أبوجهاد العرادي
09-21-2007, 05:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بعث فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة برسالة مفتوحة إلى أسامة بن لادن جوابًا على سؤال أحد مشاهدي برنامج حجر الزاوية والذي يبث من محطة ام بي سي وذلك يوم الجمعة 2 رمضان 1428هـ الموافق 14 سبتمبر 2007 م.. و"الإسلام اليوم" إذ يتابع الانتشار العريض، والصدى الواسع لهذه الرسالة، فإنه يتيح للجميع الاطلاع على الرسالة مكتوبة..
سائلين الله أن يحقق مقصدها، وأن يهدي الجميع لما اختلف فيه من الحق بإذنه.
أخي أسامة :
كم من الدماء أريقت؟ وكم من الأبرياء والأطفال والشيوخ والعجزة والنساء الذين قُتلوا أو شُردوا أو طُردوا باسم "القاعدة" ؟!
أيسرك أن تلقى الله تبارك وتعالى تحمل هؤلاء الناس على ظهرك وهم يعدون بمئات الآلف أو بالملايين ؟!
ألم تتذكر قول القائل :
وَلَسْتُ بقاتِل رَجُلا يُصَلي
على سُلْطَان آخرَ منْ قُرَيْش
له سُلْطَانُهُ وَعَلَيَّ إثْمِي
مَعاذَ الله منْ سَفَه وَطَيْش
أأقتل مسلماً في غير جرم
فليس بنافعي ما عشت عيشي
وكيف ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِى عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِى لِمَنْفَعَةٍ ». هذا الدين الذي يرعى حرمات الدماء ـ حتى الطيور والحيوانات ـ لايمكن أن يقبل بقتل الأبرياء، أياً كانت الأسباب وأياً كانت الدوافع، ألم تقرأ قول النبي -صلى الله عليه وسلم عن النبي الذي أحرق بيتاً من النمل - يقول صلى الله عليه وآله وسلم « نَزَلَ نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجِهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا وَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ فِي النَّارِ - قَالَ - فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً ».
إن الله تعالى أوحى لذلك النبي أمن أجل نملة واحدة قرصت أحرقت قرية من النمل تسبح الله عز وجل ؟ !
فكيف بالناس والبشر ؟
من المسئول عن شباب كثير من المسلمين وعن فتيان مازالوا في مقتبل أعمارهم يعيشون في نشوة الحماس وفي بداية الالتزام ذهبوا في طريق لا يعرفون نهايته وربما ضلت بهم هذه السبل وهذه الطرق؟!
إن صورة الإسلام اليوم - أخي أسامة بن لادن- ليست في أفضل حالاتها لقد تحدث الناس في العالم كله أن الإسلام يقتل من لا يدينون بهذا الدين، وتحدث أيضاً أن السلفية تقتل من لا يدينون بها من المسلمين بينما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل المنافقين الذين نزل الخبر من الله بأنهم في الدرك الأسفل من النار وعلل -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله « لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ».
أخي أسامة : إن ما جرى في 11 سبتمبر ـ والذي استنكرناه من أول لحظات وقوعه ـ هو قتل لبضعة آلاف ـ ربما أقل من ثلاثة آلاف ـ ممن ما توا في الطائرات أو ماتوا في مثل هذه الأبراج، بينما تجد دعاة مغمورين -قد لا نعرفهم جميعاً- هدى الله على أيديهم عشرات بل مئات الآلاف فاهتدوا إلى الإسلام واستناروا بنوره وامتلأت قلوبهم بحب الله ـ عز وجل ـ أفلا ندرك حينئذ الفرق بين من قتل وبين من أحيا؟! وربنا سبحانه يقول : ( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً )(المائدة: من الآية32) ، فإحياء نفس واحدة بالعلم أو بالإيمان هو الفتح المبين وهو الأجر العظيم.
أخي أسامة : إن تدمير شعب بأكمله كما يجري في أفغانستان [ووضعه] في متاهة ومجاعة، وقد فقد البنية التحتية وكل عوامل الحياة والتواصل، أو تدمير شعب آخر كما يجري في العراق ـ أيضاً ـ يعني أكثر من ثلاثة ملايين مشرد بين الأردن وسوريا فقط، فضلاً عمن ذهبوا إلى بلاد أخرى في الغرب أو في الشرق إن شبح الحرب الأهلية الذي يُخيم على أفغانستان أو يُخيم على العراق ـ أيضاً ـ ليس مما يفرح به المسلم، وقد سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً اسمه حرب فغيّر اسمه لأنه يكره الحرب، وربنا سبحانه أيضاً يقول: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ )(البقرة: من الآية216) ،فهو أمر مكروه لا يلجأ إليه الإنسان إلا حينما يكون مضطراً لا حيلة له.
مَن المستفيد من محاولة تحويل بلد ـ كالمغرب العربي أو كالجزائر أو لبنان أو السعودية أو أي بلد آخر ـ إلى بلاد يشيع فيها الخوف ولا يأمن فيها المرء على نفسه؟!
- هل الوصول إلى سدة الحكم مقصد ؟
- وهل هو الحل ؟
- وهل ثمت تصميم على الوصول ـ حتى لو كان على جثث الآلاف ومئات الآلاف من رجال الشرطة ـ من رجال الجيش، من عوام المسلمين ، من الأبرياء الذين يقتلون أحياناً ويُقال : يبعثون على نياتهم ؟ !
نعم هم يُبعثون على نياتهم، لكن الشأن كيف نُبعث نحن وبأي وجه نلقى ربنا ـ عز وجل ـ حينما نلقاه بمثل هذا العدد الكبير من الدماء التي نُزفت وسُفكت ربما تحت مظلتنا شئنا أم أبينا أردنا أم لن نرد؟!
إن هَمَّ إيصال الرسالة إلى الناس.. هَمَّ الدعوة.. هَمَّ التأثير على الآخرين وتغيير قناعات الآخرين، أهم وأعظم من هَمَّ قهر الناس وأخذهم بالقوة والشدة، ولقد بعث الله نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- هادياً ولم يبعثه جابياً، كما كان يقول عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- وأرضاه.
من هو المسئول ـ أخي أسامة ـ عن تنشيط كثير من أفكار التكفير والتفجير والقتل والتي شاعت داخل الأسرة الواحدة وبموجبها أصبح الابن يُكفّر أباه ـ أحياناً ـ ويُكفّر أخاه، وربما قتل قريبه بدم بارد، وربما تقرّب إلى الله بمثل هذا المعنى بدلاً من أن تظلل هذه الأسرة المسلمة روح السكينة والإخاء والإيمان!
من المسئول عن شباب تركوا أمهات مكلومات يعانين الألم؟ أو تركوا زوجات محزونات أو تركوا أطفالاً أو صغاراً يطول بهم الانتظار والسؤال أين أبي؟ أين أبي؟
ولكن لا مجيب وقد يكون الأب قتيلاً! وقد يكون ضائعاً مجهولاً لا يُدرى أين انتهت به خطواته!.
من المسئول .. ؟
عما جرى من ملاحقة الحكومات الغربية للعمل الخيري وحرمان الأيتام والفقراء والمحاويج في إفريقيا وفي غيرها من لقمة العيش ومن المدرسة ومن الكساء ومن غير ذلك، من المسئول ـ أخي أسامة ـ عن اكتظاظ السجون في العديد من البلاد العربية والإسلامية بالشباب، هذا الاكتظاظ الذي أفرز موجة جديدة من التكفير، ومن العنف، ومن القتل، ومن النقمة على المجتمع ؟ !
ألا يسعك ـ أخي أسامة ـ ما وسع سيدي وسيدك محمداً ـ عليه الصلاة والسلام ـ الذي بعث رحمة للعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)؟
إن الرحمة في قاموس الحرب لا وجود لها
- أين الرحمة في قتل الناس؟ !
- أين الرحمة في التفجير؟ !
- أين الرحمة في الاستهداف؟ !
- أين الرحمة في تحول كثير من بلاد المسلمين إلى مناطق للحرب والقتال لقد فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- الجزيرة ودانت له كلها دون مجازر بل الذين قتلوا على مدى وجود الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قيد الحياة على مدى ثلاث وعشرين سنة يُعدون نحو مائتين أو أقل من ذلك، وقد يكون من قتل من المسلمين أضعاف من قتل من أعدائهم.
- ماذا عسى أن يفعل مائة شاب في الجزائر؟ أو ضعفهم في لبنان؟.. أو أكثر منهم أو أقل في السعودية حينما يقومون بأعمال عنف أو كما يسمونها أعمال انتحارية ؟ !
هذه الأعمال التي يصح عليهم أن يقولون أنها "تفقأ العين، وتكسر السن، ولكنها لا تنكأ عدواً، ولا تقتل صيدا، " .
هب أن بعض هؤلاء أمسك بزمام الأمر أو وصل إلى سدة الحكم ـ أيضاً ـ ماذا عساهم أن يصنعوا؟ ، وهم لم يتترسوا بخبرة حياتية يستطيعون بها أن يتولوا الأمور بشكل جيد، ولا بعلم شرعي يُعززهم في طريقهم ولا بعلاقات واسعة وقوية مع الخاص والعام !
هل اختصرنا الإسلام في طلقة أو رصاصة أو بندقية ؟
وهل تحولت الوسيلة إلى غاية ؟
وهل المنهج الذي مضى وجرى عليه عدد من الشباب وفي أكثر من مكان هل هو وحي مُنزّل لا يسعهم مراجعته ولا تصحيحه؟.. أم إنه محاولة بشرية يعتريها الخطأ؟.. إذا كان محاولةً بشرية قابلة للرد وقابلة للتصحيح فإنني أقول:
إن إخواناً لك - أخي أسامة - في مصر وفي الجزائر وفي غيرها من بلاد المسلمين قد أدركوا مغبة هذا الطريق، وخطورته ووجدوا الشجاعة أن يعلنوا عبر كتب وعبر برامج وعبر مواقع إلكترونية أن هذا الطريق خاطئ.. وأنه لا يؤدي إلى المقصود، وأن يستغفروا الله تبارك وتعالى مما جرى، وأعلنوا ندمهم على ذلك وكما قيل :
إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ
وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا
وما أحوج شجعان القلوب إلى أن يكونوا شجعان العقول ـ أيضاً ـ .
أفلا نسمع صوت العلماء والمخلصين والناصحين والمؤمنين وعبّاد الأسحار والليل والذاكرين الله تعالى كثيرا،ً الذين يصيحون ويقولون كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما أخطأ خالد بن الوليد ـ وهو القائد الأعلى للجيش الإسلامي ـ فقال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: « اللَّهُمَّ إني أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ » وقالها كلمة مدوية لازلنا نسمعها اليوم بعد ألف وأربعمائة سنة، وكثير من هؤلاء بل جلهم يقولون: "اللهم إنا نبرأ إليك مما يصنع أخي أسامة ، ومن يتسمى باسمه أو يعمل تحت لوائه"، وأذكرك بقول سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لسميك أسامة بن زيد حين قتل رجلاً من الحرقات من جهينة في المعركة بعد ما قال لا اله إلا الله، فعاتبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ((يا رسول الله: إنما قالها تعوذاً أو خوفاً من السيف، فرد عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: فكيف تصنع بلا اله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال: استغفر لي يا رسول الله، قال: كيف تصنع بلا اله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة )).
فيا أسامة ماذا تصنع بلا اله إلا الله إذا حاجتك يوم القيامة.
إن الحياة ـ أخي أسامة ـ لا يصلح أن تكون درساً واحداً فقط، بل يجب أن تكون الحياة دروساً متعددة، هي دروس مختلفة وكما قيل:
وفي كل يوم يُولد المرء ذو الحجا
وفي كل يوم ذو الجهالة يُلحد
وإنني شأني شأن العديد ممن يعنيهم أمر هذه الأمة أشعر -والله- بألم شديد وأشعر بحرقة في قلبي مما أرى من كثير من الشباب الذين كان يمكن أن يكونوا مبدعين وبنّائين ومصلحين وايجابيين وطلبة علم أو مخترعين أوقادة لأمتهم أن يتحولوا إلى قنابل متفجرة، وربما أصبح أصدقاء اليوم أعداء الغد، فلو أن هؤلاء ألمّت بهم ظروف لوجدت أن بعضهم قد يتعامل مع البعض الآخر كما يتعاملون الآن مع خصومهم وأعدائهم.
إن ثمت سؤالاً ملحاً من حقك أن تطرحه على نفسك ومن حق الآخرين أن يقولوه: ماهي حصيلة هذه السنوات الطوال من الآلام والمآسي والدموع والضحايا؟! .
أسال الله تبارك وتعالى أن يجمع الشمل على الحق والهدى وأن يهدينا جميعاً لما يحب ويرضى .
سلمان بن فهد العودة .
ا.هـ
جزا الله الشيخ سلمان العوده خير الجزاء ..
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بعث فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة برسالة مفتوحة إلى أسامة بن لادن جوابًا على سؤال أحد مشاهدي برنامج حجر الزاوية والذي يبث من محطة ام بي سي وذلك يوم الجمعة 2 رمضان 1428هـ الموافق 14 سبتمبر 2007 م.. و"الإسلام اليوم" إذ يتابع الانتشار العريض، والصدى الواسع لهذه الرسالة، فإنه يتيح للجميع الاطلاع على الرسالة مكتوبة..
سائلين الله أن يحقق مقصدها، وأن يهدي الجميع لما اختلف فيه من الحق بإذنه.
أخي أسامة :
كم من الدماء أريقت؟ وكم من الأبرياء والأطفال والشيوخ والعجزة والنساء الذين قُتلوا أو شُردوا أو طُردوا باسم "القاعدة" ؟!
أيسرك أن تلقى الله تبارك وتعالى تحمل هؤلاء الناس على ظهرك وهم يعدون بمئات الآلف أو بالملايين ؟!
ألم تتذكر قول القائل :
وَلَسْتُ بقاتِل رَجُلا يُصَلي
على سُلْطَان آخرَ منْ قُرَيْش
له سُلْطَانُهُ وَعَلَيَّ إثْمِي
مَعاذَ الله منْ سَفَه وَطَيْش
أأقتل مسلماً في غير جرم
فليس بنافعي ما عشت عيشي
وكيف ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِى عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِى لِمَنْفَعَةٍ ». هذا الدين الذي يرعى حرمات الدماء ـ حتى الطيور والحيوانات ـ لايمكن أن يقبل بقتل الأبرياء، أياً كانت الأسباب وأياً كانت الدوافع، ألم تقرأ قول النبي -صلى الله عليه وسلم عن النبي الذي أحرق بيتاً من النمل - يقول صلى الله عليه وآله وسلم « نَزَلَ نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجِهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا وَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ فِي النَّارِ - قَالَ - فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً ».
إن الله تعالى أوحى لذلك النبي أمن أجل نملة واحدة قرصت أحرقت قرية من النمل تسبح الله عز وجل ؟ !
فكيف بالناس والبشر ؟
من المسئول عن شباب كثير من المسلمين وعن فتيان مازالوا في مقتبل أعمارهم يعيشون في نشوة الحماس وفي بداية الالتزام ذهبوا في طريق لا يعرفون نهايته وربما ضلت بهم هذه السبل وهذه الطرق؟!
إن صورة الإسلام اليوم - أخي أسامة بن لادن- ليست في أفضل حالاتها لقد تحدث الناس في العالم كله أن الإسلام يقتل من لا يدينون بهذا الدين، وتحدث أيضاً أن السلفية تقتل من لا يدينون بها من المسلمين بينما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل المنافقين الذين نزل الخبر من الله بأنهم في الدرك الأسفل من النار وعلل -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله « لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ».
أخي أسامة : إن ما جرى في 11 سبتمبر ـ والذي استنكرناه من أول لحظات وقوعه ـ هو قتل لبضعة آلاف ـ ربما أقل من ثلاثة آلاف ـ ممن ما توا في الطائرات أو ماتوا في مثل هذه الأبراج، بينما تجد دعاة مغمورين -قد لا نعرفهم جميعاً- هدى الله على أيديهم عشرات بل مئات الآلاف فاهتدوا إلى الإسلام واستناروا بنوره وامتلأت قلوبهم بحب الله ـ عز وجل ـ أفلا ندرك حينئذ الفرق بين من قتل وبين من أحيا؟! وربنا سبحانه يقول : ( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً )(المائدة: من الآية32) ، فإحياء نفس واحدة بالعلم أو بالإيمان هو الفتح المبين وهو الأجر العظيم.
أخي أسامة : إن تدمير شعب بأكمله كما يجري في أفغانستان [ووضعه] في متاهة ومجاعة، وقد فقد البنية التحتية وكل عوامل الحياة والتواصل، أو تدمير شعب آخر كما يجري في العراق ـ أيضاً ـ يعني أكثر من ثلاثة ملايين مشرد بين الأردن وسوريا فقط، فضلاً عمن ذهبوا إلى بلاد أخرى في الغرب أو في الشرق إن شبح الحرب الأهلية الذي يُخيم على أفغانستان أو يُخيم على العراق ـ أيضاً ـ ليس مما يفرح به المسلم، وقد سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً اسمه حرب فغيّر اسمه لأنه يكره الحرب، وربنا سبحانه أيضاً يقول: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ )(البقرة: من الآية216) ،فهو أمر مكروه لا يلجأ إليه الإنسان إلا حينما يكون مضطراً لا حيلة له.
مَن المستفيد من محاولة تحويل بلد ـ كالمغرب العربي أو كالجزائر أو لبنان أو السعودية أو أي بلد آخر ـ إلى بلاد يشيع فيها الخوف ولا يأمن فيها المرء على نفسه؟!
- هل الوصول إلى سدة الحكم مقصد ؟
- وهل هو الحل ؟
- وهل ثمت تصميم على الوصول ـ حتى لو كان على جثث الآلاف ومئات الآلاف من رجال الشرطة ـ من رجال الجيش، من عوام المسلمين ، من الأبرياء الذين يقتلون أحياناً ويُقال : يبعثون على نياتهم ؟ !
نعم هم يُبعثون على نياتهم، لكن الشأن كيف نُبعث نحن وبأي وجه نلقى ربنا ـ عز وجل ـ حينما نلقاه بمثل هذا العدد الكبير من الدماء التي نُزفت وسُفكت ربما تحت مظلتنا شئنا أم أبينا أردنا أم لن نرد؟!
إن هَمَّ إيصال الرسالة إلى الناس.. هَمَّ الدعوة.. هَمَّ التأثير على الآخرين وتغيير قناعات الآخرين، أهم وأعظم من هَمَّ قهر الناس وأخذهم بالقوة والشدة، ولقد بعث الله نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- هادياً ولم يبعثه جابياً، كما كان يقول عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- وأرضاه.
من هو المسئول ـ أخي أسامة ـ عن تنشيط كثير من أفكار التكفير والتفجير والقتل والتي شاعت داخل الأسرة الواحدة وبموجبها أصبح الابن يُكفّر أباه ـ أحياناً ـ ويُكفّر أخاه، وربما قتل قريبه بدم بارد، وربما تقرّب إلى الله بمثل هذا المعنى بدلاً من أن تظلل هذه الأسرة المسلمة روح السكينة والإخاء والإيمان!
من المسئول عن شباب تركوا أمهات مكلومات يعانين الألم؟ أو تركوا زوجات محزونات أو تركوا أطفالاً أو صغاراً يطول بهم الانتظار والسؤال أين أبي؟ أين أبي؟
ولكن لا مجيب وقد يكون الأب قتيلاً! وقد يكون ضائعاً مجهولاً لا يُدرى أين انتهت به خطواته!.
من المسئول .. ؟
عما جرى من ملاحقة الحكومات الغربية للعمل الخيري وحرمان الأيتام والفقراء والمحاويج في إفريقيا وفي غيرها من لقمة العيش ومن المدرسة ومن الكساء ومن غير ذلك، من المسئول ـ أخي أسامة ـ عن اكتظاظ السجون في العديد من البلاد العربية والإسلامية بالشباب، هذا الاكتظاظ الذي أفرز موجة جديدة من التكفير، ومن العنف، ومن القتل، ومن النقمة على المجتمع ؟ !
ألا يسعك ـ أخي أسامة ـ ما وسع سيدي وسيدك محمداً ـ عليه الصلاة والسلام ـ الذي بعث رحمة للعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)؟
إن الرحمة في قاموس الحرب لا وجود لها
- أين الرحمة في قتل الناس؟ !
- أين الرحمة في التفجير؟ !
- أين الرحمة في الاستهداف؟ !
- أين الرحمة في تحول كثير من بلاد المسلمين إلى مناطق للحرب والقتال لقد فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- الجزيرة ودانت له كلها دون مجازر بل الذين قتلوا على مدى وجود الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قيد الحياة على مدى ثلاث وعشرين سنة يُعدون نحو مائتين أو أقل من ذلك، وقد يكون من قتل من المسلمين أضعاف من قتل من أعدائهم.
- ماذا عسى أن يفعل مائة شاب في الجزائر؟ أو ضعفهم في لبنان؟.. أو أكثر منهم أو أقل في السعودية حينما يقومون بأعمال عنف أو كما يسمونها أعمال انتحارية ؟ !
هذه الأعمال التي يصح عليهم أن يقولون أنها "تفقأ العين، وتكسر السن، ولكنها لا تنكأ عدواً، ولا تقتل صيدا، " .
هب أن بعض هؤلاء أمسك بزمام الأمر أو وصل إلى سدة الحكم ـ أيضاً ـ ماذا عساهم أن يصنعوا؟ ، وهم لم يتترسوا بخبرة حياتية يستطيعون بها أن يتولوا الأمور بشكل جيد، ولا بعلم شرعي يُعززهم في طريقهم ولا بعلاقات واسعة وقوية مع الخاص والعام !
هل اختصرنا الإسلام في طلقة أو رصاصة أو بندقية ؟
وهل تحولت الوسيلة إلى غاية ؟
وهل المنهج الذي مضى وجرى عليه عدد من الشباب وفي أكثر من مكان هل هو وحي مُنزّل لا يسعهم مراجعته ولا تصحيحه؟.. أم إنه محاولة بشرية يعتريها الخطأ؟.. إذا كان محاولةً بشرية قابلة للرد وقابلة للتصحيح فإنني أقول:
إن إخواناً لك - أخي أسامة - في مصر وفي الجزائر وفي غيرها من بلاد المسلمين قد أدركوا مغبة هذا الطريق، وخطورته ووجدوا الشجاعة أن يعلنوا عبر كتب وعبر برامج وعبر مواقع إلكترونية أن هذا الطريق خاطئ.. وأنه لا يؤدي إلى المقصود، وأن يستغفروا الله تبارك وتعالى مما جرى، وأعلنوا ندمهم على ذلك وكما قيل :
إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ
وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا
وما أحوج شجعان القلوب إلى أن يكونوا شجعان العقول ـ أيضاً ـ .
أفلا نسمع صوت العلماء والمخلصين والناصحين والمؤمنين وعبّاد الأسحار والليل والذاكرين الله تعالى كثيرا،ً الذين يصيحون ويقولون كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما أخطأ خالد بن الوليد ـ وهو القائد الأعلى للجيش الإسلامي ـ فقال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: « اللَّهُمَّ إني أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ » وقالها كلمة مدوية لازلنا نسمعها اليوم بعد ألف وأربعمائة سنة، وكثير من هؤلاء بل جلهم يقولون: "اللهم إنا نبرأ إليك مما يصنع أخي أسامة ، ومن يتسمى باسمه أو يعمل تحت لوائه"، وأذكرك بقول سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لسميك أسامة بن زيد حين قتل رجلاً من الحرقات من جهينة في المعركة بعد ما قال لا اله إلا الله، فعاتبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ((يا رسول الله: إنما قالها تعوذاً أو خوفاً من السيف، فرد عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: فكيف تصنع بلا اله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال: استغفر لي يا رسول الله، قال: كيف تصنع بلا اله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة )).
فيا أسامة ماذا تصنع بلا اله إلا الله إذا حاجتك يوم القيامة.
إن الحياة ـ أخي أسامة ـ لا يصلح أن تكون درساً واحداً فقط، بل يجب أن تكون الحياة دروساً متعددة، هي دروس مختلفة وكما قيل:
وفي كل يوم يُولد المرء ذو الحجا
وفي كل يوم ذو الجهالة يُلحد
وإنني شأني شأن العديد ممن يعنيهم أمر هذه الأمة أشعر -والله- بألم شديد وأشعر بحرقة في قلبي مما أرى من كثير من الشباب الذين كان يمكن أن يكونوا مبدعين وبنّائين ومصلحين وايجابيين وطلبة علم أو مخترعين أوقادة لأمتهم أن يتحولوا إلى قنابل متفجرة، وربما أصبح أصدقاء اليوم أعداء الغد، فلو أن هؤلاء ألمّت بهم ظروف لوجدت أن بعضهم قد يتعامل مع البعض الآخر كما يتعاملون الآن مع خصومهم وأعدائهم.
إن ثمت سؤالاً ملحاً من حقك أن تطرحه على نفسك ومن حق الآخرين أن يقولوه: ماهي حصيلة هذه السنوات الطوال من الآلام والمآسي والدموع والضحايا؟! .
أسال الله تبارك وتعالى أن يجمع الشمل على الحق والهدى وأن يهدينا جميعاً لما يحب ويرضى .
سلمان بن فهد العودة .
ا.هـ
جزا الله الشيخ سلمان العوده خير الجزاء ..
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته