ناصر
12-23-2002, 12:10 AM
احبتي في الله
السلام عليكم ورحمة الله
اود ان اضع امامكم هذا الموضوع الذي يتناول التاريخ الكامل للمنظمة الصهيونية
وسوف اقسمه الي ثلاث اجزاء متلسلة لتسهل قراءته وبالتالي الاستفادة منه
وقد راعيت فيه الاختصار والدقة
والموضوع تم اعداده من خلال الاعتماد علي بعض المصادر التاريخية الموثوقة
وهو خلاصة لجزء من مساق جامعي درسته في جامعتي في قسم العلوم السياسية ضمن مساق دراسات فلسطينية
خلفية تاريخية
تم طرد اليهود من أرض الشام على يد الرومان وحظر عليهم البقاء في الأرض المقدسة، وتشتتوا نتيجة لذلك في كل أنحاء العالم. خرجوا يبحثون عن المأوى ولقمة العيش في ديار غريبة مشتتين إلى مجموعات صغيرة أو أفراد. منهم من توجه إلى الشرق، وآخرون إلى شمال أفريقيا، بينما حل بعضهم في البلاد الأوروبية. وكما هو متوقع لكل مشرد أو مطرود من مكان سكنه، لم تكن الحياة سهلة ولا الطريق إلى الاستقرار ممهدة، وكان عليهم أن يواجهوا الكثير من المعاناة والآلام والضياع.
توجه أغلب اليهود للسكن في المدن الكبرى أو بالقرب منها وذلك سعيا وراء الأعمال التي غالبا ما تكون متوفرة في التجمعات السكنية الكبيرة. لم يكونوا أصحاب أراض زراعية ولم تكن ظروف الإنتاج متطورة أصلا ليكون هناك من القدرة على البدء بأعمال استثمارية وإنتاجية. كان عليهم أن يسعوا بداية إلى العمل الشاق قليل الفائدة، وأن يتحملوا شظف العيش وضنك الحياة. لم يكن من المعروف عدد اليهود في تلك الحقبة التاريخية، لكنه من المتوقع أن عددا منهم قد تخلى عن يهوديته إذا كان في ذلك نوعا من الخلاص من بعض المتاعب.
أخذ اليهود يشقون طريقهم في الحياة في مختلف المناطق التي تواجدوا وركزوا على نشاطات حيوية مثل التجارة والصناعة والعلم والتي تعتبر ميادين بديلة لكسب العيش لمن لا يملك الأرض ومصادر جيدة لدخول مرتفعة. ومن المعروف أن اليهود برعوا في فن التجارة وبرز منهم تجار كبار في مدن كثيرة مثل القاهرة وبرلين وكييف وصنعاء. تحسنت أوضاعهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية مع مرور الأيام واستطاعوا أن يشكلوا مجتمعات صغيرة في عدد من الدول تميزهم عن المجتمعات الأوسع التي تواجدوا بينها. ومن المهم أن التوراة التي بين أيديهم شكلت قاعدة حيوية في تكتلهم والإبقاء على هوية خاصة بهم. ففيها ما يؤكد على تميزهم عن غيرهم من الشعوب وعلى تفوقهم كشعب الله المختار الذي لا يجاريه أو يطاوله شعب آخر وعلى تحوصلهم أو تكتلهم المنغلق الذي يحافظ على قدسيتهم مما تسميه التوراة من دنس الشعوب الأخرى.
على الرغم من أن المجال أمامهم كان مفتوحا أمامهم للاختلاط الواسع مع الشعوب التي تواجدوا بينها إلا أن خلفيتهم الثقافية المحكومة أساسا بتعاليم الكتاب المقدس كانت أقوى بكثير من جذب الشعوب الأخرى. لم ينعزلوا تماما عن الشعوب الأخرى لكنهم تمسكوا بالعناصر الثلاث المشار إليها أعلاه وهي التميز والتفوق والانغلاق. أقام رجال الدين الذين يطلق عليهم اسم الحكماء حياة دينية يهودية، وشكلت تعاليم التوراة قواعد للتعامل الاجتماعي وتحديد العلاقات داخل مجتمعاتهم الصغيرة. تفاوتت نوعية العلاقات بين مجتمع وآخر واختلفت العادات والتقاليد نظرا لتنوع وتعدد المجتمعات التي تواجدوا فيها، إلا أن ملامح أساسية يمكن تسميتها باليهودية بقيت قائمة بخاصة فيما يتعلق بالطقوس والمناسبات الدينية وساعدت على التواصل الثقافي اليهودي في مختلف أنحاء العالم. لم يكن بالإمكان تجنب تأثير المجتمعات التي تواجدوا فيها لكنهم كانوا حريصين على عدم الذوبان على الرغم من قرارات فردية كثيرة فضلت الذوبان على حياة الانكماش.
الاضطهاد
لم تكن حياة اليهود في أوروبا رتيبة ومستقرة وإنما شهدت توترات كثيرة وشديدة بسبب ما تعرضوا له من تنكيل واضطهاد على أيدي الأوروبيين في مختلف مناطقهم الشرقية والغربية. مع بداية التغيير الاجتماعي والديني في أوروبا والابتعاد تدريجيا عن حياة الإقطاع والاستبداد الكنسي بدأت صحوة تدريجية حول العلاقات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة السائدة ورؤى حول ضرورة تغييرها. لم يكن الوعي الاجتماعي والطبقي أو الفئوي قد تبلور إبان الإقطاع ولم يكن اليهود كفئة اجتماعية قد وقعوا تحت المجهر الاجتماعي. لكنهم أصبحوا تحت الأضواء مع محاولات خروج الأوروبيين من حياة التقليد إلى حياة التجديد.
كان على اليهود أن يدفعوا ثمن النهوض التدريجي في أوروبا إذ تم اعتبارهم من قبل البعض على أنهم أحد الفئات الاجتماعية المستفيدة اقتصاديا والتي تستغل عامة الناس. لم يكن اليهود أصلا محترمين من قبل المسيحيين الذين اعتبروا دم المسيح معلقا بأعناق اليهود، وزادت قلة الاحترام مع هذا الاتهام بالاستغلال. حقق بعض اليهود مع الزمن ثروة كبيرة واستطاعوا تحقيق نجاح كبير في ميدان التجارة مما أثار بعض قطاعات المجتمع الأوسع. وقد اتسع نطاق الانطباع هذا إلى درجة أن قصصا وروايات وأشعار أخذت تظهر حول جشع اليهود وطمعهم ونهمهم المادي. وقد كانت رواية شكسبير تاجر البندقية أشهر ما كتب حول الموضوع.
تعرض اليهود للتمييز ومختلف أنواع الاضطهاد. فمثلا فُرض عليهم البقاء ضمن قطاع معين في المدينة أو حارة معينة لا يتوسعون خارجها. وقد كانت البندقية أول من فرض هذا النظام على اليهود والذي عرف بنظام الغيتو في بداية القرن السادس عشر، وانتشر بعد ذلك إلى مختلف المدن الأوروبية. وتعرضوا إلى المعاملة السيئة التي تترواح من السباب والشتائم إلى القتل والمجازر الجماعية. تعرض الغيتو اليهودي إلى عدم أمن مستمر من قبل الناس العاديين ومن قبل السلطات. فمثلا اعتاد الناس الاعتداء على الغيتو وعلى أطفال اليهود وملاحقتهم، واعتادت السلطات فرض تقييدات مستمرة على حركة اليهود وعلى تدريسهم الديني وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك على اتخاذ إجراءات ضدهم مثل الاعتقال والتعذيب والقتل، الخ. هذا فضلا عن التحريض الذي كانت تمارسه وسائل الإعلام المختلفة ضد اليهود وحشد الرأي العام وتوليد الكراهية والأحقاد ضدهم. وقد حاول اليهود منذ البداية الانفلات من الإجراءات القمعية ضدهم بوسائل مختلفة مثل اللجوء إلى الحكومات لتيسير الحياة عليهم وإلغاء الغيتو أو الهجرة من أوروبا كلها. استطاع عدد من يهود هولندا الهجرة إلى أمريكا الشمالية في نهاية القرن السابع عشر وأسسوا أول بؤرة استيطانية في نيويورك. وأيضا استطاع اليهود الحصول على معاملة حسنة من ملوك بولندا وأسسوا في تلك البلاد ما عرف بالمركز اليهودي الإشكنازي. لعب هذا المركز دورا فاعلا في جمع كلمة اليهود وأصبح مركز ثقل اليهودية في أوروبا، ومنه انطلق اليهود لرفع وتيرة استيطانهم في روسيا وفي الولايات المتحدة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. هذا فضلا عن أن يهود بولندا تزعموا الحركة الصهيونية وكان لهم دور ريادي في الهجرة إلى فلسطين.
تختلف وجهات نظر الأوروبيين حول الاضطهاد عن وجهات نظر اليهود. يتحدث اليهود عن أسباب مثل أن الشعوب الأوروبية لا تحتمل الغرباء وتسعى دائما إلى محاصرتهم، ويضيفون بأن اليهود أنجزوا إبداعات في ميادين عدة مثل التجارة والصناعة والعلم مما زاد من حقد الأوروبيين على اليهود. لم يرق للأوروبيين أن يروا قلة من الناس الوافدين يحققون ثراء واكتشافات علمية هامة. ويتحدث بعض اليهود بأن اليهود مكروهين حيثما ذهبوا لأنهم يمتازون عن باقي الأمم بأنهم أصحاب رسالة سماوية وحكمة، وأن كونهم يهود يثير بغضاء الأمم.
بينما رأى أغلب الأوروبيين أن اليهود فعلا احتكاريين ويحبون جمع المال حتى لو كان على حساب القيم الإنسانية، وأنهم استعلائيون يرون في أنفسهم ما يميزهم عن الأمم ويتفوقون به. ويرون أن فكرة شعب الله المختار لا تخرج عن هذه العقدة الاستعلائية العنصرية. إنهم، حسب الأوروبيين لا يستطيعون العيش بسلام ووئام مع الشعوب الأخرى ويفضلون أن يكونوا السادة دائما بينما يبقى الآخرون عبيدا عندهم. ويعززون جدلهم هذا بمدى الانغلاق الذي يميز اليهود وجمود التعاليم الدينية التي يصر عليها رجال الدين. التحجر هذا لا يقود إلى تعايش وإنما بالتأكيد إلى توتر ينتهي إلى عنف. هذا فضلا عن القناعة الدينية بأن اليهود قتلة المسيح عليه السلام.
تيارات صهيونية بدات تظهر منها
المسيائية: ظهرت هذه الحركة بعد طرد اليهود (السفارديم) من إسبانيا وما تعرضوا له بعد ذلك من معاناة. قالت هذه الحركة أن اليهود بحاجة إلى معجزة لإنقاذهم مما هم فيه، وأن الرب سيرسل المخلص الذي هو المسيح المنتظر للقيام بذلك. وحتى يتعجل الرب بإرسال المسيح فإن على اليهود أن يكثروا من الصلوات والابتهال والتقرب إلى الله. وقد نجم عن الحركة ظاهرة سميت بالكبلاه والتي تعني اللجوء إلى الغيبيات في تفسير الظواهر المختلفة. أنتجت الحركة في النهاية شخصا يدعى شيبتاي تسيفي الذي ادعى أنه المسيح.
الحسيدوت: آمنت هذه الحركة بأن غاية الإنسان هي التقرب إلى الذات الإلهية من خلال العمل على أن يكون صدّيقا صالحا. ليس شرطا أن يكون المرء حاخاما يهوديا حتى يصل إلى هذه المرتبة، وليس من المهم التعمق بالتعاليم. استمدت هذه الحركة أهمية من خلال تحديها للمدرسة الحاخامية التقليدية ذات النفوذ والسيطرة في أوساط الناس العاديين، وبالتالي تعرضت لانتقادات وتشويه.
الهسكلاه: حركة نهضوية ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر بقيادة موشي مندلسون. تعني الكلمة بالعبرية الثقافة أو الاستنارة، وعمد قائدها إلى أن تكون حركة تجديد يهودية على أسس عَلمانية. نادت الحركة بالحرية الفكرية ودعت رجال الدين اليهود إلى التخلي عن التعصب الديني والانفتاح على الثقافات المختلفة. عملت الحركة على إثارة التفكير الحر لدى أعضائها وشجعتهم على دراسة العلوم العصرية وعلى تعريف الآخرين بالديانة اليهودية ولكن بعد تنقيتها من التعاليم التلمودية التي تسئ إلى الشعوب الأخرى وترسخ تفوق اليهود. وقد تم تكفير الحركة وأبنائها من قبل الحاخامين على اعتبار أن الخروج عن التدريس الديني البحت يخالف التعاليم.
اليهودية الإصلاحية: انبثقت هذه الحركة عن الهسكلاه وركزت على الخروج من الأطر الدينية التقليدية الجامدة. بدأت الحركة بأداء الصلوات بالألمانية ودعت إلى الانتشار في العالم لنقل التعاليم اليهودية إلى كل الشعوب.
نستكمل معكم في الجزء القادم باذن الله
وقد نشرت هذا الموضوع ضمن زاوية اعرف عدوك في منتديات www.kanwakan.com
تحياتي
ناصر
السلام عليكم ورحمة الله
اود ان اضع امامكم هذا الموضوع الذي يتناول التاريخ الكامل للمنظمة الصهيونية
وسوف اقسمه الي ثلاث اجزاء متلسلة لتسهل قراءته وبالتالي الاستفادة منه
وقد راعيت فيه الاختصار والدقة
والموضوع تم اعداده من خلال الاعتماد علي بعض المصادر التاريخية الموثوقة
وهو خلاصة لجزء من مساق جامعي درسته في جامعتي في قسم العلوم السياسية ضمن مساق دراسات فلسطينية
خلفية تاريخية
تم طرد اليهود من أرض الشام على يد الرومان وحظر عليهم البقاء في الأرض المقدسة، وتشتتوا نتيجة لذلك في كل أنحاء العالم. خرجوا يبحثون عن المأوى ولقمة العيش في ديار غريبة مشتتين إلى مجموعات صغيرة أو أفراد. منهم من توجه إلى الشرق، وآخرون إلى شمال أفريقيا، بينما حل بعضهم في البلاد الأوروبية. وكما هو متوقع لكل مشرد أو مطرود من مكان سكنه، لم تكن الحياة سهلة ولا الطريق إلى الاستقرار ممهدة، وكان عليهم أن يواجهوا الكثير من المعاناة والآلام والضياع.
توجه أغلب اليهود للسكن في المدن الكبرى أو بالقرب منها وذلك سعيا وراء الأعمال التي غالبا ما تكون متوفرة في التجمعات السكنية الكبيرة. لم يكونوا أصحاب أراض زراعية ولم تكن ظروف الإنتاج متطورة أصلا ليكون هناك من القدرة على البدء بأعمال استثمارية وإنتاجية. كان عليهم أن يسعوا بداية إلى العمل الشاق قليل الفائدة، وأن يتحملوا شظف العيش وضنك الحياة. لم يكن من المعروف عدد اليهود في تلك الحقبة التاريخية، لكنه من المتوقع أن عددا منهم قد تخلى عن يهوديته إذا كان في ذلك نوعا من الخلاص من بعض المتاعب.
أخذ اليهود يشقون طريقهم في الحياة في مختلف المناطق التي تواجدوا وركزوا على نشاطات حيوية مثل التجارة والصناعة والعلم والتي تعتبر ميادين بديلة لكسب العيش لمن لا يملك الأرض ومصادر جيدة لدخول مرتفعة. ومن المعروف أن اليهود برعوا في فن التجارة وبرز منهم تجار كبار في مدن كثيرة مثل القاهرة وبرلين وكييف وصنعاء. تحسنت أوضاعهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية مع مرور الأيام واستطاعوا أن يشكلوا مجتمعات صغيرة في عدد من الدول تميزهم عن المجتمعات الأوسع التي تواجدوا بينها. ومن المهم أن التوراة التي بين أيديهم شكلت قاعدة حيوية في تكتلهم والإبقاء على هوية خاصة بهم. ففيها ما يؤكد على تميزهم عن غيرهم من الشعوب وعلى تفوقهم كشعب الله المختار الذي لا يجاريه أو يطاوله شعب آخر وعلى تحوصلهم أو تكتلهم المنغلق الذي يحافظ على قدسيتهم مما تسميه التوراة من دنس الشعوب الأخرى.
على الرغم من أن المجال أمامهم كان مفتوحا أمامهم للاختلاط الواسع مع الشعوب التي تواجدوا بينها إلا أن خلفيتهم الثقافية المحكومة أساسا بتعاليم الكتاب المقدس كانت أقوى بكثير من جذب الشعوب الأخرى. لم ينعزلوا تماما عن الشعوب الأخرى لكنهم تمسكوا بالعناصر الثلاث المشار إليها أعلاه وهي التميز والتفوق والانغلاق. أقام رجال الدين الذين يطلق عليهم اسم الحكماء حياة دينية يهودية، وشكلت تعاليم التوراة قواعد للتعامل الاجتماعي وتحديد العلاقات داخل مجتمعاتهم الصغيرة. تفاوتت نوعية العلاقات بين مجتمع وآخر واختلفت العادات والتقاليد نظرا لتنوع وتعدد المجتمعات التي تواجدوا فيها، إلا أن ملامح أساسية يمكن تسميتها باليهودية بقيت قائمة بخاصة فيما يتعلق بالطقوس والمناسبات الدينية وساعدت على التواصل الثقافي اليهودي في مختلف أنحاء العالم. لم يكن بالإمكان تجنب تأثير المجتمعات التي تواجدوا فيها لكنهم كانوا حريصين على عدم الذوبان على الرغم من قرارات فردية كثيرة فضلت الذوبان على حياة الانكماش.
الاضطهاد
لم تكن حياة اليهود في أوروبا رتيبة ومستقرة وإنما شهدت توترات كثيرة وشديدة بسبب ما تعرضوا له من تنكيل واضطهاد على أيدي الأوروبيين في مختلف مناطقهم الشرقية والغربية. مع بداية التغيير الاجتماعي والديني في أوروبا والابتعاد تدريجيا عن حياة الإقطاع والاستبداد الكنسي بدأت صحوة تدريجية حول العلاقات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة السائدة ورؤى حول ضرورة تغييرها. لم يكن الوعي الاجتماعي والطبقي أو الفئوي قد تبلور إبان الإقطاع ولم يكن اليهود كفئة اجتماعية قد وقعوا تحت المجهر الاجتماعي. لكنهم أصبحوا تحت الأضواء مع محاولات خروج الأوروبيين من حياة التقليد إلى حياة التجديد.
كان على اليهود أن يدفعوا ثمن النهوض التدريجي في أوروبا إذ تم اعتبارهم من قبل البعض على أنهم أحد الفئات الاجتماعية المستفيدة اقتصاديا والتي تستغل عامة الناس. لم يكن اليهود أصلا محترمين من قبل المسيحيين الذين اعتبروا دم المسيح معلقا بأعناق اليهود، وزادت قلة الاحترام مع هذا الاتهام بالاستغلال. حقق بعض اليهود مع الزمن ثروة كبيرة واستطاعوا تحقيق نجاح كبير في ميدان التجارة مما أثار بعض قطاعات المجتمع الأوسع. وقد اتسع نطاق الانطباع هذا إلى درجة أن قصصا وروايات وأشعار أخذت تظهر حول جشع اليهود وطمعهم ونهمهم المادي. وقد كانت رواية شكسبير تاجر البندقية أشهر ما كتب حول الموضوع.
تعرض اليهود للتمييز ومختلف أنواع الاضطهاد. فمثلا فُرض عليهم البقاء ضمن قطاع معين في المدينة أو حارة معينة لا يتوسعون خارجها. وقد كانت البندقية أول من فرض هذا النظام على اليهود والذي عرف بنظام الغيتو في بداية القرن السادس عشر، وانتشر بعد ذلك إلى مختلف المدن الأوروبية. وتعرضوا إلى المعاملة السيئة التي تترواح من السباب والشتائم إلى القتل والمجازر الجماعية. تعرض الغيتو اليهودي إلى عدم أمن مستمر من قبل الناس العاديين ومن قبل السلطات. فمثلا اعتاد الناس الاعتداء على الغيتو وعلى أطفال اليهود وملاحقتهم، واعتادت السلطات فرض تقييدات مستمرة على حركة اليهود وعلى تدريسهم الديني وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك على اتخاذ إجراءات ضدهم مثل الاعتقال والتعذيب والقتل، الخ. هذا فضلا عن التحريض الذي كانت تمارسه وسائل الإعلام المختلفة ضد اليهود وحشد الرأي العام وتوليد الكراهية والأحقاد ضدهم. وقد حاول اليهود منذ البداية الانفلات من الإجراءات القمعية ضدهم بوسائل مختلفة مثل اللجوء إلى الحكومات لتيسير الحياة عليهم وإلغاء الغيتو أو الهجرة من أوروبا كلها. استطاع عدد من يهود هولندا الهجرة إلى أمريكا الشمالية في نهاية القرن السابع عشر وأسسوا أول بؤرة استيطانية في نيويورك. وأيضا استطاع اليهود الحصول على معاملة حسنة من ملوك بولندا وأسسوا في تلك البلاد ما عرف بالمركز اليهودي الإشكنازي. لعب هذا المركز دورا فاعلا في جمع كلمة اليهود وأصبح مركز ثقل اليهودية في أوروبا، ومنه انطلق اليهود لرفع وتيرة استيطانهم في روسيا وفي الولايات المتحدة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. هذا فضلا عن أن يهود بولندا تزعموا الحركة الصهيونية وكان لهم دور ريادي في الهجرة إلى فلسطين.
تختلف وجهات نظر الأوروبيين حول الاضطهاد عن وجهات نظر اليهود. يتحدث اليهود عن أسباب مثل أن الشعوب الأوروبية لا تحتمل الغرباء وتسعى دائما إلى محاصرتهم، ويضيفون بأن اليهود أنجزوا إبداعات في ميادين عدة مثل التجارة والصناعة والعلم مما زاد من حقد الأوروبيين على اليهود. لم يرق للأوروبيين أن يروا قلة من الناس الوافدين يحققون ثراء واكتشافات علمية هامة. ويتحدث بعض اليهود بأن اليهود مكروهين حيثما ذهبوا لأنهم يمتازون عن باقي الأمم بأنهم أصحاب رسالة سماوية وحكمة، وأن كونهم يهود يثير بغضاء الأمم.
بينما رأى أغلب الأوروبيين أن اليهود فعلا احتكاريين ويحبون جمع المال حتى لو كان على حساب القيم الإنسانية، وأنهم استعلائيون يرون في أنفسهم ما يميزهم عن الأمم ويتفوقون به. ويرون أن فكرة شعب الله المختار لا تخرج عن هذه العقدة الاستعلائية العنصرية. إنهم، حسب الأوروبيين لا يستطيعون العيش بسلام ووئام مع الشعوب الأخرى ويفضلون أن يكونوا السادة دائما بينما يبقى الآخرون عبيدا عندهم. ويعززون جدلهم هذا بمدى الانغلاق الذي يميز اليهود وجمود التعاليم الدينية التي يصر عليها رجال الدين. التحجر هذا لا يقود إلى تعايش وإنما بالتأكيد إلى توتر ينتهي إلى عنف. هذا فضلا عن القناعة الدينية بأن اليهود قتلة المسيح عليه السلام.
تيارات صهيونية بدات تظهر منها
المسيائية: ظهرت هذه الحركة بعد طرد اليهود (السفارديم) من إسبانيا وما تعرضوا له بعد ذلك من معاناة. قالت هذه الحركة أن اليهود بحاجة إلى معجزة لإنقاذهم مما هم فيه، وأن الرب سيرسل المخلص الذي هو المسيح المنتظر للقيام بذلك. وحتى يتعجل الرب بإرسال المسيح فإن على اليهود أن يكثروا من الصلوات والابتهال والتقرب إلى الله. وقد نجم عن الحركة ظاهرة سميت بالكبلاه والتي تعني اللجوء إلى الغيبيات في تفسير الظواهر المختلفة. أنتجت الحركة في النهاية شخصا يدعى شيبتاي تسيفي الذي ادعى أنه المسيح.
الحسيدوت: آمنت هذه الحركة بأن غاية الإنسان هي التقرب إلى الذات الإلهية من خلال العمل على أن يكون صدّيقا صالحا. ليس شرطا أن يكون المرء حاخاما يهوديا حتى يصل إلى هذه المرتبة، وليس من المهم التعمق بالتعاليم. استمدت هذه الحركة أهمية من خلال تحديها للمدرسة الحاخامية التقليدية ذات النفوذ والسيطرة في أوساط الناس العاديين، وبالتالي تعرضت لانتقادات وتشويه.
الهسكلاه: حركة نهضوية ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر بقيادة موشي مندلسون. تعني الكلمة بالعبرية الثقافة أو الاستنارة، وعمد قائدها إلى أن تكون حركة تجديد يهودية على أسس عَلمانية. نادت الحركة بالحرية الفكرية ودعت رجال الدين اليهود إلى التخلي عن التعصب الديني والانفتاح على الثقافات المختلفة. عملت الحركة على إثارة التفكير الحر لدى أعضائها وشجعتهم على دراسة العلوم العصرية وعلى تعريف الآخرين بالديانة اليهودية ولكن بعد تنقيتها من التعاليم التلمودية التي تسئ إلى الشعوب الأخرى وترسخ تفوق اليهود. وقد تم تكفير الحركة وأبنائها من قبل الحاخامين على اعتبار أن الخروج عن التدريس الديني البحت يخالف التعاليم.
اليهودية الإصلاحية: انبثقت هذه الحركة عن الهسكلاه وركزت على الخروج من الأطر الدينية التقليدية الجامدة. بدأت الحركة بأداء الصلوات بالألمانية ودعت إلى الانتشار في العالم لنقل التعاليم اليهودية إلى كل الشعوب.
نستكمل معكم في الجزء القادم باذن الله
وقد نشرت هذا الموضوع ضمن زاوية اعرف عدوك في منتديات www.kanwakan.com
تحياتي
ناصر