ابراهيم بن علي العثماني
09-29-2007, 03:45 PM
يمثل هذا اليوم السابع عشر من رمضان من كل عام ذكرى غزوة بدر الكبرى أولى المعارك الفاصلة بين المسلمين والكافرين التي تمثل نقطة تحول كبرى في تاريخ المسلمين حيث التقى جيش المسلمين بجيش الكافرين في الموقعة الشهيرة التي لا تزال ذكراها خالدة إلى يومنا هذا منذ السنة الثانية من الهجرة, فتبوأت موقعاً ريادياً في التاريخ الإسلامي وفي أفئدة المسلمين, بعد أن انتصرت راية الحق والعدالة وأحبطت جيش الظلم والعدوان فسطرها التاريخ بمداد من ذهب لا يزال بريقه يضيء سماء محافظة بدر التي اقترن اسمها باسم الغزوة الشهيرة واحتضن ترابها الأجساد الطاهرة ممن سقطوا شهداء غزوة بدر الكبرى.. سبب الغزوة يعود إلى أن كفار قريش اضطهدوا من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين ممن أرادوا اللحاق به إلى المدينة المنورة حيث إخوانهم من الأنصار وفتنوهم في دينهم وطردوهم من مكة المكرمة وجردوهم من أموالهم حتى أصبح المسلمون في مكة مابين مفتون في دينه ومعذب في أيدي المشركين وبين هارب في البلاد فراراً بدينه.
ردة الفعل
حين علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا (قافلة) لقريش محملة بأموال طائلة تقدر بخمسين ألف دينار وحمولة ألف بعير يحرسها أربعون رجلاً فقط كانت في طريق عودتها من الشام إلى مكة المكرمة.
أعلن صلى الله عليه وسلم في المسلمين قائلاً هذه “عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل اللَّه ينفلكموها”. ولم يعزم على أحد بالخروج، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة، لأنه لم يكن يتوقع عند هذا الانتداب أنه سيصطدم بجيش مكة - بدل العير - في غزوة بدر، ولذلك تخلف كثير من الصحابة في المدينة، وهم يحسبون أن مضي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذا الوجه لن يعدو ما ألفوه في السرايا الماضية، ولذلك لم ينكر عليه الصلاة والسلام على أحد تخلفه في هذه الغزوة, فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً معهم فرسان وسبعون بعيراً, بحيث يتعاقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد كما قسم جيشه إلى كتيبتين حيث قاد علي بن أبي طالب كتيبة المهاجرين فيما قاد سعد بن معاذ كتيبة الأنصار , فمضى الجيش الإسلامي غير المتأهب على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مكة، حتى بلغ بئر الروحاء ولما ارتحل منها ترك طريق مكة إلى يساره، وانحرف يميناً يريد بدراً حتى بلغ وادي رحقان، ثم مر على مضيق وادي الصفراء ثم عبره حتى قرب من الصفراء، وهناك بعث صلى الله عليه وسلم مسلمين إلى بدر لاستقصاء أخبار العير (قافلة قريش).
أبو سفيان والإنذار
أما أبو سفيان المسئول عن القافلة فكان على غاية من الحيطة والحذر فقد كان يعلم أن طريق مكة محفوف بالأخطار، وكان يتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان . ولم يلبث أن نقل إليه بأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد استنفر أصحابه ليوقع بقافلة قريش، وحينئذ أرسل أبو سفيان رجاله مستصرخاً لقريش بالنفير إليهم ليمنعوه من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فوصل النذير إلى قريش في مكة طالباً نجدتهم.
التأهب للمعركة
فتحفز جيش المشركين بمكة فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب، الذي أناب عنه رجلاً كان له عليه دين، وحشدوا من حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي، فلم يخرج منهم أحد. حيث كان جيش المشركين تسعمائة وخمسين، إضافة إلى سبعمائة بعير ومائة فرس وسلاح وعتاد كثير, فالتقى الجيشان في بدر، ورأى المسلمون جيش عدوهم فلجأوا إلى الله عز وجل واستغاثوا وألقوا بأمرهم إليه فاستجاب لهم وأمدهم بالملائكة؛ ثبَّتوهم؛ وقاتلوا معهم؛ ونصرهم الله على عدوهم نصرًا مؤزراً. وكان المشركون الذين أقبلوا كما وصفهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحدهم وحديدهم, يحادون اللَّه ورسوله, وكلهم حمية وغضب وحنق على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه لاجتراء هؤلاء على قوافلهم. حيث تحرك جيش المشركين قبيل المواجهة بسرعة فائقة نحو الشمال في اتجاه بدر، وسلكوا في طريقهم وادي عسفان، ثم قديد، ثم الجحفة، وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان يقول لهم فيها إنكم إنما خرجتم لتحرروا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها اللَّه فارجعوا.
وكان من قصة أبي سفيان أنه كان يسير على الطريق الرئيسي، ولكنه لم يزل حذراً متيقظاً، وضاعف حركاته الاستكشافية، ولما اقترب من بدر تقدم عيره حتى لقي مجدي بن عمرو وسأله عن جيش المدينة، فقال: ما رأيت أحداً أنكره إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا، فبادر أبو سفيان إلى مناخهما، فأخذ من أبعار بعيرهما، ففته، فإذا فيه النوى، فقال : هذه واللَّه علائف يثرب، فرجع إلى عيره سريعاً، وضرب وجهها محولاً اتجاهها نحو الساحل غرباً، تاركاً الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار وبهذا نجا بالقافلة من الوقوع في قبضة جيش المدينة، وأرسل رسالته إلى جيش مكة التي تلقاها في الجحفة.
وقبل أن يبدأ التحام الجيشين وفي ليلة الجمعة السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة , عبأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جيشه ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان غدا إن شاء اللَّه، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء اللَّه ثم بات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع شجرة هنالك وبات المسلمون ليلهم هادئي الأنفاس، غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة قسطهم، يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحاً.
وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد المخزومي - وكان رجلاً شرساً سيئ الخلق - خرج قائلاً أعاهد اللَّه لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن تبر يمينه، ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض.
المبارزة
وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة، فقد خرج بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار، عوف ومعوذ ابنا الحارث - وأمهما عفراء - وعبد اللَّه بن رواحة، فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: أكفاء كرام. ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي فلما قاموا ودنوا منهم قالوا: من أنتم؟ فأخبروهم فقالوا: أنتم أكفاءٌ كرام، فبارز عبيدة - وكان أسن القوم - عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد، فأما حمزة وعلي فلم يمهلا قرنيهما أن قتلاهما، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم كر علي وحمزة على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة، قد قطعت رجله، فلم يزل كذلك حتى مات بالصفراء بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة.
النهاية
وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة بالنسبة إلى المشركين، فقدوا ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة واحدة، فاستشاطوا غضباً، وكروا على المسلمين كرة رجل واحد . وأما المسلمون فبعد أن استنصروا ربهم واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه تلقوا هجمات المشركين المتوالية، وهم مرابطون في مواقعهم، واقفون موقف الدفاع، وقد ألحقوا بالمشركين خسائر فادحة، وهم يقولون أحد أحد . وأما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، حتى إذا حمي الوطيس، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال وبلغت المعركة قمتها قال: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً. وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق وقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على ربك . وأغفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع (أي الغبار) {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} ثم أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشاً وقال: شاهت الوجوه، ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه من تلك القبضة. ثم احتدمت المعركة فقاتل خلالها المسلمون أشد القتال ونصرتهم الملائكة, وانتهت المعركة بهزيمة المشركين هزيمة ساحقة حيث قتل منهم سبعون وأسر سبعون آخرون عامتهم القادة والزعماء والصناديد، فيما من الله على المسلمين بفتح مبين , كما استشهد منهم في هذه المعركة أربعة عشر رجلاً، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
م ن ق و ل لكم
ردة الفعل
حين علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا (قافلة) لقريش محملة بأموال طائلة تقدر بخمسين ألف دينار وحمولة ألف بعير يحرسها أربعون رجلاً فقط كانت في طريق عودتها من الشام إلى مكة المكرمة.
أعلن صلى الله عليه وسلم في المسلمين قائلاً هذه “عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل اللَّه ينفلكموها”. ولم يعزم على أحد بالخروج، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة، لأنه لم يكن يتوقع عند هذا الانتداب أنه سيصطدم بجيش مكة - بدل العير - في غزوة بدر، ولذلك تخلف كثير من الصحابة في المدينة، وهم يحسبون أن مضي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذا الوجه لن يعدو ما ألفوه في السرايا الماضية، ولذلك لم ينكر عليه الصلاة والسلام على أحد تخلفه في هذه الغزوة, فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً معهم فرسان وسبعون بعيراً, بحيث يتعاقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد كما قسم جيشه إلى كتيبتين حيث قاد علي بن أبي طالب كتيبة المهاجرين فيما قاد سعد بن معاذ كتيبة الأنصار , فمضى الجيش الإسلامي غير المتأهب على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مكة، حتى بلغ بئر الروحاء ولما ارتحل منها ترك طريق مكة إلى يساره، وانحرف يميناً يريد بدراً حتى بلغ وادي رحقان، ثم مر على مضيق وادي الصفراء ثم عبره حتى قرب من الصفراء، وهناك بعث صلى الله عليه وسلم مسلمين إلى بدر لاستقصاء أخبار العير (قافلة قريش).
أبو سفيان والإنذار
أما أبو سفيان المسئول عن القافلة فكان على غاية من الحيطة والحذر فقد كان يعلم أن طريق مكة محفوف بالأخطار، وكان يتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان . ولم يلبث أن نقل إليه بأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد استنفر أصحابه ليوقع بقافلة قريش، وحينئذ أرسل أبو سفيان رجاله مستصرخاً لقريش بالنفير إليهم ليمنعوه من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فوصل النذير إلى قريش في مكة طالباً نجدتهم.
التأهب للمعركة
فتحفز جيش المشركين بمكة فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب، الذي أناب عنه رجلاً كان له عليه دين، وحشدوا من حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي، فلم يخرج منهم أحد. حيث كان جيش المشركين تسعمائة وخمسين، إضافة إلى سبعمائة بعير ومائة فرس وسلاح وعتاد كثير, فالتقى الجيشان في بدر، ورأى المسلمون جيش عدوهم فلجأوا إلى الله عز وجل واستغاثوا وألقوا بأمرهم إليه فاستجاب لهم وأمدهم بالملائكة؛ ثبَّتوهم؛ وقاتلوا معهم؛ ونصرهم الله على عدوهم نصرًا مؤزراً. وكان المشركون الذين أقبلوا كما وصفهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحدهم وحديدهم, يحادون اللَّه ورسوله, وكلهم حمية وغضب وحنق على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه لاجتراء هؤلاء على قوافلهم. حيث تحرك جيش المشركين قبيل المواجهة بسرعة فائقة نحو الشمال في اتجاه بدر، وسلكوا في طريقهم وادي عسفان، ثم قديد، ثم الجحفة، وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان يقول لهم فيها إنكم إنما خرجتم لتحرروا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها اللَّه فارجعوا.
وكان من قصة أبي سفيان أنه كان يسير على الطريق الرئيسي، ولكنه لم يزل حذراً متيقظاً، وضاعف حركاته الاستكشافية، ولما اقترب من بدر تقدم عيره حتى لقي مجدي بن عمرو وسأله عن جيش المدينة، فقال: ما رأيت أحداً أنكره إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا، فبادر أبو سفيان إلى مناخهما، فأخذ من أبعار بعيرهما، ففته، فإذا فيه النوى، فقال : هذه واللَّه علائف يثرب، فرجع إلى عيره سريعاً، وضرب وجهها محولاً اتجاهها نحو الساحل غرباً، تاركاً الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار وبهذا نجا بالقافلة من الوقوع في قبضة جيش المدينة، وأرسل رسالته إلى جيش مكة التي تلقاها في الجحفة.
وقبل أن يبدأ التحام الجيشين وفي ليلة الجمعة السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة , عبأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جيشه ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان غدا إن شاء اللَّه، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء اللَّه ثم بات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع شجرة هنالك وبات المسلمون ليلهم هادئي الأنفاس، غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة قسطهم، يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحاً.
وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد المخزومي - وكان رجلاً شرساً سيئ الخلق - خرج قائلاً أعاهد اللَّه لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن تبر يمينه، ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض.
المبارزة
وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة، فقد خرج بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار، عوف ومعوذ ابنا الحارث - وأمهما عفراء - وعبد اللَّه بن رواحة، فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: أكفاء كرام. ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي فلما قاموا ودنوا منهم قالوا: من أنتم؟ فأخبروهم فقالوا: أنتم أكفاءٌ كرام، فبارز عبيدة - وكان أسن القوم - عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد، فأما حمزة وعلي فلم يمهلا قرنيهما أن قتلاهما، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم كر علي وحمزة على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة، قد قطعت رجله، فلم يزل كذلك حتى مات بالصفراء بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة.
النهاية
وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة بالنسبة إلى المشركين، فقدوا ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة واحدة، فاستشاطوا غضباً، وكروا على المسلمين كرة رجل واحد . وأما المسلمون فبعد أن استنصروا ربهم واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه تلقوا هجمات المشركين المتوالية، وهم مرابطون في مواقعهم، واقفون موقف الدفاع، وقد ألحقوا بالمشركين خسائر فادحة، وهم يقولون أحد أحد . وأما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، حتى إذا حمي الوطيس، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال وبلغت المعركة قمتها قال: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً. وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق وقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على ربك . وأغفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع (أي الغبار) {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} ثم أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشاً وقال: شاهت الوجوه، ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه من تلك القبضة. ثم احتدمت المعركة فقاتل خلالها المسلمون أشد القتال ونصرتهم الملائكة, وانتهت المعركة بهزيمة المشركين هزيمة ساحقة حيث قتل منهم سبعون وأسر سبعون آخرون عامتهم القادة والزعماء والصناديد، فيما من الله على المسلمين بفتح مبين , كما استشهد منهم في هذه المعركة أربعة عشر رجلاً، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
م ن ق و ل لكم