حاتم بن منصور منقره
08-04-2007, 08:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الـــرجوله !!!
الرجوله وصف إتفق العقلاء على مدحه والثناء عليه
ويكفيك إن كنت مادحا ً أن تصف
إنسانا ً بالرجوله
أوأن تنفيها عنه لتبلغ الغاية في الذمّ.
ومع أنك ترى العجب من أخلاق الناس وطباعهم،
وترى مالا يخطر لك على بال،
لكنك لاترى أبدا ًمن يرضى بأن تنفى عنه الرجوله.
ورغم إتفاق جميع الخلق على مكانة الرجوله إلا أن المسافه بين واقع الناس وبين الرجوله ليست مسافه قريبه
فالفرق بين الواقع والدعوى شاسع
وواقع الناس يكذب إدعاءهم.
وفي عصر الحضاره والمدنيه المعاصره
عصر غزو الفضاء وحرب النجوم
عصر التقنية والإتصال
إرتقى الناس في عالم الماده
لكنهم إنحطوا في عالم الأخلاق والقيم
صعدوا إلى الفضاء وأقدامهم في الوحل والحضيض
تطلعوا إلى الإنجاز المادي وهممهم حول شهواتهم وأهوائهم
قال تعالى :
(إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)
وورث المسلمون من هؤلاء العفن والفساد
ورثوا منهم مساويء الأخلاق
وساروا وراءهم في لهاث وسعار
فلا للمدنية والحضارة أدركوا
ولا لأخلاقهم ورجولتهم أبقوا
فأندثرت الأخلاق والشيم مع عالم الماده
وصرنا بحاجه إلى تذكير الرجال بسمات الرجوله
وأن نطالب الشباب أن يكونوا رجالا ً
لا صغارا ً ولا مجرد ذكور فكم بين وصف الذكوره والرجوله من فوارق.
معنى الرجوله
الرجل :
قد يطلق ويراد به الذكر ، وهو ذلك النوع المقابل للأنثى
وعند إطلاق هذا الوصف لا يراد به المدح وإنما يراد به بيان النوع
كما قال الله تعالى :
(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان
والأقربون مما قل منه أو كثر)
وقال الله تعالى :
(وإن كان رجل يورث كلالة أو إمرأه)
وقد تطلق الرجوله ويراد بها وصف زائد يستحق صاحبه المدح وهو ما نريده نحن هنا..
فالرجوله بهذا المفهوم تعني القوه والمروءه والكمال
وكلما كملت صفات المرء إستحق هذا الوصف أعني أن يكون رجلا ً
وقد وصف الله بذلك الوصف أشرف الخلق
فقال:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي
إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى)
فهي صفه لهؤلاء الكبار الكرام الذين تحملوا أعباء الرساله وقادوا الأمم إلى ربها
وهي صفة أهل الوفاء مع الله الذين باعوا نفوسهم لربهم
قال الله تعالى :
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ
عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم
مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا)
وصفة أهل المساجد الذين لم تشغلهم العوارض عن الذكر والآخره
وقال تعالى :
(رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ
يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)
إنهم الأبرار الأطهار
(فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ
وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ )
والذي يتتبع معنى الرجوله
في
القرآن الكريم
و
السنه النبويه
يعلـّم ويبين أن أعظم من تتحقق فيهم سمات الرجوله الحقه هم الذين يستضيؤون بنور الإيمان ويحققون عبادة الرحمن ويلتزمون التقوى في صغير حياتهم وكبيرها
كما قال تعالى:
(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
وعندما سئل عليه الصلاه والسلام:
[من أكرم الناس؟ قال:أتقاهم لله]
(متفق عليه)
الرجوله بين المظهر والمضمون
الرجوله وصف يمس الروح والنفس والخلق أكثر مما يمس البدن والظاهر
فرب إنسان أوتي بسطه في الجسم وصحه في البدن يطيش عقله فيغدو كالهباء
ورب عبد معوق الجسد قعيد البدن وهو مع ذلك يعيش بهمة الرجال
فالرجوله مضمون قبل أن تكون مظهرًا
فأبحث عن الجوهر ودع عنك المظهر
فإن أكثر الناس تأسرهم المظاهر ويسحرهم بريقها
فمن يُجلّونه ويقدرونه ليس بالضروره
أهلا ً للإجلال والتوقير
ومن يحتقرونه ويزدرونه قد يكون من أولياء الله وعباده الصالحين
وقد ثبت عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال:
مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما تقولون في هذا؟)
قالوا: حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ، وإن قال أن يسمع
قال: ثم سكت
فمر رجل من فقراء المسلمين
فقال: (ما تقولون في هذا؟)
قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال أن لا يسمع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(هذا خير من ملء الأرض مثل هذا)
(رواه البخاري)
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(رب أشعث مدفوع بالأبواب
لو أقسم على الله لأبره)
(رواه مسلم)
مفاهيم خاطئه :
كثيرون هؤلاء الذين يحبون أن يمتدحوا بوصف الرجوله ولكن لايسعفهم رصيدهم منها فيلجؤون إلى أساليب ترقع لهم هذا النقص وتسد لهم هذا الخلل
ومن هذه الأساليب:
1ـ محاولات إثبات الذات :
التي غالبا ً ما يلجأ إليها الشباب المراهق
فيصر على رأيه ويتمسك به بشده حتى تغدو مخالفة الآخرين مطلبا ً بحد ذاته ظنا ً منه أن هذه هي الرجوله
2 - التصلب في غير موطنه :
والتمسك بالرأي وإن كان خاطئا ً
والتشبث بالمواقف والإصرار عليها
وإن كانت على الباطل ظنا ً أن الرجوله ألا يعود الرجل في كلامه وألا يتخلى عن مواقفه وألا يتراجع عن قرار إتخذه وإن ظهر خطؤه أو عدم صحته
3 - القسوه على الأهل :
إعتقادا ً أن الرفق ليس من صفات الرجوله وأن الرجل ينبغي أن يكون صليب العود شديدًا لا يراجع في قول ولا يناقش في قرار
فتجد قسوة الزوج على زوجته
والوالد على أولاده
والرجل على كل من حوله..
مع أن أكمل الناس رجوله كان أحلم الناس وأرفق الناس بالناس مع هيبة وجلال لم يبلغه غيره صلى الله عليه وسلم
ويوجد سوى ما ذكرنا أمور يحاول البعض إثبات رجولته بها
رغم أنها لا تعلق لها بهذا الوصف إلا في ذهن صاحبها.. فمن ذلك :
ظاهرة التدخين لدى الناشئه والصغار
أو مطاردت بعض الشباب خلف الفتيات أو معاكستهن ومغازلتهن
أو التغيب عن البيوت لأوقات طويله
أو إظهار القوه والرجوله من خلال المشاجرات والعراك مع الآخرين ..
غير أن كل هذه التصرفات لا تدل في واقع الأمر على إتصاف صاحبها بهذا الوصف الكبير الدلاله..
والحق أن الشاب أو الإنسان الذي يملك مقومات الرجوله ليس بحاجه إلى تصنعها أو إقناع الآخرين بها
فمالم تنطق حاله بذلك
ومالم تشهد أفعاله برجولته فالتصنع لن يقوده إلا إلى المزيد من الفشل والإحباط
مقومات الرجوله
إن الرجوله نعت كريم لا يستحفه الإنسان حتى يستكمل مقوماته وتصف بمواصفاته
ومن هذه المقومات:
الإراده وضبط النفس
وهو أول ميدان تتجلى فيه الرجوله أن ينتصر الإنسان على نفسه الأماره بالسوء
فالرجل الحق هو الذي تدعوه نفسه للمعصيه فيأبى
وتتحرك فيه الشهوه فيكبح جماحها
وتبدو أمامه الفتنه فلا يستجيب لها
فيقود نفسه ولا تقوده
ويملكها ولا تملكه وهذا أول ميادين الإنتصار.. وأولى الناس بالثناء شاب نشأ في طاعة الله حيث تدعو الصبوة أترابه وأقرانه إلى مقارفة السوء والبحث عن الرذيله
ورجل تهيأت له أبواب المعصيه التي يتسابق الناس إلى فتحها أو كسرها
فتدعوه إمرأه ذات منصب وجمال فيقول إني أخاف الله
وإذا كان كل الناس يحسن الغضب والإنتقام للنفس عند القدره إلا أن الذي لايجيده إلا الرجال هو الحلم حين تطيش عقول السفهاء
والعفو حين ينتقم الأشداء
والإحسان عند القدره
وتمكن الإستيفاء
فاستحقوا المدح من الله
{والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
والثناء من رسوله كما في الحديث المتفق عليه:
(لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَه إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)
عـــلــو الهـــمه
وهي علامة الفحوله والرجوله وهي أن يستصغر المرء ما دون النهايه من معالي الأمور
ويعمل على الوصول إلى الكمال الممكن في العلم والعمل
وقد قالوا قديما :
"الهمة نصف المروءه"
وقالوا :
"إن الهمة مقدمة الأشياء فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال"
أما غير الرجال فهممهم سافله لا تنهض بهم إلى مفخره
ومن سفلت همته بقي في حضيض طبعه
محبوسا ًوبقي قلبه عن الكمال مصدودًا
منكوسا ً اللهو عندهم أمنيه وحياة يعيشون من أجلها وينفقون الأموال في سبيلها
ويفنون أعمارهم ويبلون شبابهم في الإنشغال بها
ليس يعنيهم كم ضاع من العمر والوقت مادام في اللهو والعبث قد ودعوا حياة الجد وطلقوها
طلاقا ًباتا ً
بل سخروا من الجادين وأستعذبوا ماهم فيه من بطالة وعبث
تعلقت هممهم بأشكال وأحوال الفنانين الذين يعشقونهم
وقلوبهم بألوان الفرق التي يشجعونها
همة أحدهم بطنه
ودينه هواه
إنها صورة مخزيه من صور دنو الهمه
وأشد منها خزيا ًأن تعنى الأمم باللهو وتنفق عليه الملايين
وأن تشغل أبناءها به
إن رسالة الأمه أسمى من العبث واللهو
فهي حاملة الهدايه والخير للبشريه أجمع
فكيف يكون اللهو واللعب هو ميدان إفتخارها وهي تنحر وتذبح
وتهان كرامتها وتمرغ بالتراب
النخوة والعزة والإباء
فالرجال هم أهل الشجاعة والنخوة والإباء
وهم الذين تتسامى نفوسهم عن الذل والهوان
والراضي بالدون دني
وقد كان للعرب الأوائل إعتناء بالشجاعة والنخوة وكانت من مفاخرهم وأمجادهم
جاء في بلوغ الأرب:
"والعرب لم تزل رماحهم متشابكه
وأعمارهم في الحروب متهالكه
وسيوفهم متقارعه
قد رغبوا عن الحياه وطيب اللذات...
وكانوا يتمادحون بالموت ويتهاجون به على الفراش ويقولون فيه: مات فلان حتف أنفه" حتى قد قال قائلهم:
إني لمن معشر أفنى أوائلهم***قول الكماة : ألا أين المحامونا
لو كان في الألف منا واحد فدعوا***من فارس؟ خالهم إياه يعنونا
ولا تراهم وإن جلت مصيبتهم***مع البكاة على من مات ييكونافجاء الإسلام فربى أبناءه على الشجاعة والعزة والحميه
وهذب معانيها في نفوس أتباعه وضبطها فلم تعد عند أتباعه مجرد ميدان للفخر والخيلاء
بل هي ميدان لنصر للدين والذب عن حياضه وجعل الجبن والهوان من شر ما ينقص الرجال كما قال صلى الله عليه وسلم:
(شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع)
رواه أبو داود
وأخرج الشيخان واللفظ لمسلم
عن أنس - رضي الله عنه- قال :
(كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس ، وكان أجود الناس ، وكان أشجع الناس)
الـــوفــــاء :
والوفاء من شيم الرجال
التي يمدحون بها
كيف لا وقد كان أهل الشرك يفتخرون به قبل أن يستضيئوا بنور الإسلام
يقول أحدهم:
أَسُمَيَّ ويحكِ هل سمعتِ بغَدْرةٍ***رُفع اللواءُ لنا بها في مجمعِ
إنا نَعْفُّ فلا نُريبُ حليفَنا***ونَكُفُّ شُحَّ نفوسِنا في المطمعِ
وخير نموذج للوفاء لدى أهل الجاهليه ما فعله عبد الله بن جُدعان
في حرب الفِجَار التي دارت بين كنانه وهوازن
إذ جاء حرب بن أميه إليه وقال له:
إحتبس قبلك سلاح هوازن
فقال له عبد الله :أبالغدر تأمرني يا حرب ؟! والله لو أعلم أنه لا يبقي منها إلا سيف إلا
ضُربت به،
ولا رمح إلا طُعنت به ما أمسكت منها شيئاً
وحين جاء النبي صلى الله عليه وسلم أنسى بخلقه ووفائه مكارم أهل الجاهليه ومن أمثلة وفائه (عليه الصلاة والسلام) موقفه يوم الهجرة وإبقاء علي رضي الله عنه لرد الأمانات إلى أهلها
وموقفه يوم الفتح من حين أعطى عثمان بن طلحة مفتاح الكعبة وقال :
(هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء)
وحين تخلت الأمة عن أخلاق الرجال وساد فيها التهارج هوت وأنهارت قواها حتى رثاها أعداؤها
يقول كوندي
- أحد الكتاب النصارى -
حيث قال:
"العرب هَوَوْا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها ، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات"
وهناك مقومات أخرى كثيره كالجود وسخاوة النفس
والإنصاف والتواضع في غير مذله
وغيرها من كل خلق كريم وكل سجية حسنه كلما أكتملت في إنسان أكتمل باكتمالها رجولته
وهذا الكلام فأين العاملون؟
لقد كانت الرجوله إرثا ً يتوارثه الناس لا تعدو أن تكون بحاجه إلا إلى مجرد التهذيب والتوجيه
أما اليوم فقد أفسدت المدنيه الناس
وقضت على معالم الرجوله في حياتهم
فنشكوا إلى الله زمانا صرنا فيه بحاجه إلى التذكير بالشيم والمكارم وأخلاق الرجال .
أبوالعطاء
2009
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الـــرجوله !!!
الرجوله وصف إتفق العقلاء على مدحه والثناء عليه
ويكفيك إن كنت مادحا ً أن تصف
إنسانا ً بالرجوله
أوأن تنفيها عنه لتبلغ الغاية في الذمّ.
ومع أنك ترى العجب من أخلاق الناس وطباعهم،
وترى مالا يخطر لك على بال،
لكنك لاترى أبدا ًمن يرضى بأن تنفى عنه الرجوله.
ورغم إتفاق جميع الخلق على مكانة الرجوله إلا أن المسافه بين واقع الناس وبين الرجوله ليست مسافه قريبه
فالفرق بين الواقع والدعوى شاسع
وواقع الناس يكذب إدعاءهم.
وفي عصر الحضاره والمدنيه المعاصره
عصر غزو الفضاء وحرب النجوم
عصر التقنية والإتصال
إرتقى الناس في عالم الماده
لكنهم إنحطوا في عالم الأخلاق والقيم
صعدوا إلى الفضاء وأقدامهم في الوحل والحضيض
تطلعوا إلى الإنجاز المادي وهممهم حول شهواتهم وأهوائهم
قال تعالى :
(إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)
وورث المسلمون من هؤلاء العفن والفساد
ورثوا منهم مساويء الأخلاق
وساروا وراءهم في لهاث وسعار
فلا للمدنية والحضارة أدركوا
ولا لأخلاقهم ورجولتهم أبقوا
فأندثرت الأخلاق والشيم مع عالم الماده
وصرنا بحاجه إلى تذكير الرجال بسمات الرجوله
وأن نطالب الشباب أن يكونوا رجالا ً
لا صغارا ً ولا مجرد ذكور فكم بين وصف الذكوره والرجوله من فوارق.
معنى الرجوله
الرجل :
قد يطلق ويراد به الذكر ، وهو ذلك النوع المقابل للأنثى
وعند إطلاق هذا الوصف لا يراد به المدح وإنما يراد به بيان النوع
كما قال الله تعالى :
(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان
والأقربون مما قل منه أو كثر)
وقال الله تعالى :
(وإن كان رجل يورث كلالة أو إمرأه)
وقد تطلق الرجوله ويراد بها وصف زائد يستحق صاحبه المدح وهو ما نريده نحن هنا..
فالرجوله بهذا المفهوم تعني القوه والمروءه والكمال
وكلما كملت صفات المرء إستحق هذا الوصف أعني أن يكون رجلا ً
وقد وصف الله بذلك الوصف أشرف الخلق
فقال:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي
إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى)
فهي صفه لهؤلاء الكبار الكرام الذين تحملوا أعباء الرساله وقادوا الأمم إلى ربها
وهي صفة أهل الوفاء مع الله الذين باعوا نفوسهم لربهم
قال الله تعالى :
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ
عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم
مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا)
وصفة أهل المساجد الذين لم تشغلهم العوارض عن الذكر والآخره
وقال تعالى :
(رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ
يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)
إنهم الأبرار الأطهار
(فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ
وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ )
والذي يتتبع معنى الرجوله
في
القرآن الكريم
و
السنه النبويه
يعلـّم ويبين أن أعظم من تتحقق فيهم سمات الرجوله الحقه هم الذين يستضيؤون بنور الإيمان ويحققون عبادة الرحمن ويلتزمون التقوى في صغير حياتهم وكبيرها
كما قال تعالى:
(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
وعندما سئل عليه الصلاه والسلام:
[من أكرم الناس؟ قال:أتقاهم لله]
(متفق عليه)
الرجوله بين المظهر والمضمون
الرجوله وصف يمس الروح والنفس والخلق أكثر مما يمس البدن والظاهر
فرب إنسان أوتي بسطه في الجسم وصحه في البدن يطيش عقله فيغدو كالهباء
ورب عبد معوق الجسد قعيد البدن وهو مع ذلك يعيش بهمة الرجال
فالرجوله مضمون قبل أن تكون مظهرًا
فأبحث عن الجوهر ودع عنك المظهر
فإن أكثر الناس تأسرهم المظاهر ويسحرهم بريقها
فمن يُجلّونه ويقدرونه ليس بالضروره
أهلا ً للإجلال والتوقير
ومن يحتقرونه ويزدرونه قد يكون من أولياء الله وعباده الصالحين
وقد ثبت عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال:
مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما تقولون في هذا؟)
قالوا: حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ، وإن قال أن يسمع
قال: ثم سكت
فمر رجل من فقراء المسلمين
فقال: (ما تقولون في هذا؟)
قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال أن لا يسمع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(هذا خير من ملء الأرض مثل هذا)
(رواه البخاري)
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(رب أشعث مدفوع بالأبواب
لو أقسم على الله لأبره)
(رواه مسلم)
مفاهيم خاطئه :
كثيرون هؤلاء الذين يحبون أن يمتدحوا بوصف الرجوله ولكن لايسعفهم رصيدهم منها فيلجؤون إلى أساليب ترقع لهم هذا النقص وتسد لهم هذا الخلل
ومن هذه الأساليب:
1ـ محاولات إثبات الذات :
التي غالبا ً ما يلجأ إليها الشباب المراهق
فيصر على رأيه ويتمسك به بشده حتى تغدو مخالفة الآخرين مطلبا ً بحد ذاته ظنا ً منه أن هذه هي الرجوله
2 - التصلب في غير موطنه :
والتمسك بالرأي وإن كان خاطئا ً
والتشبث بالمواقف والإصرار عليها
وإن كانت على الباطل ظنا ً أن الرجوله ألا يعود الرجل في كلامه وألا يتخلى عن مواقفه وألا يتراجع عن قرار إتخذه وإن ظهر خطؤه أو عدم صحته
3 - القسوه على الأهل :
إعتقادا ً أن الرفق ليس من صفات الرجوله وأن الرجل ينبغي أن يكون صليب العود شديدًا لا يراجع في قول ولا يناقش في قرار
فتجد قسوة الزوج على زوجته
والوالد على أولاده
والرجل على كل من حوله..
مع أن أكمل الناس رجوله كان أحلم الناس وأرفق الناس بالناس مع هيبة وجلال لم يبلغه غيره صلى الله عليه وسلم
ويوجد سوى ما ذكرنا أمور يحاول البعض إثبات رجولته بها
رغم أنها لا تعلق لها بهذا الوصف إلا في ذهن صاحبها.. فمن ذلك :
ظاهرة التدخين لدى الناشئه والصغار
أو مطاردت بعض الشباب خلف الفتيات أو معاكستهن ومغازلتهن
أو التغيب عن البيوت لأوقات طويله
أو إظهار القوه والرجوله من خلال المشاجرات والعراك مع الآخرين ..
غير أن كل هذه التصرفات لا تدل في واقع الأمر على إتصاف صاحبها بهذا الوصف الكبير الدلاله..
والحق أن الشاب أو الإنسان الذي يملك مقومات الرجوله ليس بحاجه إلى تصنعها أو إقناع الآخرين بها
فمالم تنطق حاله بذلك
ومالم تشهد أفعاله برجولته فالتصنع لن يقوده إلا إلى المزيد من الفشل والإحباط
مقومات الرجوله
إن الرجوله نعت كريم لا يستحفه الإنسان حتى يستكمل مقوماته وتصف بمواصفاته
ومن هذه المقومات:
الإراده وضبط النفس
وهو أول ميدان تتجلى فيه الرجوله أن ينتصر الإنسان على نفسه الأماره بالسوء
فالرجل الحق هو الذي تدعوه نفسه للمعصيه فيأبى
وتتحرك فيه الشهوه فيكبح جماحها
وتبدو أمامه الفتنه فلا يستجيب لها
فيقود نفسه ولا تقوده
ويملكها ولا تملكه وهذا أول ميادين الإنتصار.. وأولى الناس بالثناء شاب نشأ في طاعة الله حيث تدعو الصبوة أترابه وأقرانه إلى مقارفة السوء والبحث عن الرذيله
ورجل تهيأت له أبواب المعصيه التي يتسابق الناس إلى فتحها أو كسرها
فتدعوه إمرأه ذات منصب وجمال فيقول إني أخاف الله
وإذا كان كل الناس يحسن الغضب والإنتقام للنفس عند القدره إلا أن الذي لايجيده إلا الرجال هو الحلم حين تطيش عقول السفهاء
والعفو حين ينتقم الأشداء
والإحسان عند القدره
وتمكن الإستيفاء
فاستحقوا المدح من الله
{والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
والثناء من رسوله كما في الحديث المتفق عليه:
(لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَه إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)
عـــلــو الهـــمه
وهي علامة الفحوله والرجوله وهي أن يستصغر المرء ما دون النهايه من معالي الأمور
ويعمل على الوصول إلى الكمال الممكن في العلم والعمل
وقد قالوا قديما :
"الهمة نصف المروءه"
وقالوا :
"إن الهمة مقدمة الأشياء فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال"
أما غير الرجال فهممهم سافله لا تنهض بهم إلى مفخره
ومن سفلت همته بقي في حضيض طبعه
محبوسا ًوبقي قلبه عن الكمال مصدودًا
منكوسا ً اللهو عندهم أمنيه وحياة يعيشون من أجلها وينفقون الأموال في سبيلها
ويفنون أعمارهم ويبلون شبابهم في الإنشغال بها
ليس يعنيهم كم ضاع من العمر والوقت مادام في اللهو والعبث قد ودعوا حياة الجد وطلقوها
طلاقا ًباتا ً
بل سخروا من الجادين وأستعذبوا ماهم فيه من بطالة وعبث
تعلقت هممهم بأشكال وأحوال الفنانين الذين يعشقونهم
وقلوبهم بألوان الفرق التي يشجعونها
همة أحدهم بطنه
ودينه هواه
إنها صورة مخزيه من صور دنو الهمه
وأشد منها خزيا ًأن تعنى الأمم باللهو وتنفق عليه الملايين
وأن تشغل أبناءها به
إن رسالة الأمه أسمى من العبث واللهو
فهي حاملة الهدايه والخير للبشريه أجمع
فكيف يكون اللهو واللعب هو ميدان إفتخارها وهي تنحر وتذبح
وتهان كرامتها وتمرغ بالتراب
النخوة والعزة والإباء
فالرجال هم أهل الشجاعة والنخوة والإباء
وهم الذين تتسامى نفوسهم عن الذل والهوان
والراضي بالدون دني
وقد كان للعرب الأوائل إعتناء بالشجاعة والنخوة وكانت من مفاخرهم وأمجادهم
جاء في بلوغ الأرب:
"والعرب لم تزل رماحهم متشابكه
وأعمارهم في الحروب متهالكه
وسيوفهم متقارعه
قد رغبوا عن الحياه وطيب اللذات...
وكانوا يتمادحون بالموت ويتهاجون به على الفراش ويقولون فيه: مات فلان حتف أنفه" حتى قد قال قائلهم:
إني لمن معشر أفنى أوائلهم***قول الكماة : ألا أين المحامونا
لو كان في الألف منا واحد فدعوا***من فارس؟ خالهم إياه يعنونا
ولا تراهم وإن جلت مصيبتهم***مع البكاة على من مات ييكونافجاء الإسلام فربى أبناءه على الشجاعة والعزة والحميه
وهذب معانيها في نفوس أتباعه وضبطها فلم تعد عند أتباعه مجرد ميدان للفخر والخيلاء
بل هي ميدان لنصر للدين والذب عن حياضه وجعل الجبن والهوان من شر ما ينقص الرجال كما قال صلى الله عليه وسلم:
(شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع)
رواه أبو داود
وأخرج الشيخان واللفظ لمسلم
عن أنس - رضي الله عنه- قال :
(كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس ، وكان أجود الناس ، وكان أشجع الناس)
الـــوفــــاء :
والوفاء من شيم الرجال
التي يمدحون بها
كيف لا وقد كان أهل الشرك يفتخرون به قبل أن يستضيئوا بنور الإسلام
يقول أحدهم:
أَسُمَيَّ ويحكِ هل سمعتِ بغَدْرةٍ***رُفع اللواءُ لنا بها في مجمعِ
إنا نَعْفُّ فلا نُريبُ حليفَنا***ونَكُفُّ شُحَّ نفوسِنا في المطمعِ
وخير نموذج للوفاء لدى أهل الجاهليه ما فعله عبد الله بن جُدعان
في حرب الفِجَار التي دارت بين كنانه وهوازن
إذ جاء حرب بن أميه إليه وقال له:
إحتبس قبلك سلاح هوازن
فقال له عبد الله :أبالغدر تأمرني يا حرب ؟! والله لو أعلم أنه لا يبقي منها إلا سيف إلا
ضُربت به،
ولا رمح إلا طُعنت به ما أمسكت منها شيئاً
وحين جاء النبي صلى الله عليه وسلم أنسى بخلقه ووفائه مكارم أهل الجاهليه ومن أمثلة وفائه (عليه الصلاة والسلام) موقفه يوم الهجرة وإبقاء علي رضي الله عنه لرد الأمانات إلى أهلها
وموقفه يوم الفتح من حين أعطى عثمان بن طلحة مفتاح الكعبة وقال :
(هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء)
وحين تخلت الأمة عن أخلاق الرجال وساد فيها التهارج هوت وأنهارت قواها حتى رثاها أعداؤها
يقول كوندي
- أحد الكتاب النصارى -
حيث قال:
"العرب هَوَوْا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها ، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات"
وهناك مقومات أخرى كثيره كالجود وسخاوة النفس
والإنصاف والتواضع في غير مذله
وغيرها من كل خلق كريم وكل سجية حسنه كلما أكتملت في إنسان أكتمل باكتمالها رجولته
وهذا الكلام فأين العاملون؟
لقد كانت الرجوله إرثا ً يتوارثه الناس لا تعدو أن تكون بحاجه إلا إلى مجرد التهذيب والتوجيه
أما اليوم فقد أفسدت المدنيه الناس
وقضت على معالم الرجوله في حياتهم
فنشكوا إلى الله زمانا صرنا فيه بحاجه إلى التذكير بالشيم والمكارم وأخلاق الرجال .
أبوالعطاء
2009