلود في النار إذا سمع بالإسلام ولم يدخل فيه كما قال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار *لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم} ( المائدة:72-73).
يتبع الجزء الثامن
محمود الجذلي
05-01-2007, 03:31 AM
وهذا نص واضح في كفرهم لمقالتهم الشنيعة في الله ولا شك أيضاً أنهم لا يخرجون من مسمى أهل الكتاب بهذه المقالة فقد ناداهم الله مرارا بهذا الاسم مع وجود معتقدهم هذا فيهم كقوله تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً} (النساء:171)، فقد ناداهم الله بمسمى أهل الكتاب مع مقالتهم هذه.. وبالرغم من ذلك فقد أباح الله للمسلم أن يأكل مما ذبحه الكتابي وأن يتزوج المرأة الكتابية وهذا مجمع عليه بين المسلمين ويشهد لهذا قوله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهم محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} (المائدة:5) وأنت ترى هنا أن الله قد جعل طعام أهل الكتاب من الطيبات المباحة والمقصود بطعامهم ذبيحتهم وهذا لا خلاف فيه أيضاً، وكذلك جعل الله المحصنة الكتابية أي العفيفة التي لا ترضى الزنا مباحاً الزواج بها كالعفيفة المسلمة أيضا. وبهذا تعلم أن الأكل من طعام اليهود والنصارى لا ينافي ولا يعارض البراءة منهم، بل هذا مما استثنى، وكذلك الزواج من نسائهم. ومعلوم انه يحصل مع الزواج من نسائهم كثير من المودة والمحبة الزوجية الفطرية التي تقوم بين الأزواج عادة كما قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم:21) ولا شك أن المودة هنا مستثناة من النهي عن المودة للكفار المنصوص عليها في مثل قوله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} (المجادلة:22).. الآية. فمودة الزوج المسلم لزوجته الكتابية مخرج من ذلك ولا شك لأنه من المباح الذي لا يؤاخذ الله عليه ولا شك إن هذه المودة المباحة هي المودة الفطرية التي ينشئها الله في قلب الزوج لزوجته والتي لا يجوز معها اطلاع هذه الزوجة على عورات المسلمين أو إعانتها أو إعانة قومها على الإسلام و أهله. ومعلوم كذلك إن الزواج بالكتابية يستلزم أيضا السماح لها بالبقاء على دينها إن شاءت وعدم الوقوف في وجه أدائها لشعائر هذا لدين إن أرادت وان لا تجبر على الإسلام ولا تدخل فيه إلا برضاها وهذا من المعلوم من الدين ضرورة لا يماري فيه إلا جاهل. وكذلك الأمر بالنسبة لأكل طعام أهل الكتاب لا شك انه لا يمنع أن يأكله المسلم هديةً أو بيعاً وقد أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة التي أهدتها له اليهودية في خيبر. وأكل منها أصحابه، ومعلوم أن الإهداء والبيع ونحو ذلك قد يحصل به تعارف ونوع صداقة ومودة وكل ذلك لا ينافي ولا يناقض الأصل الذي شرحناه آنفا وهو البراءة من الكفار.
ثالثا: المجاملة والإحسان والدعاء له بالهداية:
ومن الأمور التي لا تنقض أصل البراءة من الكفار أيضا مجاملة الكافر المعاهد والذمي والمستأمن والإحسان إليه والأصل في هذا هو قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة :8) ويدخل في البر بهم عيادة مرضاهم، واتباع جنائزهم، وقبول هداياهم والإهداء لهم، وتهنئتهم في الأفراح، وتعزيتهم في الأحزان ومساعدة فقرائهم والمحتاجين منهم وزيارتهم في منازلهم، وقبول دعوتهم، والدعاء لهم بالهداية، ونحو ذلك وهذا مما أجمع عليه المسلمون ولا مخالف لذلك ممن لهم رأي يعتد به.
ويدل لذلك ما يأتي:-
(أ) الدعاء بالهداية لهم:
وهذا حتى لو كانوا محاربين أيضا وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لطوائف كثيرة من الكفار ليهديهم الله: كما جاء في مسلم أنه قال: [اللهم اهد أم أبي هريرة] (مسلم وأحمد) وذلك عندما طلب أبو هريرة من الرسول أن يدعو الله لأمه الكافرة كي تسلم، ولذلك جاء في البخاري عن أبي هريرة قال: قدم الطفيل وأصحابه على رسول الله فقال الطفيل: يا رسول الله، إن دوساً قد كفرت وأبت، فادع الله عليها، فقيل:هلكت دوس، فقال صلى الله عليه وسلم: [اللهم اهد دوساً وائت بهم] (البخاري ومسلم وأحمد) ودوس قبيلة أبي هريرة. وجاء في الترمذي وأحمد أن رسول الله دعا لثقيف فقال: [اللهم اهد ثقيفاً]، وكانوا قد تحصنوا منه بعد فتح مكة في ديارهم وامتنعوا من المسلمين ولم يستطع المسلمون فتح الطائف، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يهديهم، فأسلموا وقدموا المدينة، وفي كل هذا استحباب الدعاء للمعاندين من الكفار لعل الله يهديهم.
(ب) الإهداء لهم وقبول هداياهم:
وقد جاء في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إلى عمر بن الخطاب حلة من حرير فقال: يا رسول الله تكرهها وترسلها لي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: [إني لم أرسلها لك لتلبسها ولكن البسها بعض نسائك] فأهداها عمر بن الخطاب لأخ له مشرك بمكة. وهذا دليل واضح أيضا على أنه يجوز الإهداء للكفار ما لا يحل لبسه للمسلمين كالحرير وكذلك قبل رسول الله هدايا المقوقس (ابن خزيمة وأبو نعيم)، وقبل الشاة المصلية من اليهودية في خيبر (البخاري وغيره عن أنس).
(ج) عيادة مرضاهم:
وقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن غلاماً يهودياً كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده: فقعد عند رأسه فقال له: [أسلم] فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: [الحمد الله الذي أنقذه من النار]. وروى البخاري أيضاً تعليقاً جازماً به إلى سعيد بن المسيب عن أبيه انه قال: [لما حُضِر أبو طالب جاءه النبي صلى الله عليه وسلم] وهذا مشهور في قصة عرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام على أبي طالب في مرض موته وقول عمرو بن هشام له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فمات وهو يقول: هو على ملة عبد المطلب. والشاهد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد المشركين واليهود.
د- التصدق عليهم والإحسان لهم:
وهذا ثابت في النص القرآني الذي ذكرناه وكذلك في قوله تعالى: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} (البقرة:272) وقد قال ابن كثير عن هذه الآية: قال أبو عبدالرحمن النسائي: أنبأنا محمد بن عبد السلام بن عبد الرحيم أنبأنا الفريابي حدثنا سفيان عن الأعمش عن جعفر بن عباس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فسألوا فرخص لهم" فنزلت هذه الآية {ليس عليك هداهم..} وهذا ما رواه أبو حذيفة، وابن المبارك وأبو أحمد الزبيري، وأبو داود الحضرمي عن سفيان وهو الثوري، وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا أحمد بن القاسم عن عطية حدثني أحمد بن عبدالرحمن يعني الأشتكي حدثني أبي عن أبيه حدثنا أشعث ابن إسحاق عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية {ليس عليك هداهم..} إلى آخرها. فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين. وكذلك روى البخاري وغيره عن أسماء بنت الصديق أنها ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن أمها قد أتتها وهي راغبة -أي عن دين الإسلام- أفتتصدق عنها؟ فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلها، وهذا بالطبع موافق ومقرر لقوله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} (لقمان:15).
تم بحمد لله كتاب الولاء والبراء للكاتب/ أبو عبد الله عبد الرحمن بن عبد الخالق
عاصفة الشمال
05-01-2007, 03:58 AM
س2
هلا.. خيتي عاصفه
تأكدي من صيغة الملف المرفوع ويفضل ان يكون بصيغتة الووردdoc
او مضغوطzip اوrar
اوtxt مذكرة
هو ملف مضغوطzip .. لكن ما أعلم عن المشكلة في فشل تحميله هنا ..!!!
ياسر حمدان المقبلي
05-01-2007, 01:59 PM
ارفع ملف وورد بدلاً من المضغوط
ياسر حمدان المقبلي
05-01-2007, 02:22 PM
ابوريم
خشمك يالذيب
vBulletin® v4.2.5, Copyright ©2000-2024, تصميم الوتين (عبدالمنعم البلوي )watein.com