حاتم بن منصور منقره
10-21-2007, 09:04 AM
مسرح الطفل العربي ..... بين الواقع والمأمول
لا شك في أن للطفل عقلية خاصة تختلف عن عقلية الكبار ؛ فعالمه لا يتصف بالثبات وفكره متمركز حول ذاته ، فهو يتصور الحياة في لعبه وأشيائه الخاصة ، فخيال الطفل يفوق خيال الكبار .
وانطلاقاً من هذا المبدأ يعد المسرح من أهم السبل للوصول إلى عقل ووجدان الطفل .
والمقصود بالمسرح هنا مسرح الطفل الذي يشارك فيه الأطفال بأنفسهم ، وفى نفس الوقت فهو مُوجَّه إليهم ، ويتعامل مع أحاسيسهم ، ويلبى احتياجاتهم .
ومن المعروف أن المسرح من أهم الوسائط الفاعلة فى بناء شخصية الطفل ، وتنمية قدراته العقلية ، وإعداده ليكون طاقة خلاقة منتجة ، كما أن له تأثير فى الأطفال يفوق وسائل الثقافة الأخرى المقدمة للطفل وذلك لعدة أسباب :-
• إن مسرح الطفل من أكثر الفنون اقتراباً من وجدان الأطفال .
• إن قيام الطفل بممارسة أدواره فى المسرح كفيل بتدريبه على كيفية التعامل مع الآخر .
• يعد مسرح الطفل وسيلة لإكساب الطفل مصادر المعرفة المختلفة ؛ حيث يتم تحويل المقررات الدراسية إلى ألعاب معرفية يتداولها الأطفال فيم بينهم بطريقة محسوسة ؛ وذلك رغبة فى الابتعاد عن الحفظ والتذكر .
• يلعب المسرح دوراً بارزاً فى ترسيخ القيم الأصيلة فى المجتمع ، والتى يتم طرحها على خشبة المسرح ، دون تلقين مفتعل ومتعمد .
• إن مسرح الطفل يعد وسيلة طيبة للترويح عن نفس الأطفال ، والتنفيس عن رغباتهم المكبوتة .
• تنمية الحس الفكاهى لدى الطفل ، والذى يتحقق من خلال التفاعل التلقائى مع ألعاب الدراما الاجتماعية ، حيث يُتاح للطفل تقليد حركات الشخصية التى يقوم بها ، كما يقلد كلامها وأحاديثها.
• كما يعد مسرح الطفل وسيلة هامة من وسائل تنمية لغة الأطفال ، وإمدادهم بالكثير من الكلمات والمعانى التى تسهم فى بناء المحصول اللغوى للأطفال ؛ فاللغة هى مفتاح التعامل مع عالم المعرفة .
وانطلاقاً من أهمية مسرح الطفل فسوف نتناول واقع مسرح الطفل العربى الحالى - وهو أقل بكثير مما يرجوه رجال التربية والمهتمون برعاية الطفولة – مع محاولة تقديم رؤية مستقبلية لما يجب أن يكون علية مسرح الطفل ، بوصفة منارة تربوية وتعليمية للأجيال القادمة .
* واقع مسرح الطفل فى العالم العربى :
يمكن القول – بصفة عامة – إن القصص الخيالية البعيدة عن الواقع ، والتى تعتمد على التهريج والأحلام وقصص السندريلا والأقزام تشكل النواة التى يرتكز عليها مسرح الطفل فى العالم العربى اليوم ، وهى التى تؤدى – حتماً – إلى أن يغرق الطفل فى الأحلام والخيال إلى أن يكبر ، ويصطدم بأرض الواقع .
ولقد كانت البداية عن طريق \" تمثيليات خيال الظل \" والتى جاءت من الصين مع المغول الذين احتلوا العراق ، ثم ظهر هذا الفن على يد ( الحكيم شمس الدين بن محمد بن دانيال بن الخزاعى الموصلى ) واستوطن فى القاهرة وانتقل إلى تركيا عام 1517 م على يد السلطان سليم الأول ، ثم منها انتشر فى أوربا .
ولقد كان ظهور \" فن القراقوز \" فى مصر – فيما بعد – إيذاناً باضمحلال \" تمثليات خيال الظل \" ، ولكنه سرعان ما اندثر ؛ ويرجع السبب فى ذلك إلى عدم النهوض بذلك الفن ، وتطويره ورعايته من قِبَلْ فنانين فقراء الحال والثقافة والهدف والإمكانات الفنية والمادية ، وتلى ذلك ظهور \" المسرح الشعرى الغنائى \" ، وفى مطلع القرن العشرين حدث التحول فى مسرح الطفل ، حيث بدأ عرض مسرحيات الأطفال عام 1964م ، ولقد عاب مسرح الطفل – وقتها – غياب التخطيط ، وعدم الثبات ، والاعتماد على المصادفات فى العمل الفنى .
ويمكننا الآن أن نقول إن حركة مسرح الطفل العربى ظاهرة معاصرة تحاول أن تنمو ، ولكنها تفتقر إلى التنظيم الجيد للنصوص المسرحية ، وكذلك قلة الخبرة فى التعامل مع الأطفال ، والتعبير عن همومهم وأحلامهم . وفى سبيل حديثنا عن مسرح الطفل لابد أن نميز بين نوعين من مسرح الطفل :
1- مسرح للطفل :-
وفية تقدم عروض مسرحية موجهة للأطفال ، وقد تكون عروض تعليمية وتثقيفية .
2- مسرح بالطفل :-
وهو مسرح قائم على الأطفال ؛ من حيث الاشتراك فى كتابة الموضوع ، والتصوير والإخراج المسرحى والديكور ، ومن ثم القيام بتجسيد العمل المسرحى ، وهو فى معظم الأحيان مسرح تعليمى .
وبعد فإن مسرح الطفل تسوده الآن الكثير من المفارقات الفنية والتناقضات الفكرية ، والتى لا تزال تبحث عن خلاص فنى ؛ ذلك لأن الطفل فى حاجة إلى من يعبر عن أفكاره ، ويبنى له تكنيك مسرح شامل ، يحوى كافة المقومات التى تأخذ الطفل إلى عالم مختلف عما يعيشه ؛ حيث يتعلم مما يراه ويشاهده ويسمعه .
فالخطوة الأولى التى يجب أن نتبناها هى خلق مسرح للطفل يكتسب من خلاله الكثير من المفاهيم الدينيه العلمية والخلقية والقيم الاجتماعية ، ومن ثم نصل إلى مسرح للطفل يشارك فيها الأطفال فى وضع رؤية لعرض المقررات الدراسية بأسلوب شيق جميل ، يساعده ويساعد أقرانه فى اكتساب الكثير من المعرفة ، والتى يمكن تمثيلها على خشبة المسرح أو فى الفصل ، ونضع نصب أعيننا أن نضع منهج درامى لكل مرحلة عمرية .
ولكنى أحس بالعبء الثقيل فَحْينَ تصفحت واقع مسرح الطفل فى أوربا والولايات المتحدة رأيت أن هناك فجوة كبيرة بيننا وبينهم فى فهم مسرح الطفل ... ، فهناك يوجد مسارح كثيرة ومتنوعة ذات أفكار جذابة ، ففى كل مدرسة فرقة مسرحية قوية ، ومحتوى مسرحى قوى يتناسب مع الأعمار المختلفة للأطفال الصغار من طفل ما قبل المدرسة حتى الشباب فى الجامعة ، فى حين كان لنا السبق فى هذا المجال من حيث الزمان والنشأة ؛ إلا أننا توقفنا فجأة – ولظروف متعدده – ليتقدموا هم !! . يجعلنا نحاول أن نحذو خطاهم ونجتهد ؛ لكى نصل إلى ما يناسب طبيعتنا ، ولا يفقدنا هويتنا العربية ، ويكون لنا السبق فى التجديد دائماً . لذلك أعرض بعض النقاط التى قد تساعدنا فى وضع تصور مستقبلى لمسرح الطفل فى العالم العربى .
* تصور مستقبلي لمسرح الطفل العربي :
نحاول – من خلاله - أن نوحد جهودنا لاستثمار مسرح الطفل فى إكساب الطفل محتوى تعليمى وبعض القيم الدينيه والأخلاقية ، وكذلك تنمية روح المرح ، والدعابة ورسم البسمة على شفاه الأطفال.
أولاً : لابد أن ينقسم مسرح الطفل إلى نوعين هما :
1- مسرح تمثيلي ( ترفيهي ) :-
وهو هذا المسرح الذى يقوم فيه الأطفال بدور تمثيلى لبعض الأعمال الأدبية التى تحوى مضامين ثقافية رفيعة المستوى، وتنمى الوعى الديني والاجتماعى والخلقى لدى الأطفال، وتكسبهم كثيرًا من العادات السلوكية من خلال معايشة مضمون المسرحية .
2-
مسرح تعليمي ( المسرح كمعين تعليمي ) theater as teaching tools :-
وهو مسرح يبسط المحتوى التعليمى المقدم للأطفال تبعاً للمرحلة العمرية
(طفل ما قبل المدرسة – طفل رياض الأطفال – أطفال المدرسة الابتدائية وما بعدها كل عام دراسى على حدة)
حيث يقدم هذا المسرح المناهج التعليمية فى سياق درامى ممكن أن يكون إنشاديا ً، يشترك فيه الأطفال من أول لحظة ، ويشاركهم العمل المعلمون وبعض المهتمين بالفن المسرحى من مخرجين وممثلين .
القضية الأساسية هى كيفية توظيف الدراما لكى تصبح أداه تدريسية تساعد فى بناء مهارات الأطفال وتعزز فهمهم ، ويتم ذلك عن طريق تكوين ورش عمل لبناء محتوى المنهج ، وتوظيفه التوظيف الصحيح ليناسب المستوى التحصيلى لجميع الأطفال ، ويشارك فى هذا الإعداد التربويون وأولياء الأمور وبعض المشتغلين بقضايا الطفل من رجال المجتمع حتى يصلوا إلى تصور مقترح لمحتوى المسرحية ، والتى يتم صياغتها صياغة درامية من قبل متخصص ، يملك الحرفية فى التعامل مع الأطفال ، ويكون ملماً باللغة المناسبة والمحتوى التعليمى المقدم ، ويضع فى حساباته التصور الذى توصل إليه الأطفال ، وقد يستمر العمل شهوراً يشعر فيها الأطفال بالتعايش الكامل مع العمل الدرامى الذى يشاركون فى صنعه ، ويستعدون لتمثيل الشخصيات الدرامية بالمسرحية ، وكل ذلك يؤدى إلى نمو اتجاه الأطفال نحو تعلم المواد الدراسية .
ونقوم الآن بعرض برنامج العمل فى التدريس من خلال المسرح :
T3 - ( Teaching Through Theater )
وهذا البرنامج يرتكز على أن الدراما أداة تعليمية وهنا يقوم الأطفال ومعلم الفصل بقيادة وتوجيه العمل المسرحى مع المعد المسرحى .
* الأهداف العامة للبرنامج :
1- زيادة الفهم والإدراك للمواد .
2- نمو التفكير الناقد .
3- نمو التقييم الذاتى .
4- تعزيز مهارات التعلم التعاونى .
5- التركيز على التواصل مع الآخرين وكذلك مع الذات .
يقوم مدير المدرسة باختيار أحد المدرسين ليكون قائداً للعمل المسرحى (التدريس من خلال المسرح T3) ويكونون فريق عمل لاختيار أعضاء الفريق من الأطفال ، وكذلك اختيار المحتوى التعليمى الذى سوف يقدمونه .
*المدة الزمنية لورش الإعداد للعمل :أربعة أسابيع ( بواقع لقاءين أسبوعياً ) ، يستغرق اللقاء مدة 90دقيقة .
يتبع ذلك فترة تدريب على العمل المسرحى تستغرق ثمانية أسابيع ( بواقع 2 : 3 لقاءات أسبوعياً ) ؛ حتى يتدرب الأطفال على العمل المسرحى جيداً .
يتم مراجعة التصور الدرامى من قبل متخصصين فى هذه المناهج التعليمية مراجعة دقيقة ؛ حتى يصير العمل متكاملاً .
ونقوم بمثل هذه الخطوات إذا أردنا أن نعد مسرحاً تمثيلياً ؛ إلا أنه يجب علينا صياغة الحوار الدرامى بما يتناسب مع المتطلبات العمرية للأطفال ؛ فلا نقدم نص مسرحى لكافة الأطفال – فهذا خطأ – ولكن يجب أولاً أن نحدد المرحلة العمرية التى سوف يقدم لها العمل المسرحى ، ومن ثم صياغة الأهداف التربوية التى توجه هذا العمل ، وبعد ذلك بدأ خطوات الإعداد للعمل الدرامى ، ويا حبذا أن يكون الممثلون فى العمل أطفال أو عرائس مجسمة محببة للطفل وتناسب عمره العقلى .
* استغلال الأناشيد الناجحة فى تقديم عروض على مسرح الطفل :-
لا شك فى أن للأناشيد وجودها فى المجتمع ، يطرب لها الجميع كباراً وصغاراً ؛ فالأناشيد من الفنون المحببة للأطفال ، ينشدونها منذ الصغر بطلاقة – وقد يكون بلا فهم لمعانى الكلمات أحياناً – ومن ثم فإنه بإمكاننا استغلال مثل هذه الدافعية نحو الأناشيد عن طريق انتخاب أفضل الأناشيد على الساحة العربية – والتى تحوز على رضا وإعجاب الأطفال – ثم نقوم بتقديم مضمون تربوى أو تعليمى يتماشى مع الألحان المصاحبة لتلك الأناشيد ، ثم يقوم الأطفال بتقديمها على خشبة المسرح ، مع القيام بالأداء الحركى المناسب الذى يُسهم فى تنمية المهارات الحركية للأطفال ، فضلاً عن الأداء التمثيلى للمضمون التربوى أو التعليمى .
وفى النهاية لابد أن نركز على اختيار الألوان ؛ فالطفل الصغير يحب الألوان الجذابة ، التى تثير انتباهه ، وكذلك عنصر الحركة والإبهار الذى يمثل حجر الزاوية فى جذب الانتباه والتركيز من قبل الأطفال ، كل هذا مع الوضع فى الاعتبار أن ما يقدم لمرحلة عمرية من الأطفال قد لا ينفع لمرحلة أخرى .
أرجو أن أكون على عجالة قد أوضحت المطلوب عمله لكى ننشئ مسرحاً للطفل العربى على أساس سليم ، فنبدأ من حيث انتهى الآخرون ، بدون تقليد مع المحافظة على هويتنا العربية ؛ حتى لا تندثر ثقافتنا وتراثنا ، ونصبح مقلدين للغرب ، هذا لن يتم إلا إذا تضافرت كل الجهود العربية معاً ، وانضم إلى هذا العمل كل الشعوب العربية ، حتى يكون لنا السبق الفنى فى توحيد الشعوب العربية حول فن الأطفال ، فهم شباب المستقبل وحماة الغد الذى نحاول - جاهدين - أن يكون مشرقاً ...........
أحمد فؤاد عبد الحميد بكرى
باحث دكتوراه فى الطفولة المبكرة بكلية التربية - جامعة طنطا
أحد أساتذتي في علم المسرح للأطفال
وقد أجريت على مقاله بعض التعديلات بمايتناسب
مع تعاليم ديننا الإسلامي
محبكم
الممثل المسرحي
أبوالعطاء
لا شك في أن للطفل عقلية خاصة تختلف عن عقلية الكبار ؛ فعالمه لا يتصف بالثبات وفكره متمركز حول ذاته ، فهو يتصور الحياة في لعبه وأشيائه الخاصة ، فخيال الطفل يفوق خيال الكبار .
وانطلاقاً من هذا المبدأ يعد المسرح من أهم السبل للوصول إلى عقل ووجدان الطفل .
والمقصود بالمسرح هنا مسرح الطفل الذي يشارك فيه الأطفال بأنفسهم ، وفى نفس الوقت فهو مُوجَّه إليهم ، ويتعامل مع أحاسيسهم ، ويلبى احتياجاتهم .
ومن المعروف أن المسرح من أهم الوسائط الفاعلة فى بناء شخصية الطفل ، وتنمية قدراته العقلية ، وإعداده ليكون طاقة خلاقة منتجة ، كما أن له تأثير فى الأطفال يفوق وسائل الثقافة الأخرى المقدمة للطفل وذلك لعدة أسباب :-
• إن مسرح الطفل من أكثر الفنون اقتراباً من وجدان الأطفال .
• إن قيام الطفل بممارسة أدواره فى المسرح كفيل بتدريبه على كيفية التعامل مع الآخر .
• يعد مسرح الطفل وسيلة لإكساب الطفل مصادر المعرفة المختلفة ؛ حيث يتم تحويل المقررات الدراسية إلى ألعاب معرفية يتداولها الأطفال فيم بينهم بطريقة محسوسة ؛ وذلك رغبة فى الابتعاد عن الحفظ والتذكر .
• يلعب المسرح دوراً بارزاً فى ترسيخ القيم الأصيلة فى المجتمع ، والتى يتم طرحها على خشبة المسرح ، دون تلقين مفتعل ومتعمد .
• إن مسرح الطفل يعد وسيلة طيبة للترويح عن نفس الأطفال ، والتنفيس عن رغباتهم المكبوتة .
• تنمية الحس الفكاهى لدى الطفل ، والذى يتحقق من خلال التفاعل التلقائى مع ألعاب الدراما الاجتماعية ، حيث يُتاح للطفل تقليد حركات الشخصية التى يقوم بها ، كما يقلد كلامها وأحاديثها.
• كما يعد مسرح الطفل وسيلة هامة من وسائل تنمية لغة الأطفال ، وإمدادهم بالكثير من الكلمات والمعانى التى تسهم فى بناء المحصول اللغوى للأطفال ؛ فاللغة هى مفتاح التعامل مع عالم المعرفة .
وانطلاقاً من أهمية مسرح الطفل فسوف نتناول واقع مسرح الطفل العربى الحالى - وهو أقل بكثير مما يرجوه رجال التربية والمهتمون برعاية الطفولة – مع محاولة تقديم رؤية مستقبلية لما يجب أن يكون علية مسرح الطفل ، بوصفة منارة تربوية وتعليمية للأجيال القادمة .
* واقع مسرح الطفل فى العالم العربى :
يمكن القول – بصفة عامة – إن القصص الخيالية البعيدة عن الواقع ، والتى تعتمد على التهريج والأحلام وقصص السندريلا والأقزام تشكل النواة التى يرتكز عليها مسرح الطفل فى العالم العربى اليوم ، وهى التى تؤدى – حتماً – إلى أن يغرق الطفل فى الأحلام والخيال إلى أن يكبر ، ويصطدم بأرض الواقع .
ولقد كانت البداية عن طريق \" تمثيليات خيال الظل \" والتى جاءت من الصين مع المغول الذين احتلوا العراق ، ثم ظهر هذا الفن على يد ( الحكيم شمس الدين بن محمد بن دانيال بن الخزاعى الموصلى ) واستوطن فى القاهرة وانتقل إلى تركيا عام 1517 م على يد السلطان سليم الأول ، ثم منها انتشر فى أوربا .
ولقد كان ظهور \" فن القراقوز \" فى مصر – فيما بعد – إيذاناً باضمحلال \" تمثليات خيال الظل \" ، ولكنه سرعان ما اندثر ؛ ويرجع السبب فى ذلك إلى عدم النهوض بذلك الفن ، وتطويره ورعايته من قِبَلْ فنانين فقراء الحال والثقافة والهدف والإمكانات الفنية والمادية ، وتلى ذلك ظهور \" المسرح الشعرى الغنائى \" ، وفى مطلع القرن العشرين حدث التحول فى مسرح الطفل ، حيث بدأ عرض مسرحيات الأطفال عام 1964م ، ولقد عاب مسرح الطفل – وقتها – غياب التخطيط ، وعدم الثبات ، والاعتماد على المصادفات فى العمل الفنى .
ويمكننا الآن أن نقول إن حركة مسرح الطفل العربى ظاهرة معاصرة تحاول أن تنمو ، ولكنها تفتقر إلى التنظيم الجيد للنصوص المسرحية ، وكذلك قلة الخبرة فى التعامل مع الأطفال ، والتعبير عن همومهم وأحلامهم . وفى سبيل حديثنا عن مسرح الطفل لابد أن نميز بين نوعين من مسرح الطفل :
1- مسرح للطفل :-
وفية تقدم عروض مسرحية موجهة للأطفال ، وقد تكون عروض تعليمية وتثقيفية .
2- مسرح بالطفل :-
وهو مسرح قائم على الأطفال ؛ من حيث الاشتراك فى كتابة الموضوع ، والتصوير والإخراج المسرحى والديكور ، ومن ثم القيام بتجسيد العمل المسرحى ، وهو فى معظم الأحيان مسرح تعليمى .
وبعد فإن مسرح الطفل تسوده الآن الكثير من المفارقات الفنية والتناقضات الفكرية ، والتى لا تزال تبحث عن خلاص فنى ؛ ذلك لأن الطفل فى حاجة إلى من يعبر عن أفكاره ، ويبنى له تكنيك مسرح شامل ، يحوى كافة المقومات التى تأخذ الطفل إلى عالم مختلف عما يعيشه ؛ حيث يتعلم مما يراه ويشاهده ويسمعه .
فالخطوة الأولى التى يجب أن نتبناها هى خلق مسرح للطفل يكتسب من خلاله الكثير من المفاهيم الدينيه العلمية والخلقية والقيم الاجتماعية ، ومن ثم نصل إلى مسرح للطفل يشارك فيها الأطفال فى وضع رؤية لعرض المقررات الدراسية بأسلوب شيق جميل ، يساعده ويساعد أقرانه فى اكتساب الكثير من المعرفة ، والتى يمكن تمثيلها على خشبة المسرح أو فى الفصل ، ونضع نصب أعيننا أن نضع منهج درامى لكل مرحلة عمرية .
ولكنى أحس بالعبء الثقيل فَحْينَ تصفحت واقع مسرح الطفل فى أوربا والولايات المتحدة رأيت أن هناك فجوة كبيرة بيننا وبينهم فى فهم مسرح الطفل ... ، فهناك يوجد مسارح كثيرة ومتنوعة ذات أفكار جذابة ، ففى كل مدرسة فرقة مسرحية قوية ، ومحتوى مسرحى قوى يتناسب مع الأعمار المختلفة للأطفال الصغار من طفل ما قبل المدرسة حتى الشباب فى الجامعة ، فى حين كان لنا السبق فى هذا المجال من حيث الزمان والنشأة ؛ إلا أننا توقفنا فجأة – ولظروف متعدده – ليتقدموا هم !! . يجعلنا نحاول أن نحذو خطاهم ونجتهد ؛ لكى نصل إلى ما يناسب طبيعتنا ، ولا يفقدنا هويتنا العربية ، ويكون لنا السبق فى التجديد دائماً . لذلك أعرض بعض النقاط التى قد تساعدنا فى وضع تصور مستقبلى لمسرح الطفل فى العالم العربى .
* تصور مستقبلي لمسرح الطفل العربي :
نحاول – من خلاله - أن نوحد جهودنا لاستثمار مسرح الطفل فى إكساب الطفل محتوى تعليمى وبعض القيم الدينيه والأخلاقية ، وكذلك تنمية روح المرح ، والدعابة ورسم البسمة على شفاه الأطفال.
أولاً : لابد أن ينقسم مسرح الطفل إلى نوعين هما :
1- مسرح تمثيلي ( ترفيهي ) :-
وهو هذا المسرح الذى يقوم فيه الأطفال بدور تمثيلى لبعض الأعمال الأدبية التى تحوى مضامين ثقافية رفيعة المستوى، وتنمى الوعى الديني والاجتماعى والخلقى لدى الأطفال، وتكسبهم كثيرًا من العادات السلوكية من خلال معايشة مضمون المسرحية .
2-
مسرح تعليمي ( المسرح كمعين تعليمي ) theater as teaching tools :-
وهو مسرح يبسط المحتوى التعليمى المقدم للأطفال تبعاً للمرحلة العمرية
(طفل ما قبل المدرسة – طفل رياض الأطفال – أطفال المدرسة الابتدائية وما بعدها كل عام دراسى على حدة)
حيث يقدم هذا المسرح المناهج التعليمية فى سياق درامى ممكن أن يكون إنشاديا ً، يشترك فيه الأطفال من أول لحظة ، ويشاركهم العمل المعلمون وبعض المهتمين بالفن المسرحى من مخرجين وممثلين .
القضية الأساسية هى كيفية توظيف الدراما لكى تصبح أداه تدريسية تساعد فى بناء مهارات الأطفال وتعزز فهمهم ، ويتم ذلك عن طريق تكوين ورش عمل لبناء محتوى المنهج ، وتوظيفه التوظيف الصحيح ليناسب المستوى التحصيلى لجميع الأطفال ، ويشارك فى هذا الإعداد التربويون وأولياء الأمور وبعض المشتغلين بقضايا الطفل من رجال المجتمع حتى يصلوا إلى تصور مقترح لمحتوى المسرحية ، والتى يتم صياغتها صياغة درامية من قبل متخصص ، يملك الحرفية فى التعامل مع الأطفال ، ويكون ملماً باللغة المناسبة والمحتوى التعليمى المقدم ، ويضع فى حساباته التصور الذى توصل إليه الأطفال ، وقد يستمر العمل شهوراً يشعر فيها الأطفال بالتعايش الكامل مع العمل الدرامى الذى يشاركون فى صنعه ، ويستعدون لتمثيل الشخصيات الدرامية بالمسرحية ، وكل ذلك يؤدى إلى نمو اتجاه الأطفال نحو تعلم المواد الدراسية .
ونقوم الآن بعرض برنامج العمل فى التدريس من خلال المسرح :
T3 - ( Teaching Through Theater )
وهذا البرنامج يرتكز على أن الدراما أداة تعليمية وهنا يقوم الأطفال ومعلم الفصل بقيادة وتوجيه العمل المسرحى مع المعد المسرحى .
* الأهداف العامة للبرنامج :
1- زيادة الفهم والإدراك للمواد .
2- نمو التفكير الناقد .
3- نمو التقييم الذاتى .
4- تعزيز مهارات التعلم التعاونى .
5- التركيز على التواصل مع الآخرين وكذلك مع الذات .
يقوم مدير المدرسة باختيار أحد المدرسين ليكون قائداً للعمل المسرحى (التدريس من خلال المسرح T3) ويكونون فريق عمل لاختيار أعضاء الفريق من الأطفال ، وكذلك اختيار المحتوى التعليمى الذى سوف يقدمونه .
*المدة الزمنية لورش الإعداد للعمل :أربعة أسابيع ( بواقع لقاءين أسبوعياً ) ، يستغرق اللقاء مدة 90دقيقة .
يتبع ذلك فترة تدريب على العمل المسرحى تستغرق ثمانية أسابيع ( بواقع 2 : 3 لقاءات أسبوعياً ) ؛ حتى يتدرب الأطفال على العمل المسرحى جيداً .
يتم مراجعة التصور الدرامى من قبل متخصصين فى هذه المناهج التعليمية مراجعة دقيقة ؛ حتى يصير العمل متكاملاً .
ونقوم بمثل هذه الخطوات إذا أردنا أن نعد مسرحاً تمثيلياً ؛ إلا أنه يجب علينا صياغة الحوار الدرامى بما يتناسب مع المتطلبات العمرية للأطفال ؛ فلا نقدم نص مسرحى لكافة الأطفال – فهذا خطأ – ولكن يجب أولاً أن نحدد المرحلة العمرية التى سوف يقدم لها العمل المسرحى ، ومن ثم صياغة الأهداف التربوية التى توجه هذا العمل ، وبعد ذلك بدأ خطوات الإعداد للعمل الدرامى ، ويا حبذا أن يكون الممثلون فى العمل أطفال أو عرائس مجسمة محببة للطفل وتناسب عمره العقلى .
* استغلال الأناشيد الناجحة فى تقديم عروض على مسرح الطفل :-
لا شك فى أن للأناشيد وجودها فى المجتمع ، يطرب لها الجميع كباراً وصغاراً ؛ فالأناشيد من الفنون المحببة للأطفال ، ينشدونها منذ الصغر بطلاقة – وقد يكون بلا فهم لمعانى الكلمات أحياناً – ومن ثم فإنه بإمكاننا استغلال مثل هذه الدافعية نحو الأناشيد عن طريق انتخاب أفضل الأناشيد على الساحة العربية – والتى تحوز على رضا وإعجاب الأطفال – ثم نقوم بتقديم مضمون تربوى أو تعليمى يتماشى مع الألحان المصاحبة لتلك الأناشيد ، ثم يقوم الأطفال بتقديمها على خشبة المسرح ، مع القيام بالأداء الحركى المناسب الذى يُسهم فى تنمية المهارات الحركية للأطفال ، فضلاً عن الأداء التمثيلى للمضمون التربوى أو التعليمى .
وفى النهاية لابد أن نركز على اختيار الألوان ؛ فالطفل الصغير يحب الألوان الجذابة ، التى تثير انتباهه ، وكذلك عنصر الحركة والإبهار الذى يمثل حجر الزاوية فى جذب الانتباه والتركيز من قبل الأطفال ، كل هذا مع الوضع فى الاعتبار أن ما يقدم لمرحلة عمرية من الأطفال قد لا ينفع لمرحلة أخرى .
أرجو أن أكون على عجالة قد أوضحت المطلوب عمله لكى ننشئ مسرحاً للطفل العربى على أساس سليم ، فنبدأ من حيث انتهى الآخرون ، بدون تقليد مع المحافظة على هويتنا العربية ؛ حتى لا تندثر ثقافتنا وتراثنا ، ونصبح مقلدين للغرب ، هذا لن يتم إلا إذا تضافرت كل الجهود العربية معاً ، وانضم إلى هذا العمل كل الشعوب العربية ، حتى يكون لنا السبق الفنى فى توحيد الشعوب العربية حول فن الأطفال ، فهم شباب المستقبل وحماة الغد الذى نحاول - جاهدين - أن يكون مشرقاً ...........
أحمد فؤاد عبد الحميد بكرى
باحث دكتوراه فى الطفولة المبكرة بكلية التربية - جامعة طنطا
أحد أساتذتي في علم المسرح للأطفال
وقد أجريت على مقاله بعض التعديلات بمايتناسب
مع تعاليم ديننا الإسلامي
محبكم
الممثل المسرحي
أبوالعطاء